المؤلف: نور الدين أبو لحية |
العودة للكتاب: حقوق الأولاد النفسية
والصحية |
الناشر: دار الكتاب
الحديث |
الفهرس
رابعا ـ التهيئة الاجتماعية
للأولاد
وقد شرع الشرع
لهذا التعريف أحسن الأحكام، والتي تجعل ميلاد الولد فألا طيبا في المجتمع، حيث ربط
به وليمة خاصة هي العقيقة، وأمر بتحسين اسمه، لأنه به يعرف في المجتمع.
وللتهيئة
الاجتماعية ميادين أخرى تتعلق بالتربية خصصنا لها فصلا خاصا في الجزء الثالث من
هذه المجموعة، باعتبارها بعدا من أبعاد التربية.
من أهم الحقوق التي تتطلبها التهيئة الاجتماعية
للأولاد اختيار الأسماء الحسنة التي يدعون بها في المجتمع، بل يدعون بها يوم
القيامة، كما قال رسول الله r:(إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم[1] فأحسنوا أسماءكم)[2]
وحق
الأولاد في الأسماء الحسنة ليس حقا ثانويا أو من النوافل التي لا يضر تركها، بل هي
من الواجبات الأساسية التي حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحث أصحابه
عليها، بل يحث الأمة جميعا عليها، قال الشيخ الشعراني :(أخذ علينا العهد العام من
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسمى أولادنا بالأسماء الحسنة، ونرشد جميع
إخواننا إلى ذلك)
وسر ذلك، كما يذكر ابن القيم، هو أن
الأسماء قوالب للمعاني، ولها دلالة عليها، (فلذلك اقتضت الحكمة أن يكون بـينها
وبـينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبـي المحض الذي لا
تعلّق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبى ذٰلك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء
تأثيرٌ في المسميات، وللمسميات تأثّر عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل،
واللطافة والكثافة، كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ إلا
ومعناه إن فكرت في لقبه)[3]
ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم -
يهتم بالأسماء، بل كان لكل شيء من أشيائه التي يملكها اسمه الخاص الذي لا زال إلى
الآن يعرف به[4].
وانطلاقا من هذا، سنبحث في هذا
المبحث أنواع الأسماء من حيث استحسان الشرع لها وحضه عليها، أو من حيث استقباحه
لها وتنفيره منها، وقبل ذلك نعرض لبعض المسائل المتعلقة بهذا الباب.
اتفق الفقهاء على استحباب تسمية
المولود في اليوم السابع أو في اليوم الأول, مع نصهم على جواز ذلك قبله أو بعده،
ومن الأدلة على ذلك:
أما
ما ورد من سنة التسمية في اليوم السابع، فمنه النصوص التالية:
· عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده
:(أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ
بتسمية المولود يومَ سابعهِ، ووضعِ الأذى عنه، والعقّ)[5]
· قوله - صلى الله عليه وسلم - :(كُلُّ
غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، ويُحْلَقُ،
وَيُسَمَّى)[6]
· أما ما ورد من الاستحباب في يوم
الولادة فمنها النصوص التالية:
· عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -
:(وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أبي: إبْرَاهِيم - صلى الله
عليه وسلم -)[7]
· عن أنس - رضي الله عنه - قال: وُلد لأبي طلحةَ غلامٌ، فأتيتُ به النبيّ
- صلى الله عليه وسلم - فحنَّكَه، وسمَّاه عبد اللّه)[8].
· عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله
عنه - قال: أتي بالمنذر بن أبي أُسَيْد
إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - حين وُلد، فوضعه النبيُّ - صلى الله عليه
وسلم - على فخذه وأبو أُسيد جالسٌ، فلَهِيَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بشيء
بين يديه، فأمر أبو أُسيد بابنه فاحْتُمِل من على فخذ النبيّ - صلى الله عليه وسلم
-، فأقلبُوه، فاستفاقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال :(أيْنَ الصَّبِيُّ؟)
فقال أبو أُسيد :(أقلبناه يا رسول اللّه)قال :(ما اسْمُهُ؟)قال: فلان، قال :(لا،
وَلَكِنِ اسْمُهُ المُنْذِرُ)[9] فسمّاه يومئذ
المنذر.
وقد ذكر النووي أن السنة تتحقق
بتسميته يوم السابع أو يوم الولادة، مستدلا بالأدلة السابقة، لكن البخاري حمل
أخبار يوم الولادة على من لم يرد العق، وأخبار يوم السابع على من أراده، وقد أيده
ابن حجر شارحه، فقال :(وهو جمع لطيف لم أره لغيره)
ويرد عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم - :(وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلامٌ
فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أبي: إبْرَاهِيم - صلى الله عليه وسلم -)[10] فقد سماه في يوم ميلاده مع أنه عق عنه.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذهب إليه البخاري من حمل
أخبار يوم الولادة على من لم يرد العق، وأخبار يوم السابع على من أراده، وهو أيده
ابن حجر شارحه، فقال :(وهو جمع لطيف لم أره لغيره)
وسر ذلك أن الوالدين في العادة
يكونان قد حضرا اسما خاصا بابنهما، ثم يؤخران التصريح به إلى العقيقة، فإن لم تكن
هناك عقيقة صرحا به، وهو ما قد تجمع به النصوص.
وقد
يعترض على هذا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يصح الاعتراض به، فالسنة
القولية مقدمة على الفعلية.
تسمية السقط
ومن مات قبل تسميته:
نص
الفقهاء على استحباب تسمية السقط، ومن مات قبل تسميته، فإن لم يُعلم أذكرٌ هو أو
أنثى، سُمِّي باسم يَصلحُ للذكر والأُنثى كأسماء وهند وهُنيدة وخارجة وطلحة
وعُميرة وزُرْعة ونحو ذلك.
قال
الإِمام البغوي :(يُستحبّ تسميةُ السقط)، قال النووي :(قال أصحابنا: ولو مات
المولود قبل تسميته استُحبّ تسميتُه)
وقد ذهب بعضهم[11] إلى أنه لا يسمى إلا بعد أربعة أشهر، معللين ذلك بأنه (لا يبعث
قبلها)وخالف القاضي في المعتمد فقال :(يبعث قبلها)
وهذه مسألة أخروية لذلك نرى الأحوط
هو التسمية مطلقا ،حرصا على تنفيذ ما أمرنا - صلى الله عليه وسلم - بتنفيذه، ثم لا
يضرنا بعد ذلك إذا بعث أو لم يبعث.
اتفق الفقهاء على جواز التصرف في الاسم بما لا يؤثر في معناه
تأثيرا يخرجه إلى الكراهة أو الحضر بالشروط التي سنذكرها، وأهمها أن لا يتأذى بذلك
صاحبه.
وقد كان من أساليب العرب في التصرف
في الأسماء ترخيم الاسم المنتقص، وقد ثبت أن رسول الله r رخم أسماء جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - ، فقال لأبي هريرة
- رضي الله عنه - :(يا أبا هر[12])، وقال لعائشة ـ رضي الله عنها ـ :(يا عائش)ولأنجشة :(يا أنجش)
انطلاقا من قوله - صلى الله عليه وسلم
- :(تسموا بأسماء الأنبياء , وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ,
وأصدقها حارث وهمام , وأقبحها حرب ومرة)[13] نحاول هنا أن
نذكر بعض مواصفات الأسماء المستحبة ليقاس عليها غيرها:
أفضل الأسماء وأجلها وأكثرها حرمة
وأنفعها لصاحبها إذا ما عرف كيف يحترمها هي الأسماء المرتبطة بالله، ولهذا قال -
صلى الله عليه وسلم - :(وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)
وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يشير
على الصحابة - رضي الله عنهم - بهذا النوع
من الأسماء، فعن جابر - رضي الله عنه - أن
النبي r قال لرجل :(سم ابنك عبد الرحمن)[14]، وعن أنس -
رضي الله عنه - أن النبي r سمى ابن أبي طلحة عبد الله
قال ابن القيم معللا محبة الله لهذا
الصنف من الأسماء :(لما كان الاسم مقتضياً لمسماه، ومؤثراً فيه، كان أحبّ الأسماء
إلى إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه، كعبد الله، وعبد الرحمن)[15]
بل إن هذه الأسامي تتفاضل فيما بينها
بحسب الصفة التي يرتبط بها الاسم، وإن كانت أسماء الله كلها حسنى، قال ابن القيم
:(وإضافة العبودية إلى اسم الله، واسم الرحمن، أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما،
كالقاهر، والقادر، فعبد الرحمن أحبّ إليه من عبد القادر، وعبد الله أحبّ إليه من
عبد ربه)[16]
وسر ذلك ـ كما يذكر ابن القيم ـ هو
(أن التعلق الذي بـين العبد وبـين الله إنما هو العبودية المحضة، والتعلّق الذين
بـين الله وبـين العبد بالرحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده، والغاية
التي أوجده لأجلها أن يتألّه له وحده محبةً وخوفاً، ورجاءً وإجلالاً وتعظيماً
فيكون عبداً لله وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون
لغيره، ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب، كان عبد الرحمن أحب
إليه من عبد القاهر)[17]
ونحب أن ننبه هنا إلى أمرين كلاهما
ينبغي التشديد في النهي عنه:
· تحريف
بعض أسماء الله الحسنى بالتصغير والتغيير، وهو حرام، كتحريفهم اسم (عبد القادر)في
بعض مناطق الجزائر بـ (قدور)أو (قادة)أو (عبدقة)، واسم عبد العزيز بـ (عزوز)،
وغيرها، وكل ذلك حرام لارتباطه بأسماء الله، وقد قال تعالى :﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (لأعراف:180)، فهذا التصرف لا يختلف كثيرا عن
الإلحاد في أسماء الله الذي وقع فيه المشركون[18].
· حذف
كلمة (عبد)من بعض أسماء الله، بحيث تنتفي الحكمة من استحبابها، بل قد تصبح من
الأسماء المحرمة إن حملت ما لا ينبغي وصف غير الله به، كما يسمي البعض (عبد
الرحمن)ب (رحمن)أو (الرحماني)
أما إذا لم يكن مما يختص الله تعالى
بالوصف به، فإنه جائز مع كون الأولى هو ربطها باسم الله، قال الشعراني عند ذكر ما سنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - في
الأسماء:(ونمنع بعضهم من تسمية بأسماء الله تعالى، كنافع ومالك ومؤمن وعزيز وحكيم
وعدل وجليل وحليم ووكيل ونحوهم مما ورد، لكن ظواهر الشريعة تشهد بالجواز لورودها
في السنة)
وقد وردت
النصوص الكثيرة الدالة على التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، ومن ذلك قوله - صلى
الله عليه وسلم -:(تسموا بأسماء الأنبياء..)[19]، وإخباره مقررا :(أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم)[20]، بل إنه r سمى ابنه إبراهيم، وعن يوسف
بن عبد الله بن سلام قال سماني النبي - صلى الله عليه وسلم - يوسف)[21] الحديث.
وسر ذلك ـ كما يذكر ابن القيم ـ
أنه:(لما كان الأنبـياء ساداتٍ بني آدم، وأخلاقهم أشرف الأخلاق، وأعمالهم أصح
الأعمال، كانت أسماؤهم أشرف الأسماء. فندب النبـيّ أمته إلى التسمى بأسمائهم)[22]
ومن المصالح المقصودة في التسمي
بأسماء الصالحين ما عبر عنه ابن القيم بقوله:(ولو لم يكن في ذلك من المصالح إلا أن
الاسم يذكر بمسماه، ويقتضي التعلّق بمعناه، لكفى به مصلحةً مع ما في ذلك من حفظ
أسماء الأنبـياء وذكرها، وأن لا تنسى، وأن تذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم)[23]
قال مالك: سمعت أهل المدينة يقولون
ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا رزقوا رزق خير، قال ابن رشد :(يحتمل أن يكونوا
عرفوا ذلك بالتجربة أو عندهم في ذلك أثر)[24]
ونحب أن ننبه هنا كذلك إلى أمرين:
المبالغة في اعتبار تأثير
الاسم:
بحيث ذكر نفعه في الآخرة، ومن ذلك ما روي
عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه: إذا
كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي،
حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي قال الله تعالى لباقيهم: أنتم المسلمون
وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين[25].
ومن ذلك ما ورد في (كتاب الخصائص
لابن سبع)عن ابن عباس - رضي الله عنه -
أنه: إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة
كرامة لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.
خطورة تعرض هذه الأسماء
للعن والسب:
لأن لهذه الأسماء دلالتها الخاصة التي ينبغي أن لا تمر في الأذهان إلا مكللة
بدلائل الاحترام، فاسمه - صلى الله عليه وسلم - مثلا يعقب بالصلاة والسلام عليه،
فلذلك كان في تعريضه للامتهان خطر عظيم.
ومثل ذلك أسماء الأنبياء والأولياء،
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي الجليل:(من أهان لي وليا فقد
بارزني بالمحاربة، وإني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، إني لأغضب لهم كما يغضب الليث
الحرب)[26]
ولهذا اشتد عمر - رضي الله عنه
- في هذا، منبها إلى عظيم خطره، وقد روي
أنه كتب إلى الكوفة لا تسموا أحداً باسم نبي، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء
أبنائهم محمد حتى ذكر له جماعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لهم في ذلك
وسماهم به فتركهم، وروي أنه أراد
أن يغير أسماء أولاد طلحة وكان سماهم بأسماء الأنبياء[27].
وقد ذكر أن سبب نهي عمر - رضي الله
عنه - أنه سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن
الخطاب :(فعل الله بك يا محمد)فدعاه عمر فقال :(أرى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يسب بك والله لا تدعى محمداً ما بقيت)وسماه عبد الرحمن.
وقد ورد في هذا المعنى حديث ضعيف
هو (يسمونهم محمدا ويلعنونهم)[28]، وقد استدل
بهذا بعضهم على النهي عن التسمية بهذا، وهو لا يصح لأن النصوص متواترة بجوازه، وقد
أول الحديث السابق على تقدير صحته بأنه (لا حجة فيه للمنع، بل فيه النهي عن لعن من يسمى محمدا)
وقد أول فعل عمر - رضي الله عنه
- على أن مراده النهي عن التسمية تعظيما
للأنبياء والصالحين أن تهان أسماؤهم، قال القاضي :(والأشبه أن فعل عمر - رضي الله
عنه - هذا إعظام لاسم النبي - صلى الله
عليه وسلم - لئلا ينتهك الاسم)، وقال ابن بطال :(في هذه الأحاديث جواز التسمية بأسماء الأنبياء وقد ثبت عن
سعيد بن المسيب أنه قال أحب الأسماء إلى الله أسماء الأنبياء وإنما كره عمر ذلك
لئلا يسب أحد المسمى بذلك فأراد تعظيم الاسم لئلا يبتذل في ذلك وهو قصد حسن)
بأن يدل على معاني صحيحة، ولهذا ـ
كما سنرى ـ نهي عن الأسماء التي تحمل معاني التزكية، والأصل في هذا الباب قوله -
صلى الله عليه وسلم - :(وأصدقها حارث وهمام)
وقد بين ابن القيم سر الصدق في هذه
الأسماء، فقال :(لما كان كلّ عبد متحركاً بالإرادة، والهمّ مبدأ الإرادة، ويترتب
على إرادته حركته وكسبه، كان أصدق الأسماء اسم همام واسم حارث، إذ لا ينفكّ
مسماهما عن حقيقة معناهما)
ولهذه العلة كان أخنع اسم وأوضعه عند
الله، وأغضبه له اسم: ملك الملوك، وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله،
فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يحب الباطل.
ومن هذا الباب التسمية بـ: سيد
الناس، وسيد الكل، لأن ذلك خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال - صلى
الله عليه وسلم - :(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)، فلهذا لا يجوز لأحد أن
يقول عن غيره: إنه سيد الناس وسيد الكل، كما لا يجوز أن يقول: إنه سيد ولد آدم.
وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا (قاضي
القضاة)وقال: ليس قاضي القضاة إلا من يقضي الحق وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى
أمراً فإنما يقول له: كن فيكون.
ومن هذا الباب نهي رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - عن تسمية العنب كرماً وقال: (الكرم قلب المؤمن)وهذا لأن هذه
اللفظة تدلّ على كثرة الخير والمنافع في المسمى بها، وقلب المؤمن هو المستحقّ لذلك
دون شجرة العنب[29].
وهي الأسماء التي دلت الأدلة ونص
الفقهاء على كراهتها أو تحريمها، نظرا للمعاني التي تحملها ،والتي سنتحدث عنها في
هذا المطلب.
وقد عرفنا هذه الأسامي عن طريقين:
النهي المباشر عنها: كما روي عن
جابر قال: أراد النبي rأن ينهى عن أن
يسمى بيعلى[30] وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع ونحو ذلك، ثم رأيته سكت بعد عنها فلم
يقل شيئاً، ثم قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينه عن ذلك، ثم أراد عمر
أن ينهى عن ذلك ثم تركه)
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(إن عشت إن شاء الله أنهي أمتي أن يسموا نافعاً وأفلح وبركة)[31]
ومعنى إرادة النبي r
أن ينهى عن هذه الأسماء أنه أراد أن ينهى عنها نهي تحريم فلم ينه، وأما النهي الذي
هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية.
وهذا يشبه في عصرنا ـ مع الفارق
العظيم ـ قرارات بعض لدول بمنع أسماء معينة.
تغيير أسماء الصحابة - رضي الله عنهم -: لأن التغيير لا يكون إلا عن اسم مكروه إلى اسم حسن، وقد غير رسول الله r بعض أسماء الصحابة - رضي الله
عنهم - ، بل أسماء الأسماء الأماكن، بل روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان (إذا
سمع الاسم القبيح حوله إلى ما هو أحسن منه)[32] وهو أعم من ذلك كله.
ومن النماذج التي نقلها لنا الرواة،
ما روي عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن
النبي r حمل إليه أبو أسيد ابنا له فقال: ما اسمه ؟ قال فلان قال: لا،
ولكن اسمه المنذر[33])[34]
ومنها ما روي عن أبي هريرة - رضي
الله عنه - أن زينب كان اسمها برة، فقيل
تزكي نفسها، فسماها رسول الله r زينب[35]، وفي حديث آخر عن زينب بنت أبي سلمة قالت: سميت برة. فقال رسول
الله r سموها زينب. قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة فسماها
زينب)[36]
وكأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -
بهذا وضع بديلا لاسم (برة)الذي كان معروفا حينها باسم ثابت هو (زينب)ليسهل التعرف
عليه.
وإن كان هذا قد يعارض بما روي عن ابن
عباس - رضي الله عنه - قال :(كانت جارية
اسمها برة فحول رسول الله r اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال خرج من عند برة)[37]
ومنها ما روي أن النبي r قال لرجل: ما اسمك ؟ قال: أصرم قال: بل أنت زرعة)[38]
ومنها ما روي أنه - صلى الله عليه
وسلم - قال لرجل يكنى أبا الحكم: إن الله هو الحاكم فما لك من الولد ؟ قال سريج
ومسلم وعبد الله. قال: فمن أكبرهم ؟ قال سريج قال فأنت أبو سريج)
ومنها ما روى ابن عمر - رضي الله عنه
- أن رسول الله r غير اسم عاصية وقال: أنت جميلة)
قال أبو داود يذكر الأسماء التي
غيرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(وغير النبي r اسم العاص وعزيز وعتلة - بإسكان التاء وفتحها - وشيطان والحاكم
وغراب وحباب وشهاب , فسماه هاشما وسمى حربا سليما , وسمى المضطجع المنبعث وأرضا
يقال لها عقرة سماها خضرة , وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الدنية سماهم بني
الرشد. وسمى بني مغوية ببني رشدة)
ولما قدم النبـيّ - صلى الله عليه
وسلم - المدينة، واسمها يثرب لا تعرف بغير هذا الاسم، غيره بطيبة (لما زال عنها ما
في لفظ يثرب من التثريب بما في معنى طيبة من الطيب، استحقت هذا الاسم، وازدادت به
طيباً آخر، فأثر طيبها في استحقاق الاسم وزادها طيباً إلى طيبها)
ومنها ما روي عن سعيد بن المسيب بن
حزن عن أبيه أن أباه حزنا جاء إلى النبي r فقال: ما اسمك ؟ قال حزن قال أنت سهل قال: لا أغير اسما سمانيه
أبي، قال ابن المسيب :(فما زالت الحزونة[39] فينا بعد[40])[41]
وقد
استنبط العلماء من إجازة - صلى الله عليه وسلم - له بأن ذلك التغيير ليس (على وجه
المنع من التسمي بها بل على وجه الاختيار، ومن ثم أجاز المسلمون أن يسمى الرجل
القبيح بحسن، والفاسد بصالح ويدل عليه أنه rلم يلزم حزنا لما امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك، ولو كان ذلك لازما لما
أقره على قوله لا أغير اسما سمانيه أبي)، وقال بن بطال :(فيه أن الأمر بتحسين
الأسماء وبتغيير الاسم إلى أحسن منه ليس على الوجوب)
ولا نرى
صحة هذا التعليل لأن هذا لا يمكن النهي عنه عن طريق الجبر، وليس هو كذلك من الأمور
التي رتب عليها الشرع الحدود والتعازير، فيجبره - صلى الله عليه وسلم - على الاسم
الجديد، بل تركه وما اختاره ولو كان فيه كراهة أو إثما.
بل نرى
أن في فعل هذا الصحابي خطأ عظيما، والصحابة مختلفوا المراتب والدرجات، ففرق عظيم
بين هذا الذي اختار تسمية أبيه على تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين
علي - رضي الله عنه - الذي كناه رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بأبـي تراب بجوار بأبـي الحسن، فكانت أحب كنيته إليه، فعن
سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال :(وكانت
أحب , أسماء علي إليه , وإن كان ليفرح , إن يدعى بها)[42]
زيادة على هذا، فقد قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب: من الآية36))، ثم عقب على ذلك بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب: من الآية36)
بعد
هذا..
فقد اعتبر العلماء هذه الأسماء التي
نهى - صلى الله عليه وسلم - عنها، أو طالب بتغييرها نماذج عن الأسماء المنهي عنها،
فلذلك جوزوا القياس في هذا الباب، قال النووي :(قال أصحابنا: يكره التسمية بهذه الأسماء
المذكورة في الحديث وما في معناها ولا تختص الكراهة بها وحدها وهي كراهة تنزيه لا
تحريم)
وانطلاقا من هذا نحاول حصر علل النهي
في العلل التالية:
كما أن أفضل الأسماء وأحبها إلى الله
تعالى هي التي تحمل طابع العبودية لله مرتبطة بصفته وأسمائه الحسنى، فإن أبشع
الأسماء وأقبحها، وأعظمها حرمة هي الأسماء التي تحمل معاني الشرك، فتصف الخلق
بصفات الخالق.
وقد أشار إلى هذا النوع من
الأسماء قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ
مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً
خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ
آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا
آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ)(لأعراف:190)
فمما
ورد في تفسيرها ما نسب إليه - صلى الله عليه وسلم - من قوله :(لما ولدت حواء طاف
بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه (عبد الحارث)فإنه يعيش، فسمته عبد
الحارث فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره)[43]
وهذا
لا يصح، فأمنا حواء ـ عليها السلام ـ كانت أعرف بالله من أن يجرها الشيطان إلى مثل
هذا، والأصح ما روي عن الحسن من أن هذا كان في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم، وعن
قتادة قال كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم اللّه أولاداً فهودوا ونصروا)[44]
وبدل لهذا النوع من السنة قوله - صلى
الله عليه وسلم - :(أخنع الأسماء[45] عند الله رجل تسمى باسم ملك الأملاك)
وقد استدل العلماء بهذا الحديث على
تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد فيه، قال الطحاوي :(المراد بملك
الأملاك الله تعالى فكان المسمى باسم من أسمائه عز وجل متكبرا فرده الله عز وجل بذلك
إلى الخضوع والذلة , إذ كان أكبر أسمائه عز وجل إنما هي صفاته التي يبين بها عز
وجل عن خلقه من الرحمة ومن العزة ومن العظمة ومن الجلال , ومما سوى ذلك عز وجل
فكان بما سوى ذلك من أسمائه عز وجل كاسمه الأعظم مما قد قال عز وجل هل تعلم له
سميا فقصر بالخلق عن ذلك , وتفرد به عز وجل وأضاف أسماءه إليه فقال عز وجل ولله
الأسماء الحسنى فادعوه بها)
ويقاس
على هذا الاسم ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير
الأمراء، بل ألحق به بعضهم التسمية بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس
والجبار.
وقد
اختلف الفقهاء هنا في إلحاق اسم :(قاضي القضاة)أو (حاكم الحكام)وهي من المصطلحات
الإدارية المستعملة في العصور السابقة على قولين:
القول الأول: عدم
الجواز، وهو قول الزمخشري وأيده علم الدين العراقي ردا على تعقب كلام بن المنير
فصوب ما ذكره الزمخشري من المنع، وأيدهم الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة، قال :(يلتحق
بملك الأملاك قاضي القضاة وان كان اشتهر في بلاد الشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك
على كبير القضاة وقد أسلم أهل المغرب من ذلك فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة)
قال
الزمخشري في قوله تعالى :﴿ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(هود: من الآية45):(أي أعدل الحكام وأعلمهم إذ لا
فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل)، قال: ورب غريق في الجهل والجور من مقلدي
زماننا قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر)
وقد ردوا
على ما استدل به المخالفون من قوله - صلى الله عليه وسلم - :(أقضاكم على)بأن
التفضيل في ذلك وقع في حق من خوطب به ومن يلتحق بهم فليس مساويا لإطلاق التفضيل
بالألف واللام.
القول الثاني: الجواز،
وهو قول ابن المنير، ومن الأدلة على ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -:(أقضاكم
على)، فيستفاد منه أن لا حرج على من أطلق على قاضي يكون أعدل القضاة أو أعلمهم في
زمانه أقضى القضاة أو يريد إقليمه أو بلده، مع أن هناك فرقا بين قاضي القضاة وأقضى
القضاة.
وقد رجح
هذا القول ابن حجر، قال :(بل هو الذي يترجح عندي فإن التسمية بقاضي القضاة وجدت في
العصر القديم من عهد أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وقد منع الماوردي من جواز تلقيب
الملك الذي كان في عصره بملك الملوك مع أن الماوردي كان يقال له أقضى القضاة وكأن
وجه التفرقة بينهما الوقوف مع الخبر وظهور إرادة العهد الزماني في القضاة)
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الإعمال الحقيقي
لقوله - صلى الله عليه وسلم - :(أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى باسم
ملك الأملاك)يقتضي القول بحرمة هذا الاصطلاح، لأنه لا فرق بينهما في الدلالة.
زيادة على أن التأويل الذي ذكره ابن
المنير قد يعرض مثله لملك الملوك، بل قيل ذلك حتى رد بعض العلماء على ذلك بقوله تعليقا
على الحديث السابق:(وفي الحديث مشروعية الأدب في كل
شيء، لأن الزجر عن ملك الأملاك والوعيد عليه يقتضي المنع منه مطلقا سواء أراد من
تسمى بذلك أنه ملك على ملوك الأرض أم على بعضها سواء كان محقا في ذلك أم مبطلا مع
أنه لا يخفى الفرق بين من قصد ذلك وكان فيه صادقا ومن قصده وكان فيه كاذبا)
ومما
يروى من تنزه القضاة عن هذا اللقب أن القاضي عز الدين بن جماعة ذكر أنه رأى أباه
في المنام فسأله عن حاله فقال :(ما كان علي أضر من هذا الاسم)، فأمر الموقعين أن
لا يكتبوا له في السجلات قاضي القضاة، بل قاضي المسلمين[46].
وهي الأسماء التي قد تحمل في معانيها
التشاؤم والحزن والألم ونحو ذلك، لما تتركه في نفس الإنسان ومجتمعه من الآثار.
ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم -
يستحبّ الاسم الحسن، وأمر إذا أبردوا إليه بريداً أن يكون حسن الاسم، وكان يأخذ
المعاني من أسمائها في المنام واليقظة، كما رأى أنه وأصحابه في دار عقبة بن رافع،
فأتوا برطبٍ من رطب ابن طاب، فأوله بأن لهم الرفعة في الدنيا، والعاقبة في الآخرة،
وأن الدين الذي قد اختاره الله لهم قد أرطب وطاب.
وتأول سهولة أمرهم يوم الحديبـية من
مجيـىء سهيل بن عمرو إليه.
وندب جماعة إلى حلب شاة، فقام رجلٌ
يحلبها، فقال: (ما اسمك؟)قال: (مرة، فقال: (اجلس)، فقام آخر فقال: (ما اسمك؟)قال:
أظنه حرب، فقال: (اجلس)، فقام آخر فقال: (ما اسمك؟)فقال: يعيش، فقال: (احلبها).
وكان - صلى الله عليه وسلم - يكره
الأمكنة المنكرة الأسماء، ويكره العبور فيها، كما مر في بعض غزواته بـين جبلين،
فسأل عن اسميهما فقالوا: فاضحٌ ومخزٍ، فعدل عنهما، ولم يجز بـينهما.
وللنهي عن هذا النوع من الأسماء
سببان:
أثرها الاجتماعي: لأن الأسماء
ـ كما ذكرنا ـ تدخل في التهيئة الاجتماعية السليمة للإنسان، والناس ينفرون من
الأسماء التي تحمل دلالات غير مرغوبة لهم، فلذلك قد يصبح الاسم سببا لتأذي الناس
من المسمى.
ولهذا نهى - صلى الله عليه وسلم - عن
هذا النوع من الأسماء، مشيرا إلى بعض نماذجها، فقال - صلى الله عليه وسلم -
:(وأقبحها حرب ومرة)[47]
وذلك لأن مسمى الحرب والمرة أكره شيء
للنفوس وأقبحها عندها، فكان أقبح الأسماء حرباً ومرة[48].
ويلحق بهذا (حنظلة، وحزن، وما
أشبههما)
بل يلحق بها (يسار وأفلح ونجيح
ورباح)مع كون معانيها من الفأل الحسن، وذلك لأنها قد تؤدي إلى التطير من جهة أخرى،
(كما إذا قلت لرجل: أعندك يسار، أو رباح، أو أفلح؟ قال: لا، تطيرت أنت وهو من ذلك)
وقد أشار إلى هذا ما ورد في الحديث
من قول النبي r :(لا تسمين غلامك أفلح ولا نجيحا ولا يسارا ولا رباحا , فإنك إذا
قلت: أثم هو ؟ قالوا لا)[49]
والشر ع ـ مع تحريمه للتطير ـ إلا
أنه راعى مشاعر الناس بحيث لا يقع على أسماعهم ما قد يؤذيهم، قال ابن القيم
:(اقتضت حكمة الشارع، الرؤوف بأمته، الرحيم بهم، أن يمنعهم من أسبابٍ توجب لهم
سماع المكروه أو وقوعه، وأن يعدل عنها إلى أسماء تحصل المقصود من غير مفسدة)
ومن جهة أخرى، فإن هذه الأسماء قد
تصبح محل سخرية من الناس، (بأن يسمى يساراً من هو من أعسر الناس، ونجيحاً من لا
نجاح عنده، ورباحاً من هو من الخاسرين)[50]
وقد قال الشاعر هاجيا:
سموك
من جهلهم سديداً والله ما فيك من سداد
أنت
الذي كونه فساداً في عالم الكون
والفساد
فتوصل الشاعر بهذا الاسم إلى ذم
المسمى به.
وقال الآخر:
وسميته
صالحاً فاغتدى بضد اسمه في الورى سائراً
وظن
بأن اسمه ساترٌ لأوصافه فغدا
شاهراً
قال ابن القيم معللا سر تحول الاسم إلى سبب للذم
:(وهذا كما أن من المدح ما يكون ذماً وموجباً لسقوط مرتبة الممدوح عند الناس، فإنه
يمدح بما ليس فيه، فتطالبه النفوس بما مدح به، وتظنّه عنده، فلا تجده كذلك، فتنقلب
ذمًّا، ولو ترك بغير مدح، لم تحصل له هذه المفسدة، ويشبه حاله حال من ولي ولاية
سيئة، ثم عزل عنها)[51]
التأثير النفسي: ويشير إلى
هذا ما روي عن سعيد بن المسيب بن حزن عن أبيه أن أباه حزنا جاء إلى النبي r فقال: ما اسمك ؟ قال حزن قال أنت سهل قال: لا أغير اسما سمانيه
أبي، قال ابن المسيب :(فما زالت الحزونة[52] فينا بعد[53])[54]، فسعيد
ابن المسيب أقر بتأثير هذا الاسم في مسماه.
وقد علل هذا التأثير ابن القيم بقوله
:(لما كان بـين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة، ما بـين قوالب
الأشياء وحقائقها، وما بـين الأرواح والأجسام، عبر العقل من كل منهما إلى الآخر)
ومن أمثلة العبور من المسمى إلى
الاسم، أو العبور من حال الشخص إلى التعرف على اسمه، أن إياس بن معاوية كان يرى الشخص، فيقول: ينبغي أن يكون
اسمه كيت وكيت، فلا يكاد يخطىء.
ومن أمثلة العبور من الاسم إلى
مسماه، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
سأل رجلاً عن اسمه، فقال: جمرة، فقال: واسم أبـيك؟ قال: شهابٌ، قال: ممن؟
قال: من الحرقة، قال: فمنزلك؟ قال: بحرة النار، قال: فأين مسكنك؟ قال: بذات لظى:
قال: اذهب فقد احترق مسكنك، فذهب فوجد الأمر كذٰلك.
فعبر عمر من الألفاظ إلى أرواحها
ومعانيها، كما عبر النبـي من اسم سهيل إلى سهولة أمرهم يوم الحديبـية، فكان الأمر
كذلك.
ولما كان الاسم الحسن يقتضي مسماه،
ويستدعيه من قرب، قال النبـي - صلى الله عليه وسلم - لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم
إلى الله وتوحيده: (يا بني عبد الله إن الله قد حسن اسمكم واسم أبـيكم)قال ابن
القيم :(فانظر كيف دعاهم إلى عبودية الله بحسن اسم أبـيهم، وبما فيه من المعنى
المقتضى للدعوة)[55]
وضرب مثالا على هذا بأسماء الستة
المتبارزين يوم بدر كيف اقتضى القدر مطابقة أسمائهم لأحوالهم يومئذ، فكان الكفار:
شيبة، وعتبة، والوليد، ثلاثة أسماء من الضعف، فالوليد له بداية الضعف، وشيبة له
نهاية الضعف، كما قال تعالى:﴿
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ
جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ﴾(الروم: من الآية54)،
وعتبة من العتب، فدلت أسماؤهم على عتبٍ يحلّ بهم، وضعفٍ ينالهم، وكان أقرانهم من
المسلمين: عليٌّ، وعبـيدة، والحارث - رضي الله عنهم - ثلاثة أسماء تناسب أوصافهم، وهي العلو،
والعبودية، والسعي الذي هو الحرث فعلوا عليهم بعبوديتهم وسعيهم في حرث الآخرة[56].
ومثل ذلك اسمه - صلى الله عليه وسلم
-، قال ابن القيم :(وتأمل كيف اشتق للنبـي - صلى الله عليه وسلم - من وصفه اسمان
مطابقان لمعناه، وهما أحمد ومحمد، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محمد، ولشرفها
وفضلها على صفات غيره أحمد، فارتبط الاسم بالمسمى ارتباط الروح بالجسد، وكذلك
تكنيته لأبـي الحكم بن هشام بأبـي جهل كنية مطابقة لوصفه ومعناه، وهو أحقّ الخلق
بهذه الكنية، وكذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبـي لهب، لما كان مصيره إلى
نار ذات لهب، كانت هٰذه الكنية أليق به وأوفق، وهو بها أحقّ وأخلق)[57]
وهي الأسماء التي تحل أوصافا مبالغا
فيها من الصلاح لمسمياتها، كالتقي، والمتقي، والمطيع، والطائع، والراضي، والمحسن،
والمخلص، والمنيب، والرشيد، والسديد، وغيرها.
ومثل ذلك الألقاب الدالة على هذه المعاني،
قال الشيخ الشعراني نقلا عن شيخه
(علي الخواص)مستنكرا واقعه :(وينبغي اجتناب الألقاب الكاذبة كشمس الدين، وقطب
الدين وبدر الدين ونحوها وإن كان لها معنى صحيح بالتأويل، كأن يقال المراد أنه شمس
دين نفسه، أو قطب دين نفسه، أو بدر دين نفسه وهكذا، وهذا أمر قد عم غالب الناس حتى
العلماء والصالحين، وصاروا يستنكرون النداء بأسمائهم المجردة عن الألقاب كمحمد
وعمر وعلي ونحو ذلك، واتباع السنة أولى. ومن أراد التفخيم لعالم أو صالح فليخاطبه
بلفظ السيادة، كسيدي محمد، وسيدي عمر، ونحو ذلك، فإنه أبعد عن الكذب من قطب الدين ونحوه)
وقد
نص
الفقهاء على كراهة التسمية بهذا التوع من الأسماء، أما تسمية الكفار بذلك، فلا
يجوز التمكين منه، ولا دعاؤهم بشيءٍ من هذه الأسماء، ولا الإخبار عنهم بها، والله
عز وجل يغضب من تسميتهم بذلك.
قال النووي :(مما تعم به البلوى ووقع
في الفتاوى التسمية بست الناس أو ست العرب أو ست القضاة أو بست العلماء ما حكمه
؟ والجواب: أنه مكروه كراهة , شديدة ,
وتستنبط كراهته مما سبق في حديث :(أخنع اسم عند الله)ومن حديث تغيير اسم برة إلى
زينب , ولأنه كذب. ثم اعلم أن هذه اللفظة باطلة عدها أهل اللغة في لحن العوام ;
لأنهم يريدون بست الناس سيدتهم , , ولا يعرف أهل اللغة لفظة ست إلا في العدد)
وقد
دل على النهي على هذا النوع من الأسماء قوله - صلى الله عليه وسلم - :(لا تزكّوا
أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن زينب كان اسمها برة، فقيل تزكي نفسها، فسماها
رسول الله r زينب[58].
كاسم (فرعون)و(قارون)و(النمروذ)وغيرها من
الأسماء التي عرف بها الظالمون والكفار، لما لها من أثر نفسي واجتماعي ـ كما ذكرنا
ـ زيادة على أن فيها إحياء لأسماء ينبغي إماتتها وإهانتها.
فكيف
يخبر شخص عن حبه لمن اسمه (فرعون)مثلا، هل يقول :(أنا أحب فرعون)هكذا بإطلاق، أم
يكتب اسمه بماء الذهب ليعلقه في بيته وذاكرته وينقشه في قلبه، مع أن اسم فرعون لا
ينبغي في الأصل ان يرد على الخاطر إلا مهانا ذليلا كما وصفه القرآن الكريم.
وقد ورد
النص على النهي عن التسمية بهذا النوع من الأسماء في بعض الأحاديث الضعيفة، ومنها
ما روي من حديث بن مسعود نهى رسول - صلى الله عليه وسلم - أن يسمى الرجل عبده أو
ولده حربا أو مرة أو وليدا)[59]
وورد فيه
أيضا حديث آخر عن سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - قال: ولد لأخي أم سلمة ولد فسماه الوليد فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(سميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة
رجل يقال له الوليد هو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه)[60] وفي رواية بشر بن بكر من الزيادة :(غيروا اسمه فسموه عبد الله)
قال
الوليد بن مسلم في روايته قال الأوزاعي :(فكانوا يرونه الوليد بن عبد الملك ثم
رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت الفتن على
الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل)[61]
ويدخل في
هذا الأسماء التي اختص بها غير المسلمين، قال الشعراني :(.. ونمنع بعضهم من تسمية ميخائيل وغبريان ونحوهما كشموال، من
حيث كونها صارت من أسماء اليهود والنصارى، كما نمنع المسلم من لبس العمامة الصفراء
والزرقاء، من حيث كونهما صارا شعارا لأهل الكتابين، ويؤيد ذلك حديث :(من تشبه بقوم
فهو منهم)
وقد سئل الشيخ يوسف القرضاوي عن
(امرأة مسلمة، وزوجها مسلم، تحمل وتضع طفلها بسلام، ولكن بعد الولادة بقليل يموت
الطفل. فقال لها بعض الناس: سميه "عبد المسيح" ليعيش فهل يجوز التسمية
بهذا الاسم الذي ليس من أسماء المسلمين؟ وهل توجد علاقة بين اسم المولود وبين
حياته أو موته؟)
وقد أجاب
الشيخ على حرمتها من جهات ثلاث:
الأولى: أن كل اسم معبد
لغير الله تحرم التسمية به بإجماع المسلمين. سواء كان هذا المضاف إليه نبيا أم
صحابيا أو وليا من الصالحين أم غير ذلك. فلا يجوز أن يسمى المسلم: عبد النبي أو
عبد الرسول أو عبد الحسين أو عبد الكعبة أو غيرها.
الثانية: أن هذا الاسم
خاصة من الأسماء التي يتميز بها غير المسلمين، والتي ينبئ مجرد ذكرها عن الهوية
الدينية لصاحبها. فهو اسم نصراني صرف، والتسمي به من خصائص النصارى وسماتهم
الدينية المميزة. ولهذا كان التشبه بهم في ذلك داخلا في دائرة الحديث القائل :(من
تشبه بقوم فهو منهم) والمراد: التشبه بهم فيما هو من سماتهم الدينية خاصة.
الثالثة: أن التسمية بهذا الاسم للسبب
المذكور في السؤال، وبهذا الدافع بالذات، ضرب من الشرك الذي يحاربه الإسلام. وذلك
لما فيه من اعتماد على غير الله تعالى، وعلى غير الأسباب والسنن الكونية التي
وضعها وأقام عليها نظام هذا الوجود، فشأن هذه التسمية شأن تعليق الودع، ونحو ذلك
مما عده النبي - صلى الله عليه وسلم - شركا، وحذر منه أشد التحذير.
وهي تختلف عن الاسم في أن الغرض منها
تكريم المكنى والتنويه به واحترامه، وهي عرف عربي قصدوا به هذا القصد، فاستحب
عندهم كما قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه والسوءة اللقب
واستحبابه في الشرع ـ كما نرى ـ منوط
بحصول هذا القصد، وتحقق هذا الغرض، فإن خلا منه، أو كان من الأعراف من لا يعتبر
الكنية تشريفا أو تنويها أو أن فيها نوعا من الاحترام، فإن حكمها حينذاك لا يصل
إلى مرتبة الاستحباب.
قال النووي :(يستحب تكنية أهل الفضل
من الرجال والنساء، سواء كان له ولد أم لا , وسواء كني , بولده أو بغيره وسواء كني
, الرجل بأبي فلان أو أبي فلانة، وسواء كنيت المرأة بأم فلان أو أم فلانة، ويجوز
التكنية بغير أسماء الآدميين , كأبي هريرة وأبي المكارم وأبي الفضائل وأبي المحاسن
وغير ذلك، ويجوز تكنية الصغير، وإذا كني من له أولاد كني بأكبرهم، ولا بأس بمخاطبة
الكافر والفاسق والمبتدع بكنيته إذا لم يعرف بغيرها أو خيف من ذكره باسمه مفسدة،
وإلا فينبغي أن لا يزيد على الاسم[62])
أما أدلة ذلك، فهي أكثر من أن تحصى،
قال النووي :(وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بما ذكرته. فأما أصل الكنية فهو أشهر ,
من أن تذكر فيه أحاديث الآحاد)
فقد كان من هديه - صلى الله عليه
وسلم - إطلاق الكنى على أصحابه، فقد كنى
صهيباً بأبـي يحيـى، وكنى علياً - رضي الله عنه -
بأبـي تراب بجوار بأبـي الحسن، وكانت أحب كنيته إليه.
ويستوي في استحباب التكنية ـ بالقصد
الذي ذكرنا ـ الرجال والنساء، وقد ذكرنا حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ (يا رسول اللّه! كلُّ صواحبي لهنّ كُنى، قال:
"فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ اللّه)، وكان لنسائه -
صلى الله عليه وسلم - أيضاً كنى كأم حبـيبة، وأم سلمة.
كان
من هديه - صلى الله عليه وسلم - أنه يكني من لا ولد له، فعن عائشة ـ رضي الله عنها
ـ قالت: يا رسول اللّه! كلُّ صواحبي لهنّ
كُنى، قال: "فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ اللّه)[63]
وعن
علقمة عن بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كناه أبا عبد الرحمن قبل أن
يولدله[64].
وقد
كان من الصحابة - رضي الله عنهم - جماعات
لهم كنى قبل أن يُولد لهم، كأبي هريرة، وأنس، وأبي حمزة، وخلائق لا يُحصون من
الصحابة والتابعين فمن بعدهم، عن
الزهري قال :(كان رجال من الصحابة يكتنون قبل أن يولد لهم)[65]
ولا
كراهةَ في ذلك، لأن القصد ـ كما ذكرنا ـ هو الاحترام لا ذكر الواقع.
وقد روي
أن عمر - رضي الله عنه - قال له :(مالك
تكنى أبا يحيى وليس لك ولد)، فقال :(إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كناني)[66]
وروي عن
فضيل بن عمرو: قلت لإبراهيم :(إني أكنى أبا النضر وليس لي ولد وأسمع الناس يقولون
من اكتنى وليس له ولد فهو أبو جعر)فقال إبراهيم :(كان علقمة يكنى أبا شبل، وكان
عقيما لا يولد له)[67]، وعن علقمة قال :(كناني عبد الله بن مسعود قبل أن يولد لي)[68]، وعن هلال الوزان: قال :(كناني عروة قبل أن يولد لي)[69]
وقد كان
ذلك مستعملا عند العرب، قال الشاعر:
لها كنية عمرو
وليس لها عمرو
كان
من هديه - صلى الله عليه وسلم - من باب العطف على الصغير تكنيته ليربي فيه معاني
الرجولة من صغره، وقد روي عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ
الناس خلقاً، وكان لي أخ يُقال له أبو عمير ـ قال الراوي: أحسبه قال فَطِيمٌ ـ
وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءَه يقول :(يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ
النُغَيْرُ)
وقد كان ذلك من عادة العرب، وكانوا
يقصدون بذلك التفاؤل بأنه سيعيش حتى يولد له، أوللأمن من التلقيب، لأن الغالب أن
من يذكر شخصا فيعظمه أن لا يذكره باسمه الخاص به، فإذا كانت له كنية أمن من
تلقيبه، ولهذا قال قائلهم :(بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليها
الألقاب)وقالوا :(الكنية للعرب كاللقب للعجم)
نص
العلماء على جواز التكني بالذكور والإناث، وإن كان الغالب على التكني أن يكون
بالذكور.
وقد
تكنَّى جماعاتٌ من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - فمن بعدهم بأبي فلانة، فمنهم عثمان بن عفان -
رضي الله عنه - له ثلاث كنى: أبو عمرو،
وأبو عبد اللّه، وأبو ليلى، ومنهم أبو الدرداء وزوجته أُمّ الدرداء الكبرى صحابية
اسمها خيرة، وزوجته الأخرى أُمّ الدرداء الصغرى[70] اسمها
هُجَيْمة، ومنهم أبو ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وزوجته أُمّ ليلى، وأبو
ليلى وزوجته صحابيان. ومنهم أبو أُمامة وجماعات من الصحابة. ومنهم أبو رَيْحانة،
وأبو رَمْثة، وأبو رِيْمة، وأبو عَمْرة بشير بن عمرو، وأبو فاطمة الليثي، قيل اسمه
عبد اللّه بن أنيس، وأبو مريم الأزدي، وأبو رُقَيَّة تميم الداري، وأبو كريمة
المقدام بن معد يكرب، وهؤلاء كلُّهم صحابة.
ومن
التابعين: أبو عائشة مسروقُ الأجدع وخلائق لا يُحصون.
وقد
ثبت في الأحاديث الصحيحة تكنية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة بأبي
هريرة.
اختلف الفقهاء في حكم التكني بكنية
النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي (أبو القاسم)على الأقوال التالية:
القول الأول: لا يجوز التكني بكنيته مطلقاً، أفردها عن اسمه،
أو قرنها به[71]، كان ذلك في محياه - صلى الله عليه وسلم - أوبعد مماته، وقد حكى
البـيهقي هذا القول عن الشافعي، وهو قول الظاهرية، ومن الأدلة على ذلك:
· ما
صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من أنه قال: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي)، وهو
صريح في النهي.
· أن
النهي إنما كان لأن معنى هذه الكنية والتسمية مختصةٌ به، وقد أشار إلى ذلك بقوله -
صلى الله عليه وسلم - :(والله لا أعطي أحداً، ولا أمنع أحداً، وإنما أنا قاسمٌ،
أضع حيث أمرت).
· أن
هذه الصفة ليست على الكمال لغيره.
واختلف هؤلاء في جواز تسمية المولود بقاسم، على
رأيين:
الرأي الأول: الجواز، لأن
العلة عدم مشاركة النبـي - صلى الله عليه وسلم - فيما اختص به من الكنية، وهذا غير
موجود في الاسم.
الرأي الثاني: المنع، لأن
المعنى الذي نهى عنه في الكنية موجود مثله هنا في الاسم سواء، أو هو أولى بالمنع،
ويدل على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - :(إنما أنا قاسم)، فهو إشعار بهذا
الاختصاص.
القول الثاني: أن النهي عن
التكني بأبي القاسم مختص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى
بواحد من الاسمين، وهو قول جماعة من السلف، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· أن
النبـي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تسمى باسمي فلا يتكن بكنيتي، ومن تكنى
بكنيتي فلا يتسم باسمي)، وفي رواية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - :(نهى رسول الله أن يجمع أحدٌ بـين اسمه
وكنيته، ويسمي محمداً أبا القاسم)[72]، فهذا مقيد
مفسر لما في(الصحيحين)من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن التكني بكنيته.
· أن
في الجمع بـينهما مشاركةً في الاختصاص بالاسم والكنية، فإذا أفرد أحدهما عن الآخر،
زال الاختصاص.
القول الثالث: جواز الجمع
بـينهما، فيباح التكني اليوم بأبي القاسم لكل أحد سواء من اسمه محمد وأحمد وغيره،
وهو منقول عن مالك، قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار وجمهور
العلماء قالوا وقد اشتهر أن جماعة تكنوا بأبي القاسم في العصر الأول وفيما بعد ذلك
إلى اليوم مع كثرة فاعل ذلك وعدم الإنكار، ومن الأدلة على ذلك:
· عن علي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله إن ولد لي ولدٌ من بعدك
أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: (نعم)[73]
· عن
عائشة قالت: جاءت امرأة، إلى النبـي فقالت: يا رسول الله إني ولدت غلاماً فسميته
محمداً وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك؟ فقال: (ما الذي أحل اسمي وحرم
كنيتي)أو(ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي)[74]
· أن
أحاديث المنع منسوخة بالحديثين السابقين.
القول الرابع: أن التكني
بأبـي القاسم كان ممنوعاً منه في حياة النبـي - صلى الله عليه وسلم -، وهو جائز
بعد وفاته، ومن الأدلة على ذلك:
· أن
سبب النهي إنما كان مختصاً بحياته، فإنه قد ثبت في(الصحيح)من حديث أنس - رضي الله
عنه - قال: نادى رجل بالبقيع: يا أبا
القاسم، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني لم
أعنك، إنما دعوت فلاناً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(تسموا باسمي ولا
تكنوا بكنيتي).
· أن
في حديث علي إشارة إلى ذلك بقوله :(إن ولد لي من بعدك ولدٌ، ولم يسأله عمن يولد له
في حياته)، ولكن قال علي رضي الله عنه في هذا الحديث: (وكانت رخصة لي)
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم الجمع بين
الاسم والكنية خشية الالتباس، وهو قد يحصل في حياته - صلى الله عليه وسلم - أو بعد
مماته.
والأرجح من جهة أخرى هو استحباب
التسمي باسمه لا التكني بكنيته، لما ورد من النهي عنها، لما ثبت في(الصحيح)من حديث
أنس - رضي الله عنه - قال: نادى رجل
بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا
رسول الله إني لم أعنك، إنما دعوت فلاناً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
:(تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي).
زيادة على أن لكنيته دلالة خاصة[75] برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن القيم :(والصواب أن
التسمي باسمه جائز، والتكني بكنيته ممنوع منه، والمنع في حياته أشدّ، والجمع
بـينهما ممنوع منه، وحديث عائشة غريب لا يعارض بمثله الحديث الصحيح، وحديث علي -
رضي الله عنه - في صحته نظر، والترمذي فيه
نوع تساهل في التصحيح، وقد قال علي: إنها رخصة له، وهذا يدل على بقاء المنع لمن
سواه)[76]
اختلف الفقهاء في حكم التكني بـ (أبي
عيسى)على قولين:
القول الأول: الكراهة، وقد
نسبه ابن القيم إلى قوم من السلف والخلف، ولم يسمهم، ولعل دليلهم في ذلك أن هذا
الاسم (عيسى)إنما سمي به باعتباره اسم المسيح u، وهو لا والد له.
القول الثاني: الجواز، ومن
الأدلة على ذلك:
· عن
زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب ضرب ابناً له يكنى أبا عيسى[77].
· أن
المغيرة بن شعبة تكنى بأبـي عيسى، فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنى بأبـي عبد الله؟
فقال: إن رسول الله كناني، فقال: إن رسول الله - رضي الله عنه - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنا لفي جلجتنا
فلم يزل يكنى بأبـي عبد الله حتى هلك.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الأصل هو
الجواز، ولا يعارض إلا بدليل، ولا دليل في المسألة، قال النووي :(والأصل عدم النهي
حتى يثبت , ولا يتخيل , من هذا كون عيسى بن مريم r لا أب له ; لأن المكنى ليس أبا حقيقة)
بما أن القصد من الكنية هو الاحترام،
وهو لايكون إلا من طرف آخر نحو الشخص، فقد ذكر العلماء أن من الأدب عند تعريف
الإنسان بنفسه أن يعرفها بالاسم لا بالكنية إلا إذا كان لا يعرف بغيرها أو كانت
أشهر.
وفي هذه الحالة يصح التعريف بها من
غير كراهة، ومن أدلة ذلك:
· عن
أم هانئ ـ واسمها فاختة , وقيل: فاطمة , وقيل: هند ـ قالت: أتيت النبي r
فقال :(من هذه ؟)فقلت :(أنا أم هانئ)[78]
· عن
أبي ذر - رضي الله عنه - ـ واسمه جندب ـ
قال: جعلت أمشي خلف النبي r في ظل القمر , فالتفت فرآني فقال: من هذا ؟ فقلت: أبو ذر)[79]
· عن
أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال لي
النبي r: من هذا ؟ قلت :(أبو قتادة)[80]
·
عن أبي هريرة
قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة )[81]
اتفق الفقهاء على تحريم تلقيب
الإنسان بما يكره، قال الله تعالى
:﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَان﴾ (الحجرات: من الآية11)
فقد
نهي في الآية عن التنابز[82] بالألقاب في
معرض النهي عن السخرية واللمز وكل السلوكيات التي قد تضر بالعلاقات الاجتماعية.
وقد
ورد في سبب نزولها عن أبي جبيرة بن الضحاك قال :(كان الرجل منا يكون له الاسمين
والثلاثة فيدعي ببعضها فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية)[83]
وفي
رواية عنه قال: فينا نزلت هذه الآية، في بني سلمة :﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَان)(الحجرات: من الآية11)، قدم رسول الله rوليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول الله rي قول يا فلان فيقولون :(مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا
الاسم)، فنزلت هذه الآية: "ولا تنابزوا بالألقاب")[84]
وقيل:
إن المراد من ذلك مناداة المسلم بـ (يا يهودي يا نصراني)، وهو قول الحسن ومجاهد،
قالا :(كان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني، فنزلت)، ومثله قول
قتادة وأبي العالية وعكرمة :(هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق)
وكلا
المعنيين صحيح، ومن التنابز بالألقاب، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في المعنى
الثاني:(من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)[85]
وقد
روي من التشديد في هذا أن أبا ذر - رضي الله عنه - كان عند النبي r فنازعه رجل
فقال له أبو ذر: يا ابن اليهودية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :(ما ترى ها
هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه)، ونزلت الآية السابقة.
ومنه
أو قريب منه قول ابن عباس - رضي الله عنه -
:(التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن
يعير بما سلف)
ومع هذا، فقد نص الفقهاء على جواز
مخاطبة الإنسان من يتبعه من ولد ومتعلم ونحوهم باسم قبيح تأديبا وزجرا ورياضة إذا
احتيج إلى ذلك.
ومما يروى في ذلك أن أبا بكر الصديق
- رضي الله عنه - قال لابنه عبد الرحمن:
يا غنثر[86])[87]
نص
الفقهاء على جواز تلقب الإنسان بوصف يغلب عليه من باب التعريف له بشرط عدم كراهة
الملقب للقبه، وذلك كالتلقيب بـ (الأعرج والأحدب وغيرها)
وهو
مما اتفق الفقهاء على جوازه، قال القرطبي :(جوزته الأمة وأتفق على قول أهل الملة)،
وعلى هذا المعنى ترجم البخاري رحمه الله في في باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم
الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل، قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
:(ما يقول ذو اليدين)
ومثل
ذلك مما نص على جوازه ما كان ظاهره الكراهة، ولكن الغرض منه الصفة لا العيب من باب
الضرورة، وقد سئل عبدالله بن المبارك عن الرجل يقول: حُميد الطويل، وسليمان
الأعمش، وحُميد الأعرج، ومروان الأصغر، فقال: إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس
به.
وقد
روي عن عبدالله بن سرجس قال: رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر)[88] في رواية الأصيلع.
ويستوي في ذلك ما لو كان صفة كالأعمش والأعمى
والأعرج والأحول والأصم والأبرص والأصفر والأحدب والأزرق والأفطس والأشتر والأثرم
والأقطع والزمن , والمقعد والأشل. أو كان صفة لأبيه أو لأمه , أو غير ذلك مما
يكرهه.
قال القرطبي :(واتفقوا على جواز ذكره
بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك , ودلائل كل ما ذكرته , مشهورة حذفتها
لشهرتها)
ونرى
أن هذا، وخاصة بعد ما بولغ فيه، يصرف عن الأسماء الشرعية المستحبة، زيادة على أن
الحياء قد يغلب على بعض الناس، فيستحيي من إظهار كراهته لما لقب به، بل هو في حال
إظهاره للغضب قد يصير محلا للسخرية منه به، فلذلك تبدو منه اللامبالاة التي لا
تعبر عن شعوره الحقيقي.
وقد
أنكر ابن العربي على أهل زمانه المبالغة في هذا، قال :(وقد ورد لعمر الله من ذلك
في كتبهم ما لا أرضاه في صالح جزرة، لأنه صحف (خرزة)فلقب بها، وكذلك قولهم في محمد
بن سليمان الحضرمي (مطين)، لأنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين، ولا
أراه سائغا في الدين)
وقد كان موسى بن علي بن رباح المصري يقول :(لا
أجعل أحدا صغر اسم أبي في حل، وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين)
ويدخل في هذا الباب ـ مع الاتفاق على
جوازه للضرورة، ان ينادي شخصا لا يعرف اسمه بعبارة لا يتأذى بها كـ (يا أخي يا
فقير يا فقيه يا صاحب الثوب الفلاني , ونحو
ذلك)
وقد روي من ذلك أن النبي r قال لرجل يمشي بين القبور :(يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك)[89], بل روي أن
النبي r كان إذا لم يحفظ اسم الرجل قال :(يا ابن عبد الله)[90]
اتفق الفقهاء على استحباب مخاطبة
الإنسان باللقب الذي يحبه بالشروط التي سبق ذكرها في الأسماء، وذلك لما ورد من
النصوص الدالة على ألقاب الصحابة - رضي الله عنهم - ، ومحبتهم لتلك الألقاب.
ومن ذلك تلقيب أبي بكر - رضي الله
عنه - بالعتيق، لأن اسمه عبد الله بن
عثمان , ولقبه عتيق[91] , وهو لقب خير , ومن الأقوال في سبب تسميته عتيقا ما روي عن عائشة
ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله r قال :(أبو بكر عتيق الله من النار)فمن يومئذ سمي عتيقا.
ومنها (أبو تراب)، وهو وإن كان في
ظاهره كنية إلا أن له حكم اللقب، وهو لقب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كنيته أبو الحسن , وقد ورد في سبب تلقيبه به
:(أن رسول الله r وجده نائما في المسجد وعليه التراب فقال: قم أبا
تراب)[92] فلزمه هذا
اللقب الحسن، وقد روي عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال :(وكانت أحب أسماء علي إليه , وإن كان
ليفرح , إن يدعى بها)
ومنها (ذو اليدين)واسمه الخرباق -
بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة , وآخره قاف - كان في يده طول، فقد ثبت في
الصحيح أن رسول الله r
كان يدعوه ذا اليدين.
قال
أبو عبدالله بن خويز منداد في قوله تعالى :﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَان)(الحجرات: من الآية11):(تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه
بما يحب، ألا ترى أن النبي r لقب عمر
بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا
هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين، في أشباه ذلك.
وقد
لقب حمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله، وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من
ليس له لقب. ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري
في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير. قال الماوردي: فأما مستحب الألقاب ومستحسنها
فلا يكره. وقد وصف رسول الله rعددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب.
وقد نص الفقهاء ـ هنا ـ على أنه
يستحب للولد والتلميذ أن لا يسمي أباه ومعلمه وسيده باسمه، بل يناديه ويخاطبه بما
يعبر عن احترامه له من لقبه أو كنيته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي r أنه رأى رجلا معه غلام , فقال للغلام: من هذا ؟ قال: أبي قال :(لا
تمش أمامه ولا تستسب[93] له ولا تجلس قبله ولا تدعه باسمه)[94]، وعن عبد الله
بن زحر قال :(يقال من العقوق أن تسمي أباك, وأن تمشي أمامه)
لغة: تطلق العقيقة
في اللغة على:
· الخرزة
الحمراء من الأحجار الكريمة , وقد تكون صفراء أو بيضاء.
· على
شعر كل مولود من الناس والبهائم ينبت وهو في بطن أمه.
· على
الذبيحة التي تذبح عن المولود عند حلق شعره، ويقال: عق فلان يعق بضم العين أيضا:
حلق عقيقة مولوده , وعق فلان عن مولوده يعق بضم العين أيضا: ذبح عنه.
الذبيحة التي تذبح عن المولود ,
وقيل: هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود.
والأصل فيها ـ كما قال أبو عبيد ـ هو
الشعر الذي على المولود, وجمعها عقائق , ومنها قول الشاعر :
أيا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته
أحسبا
ثم إن العرب سمت الذبيحة عند حلق
شعره عقيقة , على عاداتهم في تسمية الشيء باسم سببه أو ما جاوره , ثم اشتهر ذلك
حتى صار من الأسماء العرفية , وصارت الحقيقة مغمورة فيه , فلا يفهم من العقيقة عند
الإطلاق إلا الذبيحة.
وقد أنكر أحمد هذا التفسير , وقال:
إنما العقيقة الذبح نفسه. ووجهه أن أصل العق القطع , ومنه عق والديه , إذا قطعهما.
والذبح قطع الحلقوم والمريء والودجين.
اصطلاحا: ما يذكى عن
المولود شكرا لله تعالى بنية وشرائط مخصوصة.
وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها
بالذبح، وقد كره بعض الفقهاء تسميتها عقيقة وقالوا: يستحب تسميتها: نسيكة أو
ذبيحة.
اختلف الفقهاء في حكم العقيقة على
الأقوال التالية:
القول الأول: أنها واجبة،
وهو قول بريدة بن الحصيب والحسن البصري وأبي الزناد وداود الظاهري ورواية عن أحمد،
بل قال ابن حزم بأنه يجبر عليها، قال :(العقيقة فرض واجب يجبر الإنسان عليها إذا
فضل له عن قوته مقدارها)، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· قوله
- صلى الله عليه وسلم - :(مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى)[95]، قال ابن حزم
:(أمره عليه السلام بالعقيقة فرض لا يحل لأحد أن يحمل شيئا من أوامره عليه السلام
على جواز تركها إلا بنص آخر وارد بذلك , وإلا فالقول بذلك كذب وقفو لما لا علم لهم
به، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
· قال
رسول اللّه r :(كل غلام وهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه)[96].
· عن
عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول اللّه r :(عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة)[97]، وفي لفظ
:(أمرنا رسول اللّه r أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين)[98]
· عن
أم كرز الكعبية، أنها سألت رسول اللّه r عن العقيقة فقال :(نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا
يضركم ذكرانا كن أو أناثا)[99]
· عن
بريدة الأسلمي: إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات
الخمس - ومثله عن فاطمة بنت الحسين - رضي الله عنهم -.
القول الثاني: أن العقيقة
سنة، وهو قول جمهور الفقهاء ; منهم ابن عباس , وابن عمر , وعائشة , وفقهاء
التابعين , وأئمة الأمصار , إلا الحنفية والظاهرية , وذهب المالكية إلى أنها
مندوبة، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول اللّه r عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول
اللّه إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن
الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة)[100]، وهو يقتضي
عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار، وهي قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى
الندب.
· الأخبار
الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين ،وهو أمر
معمول به بالحجاز قديما وحديثا، وقد ذكر مالك في الموطأ أنه الأمر الذي لا اختلاف
فيه عندهم , وقال يحيى الأنصاري التابعي: أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام
والجارية. قال ابن المنذر: وممن كان يرى العقيقة ابن عمر وابن عباس وفاطمة بنت
رسول الله وعائشة وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري
وأبو الزناد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وآخرون من أهل العلم يكثر
عددهم. قال: وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين , مبتغين في ذلك ما سنه لهم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [101].
· أنها
ذبيحة لسرور حادث , فلم تكن واجبة , كالوليمة والنقيعة.
القول الثالث: أنها مباحة،
وهو قول الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· ما
روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :(نسخت الأضحية كل دم كان قبلها
ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ونسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها)، والعقيقة كانت
قبل الأضحية فصارت منسوخة بها كالعتيرة والعقيقة ما كانت قبلها فرضا بل كانت فضلا
وليس بعد نسخ الفضل إلا الكراهة بخلاف صوم عاشوراء وبعض الصدقات المنسوخة حيث لا
يكره التنفل بها بعد النسخ لأن ذلك كان فرضا وانتساخ الفرضية لا يخرجه عن كونه
قربة في نفسه[102].
· عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة فقال لا أحب العقوق، وكأنه كره
الاسم، قال :(يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له)قال :(من أحب أن ينسك عن
ولده فلينسك عنه عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة)، قال الطحاوي :(فكان
ما في هذين الحديثين قد دل أن أمرها قد رد إلى الاختيار لقوله - صلى الله عليه
وسلم - :(من ولد له مولود فأراد أو أحب أن ينسك عنه فليفعل)، وكان ما قد رويناه
قبل ذلك في توكيد أمرها هو على حسب ما كانت عليه في الجاهلية, ثم جاء الإسلام فأقرت
على ما كانت عليه في الجاهلية فعقلنا بذلك أن ما روي عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - مما قد خالف ذلك كان طارئا عليه وناسخا له)[103]
نرى أن الأرجح في المسألة أن العقيقة
خاضعة للاستطاعة، فمن كان مستطيعا وجبت عليه، ومن لم يكن مستطيعا، لكن يستطيع
أداءها ببعض التكلف الذي لا يضره سنت له، فإن كان ذلك بتكلف يضره نهي عنها، فلا
يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وقد اشتد ابن الحاج على من يسرفون في
العوائد مع التقصير فيما تتطلبه السنن من التمكاليف، فقال:(ثم العجب ممن يدعي
الفقر منهم , ويعتل به على ترك سنة العقيقة , ويتكلف لبعض العوائد التي أحدثوها ما
يزيد على ثمن العقيقة الشرعية. فمن ذلك ما يفعله بعضهم في اليوم السابع من عمل
الزلابية , أو شرائها وشراء ما تؤكل به ما ثمنه أضعاف ما يفعل به العقيقة الشرعية.
هذا ما يفعله بعضهم في اليوم السابع مع وجود النفقة الكثيرة فيه لغير معنى شرعي ,
بل للبدعة والظهور والقيل والقال. وبعضهم يفعل ذلك أيضا في اليوم الثاني من
الولادة. وبعضهم يفعل ذلك في اليوم السابع وفي اليوم الثاني والثالث من الولادة.
وبعضهم يقتصر على أحدهما ويعتلون في ذلك بكونهم لا يقدرون على العقيقة , والعقيقة
الشرعية ثمنها أيسر وأخف من ذلك بل لو
اقتصر على ترك ما أحدثوه في العصيدة من البدعة لكان فيه ثمن العقيقة
الشرعية وزيادة)
اتفق العلماء على ان الحكمة من
العقيقة هي إظهار البشر والسرور بالنعمة، ونشر النسب بالمولود، زيادة على أنها
قربان يقرب عن المولود في أول خروجه إلى الدنيا، وأنها تفك الرهان المرتهن به
المولود، قال ابن القيم :(إن الله جعل
العقيقة عن المولود سببا لفك رهانه من حبس الشيطان الذي يعلق به حين خروجه
إلى الدنيا، فكانت العقيقة فداء وتخليصا له من حبس الشيطان له وسجنه في أسره ولهذا
قال - صلى الله عليه وسلم - :(إن مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه
الأذى)[104]
قال ابن الحاج :(وفي فعل العقيقة من
الفوائد أشياء كثيرة: منها: امتثال السنة , وإخماد البدعة , ولو لم يكن فيها من
البركة إلا أنها حرز للمولود من العاهات والآفات كما ورد , فالسنة مهما فعلت كانت
سببا لكل خير وبركة , والبدعة بضد ذلك. وقد حكي عن بعضهم أنه دخل عليه بعض أصحابه
فوجدوا الذهب والفضة منثورين في بيته , وأولاده ذاهبون وراجعون عليها , فقالوا له:
يا سيدنا , أما هذا إضاعة مال , قال: بل هي في حرز قالوا له: وأين الحرز , قال
لهم: هي مزكاة , وذلك حرزها , فكذلك فيما نحن بسبيله من عق عنه , فهو في حرز من
العاهات والآفات , وأقل آفة تقع بالمولود يحتاج وليه أن ينفق عليه قدر العقيقة
الشرعية أو أكثر منها , فمن كان له لب فليبذل جهده على فعلها ; لأنها جمعت بين حرز
المال والبدن , أما البدن فسلامة المولود سيما من الآفات والعاهات كما تقدم. وأما
كونها حرزا للمال , فإن النفقة في العقيقة نزر يسير بالنسبة إلى ما يتكلفونه من
العوائد المتقدم ذكرها , وغيرها من النفقات فيما يتوقع على المولود من توقع
العاهات والآفات , وفيها كثرة الثواب الجزيل لأجل امتثال السنة في فعلها وتفريقها
سيما في هذا الزمان , فإن فيها الأجر الكثير لقلة فاعلها. لقوله - صلى الله عليه
وسلم - :(من أحيا سنة من سنني قد أميتت فكأنما أحياني ومن أحياني كان معي في
الجنة), فقد شهد - صلى الله عليه وسلم - لمن أحيا سنة من السنن إذا أميتت بالمعية
معه - صلى الله عليه وسلم - في الجنة)[105]
وقد حكى في ذلك عن بعضهم، فقال :(وقد
وقع لسيدي أبي محمد رحمه الله وهو بمدينة تونس أنه لما أن ازداد له مولود طالبوه
ببعض عوائدهم الجارية فأبي عليهم , وقال: السنة أولى قال: وكنت مريضا لا أقدر على
الحركة , فلما أن عزمت على العقيقة وجزمت بها رأيت فيما يرى النائم أني ماش على
طريق ومعي شخص , فبينما نحن نمشي في الطريق وإذا بجيفة قد عرضت لنا في وسطها ,
فقال لي ذلك الشخص الذي كان معي: عسى أنك تعينني على زوال هذه الجيفة عن الطريق ;
لأن النبي r يعبر من هاهنا الساعة قال: فقلت له: نعم فأزلنا الجيفة عن الطريق
ونظفناه , وإذا بالنبي r
قد أقبل فسلمت عليه , فقال لي: وعليك السلام يا فقيه ورحمة الله وبركاته , فانتبهت
من نومي , فوجدت العافية في الوقت , فأصبحت وخرجت واشتريت الذبيحة للعقيقة بنفسي ,
فلما أن عملتها جمعت بعض الإخوان وحدثتهم بما جرى فاشتهر الأمر , وكانت العقيقة إذ
ذاك قد دثرت عند بعض الناس حتى كأنها لا تعرف فاشتهرت بعد ذلك في البلد.. فأولت
الجيفة على العوائد وأولت إزالتها وتنظيف الطريق على امتثال السنة)[106]
اختلف الفقهاء في حكم العقيقة عن
الميت على قولين:
القول الأول: استحباب العقيقة،
وهو قول الشافعي، قال ابن حزم :(وإن مات قبل السابع عق عنه)ومن الأدلة على ذلك:
· قوله
- صلى الله عليه وسلم - :(الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويدمى)، من
التفاسير التي فسر بها هذا: أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع
لابويه، ومنها أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن
للمرهون في يد المرتهن.
· ظاهر
قوله - صلى الله عليه وسلم - :(في الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما , وأميطوا عنه
الأذى)
· عن
أم كرز الخزاعية أن رسول الله r قال :(عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة)فلم يقيد - صلى
الله عليه وسلم - ذلك بحياته.
القول الثاني: لا تستحب, وهو
قول الحسن البصري ومالك، وقد فسروا معنى أنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا
يحلق شعره إلا بعد ذبحها.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو ارتباطها بالحياة،
لأن لها حكما معلومة معقولة المعنى، وأهمها إظهار الفرح والاستبشار، وهو لا يحصل
بعد الموت، بل يحصل عكسه.
ثم لا يصح تكليفه من أصيب هذه
المصيبة بما يرهقة من التكاليف.
اختلف الفقهاء في حكم العقيقة عن
الإناث على قولين:
القول
الأول: أن الأنثى تشرع العقيقة عنها كما تشرع عن
الذكر، وهو مذهب جماهير الفقهاء، بل يكاد يكون إجماعا، ومن الأدلة على ذلك حديث أم
كرز الخزاعية ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: سمعت رسول الله r يقول في العقيقة :(عن الغلام شاتان مكافئتان , وعن الجارية شاة)[107]
القول الثاني: لا عقيقة عن
الجارية، وهو قول الحسن وقتادة، ولا نعرف ما استدلوا به لهذا.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول لظهور
دليله.
اتفق الفقهاء على أن وقت ذبح العقيقة
لا يصح قبل تمام انفصال المولود , فإن حصل فهو ذبيحة عادية، واختلفوا في وقت
العقيقة بعد ميلاده على الأقوال التالية:
القول الأول: السنة أن تذبح يوم السابع، فإن فات ففي أربع
عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين، ويروى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وهو قول إسحاق،
وهو قول الحنابلة.
قال ابن قدامة :(ولا نعلم خلافا بين
أهل العلم القائلين بمشروعيتها في استحباب ذبحها يوم السابع)
واستدلوا على ذلك بحديث سمرة - رضي
الله عنه - , عن النبي -r- أنه قال :(كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه
ويحلق رأسه)
أما كونه في أربع عشرة ثم في أحد
وعشرين فاستدلوا له بقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهو من التقديرات, والظاهر
أنها لا تقولها إلا توقيفا.
القول الثاني: وقت العقيقة
يكون في سابع الولادة ولا يكون قبله، وهو قول الحنفية والمالكية.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن كل ذلك مجزئ.
اختلف الفقهاء في اليوم الذي يبدأ
فيه حساب اليوم السابع على
القول الأول: يوم الولادة
يحسب من السبعة , ولا تحسب الليلة إن ولد ليلا, بل يحسب اليوم الذي يليها، وهو قول
جمهور الفقهاء.
القول الثاني: لا يحسب يوم الولادة في حق من ولد بعد الفجر ,
وأما من ولد مع الفجر أو قبله فإن اليوم يحسب في حقه، وهو قول المالكية.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن كل ذلك مجزئ.
اختلف الفقهاء في حكم قضاء العقيقة
بعد فوات وقتها على الأقوال التالية:
القول الأول: أن العقيقة لا
تفوت بتأخيرها عن اليوم السابع , وهو قول جمهور العلماء منهم عائشة وعطاء وإسحاق ,
ومن الأدلة على ذلك: أنه قد وجب الذبح يوم السابع ولزم إخراج تلك الصفة من المال
فلا يحل إبقاؤها فيه فهو دين واجب إخراجه.
القول الثاني: إن وقت العقيقة يفوت بفوات اليوم السابع، وهو
قول مالك
القول الثالث: إن وقت الإجزاء
في حق الأب ونحوه ينتهي ببلوغ المولود، وهو قول الشافعية، وقد نصوا على أن العقيقة
لا تفوت بتأخيرها، لكن يستحب ألا تؤخر عن سن البلوغ، فإن أخرت حتى يبلغ سقط حكمها
في حق غير المولود وهو مخير في العقيقة عن نفسه , واستحسن القفال الشاشي أن
يفعلها, ونقلوا عن نصه في البويطي: أنه لا يفعل ذلك واستغربوه.
القول الرابع: إن فات ذبح
العقيقة في اليوم السابع يسن ذبحها في الرابع عشر , فإن فات ذبحها فيه انتقلت إلى
اليوم الحادي والعشرين من ولادة المولود فيسن ذبحها فيه، وهو قول الحنابلة[108]، وهو قول ضعيف عند المالكية، وهو مروي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ
واستدلوا على ذلك بما يلي:
· عن
النبي r)قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين)[109]
· نقل
الترمذي عن أهل العلم :(أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع فان لم يمكن ففي
الرابع عشر فان لن يمكن فيوم أحد وعشرين)[110]
نرى ان الأرجح في
المسألة هو القول الأول باعتبار العقيقة من الأمور التي توحد بين أفراد المجتمع
زيادة على كونها من إطعام الطعام الذي وردت النصوص باستحبابه مطلقا.
زيادة على أن
الشخص قد يمر بظروف معينة تحول بينه وبين أداء العقيقة بالصفة الشرعية، فيؤخر
أداءها إلى وقت يساره.
اختلف الفقهاء في حكم طبخ العقيقة
على قولين:
القول الأول: يستحب طبخ العقيقة كلها حتى ما يتصدق به منها،
وهو قول جمهور الفقهاء، ومن الأدلة على ذلك حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ:(السنة
شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة , تطبخ جدولا ولا يكسر عظما , ويأكل
ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع)[111]
القول الثاني: يجوز في العقيقة تفريقها نيئة ومطبوخة، وهو قول
الحنفية.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هوأن تراعى
مصلحة من تفرق له، فإن كانت مصلحته في طبخها طبخت، وإلا تركت نيئة.
ومثل ذلك تراعى قدرة صاحب العقيقة،
فقد لا يكون له من أهله من يطبخها، فيفرقها نيئة.
القول الأول: يستحب أن لا
تكسر عظام العقيقة، وإنما تطبخ جدولا[112] , لا يكسر لها عظم, وهو قول عائشة وعطاء وابن جريج , والشافعي،
ومن الأدلة على ذلك:
· حديث
عائشة ـ رضي الله عنها ـ السابق :(السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة
, تطبخ جدولا ولا يكسر عظما , ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع)
· عن
عطاء :(كانوا يستحبون أن لا يكسر لها عظم)
· عن
جعفر بن محمد عن أبيه - رضي الله عنهم -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث من عقيقة الحسن والحسين إلى القابلة
برجلها , وقال: لا تكسروا منها عظما)[113]
·
عن الزهري في
العقيقة قال :(تكسر عظامها ورأسها ولا يمس الصبي بشيء من دمها)[114]
·
إنما فعل بها
ذلك ; لأنها أول ذبيحة ذبحت عن المولود , فاستحب فيها ذلك تفاؤلا بالسلامة.
القول الثاني: يرخص في
كسرها، وهو قول الزهري ومالك، وهو قول الظاهرية، قال ابن حزم :(لم يصح في المنع من
كسر عظامها شيء)[115]
أما حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ،
فقال فيه ابن حزم :(هذا لا يصح ; لأنه من رواية عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي -
ثم لو كان صحيحا لما كانت فيه حجة ; لأنه عمن دون النبي - صلى الله عليه وسلم -)
أما حديث جعفر بن محمد عن أبيه - رضي
الله عنهم - ، فقال فيه ابن حزم :(هذا مرسل ولا حجة في مرسل , ويلزم من قال
بالمرسل أن يقول بهذا لا سيما مع قول أم المؤمنين , وعطاء , وغيرهما بذلك)
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو
القول الثاني من باب التيسير ورفع الحرج، ولأن العقيقة طعام كسائر الطعام، زيادة
على أن عدم كسر عظمها يحتاج إلى أواني خاصة قد لا تتوفر لعامة الناس.
اختلف الفقهاء في حكم لطخ رأس
المولود من العقيقة على قولين:
القول الأول: كراهة لطخ رأس
المولود بدم العقيقة , وهو قول الزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر
وداود , ومن الأدلة على ذلك:
· عن
عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :(كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا بطنه
بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس المولود وضعوها على رأسه، فقال النبي r
:(اجعلوا مكان الدم خلوقا)[116] زاد أبو الشيخ
:(ونهى ان يمس رأس المولود بدم)
· عن
يزيد بن عبد اللّه المزني أن النبي r قال :(يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم)[117]
· حديث
سمرة أن النبي r قال :(مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما , وأميطوا عنه الأذى)
· أن
لفظة (ويدمى)تصحيف، قال أبو داود في سننه وغيره من العلماء :(هذه اللفظة لا تصح ,
بل هي تصحيف والصواب: ويسمى)
القول الثاني: يستحب ذلك ثم
يغسل، وهو قول الحسن وقتادة، وابن حزم، واستدلوا على ذلك
· ما
رواه ابن حزم عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي r قال :(كل غلام رهينة بعقيقته حتى تذبح عنه يوم السابع ويحلق
رأسه ويدمى)
· أن قتادة ـ وهو راوي الحديث ـ كان إذا سئل عن
الدم كيف يصنع ؟ قال :(إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة فاستقبلت بها أوداجها , ثم
توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط , ثم يغسل رأسه بعد ويحلق)
· رد
ابن حزم على قول أبي داود :(أخطأ همام إنما هو يسمى)بقوله :(بل وهم أبو داود ; لأن
هماما ثبت وبين أنهم سألوا قتادة عن صفة التدمية المذكورة فوصفها لهم)
· حديث
سمرة أن النبي r قال :(الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويدمى)
· عن
ابن عمر - رضي الله عنه - قال :(يحلق رأسه
ويلطخه بالدم , ويذبح يوم السابع ويتصدق بوزنه فضة)
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول، لأن
الثاني كان من فعل الجاهلية، زيادة على أن العقيقة لها حكم معقولة المعنى، وهذا لا
دلالة له على شيء، زيادة على نجاسة الدم المسفوح.
وقد رجح هذا الشوكاني، فقال :(فيه
دليل على تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وانه منسوخ كما تقدم وأصرح منه
في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه كما تقدم بلفظ
:(فأمرهم النبي r أن يجعلوا مكان الدم خلوقا)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -
:(ونلطخه بزعفران)فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من
الخلوق كما في حديث عائشة المذكور)[118]
اختلف الفقهاء في المكلف بالعقيقة
على الأقوال التالية:
القول الأول: أن العقيقة تطلب من الأصل الذي تلزمه نفقة
المولود بتقدير فقره , فيؤديها من مال نفسه لا من مال المولود , ولا يفعلها من لا تلزمه النفقة إلا بإذن من
تلزمه، وهو قول الشافعية[119]، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· أن
الأصل هو أن المكلف بالإنفاق هو المكلف بالعقيقة.
· لا
يرد على هذا بأن النبي r قد عق عن الحسن , والحسين, مع أن الذي تلزمه نفقتهما هو والدهما ;
لأنه يحتمل أن نفقتهما كانت على الرسول r لا على والديهما , ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - عق عنهما
بإذن أبيهما.
القول الثاني: أنه يتعين
الأب الا ان يموت أو يمتنع، وهو قول المالكية والحنابلة، باعتباره المكلف بالنفقة
في الحالة العادية.
وقد نص الحنابلة على أنه لا يعق غير
أب إلا إن تعذر بموت أو امتناع , فإن فعلها غير الأب لم تكره ولكنها لا تكون عقيقة
, وإنما عق النبي r عن الحسن والحسين; لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وصرحوا بأنها
تسن في حق الأب وإن كان معسرا , ويقترض إن كان يستطيع الوفاء. قال أحمد :(إذا لم
يكن مالكا ما يعق فاستقرض أرجو أن يخلف الله عليه ; لأنه أحيا سنة رسول الله r)
القول الثالث: أنها تصح من
غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه، وقد رجحه الشوكاني، واستدل له بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق
عن الحسن والحسين.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أداء
العقيقة بغض النظر عمن أداها، هل أبوه أم قريبه، أم تطوع أي شخص لذلك، فذلك من
التراحم الذي قصده الشرع بين المسلمين، ويستحب في أحكامه التوسعة لا التضييق.
وهذا كله زيادة على عدم الدليل في
المسألة، فالفعل وحده لا يدل على شيء، بل قد يدل على أداء العقيقة بغض النظر عمن
حصلت منه.
اختلف الفقهاء فيمن لم يعق له في
صغره، هل يستطيع العق عن نفسه في كبره على قولين:
القول الأول: لا عقيقة
عليه، وهو قول الجمهور، وسئل أحمد عن هذه المسألة فقال: ذلك على الوالد يعنى لا
يعق عن نفسه لأن السنة في حق غيره، ومن الأدلة على ذلك: أنها مشروعة في حق
الوالد, فلا يفعلها غيره كالأجنبى وكصدقة الفطر.
القول الثاني: يعق عن نفسه، وهو قول عطاء, والحسن وقول للشافعية،
واستدلوا على ذلك بما يلي:
· ما
روي عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي r
عق عن نفسه بعد البعثة[120].
· أنها
مشروعة عنه ولأنه مرتهن بها فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه.
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني، لا بناء
على الحديث، وإنما بناء على كون العقيقة من مظاهر التراحم والتواصل الاجتماعي.
اختلف الفقهاء في مصرف العقيقة على
الأقوال التالية:
القول الأول: أنها كالأضحية
في الأكل والهدية والصدقة سبيلها , وهو قول الشافعي وأحمد، قال ابن قدامة
:(والأشبه قياسها على الأضحية ; لأنها نسيكة مشروعة غير واجبة , فأشبهت الأضحية ,
ولأنها أشبهتها في صفاتها وسنها وقدرها وشروطها , فأشبهتها في مصرفها. وإن طبخها ,
ودعا إخوانه فأكلوها, فحسن)
القول الثاني: أن صاحبها حر
في كيفية صرفها، وقال ابن سيرين: اصنع
بلحمها كيف شئت، وسئل أحمد عنها , فحكى قول ابن سيرين ،وهذا يدل على أنه ذهب إليه،
وسئل هل يأكلها كلها ؟ قال: لم أقل يأكلها كلها , ولا يتصدق منها بشيء.
القول الثالث: تطبخ بماء
وملح , وتهدى الجيران والصديق , ولا يتصدق منها بشيء , وهو قول ابن جريج.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول
الثاني، لأن العقيقة يختلف تطبيقها باختلاف البيئات وظروف الناس، ولا يمكن تكليف
الناس جميعا بهيئة واحدة، بل الغرض هو تحقيق السنة بغض النظر عن كيفية أدائها.
اختلف الفقهاء في قدر العقيقة على
قولين:
القول الأول: عن الغلام
شاتين وعن الجارية شاة , وهو قول جمهور العلماء منهم ابن عباس وعائشة وأحمد وإسحاق
وأبي ثور, ومن الأدلة على ذلك: الأحاديث السابقة.
القول الثاني: يعق عن الغلام والجارية شاة شاة، وهو قول ابن
عمر, وبه قال أبو جعفر ومالك.
القول الثالث: لا عقيقة عن
الجارية، وهو قول الحسن وقتادة، لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد , والجارية
لا يحصل بها سرور , فلا يشرع لها عقيقة.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الأصل هو
التسوية بين الأبناء في العقيقة من غير تفريق بين الذكر والأنثى إلا إذا صحت
الأحاديث بخلاف هذا.
اختلف الفقهاء في أجناس الأنعام
المجزئة في العقيقة على قولين:
القول الأول: يجزئ في
العقيقة الجنس الذي يجزئ في الأضحية , وهو الأنعام من إبل وبقر وغنم , ولا يجزئ
غيرها , وهو قول أنس بن مالك والحنفية, والشافعية والحنابلة , وهو أرجح القولين
عند المالكية ومقابل الأرجح أنها لا تكون إلا من الغنم.
القول الثاني: لا يجزئ إلا
الغنم، وقد حكاه ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رضي الله
عنه - ، وهو قول الظاهرية، قال ابن حزم :(لا يجزئ في العقيقة إلا ما يقع عليه اسم
شاة - إما من الضأن , وإما من الماعز فقط - ولا يجزئ في ذلك من غير ما ذكرنا لا من
الإبل ولا من البقر الإنسية , ولا من غير ذلك. ولا تجزئ في ذلك جذعة أصلا , ولا
يجزئ ما دونها مما لا يقع عليه اسم شاة. ويجزى الذكر والأنثى من كل ذلك ; ويجزئ
المعيب سواء كان مما يجوز في الأضاحي أو كان مما لا يجوز فيها , والسالم أفضل)،
ومن الأدلة على ذلك:
· عن
يوسف بن ماهك أنه دخل على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وقد ولدت للمنذر بن
الزبير غلاما فقلت لها: هلا عققت جزورا على ابنك ؟ قالت: معاذ الله كانت عمتي
عائشة تقول: على الغلام شاتان , وعلى الجارية شاة.
· لا
يقع اسم شاة بالإطلاق في اللغة أصلا على غير الضأن والمعز وإنما يطلق ذلك على
الظباء , وحمر الوحش , وبقر الوحش ,
استعارة , وبيانا وإضافة , لا على الإطلاق أصلا[121].
القول الثالث: يستحب العقيقة ولو بعصفور، وقد رواه ابن حزم عن
عن محمد بن إبراهيم التيمي، قال: روينا من طريق ابن وهب عن مالك عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: سمعت أنه يستحب العقيقة ولو بعصفور.
وقد يستدل لهذا بحديث سلمان بن عامر
- رضي الله عنه - :(أريقوا عنه دما)[122]
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن كل ذلك يجوز من
باب التيسير ورفع الحرج، وتحقق هذه السنة من جميع أصناف المؤمنين، فقيرهم وغنيهم،
فلا يحرم من فضلها أحد.
ولكن المستحب للأغنياء هو أدء أفضل
ما ذكر الفقهاء وأكثره لتحقيق أكبر قدر من التواصل.
القول الأول: يجزئ فيها
المقدار الذي يجزئ في الأضحية وأقله شاة كاملة , أو السبع من بدنة أو من بقرة، وهو
قول الشافعية
القول الثاني:
لا يجزئ في العقيقة إلا بدنة كاملة أو بقرة كاملة، وهو قول المالكية والحنابلة.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذكرناه سابقا من
أن كل ذلك وغيره مجزئ، من باب التيسير ورفع الحرج.
نص الفقهاء على أنه يستحب أن يقول
عند الذبح :(اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان), وذلك لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ
أن النبي r عق عن الحسن والحسين، وقال :(قولوا: بسم الله والله أكبر اللهم لك
وإليك هذه عقيقة فلان)
اختلف الفقهاء في حكم حلق شعر
المولود يوم السابع من ميلاده على قولين:
القول الأول: استحباب حلق شعر رأس المولود يوم السابع ,
والتصدق بزنة شعره، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة، لأن النبي - صلى الله
عليه وسلم - قال لفاطمة لما ولدت الحسن :(احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة على
المساكين والأوفاض)
القول الثاني: أن حلق شعر
المولود مباح , ليس بسنة ولا واجب , وهو قول الحنفية، بناء على أصلهم في أن
العقيقة مباحة , لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العقيقة فقال :(لا
يحب الله العقوق، من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه، عن الغلام شاتين مكافأتاه
وعن الجارية شاة)وهذا ينفي كون العقيقة سنة لأنه - صلى الله عليه وسلم - علق العق
بالمشيئة وهذا أمارة الإباحة.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول بناء
على النص الوارد في ذلك إلا إذا كان هناك مضرة.
اختلف الفقهاء فيما يتصدق به على
قولين:
القول الأول: ذهب أو فضة،
وهو قول المالكية والشافعية , واستدلوا على ذلك بما روي عن ابن عباس - رضي الله
عنه - قال :(سبعة من السنة في الصبي يوم
السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقته
ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة)[123]
القول الثاني: فضة، وهو قول
الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· لما
روى أن النبي r قال لفاطمة ـ رضي الله عنها ـ لما ولدت الحسن - رضي الله عنه
- :(احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة على
المساكين والأفاوض)[124] يعني أهل
الصفة.
· أن
رسول الله -r- عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وأنه تصدق بوزن شعورهما ورقا[125]
· أن
فاطمة ـ رضي الله عنها ـ كانت إذا ولدت ولدا, حلقت شعره وتصدقت بوزنه ورقا.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو خضوع ذلك لقدرة
الولي، فإن قدر على الذهب، فهو أفضل، وإن لم يقدر تصدق بالفضة، وإلا سقطت عنه
السنية.
ونرى أنه عموما يفتى بالتصدق بالفضة
لغلاء الذهب، ولأنه قد يصرف الناس عن هذه السنة لشدتها، وقد قال في التلخيص
:(الروايات كلها متفقة على التصدق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب)[126] وقد سبق ذكر
بعضها.
([1]) وقد نقل الشعراني عن بعض العلماء أنه ليس كل
الناس يدعى بأبيه يوم القيامة، وإنما ذلك خاص بمن ليس له ذنب يفتضح به، أما من له
ذنب يفتضح به فينادى باسم أمه سترا له، والله أعلم بمدى صحته.
([2]) رواه أبو داود بإسناد
جيد. وهو من رواية عبد الله بن زيد بن إياس بن أبي زكريا عن أبي الدرداء , والأشهر
أنه سمع أبا الدرداء , وقال البيهقي وطائقة: لم يسمعه فيكون مرسلا.
([4]) ) وقد ذكر علماء
الشمائل أسماء ممتلكاته r، لا بأس من التبرك بذكر بعض ذلك هنا: فقد كان لها عِمامة تُسمى:
السحاب، كساها علياً، وكان له من الخيل: السَّكْب. قيل: وهو أول فرس ملكه،
والمُرْتَجز، وكان أشهب، وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت، وكان له من البغال
دُلْدُل، وكانت شهباء، أهداها له المقوقِس. وبغلة أخرى. يقال لها: «فضة». أهداها
له فروة الجذامي، ومن الحمير عُفير، ومن الإبل القصواء، قيل: وهي التي هاجر عليها،
والعضباء، والجدعاء.
وكان له تسعة أسياف:
مأثور، وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه، والعضْب، وذو الفِقار، بكسر الفاء، وبفتح
الفاء، وكان لا يكادُ يُفارقه، والقلعي، والبتار، والحتف، والرَّسوب، والمِخْذَم،
والقضيب، وكان نعلُ سيفه فضةً، وما بين ذلك حلق فضة.
وكان له سبعة أدرع:
ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله، وذات الوِشاح،
وذات الحواشي، والسعدية، وفضة، والبتراء والخِرْنِق.
وكانت له ستُّ قِسيٍّ:
الزوراء، والرَّوحاء، والصفراء، والبيضاء، والكَتوم، كُسِرَتْ يوم أحد، فأخذها
قتادة بن النعمان، والسَّداد.
وكان له ترس يقال له:
الزَّلوق، وترس يقال له: الفُتَق.
وكانت له خمسة أرماح،
يقال لأحدهم: المُثْوِي، والآخر: المُثْنِي، وحربة يقال لها: النبعة، وأخرى كبيرة
تدعى: البيضاء، وأخرى صغيرة شبه العكاز يقال لها: العَنَزَة يمشي بها بين يديه في
الأعياد، تركز أمامَه، فيتخذها سترة يُصلي إليها، وكان يمشي بها أحياناً.
وكان له مِغْفَر من
حديد يقال له: الموشَّح، وشح بِشَبَهٍ وَمِغْفَر آخر يقال له: السبوغ، أو: ذو
السبوغ.
وكان له ثلاث جِباب
يلبسها في الحرب. قيل فيها: جبة سندسٍ أخضر، والمعر والمعروف أن عروة بن الزبير
كان له يلمق من ديباج، بطانته سندس أخضر، يلبسه في الحرب، والإمام أحمد في إحدى
روايتيه يُجَوِّزُ لبس الحرير في الحرب.
وكانت له راية سوداء
يقال لها: العُقاب. وكان له فُسطاط يسمى: الكن، ومِحجَن قدر ذراع أو أطول يمشي به
ويركب به، ويُعلقه بين يديه على بعيره، وَمِخْصَرة تسمى: العرجون، وقضيب من الشوحط
يسمى: الممشوق. قيل: وهو الذي كان يتداوله الخلفاء.
وكان له قدح يسمى:
الرَّيان، ويسمى مغنياً، وقدح آخر مضبب بسلسلة من فضة.، وكان له قدح من قوارير،
وقدح مِن عِيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل، ورَكوة تسمى: الصادر، قيل:
وتَوْرٌ من حجارة يتوضأ منه، ومِخْضب من شبَهٍ، وقعب يسمى: السعة، ومغتسل من
صُفْر، ومُدهُن، ورَبْعة يجعل فيها المرآة والمشط. قيل: وكان المُشط من عاج، وهو
الذَّبْلُ، ومكحلة يكتحِل منها عند النوم ثلاثاً في كل عين بالإثمد، وكان في
الربعة المقراضان والسواك.
وهذه الجملة قد رويت
متفرقة في أحاديث محتلفة، انظر: زاد المعاد: 1/130.
([6]) سنن أبي داود والترمذي
والنسائي وابن ماجه، بأسانيد الصحيحة، عن سمرة بن جُندب t قال الترمذي: حديثٌ حسن
صحيح.
([12]) نازع ابن بطال في
اعتبار هذا ترخيما، فقال :« ليس من الترخيم وإنما هو نقل اللفظ من التصغير
والتأنيث إلى التكبير والتذكير وذلك أنه كان كناه أبا هريرة وهريرة تصغير هرة
فخاطبه باسمها مذكرا فهو نقصان في اللفظ وزيادة في المعنى ».
([18]) من وجوه الإلحاد التي ذكرها
العلماء:
1. التغيير فيها كما
فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها أوثانهم؛ فاشتقوا اللات
من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان قاله ابن عباس وقتادة.
2. بالزيادة فيها،
والنقصان منها؛ كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير
أسمائه، ويذكرون بغير ما يذكر من أفعاله؛ إلى غير ذلك مما لا يليق به.
([27]) ويقال أن طلحة قال
للزبير أسماء بني أسماء الأنبياء وأسماء بنيك أسماء الشهداء فقال أنا أرجو أن يكون
بني شهداء وأنت لا ترجو أن يكون بنوك أنبياء فأشار إلى أن الذي فعله أولى من الذي
فعله طلحة.
([29]) اختلف في المراد بالنهي
عن تخصيص شجرة العنب بهذا الاسم:
فقيل: إن ذلك من باب
الإخبار بأن قلب المؤمن أولى به منه، فلا يمنع من تسميته بالكرم كما قال
في«المسكين» و«الرقوب» و«المفلس».
وقيل: أن تسميته بهذا
مع اتخاذ الخمر المحرم منه وصف بالكرم والخير والمنافع لأصل هذا الشراب الخبـيث
المحرم، وذلك ذريعةٌ إلى مدح ما حرم الله وتهيـيج النفوس إليه؟
ونرى مع صحة احتمال
المعنى الأول إلى أن الأولى أن لا يسمى شجر العنب كرماً حفاظا على ظاهر النص.
([30]) قال النووي :« هكذا وقع هذا اللفظ في معظم نسخ صحيح مسلم التي
ببلادنا أن يسمى بيعلى وفي بعضها بمقبل بدل يعلى، وفي الجمع بين رواه البخاري ومسلم
للحميدي بيعلى، وذكر القاضي أنه في أكثر النسخ. بمقبل وفي بعضها بيعلى، قال:
والأشبه أنه تصحيف، قال: والمعروف بمقبل، وهذا الذي أنكره القاضي ليس بمنكر بل هو
المشهور وهو صحيح في الرواية وفي المعنى ».
([40]) وقال بن التين معنى قول بن المسيب فما زالت فينا
الحزونة يريد اتساع التسهيل فيما يريدونه وقال الداودي يريد الصعوبة في أخلاقهم
إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله وقال غيره يشير إلى الشدة التي بقيت في
أخلاقهم فقد ذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم.
([43]) رواه أحمد والترمذي
والحاكم في المستدرك قال ابن كثير: وهذا الحديث معلول وقد رجّح كونه موقوفاً على
الصحابي وبيّن أنه غير مرفوع وضعّف ما ورد من آثار، ابن كثير: 2/275.
([44]) قال ابن كثير: وهذه
أسانيد صحيحة عن الحسن t أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه
الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول اللّه r لما عدل عنه هو ولا غيره،
فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابين. ابن كثير: 2/275.
([45]) عبر رسول الله r عن الاسم وأراد المسمى، لأن الخضوع والذلة إنما تقع على ذي الاسم لا الاسم نفسه ; لأن الاسم لا يلحقه
ذم ولا مدح وإنما ذلك من باب قوله U :) سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى) (الأعلى:1)، لأن التسبيح للمسمى لا للاسم، ومثل هذا كثير في القرآن
الكريم، ومنه قوله U في قصة نبيه لوط u :) وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ
الْخَبَائِثَ)(الانبياء: من الآية74)، فإنه لم يرد بذلك القرية نفسها، وإنما أراد
أهلها الذين كانوا يعملون الخبائث.
ومثل ذلك قوله U :))وَضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً
مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ
الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112)، فإنه أراد بذلك
أهلها لا هي نفسها.
([46]) وقد خطأ ابن حجر هذا
التأويل، فقال :« وفهم من قول أبيه أنه أشار إلى هذه التسمية مع احتمال أنه أشار
إلى الوظيفة، بل هو الذي يترجح عندي ».
([53]) وقال بن التين معنى قول بن المسيب فما زالت فينا
الحزونة يريد اتساع التسهيل فيما يريدونه وقال الداودي يريد الصعوبة في أخلاقهم
إلا أن سعيدا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله وقال غيره يشير إلى الشدة التي بقيت
في أخلاقهم فقد ذكر أهل النسب أن في ولده سوء خلق معروف فيهم لا يكاد يعدم منهم.
([60]) مرسل أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي في الدلائل من
طريقه قال حدثنا محمد بن خالد بن العباس السكسكي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو
عمرو الأوزاعي وأخرجه البيهقي في الدلائل أيضا من رواية بشر بن بكر عن الأوزاعي
وأخرجه عبد الرزاق في الجزء الثاني من أماليه عن معمر كلاهما عن الزهري.
([61]) وهكذا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن إسماعيل بن أبي
إسماعيل عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب أخرجه أبو
نعيم في الدلائل من رواية الحارث وأخرجه أحمد عن أبي المغيرة عن إسماعيل بن عياش
فزاد فيه قال حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر به فزاد
فيه عمر فادعى بن حبان أنه لا أصل له.
([62]) وقد استدل الفقهاء
لجواز تكنية الكافر من النصوص قوله U :) تَبَّتْ يَدَا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَّ) (المسد:1)، وقد رد على هذا بأن هذا كراهة لاسمه حيث أن اسمه هو
عبد العزى.
ومن السنة ما ورد في
رواه البخاري ومسلم أن النبي r قال لسعد بن عبادة ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب , يريد عبد الله
بن أبي ابن سلول المنافق، وفي الصحيح قوله r :« هذا قبر أبي رغال » وكان أبو رغال كافرا.
وقد ذكر العلماء شرط
ذلك، وهو أن لا يكون من باب الاحترام، وإنما من باب التعريف إلا إذا كان في ذلك
نوعا من تأليف قلبه.
([63]) قال الراوي: يعني عبد اللّه
بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، وكانت عائشةُ تُكَنَّى أُمّ عبد
اللّه، قال النووي :« هذا هو الصحيح المعروف، وأما ما رويناه في كتاب ابن السني عن
عائشة رضي اللّه عنها قالت: أسقطتُ من النبيّ r سَقْطاً فسمّاه عبد اللّه، وكنّاني بأُمّ عبد اللّه »، فهو حديث
ضعيف ».
([71]) بل هناك من ذهب إلى أنه
يينهى عن التسمية بالقاسم لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم، وقد غير مروان بن الحكم اسم
ابنه عبد الملك حين بلغه هذا الحديث فسماه عبد الملك وكان سماه أولاً القاسم وفعله
بعض الأنصار أيضاً.
([72]) قال أبو داود: «باب من
رأى أن لا يجمع بـينهما»ثم ذكر حديث أبـي الزبـير عن جابر، ورواه الترمذي وقال:
حديث حسن غريب، وقد رواه الترمذي أيضاً من حديث محمد بن من حديث محمد بن عجلان عن
أبـيه عن أبـي هريرة وقال: حسن صحيح.
([75]) ويدل لذلك قوله r: «فإنما أنا قاسم أقسم بينكم» وفي رواية للبخاري في أول الكتاب في
باب: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين «وإنما أنا قاسم والله يعطي» قال القاضي
عياض: هذا يشعر بأن الكنية إنما تكون بسبب وصف صحيح في المكنى أو لسبب اسم ابنه.
وقال ابن بطال في شرح رواية البخاري: معناه أني لم أستأثر من مال الله تعالى شيئاً
دونكم، وقاله تطييباً لقلوبهم حين فاضل في العطاء فقال: الله هو الذي يعطيكم لا
أنا وإنما أنا قاسم فمن قسمت له شيئاً فذلك نصيبه قليلاً كان أو كثيراً.
([82]) النبز (بالتحريك)
اللقب، والجمع الأنباز. والنبز (بالتسكين) المصدر، تقول: نبزه ينبزه نبزا، أي
لقبه. وفلان ينبز بالصبيان أي يلقبهم، شدد للكثرة. ويقال النبز والنزب لقب السوء.
وتنابزوا بالألقاب: أي لقب بعضهم بعضا.
([91]) هذا هو الصحيح الذي
عليه جماهير العلماء من المحدثين وأهل السير والتواريخ وغيرهم " وقيل "
اسمه عتيق حكاه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه " الأطراف "
والصواب الأول.
([108]) وعند الحنابلة في
اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات، قال ابن قدامة :« وإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأه
لأن المقصود يحصل وإن تجاوز أحدا وعشرين احتمل أن يستحب في كل سابع, فيجعله في
ثمانية وعشرين فإن لم يكن ففي خمسة وثلاثين, وعلى هذا قياسا على ما قبله واحتمل
أن يجوز في كل وقت لأن هذا قضاء فائت, فلم يتوقف كقضاء الأضحية وغيرها ».
([110]) وتعقبه الحافظ بأنه لم
ينقل ذلك صريحا الا عن أبي عبد اللّه البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه.
([117]) ابن ماجه، وهذا مرسل لأن
يزيد لا صحبة له وقد وصله البزار من هذه الطريق وقال عن أبيه ومع هذا فقد قيل إنه
عن أبيه مرسل.
([119]) ويشترط في المطالب
بالعقيقة عندهم أن يكون موسرا بأن يقدر عليها فاضلة عن مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته
قبل مضي أكثر مدة النفاس وهي ستون يوما، فإن قدر عليها بعد ذلك لم تسن له.
([120]) أخرجه البيهقي، ولكنه
قال انه منكر وفيه عبد اللّه بن محرر بمهملات وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ وقال
عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لاجل هذا الحديث. قال البيهقي وروى من وجه آخر عن
قتادة عن انس وليس بشيء. وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس وأخرجه أيضا ابن أيمن
في مصنفه والخلال من طريق عبد اللّه بن المثني عن ثمامة بن عبد اللّه عن أنس عن
أبيه به وقال النووي في شرح المهذب هذا حديث باطل وأخرجه أيضا الطبراي والضياء من
طريق فيها ضعف.
([121]) ابن حزم :« أن اسم الشاة يقع على الضانية والماعزة بلا
خلاف إطلاقا بلا إضافة، قال الأعشى يصف ثورا وحشيا:
فلما أضاء
الصبح ثار مبادرا وكان انطلاق الشاة من حيث خيما
وقال ذو الرمة يخاطب
ظبية: أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا أأنت أم أم سالم فأجابه أخو هشام
وكلاهما عربي أعرابي فصيح: فلو تحسن التشبيه والشعر لم تقل لشاة النقا أأنت أم أم
سالم وقال زهير بن أبي سلمى يصف حمير وحش:
فبينا نبغي الوحش جاء غلامنا يدب ويخفي شخصه ويضائله فقال شياه رائعات
بقفرة بمستأسد القريان حو مسائله ثلاث كأقواس السراء ومسحل قد اخضر من لس الغمير
جحافله وقد خرم الطراد عنه جحاشه فلم يبق إلا نفسه وحلائله ثم مضى في الوصف إلى أن
قال: فتبع آثار الشياه وليدنا كشؤبوب غيث يحفش الأكم وابله فرد علينا العير من دون
إلفه على رغمه يدمى نساه وفائله فسمى " الشياه " ثم فسرها بأن لها
" مسحلا وجحاشا " وأنها عير وأتانه.
([122]) وقد رد ابن حزم على هذا
الاستدلال بقوله :«. فإن قيل: فهلا أجزتم أن يعق بما شاء متى شاء ؟ لحديث سلمان بن
عامر :« أريقوا عنه دما » ؟ قلنا: ذلك خبر مجمل , فسره الذي فيه { عن الغلام شاتان
, وعن الجارية شاة , تذبح يوم السابع ,
فكانت هذه الصفة واجبة , وكان من عق بخلافها مخالفا لهذا النص , وهذا لا يجوز ولا
يحل , وكان من عق بهذه الصفة موافقا سلمان بن عامر غير خارج عنه وهذا هو الذي لا
يحل سواه » .