الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: الأساليب الشرعية لتربية الأولاد

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثانيا ـ الحوار

1 ـ منطلقات الحوار

أولا ـ المنطلقات النفسية

1 ـ تجنب الآفات النفسية:

2 ـ الإخلاص والتجرد الكامل:

3 ـ الاعتراف بالآخر:

4 ـ حرية الحوار:

 

ثانيا ـ المنطلقات العلمية

1 ـ منهجية الحوار:

2 ـ واقعية الحوار:

2 ـ آداب الحوار

أولا ـ الهدوء والبعد عن الانفعال

ثانيا ـ علمية الحوار

ثالثا ـ إنصاف المخالف

رابعا ـ الخاتمة الطيبة للحوار

ثانيا ـ الحوار

نريد بالحوار هنا ما هو أعم من الجدال،  لأن الجدال هو المناقشة على سبيل المخاصمة، ومقابلة الحجة بالحجة، بينما الحوار ـ الذي نعنيه هنا ـ هو مراجعة الكلام بين طرفين أو أكثر دون اشتراط وجود خصومة بينهما، أو عدم خصومة.

ونحسب أن تقييد الجدال بقيد (التي هي أحسن)قد يكون مرادفا للحوار، لأن الجدل الذي يخلو من العناد والتعنت للرأي ـ كما ذكر تعالى في سورة المجادلة ـ حوار هادئ، قال تعالى:﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ((المجادلة:1)، فسمى الله تعالى مجادلة المرأة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومجاوبته لها محاورة.

وبذلك يمكن أن يدخل الحوار في مضمون الطرق التي أمرنا الله تعالى بها في الدعوة إلى سبيله، قال تعالى:﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ((النحل:125)

والدليل على ذلك هو التعقيب على هذا الأسلوب بقوله تعالى:﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ أي أن المحاور أو المجادل يقدم رأيه مدعما بما يراه من أدلة، ثم يترك الحرية للآخر بالاقتناع بقوله أو عدم الاقتناع.

والدليل الذي نعتمده هنا، مما له علاقة بهذا الجانب، هو ذلك الحوار الذي جرى بين نوح u وابنه، فهو حوار دعوي تربوي عميق يمكن جعله أنموذجا ساميا للحوار بين الأب وابنه أو بين الولد والمؤسسات لمكلفة بتوجيهه وتربيته.

قال تعالى:﴿  وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ((هود:42 ـ 43)

ويمكن أن نعتمد كذلك من الأدلة في هذا الباب قوله تعالى حاكيا عن الحوار الذي جرى بين إبراهيم u وأبيه، قال تعالى:﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاًوَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً((مريم:41 ـ 48)، فهذا أنموذج رائع للحوار بين الابن وأبيه، نحسب أن الغاية من إيراده في القرآن الكريم لا تنحصر فيما فيه من المعاني المقررة في مواضع كثييرة من القرآن الكريم، وبأساليب مختلفة، وإنما الغرض منه هو التأسي بإبراهيم u في هذا الباب كالتأسي به في غيره سواء بسواء، قال تعالى:﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ((البقرة:130)

انطلاقا من هذين النموذجين في الحوار بين الآباء وأبنائهم، وانطلاقا مما ورد في النصوص من الحوار نحاول في هذا الفصل أن نستنبط الضوابط الشرعية التي تجعل من الحوار أسلوبا مثمرا في التربية.

وهذه الضوابط تشمل الناحيتين التاليتين[1]: منطلقات الحوار، وآدابه، وسنفصلهما في المبحثين التاليين:

1 ـ منطلقات الحوار

وهي الأسس النفسية والعملية التي ينطلق منها المتحاوران أو أحدهما للوصول إلى أفضل النتائج، وبحسب توفر هذه المنطلقات وكمالها ينجح الحوار كأسلوب من أساليب التربية.

أولا ـ المنطلقات النفسية

وهي المنطلقات التي تتعلق بالجانب الأخلاقي والنفسي في الحوار، لأن الحوار ـ في الواقع ـ ليس مناقشة علمية محضة، يكون للعلم والحجة الدور الفاعل فيها، بحيث تكون الغلبة والنصرة لأقوى المتحاورين حجة، وإنما هو تفاعلات مختلفة يشكل الجانب النفسي أخطرها وأعظمها تأثيرا.

ومن هذه المنطلقات النفسية:

1 ـ تجنب الآفات النفسية:

باعتبارها السبب الأكبر في فشل الحوار وعدم إتيانه بثماره، بل إن ثماره تصبح عكسية، تزيد الطين بلة.

وقد قام الغزالي بتحليل نفسي رائع لنفسيات المتحاورين التي لم تتأدب بآداب الشرع، فذكر الآفات النفسية الكثيرة التي تسببها المناظرات العلمية ـ والتي هي نوع من أنواع الحوار ـ، ويعتبرها منبع جميع الأخلاق المذمومة، بل يقيسها على كبائر الفواحش الظاهرة، باعتبارها لا تختلف عنها، يقول الغزالي في فصل عقده بعنوان (بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق):(اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدّق عند الناس، وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدوّ الله إبليس)[2] 

ويفرع عن هذه الخصال خصالا أخرى كثيرة، قال الغزالي:(ثم يتشعب من كل واحدة من هذه الخصال العشر عشر أخرى من الرذائل لم نطول بذكرها وتفصيل آحادها مثل: الأنفة، والغضب، والبغضاء، والطمع، وحب طلب المال، والجاه للتمكن من الغلبة، والمباهاة، والأشر، والبطر، وتعظيم الأغنياء والسلاطين والتردد إليهم والأخذ من حرامهم، والتجمل بالخيول والمراكب والثياب المحظورة، والاستحقار للناس بالفخر والخيلاء، والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام، وخروج الخشية والخوف والرحمة من القلب، واستيلاء الغفلة عليه لا يدري المصلي منهم في صلاته ما صلى وما الذي يقرأ ومن الذي يناجيه؟ ولا يحس بالخشوع من قلبه مع استغراق العمر في العلوم التي تعين في المناظرة مع أنها لا تنفع في الآخرة: من تحسين العبارة وتسجيع اللفظ وحفظ النوادر إلى غير ذلك من أمور لا تحصى. والمناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم ولهم درجات شتى ولا ينفك أعظمهم ديناً وأكثرهم عقلاً عن جمل من مواد هذه الأخلاق وإنما غايته إخفاؤها ومجاهدة النفس بها)[3]

والغزالي يقيس هذه المنكرات الباطنة على الكبائر من الفواحش الظاهرة يقول:(ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة)

ويستدل على ذلك بعلة جامعة ينص عليها بقوله:(كما أن الذي خير بـين الشرب وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره، فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة)

بل يذكر أن هذه الفواحش الباطنة مما يقع فيه المتماسكون أما غيرهم، فيقع منهم (من الخصام المؤدي إلى الضرب واللكم واللطم وتمزيق الثياب والأخذ باللحى وسب الوالدين وشتم الأستاذين والقذف الصريح)

وسنلخص هنا بعض ما ذكره الغزالي من الآفات النفسية لهذا الحوار السلبي، الذي لم يتقيد بالآداب الشرعية للحوار[4]، والتي نرى أنها تكاد تنطبق انطباقا تاما على ما يجري من أشكال الحوار في وسائل الإعلام، وهي بالتالي تؤثر بطريق غير مباشر على أخلاقيات النشء المتابعين لتلك المجالس:

الحسد والحقد: وسببه أن المحاور تارة يغلب وتارة يُغلب، وتارة يحمد كلامه وأخرى يحمد كلام غيره،  فما دام يبقى في الدنيا واحد يذكره بقوّة العلم والنظر أو يظن أنه أحسن منه كلاماً وأقوى نظراً فلا بدّ أن يحسده ويحب زوال النعم عنه وانصراف القلوب والوجوه عنه إليه، ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنه - :(خذوا العلم حيث وجدتموه ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في الزريبة)

التكبر والترفع على الناس: وهو مما ينشئه اعتقاد المحاور لغلبته وتفضله على مخالفه، قال الغزالي:(ولا ينفك المناظر عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس يتنافسون فيه في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدّم في الدخول عند مضايق الطرق، وربما يتعلل الغبـي والمكار الخداع منهم بأنه يبغي صيانة عز العلم، وأن المؤمن منهيٌّ عن الإذلال لنفسه، فيعبر عن التواضع الذي أثنى الله عليه وسائر أنبـيائه بالذل، وعن التكبر الممقوت عند الله بعز الدين تحريفاً للاسم وإضلالاً للخلق به)

الاستكبار عن الحق وكراهته والحرص على المماراة فيه: حتى أن أبغض شيء إلى المناظر أن يظهر على لسان خصمه الحق، ومنهما ظهر تشمر لجحده وإنكاره بأقصى جهده وبذل غاية إمكانه في المخادعة والمكر والحيلة لدفعه حتى تصير المماراة فيه عادة طبـيعية، فلا يسمع كلاماً إلا وينبعث من طبعه داعية الاعتراض عليه حتى يغلب ذلك على قلبه.

الرياء وملاحظة الخلق والجهد في استمالة قلوبهم وصرف وجوههم: وهذا هو الداء العضال الذي يدعو إلى أكبر الكبائر، والمناظر لا يقصد إلا الظهور عند الخلق وانطلاق ألسنتهم بالثناء عليه

التجسس وتتبع عورات الناس: والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه وتتبع عورات خصومه حتى إنه ليخبر بورود مناظر إلى بلده، فيطلب من يخبر بواطن أحواله ويستخرج بالسؤال مقابحه حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله إذا مست إليه حاجة، حتى إنه ليستكشف عن أحوال صباه وعن عيوب بدنه فعساه يعثر على هفوة أو على عيب به من قرع أو غيره، ثم إذا أحس بأدنى غلبة من جهته عرّض به إن كان متماسكاً ويستحسن ذلك منه ويعد من لطائف التسبب ولا يمتنع عن الإفصاح به إن كان متبجحاً بالسفاهة والاستهزاء، كما حكي عن قوم من أكابر المناظرين المعدودين من فحولهم.

2 ـ الإخلاص والتجرد الكامل:

أكبر واق من الآفات النفسية الخطيرة التي ذكرها الغزالي في ذلك التحليل النفسي لنفسيات المتحاورين، هو إخلاص المتحاورين وتجردهم الكامل لطلب الحق.

وهذا ما نص عليه قوله تعالى ـ كشرط أساسي للدخول في الحوار ـ:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا((سـبأ: من الآية46)

ففي قوله تعالى:﴿ أَن تَقُومُوا لله ﴾ تقييد للقصد من قيامهم بأن يكون متجردا لله، قال القرطبي:(وهذا القيام معناه القيام إلى طلب الحق لا القيام الذي هو ضد القعود، وهو كما يقال: قام فلان بأمر كذا؛ أي لوجه الله والتقرب إليه)

وتحقيق هذا الإخلاص والتجرد وتربية النفس عليه يستدعي ركنين أساسيين لا يكمل الإخلاص إلا بتوفرهما، هما:

تصحيح النية: فكما أن العبادات لا تتحقق إلا بركن تصحيح النية، فكذلك عبادة الحوار الإيماني تستلزم توفير النية الشرعية، لأن ثمرة العمل ترتبط بنيته، ويتحقق ذلك بمساءلة النفس عن الغرض من الحوار هل هو إرادة الحق فحسب، أو أن هناك أغراضاً أخرى كحب الظهور وإفحام الخصم أو أن يرى الناس مكانه، فإذا كانت هذه الأغراض موجودة فليحجم المحاور عن الحوار حتى تتجرد نيته تماماً لله عز وجل وأنه يريد الحق ولو ظهر على لسان الطرف الآخر.

وقد كان تقديم تصحيح في الأعمال هو سنة السلف الصالح - رضي الله عنهم - ، فركن النية في تصورهم وسلوكهم جزء أساسي من كل عمل يقومون به، قال الثوري:(كانوا يتعلمون النية للعمل كما تتعلمون العمل)، ويذكر الغزالي عن بعض المريدين أنه كان يطوف على العلماء يقول:(من يدلني على عمل لا أزال فيه عاملاً لله تعالى، فإني لا أحب أن يأتي عليّ ساعة من ليل أو نهار إلا وأنا عامل من عمال الله)، فقيل له:(قد وجدت حاجتك فاعمل الخير ما استطعت فإذا فترت أو تركته فهم بعمله فإنّ الهام بعمل الخير كعامله)[5]

ويذكر عن بعضهم أنه نادى امرأته وكان يسرح شعره أن هات المدرى، فقالت: أجيء بالمرآة؟ فسكت ساعة ثم قال: نعم، فقيل له في ذلك فقال: كان لي في المدري نية ولم تحضرني في المرآة نية فتوقفت حتى هيأها الله تعالى.

ويذكر عن طاوس أنه كان لا يحدّث إلا بنية، وكان يسأل أن يحدّث فلا يحدّث، ولا يسأل فيبتدىء فقيل له في ذلك قال: أفتحبون أن أحدّث بغير نية؟ إذا حضرتني نية فعلت.

ويحكي عن داود بن المحبر أنه لما صنف كتاب العقل، جاءه أحمد بن حنبل فطلبه منه فنظر فيه أحمد صفحاً ورده فقال:(مالك ؟)، قال:(فيه أسانيد ضعاف)، فقال له داود:(أنا لم أخرجه على الأسانيد، فانظر فيه بعين الخبر إنما نظرت فيه بعين العمل فانتفعت)، قال أحمد: فرده عليَّ حتى أنظر فيه بالعين التي نظرت فأخذه ومكث عنده طويلاً ثم قال:(جزاك الله خيراً فقد انتفعت به)

يقول الغزالي معلقا على هذه الأخبار وغيرها:(وكانوا لا يرون أن يعملوا عملاً إلا بنية لعلمهم بأن النية روح العمل وأن العمل بغير نية صادقة رياء وتكلف وهو سبب مقت لا سبب قرب، وعلموا أن النية ليست هي قول القائل بلسانه: نويت، بل هو انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله تعالى، فقد تتيسر في بعض الأوقات وقد تتعذر في بعضها)[6]

التجرد للحق: وذلك بأن يكون هدف المحاور الوصول إلى الحق بغض النظر عن الواصل إليه، يقول الغزالي في بيان الحال الذي ينبغي أن يكون عليه المناظر:(أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرّق بـين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه ويرى رفيقه معيناً لا خصماً ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق، كما لو أخذ طريقاً في طلب ضالته فنبهه صاحبه على ضالته في طريق آخر فإنه كان يشكره ولا يذمه ويكرمه ويفرح به)[7]

وهذه سنة السلف - رضي الله عنهم -  في محاوراتهم، يقول الغزالي:(فهكذا كانت مشاورات الصحابة - رضي الله عنهم -  حتى إن امرأة ردّت على عمر - رضي الله عنه -  ونبهته على الحق وهو في خطبته على مَلإٍ من الناس فقال:(أصابت امرأة وأخطأ رجل)، وسأل رجل علياً - رضي الله عنه -  فأجابه فقال:(ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا)، فقال:(أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم)، واستدرك ابن مسعود على أبـي موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ فقال أبو موسى:(لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بـين أظهركم)وذلك لما سئل أبو موسى عن رجل قاتل في سبـيل الله فقتل فقال: هو في الجنة، وكان أمير الكوفة فقام ابن مسعود فقال: أعده على الأمير فلعله لم يفهم، فأعادوا عليه فأعاد الجواب فقال ابن مسعود:(وأنا أقول إن قتل فأصاب الحق فهو في الجنة)، فقال أبو موسى:(الحق ما قال)، وهكذا يكون إنصاف طالب الحق)

3 ـ الاعتراف بالآخر:

وهو من أهم الأسس النفسية، لأن المحاور الذي يحتقر غيره، ويتكبر عليه ولا يعترف به يمنعه كل ذلك من الإصغاء له أو تفهم حجته والإجابة عليها.

وقد علمنا القرآن الكريم أدبا أرفع من مجرد الاعتراف بالمحاور، هو أدب احترام المحاور، قال تعالى:﴿ قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ((سـبأ:25)

فالله تعالى أضاف الإجرام إلى المؤمنين، ولم يذكره في حق غيرهم، بل ذكر بلفظ العمل احتراما للطرف الآخر، حتى لا يمنعه نسبة الإجرام إليه من النظر في الحق والبحث عنه.

وأقل الأحوال في الاعتراف بالآخر أن يرى تساويه معه في البحث عن الحق، قال تعالى مشيرا إلى هذا المعنى:﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ((سـبأ: من الآية24)، قال الرازي تعليقا على الآية:(هذا إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطىء يغضبه وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطىء والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب وذلك لا يوجب نقصاً في المنزلة لأنه أوهم بأنه في قوله شاك ويدل عليه قول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -:﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾ مع أنه لا يشك في أنه هو الهادي وهو المهتدي وهم الضالون والمضلون)[8]

وهذا الحال النفسي يجر إلى سلوكيات أخلاقية رفيعة في أدب الحوار، منها أن كل محاور يتجنب الهزء والسخرية وكل ما يشعر باحتقاره للآخر أو ازدرائه لفكرته أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم أو التبسمات والضحكات التي تدل على السخرية..وغيرها مما نراه في مجالس الحوار.

وننبه هنا أيضا إلى ناحية مهمة، وهي أن البعض قد يتعالى على الحوار بسبب وقوع الطرف الآخر في معصية كبرى، بحيث يتصور أن حواره معه تنازل من جهته.

وهذا قد يقع فيه بعض الآباء بسبب تصرف من تصرفات ولده، والقرآن الكريم بذكره لنموذج نوح u مع ابنه، وهو يدعوه في آخر اللحظات، وبعبارات حانية، بل يتأسف على فقده ويسأل الله في شأنه دليل على أن مصدر ذلك الإنكار للآخر أو التجاهل كبر في النفس لا تعال بالحق.

بل إن الله تعالى وهو العلي المتعالي يحاور إبليس[9]، ويطلب منه بيان الباعث على فعله، بل يجيبه إلىطلبه، وفي ذلك دليل على أن صاحب الحق لا يمنعه حقه من أن يستمع للطرف الآخر ويستميله، أو على الأقل يقيم عليه الحجة.

ومما يساعد على التحقق بهذا الوصف النفسي الأساسي في الحوار هو سعة الأفق التي تجعل صاحبها لا ينحصر في دائرة ضيفة لا يرى غيرها ولا يسلم بوجود غيرها.

ويدل على هذا، ويربي النفس عليه هو التأمل الإيماني في العوالم التي خلقها الله، فهي مختلفة اختلافا شديدا متباينا، فعالم النبات يختلف عن عالم الحيوان ويختلف عن الجماد، ثم إن كل عالم منها يختلف فيما بينه اختلافا شديدا:

فعالم الجماد فيه المائع والجامد والرطب واليابس والأبيض والأسود والصلب والهش والثقيل والخفيف والغالي والرخيص...

وعالم النبات فيه نبات زاحف وآخر متسلق ومنها ما هو طفيلي ومنها من يعتمد على نفسه، بل النوع الواحد من النبات تجد فيها عشرات الأنواع وهو مختلف في اللون والطعم والرائحة.

وهكذا نجد في كل الأشياء أن الأصل فيها هو الاختلاف والتنوع، بل إن الله تعالى يعتبر الاختلاف من دلائل قدرته وتوحيده، قال تعالى في ذكر الاختلاف في البشر:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ((الروم:22)

وقال عن الاختلاف في مظاهر الطبيعة الجامدة:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ((فاطر:27)

وقال عن الاختلاف في مظاهر الطبيعة الحية:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ((النور:45)

وقال عن الاختلاف المرتبط بالتكليف:﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ((النحل:93)

وهكذا ينص القرآن الكريم على وجود الاختلاف في الأشياء لتتسع صدورنا لكل شيء.

ولهذه المعرفة دور مهم في مجال تربية الأولاد، لأن الكثير من الآباء يتصورون أن حياة أبنائهم حق لهم، فهم لذلك يخططون له كيف يشاءون، حتى الزوجة التي يقضي معها الولد حياته، أو التخصص العلمي الذي تنبني عليه وظيفته،  فإذا ما خالف الولد ما رآه والداه اعتبر عاقا، بل قد يتبرأ منه، ويهجر، ويرفض مجرد الحوار معه.

4 ـ حرية الحوار:

وهي شرط أساسي في نجاح الحوار، لأن الغرض من الحوار هو توصيل كل طرف قناعته للآخر، أو هو محاولة برمجة طرف من الأطراف بفكر الآخر.

وهو يستدعي شعور كل محاور بالحرية، وأن يثق بشخصيته الفكرية المستقلة، فلا يسلم للآخر إلا عن قناعة بقوله، لا بمجرد تقليد قد تلعب به الرياح كما تشاء.

ولعل أكبر ما يمنع من حرية أحد الطرفين في إبداء رأيه وتبليغ قناعته هو شعوره بعلياء الآخر، وقزامته، فيضمحل أمامه وينسحق، فلا يجرؤ على إبداء رأيه، وتخليص نفسه من شبهاته.

ولهذا أمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخاطب محاوريه بقوله:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ((الكهف: من الآية110)، وقال تعالى:﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً((الجـن:21)، وقال تعالى:﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ((يونس:49)

وهذه الأقوال التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولها، وسلوكه - صلى الله عليه وسلم - مع المخالفين، وإعطائه الحرية الكاملة هي التي جرأتهم على قول كل شيء، وبث كل الشبهات، وبالتالي التمكن من الاقتناع لأن السكوت عن الشبهة وكتمانها لا يقضي عليها، بل قد يمكنها في النفس.

وقد مرت معنا قصة الشاب الذي جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الزنا بكل جرأة وصراحة، فهمَّ الصحابة - رضي الله عنهم -  أن يوقعوا به ؛ فنهاهم وأدناه وقال له:(أترضاه لأمك ؟!)، قال: لا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم)، قال:(أترضاه لأختك ؟!)، قال: لا، قال:(فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم)[10]، وهكذا صار الزنى أبغض شيء إلى ذلك الشاب   فيما بعد، بسبب هذا الحوار المقنع.

ثانيا ـ المنطلقات العلمية

وهي المنطلقات التي تتعلق بالجانب العلمي من الحوار، لأن الحوار ـ في أساسه ـ مناقشة علمية، للعلم والحجة الدور الفاعل فيها، بحيث تكون الغلبة والنصرة لأقوى المتحاورين حجة.

ولهذا، فإن هذا الحوار يستدعي توفير منطلقات معينة تتعلق بهذا الجانب، منها:

1 ـ منهجية الحوار:

لأن المنهجية هي التي تحدد موضوع الحوار ونوع الحجج التي يستند إليها فيه، والنتيجة التي يروم الحوار الخروج بها.

وهي مهمة من حيث أن الحوار أحيانا يتحول إلى مراء بسبب افتقاده للمنهجية الصحيحة، بل إن المتحاورين أحيانا ترتفع أصواتهم وتعظم الجلبة بينهم مع أنه لا خلاف حقيقي بينهم.

ولهذا كان تحرير النزاع وتبيين مواضع الاتفاق والاختلاف من الأمور الأساسية في الحوار العملي الناجح، ولهذا قال تعالى مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يحاور أهل الكتاب قائلا لهم:﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ((آل عمران: من الآية64)، ففي هذه الآية الكريمة بيان للمواضع الكبرى للخلاف بين المسلمين وأهل الكتاب، فلذلك دعاهم إليها حاصرا إياها، معبرا عنها بأنها مجرد كلمة.

وفي آية أخرى يقول تعالى:﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ((العنكبوت:46)، وفيها بيان مواضع الاتفاق الكثيرة بين المؤمنين وأهل الكتاب.

ومما يدخل في هذا الباب مناقشة المخالف في نوع الأدلة التي يستند إليها، لأن مناقشته في الفروع لا تغني ما دامت الأصول التي يبني عليها تفكيره أصول خاطئة، ولهذا قال تعالى:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ((البقرة:170)

وقال تعالى مبينا حجج الأقوام في محاوراتهم مع أنبيائهم:﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ((الزخرف:23)، ثم ذكر كيفية إجابة الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لهذه المقولة بقوله تعالى:﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ((الزخرف:24)

ولهذا، فإن أول ما ينبغي أن ينطلق منه المتحاوران هو الأسس التي يستند إليها تفكيرهم، والأصول التي تستلهم منها قناعتهم.

2 ـ واقعية الحوار:

وهو ما يجنب الحوار الوقوع في الجدل البيزنطي الفارغ الذي لا يستفاد منه أي فائدة، قال الغزالي في آداب المناظرة:(أن لا يناظر إلا في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع غالباً)[11]

ويذكر أن هذا هو سمت السلف الصالح - رضي الله عنهم - ، (فإن الصحابة - رضي الله عنهم -  ما تشاوروا إلا فيما تجدد من الوقائع أو ما يغلب وقوعه كالفرائض)

وانتقد واقع مناظرات عصره، فقال:(ولا نرى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها، بل يطلبون الطبوليات التي تسمع فيتسع مجال الجدل فيها كيفما كان الأمر، وربما يتركون ما يكثر وقوعه ويقولون هذه مسألة خبرية أو هي من الزوايا وليست من الطبوليات، فمن العجائب أن يكون المطلب هو الحق ثم يتركون المسألة لأنها خبرية ومدرك الحق فيها هو الإخبار أو لأنها ليست من الطبول فلا نطول فيها الكلام. والمقصود في الحقّ أن يقصر الكلام ويبلغ الغاية على القرب لا أن يطول)[12]

ويذكر الغزالي أن هذه المناظرات، ولو دخلت ضمن الفروض الكفائية لا ينبغي الاشتغال بها قبل أداء الفروض العينية مراعاة لسلم الأولويات، قال في آداب المناظرة، وهو أولها:(أن لا يشتغل به وهو من فروض الكفايات من لم يتفرغ من فروض الأعيان، ومن عليه فرض عين فاشتغل بفرض كفاية وزعم أن مقصده الحق فهو كذاب. ومثاله من يترك الصلاة في نفسه ويتجرد في تحصيل الثياب ونسجها ويقول: غرضي أستر عورة من يصلي عرياناً ولا يجد ثوباً؛ فإن ذلك ربما يتفق ووقوعه ممكن كما يزعم الفقيه أن وقوع النوادر التي عنها البحث في الخلاف ممكن. والمشتغلون بالمناظرة مهملون لأمور هي فرض عين بالاتفاق ومن توجه عليه رد وديعة في الحال فقام وأحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى عصى ربه، فلا يكفي في كون الشخص مطيعاً كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشروط والترتيب[13].

بل إن هذا الحوار، ولو كان من فروض الكفاية، فإنه لا ينبغي تقديمه على ما هو أولى منه من فروض الكفايات، قال الغزالي في آداب المناظرة:(أن لا يرى فرض كفاية أهم من المناظرة فإن رأى ما هو أهم وفعل غيره عصى بفعله، وكان مثاله مثال من يرى جماعة من العطاش أشرفوا على الهلاك وقد أهملهم الناس وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء فاشتغل بتعلم الحجامة، وزعم أنه من فروض الكفايات ولو خلا البلد عنها لهلك الناس وإذا قيل له في البلد جماعة من الحجامين وفيهم غنية فيقول هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية. فحال من يفعل هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمة بجماعة العطاش من المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة وفي البلد فروض كفايات مهملة لا قائم بها، فأما الفتوى فقد قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة ولا يلتفت الفقهاء إليها وأقربها الطب؛ إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبـيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعوّل فيه على قول الطبـيب شرعاً ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من فروض الكفايات، وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهداً للحرير ملبوساً ومفروشاً وهو ساكت ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط وإن وقعت قام بها جماعة من الفقهاء، ثم يزعم أنه يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بفروض الكفايات)

ولا نرى صعوبة في تطبيق ما ذكره الغزالي على واقع الحوار في عصرنا، فلهذا لا نحتاج إلى أي تعليق على ما قاله.

 

2 ـ آداب الحوار

وهي السلوكيات التي يمارسها المتحاوران أثناء حوارهما، لتجنب كل ما قد يؤدي إليه الحوار من أمراض نفسية من جهة، ولتحقيق أهداف الحوار من جهة أخرى.

وهذه الآداب لا تعني مجالس المناظرات التي قد تعقد بين مختصين وفي محال خاصة فقط، بل تشمل كل حوار بما فيه حوار الولد مع من يقوم بتربيته وتوجيهه، وخاصة في المرحلة التي يبلغ فيها الولد ويشتد ويحتاج إلى أن يعامل كإنسان كامل لا مجرد صبي صغير.

وقد حاولنا هنا أن نذكر أهم الآداب التي يؤدي سلوكها إلى أفضل النتائج التربوية:

أولا ـ الهدوء والبعد عن الانفعال

أول أدب من آداب الحوار الفعال الناجح هو الهدوء، فالحق يبلغ ويصل إلى العقول كالنسيم العليل لا كالريح العاصف.

ولهذا مارس نوح u وهو يحاور ابنه هذا الهدوء في قمة درجاته، فخاطبه بالبنوة مع كونه كافرا معاندا، قال تعالى:﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ((هود: من الآية42)

ومثله إبراهيم u الذي كان يحاور أباه في منتهى الرقة، مقدما لكل كلمة يقولها ب ﴿ يَا أَبَتِ ﴾ قال تعالى على لسان إبراهيم u:﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً((مريم:42 ـ 45)، قال الزمخشري:(انظر حين أراد أن ينصح أباه ويعظه فيما كان متورّطاً فيه من الخطأ العظيم والارتكاب الشنيع الذي عصا فيه أمر العقلاء وانسلخ عن قضية التمييز، ومن الغباوة التي ليس بعدها غباوة: كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق، مع استعمال المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن)

ولهذا يؤكد القرآن الكريم على ضرورة التحلي بالهدوء مع المخالف وعدم معاملته بأسلوبه معتبرا ذلك من الإحسان الذي هو أرقى درجات العبودية، قال تعالى:﴿)وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ((فصلت:33 ـ 34)

والآية الكريمة بينت أن النجاح في الأخير للهادئ المحسن الذي أمسك زمام أعصابه وعرف كيف يتعامل مع خصمه ليكسبه إلى صفه.

ولهذا أمر تعالى بالحوار مع أهل الكتاب لا بالحسنى وإنما بالتي هي أحسن، قال تعالى:﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ((العنكبوت:46)

والسبب في الدعوة إلى التزام الهدوء في الحوار، وتجنب الصخب وفوران الأعصاب هو حيلولة الصخب دون تدبر الحق والإذعان له، لأن العقل المنشغل بالمخاصمة لا يستطيع أن يتدبر الحق ولا أن يذعن له.

ولهذا قال تعالى:﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ((سـبأ:46)، فاعتبر القرآن اتهام النبي بالجنون خاضعاً للجو الانفعالي العدائي لخصومه، لذلك دعاهم إلى الانفصال عن هذا الجو والتفكير بانفراد وهدوء.

وقد ذكر القرآن الكريم الكثير من النماذج عن حوار الأنبياء ـ الذين هم محل أسوة وقدوة للمؤمنين ـ مع أقوامهم من الكفارين لنعتبر على الأقل في التأسي بهم في حوارنا مع المؤمنين، بل مع أقرب الناس إلينا، فلذات أكبادنا.

ولا بأس أن نذكر هنا نموذجا عن نبي من الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ مكث مع قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله، فيقابلونه بكل أنواع السخرية، فلا يستسلم لسخريتهم بل يظل يحاورهم بهدوء محير، هو نوح u الذي جعل الله تعالى حواره مع ابنه نموذجا لحوار الأب مع أولاده.

قال تعالى:﴿  وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾(هود: 25 ـ 27)

فقد خاطبهم u بكل أدب واحترام وهدوء، وبين لهم حبه لهم، والذي دعاه إلى الحرص عليهم والخوف على أن يصبيهم عذاب الله، ولكنهم واجهوه بالاحتقار والتكذيب والسخرية.

لكنه u لم ينه الحوار، ولم ينسحب من ساحاتهم، لأن ذلك هو مايريدونه أو ما تريده شياطينهم، بل واصل الحوار معهم من النقاط التي أرادوا إنهاء العملية الحوارية عندها، قال تعالى على لسان نوح u في حواره مع قومه:﴿ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾(هود / 28 ـ 31)

فقد اعتبر نوح u ما واجهه قومه به من الاستهزاء والسخرية شبهة تحتاج إلى إجابة، فراح يجب عليها بكل ما أوتي من حجج، وهو مع ذلك لا يزال يخاطبهم بحميمية، يقول لهم:(ياقوم)ينسبهم إليه، وينسب نفسه إليهم، ويتلطف في توجيه أنظارهم، ولمس وجدانهم.

ولكنه مع هذه الملاطفات لم يتنازل عن الحق الذي يؤمن به ويدعو إليه ففرق كبير بين الأدب وبين المداهنة على الباطل، يقول سيد تعليقا على الآيات السابقة:(وهكذا ينفي نوح u عن نفسه وعن رسالته كل قيمة زائفة وكل هالة مصطنعة يتطلبها الملأ من قومه في الرسول والرسالة. ويتقدم إليهم بها مجردة إلا من حقيقتها العظيمة التي لا تحتاج إلى مزيد من تلك الأعراض السطحية. ويردهم في نصاعة الحق وقوته، مع سماحة القول ووده إلى الحقيقة المجردة ليواجهوها، ويتخذوا لأنفسهم خطة على هداها. بلا ملق ولا زيف ولا محاولة استرضاء على حساب الرسالة وحقيقتها البسيطة. فيعطي أصحاب الدعوة في أجيالها جميعا، نموذجا للداعية، ودرسا في مواجهة أصحاب السلطان بالحق المجرد، دون استرضاء لتصوراتهم، ودون ممالأة لهم، مع المودة التي لا تنحني معها الرؤوس)[14]

وبعد هذه الإجابات القوية الهادئة، وبعد يأس قوم نوح من مناهضة الحجة بالحجة ؛ إذا هم يتركون الجدل إلى التحدي، ويحولون الحوار الهادئ إلى بركان غضب فائر ﴿ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ  ﴾(هود:32)

لكن نوحا u لا يخرجه هذا التكذيب والتحدي عن سمت النبي الكريم، ولا يقعده عن بيان الحق لهم، وهي أنه ليس سوى رسول، وليس عليه إلا البلاغ، أما العذاب فمن أمر الله، وهو الذي يدبر الأمر كله، ويقدر المصلحة في تعجيل العذاب أو تأجيله، فيظل يكشف لهم عن الحق حتى اللحظة الأخيرة، لا يقعده عن إبلاغه وبيانه أن القوم يكذبونه ويتحدونه، قال تعالى:﴿   قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(هود:33 ـ 34)

بل إن نوحا u لم يتوقف عن الحوار حتى أوحي إليه بأن يتوقف واستيأس من إجابتهم، بل بقي في آخر لحظة يدعو ابنه إلى الله، قال تعالى:﴿  وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾(هود:36 ـ 37)

أما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه رغم كثرة الأذى الذي تعرض له من أعدائه المختلفين من استهزاء وسخرية واتهام ورمي الأوساخ وتسليط الصبيان لرميه بالحجارة وغيرها لم يتخل عن الحوار الهادئ إلى آخر لحظة من لحظات دعوته.

ولهذا كان من صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الكتب السابقة أنه - صلى الله عليه وسلم - (ليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح)[15]

وقد كان أخوف ما يخاف أعداؤه أن يسمعه الناس أو يحاورهم أو يحاوروه، كان الطفيل بن عمرو الدوسي - رضي الله عنه -  يحدث يحكي عن قصة إسلامه: أنه قدم مكة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً فقالوا له: ياطفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل ـ يقصدون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ـ الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وقد فرّق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسّاحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته فلاتسمعن منه شيئا، قال: فوالله ما زالوا بي حتّى أجمعت أن لاأسمع منه شيئاً ولا اكلمه، حتّى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا أريد أن أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي عند الكعبة.. فقمت منه قريبا فأبى الله إلاّ أن يسمعني بعض قوله.. فسمعت كلاما حسنا.. فقلت في نفسي:(والله إني رجل لبيب شاعر ما يخفى عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته)، فمكثت حتّى انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيته فاتبعته حتّى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يامحمد قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا فوالله مابرحوا يخفونني أمرك حتّى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، فأبى الله إلاّ أن يسمعني قولك فسمعته قولاً حسناً، فاعرض عليّ امرك.

قال: فعرض عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام وتلا عليّ القرآن فلا والله ما سمعت قولا أحسن منه ولا امراً أعدل منه. فأسلمت وشهدت شهادة الحق)[16]

وقد حكى القرآن الكريم بعض ما كان يمارسه الكافرون من أساليب الهمجية في الحوار معه فقال تعالى:﴿  وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ((صّ:7)

لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجيبهم بكل هدوء يطلب منهم إبداء الدليل على ما هم عليه من شرك، قال تعالى:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾(الأحقاف:4)، وقال تعالى:﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾(الأنعام:148)

ثانيا ـ علمية الحوار

ونريد به انضباط المتحاورين بالمنهج العملي في الحوار، فلا يفلتون منه، ولا يدعون غيره يفلت إليهم، فيفسد الحوار.

وذلك الغير قد يكون سبابا أو شتما أو عيوبا تخزن ليرمى بها في الوقت المناسب، فينتقل المحاورن من الحديث العملي الجاد إلى الدفاع عن أنفسهم أو مقابلة السباب بالسباب والفضائح بالفاضائح.

ولهذا يتردد في القرآن الكريم دعوة المشاغبين من المشركين وغيرهم إلى ترك شغبهم واعتماد الحوار العملي المعتمد على الحجة لا على الأهواء، فما أكثر ما يرد في القرآن ﴿ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ﴾(البقرة:111، الأنبياء:24 النمل:64، القصص:75)، وقال تعالى داعيا إلى اعتماد العلم والحجة في الحوار:﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾(الحج:8، لقمان:20)، وقال تعالى:﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾(آل عمران:66)، وقال تعالى:﴿ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾(الصافات:156-157)

ولهذا يرد في النصوص النهي عن معاملة المشاغبين من المحاورين بأساليبهم حتى لا ينتقل الحوار الذي هو دعوة إلى الله وجهاد في سبيله إلى مجلس شغب وسباب، قال تعالى:﴿ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾(الأنعام:108)

ومما يدخل في هذ الباب من الآداب أن ينوع المحاور الأدلة بحسب القدرة العقلية للآخر، ولا يشتغل بالدفاع عن دليل يرى عدم إمكانية فهم الآخر له، وقد ضرب القرآن الكريم لهذا مثلا بإبراهيم u في حواره مع النمروذ، قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ((البقرة:258)

فإبراهيم u لم يشتغل هنا بالدفاع عن قوله ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾، بل أورد مباشرة دليلا آخر مفحما[17].

ولهذا نوع الله تعالى في القرآن الكريم الأدلة على التوحيد والمعاد والنبوات حتى يشرب منها كل شخص بحسب توجهه وقدرته العقلية.

قال تعالى في إثبات التوحيد والرد على الوثنبية الشركية:﴿ أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾(الأنبياء:21-24)

وفي موضع آخر قال تعالى:﴿ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ﴾(الإسراء:42)

وفي موضع آخر قال تعالى:﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾(المؤمنون:91)

ولما لم يُجدِ الدليل العلمي العقلي على بطلان مُدَّعَاهم، أتاهم بأدلة حسية مادية من الواقع تثبت بطلان ألوهية الأصنام، فقال تعالى:﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً ﴾(الفرقان:3)، وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾(الحج:73)

ومما يدخل في هذا الباب كذلك أن يتجنب المحاور الأساليب التي تلبس ثوب الحجة، وهي تخلوا منها، لأن الغرض منها لا يعدو طلب الانتصار سواء كان المنتصر محقا أو مبطلا، ولهذا قال بعض العلماء:(إياك أن تشتغل بهذا الجدل[18] الذي ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء، فإنه يبعد عن الفقه، ويضيع العمر، ويورث الوحشة، والعداوة، وهو من أشراط الساعة، وارتفاع العلم، والفقه)

وقد ذكر بعض الشعراء هذه الأساليب في مناظرات الفقهاء فقال متهكما:

أرى فقهاء العصر طرا   أضاعوا العلم واشتغلوا بلم لم

إذا ناظرتهم لم تلق منهم   سوى حرفين لم لم لا نسلم[19]

ثالثا ـ إنصاف المخالف

ونريد به آداب كل محاور مع الآخر في استماعه ومخاطبته ووجوه التعامل معه، لما لها من تأثير كبير في نجاح الحوار وتأثيره، ويمكن اختصار أهم هذه الآداب فيما يلي:

إعطاء الفرصة للمخالف: لأن عدم إتاحة الفرصة للمخالف في الكلام عن رأيه أو حجته يجعل من الحوار تلقينا من جهة واحدة لا حوارا يستدعي الأخذ والرد، فالمتحدث البارع مستمع بارع فلابد من حسن الاستماع والانتباه لما يقوله الطرف المقابل وعدم مقاطعته.

بل من السنة أن لا يتكلم حتى يعرف أنه قد انتهى من بث حجته، وقد روي في هذا عن جابر بن عبد اللّه - رضي الله عنه -  قال: اجتمعت قريش يوماً فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد: فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد اللّه؟ فسكت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى يسمع قولك، إنا واللّه ما رأينا سِخَلَةً قط أشأم على قومك منك، فرّقت جماعتنا وشتّت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، واللّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف، حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً)، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -:(فرغت ؟)، قال:(نعم)، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -:﴿ بسم اللّه الرحمن الرحيم حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (فصلت:2)حتى بلغ :﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ((فصلت:13)، فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله[20].

ولا بأس أن ننقل هنا نصوصا مهمة تبين دور الاستماع في نجاح الحوار، ففي كتاب (ستيفن كوفي)(العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية)، تحدث الكاتب عن أب يجد أن علاقته بابنه ليست على ما يرام، فقال لستيفن: لا أستطيع أن أفهم ابني، فهو لا يريد الاستماع إلي أبداً.

فرد ستيفن: دعني أرتب ما قلته للتو، أنت لا تفهم ابنك لأنه لا يريد الاستماع إليك؟

فرد عليه: هذا صحيح.

فقال ستيفن: دعني أجرب مرة أخرى أنت لا تفهم ابنك لأنه -هو- لا يريد الاستماع إليك أنت؟

فرد عليه بصبر نافذ: هذا ما قلته.

فقال ستيفن: أعتقد أنك كي تفهم شخصاً آخر فأنت بحاجة لأن تستمع له.

فقال الأب: أوه (تعبيراً عن صدمته)ثم جاءت فترة صمت طويلة، وقال مرة أخرى: أوه!

فهذا الأب نموذج صغير للكثير من الناس، الذي يرددون في أنفسهم أو أمامنا: إنني لا أفهمه، إنه لا يستمع لي! والمفروض أنك تستمع له لا أن يستمع لك!

إن عدم معرفتنا بأهمية مهارة الاستماع تؤدي بدورها لحدوث الكثير من سوء الفهم، الذي يؤدي بدوره إلى تضييع الأوقات والجهود والأموال والعلاقات التي كنا نتمنا ازدهارها.

إن الاستماع ليس مهارة فحسب، بل هو وصفة أخلاقية يجب أن نتعلمها، إننا نستمع لغيرنا لا لأننا نريد مصلحة منهم لكن لكي نبني علاقات وطيدة معهم.

وقد ذكر بعضهم بعض آداب الاستماع ملخصا لها فيما يلي:

·  عليك أن تستمع وبإخلاص لمن يحدثك، تستمع له حتى تفهمه، لا أن تخدعه أو تلقط منه عثرات وزلات من بين ثنايا كلماته، استمع وأنت ترغب في فهمه.

·  لا تجهز الرد في نفسك وأنت تستمع له، ولا تستعجل ردك على من يحدثك، وتستطيع حتى تأجيل الرد لمدة معينة حتى تجمع أفكارك وتصيغها بشكل جيد، ومن الخطأ الاستعجال في الرد، لأنه يؤدي بدوره لسوء الفهم.

·  اتجه بجسمك كله لمن يتحدث لك، فإن لم يكن، فبوجهك على الأقل، لأن المتحدث يتضايق ويحس بأنك تهمله إن لم نتظر له أو تتجه له، وفي حادثة طريفة تؤكد هذا المعنى، كان طفل يحدث أباه المشغول في قراءة الجريدة، فذهب الطفل وأمسك رأس أبيه وأداره تجاهه وكلمه.

·  بين للمتحدث أنك تستمع، أنا أقول بين لا تتظاهر! لأنك إن تظاهرت بأنك تستمع لمن يحدثك فسيكتشف ذلك إن آجلاً أو عاجلاً، بين له أنك تستمع لحديثه بأن تقول: نعم... صحيح أو تهمهم، أو تومئ برأسك، المهم بين له بالحركات والكلمات أنك تستمع له.

·  لا تقاطع أبداً، ولو طال الحديث لساعات! وهذه نصيحة مجربة كثيراً ولطالما حلت مشاكل بالاستماع فقط، لذلك لا تقاطع أبداً واستمع حتى النهاية، وهذه النصيحة مهمة بين الأزواج وبين الوالدين وأبنائهم وبين الإخوان وبين كل الناس.

·  بعد أن ينتهي المتكلم من حديثه لخص كلامه بقولك: أنت تقصد كذا وكذا.... صحيح؟ فإن أجاب بنعم فتحدث أنت، وإن أجاب بلا فاسأله أن يوضح أكثر، وهذا خير من أن تستعجل الرد فيحدث سوء تفاهم.

·  لا تفسر كلام المتحدث من وجهة نظرك أنت، بل حاول أن تتقمص شخصيته وأن تنظر إلى الأمور من منظوره هو لا أنت، وإن طبقت هذه النصيحة فستجد أنك سريع التفاهم مع الغير.

·  حاول أن تتوافق مع حالة المتحدث النفسية، فإن كان غاضباً فلا تطلب منه أن يهدئ من روعه، بل كن جاداً واستمع له بكل هدوء، وإن وجدت إنسان حزيناً فاسأله ما يحزنه ثم استمع له لأنه يريد الحديث لمن سيستمع له.

·  عندما يتكلم أحدنا عن مشكلة أو أحزان فإنه يعبر عن مشاعره، لذلك عليك أن تلخص كلامه وتعكسها على شكل مشاعر يحس بها هو، وقد ذكر ستيفن كوفي في (العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية)هذا المثال:

·      الابن: أبي لقد اكتفيت! المدرسة لصغار العقول فقط.

·      الأب: يبدو أنك محبط فعلاً.

·      الابن: أنا كذلك بكل تأكيد.

·  في هذا الحوار الصغير لم يغضب الأب، ولم يؤنب ابنه ويتهمه بالكسل والتقصير، بل عكس شعور الابن فقط، وفي الكتاب تكملة للحور على هذا المنوال حتى وصل الابن إلى قناعة إلى أن الدراسة مهمة وإلى اتخاذ خطوات عملية لتحسين مستواه في الدراسة.

·      ومن المقترحات التي سطرها ستيفن كوفي في كتابه، زيادة على هذا:

·  حيث تسنح لك الفرصة مراقبة أشخاص يتحدثون اغلق أذنيك لبضع دقائق وراقب فقط أي انفعالات والتي قد لا تظهرها الكلمات وحدها.

·  راقب نفسك كلما كنت في حوار مع أي شخص، واضبط نفسك إن حاولت أن تقيم أو تفسر حديث الشخص بشكل خاطئ، واعتذر له واطلب منه أن يعيد الحوار مرة أخرى، جربت هذه الطريقة من قبل وكان لها مفعولاً عجيباً على الطرف الآخر.

إجابة طلبات المخالف: لأن الحوار يستدعي أسئلة وأجوبة، فلذلك كان توقف أحد المحاورين عن الإجابة في حال إمكانها إفسادا للحوار، وإضرارا بآثاره، وقد رد الغزالي على ممارسة الناظرين في عصره لهذا الأسلوب، فقال ذاكرا نموذجا عن طريقة حوراهم، وهي لا تختلف عن طرق المعاصرين في مناظراتهم أو في حديثهم العادي:(فإذا قيل: ما الدليل على أن الحكم في الأصل معلل بهذه العلة؟ فيقول: هذا ما ظهر لي؛ فإن ظهر لك ما هو أوضح منه وأولى فاذكره حتى أنظر فيه، فيصر المعترض ويقول: فيه معان سوى ما ذكرته، وقد عرفتها ولا أذكرها إذ لا يلزمني ذكرها، ويقول المستدل: عليك إيراد ما تدعيه وراء هذا، ويصر المعترض على أنه لا يلزمه، ويتوخى مجالس المناظرة بهذا الجنس من السؤال وأمثاله)

وقد رد على هذا الأسلوب بقوله:(ولا يعرف هذا المسكين أن قوله: إني أعرفه ولا أذكره إذ لا يلزمني، كذب على الشرع: فإنه إن كان لا يعرف معناه، وإنما يدعيه ليعجز خصمه فهو فاسق كذاب عصى الله تعالى وتعرض لسخطه بدعواه معرفة هو خال عنها، وإن كان صادقاً فقد فسق بإخفائه ما عرفه من أمر الشرع. وقد سأله أخوه المسلم ليفهمه وينظر فيه، فإن كان قوياً رجع إليه، وإن كان ضعيفاً أظهر له ضعفه وأخرجه عن ظلمة الجهل إلى نور العلم. ولا خلاف أن إظهار ما علم من علوم الدين بعد السؤال عنه واجب لازم فمعنى قوله: لا يلزمني؛ أي في شرع الجدل الذي أبدعناه بحكم التشهي والرغبة في طريق الاحتيال والمصارعة بالكلام لا يلزمني وإلا فهو لازم بالشرع، فإنه بامتناعه عن الذكر إما كاذب وإما فاسق، فتفحص عن مشاورات الصحابة ومفاوضات السلف رضي الله عنهم هل سمعت فيها ما يضاهي هذا الجنس وهل منع أحد من الانتقال من دليل إلى دليل ومن قياس إلى أثر ومن خبر إلى آية؟ بل جميع مناظراتهم من هذا الجنس إذ كانوا يذكرون كل ما يخطر لهم كما يخطر وكانوا ينظرون فيه)[21]

التعهد بالتزام الحق: وهو التزام المحاور برأي المخالف في حال صحته أو اقتناعه به، ويشير إلى هذا الأدب قوله تعالى:﴿  قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ﴾(الزخرف:81)، لأن لهذا الالتزام دورا كبيرا في نفسية المخالف وفي استنهاضه لما لديه من أدلة، وهو ما ييسر نجاح الحوار وأدائه للثمار المطلوبة منه.

ويدخل في هذا الباب تسليم المحاور بالخطأ في حال وقوعه فيه، وهذا ما تفرضه المنطلقات النفسية التي ذكرناها، والتي تستدعي التسليم بإمكانية صواب الخصم، ولهذا قال تعالى بعد مناقشة طويلة في الأدلة على وحدانية الله:﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾(سـبأ:24)، فطرفا الحوار سواء في الهداية أو الضلال، ثم يضيف على الفور في تنازل كبير بغية حمل الطرف الآخر على القبول بالحوار:﴿ قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سـبأ:24)، فيجعل اختياره هو بمرتبة الإجرام على الرغم من أنه هو الصواب، ولا يصف اختيار الخصم بغير مجرد العمل.

إبداء الإعجاب بالخصم في حال صوابه: لأن ذلك مما يجعل المخالف واثقا من صدق محاوره، فلا يتردد في قبول حجته في حال اقتناعه بها، جاعلا من تصرف محاوره أسوة له في ذلك.

عدم المبالغة في الحكم على أخطاء المخالف: لأن تضخيم الخطأ من شأنه أن يجعل المخالف يعتقد بعدم إمكانية الوصول إلى حل لذلك الخلاف، بخلاف ما لو بسط الأمر، وحصرت الأخطاء، وبين سهولة معالجتها.

رابعا ـ الخاتمة الطيبة للحوار

تشكل خاتمة الحوار أهم جزء من أجزائه، باعتبارها المحل الذي تستنتج فيه نتائجه، فلذلك كان للاهتمام بتحقق آدابها تأثير كبير في نجاح الحوار ولو كانت نتائجه على غير ما أراد المتحاوران.

ذلك أنه إن تحققت آداب الحوار العلمية والعملية، فإنه لا يشترط إذعان أحد الطرفين للآخر، لأن الإذعان والتسليم قد يحتج إلى وقت طويل، يشكل الحوار جزءا منه.

وأول ادب من آدب ختم الحوار هو ما ذكرناه سابقا من ختمه بهدوء لا انفعال فيه، والإعراض على ما قد يثيره الخصم من شغب ولجاج، ولهذا قال تعالى مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم - مبينا كيفية مواجهة المحاورين من أهل الشغب:﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ((لأعراف:199)، وقال تعالى:﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾(طه:130، ص:17، ق:39)، وقال تعالى:﴿  فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ ﴾ (السجدة:30)، وقال تعالى:﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً ﴾(المزمل:10)، وقال تعالى:﴿  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ﴾(هود:35)

ومن آدب ختم الحوار التي نستنبطها من خلال نماذج الحوار المعروضة في القرآن الكريم هو ختم الحوار بتأكيد المحاور لرأيه، وتبيينه لمسؤولية غيره على ما رآه في حال عدم اقتناعه، ليكون في ذلك دعوة لمحاورة النفس، أو للتأمل فيما دار في الحوار من معاني، فتأثير الحوار لا يقتصر على مجلسه.

ومن الأمثلة على هذا قول الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لأقوامهم في نهاية الحوار:﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴾ (هود:93)، وقال تعالى:﴿  وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُون ﴾(هود:121-122)، وقال تعالى:﴿ قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾(سبأ:50)، وقال تعالى:﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(يونس:41)، وقال تعالى:﴿ قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾(سبأ:25-26)

 



([1])  من مراجع هذا المبحث: الحوار في القرآن، فضل الله (محمد حسين)، ط:3 المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 1985.

أسلوب المحاورة في القرآن، حفني (عبد الحليم)، ط:2 الهيئة المصرية للكتاب 1985.

النقد والحوار الإسلامي، حللي (عبد الرحمن - مجلة الكلمة:97 - عدد:9 /1995 - بيروت.

الحرية في القرآن، البعلبكي (محمد)- مجلة آفاق الإسلام:41-42 السنة الأولى - عدد:3 / ايلول 1993.

حرية الرأي بين الإسلام والمسلمين، منصور (أحمد صبحي، من بحوث الملتقى الفكري الثالث للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

([2])  الإحياء: 1/45.

([3])  الإحياء: 1/45.

([4])  وننبه هنا إلى أن الكلام الذي نورده هنا مرتبط أولا وقبل كل شيء بتربية الأولاد، والمحاور لهم هنا هو ما ذكرنا من المؤسسات المسؤولة عن تربيتهم، وهي قد لا يخلوا أصحابها مما ذكر الغزالي من الآفات.

([5])  الإحياء: 4/319.

([6])  الإحياء: 4/374.

([7])  الإحياء: 1/44.

([8])  التفسير الكبير: 25/206.

([9])  وقد اعتبر العلماء حوار الله U مع إبليس مناظرة، قال الرازي :« دلّت المناظرات المذكورة في القرآن بين الله تعالى وبين إبليس على أنه تعالى كان يتكلم مع إبليس من غير واسطة، فذلك هل يسمى وحياً من الله تعالى إلى إبليس أو لا، الأظهر منعه، ولا بد في هذا الموضع من بحث غامض كامل » التفسير الكبير: 27/619.

([10])  رواه أحمد بإسناد جيد، المسند [5/256].

([11])  الإحياء: 1/43.

([12])  الإحياء: 1/43.

([13])  الإحياء: 1/43.

([14])  الظلال: 1875.

([15])  البخاري.

([16])  سيرة ابن هشام 1/407.

([17])  وقد رد بعض العلماء هذا القول، وقالوا بأن إبراهيم u في هذه الآية لم ينتقل من دليل إلى دليل آخر، بل الدليل واحد في الموضعين وهو « أنا نرى حدوث أشياء لا يقدر الخلق على إحداثها فلا بد من قادر آخر يتولى إحداثها وهو الله سبحانه وتعالى، ثم إن قولنا: نرى حدوث أشياء لا يقدر الخلق على إحداثها له أمثلة منها: الإحياء، والإماتة، ومنها السحاب، والرعد، والبرق، ومنها حركات الأفلاك، والكواكب، والمستدل »

وقد نصوا على أنه لا يجوز له أن ينتقل من دليل إلى دليل آخر، إلا إذا ذكر لإيضاح كلام مثالاً فله أن ينتقل من ذلك المثال إلى مثال آخر، فكان ما فعله إبراهيم u من باب ما يكون الدليل واحد إلا أنه يقع الانتقال عند إيضاحه من مثال إلى مثال آخر، وليس من باب ما يقع الانتقال من دليل إلى دليل آخر، وقد استدلوا لهذا بوجوه منها:

الوجه الأول: أن صاحب الشبهة إذا ذكر الشبهة، ووقعت تلك الشبهة في الأسماع، وجب على المحق القادر على الجواب أن يذكر الجواب في الحال إزالة لذلك التلبيس والجهل عن العقول، فلما طعن الملك الكافر في الدليل الأول، أو في المثال الأول بتلك الشبهة كان الاشتغال بإزالة تلك الشبهة واجباً مضيقاً، فكيف يليق بالمعصوم أن يترك ذلك الواجب.

الوجه الثاني: أنه لما أورد المبطل ذلك السؤال، فإذا ترك المحق الكلام الأول وانتقل إلى كلام آخر، أوهم أن كلامه الأول كان ضعيفاً ساقطاً، وأنه ما كان عالماً بضعفه، وأن ذلك المبطل علم وجه ضعفه وكونه ساقطاً وأنه كأنه عالماً بضعفه فنبه عليه، وهذا ربما يوجب سقوط وقع الرسول وحقارة شأنه وأنه غير جائز.

الوجه الثالث: وهو أنه وإن كان يحسن الانتقال من دليل إلى دليل، أو من مثال إلى مثال، لكنه يجب أن يكون المنتقل إليه أوضح وأقرب، وهٰهنا ليس الأمر كذلك، لأن جنس الإحياء لا قدرة للخلق عليه، وأما جنس تحريك الأجسام، فللخلق قدرة عليه، ولا يبعد في العقل وجود ملك عظيم في الجثة أعظم من السمٰوات، وأنه هو الذي يكون محركاً للسمٰوات، وعلى هذا التقدير الاستدلال بالإحياء والإماتة على وجود الصانع أظهر وأقوى من الاستدلال بطلوع الشمس على وجود الصانع فكيف يليق بالنبي المعصوم أن ينتقل من الدليل الأوضح الأظهر إلى الدليل الخفي الذي لا يكون في نفس الأمر قوياً(انظر: التفسير الكبير)

وغيرها من الوجوه، ونرى أن الأمر في ذلك يسير، فسواء انتقل إلى دليل آخر، أو وضح دليله، فإن مجرد انتقاله من دليل إلى دليل ببساطة ويسر دال على مدى قناعته بالقضية التي يطرحها، وأن أدلته أقوى من أن تواجه، بخلاف ما لو ظل يدافع عن دليل واحد، وخاصة إن كان دليلا غامضا يحتاج إلى عقل ذكي لإدراكه.

([18])  وقد كان أصل هذا العلم صحيحا، ولكنه حرف بعد ذلك، قال ابن خلدون في « المقدمة » في تعريف علم الجدل :« معرفة آداب المناظرة، التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية، وغيرهم، فإنه لما كان باب المناظرة في الرد، والقبول متسعاً، وكل واحد من المناظرين في الاستدلال، والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج، ومنه ما يكون صواباً، ومنه ما يكون خطأً، فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا آداباً، وأحكاماً يقف المتناظران عند حدودها في الرد، والقبول، وكيف يكون حال المستدل، والمجيب، وحيث يسوغ له أن يكون مستدلاً، وكيف يكون مخصوصاً منقطعاً، ومحل اعتراضه، أو معارضته وأين يجب عليه السكوت، ولخصمه الكلام، والاستدلال، ولذلك قيل فيه: إنه معرفة بالقواعد من الحدود، والآداب في الاستدلال، التي يتوصل بها إلى حفظ رأي، وهدمه كان ذلك الرأي من الفقه، أو غيره » انظر: أبجد العلوم: 2/ 209.

([19])  انظر: أبجد العلوم: 2/ 210.

([20])  أما عن تأثير هذا الحوار الهادئ، فإن عتبة بن ربيعة لما سمع ذلك من رسول الله r لم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل :« يا معشر قريش واللّه ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك له إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فقال أبو جهل :« يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد »، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمد أبداً، وقال :« واللّه لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء واللّه ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب » رواه البغوي في تفسيره.

([21])  الإحياء: 1/40.