الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: رقية الروح

الناشر: دار الكتاب الحديث

  الفهرس

ثانيا ـ مزارع الشفاء

1 ـ حقل تجارب

2 ـ صيدلية أعشاب

1 ـ البابونج:

2 ـ الزعتر:

3 ـ عرقسوس:

4 ـ الهندباء:

5 ـ المريمية:

6 ـ الشوفان:

7 ـ الزيزفون:

8 ـ العوسج:

9 ـ ناردين:

10 ـ اليانسون:

3 ـ أطباء في الحقول

الإجهاد

الكآبة

النحافة

البدانة

الجهاز الهضمي

الحموضة:

القرحة:

الغازات:

الإسهال:

 

الأمراض الصدرية

الأنفلونزا:

النزلة الشعبية:

الالتهاب الرئوي:

الذبحة الصدرية:

الأمراض الجلدية

آلام الرأس

السكري

الأرق

4 ـ دساتير الأطباء

الخبرة

المسؤولية

الحسبة:

الاختبار:

التضمين:

العقوبة:

النصح

تعليم المريض:

مراعاة الأحوال:

استعمال كل الوسائل:

غرس الأمل:

الخلق

الإخلاص:

الرحمة:

التواضع:

الرفق:

 

ثانيا ـ مزارع الشفاء

خرجت من مطاعم الشفاء، وقد امتلأت قناعة بأن الله تعالى وضع في الأغذية الكثيرة المتنوعة كل ما يصلح بدن الإنسان، ويرمم عطبه، ويحوله إلى أداة صالحة يستأنف بها صاحبها مسيرته على الأرض.

وفوق ذلك أدركت أن المعدة بيت الداء، ومعدن البلاء.. فلذلك لا ينجو من الشرور التي تحيق بها إلا من جعل هواه فيما يدخل إليها هو هواه فيما يصلحه ويعافيه ويخدمه.. لا فيما يكتفي بخداع ذوقه، أو التغرير بأنفه، أو العبث بما تراه عيناه.

كنت سائرا وحدي فيما أرى.. لست أدري كم سرت.. فجأة وجدت نفسي قد دخلت مزرعة مملوءة بكل ما خلق الله من أصناف الأعشاب.. والروائح المختلفة تبوح بما تحتويه هذه المزرعة العظيمة من أصناف النباتات.

لم يكن أمامي المعلم لأسأله عن سر هذه المزرعة، فبقيت سائرا مملوءا بالدهشة لجمالها.. وبينما أنا كذلك إذ رأيت رجلا يحمل فأسا ورفشا وكيسا صغير، فاستوقفته، فوقف لي، وحييته، فرد التحية بأحسن منها، فأحسست بببعض الأنس، فقلت: لقد كنت في مستشفى السلام.. ولست أدري كيف خرجت حتى وجدت نفسي في مزرعتك، فأرجو أن تدلني على طريق العودة إليه.

قال: وما حاجتك لمستشفى السلام.. أأنت مريض تطلب العلاج؟

قلت: لا ـ بحمد الله ومنته ـ ولكن لي معلما جاء بي إليه، ليريني من تفاصيله ما لم أر.. وليعلمني من علومه ما لم أعلم.

قال: المعلمون كثيرون.. فأيهم معلمك؟

غضبت، وقلت: ما أكثر فضولك يا رجل.. سألتك أن تدلني على مكان المستشفى.. فإذا بك تتحرى معي كما تتحرى الشرطة مع المجرمين.

قال: لا.. أنت فهمتني خطأ.. أنا أسأل عن حاجتك لأقضيها على كمالها.. ولا يمكنني أن أفعل ذلك ما لم أعرف التفاصيل التي تدلني على طريق خدمتك.

 قلت: اعذرني.. فقد استفزني الغضب.. فلا زالت جذور الصراع التي نبتت بين قومي تمدني كل حين بمادتها.

قال: لا بأس عليك.. فأهل السلام لا يثيرهم أهل الصراع.

قلت: أأنت من أهل السلام؟

قال: أجل.. بحمد الله ومنته.. فقد تخرجت من جامعتها.

قلت: تخرجت من جامعتها.. ثم تحمل هذا الفأس.. لم لم تصر مديرا أو وزيرا في مدائنها!؟

قال: ألم يخبرك معلمك بأن مدائن السلام لا يتمنى أهلها ما تتمنون من المناصب؟

قلت: ألم تتمن من المناصب إلا أن تصير فلاحا تحمل الفأس والرفش.. ما أدنى همتك!؟

قال: ليس في هذا علو همة أو دنو همة.. فالهمة محلها القلب لا الجوارح.. فالقلب الساكن إليه الراضي به المتطلع لما في يده لا يهمه أن تشتغل جوارحه بالفأس أو بغيره.

قلت: فلم اخترت الفأس على غيره؟

قال: لقد رأى الله في الحب لما تمتلئ به الأرض من أصناف الأعشاب والنباتات.. ورأى في بجانب ذلك حنانا ورحمة فائضتين على الخلائق المتألمين.. فدلني برحمته وفضله على البحث في الأرض عن أسرار الشفاء.

قلت: أأنت تعمل بهذا المستشفى إذن؟

قال: أجل.. وقد اختارني أهله لإدارة مزارع الشفاء.

قلت: أهذه مزراع الشفاء.. وأنت مديرها!؟

قال: بل أجيرها.. فالمدير في مدائن السلام أجير قد كلف بوظيفة التسيير.. لا المدير الذي تعرفونه في مدائن الصراع!؟ 

قلت: ولكن كيف تحمل هذه الفأس؟

قال: ألم أقل لك: إني أجير بهذا المستشفى.. ووظيفتي تستدعي هذه الفأس؟

قلت: فما تعمل بها؟

قال: أرعى النباتات، وأوصل لها ما كتب الله لها من رزق، لأقطف منها بعد ذلك ترياق الشفاء.

قلت: أي النباتات تعتمدون في علاجكم للمرضى في هذا القسم؟

قال: نحن نعتمد نباتات كثيرة.. كثيرة جدا، منها ما تعرفه، ويعرفه قومك، وأكثرها لا تعرفه، ولا يعرفه قومك.

قلت: فكيف اهتديتم إليها؟

قال: ذلك شأن آخر.

فجأة سكت، وطلب مني السكوت.. وإذا به ينظر إلى السماء، ويتمتم بكلمات لم أفهمها.

ظننت الرجل مخبولا.. لكني صبرت حتى انتهى من تمتمته، وقلت: أهذه الحالة التي تأتيك قديمة أم جديدة؟.. ولم لم تلتمس علاجها؟

قال: أي حالة؟

قلت: ما رأيتك تفعله الآن من نظرك إلى السماء وتمتمتك.

قال: لقد جاءتني مكالمة عنك..

قلت: أما رأيته هو مكالمة.. لم أرك تخرج جوالك.. أم أنك تخبئه في سترتك!؟

قال: لا.. لقد اخترع علماء السلام أجهزة محادثات خاصة تعتمد على ما في الإنسان من طاقات الاستماع، وهي لا تحتاج إلى وسائط خارجية.

قلت: ونظرك إلى السماء.. أهناك أقمار صناعية خاصة بكم؟

قال: يمكنك تسميتها كذلك.. ولكنها أنواع من الأجهزة لم تسمعوا بها، ولا يمكنني أن أشرحها لك.

قلت: لقد زعمت بأن المكالمة التي وردت إليك تخبرك عني، فممن، وما قالوا؟

قال: هي من مدير هذا المستشفى.. وهو يطلب مني أن أرشدك في أقسام هذه المزراع.

قلت: أيعرفني مديركم؟

قال: نحن إخوان في الله لا يجهل بعضنا بعضا.

قلت: ولكنكم كثير.. فكيف يعرف بعضكم بعضا؟

قال: ألم يخبر - صلى الله عليه وسلم - بأنه يعرف أمته من آثار الوضوء؟

قلت: فكيف يعرف بعضكم بعضا؟

قال: من آثار السلام.. فللسلام من السكينة والوقار ما يوحي للمتفرسين بالمسالمين والمصارعين.

قلت: فحدثني عن أقسام هذه المزراع.

قال: لا.. سأنزل بك عليها واحدة واحدة.

قلت: قبل ذلك عرفني بها.. حتى أعلم بداية مسيرتي ونهايتها.

قال: هي أربعة أقسام.

قلت: أعلم أنها أربعة.. فما هي؟

قال: أما الأولى.. فهو حقل للتجارب، نقوم فيه بتجريب العلاج بالنباتات المختلفة.

قلت: والثاني؟

قال:  هو صيدلية أعشاب نمونها من حقل التجارب لنعطي منها كل مريض ما يحتاجه.

قلت: والثالث؟

قال: هو ليس قسما كالأقسام التي تعرفون.. ولكنه مزرعة يتجول فيها المرضى مع الأطباء ليعطوهم من الأعشاب ما يتناسب مع أمراضهم.

قلت: والرابع؟

قال: نحن نسميه ( دستور الأطباء ).. ونتناول فيه البحث والدراسة والمناقشة فيما يحتاجه العلاج من قوانين تحفظ الصحة، وتحمي من الدجل.

قلت: فهل سنزور هذه الأقسام جميعا؟

قال: لا مناص لنا من زيارتها.. فقد طلب مني أن أفعل ذلك.

1 ـ حقل تجارب

سرت مع مدير هذا القسم إلى ما يطلقون عليه ( حقل التجارب )، وقد كتب في مدخله قوله تعالى:) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ((العنكبوت: من الآية20)

فقلت: أنحن نسير إلى الحقل.. أم سنسير في الأرض؟

قال: بل إلى الحقل.

قلت: فلم وضعتهم هذه الآية هنا؟

قال: لقد أحضرنا جميع الأرض هنا.. فلذلك إن سرنا في هذا الحقل نكون قد سرنا في الأرض جميعا.

قلت: كيف تحضرون جميع الأرض هنا.. ألا تعلم أن الكل أكبر من الجزء؟.. فكيف تزعم أن الجزء يحتوي على الكل؟

قال: هذا حقل تجارب على الأثر الطبي للنباتات المختلفة.. وهو يستدعي التعرف على جميع النباتات.. فلذلك استنبتنا كل ما نعرفه من نباتات الأرض في هذ الحقل.. لنجري عليه تجاربنا.

قلت: أتعرف ما تقول يا رجل.. إن نباتات الأرض أكثر من أن تحصروها في هذا الحقل!؟ 

قال: ولكن لله هدانا بمنه وكرمه إلى أساليب نجمع فيها كل نباتات الأرض من غير أن نحتاج إلى جميع الأرض.

قلت: تقصد البركة التي تحول القليل كثيرا.

قال: البركة عنصر من عناصرها.

قلت: وباقي العناصر.

قال: ذلك علم لم يؤذن لي في كشفه.

قلت: بقيت مشكلة أخرى.

قال: ما هي؟

قلت: نباتات الأرض تتوزع بحسب الأقاليم والتضاريس والمناخ، فبعضها يؤثر الصحاري.. وبعضها يؤثر الصقيع.. وبعضها لا يعيش إلا في المناطق الاستوائية.. وبعضها..

قال: لقد حسبنا حسابا لكل ذلك..ألم أقل لك بأن الأرض جميعا اختصرناها في هذا الحقل.. الأرض جميعا بتضاريسها ومناخها وكل ما تراه فيها من تغيرات!؟ 

قلت: بأي تقنية فعلتم ذلك؟

قال: بتقنية نسميها ( الجوامع )

قلت: لم أسمع بهذه التقنية من قبل.

قال: لا.. لقد سمعت بها.. فقد استخدمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: أين.. ومتى؟

قال: ألم يقل - صلى الله عليه وسلم -:( أعطيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه )[1]، وكان يقول في دعائه:( اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه )[2]

قلت: بلى.. وقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها:( يا عائشة عليك بالكوامل الجوامع )[3]، وأخبرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك[4].

قال: لقد انطلق علماء هذا المستشفى من هذه النصوص، فاختصروا أجواء الأرض جميعا في هذاالحقل.. فنبتتت فيه بفضل الله كل نباتات الأرض من غير استنبات.

قلت: لقد فعل قومي مثل هذا.. فوضعوا خارطة لتضاريس الأرض.

قال: هذا مثل ذلك.. ولكن بفارق بسيط.

قلت: ما هو؟

قال: أرضكم التي صنعتموها ميتة، وأرضنا حية.. فأرضكم لا تنبت، وأرضنا تنبت.

قلت: بالبركة.

قال: بالجوامع والبركة.. وتقنيات أخرى لم يؤذن لي في كشفها لك.

قلت: لا بأس.. سلمت لك بما تقول.. ولكن بقيت مشكلة أخرى.

قال: ما هي؟

قلت: ألا توجد هناك نباتات سامة؟

قال: أجل.. وهي كثيرة.. ولكنها سامة نافعة.

قلت: ما تعني؟

قال: إن كونها سامة يعني أن لها مفعولا قويا لا يتناسب مع أجهزة جسم الإنسان.

قلت: لم أسأل عن هذا.. ولكني سألت عن وصفك لها بالنفع.. أتراكم تستعلمون في القتل؟

قال: نحن أهل السلام نفضنا أيدينا مما تسمونه قتلا.

قلت: فما تفعلون بها؟

قال: نحن نخلطها بنباتات أخرى، فينشأ من سم هذه، وترياق الأخرى ما يمدنا بما نحتاجه من داوء.

قلت: لم أفهم هذا؟

قال: ألا تعرف التلقيح؟

قلت: بلى..

قال: فما تفعلون فيه؟

قلت: نلقح الإنسان بالداء ليتعلم كيف يقاومه.

قال: فنحن نلقح بعض النباتات بالسموم لنستخرج الأمصال التي تقاوم بها السموم، فنستعملها علاجا.. وقد رأينا جدواها لعلل كثيرة.

قلت: فكيف تميزون النباتات السامة من غيرها؟.. ألديكم فئران تجارب؟

قال: لا.. نحن نستخدم حيوانات خاصة أعطاها الله من علم السموم ما تميز به السم عن الترياق.

قلت: سلمت لك فيما قلت.. ولكن المشكلة لم تحل بعد.

قال: ما هي المشكلة؟.. فلم أسمعك تذكرها.

قلت: كيف تعرفون تأثير النباتات العلاجي!؟.. فهذا ليس شيئا بسيطا.. خاصة مع عدم استخدامكم الفئران أو غيرها للتجارب.

قال: لقد أخبروك بعدم جدوى استعمال الفئران.. فلذلك نستعمل وسائل كثيرة بديلة.

قلت: المهم أن الإنسان ليس من بينها.

قال: قد يكون الإنسان من بينها.

قلت: ألا تعلمون تحريم إجراء التجارب على الإنسان؟

قال: بلى.. ولكنا لا نطعمه أي عشب حتى نتأكد من عدم خطورته عليه.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لقد صمم أهل هذا لمستشفى اختراعا يضاهون به أجهزة الإنسان ليروا مدى تأثير أنواع الأعشاب فيه.

قلت: كيف؟.. أهو إنسان آلي.

قال: لا.. ولكنه جهاز توضع فيه النبتة.. فيعطيك كل التفاصيل المرتبطة بها من عناصر ومركبات وقوى وين ويانغ وبركة وغيرها.. بالإضافة إلى الآثار السلبية التي قد تنجم عن استعمالها، وأنواع الاستعمالات التي قد تصلح لها.

قلت: فهذا جهاز متطور إذن!؟

قال: في إمكانكم صنعه لو تخلصتم من بارونات الكيميائيات التي تجثم على صدوركم.

قلت: لقد ذكرت العناصر والمركبات مع القوى والين.. وغيرها.. بأي أسلوب تتعاملون.. هل بالطب القديم أم بالحديث؟

قال: نحن لا نحتقر أي علم يأتينا.. فلذلك زودنا أجهزة بكل تلك المعارف لنستخلص الشفاء على مختلف مدارسه.

قلت: فأي جهة تعتمدون؟

قال: كل الجهات.. المهم عندنا أن ينهض المريض معافى.

قلت: فما المنطلق الذي تنطلقون منه؟

قال: من قوله - صلى الله عليه وسلم -:( تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ )[5]

قلت: كل أهل هذا المستشفى سمعتمهم يرددون هذا الحديث.

قال: كل سمعه على ضوء اختصاصه.

قلت: فما يسمع منه هذا القسم؟

قال: لقد بشرنا - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا ينزل داء إلا نزل معه الدواء.. وتعببيره بالنزول يدل على أن لكل داء نباته الخاص به.. والذي يقضي عليه.

قلت: ألا يمكن أن يدخل في هذا الادوية الكيميائية؟

قال: لا.. لأنها صنعت.. ولم تنزل.. ولفظ التنزيل ينافيها.

قلت: فأنتم تعادوناها إذن؟

قال: لا.. نحن لا نعاديها.. بل نتعاون معا.. ولكنا في نفس الوقت نبحث عن العلاج المنزل لنتقي أخطار العلاج المخترع.

قلت: ولكن..

قال: تقصد أن قومك اطلعوا على جميع النباتات، وبالتالي لا حاجة لمثل هذا الحقل.

قلت: لقد فهمت ما قصدت.. فمع كون النباتات كثيرة إلا أن قومي لم يقصروا في البحث عما تمتلئ به من ألوان الشفاء..

قال: لا.. النباتات أكثر بكثير.. وأنتم لم تعرفوا من العلاج بها إلا القليل.

 قلت: أراك لا تعرف قومي؟

قال: كيف لا أعرفهم.. وقد نبتت فيهم.

قلت: لديك أخبار قديمة عنهم.. إنهم يتطورون بين عشية وضحاها.

قال: لا.. إن أخبارهم تصلني الساعة تلو الساعة.. وقد كان آخر ما وصلني من أخبار أنهم في أمريكا والدول الأوربية قاموا ببعض المؤتمرات تتعلق بالعلاج بالأعشاب.. وقد خرجوا منها بتوصيات هامة.. ليتهم ينفذونها.

قلت: فما هي؟

قال: من أهم توصياتهم دعوة العلماء إلى البحث عن نباتات جديدة قد تكون مصدر للدواء.

قلت: فهل بدأوا بذلك؟

قال: أجل.. وهي بداية مشجعة نتمنى أن لا يقف في وجهها اللوبي الكيميائي.

قلت: فما فعلوا؟

قال: لقد تم اكتشاف نباتات جديدة لها فوائد طبية وأخرى اقتصادية لم تكن معروفة من قبل.

قلت: أهناك نباتات لم يكونوا يعرفونها؟

قال: أجل..

قلت: وكم يعرفون؟

قال: الكثير.. ولكنها معرفة سطحية.. وقد علمت أن هناك ما لا يقل عن 1800 معشبة منتشرة في الأمريكيتين وأوربا، تحتوي على ما يقرب من 175 مليون نبات، تمثل 25000 نوع، وعلى كل نموذج من هذه النباتات المجففة بيانات عن هذه النباتات من حيث اسمها العلمي وفصيلتها وجامعها وتاريخ جمعها ومكان انتشارها، كل ذلك بجانب معلومات عن قيمتها الطبية والاقتصادية إن وجدت.. ولكن كل ذلك يظل قليلا.. قليلا جدا بجانب ما أودع الله في الأرض من بركات الشفاء.

قلت: فهل وجد هؤلاء الباحثون ما قد يشجعهم على المضي في هذا السبيل؟

قال: أجل.. لقد قام فريق من العلماء الأمريكيين بالبحث عن نباتات تحتوي على عناصر فاعلة لها القدرة على القضاء على الخلايا السرطانية، وقد اتخذوا مركز أبحاثهم منطقة شرق إفريقيا، واستطاعوا الكشف عن ما يزيد على 1200 نوعا من النباتات التي تنمو في هذه المنطقة، ولها القدرة على القضاء على الخلايا السرطانية في حيوانات التجارب.. ومن أمثلة ذلك نبات الفنكا، فقد استخلص من أنواعه المختلفة عقاقير تعالج أدواء كثيرة.

قلت: فهل تنشرون ما تعرفونه من نتائج، أم تحتفظون بها لأنفسكم،  ليبقى العلاج بها خاصا بهذا المستشفى.

قال: لا.. نحن لا نكتم العلم.. كما أنا لا نسلم العلم لمن لا يستحقه.. ألم تسمع مقولة المسيح u:( لا تعلقوا الدر على أعناق الخنازير )؟

قلت: بلى.. وقد نفعني الله بها.. ولكن ألا تخافون من أن يتسلم هذه الأدوية التي تعرفونها شركات الأدوية لتتاجر بها؟

قال: لقد فعلوا ذلك مع نباتات كثيرة تم اكتشافها.

قلت: وسكتم.. ولم تحاكموهم.

قال: ولم نحاكمهم؟

قلت: على سرقة ما اكتشفتموه.

قال: لقد فرحنا لذلك.. فلا يهمنا إلا أن يتنشر الشفاء.. فنحن تجار لا يهمنا من تجارتنا إلا ابتسامة الأنين.. فهي أغلى عندنا من كل مال.

قلت: فاذكر لي بعض ما اكتشفتموه.. ليستخلص منه غيركم العلاج، وينسبه لنفسه.

قال: من أمثلة ذلك الصبر، فإنا قد عرفنا تأثيره في تقوية الشعر وعلاج سقوطه، فاستخلصوا منه مستحضرات صيدلية لنفس الأغراض.

ومنها ثمار الخلة البري، فقد استعملناه للعلاج الأمراض الجلدية والبهاق، وهم يستخدمون الأمودين المستخلص منها في نفس الأغراض.

ومنها ثمار الخلة البستاني، فقد استخدمناه لإدرار البول، وتخفيف آلام المغص الكلوي، ولإنزال الحصى من الجهاز البولي، وهم يستخدمون مادة الخلين المستخلصة منها في نفس الأغراض، وفي علاج الذبحة الصدرية.

ومنها العرقسوس، فقد استخدمناه ملينا وعلاجا لأمراض المعدة والجهاز التنفسي، وهم يستخدمون مادة الجلسرهيزين المستخلصة منه لنفس الأغراض.

ومنها الترمس، فقد استخدمنا بذوره لعلاج التهاب الجلد وحب الشباب ومرض السكر، وهم يستخدمون الحبوب لنفس الأغراض، ولتخفيض نسبة السكر في الدم.

***

 دخلت مع مدير القسم إلى الحقل.. لقد كان أرضا حقيقة بكل ما تحمله الكلمة من معاني.. حتى أن شكله شكل الأرض وحدوده حدود الأرض.. كان منظرا بهيجا لا يمكن وصفه.. وقد رأيت فيه ما لو أذن لي لملأت الأسفار الصخمة منه.. ولكني منعت من أن أخرج شيئا إلا بإذن أهله، وفي وقته المناسب.

2 ـ صيدلية أعشاب

سرت مع مدير هذا القسم إلى ما يطلقون عليه ( صيدلية الأعشاب)، وهي صيدلية لا كالصيدليات التي نعرفها.. بل هي صيدلية في الهواء الطلق.. وشكلها لا يختلف كثيرا عن حقول التجارب التي مررت بها.

سألت مرافقي عن الفرق بين هذه الصيدلية والحقل، فقال: في هذه الصيدلية لا توضع إلا النباتات التي تم اكتشاف آثارها الصحية.. وقد وضعنا بجانب كل نبتة ما يتعلق بها من معلومات، ليتسفيد الأطباء منها في وصفها للمرضى.

قلت: فهل سنزور هذه النباتات؟

قال: لا يمكن ذلك.. فهي أكثر من أن يمكن حصرها.. ولذلك ستكتفي بزيارة عشرة منها، والتعرف على آثاره العلاجية.

قلت: فلم العشرة؟.. عهدي بكم تذكرون الأربعة.

قال: لست في مقام البحث عن الأركان.. أنت تبحث عما يملؤك قناعة بجدوى هذا النوع من العلاج.. والعشرة هي العدد الذي يستخدم في مثل هذه الأمور.. ألم تر كيف أقنعوك بكون المرض نعمة بعشرة أمور؟

قلت: بلى.. ومثلها ما ذكروا من خزائن أدوية السماء ومشافيها.

قال: لقد استنبط أهل السلام ذلك من قوله تعالى:) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ((البقرة: من الآية196)، فقد وصف الله العشرة بالكمال، وهي دليل على ما في الوصول إليها من بث القناعة في النفس.

قلت: والأربعة؟

قال: ذلك سر آخر.. ستعرفه من معلمك.

قلت: لقد ذكرت بأني سأذهب وحدي.. فأين ستكون أنت؟

قال: ستحدثك هذه النباتات كما حدثتك أدوية البركة.

قلت: ولكني في الأرض.. ولست مع المتوسمين في السماء..

قال: ) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ((البقرة: من الآية107)

قلت: بلى.. ولكن تلك أوية من السماء، وهذه أدوية من الأرض.

قال: وبركات الله في أدوية السماء كما هي في أدوية الأرض، فالله رب السماء والأرض.

قلت: وأين ستذهب أنت؟

قال: إلى حقل التجارب.. فلدي أبحاث مهمة هناك.

قلت: فأين أجدك بعد انتهاء زيارتي؟

قال: لا تحمل هما لذلك.. فإن لدينا من الوسائل ما تعجز عن فهمه.

1 ـ البابونج:

ما سرت إلا قليلا بعد أن تركني حتى سمعت زهرة البابونج[6]، وقد كانت تحت قدمي تقول لي بصوت رخيم: ارفع رجلك عني.. فإن نعلك آذاني.

قلت: اعذريني.. فلم يكن لي بد من ارتدائه.

قالت: لا بأس عليك.. المهم أن تنظر تحت قدميك حتى لا تطأنا.

قلت: أيؤلمكم ذلك؟

قالت: كما يؤلمكم أنتم، ألسنا أمة مثلكم؟.. أم تراك نسيت قوله تعالى:) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ((الأنعام: من الآية38)؟

قلت: ولكن الآية ذكرت الحيوانات.

قالت: كل شيء في ملك الله سواء.. النبات والحيوان.

قلت: فحدثيني عن أسرار الشفاء التي أودعها الله فيك.

قالت: من الخصائص الفريدة التي وهبني الله إياها أن لي مفعولاً مقاوماً لحدوث الأحلام المفزعة والكوابيس.

قلت: فما سر ذلك؟.. أهو منظرك الجميل؟.. أم رائحتك العطرة؟

قالت:  سر ذلك هو أني مهدئة عامة للجسم والنفس معاً، ولذلك أفيد فى حالات الأرق والإكتئاب والخوف والأزمات النفسية التى تزيد خلالها فرصة التعرض لحدوث الكوابيس.

قلت: هذه فائدة عظيمة تغنينا عن كثير من سموم الكيمياء.

قالت: ليس هذا فحسب.. بل يستعمل مسحوق أزهاري من الخارج لمعالجة الالتهابات الجلدية والقروح والجروح في الفم والتهاب الأظافر.. ويستعمل بخار مغلي أزهاري للاستنشاق في حالة التهاب المسالك الهوائية من الأنف والحنجرة والقصبة الهوائية.. ويستعمل مستحلب الأزهار من الخارج لغسل العيون المصابة بالرمد، ولعمل غسيل مهبلي لمعالجة إفرازات المهبل البيضاء أو النتنة، أو للتقيحات الجلدية بشكل عام. 

ليس ذلك فقط.. بل يستعمل مغلاي في حالات الاضطرابات الهضمية[7]، بالإضافة إلى أني مضادة للتقلصات، وخافضة للحرارة.

قلت: ما شاء الله.. أكل هذه بركاتك أيتها الصغيرة الجميلة؟

قالت: ليس ذلك فقط.. بل إني ـ بفضل الله ومنته ـ أعمل على شفاء الالتهابات.. ولهذا أستعمل ككمادات الالتهابات الجلدية[8]، فتشفى  بسرعة، كما أني أعمل نفس عمل المضادات الحيوية في شفاء الالتهابات.. فإذا ما غلي شيء مني واستنشقه الشخص، استطاع أن يزيل الالتهاب من تجاويفه الأنفية والجبهية بسرعة، وأن يقضي على جميع الجراثيم الموجودة خلال مدة قصيرة[9].

قلت: فما سر التأثير الذي وضعه الله فيك؟

قالت: بحسب ما تعرفون.. أم بحسب الحقيقة؟

قلت: الحقيقة لا يفهمها قومي.. فحدثيني عن الرسوم.

قالت: إن مادة الأزولين هي المادة الفعالة التي تكسبني تأثيري الشافي[10] ـ على حسب ما يذكر قومك ـ

قلت: فما خواص هذه المادة؟

قالت: هي كزيت الزيتون الذي يحتوي على حوامض دهنية غير مشبعة، كثيرة الألفة الكيميائية، سريعة الاندماج بالمواد الأخرى لتركيب مواد نافعة منها.. وانتبه.. فهناك فرق بين مادة الأزولين الموجودة في وبين الأزولين الموجود في النباتات الأخرى.

قلت: فكيف أفرق بينهما؟

قالت: لقد أطلقوا على الأزولين المتواجد بي اسم شام أزولين.. وهو أزرق اللون، ويخرج مني إذا ما صنعت شايا أو إذا ما جرى تعريض أزهاري لبخار الماء في المختبرات.

قلت: إن من قومي من يستخدمك.. ولا أراه ينتفع بك.

قالت: كيف ذلك.. ومن يجرؤ على قول مثل هذا؟

قلت: لقد قرأت مرة تأثيرك في علاج القرحة[11]، فوصفت هذه الوصفة لبعض أصدقائي.. ولكنه عاد إلي بعد فترة يبشرني بخيبة التجربة.. بل ويعاتبني فوق ذلك.

قالت: حق له أن يعاتبه.

قلت: لم؟

قالت: لأنك وصفت الدواء، ولم تبين كيفية استعماله.

قلت: لقد نصحته بأن يجعل منك شايا كما ذكرت الآن.

قالت: أنسيت أن الشاي يغادر المعدة بسرعة.. فلذلك لا يتمكن من علاجها.

قلت: فماذا أفعل؟.. هل أشرح معدته.. وأعلق فيها أزهارك؟

قالت: في إمكانك أن تفعل ذلك.

قلت: هو لا يرضى بذلك.. وأهل السلام لا يرضون بتقطيع بنيان الله.

قالت: في إمكانك أن تفعل ذلك من غير تقطيع.

قلت: كيف ذلك؟

قالت: اسمع هذه النصيحة الغالية.. واستفد منها لجميع النباتات المرتبطة بعلاج المعدة.

قلت: أفيديني أفادك الله.

قالت: إذا استخدمت شايي في معالجة القرح المعدية، والتي يلعب الأزولين دورا هاما في شفائها، فلا بد أن تسلك في المعالجة طريقة خاصة.

قلت: أنا أنتظرها.

قالت: يتناول المصاب شايي، ثم يستلقي خمس دقائق على ظهره، ومثل ذلك على جانبه الأيسر، ثم على بطنه، وأخيرا على الجانب الأيمن.

قلت: لم كل هذه الطقوس؟.. أليس ذلك بدعة؟

قالت: الغرض من ذلك كله مرور شايي على مختلف جدران المعدة.. فلا بد من اتباع هذا النظام لأن الشاي ـ كل شاي، يغادر المعدة بسرعة إذا ما ظل المريض منتصبا بعد تناوله.

قلت: هل أنصحه بهذا؟

قالت: إذا بقي واثقا فيما تقول انصحه.

قلت: المسكين يثق في كل ما أقول، وما يقوله غيري.. فقد أرهقته أدوية القرحة بسمومها وأسعارها.. فأفرغت جيبه، ودمرت صحته.

قالت: ولا تنسى أن تنصحه بالاستمرار على استعمال هذا الدواء بصورة مركزة مدة طويلة[12]، فإن تأثيري لا بد أن يصل إليه بإذن الله.. بالإضافة إلى ما أفعله في نفسه من تهدئة قد تكون لها علاقة بما حصل له من القرحة.

قلت: سأفعل ذلك.. ولن يكلفه ذلك درهما ولا دينارا.. فقد ملأ الله أرضنا من أزهارك.

قالت: ولا تنس أن تعلمه كيفية تحضير شايي.

قلت: ألك أسلوب خاص في التحضير؟

قالت: هو أسلوب أشترك فيه مع كثير من النباتات الحساسة.

قلت: أهناك نباتات حساسة؟

قالت: أجل.. وهي نباتات تؤذيها درجات الحرارة العالية.

قلت: فكيف نتعامل معك معشر النباتات الحساسة حتى لا نؤذي مشاعرك؟

قالت: يجب أن لا أغلى في الماء، بل يصب الماء الغالي فوقي، ثم يصفى ويؤخذ.

قلت: لم؟.. وهل يؤذيك غليك في الماء؟

قالت: لقد أثبتت الفحوص الأخيرة بأن هذه الطريقة أحسن الطرق لاستخراج أكبر كمية ممكنة من مادة الأزولين وغيرها من المواد النافعة الأخرى التي وهبها الله لي.

قلت: ألا يؤذيك صب الماء الحار عليك؟

قالت: نحن مسخرون في طاعة الله.. فلذلك لا نشعر بالحرارة والبرودة ولا نتألم لهما.

قلت: فما الذي يغيبكم عنهما؟.. ألك ألبسة واقية؟

قالت: لنا لباس لا يعرفه قومك.

قلت: ما هو؟ .. لعلني أنصحهم به.

قالت: الحب..

قلت: ذاك ما يحسن قومي.

قالت: هم يحسنون الحب المدنس.. أما نحن فنسبح في بحار الحب المقدس.

2 ـ الزعتر:

ما إن ابتعدت قليلا عن البابونج حتى شممت رائحة الزعتر[13]، وهي تناديني بصوت عذب: تعال.. لتعرف أسرار النبتة التي جعلها الله غذاء وشفاء.

قلت: صوتك صوت جميل.. ورائحتك في الطعام لذيذة.

قالت: ورائحتى على الصحة أجمل من ذلك كله.. فتعال أخبرك عنها.

اتكأت بالقرب منها، لأسمع ما تناجيني به من أسرار ما وضع الله فيها من بركات الصحة، قالت: أتعلم آخر أخباري؟

قلت: أعلم بعض أولها.. ولا أدري آخرها.. فلست من متتبعي الأخبار.. ولكن لماذا لا تبدئين من أولها؟

قالت: لأرغبك في أولها أذكر لك آخرها.

قلت: فشنفي سمعي.. فإن لك حكمة جعلت المفكرين يهتمون بك، ويرعونك، ويستعملونك.

قالت: وكيف لا يستعملوني، وقد جعلني الله منبهة للذاكرة.. ولهذا يقبل طلاب العلم علي لأساعدهم في مراجعتهم.

قلت: نعم.. أرى كثيرا من قومي يفعلون ذلك، فيتناولونك كسندويش مع زيت الزيتون صباحا، وقبل الذهاب إلى المدرسة طمعا في هذه الفائدة.

قالت: وانصحهم بأكلي بعد الوجبات للتغلب على النعاس المصاحب لعملية الهضم، فهكذا يفعل المفكرون كي يتمكنوا من متابعة أعمالهم بجد ونشاط.

قلت: ما شاء الله هذه فائدة قد تغنينا عن الشاي والقهوة.

قالت: تلك فائدة بسيطة من فوائدي.. وقد ذكرت لك أني سأبدأ من آخرها.

قلت: فاذكري لي هذا الأخير الذي أراك مسرورة به.

قالت: لقد أكد باحث مصرى[14] ـ بالمركز القومى للبحوث ـ في دراسة كيميائية له دوري في شفاء كثير من الأمراض، لاسيما ما يتعلق منها بالجهاز التنفسى مثل السعال الديكى والالتهابات الشعبية والربو بالاضافة إلى فاعليتي في علاج مرض نقص المناعة المكتسبة.

قلت: الأيدز!؟

قالت: أجل.. وذلك لأني أحتوي على مواد شديدة تعمل على تقوية الجهاز المناعى.. وخاصة إذا أضيف ذلك إلى بعض المكونات الأخرى التي تؤدي نفس الغاية، مثل غذاء الملكات، والحبة السوداء، والزنجبيل.. والبحوث مع ذلك لا تزال جارية في هذا.

قلت: هذه فائدة عظيمة.

قالت: وهناك غيرها.. فقد أوضح أني  أحتوى على بعض المواد شديدة الفاعلية، والتي من شأنها علاج بعض الأمراض، حيث أحتوى على مواد لها خاصية مسكنة للألم ومطهرة ومنشطة للدورة الدموية.

وقد ذكر من فوائدي أني أحتوى على مادة الثيمول التى تعمل على قتل الميكروبات وتطرد الطفيليات من المعدة إضافة إلى مادة الكارفكرول، وهى مسكنة ومطهرة وطاردة للبلغم ومضادة للنزيف والاسهال.

وذكر أني أحتوى على مواد راتنجية مقوية للعضلات، وتمنع تصلب الشرايين، وطاردة للأملاح.

وأني أحتوى على مواد مضادة للأكسدة، مما يمكن الاستفادة مني بإضافة زيتي إلى المواد الغذائية ليمنع الأكسدة، بدلا من إضافة مواد صناعية قد تضر بالصحة.

قلت: هذه فوائد عظيمة.

قالت: بالإضافة إلى ما ذكر.. فإني معروفة بدوري في تطهير الجروح وتنقية الأمعاء من البلغم، وتلطيف الأغذية، خاصة  إذا وضعت مع الخل، فإني ألطف اللحوم وأكسبها طعما لذيذا.

وأنا طاردة للديدان.. وقد أثبتت التجارب العلمية أن زيتي يقتل الاميبا المسببة للدوسنتاريا في فترة قصيرة، ويبيد جراثيم القولون، وأني مسكن للسعال وأقوي المناعة إذا استخدمت مع الثوم وحبة البركة والعسل.

قلت: نحن نستعملك علاجا للسعال.

قالت: صحيح ما تفعلون.. فإني أخفف السعال[15] بأنواعه المختلفة، بما في ذلك السعال الديكي، وفي هذه الحالة أعمل على تليين المخاط الشعبي مما أسهل طرده للخارج، كما أهدئ الشعب الهوائية وألطفها.

قلت: والحلق.. فإن البعض يستعلمك للأمراض المرتبطة به.

قالت: أجل.. فقد أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية الحديثة دوري في معالجة التهابات الحلق والحنجرة والقصبة الهوائية، وأني أعمل على تنبيه الأغشية المخاطية الموجودة في الفم وتقويتها.

قلت: ما شاء الله.. فأنت تغنينا بهذا عن كثير من سموم الأدوية.

قالت: أجل.. وليس هذا فقط.. بل إني أعمل على تنبيه المعدة، وطرد الغازات، وأساعد على الهضم وامتصاص المواد الغذائية، وطرد الفطريات من المعدة والأمعاء.

وأعمل على توسيع الشرايين، وتقوية عضلات القلب، وأعالج التهابات المسالك البولية والمثانة، وأشفي من المغص الكلوي، وأخفض الكوليسترول.

قلت: والجمال.. ألا تخدمينه فإن لك صوتا لا شك في معرفته بالجمال واهتمامه به.

قالت: لقد جعل الله في برحمته ولطفه من حب الجمال ما سخرني لخدمته، فأنا منشطة ممتازة لجلد الرأس، وأمنع تساقط الشعر، وأكثفه وأنشطه.

أما الأسنان مرآة الإنسان.. فإن مضغي ينفع في وجعها، وفي التهابات اللثة، خاصة اذا طبخت مع القرنفل في الماء، لهذا أنصح بالتمضمض بي بعد أن أبرد.

بل إني أقي الأسنان من التسوس، وخاصة اذا مضغت، وأنا خضراء غضة.

قلت: عرفت فوائدك، فما الاستعمال السليم لك؟

قالت: يختلف بحسب نوع الاستعمال.. فمضغي مثلا يطهر الفم ويسكن آلام الأسنان.. واستعمالي غرغرة يفيد في التهاب اللوزتين.

قلت: فكيف تغلين؟

قالت: تغلى عروقي المزهرة وأوراقي مع الماء، وتشرب كما يشرب االشاي.

3 ـ عرقسوس:

ناداني صوت لا يكاد يسمع.. وكأنه من باطن الأرض ينبع، فقلت: من أنت يا صاحب الصوت المهموس؟

قال: أنا جذور عرقسوس[16].

قلت: فاخرج إلي أحدثك.. فإني لا أكاد أسمعك.

قال: لا.. لم أنضج بعد حتى تراني.. فأرهف سمعك لي.. فإن الصادق لا يفرق بين المجهور والمهموس كما لا يفرق المحب بين الخمول والظهور.

قلت: أنت تعرض بخمولك.

قال: ألم تسمع قول الحكيم:( ادفن وجودك في أرض الخمول.. فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه )

قلت: أجل.. فهل تراك تعمل بما قال؟.. أم لا اختيار لك فيما حصل؟

قال: نحن نعبد الله بالحب والاختيار.. فلا يعبد الله إلا بالاختيار.

قلت: فحدثني عن بركات منافعك.. أم تراك ترضى الخمول.. فلا تخرج!؟

قال: بئس من يكمل، ويبقى خاملا.. من كمل عليه أن يخرج لينتفع به الناس.

قلت: فإذا كملت بما تنفع الناس.

قال: لقد نفعتهم ـ باسم الله النافع ـ على طوال الدهور، فقد عرفت جذور نبتتي منذ أكثر من أربعة ألاف سنة عند البابليين كعنصر مقو للجسم ومناعته.

وقد عرفني المصريون القدماء، وأعدوا العصير من جذوري.. وقد وجدت جذور العرقسوس في قبر الملك توت عنخ أمون الذي تم أكتشافه في عام 1923.. فقد كان الأطباء المصريون القدماء يخلطوني بالأدوية المرة لإخفاء طعم مرارتها، وكانوا يعالجون بي أمراض الكبدوالأمعاء.

وكان الطبيب اليوناني ثيوكريتوس يعالج بي السعال الجاف والربو والعطش الشديد.

قلت: والعرب.. أمتي التي تمتد فيها جذوري.

قال: لقد عرفوني وأحبوني، وكانوا يستخدموني كطعامودواء.. وقد وصفوني لعلل كثيرة.

قلت: حدثتني عن ماضيك.. فحدثني عما وضع الله فيك من بركات الشفاء.

قال: لقد ذكرني ابن سينا في القانون، فقال:( إن عصارته تنفع في الجروح، وهو يلين قصبة الرئة، وينقيها وينفع الرئة والحلق، وينقي الصوت ويسكن العطش وينفع في التهاب المعدة والأمعاء وحرقة البول )

وقال عني ابن البيطار:( أنفع ما في نبات العرقسوس عصارة أصله، وطعم هذه العصارة حلو كحلاوة الأصل مع قبض فيها يسير، ولذلك صارت تنفع الخشونة الحادثة في المريء والمثانة، وهي تصلح لخشونة قصبة الرئة إذا وضعت تحت اللسان وامتص ماؤها، وإذا شربت وافقت التهاب المعدة والأمعاء وأوجاع الصدر وما فيه، والكبد والمثانة ووجع الكلى، وإذا امتصت قطعت العطش، وإذا مضغت وابتلع ماؤها تنفع المعدة والأمعاء كما ينفع كل أمراض الصدر والسعال، ويطري، ويخرج البلغم، ويحل الربـو، وأوجاع الكبد والطحال وحرقة البول ويدر الطمث ويعالج البواسير ويصلح الفضلات كلها )

قلت: هذا قول السلف.. فما قال الخلف؟

قال: لقد أجمعت البحوث العلمية التي أجراها الخبراء على فوائدي الكثيرة[17]، فأنا أساعد على ترميم الكبد لإحتوائي على معادن مختلفة.. وأني أدر البول.. وأشفي السعال المزمن باستعماله كثيفا أو محلولاً بالماء الساخن، ولذا يفضل أستعمالي ساخناً للوقاية من الرشحوالسعال وآثار البرد.. وأني أجلب الشهية باستعمالي أثناء الطعام.. وأني أسهل الهضم باستعمالي بعد الطعام.. وأني أفضل شراب مرطب للمصابين بمرض السكر لخلوي تماماً من السكر العادي.. وأني منشط عام للجسم ومروق للدم.. وأني مفيد في شفاء الروماتيزم لأحتوائي على عناصر فعالة.. وأني مفيد في شفاء الروماتيزم لاحتوائي على عناصر تعادل الهدروكورتيزون، وأساعد في تقوية جهاز المناعة في الجسم.

قلت: أنت صيدلية أدوية، فكيف غفل قومي عنك.. وهربوا إلى سموم الكيمياء.

قال: سلهم.. فهم قومك.. ولكن هناك من بينهم من عرف فوائدي فراح يلتمسها.

قلت: تقصد الألمان، فقد سمعت أنهم أكثر انفتاحاً من غيرهم في استعمال الأدوية العشبية.

قال: أجل.. وقد قاموا بدراسات موسعة علي.

قلت: فاذكر لي بعض ما اكتشفوا.

قال: لقد اعتبرني الدستور الألماني ـ مع بعض الدساتير العالمية الأخرى ـ أحد الأعشاب الهامة في علاج أمراض كثيرة، ومن أهمها قرحة المعدة[18] والاثنا عشر.

قلت: فبم فسروا ذلك؟

قال: أنا أحتوي على عدة مركبات مضادة للقرحة، ومن أهمها مركب حمض الجلاسيرازين Glycyrrhizic acid الذي يشبه تأثيره تأثير الكورتيزون، ولكنه لا يسبب التأثيرات الجانبية التي يسببها الكورتيزون، وهو مضاد للالتهابات.

قلت: لقد سبق أن أخطأت في وصفة للقرحة بالبابونج.. فما الوصفة السليمة لاستعمالك يا عرقسوس؟

قال: الجرعة من مسحوقي هي ملعقة صغيرة في ملء كوب ماء سبق غليه، وتقلب جيداً، ثم تغطى مدة ما بين 10 إلى 15دقيقة، ويشرب بمعدل ثلاثة أكواب في اليوم.

ويفضل استخدامي بعد الأكل بساعتين، وأن لا تزيد مدة استعمالي على ستة أسابيع[19].

وعلى المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم، ومرضى السكري، ومرضى القلب، والذين يعانون من أمراض السمنة، والحوامل، عدم استعمالي.

قلت: وتفوتهم جمع ما ذكرت من فوائد.

قال: من رحمة الله أن جعل من كل شيء عوضا.. وليس منه وحده عوض.. فكل من فاتك بطريق.. أدركته من طريق إلا هو.. ألم تسمع قول الحكيم:( ماذا وجد من فقدك )؟

قلت: أراك تفهم حكمه.

قال: وأراني أعيشها.

قلت: وترى ذلك سر ما جعل الله فيك من بركات الشفاء.

قال: إن عبوديتي لله تجعلني أسلم أمري لله.. فلا أنسب لنفسي شيئا.

قلت: وهل ما ذكرت لك فيه هذه النسبة؟

قال: أجل.. وهي نسبة شركية.. فالله هو النافع.. وما نحن إلا أقمار منفعته ووسائطها.

4 ـ الهندباء:

نادتني أزهار الهندباء[20] الجميلة: هلم إلي.. فقد تفتحت لك أزهاري[21].

قلت: لست نحلة.. فتضميني.. ولا بعوضا فتؤويني.. فما حاجتي إلى تفتحك أو انغلاقك؟

قالت: تعال لأخبرك عن بركات شفائي.

قلت: لقد رغبني عنك كذب الرواة بسببك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد رووا في حقك ثلاثة أحاديث مكذوبة، فقالوا:( كلوا الهندباء، ولا تنفضوه، فإنه ليس يوم من الأيام إلا وقطرات من الجنة تقطر عليه )، وقالوا:( من أكل الهندباء، ثم نام عليها لم يحل فيه سم ولا سحر)، وقالوا:( ما من ورقة من ورق الهندباء إلا وعليها قطرة من الجنة )

قالت: وما يضرني أن يكذبوا علي.. ألم يكذبوا على المسيحu، فقالوا هو ابن الله.. فأيهما أعظم جرما: ما كذبوه علي.. أم ما ذكروه عن المسيح u؟

قلت: لا شك في أن قولهم في المسيح u أعظم جرما، وأخطر خطرا.. وكلا الكذبين خطر.

قالت: فهل صرفك ذلك عن حبك للمسيح وتعظيمك له؟

قلت: وكيف أنصرف عن محبة رسول من رسل الله الكرام؟

قالت: فلا تنصرف عن حبي لما قالوا.

قلت: لقد أقمت علي الحجة.. فاذكري لي من بركاتك ما تمسحين به الغشاوة التي وضعها الكذابون.

قالت: أول ما يدلك على بركاتي أن الله هدى البشر لمنافعي منذ القديم، فقد عرفني قدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، حيث كانوا يأكلون أوراقي كخضار.. وظللت منذ أيام الفراعنة، وحتى أوائل القرن السابع عشر الميلادي أستخدم كغذاء وعلاج ممتاز ومعترف به بين الأطباء لعلاج الكبد.

وكان أول من نصح باستخدامي كعلاج الأطباء العرب، ثم تلا ذلك نصيحة أطباء ويلز ببريطانيا في القرن الثالث عشر، حيث نصحوا المواطنين باستخدامي كأحد الأعشاب الجيدة لعلاج كثير من الأمراض.

قلت: أنت مشهورة.. وتاريخك عريق.

قالت: وقد وصفوني للعلل لما رأوه في من بركات الشفاء، فقد قال عني ابن البيطار:( كل أصناف الهندباء  إذا طبخت وأكلت عقلت البطن، ونفعت من ضعف المعدة والقلب، والضماد بها ينفع للخفقان وأورام العين الحارة، وهي صالحة للمعدة والكبد الملتهبتين، وتسكين الغثيان وهيجان الصفراء، وتقوي المعدة )

وقال عني داود الانطاكي:( الهندباء  تذهب الحميات والعطش والخفقان واليرقان والشلل وضعف الكبد والكلى شرباً مع الخل والعسل، والصواب دقها وعصرها )

وقال عني الحافظ الفقيه ابن قيم الجوزيه:( أصلح ما أكلت غير مغسولة ولا منقوضة لأنها متى غسلت أو نفضت فارقتها قوتها، وفيها مع ذلك قوة ترياقية تنفع من جميع السموم )

قلت: ما شاء الله.. لقد ذكرك الكل، وأثنى عليك الكل.

قالت: وقومك ـ مع تقصيرهم في حقهم، وتعويضنا بسموم المصانع ـ رأوا من منافعي ما دفعهم إلى الثناء علي ووصفي للعلل.

قلت: فاذكري لي ما قالوا.. فإن قومي لا يحبون أن يسمعوا غير ما أنتجته مخابرهم.

قالت: هم يقسمون منافعي بحسب أجزائي، فللجذور منافعها.. وللأوراق منافعها.

قلت: فلنبدأ بالجذور[22].. فهي الأصول.. ولا فرع من دون أصله.

قالت: لقد نشرت الأبحاث الألمانية أن جذوري لها تأثير مميز على الكبد وأنها تنشط المرارة لإفراز الصفراء.. وأني أعتبر من أفضل الأعشاب على الاطلاق لطرد سموم الكبد[23].. ولهذا أتعامل أساساً مع الكبد والمرارة لمساعدتهما على إخراج المخلفات منهما.

قلت: فجذورك مختصة في التطهير من السموم.

قالت: أجل.. وليس مع الكبد فحسب.. بل إني أقوم على تنظيف الكلى واخراج سمومها.. فقد أثبتت الدراسات أن جذوري تعتبر علاجاً فعالاً للكلى حيث يخلصها من المواد السامة عن طريق البول[24].

وليس ذلك فقط.. بل إن جذوري وأوراقي من أفضل الأدوية العشبية للمرارة، حيث تعمل على عدم تكون حصاة المرارة، وربما تذيب الحصوات المتكونة.

كما أثبتت الدراسات الحديثة أني  أخفض نسبة السكر في الدم، وذلك في حيوانات التجارب، ويمكن أن يلعب ذلك دوراً كبيراً في علاج سكر الدم لدى الإنسان بعد الانتهاء من دراسته.

كما أثبتت الدراسات أنه يمكن استخدام جذوري لتخفيف آلام النقرس.. وقد نجح الصينيون في أبحاثهم في علاج أمراض الشعب الهوائية والجهاز التنفسي بواسطة استعمال جذوري.

قلت: ما شاء الله.. بورك فيك وفي جذورك.. فكيف أستعملها؟

قالت: ذلك شيء يسير.. فليس عليك سوى أن تنقع حوالي ثلاث ملاعق من جذوري بعد سحقها مع حوالي لتر من الماء، وتترك لمدة حوالي  خمس دقائق، ثم تغلى بعد ذلك لمدة 15 دقيقة، وتشرب منه كأسا قبل كل وجبة، وذلك لعلاج الكبد والمرارة، حيث تمنع تكون حصى في المرارة، وتفتتها إن وجدت، كما أن هذه الوصفة جيدة لتخفيض الوزن[25].

ويستعمل مغلي أوراقي وأزهاري وجذوري معاً بمقدار ثلاث ملاعق في لتر من الماء بمقدار كوب صباحاً وآخر مساء، وذلك لعلاج حالات الانيميا والضعف العام وفقد الشهية.

ويستعمل مغلي جذوري على هيئة كمادات دافئة لعلاج التهابات العين.

قلت: فحدثيني عن أسرار الشفاء في أوراقك.

قالت: لقد وصفتها الدراسات العلمية كأفضل وسائل إخراج السوائل الزائدة من الجسم[26]..

 ويستعمل مغلي أوراقي لعلاج سوء الهضم ولنقص الشهية، حيث يؤخذ ملعقة إلى ملعقتين صغيرتين بعد سحقها أو تقطيعها وإضافتها إلى كوب ماء مغلي، ثم يصفى الماء بعد  15دقيقة من وضع أوراق  الهندباء  في الكوب ويشرب دافئاً.

ويمكن عمل منقوع من الأوراق المسحوقة حيث تضاف ملعقة صغيرة من مسحوق الأوراق إلى كوب ماء بارد، ويترك لمدة نصف ساعة، ثم يصفى ويشرب.

ولعلاج الامساك ينقع حوالي ثلاث ملاعق من أزهار النبات في حوالي لتر من الماء البارد، ويشرب منها كأس قبل كل وجبة.

كما يستعمل منقوع أوراقي وأزهاري الطازجة في علاج آلام الأطراف بواسطة التدليك.

قلت: عرفت منافعك.. فهل لك من مضار؟

قالت: المضار ليس في ذاتي، وإنما في سوء استخدامي.. وهي ـ مع ذلك ـ لا تتعدى حدوث ارتفاع في نسبة الحموضة في المعدة عند قليل من الناس، وفي حالات نادرة جداً، وربما يظهر طفح جلدي لدى بعض الأفراد الذين عندهم تحسس لكثير من المواد.

كما أن الأحسن عدم الاستمرار في تعاطي مستحضراتي لأكثر من شهر ونصف، ثم التوقف لمدة شهر، ثم معاودة الاستعمال.

قلت: هذه المحاذير.. فمن تنصحين بالابتعاد عنك؟

قالت: لقد حذر قومك من استخدامي للذين يعانون من سدد في القناة الصفراوية بالمرارة أو التهابات في المرارة.. كما حذروا من استخدام مستحضراتي للمرأة الحامل أو المرأة التي تخطط للحمل في المستقبل القريب ومثلهما المرضع.. مع عدم اعطاء هذه المستحضرات إطلاقاً للأطفال قبل سن الثانية.

5 ـ المريمية:

لم أستفق من الدهشة التي ملأتني بها بركات الهندباء حتى نادتني المريمية[27] برائحتها العطرة، وشكلها الجميل، فأجبتها: من تقصدين؟

قالت: وهل هناك في الحقل غيرك؟

قلت: لقد امتلأت ببركات الهندباء.

قالت: فتعال لتشملك بركاتي.. وتغمرك منافعي.. فالله تعالى الجواد الكريم وزع جوده في خلقه.. فلا ترى من شيء إلا يدل عليه.

قلت: أراك من العارفين.

قالت: وما لي لا أكون كذلك.. وقد تشرفت من بين أخواتي بحمل اسم الطاهرة العذراء البتول مريم ـ عليها السلام ـ فإن لم يكن لي غير اسمها لكفاني فخرا وتيها.

قلت: نعم.. وقد كان من أسباب إعجابي بك وحبي لك حملك هذا الاسم.. فالله يعلم كم يكن قلبي لتلك المرأة التي بزت الرجال وزاحمت الأبطال، وصارت مثلا أعلى للأولياء، وأسوة حسنة للأصفياء.

قالت: فنحن مشتركان في حبها، أخوان في الرضاعة من لبان فضلها.

قلت: فقد عقدت بيننا عقد الأخوة.. فأسسيه على المعرفة.. فلا أخوة بلا معرفة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:( إذا آخى الرجل الرجل، فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو، فإنه أوصل للمودة )[28]

قالت: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. وسأحدثك عن نفسي لتعرف فضل من آخيته.. وأول ما أبدأك به ما جعله الله في من حب للطهارة، وبغض لغيرها.. فلذلك تراني لا أجد عفونة في الجسم إلا أوقفتها.

ألا ترى أن مستخلصي يسهم ـ إلى حد كبير ـ في معالجة أمراض اللثة واللوزتين والحلق وعسر الهضم والسكري.

قلت: ما شاء الله.. أكل هذه من بركات الاستشفاء بك؟

قالت: أجل.. بل أكد باحث علمي[29] أهميتي في معالجة بعض الأمراض المستعصية، وفي مقدمتها مرض السرطان.. فقد أجريت تجارب عملية وعلمية على مستخلصي، فأعطت نتائج جيدة في وقف انتشار خلايا مرض السرطان التي تصيب بعض أجزاء الجسم، وخاصة القولون والرئة والثدي.

قلت: إن هذا يشجع علىالعودة إليكم ـ معشر الأعشاب ـ للبحث عن أدوية العلل المستعصية.

قالت: لقد ذكر العالم جيرارد في القرن السابع عشر بأنني أقوي الذاكرة الضعيفة، وأعيدها في وقت قصير، وقد أكد باحث إنجليزي هذه المقولة، حيث أثبت أن المرمية تهبط الانزيم المسئول عن تحطيم استيايل كولين الدماغ والذي يسبب الزهيمر.

قلت: رأيت بعض قومي يستخدمك كمخفض للسكر، فهل ذلك صحيح؟

قالت: لا شك في ذلك.. فأنا أخفض البول السكري، ولكن بنسبة بسيطة.. وأدلك على ما هو أحسن مني في هذا؟

قلت: وما هو؟

قالت: ما مررت عليه في أدوية السماء من الحلبة البلدي، وعروق البصل.

قلت: لقد أنصفت في ذكر غيرك.. فقلما نجد هذا فينا معشر البشر.

قالت: لا تجد عندنا إلا الإنصاف.. فمن تحقق بعبودية الله لا يكون إلا منصفا.

قلت: فواصلي في ذكر بركات الاستشفاء بك.

قالت: لقد ذكروا أني مادة مقبضة ومطهرة ومعطرة وطاردة للغازات ومخفضة للعرق ومقوية.. وأني أصلح علاجا ضد الالتهابات، وضد تقلصات العضلات.. وأني مضادة لعدة أنواع من البكتيريا.. كما أستخدم مقوية للأعصاب، ومنظمة للعادة الشهرية.

قلت: فكيف أستعملك؟

قالت: أنا أؤخذ بجرعة تقدر بملء ملعقة الأكل من أوراقي تضاف إلى ملء كوب ماء سبق غليه، ويترك لمدة ربع ساعة، ثم يصفى ويشرب.. ويمكن تناول ثلاثة أكواب في اليوم الواحد.

قلت: فهل لاستعمالك من محاذير؟

قالت: ليس هناك أي أضرار في تناولي إذا استخدمت حسب الجرعات المحددة.. مع عدم استخدامي بصفة مستمرة[30].

وأنبهك إلى أن من أهم مركباتي الزيت الطيار[31] الذي يحتوي على مركب الثيوجون (Thujone).. فيجب الحذر من استخدام كمية كبيرة من هذا المركب، فهو يسبب بعض التشنجات.

كما أنبه المرضعات إلى أن الابحاث الجديدة تشير إلى أني أقلل حليب المرضع، لأني مولدة للاستروجين الخافض لإنتاج الحليب.. فانصحهن بتجنبي فترة الرضاعة.

6 ـ الشوفان:

نادتني بذرة شوفان[32]، فقلت لها: لقد سمعت بأهميتك في مطعم العناصر والمركبات.

قالت: لقد رأيت فائدة واحدة من فوائدي.. وهي كثيرة تكتب بماء الذهب.

قلت: فحدثيني عنها.. فيشهد الله أني أحببتك مذ عرفت تأثيرك في حماية القلب والأوعية الدموية.

قالت: أحبك الذي أحببتني له.. كما تعلم.. فإن قومك من العرب لم يكونوا على معرفة بي.. ولا يضيرني ذلك.. فقد أخرج الله من ينتبه لفوائدي وبركات الشفاء بي.

قلت: فما قال فيك إخواننا من العجم؟

قالت: لقد أولوني كل احترامهم، فقد ذكرت في الطب الإنجليزي، حيث ذكر العالم Nicholas Gulpeper عام 1652م لبخة تحضر من عجينة بذور الشوفان مع الزيت، وذكر أنها تفيد في علاج الحكة ومرض الجذام.

وقبله ـ في عام 1597م ـ ذكر العالم John Genand لبخات من سيقان وأوراق الشوفان ووصف أنها جيدة للأمراض الجلدية، وربما للروماتزم.

ولهذا كان إخوانكم من بني أوروبا يستخدمون سيقاني وأوراقي في حماماتهم كعلاج للروماتزم، ولمشاكل المثانة والكلى.

بالإضافة إلى استعمالي كعلاج لأمراض الصدر، وبالأخص أمراض الرئة والسعال المزمن.. كما كنت أستعمل كلصقات مفيدة لمرض النقرس والبثور.

قلت: هذا ما قال فيك سلفهم، فما قال خلفهم؟

قالت: لقد أثبتت الدراسات العلمية تأثير بذوري وسيقاني وأوراقي على بعض الأمراض، وأثبتت جدواها كعلاج.. بل قامت مصانع كبيرة لصناعة مستحضرات متعددة مني ومن مشتقاتي.

قلت: ما كل هذا الاهتمام بك؟

قالت: لقد أدركوا دوري في شفاء كثير من العلل المستعصية.. فقد قامت دراسة إكلينيكية أثبتت أن الألياف النباتية الذائبة مثل الموجودة في الشوفان بمعدل 40جراماً في اليوم خفضت كوليسترول الدم خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.

كما نشرت دراسات في مجلات علمية محترمة أوضحت أن 3جرام من الألياف الذائبة اذا أخذت يومياً خفضت الكولسترول بنسبة 5 بالمائة[33].

وفي دراسة أخرى أثبتوا أني أخفض مستوى حمض اليوريك في الدم.. ففي دراسة عملت على رياضي في أستراليا، والذي وضع على غذاء مخصص من الشوفان فقط، ولمدة 3 أسابيع وجد أن زيادة 4 بالمائة من أسدية نبات الشوفان إلى الغذاء المخصص من الشوفان للرياضي أثرت كثيراً في وظائف عضلات الرياضي خلال التمارين الرياضية.

قلت: فدورك التخفيض إذن.

قالت: أجل.. أنا أخفض كل من ارتفع ليأكلني كما تأكلني الأنعام.

قلت: أحقدا.. وأنت في أرض السلام!؟

قالت: لا.. بل رحمة.. لقد أكل بعض المترفين من قساة القلوب بعض إخواني.. فانخفض كوليسترول دمه.. وانخفض معه من الكبر ما كا يعانيه.. فراح يرحم عباد الله.

قلت: فأنت داعية الله إذن.

قالت: الواعي يسمع من كل شيء.. ويفهم عن كل شيء.

قلت: فزيديني من بركات شفائك.. فلا أحسبك إلا حكيمة.

قال: لقد جعل الله في من القوى ما أسكّن به نوبات حصاة المجاري البولية واضطرابات البول وألين وأسكن آلام البواسير.. وينصح الأطباء مرضى الأعصاب والمفكرين والمرهقين ومرضى السكر ومرضى الغدة الدرقية بتناولي لما يجدون من بركاتي على عافيتهم.

قلت: سمعت أن بعض قومي يستعملك لمقاومة الإجهاد.

قالت: هناك من يستعمل مشتقاتي لذلك.. ولا يزال ذلك غير مثبت علمياً إلا أن لي إيجابيات جيدة مثل استخدامي كمضاد للإجهاد والأرق ومهدئ وجالب للنوم ومقوٍ للأعصاب ومنشط.. كما استخدمني الهنود لعلاج إدمان مشتقات الأفيون والتبغ.

7 ـ الزيزفون:

رأيت شجرة زيزفون[34] جميلة، فاقتربت منها، وحييتها، فردت التحية بأحسن منها، فقلت لها: أتأذنين لي أن أرتاح بقربك قليلا.. فقد أعياني الوقوف.

قالت: ألا ترى أوراقي قلوبا متفتحة لكل ناظر.. وأزهاري مونعة معطرة لكل حاضر.

قلت: لا أراك إلا محلا للأضياف.. فهل أنت حاتم، أو من جذر حاتم؟

قالت: ما حاتمكم الذي تفخرون به إلا بخيل من بخلائنا..

قلت: اعرفي ما تقولين.. فلا تكوني من أهل الإجحاف وكوني من أهل الإنصاف.. إنه حاتم أبو الكرم.

قالت: لقد أنفق حاتم من ماله.. ولم ينفق من جسده.. أما نحن فننفق من أجسادنا.. وحاتم أطعم ما قد يؤذي، ويضر، أما نحن فلا نطعم إلا البركات المضمخة بعطر الشفاء.. وحاتم مات وانقضى، ونحن لا يزال عطاؤنا ممتدا لا ينقضي.

قلت: لقد حججتني.. ولو كان حاتم معنا لاستحيا من كرمه.. ولتبرأ مما ينسبه الناس إليه.

قالت: لكنا مع ذلك نكرم حاتما وأحفاد حاتم.. لا لكرمه.. ولكن لنغيظ بذلك مادرا وأحفاده من البخلاء.

قلت: لقد زعمت لنفسك كرما.. فحدثينا عنه.

قالت: من زعم لنفسه الكرم.. فهو البخيل.. ألا تعلم أن الكريم واحد!؟

قلت: من هو؟

قالت: الواحد.. لأنه يتكرم مما يملك.. أما نحن، فلا نملك شيئا حتى نتكرم به.. حقق التوحيد.. ولا تلتفت للعبيد.

قلت: لقد جعلكم الله وسائط لكرمه.. فحدثينا عما بث فيكم من البركات.

قالت: أما إن قلت هذا.. فلا بأس.. وسأذكر لك من فضل الله ما يرغبك في وفي اخواتي من بنات الحقول.

قلت: ما علمتكن إلا كريمات.. فحدثيني.

قالت: لقد ذكر داود الإنطاكي أني أفتح السدد، وأذهب أمراض الصدر كالربو وقرحة الرئة، وأمراض الكبد كالاستسقاء واليرقان والفالج واللقوة والكزاز والنافض والضربان البارد.

وقال عني ابن سينا:( يحبس كل سيلان.. ويقمع الصفراء المنصبة داخل الأحشاء، وينفع من السعال الحار، ويحبس القيء، ويخفض السكر )

وقد استعمل أوراقي لصقة لإزالة الورم وتسكين الألم، كما استخدمها كشراب مغلي لمعالجة الدوالي.

قلت: لقد عرفك العرب إذن، بخلاف الشوفان الذي جهلوه.

قالت: لقد عرفني الناس من زمان قديم، فقد كنت وما زلت بجميع أقسامي، أتمتع بصفات طبية ومتنوعة، فقد عرفني المؤرخ الروماني بلين في القرن الأول بعد الميلاد حيث استعمل أوراقي لمعالجة تقرحات كان يشكو منها في فمه.

قلت: والمحدثون.. قومي المحدثون.. فإني أحن لما عرفوا.

قالت: لقد عرفت كمهدئ ومسكن لآلام المعدة منذ عصر النهضة، وقد بدأت أزهاري تأخذ مكانها في الصيدليات، وأصبحت أستخدم كمنشطة للقلب، ومضادة للصرع، ولجميع أنواع إصابات التشنج.

وفي أيامكم هذه أستعمل كمسكن للآلام المعدية والتشنجات، وأوصف للذين يعانون من الأرق والقلق وتوتر الأعصاب.

قلت: لقد سمعت بأنه يستخرج من أخشابك عقاقير الشفاء.

قالت: أجل.. فكلي منافع بحمد الله.. وقد دلت التجارب التي أجريت على بعض الحيوانات أن الخشب الأبيض[35] لشجيرتي له ثلاثة تأثيرات أساسية: عرقية، وتشنجية، وصفراوية.. فالتأثير العرقي يوسع العروق والشرايين ويخفض الضغط.. والتأثير التشنجي يتبدى بالمستقيم والأمعاء.. والتأثير الصفراوي، وهو الأهم والأعم، ويشمل المرارة والقناة الصفراوية.

قلت: فأنت مفيدة للكبد إذن؟

قالت: أجل.. فخشبي الأبيض أفضل منظم لعمل الأقنية الصفراوية وتهدئة الاضطرابات الكبدية والصداع الحاد، فهو يشفي 75 إلى 90 بالمائة من الإصابات.

قلت: فكيف يستعمل هذا الخشب النافع؟

قالت: يستعمل كشراب مغلي، إلا أن استعمال أبخرته أفضل وأسرع تأثيرا، ولا يمكن الحصول على هذه الأبخرة إلا عن طريق تحضيرها في المختبرات، وتوجد في الأسواق على شكل حبوب.

قلت: فلا يمكن الاستفادة منك إذن إلا بعد المرور على المصانع والمختبرات.

قالت: لا.. يمكنكم صنع شراب من قشر خشبي.. وهو نافع بإذن الله لغسل الكليتين، كما يستعمل في تهدئة الأعصاب.. اشربه ولا تخف.. فليس هناك أي محذور في تناول أية كمية من هذا الشراب.

قلت: عرفت فضل خشبك.. فما فضل أزهارك العنقودية الطيبة؟

قالت: يستخرج من أزهاري مرهم يستعمل في تطرية الجلد وتنقيته من النمش.

قلت: أهذا ما صل إليه كرم أزهارك المسكينة.. إنها أبخل أجزائك.

قالت: استغفر ربك.. ولا تقل هذا.. فالكريم هو الذي يقبل كل ما يوهب له.. ولا تنظر إلى صغر النعمة، وانظر إلى عظم مهديها.

قلت: صدقت.. واعذريني أيتها الأزهار الجميلة.

نظقت زهرة منهن، وقالت: أما إن قلت هذا.. فقد أكد باحثون بريطانيون أن زهور شجرة الزيزفون يمكن استخدامها كشراب مفيد للهضم والسعال كما تفيد أيضا في علاج الدوالي.

ويستعمل مغلاي عن طريق الاستحمام والغسول والمسح والتكميد والحقن الشرجية.

قلت: أسمع عن شاي الزيزفون.. فحدثيني عنه.

قالت: هو يستعمل لتهدئة الأعصاب، والمساعدة على النوم، وتسكين الآلام والأرق والصداع النصفي، ولمعالجة تصلب الشرايين، وتنشيط الدورة الدموية، والاحتقانات، والنزلات الشعبية والربو، كما يسكن السعال، ويسهل التقشع، ويثير إفراز العرق، فتنخفض درجة حرارة الجسم، ويسهل التنفس، ويزيل صداع الزكام واحتقانه..

قلت: نفعك عظيم.. وبركاتك كثيرة.

قالت: حتى فحم أخشابي يمكن الاستشفاء به.. فمسحوقه يعالج الجروح والقروح النتنة في الجلد.. حيث يذر المسحوق فوقها مرة أو أكثر في اليوم حسب الحاجة، فيمتص العفونة ويزيل الرائحة.

قلت: والغسول بك.. فيم ينفع.. فقد سمعت عن بعض تأثيره!؟

قالت: صحيح ما سمعت، فإن له تأثيره على الجلد، وتنشيط البشرة، وإزالة الإفرازات الزائدة منها، كما يعمل على تليين الجلد، وإعطاء الجسم نعومة وطراوة ورائحة عطرة، وهو يفيد في علاج ضربات الشمس والحمى الشديدة.

8 ـ العوسج:

سرت خطوات قليلة بعيدا عن الزيزفون.. فإذا بي أفاجأ بشجيرة عوسج[36].. فقلت: سبحان الله الذي يجمع بين المتناقضات.. تلك كانت ترحب بي بأزهارها وقلوبها المتفتحة.. وهذه بجانبها تنذرني وتخيفني بأشواكها السامة.

فنطقت بصوت لا يقل عن أذى أشواكها، وقالت: ولكنا لا نتصارع كما نتصارعون.. ولا يؤذي بعضنا بعضا كما يفعل بعضكم مع بعض.

قلت: ولكن.. حسب الزيزفون ألما أن تقفي بجانبي.

قالت: لا تقل هذا.. فلو خطر على باله هذا لحوله الله شجرة الزقوم التي يطعمها الله في القيامة لأهل النار.

قلت: ألا يسخر منك.. وأنت تقفين بجانبه بأشواكك السامة؟

قالت: هو لا يسخر مني ولا يخاف.. بل نحن لا ننظر إلى بعضنا كما ينظر بعضكم إلى بعض، وقد قال تعالى فيكم:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ ((الحجرات: من الآية11).. ولم ينزل الله فينا ما أنزل فيكم.

قلت: ذلك أنكم لستم مكلفين.

قال: كيف تقول ذلك.. وقد قال تعالى:) ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ((فصلت:11)

قلت: قد قال ذلك عن السماء والأرض.

قالت: وهل الأرض إلا مكوناتها؟

قلت: سلمت لك كما سلمت لأخواتك حسن الخلق.. ولكني لا أبحث عن الأخلاق.. بل أبحث عن الترياق.

قالت: فلا تصرفك أشواكي السامة عما أودع الله في من منافع؟

قلت: أفيك من المنافع ما يرغب فيك؟

قالت: لولا منافعي ما وضعني أهل السلام في صيدلية الشفاء.

قلت: صدقت.. نسيت أني في الصيدلية التي انتقيت أعشابها واختيرت.. فحدثيني عما وضع الله فيك من بركات الشفاء.

قالت: أنا من النباتات المشهورة منذ آلاف السنين، وقد وصفني الأغارقة القدماء في مداواة القشرة التي تكون على الجفنين ولعلاج اللثة الملوثة.. والتشققات التي تصيب الشفتين، ولعلاج الدسنتاريا والسعال.

وقد وصفني داود الانطاكي، فقال:( يبرئ سائر أمراض العين خصوصاً البياض وإن قدم، كيف استعمل، وقد يمزج ببياض البيض، أو بلبن النساء.. وطبيخ جذره يوقف الجذام أو يبرئه، وهو مجرب.. وإن تمودي عليه قطع القروح السائلة والجرب، والحكة والآثار حتى الحناء إذا عجنت بمائه واختضب بها.. وهو ينبت الشعر.. وثمره كذلك في كل ما ذكر.. ورماده يزيل القروح )

قلت: هذه منافع عظيمة.. فاذكري لي ما قال المحدثون.

قالت: لقد ذكروا أن جذوري تفتت الحصى المتولدة في الكلى.. وأني أفيد في علاج المغص ومدرة للبول وملينة للبطن.. وفي شمال عمان تطحن ثماري ونباتاتي اللينة، وتصنع منها خلاصة تستخدم في تخفيف المغص ولتحسين حدة البصر.

كما تؤكل ثماري لتسكن الآلام وتعالج الاضطرابات التي تصيب المعدة.

وتقول الدراسات الحديثة أن جذوري تخفض ضغط الدم.. كما ذكرت الأبحاث العينية الحديثة أن لجذوري تأثير ملحوظ على تخفيض الحمى، وقد عملت دراسة اكلينيكية، وأعطت نتائج متميزة في تخفيض الحمى وبالأخص في الملاريا.. كما تقول دراسة أخرى أن الثمار العينية للعوسج تقوي الكبد والكلى.

قلت: أراك جمة المنافع.

قالت: هذه بعض منافعي.. ولا زالت الأبحاث تجري علي في حقل التجارب.. وقد ذكر لي أن نتائج ستظهر هذا المساء.. فإن مررت علي.. فسأذكرها لك.

9 ـ ناردين:

ما سرت خطوتين حتى سمعت شجرة ناردين[37]تناديني بصوت هادئ كهدوء النسيم، فقلت: لبيك.. فمن أنت؟.. فإن صوتك جلب النعاس إلي عيني.. والفتور إلى عضلاتي.

قالت: أنا الناردين جعلني الله دواء نافعا، وترياقا شافيا.

قلت: أعلم ذلك.. ولولا ذلك ما كنت في هذ المحل.

قالت: إذا علمت ذلك فاعلم بأني استخدمت كمهدئ ومرخ للأعصاب منذ عصر الرومان.. وقد اعتبرت في القرون الوسطى ترياقاً، وعندما لم تكن الكينا متوفرة آنذاك كنت أستعمل بدلاً عنها في مكافحة الحمي.. كما  أكد بعض المصابين بداء الصرع أنهم شفوا بواسطتي.

وأنا إلى يومكم هذا أعتبر من أفضل أنواع المهدئات المستعملة ضد الاضطرابات العصبية.

قلت: أرى أن قومي من العرب لم يعرفوك.

قالت: لا.. لقد عرفوني.. واستعملوني، وقد قال في داود الأنطاكي:( إنه مقو للمعدة، ومفتت للحصى، ومدر للفضلات، ومسقط للبواسير، كما انه إذا طلي على الجسم قطع العرق، وطيب رائحة البدن. وإذا اكتحل به أزال حمرة العين، وأنبت الشعر في الأجفان، وأحد البصر، وإذا خلط مع العفص واكتحل به قطع الدمعة، وإذا ذر على الجروح أدملها.

وقال ابن سينا في قانونه:( الناردين محلل للأورام، ومجفف للرطوبة السائلة من القروح، ينفع من الخفقان، وينقي الصدر والرئة، مقو للمعدة،  يدر الطمث، ويفيد أورام الرحم إذا جلست المرأة في طبيخه، وله خاصية في حبس النزف المفرط من الرحم )

وقال ابن البيطار في جامعه:( إن الناردين ينفع الكبد وفم المعدة، ويدر البول، ويشفي الحرقان الحادث في المعدة، وإذا عملت منه  تحميلة واحتملته النساء قطع النزف، ويجف الرطوبة السائلة من القروح، وإذا شرب بماء بارد سكن الغثيان، ونفع من الخفقان، وإذا طبخ بالماء وتكمد به النساء، وهن جلوس في مائه أبرأهن من الأورام الحارة العارضة للأرحام )

 قلت: فما قال فيك قومي من المحدثين؟

قالت: لقد أكدت الأبحاث الواسعة في ألمانيا وسويسرا أنني أحث على النوم، وأحسن نوعيته، وأخفض ضغط الدم.

قلت: فما عرفوا من سر هذا التأثير؟

قالت: لقد ذكروا أن المواد الفعالة التي يعود لها هذا التأثير هي الفاليبوترياتات.. كما أن هناك مواد أخرى مسؤولة عن مفعولي لم يتم التعرف عليها بعد.. ويقوم عملي على تخفيض النشاط العصبي على إطالة مفعول ناقل عصبي مثبط.

قلت: فأنت ترياق إذن لما يعتري البدن من أعراض عصبية؟

قالت: أجل.. فقد أثبتت الدراسات تأثيري على القلق والأرق.. بل أعتبر من أفضل العلاجات للأرق الذي كان سببه القلق أو فرط الإثارة.. فأنا أرخي العضلات المفرطة التقلص، ومفيدة لتوتر الكتف والعنق والربو والمغص وألم الحيض وتشنج العضلات.. كما أني مع بعض الأعشاب الأخرى أستعمل كعلاج لفرط ضغط الدم الناتج عن الكرب والقلق.. كما أني ضد الأرق الناتج عن  ألم الظهر، ومثله التوتر السابق للحيض بالإضافة إلى القلق المزمن.

قلت: إن الأرق يزور عيني أحيانا، فيمنعها من الاكتحال بإثمد النوم، فكيف أستعملك؟

قالت: لقد أثبتت التجارب العملية أن جزموري يزيد من زمن النوم، ولهذا أعتبر من المنومات التي يمكن استخدامها بأمان.. فأنا علاج لاضطرابات النوم الذي يصاحبه اضطرابات عصبية.

قلت: ذكرت الكثير من المنافع، فحدثينا عن المضار التي قد يقع مستعملك فيها.

قالت: أنا من الأدوية الآمنة إذا استخدمت بالكميات المنصوح بها[38].. ومع ذلك فقد أثبتت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية أنه يصح استعمالي غذاء.

أما من الناحية الدوائية فقد أثبتت التجارب التي أجريت على  12000 مريض استخدموني لمدة  14يوماً عدم ظهور أو وجود أي أعراض جانبية.

قلت: والاستعمال الطويل؟

قالت: لقد أثبتت الدراسات أن بعض مستعملي يصيبهم شيء مشابه للإدمان أي أنهم لا يستطيعون التوقف عن استعمالي.

قلت: فهل تتعارضين مع الأعشاب الأخرى التي لها نفس تأثيرك؟

قالت: إن أساس عملي هو التهدئة، فإذا استخدمت مع أدوية مهدئة أخرى قد يزيد التأثير.. وتكون هناك الخطورة.

10 ـ اليانسون:

كان بجانب الناردين عشبة يانسون[39]، فقلت لها: ما الذي جعلك تنامين بجانب الناردين ألا تخافين أن يذيقك ترياقه فتنامين كنومة أهل الكهف؟

 قالت ـ بهدوء لا يختلف عن هدوء الناردين ـ: وماذا في ذلك.. ألم تعلم أن نوم العابد خير من عبادة الجاهل؟

قلت: ولكن قيام العالم العابد خير من نوم العالم القاعد.

قالت: فإذا نعس العالم العابد بعد طول قيام كان نومه خير له من صلاته، أو كان نومه هو صلاته التي أمره الشرع بأدائها بحلول مواقيت النعاس.

قلت: اعرفي ما تقولين.. فلم أر من أهل العلم من فضل النوم على الصلاة.. ما بالك ألا تسمعين قول المؤذن:( الصلاة خير من النوم ).. لا أرى إلا أنك تجهلين صلاة الفجر، ولا تعرفينها؟

قالت: بلى سمعت قول المؤذن، وسمعت معه ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قلت: أي حديث سمعته جعلك تذهبين هذا المذهب؟

قالت: لقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فينم حتى يعلم ما يقول )[40]، وقال:( إذا نعس أحدكم وهو يصلي، فلينصرف لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري)[41]

قلت: لقد حججتني.. وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. ولكن ما سر علمك بهذا؟

قالت: لقد جعل الله في ما جعل في الناردين من تهدئة الأعصاب وجلب النوم.. فأنا أستعمل شرابا ساخنا مع الحليب لعلاج الأرق وهدوء الأعصاب.

قلت: ما دام الأمر كذلك لم لم تشكلا نبتة واحدة، بدل تفرقكما على نبتتين.

قالت: نحن لا نتفق في كل شيء.. فلي من الفوائد ما ليس فيه.. وله من الفوائد ما ليس في.

قلت: لو كنتما بين قومي لتصارعتما.

قالت: نحن نتكامل ولا نتصارع.

قلت: فحدثيني عما تميزت به عن الناردين؟

قالت: لقد قال عني داوود الإنطاكي في تذكرته:( يطرد الرياح، ويزيل الصداع وآلام الصدر وضيق التنفس والسعال المزمن، ويدر البول، ودخانه يسقط الأجنة والمشيمة، ومضغه يذهب الخفقان، والاستياك به يطيب الفم، ويجلو الأسنان، ويقوي اللثة )  

وقال عني ابن سينا في قانونه:( إذا سحق الينسون وخلط بدهن الورد وقطر في الأذن أبرأ ما يعرض في باطنها من صدع عن صدمه أو ضربة ولأوجاعهما أيضا )

قلت: فما قال المحدثون؟

قالت: لقد ذكروا أني مهدئة للأعصاب، ومسكنة للمغص والسعال، ومنشطة للهضم ومدرة للبول، وأني أفيد للولادة ولإدرار اللبن.. وأن مغلي شرابي الساخن يسكن المغص المعوي عند الرضع والأطفال والكبار، كما ينفع في طرد الغازات، كما يفيد في نوبات الربو، وأدخل في كثير من أمزجة الكحة، كما أفيد في بعض أنواع الصداع، وضيق التنفس.. وأنا منبهة قوية للجهاز الهضمي وفاتحة للشهية.. وأني من الأعشاب الجيدة في إخراج البلغم.

قلت: كيف تستعملين في هذا كله؟

قالت: تؤخذ ملء ملعقة صغيرة إلى ملعقتين وتجرش، وتضاف إلى ملء كوب ماء سبق غليه، ويترك لمدة ربع ساعة، أو نحوها، ثم يصفى ويشرب، ويؤخذ كوب في الصباح، وكوب آخر عند النوم.

3 ـ أطباء في الحقول

خرجت من صيدلية الأعشاب، وقد كانت الأعشاب والأشجار والشجيرات تناديني بألسنة عذبة تطلب مني الاستماع إليها لتروي ما وضع الله فيها من أسرار الشفاء.. ولكني أكملت العشرة.. وبمجرد إكمالها جاءني مدير المزرعة بهيئته وتواضعه، فقلت له مبادرا: دعني أزيد عشرة أخرى.. فللحديث مع هذه الأعشاب لذة لا تعادلها لذة.

قال: لا.. أنت محكوم بقوانين أهل السلام.. ولا مناص لك من تنفيذها.. فإن أردت المزيد.. فاذهب للعلماء في أرضك يعلمونك.

قلت: لا.. أنا أرضى بتعليم هؤلاء.

قال: أنت لم تدخل مستشفى السلام لتتعلم العطارة.. ولكنك دخلتها لتتعلم السلام.. فإن أردت العطارة، فاذهب إلى معلم العطارين.

قلت: لست أدري ما علاقة تلك الأعشاب بالسلام.

قالت: لقد خلق الله تلك الأعشاب لنستعملها ـ كما استعملها أهل التاريخ الطويل ـ في العلاج.. لكنكم أبيتم في هذا العصر إلا أن تتخلوا على الصيدلية التي وضعها الله لكم، ورحتم تصنعون بدلها السموم التي هداكم إليها غروركم.

قلت: أتريد منا أن نغلق المصانع، ونفتح بدلها حقولا؟

قال: أجل.. كل حقل ينوب عن مصنع فالحقل أولى منه.

قلت: ماذا تقصد؟

قال: لقد مررت على أعشاب كثيرة لها فوائد صحية ثابتة.

قلت: أجل.. لقد رأيت كل ذلك، واقتنعت به.

قال: ولكنكم تركتم كل تلك الوصفات النافعة التي تخلو من كل ضرر، واستبدلتموها بتراكيب مصانعكم، فصارعتم بذلك أجسامكم التي خلق الله لها هذه النباتات، وصارعتم النباتات حين رميتموها في سلة المهملات.. وصارعتم الله بعد ذلك حين اتهتموه بأنه أنزل الداء، ولم ينزل الدواء.

قلت: صحيح هذا.. أفتريد أن نغلق تلك المصانع؟

قال: أنا لم أقل ذلك.. وستمر على مصانع الشفاء.. وترى أنواع الأدوية الذي تصنع فيه وشروطه وكيف تنزع عقاقير الصراع منه.

قلت: فلنذهب الآن إليه.

قال: لا.. أنسيت أنك ستذهب إلى الأطباء في الحقول.

قلت: اعذرني.. فما أكثر نسياني.

لست أدري كيف خرجنا من الصيدلية الجميلة لنجد أنفسنا في حقل جميل.. بل حقول جميلة ممتدة امتداد الأفق.. وقد كانت عامرة بمختلف أصناف الناس، فسألت مدير المزارع عن هذا المنظر البديع، فقال: هؤلاء أطباء خرجوا إلى الحقول بمرضاهم ليصفوا لهم ما يحتاجون لأدوائهم من أصناف الدواء.

قلت: فلم لم يكتفوا بوصفها داخل عياداتهم؟

قال: أنواع النباتات كثيرة مختلفة.. ومن المرضى من لا يعرفها.. فلذلك احتاج الأطباء إلى الخروج إلى الحقول.. واستقبال المرضى فيها.

قلت: فهل سنزور هؤلاء الأطباء؟

قال: ستزورهم أنت لتسمع ما يقولون للمرضى.. ولا حرج عليك أن تسألهم ما بدا لك.. فقد شرط أهل السلام على طبيب السلام أن يفصل الطبيب للمريض كل ما يتعلق بمرضه مما يحتاجه لشفائه.

قلت: وأنت؟

قال: سأذهب لأعمالي الكثيرة التي تنتظرني..

قلت: فكم طبيا أزور؟

قال: كم في رأيك؟

قلت: أربعة..

قال: لو كانت الأمراض محصورة في أربعة.. لاكتفيت بزيارة أربعة.. ولكن الأمراض لا حصر لها.. فلذلك ستزور..

قاطعته قائلا: عشرة.. نعم سأزور عشرة لأكمل به العدة التي تملؤني قناعة بما يقولون.

قال: لقد استوعبت الدرس.. فعشه.

ثم انصرف وتركني.

الإجهاد

كان أول ما خطر على بالي أن أزور الأطباء المكلفين بعلاج الإرهاق والتعب والإجهاد، لما رأيت من كثرة تردد المصابين بهذا على الأطباء، وقد كان أكثر الأطباء يغزو أجساد هؤلاء المترددين بما تفرزه الصناعة من الأدوية والأغذية المقوية.

اقتربت من أحدهم لأسأله، وقد التف حوله المرضى، فوجدته يجيب من غير سؤال: نعم.. الإجهاد هو تعب بدني أو إرهاق يحدث كرد فعل لمتاعب حقيقية أو متوقعة في الحياة.

ومن أعراضه زيادة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، وتوتر الأعصاب، والخمول الذهني، وكثرة الاخطاء في العمل نتيجة لوقف القدرة على التركيز، وربما يؤدي الاجهاد إلى عدم النوم والقلق الزائد.

سأل أحد المرضى: ما سر ما يحصل لنا من إجهاد وتعب؟

قال: يثيرالإجهاد رد فعل تحذيري في جسم الإنسان.. وفي أثنائه يزداد إفراز بعض الهرمونات في مجرى الدم زيادة كبيرة..فتتلقى مساحة صغيرة في قاع الدماغ تسمى الوطاء، وهي ما يعرف بتحت المهاد، إشارات من أجزاء الدماغ الأخرى.. وتزيد الاشارات من إفراز قشرة الكظر (الغدة فوق الكلوية) لهرمون إطلاق موجة قشرة الكظر، فيؤثر هذا الهرمون على الغدة النخامية، ويجعلها تفرز الهرمون الموجه لقشرة الكظر، في مجرى الدم، ثم ينتقل هذا الهرمون إلى قشرة الكظر، وتفرز الغدة الكظرية هورمونات تسمى القشرانيات السكرية، وتوفر هذه الهرمونات طاقة فورية وتوقف نشاط الجهاز المناعي بالجسم.

وفي نفس الوقت، تفرز الغدد الكظرية هورمونات أخرى، أهم هذه الهورمونات هو الادرينالين الذي يزيد معدل ضربات القلب وضغط الدم.

وإذا طال الاجهاد تبدأ مرحلة المقاومة في الجسم، فتصل المقاومة البدنية إلى قمتها اثناء هذه الفترة، غير أن مقاومة الضغوط الأخرى تميل إلى الانخفاض دون مستواها العادي، وهذا يفسر سر معاناة الذين يعانون من ضغط في العمل من تعرضهم للإصابة بنزلات البرد والانفلونزا.

وإذا استمر التعرض للاجهاد يفقد الجسم قدرته على التلاؤم مع الحياة، فيدخل مرحلة الانهاك، وأثناء هذه الفترة تتدنى المقاومة للضغوط إلى حد بعيد.

سأل آخر: فهل استمرار هذا الإجهاد يؤدي إلى أمراض حقيقية خطيرة على الجسم؟

قال: أجل.. فالأطباء والباحثون يعتقدون أن أنواعاً عديدة من الأمراض قد تنتج عن الاجهاد الطويل أو تكرار حدوثه.. فهلذا كثيرا ما تعلل أمراض المعدة والأمعاء مثل القرحات الخاصة بالمعدة والاثني عشر، والتهاب غشاء القولون بالاجهاد.

وتحدث أحياناً اضطرابات ضربات القلب، بل إن النوبات القلبية تكون بسبب حالات الاجهاد الشديدة.. كما يعوق الاجهاد ايضاً مقدرة الجسم على مقاومة الامراض، فأمراض مثل الرشح والحمى الغدية والهربس (الحلا) وهو ما يظهر على الشفه من بثور بعد المرض، وبعض أنواع السرطان ثبت أنها تتأثر بالاجهاد.

 سأل أحد المرضى: عرفنا الداء.. فعلمنا الدواء.

قال: أول الدواء هو مقاومة أسباب الإجهاد بالراحة والاسترخاء والرياضة المنتظمة والغذاء الجيد..

قال أحد المرضى: لقد عرفنا كل ذلك في حصون الجسد.. ونريد أن نعرف الآن منك ما نستعمله من هذا الحقل.

قال: لقد علم الله بأن آدم u سيشقى في الأرض ويتعب، وتتعب ذريته، فلذلك أنزل ما يخفف هذا التعب ويرفع هذا الشقاء.

قلت: صدقت، فقد قال تعالى عن آدم u:) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى((طـه:117)

التفت إلي، وقال: لقد تداركت رحمة الله آدم وبني آدم فنزلت أعشاب وأغذية كثيرة لها تأثير كبير في تخفيف الإجهاد أو القضاء عليه.

صاح بعضهم: فصف لنا بعض وصفاتك لنلتزمها.

قال: فلنبدأ بالبصل.. فهو من الأغذية المباركة.. فهو ينقي الدم وينظم دورته ويدر البول ويزيل الارق والاجهاد وهو مضاد للجلطات ومضاد جيد لعدد كبير من أنواع البكتيريا، ومفيد لعلاج كثير من أمراض الرئة والحمى القرمزية.. وكل هذه من أسباب الإجهاد أو أعراضه.

وكل هذه المنافع تحصلها بأكل بصلة متوسطة مع طعام الفطور، وأخرى مع الغداء أو العشاء.. فذلك يفيد الجسم كثيراً في إكسابه المناعة والقوة، وهو يخفف الإجهاد بشكل كبير.

صاح آخر: لا أجدني أرتاح لأكل البصل.. وأنا من المعلقة قلوبهم بالمساجد، ولا أرضى أن أدخلها برائحة البصل.

قال: فعليك بالتفاح، فهو غذاء وعلاج، فهو يقلل من حمض البولينا ويخفف من آلام الطمث وينشط الكبد ويطرد البلغم وينشط القلب ويخفف آلام الاعصاب ويحافظ على الأوعية الدموية ويزيل الشعور بالاجهاد والتعب كما أنه مفيد جداً لآلام الروماتزم والنقرس.

وكل هذه المنافع تحصلها بأكل تفاحة واحدة يومياً بقشورها.. فإن لذلك تأثيرا عجيبا في تخفيف الاجهاد والتخلص منه.

قال آخر: لا يتسنى لنا التفاح كل حين.. فصف لنا ما يمكن تناوله متى شئنا؟

قال: الحلبة.. ذلك الدواء المبارك الذي نزل من السماء.. تلك التي قيل فيها:( لو علم الناس بما في الحلبة من المنافع لاشتروها بوزنها ذهباً ).. تلك التي جعلها الله علاجا لكثير من الأمراض، لها أثرها الكبير في تخفيف الاجهاد.. خاصة لو ضممت إليها العسل، فالعسل مشهور بقيمته الغذائية والدوائية.

قلت: فصف لنا وصفة تجمع الحلبة والعسل.

قال: لقد جربت وصفة ناجحة لعلاج الإجهاد وأعراضه، وهي أن تأخذ حوالي نصف كيلو من الحلبة البلدي، وتنظفها جيداً، ثم تسحقها وتضعها في علبة[42]، ثم تأخذ منها ملء ملعقة متوسطة تضيفها إلى ملء ملعقة أكل عسل نقي، وتمزج جيداً، وتلعق بعد كل وجبة.

قلت: هذه وصفة سهلة وطيبة.

قال: وهناك وصفات أخرى، منها وصفة لا تكاد تكلفك شيئا، فهي من البقدونس[43].

قلت: لم أكن أتصور أن البقدونس يمكن أن يحوي دواء، فما هو إلا عشبة ضعيفة هزيلة تفيئها الرياح ذات اليمين وذات الشمال.

قال: ولكن الله تعالى جعل من أسرار الشفاء والقوة ما يجعلها إعصارا على الأدواء.. فأوراقها مكملة فيتامينيا ومعدنياً طبيعياً، ولبذورها[44] فعل مدر للبول ويمكن استعمالها لعلاج مرضى النقرس، والتهاب المفاصل، وهي من أفضل المواد المضادة للالتهابات والمضادة للاكسدة.

كما أن الزيت الموجود فيه من المواد الجيدة لطرد الغازات، وازالة المغص، وخاصة المغص المعوي، وانتفاخ البطن، وهو منبه للرحم..

سأل سائل: لا تنشغل بهذا الرجل.. فلا أراه إلا كثير الفضول.. وحدثنا عما اجتمعنا من أجله.

قال: أجل.. فالبقدونس الأخضر من أفضل المواد المانعة للإجهاد.. يمكن أن تأخذ حزمة من البقدونس، وتنظفها جيداً، ثم تأكلها مع السلطة في الغذاء والعشاء.. وتكفي الحزمة الواحدة ليوم كامل.

سأل آخر: إن طعم البقدونس شديد علي.. فهل..

قال: عليك بالكزبرة[45]..

قلت: نعم.. الكزبرة أفضل.. فرائحتها طيبة.. ونحن نستعملها كأحد التوابل المشهورة.. ولكن لم أتصور أن هناك شيئا من العلاج فيها.

قال: هي مملوءة أدوية وبركات شفاء.. فهي مضادة لانتفاخات البطن والتطبل والمغص، وهي تهدىء كثيراً من التشنج في الأمعاء، وهي مضادة لتأثير التوترات العصبية، كما أن مضغها يحسن النفس الكريه، وخاصة بعد أكل الثوم..

قام أحدهم، وقال: حدثنا لما جئنا من أجله، ودعك من هذا الفضولي.

قال: وصفة الكزبرة سهة جدا.. فليست سوى أخذ حوالي نصف كيلو من ثمار الكزبرة، وطحنها جيداً، ثم توضع في قنينة ملونة، ثم تحفظ في مكان بارد، ويؤخذ منها ملء ملعقة متوسطة، وتوضع مع طعام العشاء يومياً، وتؤكل، ويمكن الاستمرار في استخدامها، حيث أن الاستمرار عليها لا يضر.. ولكن يجب التقيد بالجرعة المعطاة.

قلت: لم يبق إلا الكرفس.. فهل هو دواء للإجهاد؟

قال: أجل.. وأحسنت إذ ذكرتني.. فهو من الخضار التي تؤكل مع السلطات، ويؤكل عادة غضاً طازجاً بعد غسله، وذلك بمعدل رأسين يوميا، ويستمر عليه لفترة لا تقل عن ستة أشهر وذلك لعلاج ضعف الاعصاب.

كما يستخدم لأمراض أخرى كالنقرس والروماتيزم، والشد النفسي كما أن بذور الكرفس تستخدم لعلاج أمراض الكبد غير الفيروسية، وعلاج المثانة واضطرابات الكلى واحتقانات القلب، ولتخفيض معدل سكر الدم، وتخفيض ضغط الدم المرتفع.. وفوق هذا يوجد حوالي خمسين وصفة إنجليزية تستعمل لعلاج الالتهابات يدخل فيها الكرفس.

سأل سائل: نصحنا بعض المجربين بالبلوط[46].

قلت: يا رجل.. الصحة مهمة الأطباء لا المجربين.. فلا تترك صحتك بأيدي العابثين.

نظرت إلي الجماعة بشزر، لكن الطبيب لم يلتفت لي ولا لهم، بل قال: لقد صدق في نصحك هذا المجرب.. ولا مانع من أن تسمع النصائح بعد عرضها على المختصين.. فنحن لم نصل إلى ما وصلنا إليه من معارف إلا بعد إخبار المجربين لنا.

أردت أن أقول شيئا، فنظرت إلي الجماعة نظرتها، فكتمت كلماتي في فمي، وأصخت سمعي للطبيب، وهو يقول: تستعمل قشور البلوط علي نطاق واسع، حتى قيل:( إنها تستخدم لعلاج أمراض الجسم من أخمص القدم إلى الرأس ) حيث تستخدم على هيئة غسول لالتهابات الجلد، وللجروح والاكزيما الزاحفة، وللنزف، وللدوالي، ولامراض العيون، ولالتهابات اللثة والحنجرة، وضد الاسهال الحاد.

وتستعمل كحمام مائي لعلاج ضعف الاعصاب حيث يؤخذ نصف كيلو من مسحوق قشور البلوط، وتضاف إلى حوالي ثلاثة لترات من الماء، وتغلى لمدة ربع ساعة، ثم يصفى ويضاف إلى ماء المغطس الدافىء، ويظل المريض في المغطس لمدة نصف ساعة مع المحافظة على ماء المغطس دافئاً.

 ويفضل عدم خروج المصاب من المنزل بعد الحمام حتي لا يصاب بالبرد، ويفضل ان يكون الحمام قبل العشاء وليس بعده، لكي لا يعيق عملية الهضم.

أردت أن أقول شيئا، فنظرت الجماعة إلي، فتركتهم، وانصرفت بحثا عن داء آخر، وأدوية أخرى.

الكآبة

انصرفت كئيبا بسبب المعاملة التي عاملني بها المجهدون، وقد عذرتهم لأسباب كثيرة أهمها أني إذا كنت مجهدا لا أكاد أطيق أحدا، ولا يكاد يطيقني أحد.. ومنها أنني ـ كما أجمع من يعرفني ـ ثقيل بطبعي.. فأنا كثير الفضول، وقد أواجه من يحادثني بما لا يحتسب، وقد سبب هذا قلة أصدقائي، بل ندرتهم، بل عدمهم.

جرى على خاطري هذا، فملأني بالحزن والكآبة، فصار الحقل في عيني كتلك الجنة التي طاف عليها طائف الله فصارت حصيدا.. وتلاشى الأطباء والمرضى الذين كانوا يعمرون تلك الحقول، فلم أكد أرى أحدا منهم، فتربعت جالسا، ووضعت يدي على خدي، ورحت أبكي لأغسل أدران أحزان قلبي.

بينما أنا كذلك إذ ربت على كتفي رجل من أحسن الناس وجها، وألطفهم أدبا، وقال لي: هون عليك.. فلدي ـ بحمد الله ـ ما يمسح الأحزان عنك.

قلت: من أنت.. فوجهك وجه طيب.. وكلامك كلام طيب.

قال: أنا طبيب بهذا الحقل.. وتخصصي مداواة الأحزان والكآبة.

قلت: أهناك أطباء مختصون في هذا؟

قال: في أرضنا يوجد هذا النوع من الأطباء.. أما أرضكم، فلا أعلم.

قلت: في بلدتي لا يوجد إلا أطباء العظام واللحوم والشحوم.

قال: لا يفتك بالعظام واللحوم والشحوم مثل الهموم.

قلت: صدقت.. فقد ترى الشباب شيخا لهمومه، وترى الشيخ شابا لمسرته.

قال: أتدري ما سر ذلك؟

قلت: أنت الطيب، وأنا المريض، وما يكون لي أن أتكلم في حضرتك عما يخص تخصصك.

قال: بورك فيك.. إن كل ما يحصل للإنسان من مشاعر[47] له تأثيره الكبير على صحته وعافيته. 

وقد توصل العلماء إلى أن هناك عاملين يحددان المشاعر والانفعالات وهما: التغيرات الفسيولوجية التي تحدث في جسم الإنسان، والسبب الذي يعلل به الشخص تلك التغيرات.

واستناداً إلى هذا، فإن الانفعالات تنتج من تأويلات الناس لأحوالهم بعد استثارتهم فسيولوجيا.. وقد يكون الأثر الخارجي للانفعال ظاهراً للناس كالبكاء والضحك واحمرار الوجه والحزن والفرح وغير ذلك من تغيرات الوجه الاخرى.

إن هذه التغيرات الخارجية يصاحبها تغيرات فسيولوجية داخلية يحس بها الشخص نفسه، فهو يستطيع ان يحس بتسرع نبضات قلبه وتنفسه، وباندفاع الدم الذي قد يجعله يحس بتنمل في يديه أو قدميه وبوخز في فروة الرأس أو خلف الرأس وربما قشعريرة وتصبب العرق أو كليهما أو رجفة في الجسم لا يستطيع معها الوقوف.

قلت: صحيح كل ما ذكرت.. فقد كنت قبل قليل نشيطا مملوءا حياة، وأنا الآن مقعد لا أطيق حراكا.

قال: هكذا تبدأ جميع الأمراض النفسية، ثم يسري مفعولها إلى الجسد الباطن كما سرى إلى الجسد الظاهر.

قلت: ماذا تقول؟ أيمكن أن تقعد أجهزتي الباطنية كما قعدت أنا؟

قال: أجل.. بل قد يؤدي إفراط الكآبة إلى تعطيل كثير من وظائف الجسم كالهضم، بل أحيانا تؤدي إلى تلف أنسجة الجسم، كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحتي المعدة والاثني عشر والتهاب القولون.

ولهذا.. فإنه من المعروف أن ارتفاع ضغط الدم، وربما السكري والحساسية، وكثيراً من الأمراض الأخرى يدخل في نشوئها عامل انفعالي قوي، وكثيرا ما تكون ذات منشأ نفسي.

ولهذا نشدد ـ معشر الاطباء ـ في الاهتمام بالأسباب النفسية للأمراض فإن لها من التأثير ما لا يقل عن الأسباب الجسمية.

قلت: فما السر في هذا الدور الذي تلعبه الأحوال النفسية في الجسم.. مع أن النفس نفس، والجسم جسم؟

قال: لا.. الإنسان واحد.. فما يؤثر في النفس يؤثر بالضرورة في الجسم.. فعندما يغضب الإنسان ـ مثلا ـ يحس بضربات قلبه قد تسارعت، ويحس بارتفاع قد حصل في ضغط دمه.

وفي ذلك الوقت تطلق الكبد في الدم قدرا كبيرا من وقود الطاقة المخزون فيها، فيزيد مقدار السكر في الدم، وتتسع الأوعية الدموية الذاهبة إلى العضلات لتمدها بكمية أكبر من الدم الحامل لهذا الوقود.. وفي نفس الوقت يقف إمداد الجهاز الهضمي بالدم، فتقف تبعاً لذلك عملية الهضم مؤقتاً، وتمتنع شهوة الطعام، ويشحب لون جدار المعدة حتى يزول الفزع أو الغضب.

قلت: فهل يمكن للأدوية أن تحد من كآبتي؟

قال: أجل.. بل قد وصف - صلى الله عليه وسلم - التلبينة لذلك.. فقال:( التلبينة[48] مجمة[49] لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن )[50]، ولهذا روي عن عقيل أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت إذا مات الميت من أهلها، ثم اجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت، ثم قالت:( كلوا منها )

قلت: لقد عرفت الأسرار المودعة في التلبينة.

قال: وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - مثلها السفرجل، فعن طلحة بن عبيد الله t قال:  دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيده سفرجلة، فقال:( دونكها يا طلحة، فإنها تجم الفؤاد )[51]، وقال - صلى الله عليه وسلم -:( كلوا السفرجل، فإنه يجلي عن الفؤاد، ويذهب بطخاء[52] الصدر )[53]، وقال - صلى الله عليه وسلم -:( كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر[54] الصدر )[55]

قلت: قد عرفته في الأدوية المباركة.

قال: وقد وصف - صلى الله عليه وسلم - الدباء للكآبة، فقال:( يا عائشةُ؛ إذا طبَخْتُم قِدْراً، فأكثِروا فيها من الدُّبَّاء، فإنَّهَا تَشُدُّ قَلْبَ الحَزِين )[56]

قلت: هذه وصفات شريفة، وكلها مما مررت عليه في أدوية السماء.. فهل من أدوية الأرض ما ينفع من الكآبة.

قال: أجل.. فالله رب الأرض والسماء.. هل تعرف الناردين؟

قلت: قد مررت عليه في صيدلية الأعشباب.

قال: هو دواء جيد للكآبة الحاصلة من جراء تأثيرات خارجية.. ولهذا ينصح باستعماله مع الريحان، بأن تأخذ ملعقة شاي من جذور الناردين وملعقة شاي من الريحان، ثم تغمر بكوب كبير من الماء.. ثم تضع الجميع على النار لغاية الغليان، ثم يترك مغطى لينقع مدة 10 دقائق.. ثم يصفى ويشرب كوب منه بين وجبات الطعام.

قلت: هذا سهل ويسير.

قال: ومن الوصفات اليسيرة الدبق[57] والزعرور[58]، فهما علاجان جيدان للكآبة، ولاستعمالهما تأخذ ملعقة شاي من أزهار الزعرور، وملعقة شاي مملوءة مسحا (أي لحافتها) من الدبق، ثم تغمر الجميع بكوب من الماء الساخن.. ثم يترك هذا المغلي لينتقع مدة عشر دقائق، ثم يصفى.. وتستخدم هذه الوصفة لعلاج الانفعالات الحادة والكآبة.

واحذر أن تشرب من هذا الدواء أكثر من كوبين في اليوم، واجعل ذلك بين وجبات الطعام.

قلت: فزدني وصفة أخرى.

قال: أتعرف رعي الحمام[59] والمردقوش؟

قلت: أعرفهما جميعا.. وقد مررت على أحدهما في الأدوية المباركة.

قال: فهما علاجان مهمان للكآبة، ولاستعمالهما تأخذ من كل من رعي الحمام والمردقوش ملعقة شاي، ثم تغمر بكوب من الماء المغلي، ثم تغطى وتترك لتنقع مدة 10 دقائق، ثم يصفى ويشرب كوب بعد كل وجبة طعام.

النحافة

لقد كان لكلمات طبيب الكآبة مفعول أدوية البركة في نفسي، فلهذا نهضت، وكأني نشطت من عقال، وكان أول ما لاح لي قوم من المرضى لا يكادون يظهرون، وكأن المجاعة قد ضربت أطنابها في لحومهم، فنهشتها، وفي عظامهم، فقوستها، وفي جلودهم، فملأتها بالشحوب والتشققات..

فقلت في نفسي: لأذهبن إليهم لأصلي معهم صلاة الاستسقاء، عسى الله أن يملأ شحوبهم حياة، وتشققات جلودهم دهونا.

ما إن وصلت إليهم حتى وجدت الطبيب المكلف بعلاجهم يقول: قد تكون النحافة[60]مرضا من الأمراض، وقد تكون شيئا عاديا لا حرج فيه.. ألا تعرفون قصة عبد الله بن مسعود t؟

قال أحدهم: بلى وهو سلوانا التي نرد بها على العيون التي تهاجمنا، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لما رأى ضحك الصحابة   yمن دقة ساقيه:( مم تضحكون؟ لرجل عبد الله بن أم عبد أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد )[61]

قلت: فما جلوسكم هنا.. إذا كنتم تعتقدون هذا.. وتؤمنون به؟

قال أحدهم: لم نأت هنا لنسمن، أو لنمتلئ شحوما ولحوما.. فنحن نعلم بغض الله تعالى للسمن، ولكن النحافة قعدت بنا عن بعض أعمال الخير، فجئنا نبحث عن علاجها.

قلت: نعم النية هذه.. فهل في الحقول ما يداوي النحافة؟.. أنا أتصورها شيئا طبعيا لا يؤثر فيه أي علاج.

قال الطبيب: هذا شيء صحيح وخاطئ.. فالوراثة تلعب دوراً هاماً، فهناك من هو نحيف، لأنه ينحدر من أسرة كل أفرادها من النحفاء.. وهناك نحيف لأن سوء التغذية هو الذي جعله نحيفا.

قلت: أعرف من قومي من يأكل الجبال من الطعام، ولكنه لا يزداد إلا نحافة.. فكيف تتهم التغذية هذه التهمة؟

قال: لا أعني بسوء التغذية قلة الكمية التي يتناولها الشخص من الطعام، لكن المقصود منها أن الشخص لا يتناول أطعمة متنوعة تحتوي على مقادير مناسبة من الفيتامينات والأملاح والبروتينات والنشويات.. كما عرفت ذلك في حصون الجسد.

قلت: أهذا هو السبب في النحافة في رأيك؟

قال: هناك أسباب أخرى.. هناك الانفعالات النفسية والقلق والهموم لما لها من دور في ضعف الشهية.. وهناك الإسهال المستمر نتيجة وجود الطفيليات والديدان المعوية، والتي لا تجدي معها التغذية السوية ولا الأدوية، ولهذا لابد من اجراء الفحوصات المعملية والاكلينيكية حتى يتم التأكد من عدم وجود هذه المواد داخل الأمعاء في هذه الحالة.. وهناك الاكتئاب الذي يسببه إدمان الخمور وبعض المخدرات.. وهناك بعض الأمراض التي تفسد عمليات الجسم الكيميائية.. وهناك اضطرابات الجسم والغدة الدرقية والغدد الصماء وأمراض المعدة والامعاء فإن لها دورا في نشوء النحافة.. كما أن هناك أمراضاً خطيرة تسبب نقصاً كبيراً في الوزن مثل السرطان والسل والايدز.

قال أحدهم: عرفنا العلة.. فحدثنا عن علاجها.

قال: لقد أنزل الله أدوية كثيرة تعالج النحافة من أسبابها المختلفة.. وسنذكر لكم سبعة منها.. فالسبعة عدد شريف.

قال أحدهم: فما أولها؟

قال: أتعرفون الحلبة؟

قالوا: كيف لا نعرفها، وهي من أدوية السماء.

قال: سأصف لكم وصفة منها عساها تنفعكم.. وهي أن تقوموا بغلي كأس من الماء، ثم تضيفوا إليه مقدر ثلاث جرامات من مسحوق الحلبة، ويترك للغلي مدة دقيقة واحدة، ثم يصفى، ويحلى بالعسل، ويشرب بمعدل ثلاث مرات في اليوم.. ويستمر الشخص في الاستعمال حتى يحصل على الوزن المطلوب.

قال آخر: فالثانية؟

قال: لا شك أنكم تعرفون التين واليانسون..

قالوا: أجل.. فأرضنا تمتلئ بهما.

قال: يؤخذ ما مقداره أربع حبات تين مجفف، وملء ملعقة صغيرة من مسحوق اليانسون، ويوضع في وعاء به قدر كوب من الماء، ثم يوضع على نار هادئة حتى يدفأ الماء، ثم يبعد عن النار، ويترك ينقع حتى يكون التين طرياً، ثم يؤكل التين وجميع المحتويات الموجودة بالوعاء، ويكون ذلك يومياً قبل الإفطار، ويستمر عليه لمدة أربعين يوماً[62]..

قالوا: فصف لنا الوصفة الثالثة.

قال: أتعرفون السمسم؟

قالوا: أجل.. كيف لا نعرفه؟

قال: بذور السمسم من المسمنات الجيدة بسبب علو قيمتها الغذائية[63]، حيث يؤكل منها يومياً ملء كوب، وقد أكد ابن سينا على تميز السمسم في زيادة الوزن.

قالوا: فصف لنا الرابعة؟

قال: أتعرفون الخوخ؟

قالوا: كيف لا نعرفه.. ولكن فصله ضيق جدا.

قال: هناك الخوخ المجفف.. حيث يؤخذ 50 جراماً من ثمار الخوخ المجفف، ويضاف إلى لتر ماء، ويترك على النار حتى يغلي لمدة خمس دقائق، ثم يبرد ويؤكد، بمعدل مرة واحدة في اليوم.

قالوا: فصف لنا الخامسة.

قال: أتعرفون المكسرات؟

قالوا: ومن لا يعرفها؟.. وكيف لا نعرفها؟.. ولكنها غذاء لا دواء.

قال: لا.. كل ما جعله الله غذاء جعله دواء.. فالله يغذينا ويداوينا.. وقد دلت الدراسات الحديثة على الأهمية العلاجية للمكسرات، فمحتواها من المعادن يفوق كافة ما تحتويه أي فاكهة[64].. ولهذا، فهي من أفضل أدوية النحافة.

قلت: ألا ترى أنك تبالغ في شأن المكسرات.. ألأبيك محل مكسرات لم يجد من يشتريها.. فأردت من هؤلاء المساكين شراءها؟

التفتت الجماعة إلي مندهشة، لكن الطيب لم يبالي بما قلت، بل التفت إلي، وقال بهدوء: لا شك أنك من أرض الصراع.. ولهذا سأخاطبك بما ينفي عني ما اتهمتمني به.

قلت: عهدي بأهل السلام لا يدافعون عن أنفسهم اكتفاء بدفاع الله عنهم.

قال: لا.. لن أحتاج إلى الدفاع عن نفسي.. فالنقطة التي تحت الباء لا ترى نفسها حتى تدافع عنها.

 قلت: فعلى من تدافع إذن؟

قال: على المكسرات التي تتهمها أو تتهمني بسببها.. أجبني ما الذي يرفعه قومك من الأغذية، والتي يعتقدون قوتها في إخراج النحيف من نحافته؟

قلت: لا شك أنها اللحم.. فاللحم هو الذي ينبت اللحم.

قال: كلامك صحيح.. ولذلك سأذكر لك ما ذكرت البحوث من المقارنة بين قيمة اللحم وقيمة المكسرات، فقد ذكرت أن نصف كيلو من الجوز تعادل 2كيلو من لحم البقر أو الخراف، وتعادل 3 كيلو من لحم الدجاج الخالي من الدهن، وحوالي 2 كيلو من البيض.

قلت: من أي جهة تمت هذه المقارنة؟

قال: من حيث الزلال ـ الذي هو المقصود الأصلي من اللحوم ـ فهو في المكسرات من النوع الكامل القيمة، وهي تتساوى مع اللحوم من حيث إمداد الجسم به، بل هو يفوقه في أمور.. منها أن المكسرات لا تكون أحماض البول في الجسم والتي تسببها اللحوم، فحمض البوليك سبب لكثر من الأمراض، مثل أمراض المفاصل وغيرها.. ومنها أن المكسرات تكاد تكون خالية من الجراثيم الضارة الموجودة باللحوم وخاصة بالصيف.. ومنها أن زلال المكسرات خال من الطفيليات.. ومنها أن المكسرات تؤكل نيئة، ولا تفقد شيئا من عناصرها بسبب الطبخ مثلا.. ومنها أن الدهون الموجودة بالمكسرات غير مشبعة[65]، لذلك فضررها قليل جدا نسبة للحوم.. ومنها أن الحمية على المكسرات والفواكه الطازجة نافعة في علاج كثير من الأمراض، كأمراض الكلي والكبد وأمراض الدورة الدموية.

قلت: بورك فيك.. فقد أزحت عني شبهة.. فصف لنا الوصفة السادسة.

قال: أتعرفون القرفة[66]؟

قالوا: كيف لا نعرفها؟

قال: القرفة مشهية جيدة.. ولذلك تصلح للنحفاء الذي سبب نحافتهم ضعف شهيتهم.

قلت: فكيف تستعمل؟

قال: يؤخذ ما مقداره ملء ملعقة صغيرة من مسحوق القشرة، ويضاف إلى وعاء به ملء كوب من الماء، ثم يوضع على النار، ويترك حتى يغلي، ويحرك جيداً، ثم يفرغ في كوب زجاجي، ويمكن تحليله بملعقة عسل نحل ويشرب.

قلت: لقد رأيت القرفة كثيرا.. ونحن نستعملها.. ولكني شاك في مدى أثرها ونفعها.. فشكلها لا يوحي بشيء.

رمقتني الجماعة بأبصارها، لكن الطبيب قال في هدوء: أتحتقر القرفة كما تحتقر المكسرات؟

قلت: لا أحتقرها.. فمن الخطر أن أحتقر شيئا خلقه الله.. ولكني لا أراها سوى لحاء أشجار لا فرق بينها وبين سائر الخشب.

قال: لا تقل هذا.. فمنافعها لا يمكن وصفها هنا، فهي محرض ومنظم من الطراز الأول لعمليات الهضم.. ولهذا يطلق عليها علماء التغذية في فرنسا اسم: صديق الجهاز الهضمي.

أما زيتها، فهو العامل الرئيسي في مفعولها المقوي، والمنشط للدورة الدموية والتنفس، والمدر للافرازات، والقابض للأوعية والمحرك للأمعاء، والمعقم المضاد للتعفن، ولهذا تدخل القرفة في تركيب الكثير من الأدوية والمستحضرات الصيدلانية.

قال أحد الحاضرين: دعك من فضول هذا.. وحدثنا عن الوصفة السابعة.. فلو ذاق ما ذقنا من النحافة ما اهتم بالبحث في غيرها.

قال الطبيب: أتعرفون الحمص؟

قالوا: وكيف لا نعرفه؟

قال: فهو غني جداً بالمواد البروتونية، والأملاح المعدنية، مثل البوتاسيوم والفوسفور والكبريت والكالسيوم والحديد، وهو مفيد جداً ومسمن في نفس الوقت.

قالوا: فكيف يستعمل؟

قال: يتناول الشخص حفنة واحدة من الحمص في منتصف وجبة غذائية فقط خلال اليوم الواحد.. ويجب عدم تناول الحمص أو الإفراط في تناوله من قبل أصحاب المعد الضعيفة حيث إنه ثقيل الهضم.

انفضت الجماعة عن الرجل لتطبق ما قال من وصفات، وما إن ذهبت حتى جاءت جماعة أخرى، وقد كانت أحسن حالا، ليصف لها من الوصفات ما يناسبها.

قلت: من أنتم؟

قالوا: نحن قوم طبقنا ما مضى من وصفات.. وقد حسن حالنا.. وجئنا نطلب المزيد.

قلت: ألا يكفيكم ما وصلتم إليه من اللحم الزائد؟

قالوا: وهل هناك من يشبع من فضل الله؟

ضحكت في نفسي.. ثم تركتهم.. فلاح لي ما ملأني بالعجب.

البدانة

لقد رأيت قوما قد امتلأوا شحما ولحما حتى لا يكادون يتحركون، وقد جلسوا لطبيب يصف لهم ما يخفف عنهم ما هم فيه.

اقتربت منهم، وقلت من غير أن أستأذن: ما هذا السمن.. إن ما ملأتم به بطونكم من أغذية هو الذي سبب النحافة لأولئك.. ألا تخافون الله؟.. ألا تتوبون إلى الله؟

قال أحدهم، من غير أن يظهر على وجهه أي غضب: بورك فيك ـ يا أخانا ـ ولا نحسبك إلا قد صدقت في نصحنا.. ولكن هذا البلاء حل بنا.. ولسنا ندري هل هو خطأ وقعنا فيه، أم هو قضاء الله وقدره.. ونحن لا يهمنا إلا أن نبحث عن أسباب دائنا.. وعما أنزل الله له من أدوية.

أردت أن أتحدث، فقاطعني الطبيب، وقال: للبدانة أسباب مختلفة.. وأهم أسبابها النمط الذي اختاره الإنسان لنفسه من أنماط العيش.. ولذلك فعلاجها الأساسي هو تغيير نمط الحياة، وتنظيمها لتتوافق مع الفطرة التي فطر الله الخلق عليها.

قلت: ما دام الأمر كذلك.. فلم تحتاج إلى وصفات علاجية للبدانة؟

قال: هؤلاء وصلوا إلى مرحلة يحتاجون فيها إلى العلاج.. والطبيب الرحيم هو الذي يعالج في الحال.. وينصح للاستقبال.. فلا يصرفه أحدهما عن الآخر.

قال أحدهم: عجل بذكر وصفاتنا.. فنحن على أحر من الجمر.

قال: سأذكر لكم الآن سبع وصفات.

قالوا: فابدأ باولها.

قال: أتعرفون بذور لسان الحمل[67]؟

قالوا: أجل.. نعرفها.

قال: لقد ورد في دراسة إيطالية قام الباحثون فيها بإعطاء جرعات من بذور لسان الحمل بمقدار 3 جرامات، تذاب في كوب من الماء، وتشرب قبل الأكل بثلاثين دقيقة لعدد من النساء البدينات، وقورنت بنساء أخريات، بنفس البدانة وضعن على حمية خاصة.

فوجد أن النساء اللاتي أعطين بذور لسان الحمل نقص وزنهن بمعدل 60 بالمائة أكثر من الأخريات.

قلت: فما السر في ذلك؟

قال: لقد أجرى علماء من الروس السر في ذلك، فوجدوا أن التأثير المخفض للوزن كان نتيجة للمواد الهلامية الموجودة في بذور النبات.. ولهذا صنع مستحضر من لسان الحمل تحت اسم Psyllium، حيث تؤخذ منه ملء ملعقة صغيرة من المستحضر، ويخلط مع ملء كوب عصير أو ماء ويشرب قبل الوجبة[68].

قالوا: فصف لنا الوصفة الثانية.

قال: هل تعرفون الفلفل الأحمر؟

قالوا: أجل.. ونحن نسميه الشطة.

قال: لقد أجرى الباحثون دراسة على الفلفل الأحمر في معهد التقنية بأكسفورد في بريطانيا، حيث قاسوا نسبة عملية الأيض عند الأشخاص البدناء الذين يستعملون غذاء متوازنا.. حيث أضافوا لغذائهم ملعقة صغيرة من مسحوق الفلفل الاحمر، ومثلها ملعقة صغيرة من مسحوق الخردل لكل وجبه حيث أبدت الدراسة أن الاشخاص الذين أضيف إلى غذائهم الفلفل الاحمر والخردل ارتفعت نسبة الأيض لديهم بنسبة 25 بالمائة.

وقد استنتجوا من ذلك أن إضافة الفلفل الأحمر والخردل إلى وجبات الطعام له تأثير في النحافة.

قالوا: فصف لنا الوصفة الثالثة.

قال: أتعرفون خل التفاح.

قام أحدهم، وقال: أجل.. وكيف لا نعرفه.. وقد شرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الخل[69]، فقال:( نعم الإدام الخل )[70]، وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -:( نعم الإدام الخل، اللهم بارك فى الخل، ولم يفتقر بيت فيه الخل )[71]

قال: يمكنكم أن تأخذوا ملء ملعقة أكل من خل التفاح النقي وتضيفوها إلى ملء كوب ماء بارد، ثم تمزجون ما فيه جيدا، ثم تتناولونها بعد كل وجبة يومياً.

قلت: إن أسعار خل التفاح في السوق غالية.

قال: يمكنك تحضير خل التفاح بنفسك دون اللجوء إلى الخل الموجود في الأسواق.. فإنه ليس مرتفع السعر فقط.. بل لا تعرف مدى نقاوته ولا نوعيته.

قلت: فكيف أحضره في بيتي.. وليس لدي ما في المخابر من آلات؟

قال: ذلك يسير جدا.. فليس عليك سوى أن تغسل التفاح جيداً بالماء؛ ثم تقطعه إلى قطع متوسطة الحجم ؛ وتعبئه في آنية من الفخار ؛ أو مرطبان من البلاستيك ؛ وتغطى الأنية بقطعة من القماش ؛ وتحفظه في مكان دافئ لمدة خمسة وأربعين يوماً حيث يختمر.. وبعد ذلك يعصر، ويعبأ في قناني من الزجاج ويختم.

فإذا فعلت ذلك، وسددت عليه الزجاجات، فإنه يبقى على حالته من غير فساد.

قلت: أنت كما تراني أميل إلى النحافة مني إلى السمن، ففيم أستخدم هذا الخل؟

قال: هذا الخل مفيد جدا.. وهو من الأغذية المباركة التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يفيد في علاج أمراض عديدة.. فهو ترياق شاف لأمراض الأوعية، والغدد اللمفاوية، وتصلب الشرايين، وداء النقرس، وأمراض الكبد، وفقر الدم العام، وأمراض الجهاز البولي، وأمراض الجلد، والروماتيزم، والأعصاب.

قلت: فما سر هذه الصيدلية المباركة؟

قال: إن أهمية خل التفاح تكمن في جعله خلايا الجسم بحالة جيدة، فهو يعزز مقاومة الجسم للكثير من الأدواء التي تهدده.

قلت: أقصد سر التركيب.

قال: هو غني بالعناصر التي يحتاج إليها الجسم لتأمين التوازن بين خلاياه، وفي طليعة هذه العناصر: الفوسفور، والحديد، والكلور، والصوديوم، والكالسيوم، والمغنيز، والسلكيوم، والفلور.

قالوا: دعك من هذا الفضولي.. وحدثنا عما جئنا من أجله.

قال: لقد وصلنا إلى الوصفة الرابعة، وهي تتكون من ورق العنب، حيث يؤخذ خمسون جراما من مسحوق ورق العنب الجاف، ويغمر في لتر ماء بارد، ثم يوضع على نار هادئة، ويترك حتى الغليان.. وبعد بدء الغليان يترك نصف دقيقة على النار، ثم يبعد عن النار، ويترك جانباً لمدة ربع ساعة، ثم يصفى ويؤخذ منه ثلاثة فناجين بعد الطعام، فإنه يقلل الوزن.

قالوا: فاذكر لنا الوصفة الخامسة.

قال: أتعرفون الكمثرى؟

قالوا: لا شك في معرفتنا بها.. ونحن نسميها الأجاص.

قال: فهي من أغنى الفواكة بالبوتاسيوم الذي يساعد على طرح كميات كبيرة من الماء من الجسم، وهي لا تحوي عنصر الصوديوم الذي يساعد على تجمع الماء في الجسم.. وهي فوق ذلك فقيرة جدا بالبروتين مع غناها ببعض الفيتامينات والمعادن.. ولهذا كله، فهي من المواد المفيدة في إنقاص الوزن فيستعمل الناضج منها كوجبة كاملة دون أن يؤكل معها شيء، بالإضافة إلى اتباع الحمية الخاصة.

قالوا: فصف لنا الوصفة السادسة.

قال: تعرفون البصل.. اعصروه، ثم اشربوا ملء ملعقة منه يوميا، ويمكنكم  مزجها مع عصير فواكه.. لا من سموم المعلبات.. بل من بركات الأشجار.

قالوا: فصف لنا السابعة.

قال: أتعرفون بذور الكمون والليمون؟

قالوا: ما بالك أتحسبنا قدمنا من المريخ؟

قال: خذوا نصف ملعقة صغيرة من مسحوق الكمون.. وأضيفوا إليها ملء كوب ماء مغلي.. ثم حركوا المزيج جيدا، ثم قطعوا ليمونة كما هي مع قشرها وبذورها، وضعوها في الكأس الذي يحتوي على الكمون، وغطوه، واتركوه لمدة 12ساعة، ثم اشربوا الماء فقط على الريق يومياً.

قلت: فحدثني عن الكمون[72].. فقومي يستعملونه كثيرا.

قال: هو من التوابل المباركة.. فهو طارد للغازات، ويزيد في الإفرازات الهاضمة، ويدر اللبن عند المرضعات.. وهو مفيد في علاج حالات الحموضة والمغص والانتفاخ.. وفوق ذلك كله يستخدم زيته الطيار في صناعة العطور.

الجهاز الهضمي

أحسست ببعض الألم في معدتي.. فرحت أسير بين الأطباء والمرضى.. ما ابتعدت قليلا عن طبيب البدانة حتى وجدت طبيبا لم أشك في كونه مختصا في أمراض الجهاز الهضمي، فقد وضع بجانبه شكلا مجسما لهذا الجهاز، وهو يتكلم، ويشير إليه.

الحموضة:

اقتربت منه، ومن جماعته، فسمعت أحد الحاضرين يقول: أنا من أرض الصراع، وقد كنت، ولا زلت أشكو من حموضة المعدة، وقد جرني ذلك إلى زيارة مختلف الأطباء، وتناول الكثير من الأدوية.. لكني لا أزال أشعر بما أشعر به.. فهل عندكم من علاج لهذا؟

قال: ما تشعر به هو ما يشعر به الكثيرون، وهو ما يجرهم إلى الكثير من الأطباء، وتناول الكثير من الأدوية.

ولهذه الحالة أسباب متعددة من أبرزها زيادة إفراز حمض الهيدروكلوريك من المعدة، إما لسبب مرضي مثل مرض زولينجر الذي يؤدي إلى زيادة افراز الحمض بصورة متواصلة مما يؤدي للاصابة بالقرحة، أو بسبب اختلال عملية معادلة الحمض داخل المعدة لنقص بعض الأنزيمات، أو بسبب عدم انتظام عملية الأكل إما بالأكل المتواصل للمكسرات، والحلويات، أو شرب القهوة، والشاي، مما يؤدي إلى افراز الحمض بصورة متواصلة طوال اليوم.

ومما يزيد المعاناة ـ في بعض الأحيان ـ وجود ضعف في عضلة الاغلاق أسفل المريء مما يؤدي إلى ارتجاع الحمض الموجود في المعدة إلى المريء، وبالتالي الشعور بالآم حادة جداً خصوصاً عند الاستلقاء على الظهر.

قال المريض: بورك فيك.. فهذه أول مرة أسمع فيها طبيبا يفصل لي الحالات التي يمكن أن تكون سببا فيما حصل لي.

قال: هذا واجب الطبيب.. فلا يجوز لمريض أن يجهل مرضه، أو يكتفي بتناول الدواء كما تتناول البهيمة من غير إدراك لأسرار تأثيره ومحاذيرها.. ألم تسمع ما روي عن هشام قال: كان عُرْوة يقول لعائشة: لا أَعْجبُ من فقهك، أقول: زوجةُ رسول الله r وابنةُ أبي بكر، ولا أَعْجبُ من عِلْمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر، ولكن أَعْجبُ مِنْ عِلْمك بالطِّب، فقالت: إن رسول الله r:( كان سَقِيماً في آخر عمره، فكانت تَقْدَم عليه وفودُ العرب من كل وَجْه فَتَنْعتُ الأنعاتَ، فكنت أعالجها، فمِنْ ثَمَّ )[73]

ففي هذا الحديث بيان أن المريض أو ممرضه لا ينبغي أن يجهل ما يستعمل من الأدوية.

قلت: حدثتنا عن العلل.. فحدثنا عن المقاومة.

قال: أول المقاومة هو ما عرفتموه في حصون الجسد من تنظيم الحياة بجميع ما تتطلبه من وظائف.. فيجب الاعتدال في الأكل وتوزيع الوجبات إلى فترات منتظمة مع الحرص على تنوع الغذاء في كل وجبة.. ويحرص المريض على عدم الاكثار من الأكل بين الوجبات الرئيسية حتى لا يحدث افراط في إفراز الحمض طوال اليوم.. ويجب الابتعاد عما  يؤدي إلى إفراز الحمض بصورة كبيرة.

وفوق ذلك كله يحرص المريض على تناول الخضروات الطازجة كالطماطم والخيار والفواكه المعتدلة الحموضة مثل التفاح لمعادلة الحمض داخل المعدة.

ويجب الحرص على عدم الأكل أو الشرب قبل النوم بساعتين على الأقل حتى لا يؤدي افراز الحمض إلى الارتجاع أثناء النوم حيث يكون الإنسان مستلقياً إما على ظهره أو جانبه[74].

قال المريض: هذه الوقاية.. فاذكر لي العلاج.

قال: لعل أطباءك وصفوا لك كثيرا من الأدوية فيما سبق.

قال المريض: أجل.. لقد وصفوا لي الادوية المضادة للحموضة مثل مالوكس والادوية التي تثبط افراز الحمض مثل دواء زنتاك.. بالإضافة إلى أدوية اخرى كثيرة.

قال: من الوصفات التي عسى الله أن ينفعك التزامك بها ـ مع ما ذكرت من أنواع الوقاية ـ هي أن تجمع قشر الرمان وتجففها ثم تطحنها طحنا ناعما ثم تتناولها[75].

ومنها أن تشرب العرقسوس، فهو من المشروبات لعلاج الحموضة.. وتأكل الخس.. وتشرب اللبن بدون سكر.

القرحة:

قال آخر: أما أنا، فأشكو من قرحة المعدة.. وأبحث عن علاجها بالأعشاب.

قال: للقرحة المعدية أسباب كثيرة من المهم معرفتها لتوقيها.. ولمعرفة التعامل معا، منها زيادة إفراز العصارة المعدية.. ومنها التعرض للضغوط النفسية والعصبية والاضطرابات النفسية.. ومنها الشراهة في الأكل وعدم التقيد بمواعيد وجبات الطعام.. ومنها القلق والحزن المستمر.. ومنها الإجهاد العصبي.. ومنها الإفراط في تناول المواد التي تهيج جدار المعدة وخاصة الأغشية المبطنة له[76] كالأقراص والكبسولات التي تحتوي على مواد حمضية مثل الأسبرين ومشتقاته، والمواد الصلبة صعبة الهضم، والمواد الحريفية الزائدة مثل الشطةوالمواد الاخرى المهيجة، وشرب الشاي والقهوة على معدة فارغة، وتناول الاطعمة الساخنة جدا، وشرب المياه الغازية وبعض الاقراص الفوارة تؤذي جدار المعدة.

قال المريض: بورك فيك.. فقد نبهتني إلى أشياء مهمة كنت أقع فيها بلا وعي.. فاذكر لي من الوصفات ما يصلح العطب الذي جلبته لنفسي.

قال: لقد أنزل الله بفضله وكرمه أدوية كثيرة ملأ بها الحقول لتملأ المعدة شفاء وعافية.. وسأصف لك سبعة وصفات تصلحك وتعافيك.

قالوا: فما الوصفة الأولى؟

قال: لا شك أنكم تعرفون الزنجبيل؟

قالوا: كيف لا نعرفه، وهو من الأدوية المباركة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.

قال: من أنواع العلاج التي جعلها الله فيه تأثيره على قرحة المعدة والاثني عشر.. فقد عرف الزنجبيل أن له تأثيرا فعّالا ضد الالتهابات.. بل وجد أنه يحتوي علي 11مركباً لها تأثيرات على قرحة المعدة[77].. 

كما ان لهذه المركبات تأثيرها على البكتريا التي تسبب القرحة، وقد قال الدكتور [78]Paul Schulick:( إن الزنجبيل إذا مزج بعسل طبيعي، فإنه لا يوجد له مثيل في علاج القرحة، ولا سيما أن للعسل أيضاً تأثيرا على البكتريا)

وهو يذكر أن الزنجبيل كان مفتاح علاجه من القرحة، وأنه يتناول يومياً حتى بعد شفائه مخلوطاً مع فواكه الكوكتيل الذي يتناوله، والذي يتكون من موز، أناناس، وقليل من مسحوق القرفة، وقليل من مسحوق القرنفل، ومسحوق الزنجبيل وعسل.

قالوا: فما الوصفة الثانية؟

قال: الأذريون[79].. أتعرفونه؟

قالوا: ما الأذريون؟

قالوا: هو أحد نباتات الأقحوان، وهو من أشهر النباتات المستخدمة في الغرب، وهو من الأدوية التي ملأها الله ببركات الشفاء.. فهو مضاد للالتهابات، ويخفف آلام العضلات، وموقف للنزيف، وشاف للجروح[80] ومطهر، وطارد للسموم.

بل تشير الدراسات الحديثة إلى أن للأذريون أثير قاتل للبكتريا والفيروسات وأنه منظف جيد للكبد والمرارة.. فلهذا يمكن استعماله لعلاج المشاكل الخاصة بهذين العضوين.

وهو من النباتات المعروفة قديما، وقد قال عنه داود الأنطاكي في تذكرته:( ينقي الدماغ والصدر والاحشاء، ويخرج الهوام من البطن والمنزل وتهرب منه حيث كانت وبالأخص الذباب. يفتت الحصى ويدر الفضلات، ويسقط الأجنية حتى ولو مسكت به يد الحامل مدة وجيزة، يصلح الأسنان غرغرة وأم الصبيان. يذهب الاستسقاء والطحال واليرقان مطلقا، والمفاصل والخنازير طلاء )

 قالوا: لم نر للقرحة فيه ذكرا.. فكيف تصفه لنا.

قال: لقد قامت دراسة اكلينيكية في أوروبا عن نبات الأذريون، وقد أثبتت فعاليته ضد القرحة.. بل اقترحوا وضعه ضمن قائمة الأدوية المعالجة للقرحة.

قلت: فما سر ذلك؟

قال: السر في ذلك ـ كما فسروه ـ هو احتواء هذا النبات على مركبات كثيرة أثبتت أن لها تأثيرات مضادة للبكتيريا ومضادة للفيروسات ومنشطة لجهاز المناعة.. كما أنها تستخدم من عشرات السنين ضد التهابات المعدة.

قالوا: لا يهمنا السر.. بل يهمنا كيفية تحضيرها.

قال: ليس عليكم سوى أن تأخذوا حوالي خمس ملاعق صغيرة من أزهار نبات الاذريون الجافة، وتضيفوها إلى ثلثي كوب من الماء سبق غليه، وتترك لمدة عشر دقائق، ثم يصفى ويشرب مرتان في اليوم.

قالوا: فصف لنا الوصفة الثالثة.

قال: أتعرفون البطاطس[81]؟

قالوا: ومن لا يعرفها.. وهي غذاؤنا الذي لا بد منه.

قال: لقد أجريت دراسة على عصير البطاطس بجرعات محددة على قرحة المعدة والاثني عشر، وأثبتت ـ بحمد الله ـ تأثيرها على القرحة.

قلت: فما سر ذلك؟

قال: لقد أعادوا سبب ذلك إلى قلويد الأتروبين الذي يقلل من إفراز الحامض على جدران المعدة.

قالوا: فكيف نستخدم هذه الوصفة؟

قال: والجرعة المحددة هي حبة متوسطة من البطاطس، تقشر ثم تفرم جيداً، ويشرب ماؤها مرة واحدة فقط في اليوم، ويجب عدم إضافة الملح أو المنكهات إلى هذا العصير.

وأبشركم إلى أن هذه الوصفة يمكنكم استخدامها خارجياً لتخفيف آلام المفاصل والصداع وآلام الظهر والطفح الجلدي والهيمورويد.. وهي تستخدم كلبخة توضع على المكان المصاب.

قالوا: فصف لنا الوصفة الرابعة.

قال: أتعرفون الملفوف؟

قالوا: ومن لا يعرفه.. وهو طعامنا الذي تمتلئ به أسواقنا.

قال: يعتبر عصير الملفوف الطازج من الأدوية الناجحة لعلاج القرحة، وسر ذلك يرجع إلى أن عصير الملفوف يحتوي على مركبين هامين هما جلوتامين وإس ميثايل ميثايونين.. وقد أجريت دراسة من قبل بعض الأطباء[82]، حيث أعطوا مرضى القرحة عصيرا طازجا للملفوف.

واتضح من الدراسة أن 92 بالمائة  تحسنت القرحة لديهم بشكل ملحوظ جداً خلال الثلاثة الأسابيع الأولى مقارنة بعدد 32 بالمائة  من المرضى الذين يتم علاجهم بمادة كاذبة لا تحتوي على الملفوف.

كما قامت دراسة أخرى على مرضى أعطوا مركب الجلوتامين بجرعة يومية مقدارها 1.600ملليجم، وقد أثبتت هذه الدراسة أن نتائج هذا المركب كان أفضل من نتائج مضادات القرحة الكيميائية المستخدمة في علاج القرحة.

قالوا: فصف لنا الوصفة الخامسة.

قال: هل تعرفون الخروب[83]؟

قالوا: نعرفه.. وهو متوفر لدينا.

قال: فاستعملوا بذور ثماره لعلاج قرحة المعدة، وذلك بتحميصها مثل القهوة، ثم تطحن، ثم يضاف إلى مقدار ملء كوب ثلاث ملاعق صغيرة من مسحوق البذور، ويغلى مع الماء مثل القهوة، ثم يزاح من على النار، ويترك حتى يبرد، ليؤخذ منه كوب يومياً نهاراً، وعلى عدة جرعات، ولمدة أسبوع.. ثم يرتاح المريض أسبوعاً، ثم يعاود استعماله مدة أسبوع آخر، وهكذا أسبوع بعد أسبوع حتى الشفاء.

قالوا: هذه وصفة يسيرة.. فصف لنا السادسة.

قال: أتعرفون الكركم[84]؟

قالوا: وما الكركم؟

قال: هو من النباتات المباركة.. ففيه المنافع الكثيرة، فهو مضاد قوي للأكسدة، وللفيروسات، وللالتهابات، وللسرطان ويتمتع بخصائص خافضة للكولسترول، ويَنصح العلماء به لعلاج مرضى التهاب الكبد الوبائي سي، فقد أظهرت الدراسات أن الكركم أكثر فعالية من خلاصة الشاي الأخضر في تثبيط التلف الفيروسي لخلايا الكبد، وذلك بعد أن ثبتت قدرته على تحفيز الانتحار الذاتي المبرمج للخلايا السرطانية.

ويرى الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة ( التغذية والسرطان) أن على مرضى السرطان أن يتعاطوا ما بين 2000 و4000 مليغرام يوميا من خلاصة كركيومين مع وجبة غنية بالمغذيات، حيث تعمل هذه المادة على تجديد وظائف الكبد وحمايته من الأمراض التي تصيبه.

قالوا: حدثنا عن علاقته بالقرحة التي نعاني منها.

قال: يستخدم الكركم على نطاق واسع في الهند وآسيا لعلاج القرحة، وهم يقولون بأنه نعمة من الله على الفقراء، فهو علاج القرحة عند الفقراء[85].

وبعد دراسات عملت في تايلندا وجد أن أخذ كسبولات محضرة من الكركم تحتوي على 250 ملليجم بمعدل كبسولة ثلاث مرات يومياً تشفي القرحة.

قالوا: فصف لنا السابعة.

قال: أتعرفون الموز؟

قالوا: هو من الأغذية المباركة.. والتي وصفها القرآن الكريم بكونها من طعام أهل الجنة.

قال: فقد عرف الموز من مئات السنين كعلاج لمشاكل الجهاز الهضمي، وذلك بسبب تطريته للقناة الهضمية.

وقد أجريت دراسة على حيوانات التجارب ثبت تأثير الموز على القرحة، فيمكن للمرضى تناول إصبع موز واحدة مع كوب من الحليب الدسم ذي القشدة، وذلك قبل تناول الوجبة الغذائية بحوالي نصف ساعة، مع ضرورة كون الحليب بارداً.

الغازات:

قال أحدهم: أنا أشعر بعدم ارتياح في بطنى نتيجة وجود غازات أو هواء داخل المعدة أو الأمعاء.. وهو قد يكون مصحوبا باضطراب فى حركتها.

قال: أول علاج لك، ولمن هو مثلك أن تتجنب ابتلاع الهواء..

قالوا: ابتلاع الهواء!؟

قال: أجل.. كلنا نبتلع كميات متفاوتة من الهواء بطريقة لاإرادية مع الطعام أو الشراب.. ولكن الطرق الغريبة للأكل أو الشرب قد تؤدى إلى ابتلاع كمية كبيرة من الهواء.

ومن أمثلة ذلك أن كمية كبيرة من الهواء تبتلع عندما نرتشف الطعام والسوائل بصوت مسموع، وعند مص السوائل بالشفاطة أو شربها من الزجاجة مباشرة.

قلت: لهذا أمرنا - صلى الله عليه وسلم - بالمص عند الشرب.

قال: أجل.. فقد أسدى لنا بذلك أعظم نصيحة... ولكن أكثر أسباب ابتلاع الهواء شيوعا يعود إلى اضطراب عصبى يؤدى إلى حدوث هذا العرض.

قالوا: فبم تنصحنا؟

قال: سأسدي لكم اليوم أربعا منها.

قالوا: فهات الأولى.

قال: تبدأون بتصحيح العادات الخاطئة للطعام مثل ملء المعدة وتناول الأطعمة أو المشروبات المحتوية على الغازات، وتناول الوجبات النباتية المتبلة التى تحتوى على كمية كبيرة من الفضلات.

قالوا: فالثانية؟

قال: إن وجود الغازات فى الأمعاء قد ينتج عن فعل البكتيريا على الطعام غير المهضوم كالكربوهيدراتات غير الممتصة التى تبقى فى القولون مثل البقول والحبوب، والخضروات المورقة الغنية بالسليلوز التى يؤدى تخمرها إلى إطلاق ثانى أوكسيد الكربون والميثان، كما أن تعفن البروتينات غير المهضومة بفعل البكتيريا القولونية يؤدى إلى انتاج كبريتيد الهيدروجين والنشادر.

ومن المعروف أن البقوليات تحتوى على مواد توقف عمل بعض الانزيمات الهاضمة للبروتينات مما يؤدى إلى تراكم كميات من البروتينات غير المهضومة تتعفن بفعل البكتيريا.

 ويمكن تجنب ذلك عن طريق طهو البقوليات طهوا جيدا للقضاء على تلك المواد المعوقة لعمل الانزيمات الهاضمة ويؤدى تناول البقوليات غير المطهية جيدا إلى حدوث انتفاخ شديد.

كما أن الأطعمة المقلية ليست سهلة الهضم، وتمر الكربوهيدراتات والبروتينات غير المهضومة فى القولون حيث تتخمر وتتعفن بفعل البكتيريا منتجة الغازات التى تسبب الانتفاخ.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: تجنبوا تناول المسهلات والملينات القوية، لأنها تسبب حركة سريعة فى الأمعاء الدقيقة، وهي تؤدى إلى دفع الطعام غير المهضوم إلى القولون حيث يحدث التخمر والتعفن..  كما أن الامساك وركود محتويات القولون يزيد من الانتفاخ لأنه يشجع نمو البكتيريا.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: قد تحتاجون إلى تغيير نوعية بكتيريا الأمعاء في بعض الأحيان.

قالوا: وأين تباع هذه البكتريا لنشتريها؟

قال: يمكنكم شراؤها مع اللبن الرايب أو الزبادى أو غيرها من الأطعمة التي تحتوى على بكتيريا حمض اللبنيك[86].. وذلك لتقليل الانتفاخ بالغازات.

قالوا: سمعنا النصائح.. فهات الوصفات.

قال: تعلمون أن الوصفات سبع.

قالوا: فما الأولى؟

قال: تضعون ملعقة كبيرة من الكمون فى لتر ماء، ويغلى على النار، ويؤخذ من المغلى نصف فنجان قبل الأكل بنصف ساعة ثلاث مرات يوميا، ولمدة خمسة عشر يوما.. وكذلك الكمون المطبوخ بالزيت مع ماء الشعير فإنه يزيل الانتفاخ والمغص.

قالوا:إنها وصفة يسيرة.. فهات الثانية.

قال: الجبة السوداء.. لا شك في معرفتكم لها، فهي تمنع الغازات.

قالوا: كيف نستعملها؟

قال: تحمصون 100 جم منها، ثم تسحقونها مع 75 جم من سكر النبات، ثم تسف ـ صباحا ومساء ـ نصف ملعقة صغيرة، ويؤخذ معها الماء ليسهل ابتلاعها.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: تضيفون ملعقة صغيرة من بذور الكراويا لكل فنجان من الماء الساخن لدرجة الغليان، ثم تتركونها حتى يبرد قليلا، ثم تشربونها ثلاث مرات يوميا لازالة المغص وطرد الرياح.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: تقطعون 6 - 7 ثمار من التين الجاف إلى شرائح، وتغمسونها فى زيت الزيتون مع إضافة بضع شرائح من الليمون، ثم تتركونها لمدة ليلة كاملة.. وفى الصباح تؤكل هذه الشرائح على الريق لعلاج كسل الأمعاء.

قالوا: فهات الخامسة.

قال: شراب النعناع يسكن المغص المعوى وأسفل البطن ويطرد الغازات المعوية.

قالوا: فهات السادسة.

قال: تاخذون من 5 - 10 نقط من عصير الليمون، وتمزجونها بقليل من عسل النحل، ثم تأخذونها على جرعات.

قالوا: فهات السايعة.

قال: تأخذون 5 - 6 قمحات من مسحوق القرنفل، وتخلطونها بما يحليها.. فهي علاج لعسر الهضم والانتفاخ.

الإسهال:

قال أحدهم: أصاب أحيانا بالإسهال.. فما أسبابه؟.. وما في الحقل من علاجه؟

قال: أسباب الإسهال كثيرة.. فقد يكون نتيجة عدوي بفيروس أو بكتيريا أو طفيليات ناتجة عن شرب ماء غير نظيف، أو أكل فاسد.. وقد يكون بسبب حالة نفسية.. أو نتيجة الإكثار من استعمال الملينات.. أو نتيجة لبعض الأدوية مثل المضادات الحيوية.. أو بسبب بعض أمراض الجهاز الهضمي.

قالوا: فما علاجه؟

قال: من العلاج ما يحتاج إلى عرض الحالة على الطبيب[87]، ومنها ما يمكن تدبيره في البيت عبر بعض الوصفات اليسيرة.

قالوا: فهي سبعة مثل أخواتها.

قال: أجل.. وأبدؤها بوصفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال له:( أخي استطلق بطنه )، فأمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يسقيه عسلاً.. وكان الرجل متعجلاً لشفاء أخيه، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول: لقد سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً فأمره - صلى الله عليه وسلم - بسقيه عسلا.. وقال له:( صدق الله.. وكذب بطن أخيك )[88]

وقد شفى الله أخاه بوصفة النبي - صلى الله عليه وسلم -.. والتي أثبتت الدراسات الحديثة جدواها.

قالوا: فهات الثانية.

قال: تأخذون  قشور الرمان وتطبخونها وتشربون ماءها ثلاث مرات في اليوم.. وتستمرون في هذا الشرب إلى أن يتوقف الاسهال.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: أتعرفون السدر[89]؟

قالوا: كيف لا نعرفه، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم، فقد قال تعالى وهو يذكر نعيم الجنة:) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ((الواقعة:28)

قال: فكلوا ثماره.. فإنها تقطع الاسهال المزمن.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: يؤخذ عصير الجرجير الممزوج بملعقة كبيرة من الحبة السوداء الناعمة، ويشرب كوب من ذلك ثلاث مرات حتى يتوقف الإسهال في اليوم الثاني، ثم يتوقف المريض عن العلاج حتى لا يحدث إمساك.

قالوا: فهات الخامسة.

قال: غلي عود القرفة في الماء، ثم شرب كأس من هذا الماء أو كأسين.

قالوا: فهات السادسة.

قال: لب الرمان الحامض مع بذوره.

قالوا: كيف نستعمل هذه الوصفة؟

قال: تأخذون رمانة، وتزيلوا القشر الخارجي، ثم تضعون اللب بحبوبه في الخلاطة، وتخلطوه جيداً، ثم تشربوه كاملا مرة واحدة في اليوم أو مرتين في اليومين الأولين.. ثم بعد ذلك مرة في اليوم، في أي وقت من اليوم.

قالوا: فهات السابعة.

قال: السعتر.. فإنه يوصف طاردا للغازات ومسكنا للمغص ومضادا للتشنج ومطهرا للأمعاء في حالات الإسهال.

الأمراض الصدرية

لم أبتعد قليلا عن طبيب الجهاز الهضمي، حتى وجدت مجموعة من المرضى لم أشكك في كونهم مرضى الجهاز التنفسي، فأعراض أمراضه عليهم بادية في وجوههم وسعالهم وطريقة كلامهم.

الأنفلونزا:

اقتربت منهم، فقال أحدهم: حدثنا عن علاج الأنفلونزا[90]، فإنها من الأمراض التي يكثر انتشارها، ويكثر ترددنا على الأطباء، وتناول الأدوية بسببها.

قال الطبيب: أجل.. فالانفلونزا أكثر الأمراض انتشارا، ولا يوجد إنسان في الدنيا لم يصب بها مرات متعددة، وهي تحدث على شكل حالات فردية، أو أوبئة موضعية، أو عامة في بلد من البلاد، أو في جميع أنحاء العالم كما حدث في أعقاب الحرب العالمية الأولى في سنة 1918 عندما عم وباء الانفلونزا العالم كله، واستمر عاما كاملا.

ومع ذلك.. فهي ليست بالمرض البسيط الذي قد يحتقره الناس ويستهترئون به، فيهملون علاجه إذا أصابهم، ولا يحترسون من عدواه إن أصاب غيرهم، لأنها قد تسبب الالتهاب الرئوي.. وقد تحدث تمددا في القلب وهبوطا في الدورة الدموية.. وقد تحدث التهابات في الجهاز العصبي.

قالوا: فما أسبابها؟

قال: تتم الاصابة بها عن طريق استنشاق الفيروس، ويتصل بخلايا الممرات الهوائية العليا، وينفذ الفيروس إلى الخلايا التي تبطن هذه الممرات الهوائية ويتكاثر داخلها.. وبمرور الوقت تطلق فيروسات أنفلونزا جديدة من الخلايا المصابة بالعدوى، وتُعدي خلايا أخرى على طول الجهاز التنفسي، وقد تنتشر الانفلونزا في أعمال الرئتين كما أنه من  الممكن أن يُحمل الفيروس بعيدا في هواء الزفير، ويسبب العدوى لأناس آخرين.

قالوا: فما علاجها؟

قال: لم يكتشف الطب الحديث حتى الآن علاجا للأنفلونزا.. ولهذا ما زال العلاج قاصرا على استعمال العقاقير التي تخفف آلام المرضى، وتقلل الصداع، وتخفض الحرارة، وتمنع المضاعفات أو تعالجها إذا وقعت.

وأهم علاج لها هو الوقاية[91] منها بعدم التردد على الأماكن المزدحمة في مواسم انتشارها[92]، ووضع المنديل على الأنف في الحالات التي يضطر فيها الإنسان إلى التردد على هذه الأماكن.

قالوا: فما تصف لنا من علاجها؟

قال: سأصف لكم اليوم أربع وصفات، ستخفف كثيرا من أعراضها.

قالوا: فهات الأولى.

قال: استعملوا مستحلبا مكونا من أزهار الزيزفون، والحبة السوداء، وورق الجوافة، والنعناع، والشمر، ولبان الذكر، وبذور الكتان، والزعتر، والعرقسوس، وحب الرشاد، والأهليلج.. ثم اشربوه ساخنًا ومحلى بعسل النحل مرتين يوميًا على الأقل.

قالوا: فهات الثانية.

قال: استخدموا مسحوق شيح البابونج استنشاقًا بعد أن يضاف مع ماء مغليٍّ، حيث يساعد على وقف الرشح والزكام، ومثله بخار الكافور الناتج من وضعه في ماء مغليٍّ، واستنشاق البخار الناتج منه.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: استخدموا الزيوت العطرية المستخلصة من بعض النباتات كنقط للأنف لمقاومة الرشح والزكام.. واستخدموا مزيجا من زيت الحبة السوداء والبردقوش واللوز المر والورد والنعناع وحصى اللبان للتقطير منها للأنف بمعدَّل مرتين أو ثلاث مرات يوميًا لتخفيف حدة احتقان الجهاز التنفسي والرشح.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: تناولوا الفواكه الشتوية كالموالح ومنها الليمون والبرتقال واليوسفي.. وتناولوا الخضراوات الطازجة والجزر والجرجير، وبعض الحبوب كالقمح والشعير، فإن لها تأثيرا جيدا في العلاج والوقاية.

النزلة الشعبية:

قام أحدهم، وقال: لقد ذكرت من مضاعفات الأنفلونزا النزلة الشعبية.. فحدثنا عنها.. وبين لنا أسبابها وعلاجها.

قال: النزلة الشعبية هي التهاب الغشاء المخاطي المبطن للقصبة الهوائية، وقد تكون النزلة حادة أو مزمنة… أما الحادة فتبدأ عادة كبرد عادي يعقبه قشعريرة (حمى) وآلام في الأطراف، ويفقد المصاب الشهية للطعام ويزداد عطشه، ثم ترتفع درجة حرارته ويحس بدوخة وصداع وألم داخل عظام الصدر، ويصاحب ذلك سعال جاف في المراحل الأولى، وبعد يومين أو ثلاثة يكون السعال أقل حدة ومصحوباً بإفرازات، ويكون للتنفس صوت مسموع.

وهذا النوع من الأمراض المعدية، ويوجد أشخاص كثيرون لديهم استعداد كبير للإصابة بالالتهاب الشعبي الحاد، ولهذا فإن تعرضهم لأقل برد ورطوبة أو للجراثيم الناتجة عن إصابة أشخاص آخرين بالبرد يجعلهم يصابون بهذا المرض.

وهو أكثر خطورة على الأطفال حيث ينتشر بينهم بسرعة إلى الرئتين ويصابون بعد ذلك بالتهاب شعبي رئوي.

أما المزمنة فتنتشر عادة بين المتقدمين في السن، وتكون أعراضها أكثر ما تكون في الشتاء، وتتلخص أعراضها في حدوث سعال متواصل وإفراز بلغمي كثير بجانب التهجيات وضيق التنفس، وعادة ما تقل هذه الأعراض أو تختفي في فصل الصيف[93].

قالوا: فاذكر لنا الوصفات التي نعالج بها هذا المرض  فهو كثير الانتشار.

قال: سأذكر لكم أربع وصفات.

قالوا: هات الأولى.

قال: أتعرفون الشمر[94]؟

قالوا: وكيف لا نعرفه، وقد ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:( عليكم بالسناوالسنوت، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام، وهو الموت )[95]  

قال: خذوا ملء ملعقة من الشمر المجروش، وضعوها على ملء كوب ماء مغلي، واتركوها لمدة عشر دقائق، ثم صفوا، واشربوا بمعدل ثلاث مرات في اليوم.. وهذه الوصفة تزيل إفرازات الالتهاب عن الغشاء المخاطي وتسكن الألم.

قالوا: فهات الثانية.

قال: أتعرفون بذور الكتان[96]؟

قلت: وما بذور الكتان؟.. أسمعهم يتحدثون عنه.. ولكني لا أرى له كبير فائدة.

قال: كيف تقول هذا.. إنه من النباتات المباركة التي تمتلئ بالصحة والعافية.. فهو لغناه بالدهون والمواد الهلامية يشكل علاجا جيدا لكثير من المشكلات المعوية والصدرية.. خاصة إذا أخذت البذور كاملة[97] داخليا، فإنها تلطف التهيج في القناة الهضمية، وتمتص السوائل، وتنتفخ حيث تشكل كتلة هلامية تعمل كملين كتلي فعال.

وتستعمل بذور الكتان للإمساك وقرحة المعدة والاثني عشر والحصوات والتهابات الجهاز البولي[98].

وهو علاج للقروح وتيفوئيد الامعاء والحصوات المرارية ونوبات المغص، فيستعمل لذلك كله زيت بذر الكتان بمعدل ملعقة صغيرة ثلاث مرات في اليوم.

وتستعمل لبخات بذر الكتان الساخنة لقروح الجلد والتهابات الغدة النكفية بمعدل مرتين يوميا.. أما علاج الحروق، فيستخدم زيت بذر الكتان كدهان موضعي على الحروق.

وقد صرح الدستور الألماني باستخدام بذور الكتان كعلاج للإمساك، وعلاج التهابات الجلد.. وقد أثبتت الدراسات الأخيرة جدوى بذور الكتان في تخفيض الكوليسترول.

وفي الطب الهندي يستخدم بذر الكتان على نطاق واسع للعلاج حيث يستخدم لعلاج السعال والالتهاب الشعبي والسيلان.

قالوا: صف لنا الوصفة، ودعك من هذا البغيض.

قال: يستعمل مغلي بذور الكتان لعلاج النزلة الشعبية والسعال حيث يؤخذ ملء ملعقة أكل من بذور الكتان، وتغلى مع ربع لتر ماء لمدة ثلاث دقائق، ثم يترك لمدة عشر دقائق، ويشرب مرة واحدة في اليوم.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن مشروب مسحوق البذور ملين ومدر للبول ويفيد كثيرا في علاج النزلات الصدرية ويستعمل في عمل الحقن الشرجية المفيدة وفي تحضير لبخات موضعية لعلاج الأورام والالتهابات والاكزيما والتهابات الغدة النكفية.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: أتعرفون البنفسج؟

قالوا: كيف لا نعرفه؟

قال: فاستعملوا ـ للكبار فقط ـ أوراقه وجذوره لمعالجة النزلات الشعبية، وذلك بعمل مغلي منه، بأخذ ملء ملعقة صغيرة من الأوراق والجذور معاً، وتوضع في ملء كوب ماء مغلي، ويترك قبل أن يستعمل لمدة ثلاث ساعات، ثم يشرب منه فنجانين إلى ثلاثة فناجين في اليوم.

أما الأطفال، فيأخذون ملعقة أكل من الأزهار، ويصب عليها ماء مغلي، وتترك لمدة  8 ساعات، ويصفى ويعاد على الأزهار مع كوب ماء، ويصب فوق الشراب الأول، وتكرر العملية من ثلاث إلى أربع مرات، ثم يجمع الشراب، ويغلى مع كمية من السكر إلى أن يصبح لزج القوام شبيهاً بالعسل، ويحفظ بعد ذلك في قنينة، ثم يعطى الطفل ملء ملعقة شاي مخففة في نصف كوب ماء مرتين في اليوم.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: لا شك أنكم تعرفون الزعتر.. فاستعملوه لعلاج النزلات الشعبية فهو مفيد جدا لها.. وذلك بأخذ ملعقة صغيرة من الزعتر، تضعونها في ملء كوب ماء سبق غليه وتتركونها لمدة  10دقائق، ثم يصفى ويشرب بمعدل فنجان إلي فنجانين في اليوم.

ولا تنسوا أن المريض بحاجة إلى التدفئة، والإكثار من شرب عصير الليمون الدافئ.. ولا تنسوا وضع بذور الكتان الساخنة فوق صدر المصاب وغيروها كل ساعة.. فإن ذلك يزيد كثيراً من راحة المصاب وسرعة شفائه..

الالتهاب الرئوي:

قام أحدهم، وقال: نسمع عن الالتهاب الرئوي.. فحدثنا عنه.. وعن أسبابه، وعلاجه.

قال: هو مرض من الأمراض الصدرية.. وهو يحدث نتيجة الإصابة بميكروب يسمى "المكور الرئوي".. وهو خطير إذا أصاب الأطفال وكبار السن.. وهو مرض معدٍ تنتقل فيه العدوى عن طريق الرذاذ المتطاير من أنف المصاب وفمه إلى الشخص السليم أو من جراء استعمال أدوات المريض.

قالوا: فكيف نتعرف على المرض؟

قال: تظهر أعراض المرض عادة على هيئة قشعريرة، وارتفاع في درجة الحرارة، وقد يصاحب المرض ألم يشعر به المريض في جانب الصدر، ويكون المريض عادة مستلقياً على فراشه أحمر الوجنتين قلق الوجه يتنفس تنفساً سريعا، يتحرك أنفه، ويأخذه سعال قصير من وقت لآخر، وسرعان ما يصيب المريض لهث ونهجان، ويكون السعال في البداية جافاً وقصيراً ومؤلماً، ثم يصاحبه بعد ذلك بلغم مخاطي، وقد يكون بلون الدم أو يكون مصفراً بلون الصدأ، وغالباً ما يصاحب المرض في الأطفال تشنج، كما تظهر علي شفتي الطفل وحولها بثور مائية.

قالوا: فهل من وصفات في هذا الحقل لعلاج هذا؟

قال: سأكتفي اليوم بأربعة منها.

قالوا: فهات الأولى.

قال: لا شك أنكم تعرفون الحلبة.

قالوا: كيف لا نعرفها.. وهي من الأدوية المباركة التي قيل فيها ما قيل.

قال: فخذوا ملء ملعقة من مسحوق الحبلة، وأضيفوه إلى كوبين من الماء واتركوه يغلي دقيقة واحدة، ثم صفوه واشربوه بجرعات متعددة بمقدار ملعقة أكل كل ساعة.

ويمكنكم مزج مقدار عشر غرامات من مسحوق الحلبة مع كمية معادلة من زيت الزيتون، وخذوا ربع هذه الكمية بمعدل أربع مرات في اليوم.

ويمكنكم استعمال مرهم محضر من الحلبة كدهان، حيث يمزج مسحوق الحلبة مع فصوص من الثوم مهروسة، ثم أضيفوا إلى هذا المزيج زيت زيتون، ثم اطلوا بالمرهم باطن القدمين بسمك سكينة الأكل في المساء عند النوم، واربطوا فوق القدمين برباط من قماش ثقيل ليبقي المرهم عليها حتى الصباح، ويمكن تكرار العملية ليلاً.

قالوا: فهات الثانية.

قال: أتعرفون الجرجير؟

قالوا: أجل.. وكيف لا نعرفه؟

قال: فاستعملوه لعلاج الالتهاب الرئوي.. وذلك بعصر النبات عن طريق الهرس، ثم خذوا من عصيره ملعقة كبيرة ما بين مرة إلى ثلاث مرات في اليوم مع الماء أو الحليب.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: قطعوا البصل إلى شرائح مستديرة، ويمكن أن تفرم، ثم تسخن الشرائح أو البصل المفروم دون أن يصفر لونها، ثم توضع فوق الصدر والظهر لعلاج الالتهاب الرئوي.. وتغير الشرائح أو المفروم كل  12ساعة.. وتوضع فوق اللبخة قطعة قماش من الكتان.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: لا أشك في معرفتكم بالهندباء البرية.

قالوا: ومن يجهل ذلك النبات المبارك!؟ 

قال: لقد كشفت التجارب الأكلينيكية التي تمت على الهندباء البرية وأثرها على الالتهاب الرئوي والتهاب الشعب المزمن.. وكذلك عدوى الجهاز التنفسي بالميكروبات، حيث أعطت نتائج متميزة لعلاج هذه الحالات.

قالوا: فكيف نستعملها لهذا الغرض؟

قال: يمكنكم استعمال أوراق وجذور نبات الهندباء الطازج أو الجاف على هيئة مغلي بمعدل ملعقة على ملء كوب ماء مغلي وتركه لمدة عشر دقائق، ثم تتم تصفيته وشربه مرة في الصباح ومرة في المساء.

الذبحة الصدرية:

قام أحدهم، فقال: حدثنا عن الذبحة الصدرية.. وعن حقيقتها.. وأسبابها.. وعلاجها.

قال: الذبحة الصدرية ألم صدري[99] يرجع إلى عدم تلقي القلب كفايته من الأكسجين، ويرجع ذلك إلى عدم اكتمال نقل الاكسجين إلى القلب في الدم المتدفق عبر الشرايين التاجية.. وسبب ذلك في أكثر الأحيان يعود إلى تراكم الدهون على جدران الشرايين، ويتكون هناك نسيج ندوبي، وبذلك تصبح الشرايين صلبة وضيقة، مما يخفض من تدفق الدم، وينتج عن هذه الحالة تصلب الشرايين، وهي السبب الرئيسي للذبحة الصدرية.

قالوا: فكيف ينشأ ألمها؟

قال: أسباب ذلك كثيرة.. فقد ينشأ نتيجة الإجهاد البدني، أو الضغوط العاطفية، أو التدخين، أو عندما يعمل القلب أكثر من العادة، لأن القلب في مثل هذه الحالة يحتاج إلى إمداد إضافي من الدم، إلا أن الدم الإضافي لا يصل إلى القلب عبر الشرايين التاجية الضيقة، وتحرم عضلة القلب مؤقتاً من الاكسجين، وتولد هذه الحالة ألم الذبحة.. ويمكن أن يتسبب تشنج الشريان التاجي في الذبحة[100].

قالوا: فما علاجها؟

قال: يمكن تسكين معظم نوبات الذبحة الصدرية بالراحة والأدوية، ويصف الأطباء تعاطي النترات ومحضرات بيتا، ومحضرات الكالسيوم، وهي أدوية تمكن بعض المرضى من تفادي نوبات الذبحة، وتساعد هذه الأدوية في منع القلب من العمل أكثر من طاقته تحت الاجهاد.

وقد يحتاج المرضى الذين يتعرضون لنوبات حادة من الذبحة ـ خلال فترة طويلة ـ إلى عملية مجازة الشريان التاجي.. وفي هذه العملية يقوم الجراح بتوصيل قطعة قصيرة من وريد إلى الشريان التالف، وتوفر قطعة الوريد، التي تؤخذ من رجل المريض، ممراً جديداً للدم.

قالوا: نحن في الحقول.. ولسنا في المصانع، أو المناسج.. فحدثنا عن أدوية الحقول.

قال: يوجد عدد من الأعشاب الطبية التي يمكنها المساعدة على الوقاية من الذبحة، ولكنها لا تستعمل قبل مناقشة الطبيب المتابع للحالة لتلافي التداخلات الدوائية بين الأدوية الصناعية والأدوية العشبية.

قالوا: لا شك في ذلك.. فنحن نعلم دساتير العطارة.

قال: إذا عرفتم هذا.. فسأصف لكم سبع وصفات شافية بإذن الله.

قالوا: فما الأولى؟

قال: لا شك أنكم تعرفون الزعرور.

قالوا: وكيف نجهله؟

قال: في أوروبا تستخدم ثمار الزعرور الطبية على نطاق واسع لعلاج الذبحة الصدرية.. وقد خضع نبات الزعرور لأبحاث مكثفة، وقد أثبتت أن خلاصة ثمار الزعرور حسنت كثيراً من وظائف القلب، حيث تقوم على فتح الأوردة التاجية، وهذا يحسن من تدفق الدم والأكسجين إلى القلب.. زيادة على هذا، فإن ثمار نبات الزعرور تقلل كوليسترول الدم.. ووفقاً للخبرة الاكلينيكية الاوروبية فإنه يمكن استخدام ثمار الزعرور لمدة طويلة.

ويرجع سر ذلك كما يذكر بعض المختصين[101] إلى أن فاعلية نبات الزعرور على القلب تعود إلى المركبات الكيميائية الموجودة في الثمار وهي (Oligomeric procyanidins) وكذلك الفلافونيدات والتي تعمل على توسيع الأوعية الدقيقة في الأوردة التاجية.

كما أن الأطباء الألمانيين أثبتوا أن لنبات الزعرور تأثيراً قوياً لبعض مشاكل أمراض القلب.. وقد تم استعمال 240 إلى 480 ميللجراماً من خلاصة ثمار الزعرور المقننة كجرعة يومية، ويوجد مستحضرات مقننة منه في الصيدليات إلا أنه يجب عدم استخدامه بدون استشارة الطبيب.

قالوا: فما الثانية؟

قال: أتعرفون حشيشة الملاك[102]؟

قالوا: نعرفها..

قال: فهي أحد صادات قناة الكالسيوم التي تعتبر من مجموعة الأدوية المضادة للذبحة الصدرية.. وهي تحتوي على خمسة عشر مركباً تعمل كمواد قافلة لقنوات الكالسيوم.. وبالتالي تكون مضادة للذبحة الصدرية.

وأبشركم بأن كثيراً من النباتات التابعة لفصيلة هذا النبات، وهي الفصيلة الخيمية، مثل الجزر والكرفس والشمر والبقدونس تعطي نفس التأثير.. وقد ذكر بعض الأطباء أنه إذا كان عنده ذبحة صدرية، فإنه بدون شك سيستعمل مزيجاً مكوناً من حشيشة الملاك والجزر والكرفس والشمر والبقدونس بأجزاء متساوية مع إضافة بعض البهارات، وذلك بمزجها مع بعض بالماء وشربها.

قالوا: هذه وصفة يسيرة .. فصف لنا الثالثة.

قال: أتعرفون الأويسة[103]؟

قالوا: وكيف لا نعرفها.

قال: فإن في هذا النبات صبغة عضوية تعرف باسم انثوسيانين (anthocyanins) لها تأثير جيد مخفض للكوليسترول، كما أن الثمار لها تأثير موسع للأوعية الدموية، ومخفضة لضغط الدم، ويقوم الانثوسيانين على منع تكون جلطة الدم التي تؤدي إلى النوبة القلبية.

قالوا: فصف لنا الرابعة.

قال: لا شك في معرفتكم للثوم والبصل..

قالوا: نعرفهما ونعرف أهميتهما.. ولكنا لا نعرف علاقتهما بالذبحة.

قال: فهذان التابلان المباركان يساعدان على علاج أمراض القلب، حيث يعملان على تخفيض الكوليسترول وضغط الدم، كما يمنعان تكون الجلطات الدموية التي تؤدي إلى نوبة قلبية.

ووفقاً لدراسة عملت على الثوم أثبتت أن فصاً واحداً من الثوم يتناوله الشخص يومياً يقطع الكوليسترول بنسبة 9 بالمائة  وكل 1 بالمائة  نقص في الكوليسترول يترجم إلى 2 بالمائة  نقص في خطورة الهجمات القلبية.. وعليه فإن فص ثوم يومياً يخفض خطر الاصابة بنوبة قلبية بنسبة 18 بالمائة، كما وجد أن البصل له نفس المفعول.

قالوا: فصف لنا الخامسة.

قال: أنتم تعرفون الزنجبيل، ولا تجهلون فوائده التي لا تحصى.

قالوا: أجل.. فلم نمر بطبيب إلا حدثنا عنه.

قال: فهو ـ كذلك ـ علاج للذبحة الصدرية، وقد أخبر أخصائي الأعشاب البريطاني بول شوليك أنه لاحظ بعض الأطباء يصرفون لمرضى الذبحة الصدرية جرعة يومية من مسحوق الزنجبيل قدرها نصف ملعقة شاي يومياً.

قلت: فما سر هذا النوع من التأثير؟

قال: هو ما للزنجبيل من تأثير جيد كمضاد للأكسدة، حيث يحمي الأوعية الدموية من الخراب الذي تحدثه المواد المؤكسدة مثل الكوليسترول، كما يعمل الزنجبيل على تقوية أنسجة عضلات القلب بالضبط، كما يفعل عقار الديجتالس.. ويحدث الدكتور جيمس دوك عن نفسه أنه لو كان عنده ذبحة صدرية فانه لن يتردد في استعمال الزنجبيل بطريقة منتظمة، واستعماله دائماً في الطبخ.

قالوا: فصف لنا السادسة.

قال: لقد عرفت الخلين عند غيري..

قالوا: أجل.. عرفناه.. واستعملناه.. فوجدناه مباركا بحمد الله.

قال: لقد نشرت دراسة في New England Journal of medicine عام 1951م أثبتت فاعلية مركب الخلين ـ وهو المركب الرئيسي في ثمار الخلة ـ في زيادة انسياب أو تدفق الدم إلى القلب، وكان عنوان المقالة ( الخلين عقار مأمون الجانب وفعال لعلاج الذبحة الصدرية )

قالوا: فكيف نستعمله؟

قال: الجرعة من مركب الخلين قدرت بثلاثين ملليجراماً يومياً، وقد ذكر الدكتور مايكل مرعي ـ مؤلف موسوعة الطب الطبيعي ـ أن أخذ جرعة من خلاصة ثمار الخلين ما بين 250إلى 300ملليجرام يومياً تقوم مقام جرعة الخلين النقي.

قالوا: فصف لنا السابعة.

قال: أتعرفون عرق الأرض؟

قلت: وما عرق الأرض؟

قال: هو نبات متسلق يصل ارتفاعه إلى 30 متراً له أوراق مركبة ويحمل أزهاراً ذات لون بنفسجي.. وهو من أشهر النباتات الصينية، ويوجد بكميات كبرى في اليابان وشرق آسيا، وقد زرع هذا النبات في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويستخدم من النبات طبياً الجذور التي تجمع في فصل الخريف أو الربيع.. وهي تحتوي على اكيزوفلافونيدات وبيورارين، وديارزين وستيرولات.

قالوا: دعك من هذا.. وحدثنا عن الذبحة.

قال: لقد أثبتت الدراسات الأكلينكية الصينية فائدة عرق الأرض للذبحة الصدرية.. وقد قامت دراسة على 71 مريضاً أعطوا جرعات ما بين 10 إلى 15جراماً من جذر النبات على هيئة خلاصة يومياً لمدة تتراوح ما بين 4إلى 22أسبوعاً.

وخلال هذه المدة وجد أن 32 من المرضى قد تحسنت حالتهم جداً و20 مريضاً بدت عليهم علامات التحسن، أما الباقون وعددهم 22كان تحسنهم بطيئاً.

قلت: فبم فسروا سر تأثير هذه النبتة؟

قال: تقوم خلاصة جذر نبات عرق الأرض بتوسيع الأوردة التاجية، وتزيد من تدفق الدم، وتقلل من ضغط الدم.. كما تقوم بتنظيم ضربات القلب.

وتفيد التجارب الأكلينكية أن مستحضرات عرق الأرض ليس لها تأثير معاكس أو غير ملائم وأنها مأمونة الجانب.

الأمراض الجلدية

سرت في ذلك الحقل الجميل الذي اختاره أهل مستشفى السلام لاجتماع الأطباء مع المرضى.. فاستوقفني مظهر جماعة تبدو عليهم مظاهر الأمراض الجلدية، فتقدمت منهم لأنظر العلاج الذي يمكن أن يوصف لمثل هذا النوع من الأمراض.

تقدم أحد المرضى، وقال: حدثنا عن الأكزيما.. وعن أسبابها.. وما أنزل الله لعلاجها من أدوية. 

قال الطبيب: الأكزيما عبارة عن اضطراب جلدي يتميز بالحكة والالتهاب، وتكون البشرة أحيانا ملتهبة وجافة ومتورمة، ومكسوة بقشرة أو تنضح بالسوائل.

ولها أشكال متعددة، ولكنها تصنف إلى قسمين رئيسين هما: التهاب الجلد الأكزيمي الخارجي، والتهاب داخلي المنشأ، أو ما يسمى الالتهاب البنيوي[104].

ويسبب التهاب الجلد الأكزيمي عوامل خارجية، مثل التأثير التهيجي لمنظفات الأوساخ على البشرة، وليس للأكزيما الداخلية سبب ظاهر.

قالوا: فما علاجها؟

قال: علاجها يتوقف على معرفة أسبابها.. وهناك وصفات حقلية كثيرة أثبتت جدوها في علاجها.

قالوا: فصف لنا منها ما نرى به فضل الله علينا بإنزال الدواء مع الداء.

قال: سأصف لكم سبع وصفات أثبتت فاعليتها في علاجها.

قالوا: فهات الأولى.

قال: أولها نبات عشبة الطيور.. يمكنكم استعمال الأجزاء الهوائية منها ـ النبات كاملا عدا الجذورـ على شكل مراهم لعلاج الأكزيما والمتهيجات الجلدية.

وهذه الوصفة تستعمل على نطاق واسع في أوروبا، كما يستعمل الزيت المستخرج من النبات كبديل للمرهم لعلاج الأكزيما.

ويمكن إضافة ملء ملعقة على الحمام المائي قبل الاغتسال، ويمكن أن تسحق أجزاء النبات سحقا ناعما، وتضاف إلى الحمام المائي قبل الاغتسال بدقائق، ويمكن خلطه مع فازلين، واستخدامه كمرهم فلا توجد مستحضرات من نبات عشبة الطيور تباع في الصيدليات.

قالوا: فهات الثانية.

قال: هي وصفة سهلة.. فليس عليكم سوى إحضار أزهار البابونج..فهي مضادة للالتهابات، ومن ضمنها الاكزيما، ولاستعمالها لهذا الغرض يؤخذ 50 غرام من أزهار البابونج، وتنقع في ماء سبق غليه، ثم يوضع بعد أن يبرد على الأماكن المصابة.. أو يضاف الخليط، وهو ساخن إلى الحمام المائي، ويجلس فيه المريض لمدة عشرين دقيقة.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: الهماميلس.. وهو نبات شجري معمر.. يمكنكم استخدام أوراقه وقشوره، فهو يحتوي على مواد عفصية وفلافونيدات ومواد مرة وزيوت طيارة.. وتستخدم الأوراق والقشور لعلاج الأكزيما كما تحمي القروح من التلوث بالبكتيريا، وتوجد مستحضرات صيدلانية من هذا النبات في الصيدليات.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: زيت لسان الثور أو ما يعرف بالحمحم Borage.. لقد أثبتت الابحاث أن له تأثيرا على علاج حالات الالتهابات الجلدية.. ومن ضمنها الأكزيما.. ويوجد الزيت في كبسولات تباع في الصيدليات حيث يؤخذ 500 مللجرام يوميا.

قالوا: فهات الخامسة.

قال: نبات السرساباريلا.. يمكنكم استخدام جميع أجزائه.. فقد وضع الله فيه أحماضا صابونية وفايتوسيرولز.. وتستعمل جذور النبات لعلاج الالتهابات الجلدية، وبالأخص الأكزيما.. ويوجد من هذا النبات مستحضرات صيدلانية تباع في الصيدليات.

قالوا: فهات السادسة.

قال: زيت نبات البلقاء.. فهو يستخدم من مئات السنين لعلاج أمراض الجلد، وبالاخص الأكزيما.. وللزيت خاصية ضد البكتريا، وقد أصبح هذا الزيت حاليا مشهورا بالولايات المتحدة الامريكية.

قالوا: فهات السابعة.

قال: جذور نبات الأرقطيون.. فهي تستعمل من مدة طويلة في علاج الامراض الجلدية.. وهو يشتهر في جميع أنحاء العالم بأنه منق للدم وطارد لسموم الجسم.. ويستخدم على هيئة أقراص داخليا أو على هيئة شاي وتوجد له مستحضرات في السوق.

تقدم آخر، وقال: صف لنا الأعشاب الطبية والزيوت النباتية المستخدمة في العناية بالقدمين.

قال: توجد أعشاب وزيوت نباتية كثيرة يمكن استخدامها في العناية بالقدمين.. منها قشور نبات البلوط وقشور لحاء البلوط.

فيستخدم مغلي القشور لعلاج حالات تثليج أصابع القدمين، وهي برودتها الزائدة، حيث يؤخذ ملء ملعقة كبيرة من مسحوق القشور، ويوضع في قدر، ويضاف له لتران من الماء، ويوضع على النار حتى يغلي ويترك يغلي لمدة خمس دقائق، ثم يوضع في وعاء كبير يتسع للقدمين، ويضاف له ماء بارد حتى يكون المزيج دافئا تتحمله الاقدام، ثم تغمس القدمان فيه مع التدليك المستمر، ولمدة نصف ساعة، ويشمل التدليك الساق والقدم والأصابع بصفة خاصة، ويجب تجفيف القدمين والساقين بعد ذلك.. مع ضرورة لبس جوارب صوف واسعة نسبياً، وتكرر هذه العملية يومياً حتى تعود الأصابع الباردة إلى طبيعتها الأولى.

قال آخر: صف لنا وصفة ثانية..

قال: يمكنكم استخدام أزهار البابونح لعلاج قرحة أظافر القدمين، حيث يستخدم مغلي أزهار البابونح على هيئة شراب، وذلك بأخذ ملعقة كبيرة من أزهار البابونح، وتوضع في كوب، ويضاف لها الماء المغلي حتى يمتلئ الكوب، ثم يغطى خمس دقائق، ثم يشرب بمعدل كوب مرة بعد الفطور، وأخرى بعد العشاء، ويجب عدم زيادة الجرعة عن هذا المعدل.

كما يمكن استعمال مغلي أزهار البابونح كحمامات للقدمين، حيث يؤخذ مقدار قبضة اليد من أزهار البابونح، وتوضع في قدر، ويضاف لها حوالي لترين من الماء، ويسخن حتى الغليان، ويترك يغلي عشر دقائق، ثم يصب هذا المغلي في وعاء يتسع للقدمين، ويصب عليه ماء حتى تكون درجة حرارته حوالي 40(يكون دافئاً) ثم تغمس الأقدام فيه مع تدليك الأماكن المتعبة وتدليك قرحة الاظافر وما بين الأظافر.. ويكرر هذا الحمام مرة واحدة ليلياً حتى يتم الشفاء بإذن الله.

قال آخر: فصف لنا وصفة ثالثة.

قال: صمغ الجبر.. ويستحصل عليه من سيقان نبات الجبر[105]، وهو يستخدم في علاج التشققات التي تحدث في عقب القدمين عند كثير من الناس، وبعض هذه التشققات مؤلمة وتدمي أحيانا.

ويؤخذ الصمغ من سيقان النبات، ثم يدفأ على نار حتى يلين، ثم تحشى به التشققات، وتدهن به، وهو علاج ناجح ومجرب.

قال آخر: صف لنا وصفة رابعة.

قال: الحلبة.. ذلك الإكسير المبارك.. حيث يمكن استخدامها للتشققات الجلدية في القدمين.. حيث تسحق، ويستعمل منها ملء ملعقة متوسطة، وتضاف إلى بعض كوب من الماء، وتحرك جيداً، ثم تشرب أو يمكن سفها وبمعدل ثلاث مرات في اليوم.. وتعتبر من الوصفات الجيدة لعلاج تشقق كعب القدمين.

قال آخر: صف لنا وصفة خامسة.

قال: المريمية.. تلك الصيدلية العجيبة.. تستخدم ضد تعرق القدمين، وهي تحد من عرق الجسم.. حيث يؤخذ ملء ملعقة صغيرة من مسحوق المريمية، وتوضع في كوب، ثم يملأ بماء مغلي، ويغطى ويترك خمس دقائق، ثم يشرب بعد ذلك مرة بعد الفطور، وأخرى بعد العشاء يومياً، حتى يزول عرق القدمين.

آلام الرأس

رأيت جماعة معصوبي الرؤوس، فعلمت أنهم يشعرون بآلام في رؤوسهم، فاقتربت منهم لأعرف ما أنزل الله من أسرار الشفاء في بركات الأرض، فسمعت أحدهم يقول: حدثنا عن الصداع، وأسبابه، وكيفية علاجه.. فإن آلامه لا تزال تفتك بنا، وتمنعنا الراحة.

نهض الطبيب، وقال: أبت رحمة الله إلا أن تنزل الآلام التي تذكر العبد بالرجوع إلى مولاه، وعدم الاطمئنان لنفسه أو لهذه الدار.. ولهذا قيل:( إن السبب الذي حمل فرعون على قوله: ) أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى( (النازعات:24) طول العافية والغنى، فإنه لبث أربعمائة سنة لم يتصدع رأسه، ولم يضرب عليه عرق..ولو أخذته الشقيقة ساعة واحدة لشغله ذلك عن دعوى الربوبية )

قلت: أترى بأن نبقي الرأس على آلامه لا نعالجها؟

قال: لا.. فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء.. وكما نعرف الله في استقبال الأول، نعبده بالبحث عن الثاني.. فلا ينفي الأول الثاني، ولا ينفي الثاني الأول.

قلت: صدقت.. ونعم الحكمة قلت.

قال: إذا فهمتم هذا.. فإن الصداع أكثر الأمراض شيوعاً بين البشر، وهو عبارة عن ألم قد يكون خفيفاً أو شديداً.. وقد يشمل كل الرأس أو جزءاً منه.. وقد يمتد إلى الرقبة.. وقد يمتد إلى الكتفين.. وقد يستمر أقل من ساعة.. وقد يستمر عدة أيام.

قالوا: فاذكر لنا أسابه لنتقيها.

قال: لا يمكن حصر أسبابه.. فهو عرض لأمراض وأحوال كثيرة.. فقد يكون بسبب إصابة الرأس بجرح، أو تقلص عضلات الرأس، أو خفقان الشرايين التي تغذي فروة الرأس.. ويمكن أن يكون بسبب توتر العين والتهاب الجيوب الأنفية أو اعراض الحساسية..ويمكن أن يكون بسبب الضغوط النفسية والشد العصبي.. ويمكن أن يكون بسبب بعض المتاعب في الأوعية الدموية والقلب.. ويمكن أن يكون بسبب ورم في الدماغ أو غيره من أمراض الدماغ، والحمد لله فإن هذا لا يكون إلا في حالات محدودة للغاية.

قال أحدهم: حدثنا عن الشقيقة.. فلا يكاد أحدنا ينجو منها.. بل إنه - صلى الله عليه وسلم - كانت تصيبه بين الحين والحين، فعن بريدة t يحكي عن سول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان ربما أخذته الشقيقة، فيمكث اليوم واليومين لا يخرج[106].

قال: الشقيقة من أقسى أنواع الصداع وأشدها، ويطلق عليه الصداع المرضي بسبب الألم الذي يكون مصحوباً بالغثيان والتقيؤ.

ويتكرر الصداع النصفي ـ وهو ما اصطلح عليه للتعبير عن الشقيقة ـ من حين لآخر، ويكون مؤلماً في معظم الأحوال حتى يضطر المريض إلى ملازمة الفراش، وقد يعاود الصداع النصفي مرضاه مرتين أو ثلاث مرات في الاسبوع، وفي أحوال اخرى فقد تعاود نوبات الصداع النصفي المريض عدة اشهر بل أحياناً سنوات متباعدة.. ويسبق النوبة عادة الإنذار لها ظهور شعاعات تتراقص امام العين أو اضواء متوهجة كالومض الخاطف أو يرى المريض بقعة مظلمة في مجال الرؤية وغالباً ما يصيب الألم جانباً واحداً من الرأس، ويعقب ذلك الشعور بالغثيان والميل للتقيؤ، وبعض المرضى يميلون للبكاء وتفرز عيونهم دموعاً غزيرة على الرغم منهم، وقد يكون هناك عدم وضوح في الرؤية أو يحدث تنميل في الأطراف بالذراع أو الأرجل.

قالوا: فحدثنا عن علاجها.

قال: سأذكر لكم سبع وصفات قد تصلح لجميع أنواع آلام الرأس من الشقيقة وغيرها.. هذا في الحالة العامة.. أما في الحالات الخاصة.. فلا بد من زيارتي في عيادتي لأقوم بما يجب القيام به من التعرف على علة الداء، ووصف ما يرتبط به من دواء.

قالوا: فحدثنا عن الأولى.

قال: حشيشة الحمى[107].. ففي دراسة نشرت في مجلة الطب البريطانية أثبتت أن أخذ أوراق نبات حشيشة الحمى بانتظام يمنع نوبات الشقيقة.

وقد ذكرت نشرة مدرسة هورد الطبية أن أكل عدد قليل من أوراق حشيشة الحمى أصبح أمراً طبيعياً لمنع الشقيقة في بريطانيا.. وقيل: إن مرضى الصداع النصفي في بريطانيا الذين لم تتحسن حالتهم مع الأدوية الكيميائية المشيدة لجأوا إلى حشيشة الحمى، وتوصلوا إلى نتائج مذهلة.. ويقال: إن تناول حوالي أربع ورقات طازجة من حشيشة الحمى تحمي من الشقيقة.

قالوا: فكيف نستعمل هذه الحشيشة المباركة؟

قال: تستخدم أوراق النبات على هيئة شاي، حيث تؤخذ حوالي عشر أوراق من النبات، وتوضع في كأس ملئ بالماء سبق غليه، وتترك لمدة عشر دقائق، ثم تصفى ويشرب مرة واحدة في اليوم[108].

قالوا: فحدثنا عن الثانية.

قال: قشور الصفصاف[109].. فقد أدخلت دساتير الصحة الألمانية قشور نبات الصفصاف كعلاج لألم الصداع.. فهو يحتوي على ساليسين وحمض العفص وقلويدات وجلوكوزيدات.. وهو أول نبات يحضر منه الأسبرين.

ولهذا نصح الدستور الألماني باستعمال من 60 إلى 120ملجم من الساليسين لعلاج الصداع، والذي يعادل ملعقة من قشور الصفصاف[110].

 قالوا: فحدثنا عن الثالثة.

قال: الأخدرية المحولة.. فهذا النبات من أحسن المصادر النباتية للقضاء على آلام الصداع النصفي، حيث يحتوي على مركب فينايل الانين PHENYL ALANINE.. ولهذا ينصح المختصون بتناول من 6 إلى 8 كبسولات من زيت هذا النبات.

قالوا: فحدثنا عن الرابعة.

قال: الثوم والبصل.. فهما من مرققات الدم.. لأن لويحات صفائح الدم التي تدخل في تشكيل الخثرات الدموية هي التي تحدث الصداع النصفي.. وعليه فإن أكل الثوم أو البصل يقلل من تأثير هذا الصفيحات، وبالتالي يمنع تكوين الشقيقة.

قالوا: فحدثنا عن الخامسة.

قال: الزنجبيل.. فالناس في آسيا عادة ما يستعملون الزنجبيل الطازج أو الجاف لمنع الصداع أو الصداع النصفي.. وقد حدث المختصون أن امرأة صينية حاولت جميع الأدوية لايقاف آلام الشقيقة الذي عانت منه لمدة طويلة، واهتدت أخيراً إلى الزنجبيل الذي أزال ما كانت تعانيه، حيث كانت تأخذ مابين 500 إلى 600 ملجم من الزنجبيل الجاف، وتخلطة بالماء عندما تشعر بأعراض الشقيقة، واستمرت تأخذ أربع جرعات في اليوم، ولمدة أربعة ايام، ثم تحولت من استعمال الزنجبيل الجاف إلى الزنجبيل الطازج حتى انقطعت أعراض الشقيقة.

قالوا: فحدثنا عن السادسة.

قال: الجنكة[111].. فالدراسات العلمية تنص على أن الشقيقة تزول عندما يزيد انسياب الدم إلى الرأس، وهذا ما تفعله الجنكة حيث تسهل عملية انسياب الدم إلى المخ.

قالوا: فكيف نستعملها.

قال: يوجد في الأسواق عدة مستحضرات من هذا النبات حيث يؤخذ 30 قطرة من خلاصة الجنكة التي تحتوي على ما لا يقل عن 5 بالمائة جلوكوزيدات فلافونودية.. وذلك بمعدل ثلاث مرات في اليوم، وذلك لمدة يومين أو ثلاثة أيام فقط.

قالوا: فحدثنا عن السابعة.

قال: حشيشة النحل أو الترنجان.. فقد قال بعض المختصين[112]:( إن نبات حشيشة النحل قد أدخل ضمن الوصفات الجيدة لعلاج الصداع أو الشقيقة، وينصح باستخدام ملعقة إلى ملعقتين من أوراق النبات الجاف تضاف إلى ملء كوب ماء سبق غليه، ويترك حتى يبرد ثم يشرب )

وذكر أنه يمكن أن يعمل مزيج بكميات متساوية من الحشيشة وحشيشة الحمى والكركم، وتؤخذ على هيئة منقوع لعلاج الشقيقة.

السكري

ما سرت قليلا حتى رأيت جماعة كثيرة العدد، وهي تلتف حول طبيب لم أكد أراه من كثرة الزحام عليه، فسألت أحد المرضى عن هذا الطبيب، فقال: هذا طبيب سكري.. وقد جلس بيننا يفسر لنا سر هذا الداء.. ويصف لنا بعض ما أنزل الله من أدوية لمقاومته.

أصخت بسمعي للطبيب، فسمعته يقول: السكري من أكثر الأمراض شيوعا.. فهو يصيب حوالي ثلاثين مليون إنسان في العالم.. وكثير منهم لا يعلمون أنهم مصابون به.

قالوا: فما حقيقة هذا الداء.. وما أسبابه؟

قال: هناك نوعان من هذا الداء.. أما احدهما، فهو المعروف باسم ( النموذج الأول للداء السكري ) أو ما يعرف بداء الفتيان أو الصبيان، ويعرف هذا النوع بالداء السكري المعتمد على الأنسولين.

أما النوع الثاني فيطلق عليه اسم ( النموذج الثاني للداء السكري )، والمعروف بالداء السكري غير المعتمد على الأنسولين، أو ما يعرف بداء الكبار أو البالغين.

قالوا: فما الفرق بين كلا الداءين؟

قال: أما مرضى النوع الأول، فيوجد لديهم نقص كبير في هرمون الأنسولين الذي تفرزه جزر لانجرهانز الموجودة في البنكرياس بسبب خلل فيها، أو بسبب توقفها عن انتاج هذا الهرمون بسبب تلفها، أو لأي سبب آخر.. ولابد للمرضى من هذا النوع من تعاطي حقن الأنسولين كبديل للأنسولين المفقود لديهم.

أما مرضى النوع الثاني، فلا يوجد لديهم نقص في إفراز الأنسولين من جزر لانجرهانز الموجودة في البنكرياس، ولكن الخلايا المستقبلة للأنسولين في الجسم لا تستجيب له.

ومرضى هذا النوع هم ممن تعدوا سن الثلاثين، وممن يعانون عادة من السمنة، وقد وجد أن 85 بالمائة من حالات مرض السكر هم من فئة النوع الثاني.

ويمكن السيطرة على هذا النوع باتباع الحمية والرياضة وتقليل الوزن واستعمال بعض الأدوية الطبيعية[113] أو الصناعية[114] عن طريق الفم، ولكن المرضى الذين لا يستطيعون السيطرة على حالاتهم بالحمية فقط عليهم استعمال الأنسولين.

قالوا: فحدثنا عما أنزل الله لهذا الداء من أدوية.

قال: فضل الله عظيم.. ولا يمكن حصره في هذه الجلسة، ولهذا سنكتفي ذكر سبع وصفات لنرى من خلالها فضل الله بإنزال الدواء على عباده.

قالوا: فما الوصفة الأولى؟

قال: الحبة السوداء التي أخبر - صلى الله عليه وسلم - بما وضع الله فيها من بركات الشفاء.. فقد أثبتت دراسة علمية حديثة أنها ومكوناتها من الزيت لها تأثير واضح في خفض نسبة السكر في الدم للمسنين المصابين بمرض السكري، والمصابين بزيادة نسبة الدهون في الدم.

وأكدت الدراسة التى قامت بإعدادها بعض الفاضلات[115] أن الدراسة ركزت على التأثيرات البيولوجية والمناعية الناتجة عن إعطاء مجموعة من المسنين المصابين بمرض البول السكري ومرضى زيادة نسبة الدهون في الدم، وكذلك مرضى الأنيميا لكبسولات الحبة السوداء وزيتها ( 700مجمو450مجم) ثلاث مرات يوميا على الترتيب لمدة ثلاثة أشهر.

قالوا: فهات الثانية.

قال: نبات عشبي يسمى جاكاس[116].. ففي عام 1989م كتب طبيب من فلوريدا إلى الطبيب وولتر ميرتز مدير قسم الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية بمركز أبحاث تغذية الإنسان في بلتسفيل بولاية ميريلاند مرفقا عينة من نبات جاكاس، وأخبره أن إحدى مريضات السكر في عيادته استخدمت هذه العشبة التي أحضرتها من جزيرة ترينيداد، وكان يوجد لديها داء السكري من النوع الثاني، وكانت تأخذ الأنسولين حتى استخدمت هذا النبات، والذي كانت تستخدم منقوعه مرتين في اليوم، ولم تعد تستخدم الأنسولين، واستمرت على استخدامه ستة أشهر، وهي الآن بصحة جيدة، والسكر لديها في وضعه الطبيعي، ولازالت تستخدم هذا النبات.

وطلب من الدكتور وولتر بتعريف النبات، وما هي المواد التي يحتويها هذا النبات، وبعد تحليل النبات اتضح أنه يحتوي على المواد الكيميائية التالية: سيسكوتربين لاكتونز، حيث فصل ثمانية مركبات من هذه المجموعة كان من أهمهم نيورلينين "1" ونيورولنين "2" وجيرماركنولايدز "3،6" كما يحتوي العقار على مشتقات الثيمول وفلافونيدات وهيدرفيليك كمباوندز.

وقد أعلنت شركة zenith the planet عن تقديم المنتج العجيب عشب neurolaena lobata ويعتبر هذا العشب من أهم الأعشاب للشفاء، فهذا العقار مضاد للسموم ومضاد للفطور ومضاد للبكتريا، ويذكر سكان وسط أمريكا بأن هذا النبات يشفي تماما من السكر.

قالوا: فهات الثالثة.

قال: القرع المر[117].. فقد بدأت الأبحاث على ثمار هذا النبات عام 1960حيث أثبتت الدراسات أن هذه الثمار يمكنها أن تتحكم في مستوى سكر الدم لدى مرضى داء السكري.

وفي تجربة اكلينيكية أجريت على الإنسان وجد أن خمس جرامات أي حوالي ملعقتين صغيرتين من مسحوق الثمار الجافة تؤخذ يوميا خفضت سكر الدم بمعدل 54 بالمائة.

وفي دراسة أخرى أخذت 50 ملليلتر، أي حوالي ربع كوب من خلاصة الثمار خفضت سكر الدم بمقدار 20 بالمائة[118].

قالوا: فكيف يستعمل هذا النبات؟

قال: يمكن أن تؤكل ثمار هذا النبات كما هي، أو يمكن عصرها، أو يمكن عمل مغلي منها، حيث يؤخذ أربع أونسات من الثمار المقطعة الطازجة، وتغمر في لتر من الماء، وتغلى حتى يصل كمية الماء إلى نصف لتر، ويصفى ويشرب مرة واحدة في اليوم.

قالوا: فهات الرابعة.

قال: البصل والثوم.. فهما من الأغذية المباركة.. وقد اعتبر البصل والثوم من المكملات الغذائية التي تستخدم منذ قرون طويلة لعلاج الداء السكري، وبالاخص في آسيا وأوروبا والشرق الاوسط.

أما الثوم فيشبه البصل في تأثيره إلا أن البصل أقوى في مجال داء السكر ويقال: إن أكل الثوم طازجا هو أفضل لتخفيض السكر.. ويمكن للثوم المطبوخ مع الأكل أن يؤدي نفس الغرض.

وقد عملت دراسات كثيرة علي البصل والثوم في مجال الداء السكري ومن ضمن الدراسات ما قام به الدكتور جابر بن سالم القحطاني بكلية الصيدلة جامعة الملك سعود على النباتات المستخدمة في الطب الشعبي السعودي، والتي كان من بينها البصل والثوم على حيوانات التجارب حيث حصل على نتائج مميزة للبصل والثوم، وقد نشر هذا البحث في المجلة العالمية لابحاث خامات الادوية، كما قام بدراسة اخرى على البصل ضمن نباتات أخرى، وقد أثبت أن للبصل القدرة على تخفيض نبسة السكر في الدم بحوالي 40 بالمائة[119].

قالوا: فهات الخامسة.

قال: الحلبة.. فقد عملت على بذور الحلبة دراسات علمية كثيرة في جميع أنحاء العالم، وكان من بين تلك الدراسات ما قام به الدكتور جابر بن سالم القحطاني بقسم العقاقير جامعة الملك سعود بدراسة تأثيرها على سكر الدم، وقد اثبتت الدراسة التي نشرت في مجلة (Medical Science) أن للحلبة تأثيرا جيدا على خفض سكر الدم، وتستعمل الحلبة على هيئة سفوف أو على هيئة كبسولات حيث يوجد منها حاليا في الأسواق مستحضرات مقننة.

وهي من آمن الادوية لهذا الغرض كما أنها بجانب تخفيضها لسكر الدم تقوم بتخفيض الكوليسترول وتهبط سرطان الكبد وتقوم بإدرار الحليب لدى المرضعات.

قالوا: فهات السادسة.

قال: الشاي الأسود[120].. فقد قام الهنود بدراسة على الشاي الأسود على حيوانات التجارب، وأثبتت الدراسة أن خلاصة الشاي خفضت نسبة سكر الدم.. وعليه فإن مرضى السكر يمكنهم تناول كمية كبيرة من الشاي الأسود.

قالوا: فهات السابعة.

قال: جيمنيما[121].. فقد استعمل الهنود هذا النبات من عدة قرون لعلاج الداء السكري، وفي السنوات الاخيرة عملت عدة دراسات على حيوانات التجارب وعلى الانسان، وثبت فعالية أوراق هذا النبات لعلاج سكر الدم وثبت أن أوراق هذا النبات تزيد من إفراز الإنسولين لدى المرضى المصابين بالنوع الأول أي المعتمدين على الانسولين.

وقد وجد أن أوراق هذا النبات تحتوي على جلوكوزيدات تسمى جايمنيمين (Gymnemin).. فقد تمت دراسة هذا النبات على الاشخاص المعتمدين على الانسولين حيث جربت الاوراق على 27 مريضا بالسكر الذين يتعاطون الانسولين لأنهم من النوع الاول.

وقد أثبتت الدراسة أن الأوراق تقوم على تنشيط إنتاج الانسولين من البنكرياس.. وقد ثبت أيضا أن هذا النبات يعتبر من الأدوية التي لم يوجد له أضرار جانبية بالرغم من استعماله لفترة طويلة[122].

الأرق

رأيت جماعة يتثاءبون، والنعاس باد عليهم، فقلت في نفسي: لأنصحنهم اليوم نصيحة لم يسمعوا بها في حياتهم، تنهضهم من هذا الكسل الذي يعبث بهم، اقتربت منهم، وصحت من غير أن أسمع حديثهم: أراكم تتثاءبون.. وعلامات الكسل بادية عليكم.. ألستم في مستشفى السلام، بين أهل السلام!؟ فلا أعرف أهل السلام إلا بالجد والنشاط.. فانظروا لأنفسكم.. وقوموها قبل أن لا تستطيعوا أن تقوموها.

نظروا إلي مبهوتين، وقال أحدهم بهدوء: ما الذي تقوله يا أخي؟

قلت: نصحتكم بما نصحتكم به لوجه الله.. فإن شئتم أخذتم بنصيحتي، ففزتم في الدنيا والآخرة.. وإن شئتم قصرتم في الأخذ بها، فعبثتم بدنياكم وآخرتكم.

قال آخر: بورك فيك ـ يا أخي ـ لا شك في كونك صادقا ومخلصا.. وأنك لم تقصد بنصحنا إلا وجه الله.. ولكن كل ذلك لا يكفي لتأمرنا أو لتنهانا.

قلت: وما ينقص نصيحتي لتكتمل.. هل أجاريكم فأحضر لكم فراشا تنامون عليه، أم أحضر لكم مراهم تمسح النعاس عن عيونكم!؟

قال: لا.. تعرف ـ أولا ـ ما الذي اجتمعنا لأجله، وما الذي جلب النعاس إلى عيوننا.. فلا ينبغي إنكار المنكر، ولا الأمر بالمعروف إلا بعد تحقيق العلم بهما.

قلت: فما الذي جمعكم هنا، وما الذي جعلكم تتصرفون تصرف الكسالى.

قالوا: سل الطبيب.. فهو أدرى بما أصابنا.

قال الطبيب: اجلس ـ يا أخي ـ وستسمع ـ إن شاء الله ـ ما يثلج صدرك.

جلست، فقال: هؤلاء قوم ابتلاهم الله بالأرق.. فراح النوم فارا من عيونهم.. فلا يكادون يغمضون أعينهم حتى يفتحوها..

قلت: فهم في رحمة الله.. فليستغلوا يقظتهم في طاعة الله.

قال: هم يفعلون ذلك.. ولكن الله تعالى جعل النوم سباتا يقطع آلام اليقظة وأتعابها.. ألا ترى القلب كيف يبطىء من حركته بحيث تقل نبضاته وقوة ضخه للدم،  كما يهبط ضغط الدم؟

قلت: لم ذلك؟

قال: لأن القلب ـ خلال النوم ـ يأخذ قسطاً من الراحة، لكنها راحة نسبية، وطبيعي جداً أن تقل نبضاته وقد يصل معدلها إلى 60 أو حتى 50 نبضة في الدقيقة.

ويرجع هذا كله إلى انعدام الحركة والنشاط والتفكير خلال النوم، لأن أجهزة الجسم تكون في حالة راحة، ولذلك فإن احتياجها للدم والغذاء يكون هزيلا جدا.

قلت: ولكن النوم شيء خارج الإرادة.. إذا نعس الإنسان نام.

قال: هذا صحيح عند الإنسان العادي.. ولكن قد يبتلي الله بعض خلقه بالأرق..

قلت: لقد عرفت في حصون الجسد ما يقوله من أصابه الرق من أذكار.. فلم لم ترسلهم لذلك القسم.. ففيه غرف نوم خاصة، وفيه النوم الحالم الجميل!؟

قال: ذلك يصلح للإنسان العادي.. أما هؤلاء فقد يكون سبب أرقهم نوع من الاختلال أصاب أجسادهم.

قلت: اختلال..

قال: لا أقصد الاختلال العقلي.. ولكني أقصد أن عوزا ما أصاب أجسادهم.. فاحتاجوا إلى تكميله.

قلت: كيف ذلك.. ألا يأكلون!؟

قال: هم يأكلون.. ولكنهم قد لا يأكلون ما يغطي ذلك العوز.

قلت: اضرب لي مثالا على ذلك.

قال[123]:لقد وجد ـ مثلا ـ أن نقص الكالسيوم في جسم الإنسان يسبب الأرق.. ولذلك فإن البالغين من الرجال والنساء يحتاجون إلى 800 ملجم يومياً من الكالسيوم، والحوامل والمرضعات يحتجن إلى 1200ملجم يومياً.

ولهذا يمكن الإكثار من المواد التي يوجد فيها الكالسيوم مثل الألبان ومنتجات الألبان والبامية والسمك وفول الصويا والسبانخ فلها تأثيرها في تغطية هذا العوز.

بالإضافة إلى هذا.. فإن الله تعالى قد ملأ الحقول بما يجلب النوم المطمئن الهادئ.. فيعالج بذلك علة الأرق.

قلت: فحدثنا عن هذه النباتات التي لها هذا التأثير.

قال: سأتحدث عن سبعة منها فقط.. مثل إخواني.

قلت: لم السبعة؟

قال: لأنها في اللغة تدل على الكثرة.. ونحن لم نجلس مجالسنا هذه إلا لنثبت سعة فضل الله علينا بإنزال الدواء.

قالوا: فحدثنا عن الأولى.

قال: الفراسيون الأسود[124].. فهو يستعمل على هيئة مغلي، حيث يؤخذ حوالي 2 جرام من مسحوق الأوراق في كوب، ثم يصب عليه الماء المغلي، ويقلب، ويحلى بالعسل، ويترك لمدة ما بين 5- 10دقائق، ثم يشرب بمعدل فنجان واحد في اليوم، وذلك عند النوم ليلاً.

قالوا: فحدثنا عن الثانية.

قال: لسان الحمل السناني الكبير[125].. حيث تستعمل أوراق النبات لجلب النوم، وذلك باستعمال ملء ملعقة من مسحوق الأوراق، وتوضع في كوب، وتملأ بالماء المغلي وتحلى بالعسل وتقلب جيداً، وتترك مغطاة لمدة عشر دقائق، ثم يشرب بمعدل كوب واحد عند الخلود إلى النوم ليلاً فقط.

قالوا: فحدثنا عن الثالثة.

قال: حشيشة الهر[126].. فلها تأثير مهدىء ومنوم.. وطريقة ذلك أن يؤخذ ملء ملعقة شاي من مسحوق النبات، وتغمر في ملء كوب ماء مغلي، وتترك لمدة عشر دقائق، ثم تصفى وتشرب قبل الذهاب إلى النوم بخمسة وأربعين دقيقة.

قالوا: فحدثنا عن الرابعة.

قال: الترنجات[127].. حيث تستعمل لجلب النوم..وذلك بأخذ ملء ملعقة من مسحوق النبات، ووضعه في كوب، ثم يملأ بالماء المغلي، ويترك مغطى لمدة عشر دقائق، ثم يشرب مرة واحدة عند النوم فقط.

قالوا: فحدثنا عن الخامسة.

قال: الضرم أو اللافاندر[128].. حيث تستعمل بعض المستشفيات الانجليزية زيت اللافاندر لجلب النوم، ويستخدم اللافاندر لجلب النوم، وذلك بأخذ مقدار ملعقة شاي من مسحوق النبات، وغمره في ملء كوب ماء مغلي، وتركه لمدة عشر دقائق، ثم يشرب عند النوم مرة واحدة في الليل.

كما يمكن وضع قطرات من زيته في المغطس الدافىء، والاستحمام فيه قبل النوم، أو رش بضع قطرات من الزيت على الفراش قبل النوم.

قالوا: فحدثنا عن السادسة.

قال: حشيشة الدينار[129].. فهو من النباتات التي استخدمت لعلاج الارق منذ أكثر من ألف سنة، وأصبح النبات من ذلك الوقت مشهورا.. وطريقة ذلك أن يؤخذ ملء ملعقة شاي من مخاريط النبات، وهي الأزهار المؤنثة، وتغمر في ملء كوب ماء مغلي، وتترك لمدة عشر دقائق، ثم تشرب مرة واحدة قبل النوم بنصف ساعة.

قالوا: فحدثنا عن السابعة.

قال: خلطة مكونة من الناردين المخزني، مع زهرة الآلام الحمراء[130]، والدرقة[131].. حيث تؤخذ كميات متساوية من الأنواع الثلاثة، وتطحن، ثم يؤخذ من المسحوق ملء ملعقة شاي، وتوضع في كوب، ثم يملأ بالماء المغلي، ويحرك جيداً، ثم يترك عشر دقائق، وهو مغطى، ثم يشرب فقط عند النوم، وذلك مرة واحدة في اليوم.

4 ـ دساتير الأطباء

ما إن انتهيت من حديثي مع الطبيب العاشر حتى شعرت بقناعة تملؤني بفضل الله، وأن رحمته التي تدراكت كل شيء، فغطت عوزه لا تعجز أن تغطي حاجات الإنسان من دواء.

بل إن الله تعالى في تغطيته للحاجات، وكفايته لخلقه ما يهمهم ينوع لهم كل ذلك الفضل ليتناول كل إنسان ما يناسبه، وتنفتح له شهيته، فهو عندما جعل البروتين من حاجات الإنسان لم يجعله في الحيوانات فقط.. ولا في البقول.. بل وضعه في أكثر ما خلقه من أغذية، ليتناوله الفقير والغني، والنباتي والحيواني.

وهكذا في كل شيء نوع الكفايات.. وغطى الحاجات.. وأغاث في جميع الأحوال والأوقات.. فلذلك لا يستحيل أن ينزل مع كل داء دواءه، بل أدويته[132].. بل ذلك من آثار رحمته التي وسعت كل شيء.. وآثار فضله الذي غمر كل شيء.

بينما أنا كذلك، وقد امتلأت بهذه القناعة الجميلة، إذ جاءني المكلف بهذا القسم، وقال: هذا ما قصدنا من تجوالك بين الأطباء.. فلم نقصد أن تتعلم وصفات تعالج بها المرضى.. أو تفتح حانوت عطار.. فذلك لأهل الاختصاص من الأطباء.. ولكنا قصدنا أن تغمرك بالقناعة بأن الله الذي أنزل الداء أنزل الدواء.. وأن البشر هم الذين قصروا في البحث عنه وتناوله.

قلت: لقد اقتنعت بهذا.. فهل تريد إقناعي بشيء آخر، قبل أن أخرج من هذا القسم؟

قال: أجل.. لا بد أن نمر على دستور الأطباء..

قلت: لم؟

قال: لأن من الخلق من أساء التعامل مع هذا النوع من الدواء، فراح يجعل من خلق الله فئران يجرب عليها بضاعته، فيقتلهم، ويدمر صحتهم.

قلت: لقد ذكرتني بنفر من قومي..

قال: تقصد الرقاة الذين راحوا يداوون بالأعشاب من غير أن يعرفوا أسرارها.. أو يتخصصوا فيها.

قلت: أجل.. وهم يغالون كثيرا في بيعها.. فتجد أحدهم يبيع بعض الأعشاب المخلوطة بالعسل بالأموال الكثيرة التي تنفر الناس من الأعشاب.. وتلجئهم إلى الكيميائيات.

قال: أولئك هم الجهلة الذين يعبثون ببنيان الله.. فلا تحزن عليهم..

قلت: أنا لا أحزن عليهم.. بل أحزن على من يأتيهم.

قال: لهذا وضع هذا المستشفى دستور الأطباء حتى يحفظ لهذه الصناعة أهلها، وشروط الاستفادة منها.

قلت: وهل لهذه الدستور قسم خاص؟

قال: إن شئت سمه مجلسا خاصا.

قلت: أهو مجلس شورى الأطباء؟

قال: نعم.. يجتمع فيه أهل الحل والعقد منهم ليناقشوا ما يجعل من الدواء الذي أنزله الله دواء نافعا.

قلت: فما وجدوا؟

قال: هناك أربعة أقسام ستزروها.. وفي كل قسم دستور خاص به وستذهب إليهم، وتسمع منهم، ويمكنك أن تسألهم لتعرف ما يجعل من هذا الدواء ترياقا نافعا.

قلت: سأذهب أنا إليها.. وأين ستذهب أنت؟

قال: أنا ذاهب إلى حقل التجارب.. فهو محلي الأول في هذا المستشفى.. وقد اكتشفت منذ فارقتك عشر أدوية نافعة تهدم عشر أدوية كيميائية كان أهل هذا المستشفى يستعملونها للضرورة.

الخبرة

قصدت القسم الأول من دساتير العطارين، وهو الدستور الخاص بالخبرة، فوجدت لافتة مكتوبا عليها قوله - صلى الله عليه وسلم -:( مَنْ تطبَّبَ[133] ولم يُعْلَم مِنْهُ الطِّبُّ قَبْلَ ذلك، فهو ضَامِنٌ )[134]

دخلت القاعة، فرأيت جمعا من الناس، وكأن على رؤوسهم الطير، يستمع بعضهم إلى بعض، ويحترم بعضهم بعضا، وكان الجو مملوءا بالخشوع الهادئ الجميل.

سألت أحد الجالسين: من هذا الجمع المبارك.. فإني أشم فيه من روائح الأدب ما لا أشمه في مجالس قومي.

قال: هذا جمع من الفقهاء والأطباء يتناصحون فيما بينهم في الدستور الذي ينظم وظيفة الطبيب، ويجعلها رحمة للمريض.

 فجأة.. وجدتهم تفرقوا على أربعة أقسام، فسألت صاحبي: ما بالهم.. أدخل الشيطان فيما بينهم ففرق جمعهم، وشتت صفوهم؟

قال: لا.. لا يدخل الشيطان المجالس العامرة بذكر الله.. الشيطان يحب المجالس التي تنتفخ فيها الأنا.. فيغذيها الصراع.

قلت: ولكن ما بالهم تفرقوا.. أم أن عيني هل التي أصابها الصراع ففرقت وحدتهم!؟

قال: لقد تفرقوا.. كما تتفرقون أنتم إلى لجان عمل.

قلت: وهؤلاء؟

قال: تفرقوا إلى لجان.. تختص كل لجنة بالبحث في ناحية معينة من النواحي التنظيمية لوظيفة الطبيب.

اقتربت من أقرب لجنة لي، وأصخت بسمعي، فإذا بأحدهم يقرأ بصوت جميل قوله تعالى:) وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً((طـه: من الآية114)، ثم يعقب على ذلك بقوله: نعم.. يا إخواني.. لا بد أن نستزيد دائما من العلم.. فالأمراض كل يوم تنزل.. والأدوية تنزل معها.. وقد أقامنا الله في هذا الثغر الذي نحرس فيه قلاع الجسد من أن يداهمها العدو.. فإن قصرنا سرى هذا التقصير لجميع مناحي الحياة..

قال آخر: صدقت.. ونحن في عملنا هذا لا نقل عن الفقهاء شأنا.. فإن هم حرسوا الدين.. فنحن نحرس الثغور التي لولاها لم يقم الدين.. ألم تسمعوا ما قال الشافعي:( إنما العلم علمان: علم الدين، وعلم الدنيا.. فالعلم الذي للدين هو الفقه، والعلم الذي للدنيا هو الطب )

وقال ـ مبينا فضل هذا العلم الذي وفقنا الله لدراسته ـ:( لا أعلم بعـد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلاَّ أنّ أهل الكتاب قد غلبونا عليه )

وقال متأسفا على تقصير المسلمين في تعلمه:( ضيعوا ثلث العلم، ووكلوا إلى اليهود والنصارى )[135]

قال آخر: ومثله تأسف الغزالي على تضييع المسلمين للطب، وتركه لغيرهم، فقال:( فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة.. ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه.. ثم لا نرى أحدا يشتغل به )[136]

ثم يذكر علة ذلك، وهو الاهتمام بالجدل والصراع، فيقول:( ويتهاترون على علم الفقه، لا سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء وبمن يشتغل بالفتوى، والجواب عن الوقائع.. فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به) 

ثم يبين سوء نية هؤلاء بقوله:(  هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى تولي الأوقاف والوصايا، وحيازة مال الأيتام، وتقلد القضاء والحكومة والتقدم به على الأفران، والتسلط به على الأعداء.. هيهات هيهات قد اندرس علم الدين بتلبيس العلماء السوء.. فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان )[137] 

قال آخر:وقد كان هذا دافعا للفقهاء لتعلم الطب، وقد روي أن المازري كان يفزع إليه في الفتوى في الطب في بلده، كما يفزع إليه في الفتوى في الفقه.. ويحكي أن سبب تعلمه الطب ونظره فيه أنه مرض، فكان يطبه يهودي، فقال له اليهودي يوما:( يا سيدي مثلي يطب مثلكم، أي قربة أجدها أتقرب بها في ديني مثل أن أفقدكم للمسلمين )، فمن حينئذ نظر في الطب[138].

قال آخر: لقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى ضرورة الخبرة في الطب، فقال:( نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله )، ففي هذا الحديث دعوة إلى التعلم، بل إلى مداومة البحث..

قال آخر: نعم.. هذا الحديث فيه أعظم تشجيع على البحث العلمي.. لأن الباحث الذي ينطلق في بحثه من يقينه بوجود ما يبحث عنه، سوف يبذل كل جهده بنشاط وحيوية.. بخلاف من يشك في وجود ما يبحث عنه، فإن ذلك قد يصرفه عما هو فيه.

قال آخر: إن مثل ذلك مثل رجلين، أما أحدهما، فقد أخبره مهندس مختص لا تتخلف فراسته بوجود ماء في محل معين، وأما الآخر، فذهب يحفر من غير أن يستعلم عن ذلك.

فأما الأول، فقد كفي الهم والحزن، فيحفر إلى أن يظفره الله بمطلوبه، وأما الثاني، فيحفر خائفا أن يذهب جهده هدرا، وقد يتوقف في أي لحظة يائسا.. وقد لا يبقى بينه وبين الماء بعد توقفه إلا أمتار محدودة.

قال آخر: ولهذا يجب أن ينص دستور الطبيب على ضرورة كون الطبيب من أهل البحث.. فلا يكفي أن يأخذ الطب تقليدا.

قال آخر: ولا بد أن نحدد العلوم التي يجب على الطبيب إتقانها.

قال آخر: لا يكفي أن نذكر الإتقان.. بل لا بد من النبوغ.. ثم نمتحن النابغين.. فقد كان امتحان الأطباء سنة من سنن السلف.

قال آخر: لا بد أن يعرف الطبيب كل ما يتعلق بالطب من العلوم.. من علم بجسم الإنسان بتفاصيله.. وعلم بما يمكن أن يعتريه من أدواء وسببها.. وعلم بأنواع العلاج المرتبطة بكل علة.

قال آخر: ولا بد أن يستمر في تعلمه.. فحقول التجارب تزودنا كل يوم بالمزيد من العقاقير الشافية.. فينبغي أن يهتم بها كاهتمامه بمصالحه.

قال آخر: ولا بد من المجالس المختلفة الكثيرة التي يجتمع فيها الأطباء لتبادل الخبرات.. فقد يفتح الله على بعضهم ببعض ما يجهل غيره.

قال آخر: نقطة مهمة لا ينبغي إهمالها رأيتها في أرض الصراع..

قالوا: وما رأيت؟

قال: رأيت بعض الأطباء يوفقه الله لدواء يعالج العلل المستعصية، فيحتفظ به سرا لنفسه، ليجلب الزبائن إليه.

قالوا: كيف يفعل هذا؟.. أيتاجر بأجساد الناس من أجل هواه..!؟

قال أحدهم: ضعوا هذا القيد في دستور الطبيب: لا يجوز لطبيب يعرف مسألة من الطب أو فائدة إلا وينشرها بين أصحابه.

قال آخر: هذا لا يتعلق بالأفراد فحسب، بل يتعلق بمراكز البحث المختلفة.. فينبغي التعاون بينها، ولا يكتم بعضهم ما وصل إليه من نتائج عن البعض الآخر.

قال آخر: لقد رأيتهم في أرض الصراع يتناطحون في هذا كتناطح الكباش.. كل يريد أن يكون السبق له.. فلذلك يستعمل كل وسائل الصراع.

قال آخر: إن أكثر ما يتخلف به البحث العلمي في أرض الصراع هو عدم التعاون، والحرص على براءة الاختراع.. وكأن تلك البراءة هي الهدف من البحث لا خدمة الإنسان وحفظ بنيان الله.

قال آخر:  الصادقون من أهل الله كانوا يحملون الجبال على ظهورهم، ويتسترون بالبراقع لئلا يراهم الناس.

قال آخر: هذا يستدعي وضع مادة أخرى.

قالوا: وماهي؟

قال: وضع بنك معلوماتي تصب فيه معلومات الأطباء وخبراتهم.. ليراها الأطباء ويستفيدون منها.

قال آخر: ولا بد أن تتعرض للتمحيص قبل طرحها.

قال آخر: أضيفوا مادة أخرى.

قالوا: وما هي؟

قال: إذا جاء الطبيب أي مريض، ولم يعرف كيف يعالجه يرسله لمن يثق في خبرته وقدراته، كما روي أن أبا موسى t سئل عن ابنة وابنة ابن وأخت، فقال:( للابنة النصف، وللأخت النصف )؛ وأت ابن مسعود فإنه سيتابعني، فسئل ابن مسعود t وأخبر بقول أبي موسى، فقال:( لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين! أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم -: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت )، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال:( لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم )[139]

قال آخر: بل.. لقد ورد حديث في المسألة، عن زيد بن أسلمَ، أنَّ رجلاً فى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابه جُرْحٌ، فاحتَقَن الجُرْحُ الدَّم، وأن الرجلَ دعا رجُلَيْن من بنى أنمار، فنَظَرا إليه فزعما أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهما:( أَيُّكما أطَبُّ؟)، فقال: أوَ فى الطِّبِّ خيرٌ يا رسولَ الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -:( أنزلَ الدواءَ الذى أنزلَ الداء )[140]

قال آخر: فى هذا الحديث دلالة صريحة على أنه ينبغى الاستعانةُ فى كل عِلم وصِناعة بأحذقِ مَنْ فيها فالأحذق، فإنه إلى الإصابة أقربُ.

قال آخر: وهذا ما دلت عليه فروع الشريعة الكثيرة.. فالمُستفتى يجب أن يستعينَ على ما نَزلَ به بالأعلم فالأعلم، لأنه أقربُ إصابةً ممَّن هُوَ دُونَه.. وكذلك مَن خَفيتْ عليه القِبْلةُ، فإنه يُقلِّدُ أعلمَ مَن يَجدُه، وعلى هذا فَطَر الله عبادَه، كما أن المسافر فى البرِّ والبحر إنَّما سكونُ نفسه، وطمأنينتُه إلى أحْذقِ الدليلَيْن وأخبَرِهما، وله يَقصِدُ، وعليه يَعتمِدُ، فقد اتفقتْ على هذا الشريعةُ والفِطرةُ والعقلُ[141].

قال آخر: وينبغي إضافة مادة أخرى مهمة.

تركتهم وانصرفت قاصدا قسما آخر.

 

المسؤولية

دخلت القسم الثاني من أقسام ( دساتير الأطباء )، فوجدت جمعا لا يقل نشاطا وأدبا عن الجمع السابق.. إلا أني لاحظت وجود رجال الحزم في هذا القسم، وهم رجال كالرجال الذين يقفون على الأبواب تظهر عليهم الشدة والغلظة.

اقتربت من مجموعة منهم، فسمعت أحدهم يقول: إن الطبيب يتحمل مسؤولية عظيمة بوظيفته.. فقد جعل الله بنيانه بين يديه ليتصرف في إصلاحه.. فلذلك لا بد من وضع القوانين التي تنظم كيفية تعامله مع المرضى.. فلا يصيبها بالخراب.. ولا يصيب بنيانها بالدمار.

قال آخر: لقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المسؤولية، فقال:( مَنْ تطبَّبَ[142]، ولم يُعْلَم مِنْهُ الطِّبُّ قَبْلَ ذلك، فهو ضَامِنٌ )[143]

قال آخر: لقد فكرت في الأصول التي يمكنها أن تحفظ مسؤولية الطبيب، فوجدتها أربعة أرى أن ينصب جميع كلامنا حولها.

قالوا: نعلم أنها أربعة.. ولكن ما هي؟

قال: الحسبة، والاختبار، والتضمين، والتحذير.

قالوا: فكيف توصلت إلى وجه الحصر فيها؟

قال: أول شيء هو أن نبحث عن الأطباء لنرى مدى شعورهم بالمسؤولية المعلقة عليهم.. ولا يقوم بهذا إلا المحتسب.

قالوا: فإن وجد هؤلاء الأطباء؟

قال: يختبرهم ليرى مدى صلاحيتهم لممارسة هذه المهنة.

قالوا: والتضمين؟

قال: إن قصروا ضمنوا.. وإن لم يقصروا ضمن المسؤول.

قالوا: والتحذير؟

قال: إن رأوا من طبيب من الأطباء عدم الكفاءة حذروا منه.

الحسبة:

قالوا: فلنبدأ بقوانين الحسبة.

قال: الحسبة هي النظام الإسلامي الذي يحمي مصالح الأفراد والمجتمعات، والصحة من المصالح، فلذلك لا ينبغي تركها لمن يعبث بها.

قال آخر: لقد أبدع النظام الإداري الإسلامي مؤسسة الحسبة في عهد مبكر جدا منذ برزت ملامح المجتمع الإسلامي، وبدأت في التشكيل.. وقد استوعبت وظيفة المحتسب كل فئات المجتمع في أخلاقها العامة وسلوكها الاجتماعي، وما يجب أن تكون عليه كان فئة من السلوك القويم.

قال آخر: وقد كانت المراقبة على مهنة الطب داخلة في هذه الاختصاصات.. فكانت ممارسة التطبيب خاضعة لشروط وقيود دقيقة تحدد ما للأطباء وما عليهم، وكان المحتسب يقوم بهذه المراقبة حفاظا على سلامة المجتمع ودفعا ليصل ما يكون سببا في ايذائة، وبث الفوضى والفساد فيه.

قال آخر: لقد كنت في أرض الصراع.. وسأذكر لكم ما يدل على وجوب تشدد أهل الحزم مع المجرمين الذين يلبسون لباس الأطباء.

قالوا: فصف لنا ما رأيت.

قال: أشياءا كثيرة رأيت[144].. يتفتت لها القلب، وتعتصر لها الكبد.. لقد رأيت جهلة كثيرين يقومون بعمليات الكي، أو تجبير الكسور، أو الحجامة.. وهناك من يعالج بالأعشاب والمشتقات الحيوانية والمعدنية.. وهناك من يجلو الماء الأزرق من العين.. وهناك من يقوم بفصد الجبهة لعلاج الشقيقة.. وهناك المشعوذون والسحرة.. وهناك من يتكسبون بالرقية التي ينسبونها للشرع.. والشرع منها برئ.. وهناك.. وهناك..

قال آخر: صدقت.. فقد لاحظت الكثير من المحجمين لا يفقهون شيئا عن التعقيم، أو تطهير أدوات الحجامة.. بل رأيتهم يستخدمون سكاكين ملوثة، ربما تتسبب في نقل فيروسات خطيرة.

بل إنهم لا يكتفون بذلك.. بل يستخدمونها في حجامة أكثر من شخص.. وتصوروا معي لو أن شخصا يحمل فيروس الكبد الوبائي أو فيروس الأيدز، أو خلاف ذلك، فإنه بدون شك سيصيب بالعدوى كل من ذبحه بتلك السكين.

قال آخر: بل رأيت من المحجمين من يقوم بشفط الدم في المحاقن المستخدمة لذلك الهدف بأفواههم، واذا حصل أن لعاب أي من المحجين ملوث بفيروس ما فسوف يعطيه للمريض.

قال آخر: لقد درت عليهم لأرى مستوياتهم العلمية.. فوجدت عجبا فالبعض منهم اكتفى بتعليم من يسميها مدرسة الحياة.. والبعض اكتسب هذه المهنة عن طريق الوراثة.. والبعض يحمل مؤهلات ثانوية وجامعية ولكنها لا علاقة لها بما يطبب به.. والكثير منهم أمي لا يقرأ ولا يكتب.

ولم أر فيما رأيت ـ إلا نادرا ـ من درس طب الأعشاب أو الممارسات الأخرى.

قال آخر: لقد جلت مناطق كثيرة من العالم كالهند والباكستان والصين ومن تسمى بالدول المتقدمة.. فرأيتهم لا يؤذن لهم في مزاولة هذه المهنة أو في وصف أي دواء إلا بعد تحصيل الكفاءات المرتبطة به.

قال آخر: أما في بلادنا التي كان عليها أن تصبح نموذجا صالحا لسائر الأمم، فإنها تقصر في ذلك تقصيرا عظيما.

قال آخر:سببه الجشع والحرص على المال.. لقد رأيت من يقومون بعمل خلطات، ويروجونها لعلاج بعض الأمراض وباهظة الثمن جدا، قد تصل إلى الآلاف، وربما تكون هذه الخلطات قاتلة.

قال آخر: بل يوجد من العطارين والأطباء المختصين في العطارة من يغشون الأعشاب بمستحضرات صيدلانية يشترونها من الصيدليات، ويسحقونها، ثم يخلطونها بأي عشب، ويبيعونها للمرضى على أنها أعشاب.

قال آخر: وقد اكتشفت ذلك بنفسي، حيث رأيت من يقوم بشراء أقراص مخفضات سكر الدم وسحقها وخلطها مع أوراق نباتية وبيعها بأغلى الأسعار كعلاج للسكر.. ورأيت من يفعل ذلك مع حبوب الضغط والكورتزون.. وكلها تعمل بنفس الطريقة.

قال آخر: وقد رأيت بعض العطارين يقوم بتحضير بعض الخلطات العشبية والمشتقات الحيوانية دون إلمام بالتداخلات التي يمكن أن تحدث عند خلط هذه الأعشاب أو المشتقات الحيوانية.. خاصة وأنهم لا يعرفون المجاميع الكيميائية التي تحتويها هذه المواد، والتي يحدث عنها تداخلات فيما بينها عند السحق ينتج عنها مركبات جديدة قد تكون خطيرة على حياة المستهلك.

قال آخر: ولهذا كله لا بد أن نضع في دساتير الأطباء هذا الشرط.. لا يحق لأي شخص معالجة المرضى ما لم يكن حاملا لمؤهلات علمية كافية في الطب والجراحة من جهات معترف بها.

قال آخر: وهذا يقتضي وضع تراخيص خاصة بالمستحقين.. وتكليف المحتسبين وكل جهات الحزم بتطبيق ذلك.

قال آخر: ليس هذا فقط.. بل إن هناك أمورا أخرى كثيرة ينبغي ذكرها هنا.

قالوا: ما تقصد؟

قال: لقد رأيت في دكاكين العطارين خلطات مستوردة من دول كثيرة على هيئة مساحيق وأقراص وكبسولات وحبيبات ذات استعمالات خطيرة لا ندري ما الذي وضع فيها من مركبات.

قال آخر: لقد رأيت بنفسي كثيراً من الزيوت الحيوانية والنباتية وكثيرا من كريمات البشرة تحتوي على مواد خطيرة.. ربما تسبب تسرطن الجلد.. أو ربما تسبب عاهات مستديمة.. وهذه الزيوت والكريمات تحضر مع الأسف في محلات العطارة.. ويروج لها في مدارس البنات وفي محلات الحلاقة، وهي غير مقننة، وغير مدروسة.

قال آخر: لهذا لا بد من وضع مادة ترتبط بهذه القضية.

قال الكاتب: كيف نصيغ هذه المادة؟

قال: لنقل: يحرم شرعا وقانونا بيع أي دواء عشبي أو حيواني أو معدني يوجد على هيئة مسحوق أو على هيئة سائل أو مرهم أو كريم أو مخلوط بعسل أو المستحضرات المستوردة من كل الدول إلا بعد اطلاع المختصين من أهل الرقابة عليها.

قال آخر: أضف إلى هذا: لا تباع الأعشاب أو المشتقات الحيوانية إلا بوصفها الطبيعي كما هي دون جرش ودون تكسير ودون سحق ودون إضافات.. بل على هيئة أوراق، وأزهار، وبذور، وجذور، وجزامير، وهكذا.

قال آخر: أضف إلى هذا.. يمنع استيراد وبيع بعض الأعشاب الخطيرة والموجودة حالياً لدى محلات العطارة مثل عين الديك والسورنجان والسمفتون وأصبع العذراء.. وغيرها لما لها من خطورة على بنيان الله.

قال آخر: أضف إلى هذا.. تسحب كل المستحضرات غير المقننة والموجودة على هيئة مستحضرات صيدلانية سواء كانت في محلات العطارة، أوتباع في بعض الصيدليات.. ومثلها الخلطات العشبية وخلطات العسل من الصيدليات.. بل ينبغي إصدار تعميم يحذر من بيع هذه المواد.. وأي صيدلية يكتشف بيعها لمثل هذه المواد تقفل، ولا يصرح لها بالاستمرار في ممارسة المهنة.

قال آخر: أضف إلى هذا.. يمنع الباعة المتجولون الذين يروجون لبعض الخلطات أمام أبواب المساجد وأمام المراكز الكبيرة وعند إشارات المرور أو باستعمال الجوال.. ويجب على الجهات المسؤولة متابعة ومطاردة مثل هؤلاء الذين ربما يروجون لأشياء أخطر من المستحضرات العشبية.. وأن يصدر بحق من يمسك متلبساً ببيع وترويج مثل تلك المستحضرات العقوبة الرادعة.

الاختبار:

قالوا: ما تقصد بالاختبار؟

قال: امتحان الأطباء لاختبار كفاءتهم، فلا يتقدم لهذه المهنة الخطيرة إلا الأكفأ فالأكفأ.

قال أحدهم: هذا يحتاج لوضع برنامج تعليمي يتم على أساسه الاختبار.

قال آخر: أجل.. بل لا بد أن تتبني الوزرات المكلفة بالصحة قوانين تنظم بها الحياة الصحية للمجتمع.. حتى لا تصبح لعبة ببين أيدي المجربين.

قال آخر: لا يكفي أن يقوم المحتسبون وحدهم بالاختبار.. بل لا بد من نشر الوعي الصحي في أفراد المجتمع حتى لا يعبث بصحتهم العابثون.

قال آخر: لا بد من استعمال كل ما توصلنا إليه من تقنيات لهذا الغرض.

قال آخر: لا ينبغي أن نجنب المساجد هذه المهمة.. فالمسجد هو الذي يعلم الحياة الصحية بجميع معانيها.. وليس لنا من أسوة في ذلك غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فقد كان يحمل نظرية صحية متكاملة.

قال آخر: هذا يستدعي تعليم من يقوم بشؤون المساجد ما يؤدي به هذا الدور.

قال آخر: لا يكفي ذلك.. بل ينبغي أن يكلف الأطباء بنشر مل هذه التوعية لتفتح للرعية جميع منافذ الصحة.

قال آخر: أكل هذا يدخل في الاختبار؟

قال آخر: أجل.. فليس الاختبار ما يقوم به أهل الصراع من امتحانات صورية يعبث بها العابثون، وتقدم في سبيلها الرشاوى.. بل إن الطبيب الذي لا يتوفر على أهلية التطبيب يظل محاصرا من جميع أفراد المجتمع.

قال آخر: فلنسجل كل هذا.. ولنرسل لوزراة الحزم لتقوم بمهمتها.

التضمين:

قالوا: فما التضمين؟

قال: هو ما أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:( من تطبب ولم يعلم منه الطب فهو ضامن )، فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - عن مسؤلية الطبيب عن أي خطر يتعرض له المريض..

قال آخر: وهذه المسؤولية ليست مسؤولية معنوية فحسب.. بل هي مسؤولية مادية.. فللمريض حق تعويض الضرر الذي أصابه.

قال آخر: يا جماعة.. هذه قضية فقهية تحتاج إلى فقهاء.. وما يكون لنا أن نتحدث فيها إلا بعد إذنهم.

قال أحدهم.. ولعله كان المشرف عليهم: لقد حضر معنا في هذه الجلسة فقيهان جليلان.. فاسألوهما ما بدا لكما.

قالوا: ومن هما؟

قال: الخطابي، وابن القيم.

تقدم الخطابي، وقال: لا أعلم خلافاً فى أن المعالِج إذا تعدَّى، فتَلِفَ المريضُ كان ضامناً، والمتعاطى علماً أو عملاً لا يعرفه متعد، فإذا تولَّد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القَودُ، لأنه لا يستبِدُّ بذلك بدون إذن المريض وجنايةُ المُتطبب فى قول عامة الفقهاء على عاقِلَتِه.

قال ابن القيم: لقد نص الفقهاء على إيجابُ الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى عِلمَ الطِّب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هَجم بجهله على إتلافِ الأنفس، وأقْدَم بالتهوُّر على ما لم يعلمه، فيكون قد غَرَّرَ بالعليل، فيلزمه الضمانُ لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم.

قالوا: أهذه مسألة مجمع عليها؟

قال: وكيف يختلفون.. وقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.

قلت: ولكن الطبيب قد يعمل ظنه في كثير من الأحيان.. فهل يحاسب على ظنه.. أليس هو كالمجتهد إن أصاب فله أجران.. وإن أخطأ فله أجر واحد؟

قال: أجل ذلك صحيح.. ولهذا فقد رأيت تقسيم الأطباء إلى خمسة أصناف.. لكل صنف منهم حكمه الخاص.

قالوا:  فحدثنا عن أولهم.

قال: هو طبيب حاذق أعطى الصنعةَ حقَّها، ولم تجن يده، فتولَّد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع، ومن جهة مَن يطبُّه تلفُ العضو أو النفس، أو ذهابُ صفةٍ..

قالوا: فما حكم من هذا وصفه؟

قال: هذا لا ضمان عليه اتفاقاً، فإنه تصرف مأذون فيه.

قلت: لم؟.. لقد أخطأ.. ألا يحاسب على خطئه؟

قال أحدهم، ويظهر عليه أنه من الفقهاء المعاصرين: الطبيب الحاذق لا يسأل عن الضرر الذي يصيب المريض، ولو مات المريض من جراء العلاج، ما دام المريض قد أذن له بعلاجه، ولم يقع من الطبيب خطأ في هذا العلاج، بل كان الضرر أو الموت الحاصل نتيجة أمر لم يكن في حسبان الطبيب، وهو ما يسميه الفقهاء المحدثون:( أمرلا يمكن توقعه او تفاديه )[145]

وكذلك فإن من القواعد المقررة في الشريعة الاسلامية أن عمل الطبيب عند الإذن بالعلاج أو عند طلبه يعد واجبا، والواجب لا يتقيد بشرط السلامة، ولو أن واجب الطبيب متروك لاختياره وحده ولاجتهاده العلمي والعملي، فهو أشبه بصاحب الحق لما له من السلطان الواسع والحرية في اختيار العلاج وكيفيته.

قلت: أتقصد أن انتفاء المسؤولية عن الطبيب يتطلب..

قاطعني، وقال: يتطلب أربعة أمور: إذن الشارع.. ورضى المريض.. وقصد الشفاء.. وعدم وقوع الخطأ من الطبيب.

قالوا: فمن الثاني؟

قال: متطبِّبٌ جاهِلٍ باشرت يدُه مَن يَطُبُّه، فتَلِفَ به، فهذا إن علم المجنىُّ عليه أنه جاهل لا عِلْمَ له، وأَذِنَ له فى طِبه لم يضمن.

قلت: كيف تقول هذا ـ يا ابن القيم ـ أراك تشجع الجهلة من الأطباء على اللعب بالناس.. ثم كيف تعارض الحديث، وهو صريح في التضمين؟

قال: لا.. لا تُخالف هذه الصورة ظاهرَ الحديث، فإنَّ السِّياق وقوة الكلام يدلُّ على أنه غرَّ العليل، وأوهمه أنه طبيب، وليس كذلك.. أما إن ظنَّ المريضُ أنه طبيب، وأذن له فى طِبه لأجل معرفته، ضَمِنَ الطبيبُ ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعملُه، والعليلُ يظن أنه وصفه لمعرفته وحِذْقه فتَلِفَ به، ضمنه، والحديثُ ظاهر فيه أو صريح.

قلت: سلمت بهذا.. ولكن كيف يترك للطبيب الجاهل استغلال غباء الناس وغفلتهم.. ألم تسمع بإجماع الفقهاء على وجوب منع الطبيب الجاهل- الذي يخدع الناس بمظهره ويضرهم بجهله- من العمل، بل من القواعد المقررة في الحجر أن ثلائة يحجر عليهم ويمنعون عن العمل: المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس.

قال: أنا لم أقل بأنه لا يعاقب.. ولكني قلت بأنه لا يضمن.

قلت: فما الفرق بينهما؟

قال: الضمان عقوبة للطبيب، وفائدة للمريض.. أما العقوبة فتخص الطبيب وحده.

قلت: ولم حرمت المريض من الفائدة.. وخصصت الطبيب بالعقوبة؟

قال: حتى يكون ذلك رادعا لأفراد المجتمع من الانخداع للأطباء الجهلة.. فإني أرى نفرا من قومك يتركون المختصين من الأطباء ويسلمون بنيانهم لعبث العابثين.

قلت: صدقت.. وأرى لكلامك قوة وحجة.

قالوا: فحدثنا عن الثالث؟

قال: طبيبٌ حاذِق، أُذن له، وأعطى الصَّنعة حقها، لكنه أخطأت يدُه.

قالوا: فما حكمه؟

قال: هذا يضمَنُ، لأنها جِنَايةُ خطإٍ.. لكنه إن كانت الثُّلُث فما زاد، فهو على عاقِلَتِه[146].

قلت: ما نوع الخطأ الذي يتطلب التضمين؟

قال الفقيه المعاصر: علماء الشريعة الاسلامية يقصدون بخطأ الطبيب، الخطأ الفاحش الذي لا تقره أصول الطبابة، ولا يقره أهل الاختصاص.. ولهذا فإن الطبيب في الشريعة الاسلامية لم يكن يسأل عن الخطأ اليسير الذي يمكن أن يقع فيه أي طبيب، ولكنه يسأل عن الخطأ الذي لا يجوز أن يقع فيه طبيب، وذلك إما نتيجة الجهل أو عن خطأ فاحش لا تقره أصول فن الطب ولا أهل المعرفة فيه.

قلت: اضرب لي مثالا على هذا.

قال: كأن يريد طبيب قلع سن، فيقلع غيرها خطأ.. أو أن تمتد يده إلى غير موضع العلاج فتنال الجسم أو عضوا منه بتلف.. أو يعطي المريض دواء غير  مناسب للداء فيضره.

قالوا: فمن الرابع؟

قال:الطبيبُ الحاذِق الماهر بصناعته، اجتهد فوصف للمريض دواءً، فأخطأ فى اجتهاده، فقتله، فيعتبر قتيلا، وتدفع دية لأهله[147].

قالوا: فمن الخامس؟

قال: طبيبٌ حاذق، أعطى الصنعةَ حقها، فقطع سِلْعَةً من رجل أو صبى، أو مجنون بغير إذنه، أو إذن وَليِّه، أو خَتَنَ صبياً بغير إذن وَليِّه فَتَلِفَ، فهذا يضمن، لأنه تولَّد من فعلٍ غير مأذون فيه، وإن أذن له البالغ، أو وَلِىُّ الصبى والمجنون[148].

العقوبة:

قالوا: فما العقوبة؟

قال: هو ما يضعه ولي أمر المسلمين من أصناف الروادع التي تمنع الجهلة من الجراء على أجساد الناس.

قالوا: ولكن الشرع لم يرتب عقوبات معينة على المتطببين الجهلة.

قال: ليس بالضرورة.. فهذا من صلاحيات ولي الأمر.. فيمكنه أن يرتب بعد استشارة أهل الحل والعقد من أهل الاختصاص ما يراه رادعا من العقوبات.

قال أحدهم: هذا مما اتفق عليه البشر بجميع طوائفهم ومذاهبهم.. فلا يجوز اللعب بالصحة.

قال آخر: أجل.. ففي عهد البابليين وضعت قوانين صارمه لمزاولة مهنة الطب، وتشددوا في محاسبة الأطباء على أخطائهم، وقد تضمن قانون حمورابي القواعد المشددة لمحاسبة الأطباء حيث نصت المادة 128منه على ما يلي:( إذا عالج الطبيب رجلا حراً من جرح خطير بمشرط من البرونز، وتسبب بذلك في موت الرجل، أو اذا فتح خراجا في عينه، وتسبب بذلك في فقد عينه، تقطع يداه )

قال آخر: وقد أمر الاسكندر الأكبر بصلب الطبيب جلوكيس في الاسكندرية لإهماله في علاج مريض مما تسبب في وفاته.

قال آخر: وفى عهد الرومان لم تكن هناك نصوص خاصة بالمهنة الطبية مما دعا إلى تطبيق القانون العام على الأطباء، وكانوا يعتبرون الجهل وعدم المهارة خطأ موجباً للتعويض، وكان الطبيب يعتبر مسئولا عن التعويض اذا لم يبد دراية كافية في إجراء عملية أو أعطاء دواء ترتب عليه موت المريض، وكان العقاب يختلف بحسب المركز الاجتماعي للطبيب، فإذا كان من طبقة وضيعة أعدم، أما اذا كان من طبقة راقية نفي في جزيرة!

قال آخر: وفي العصور الوسطى في أوروبا اذا مات المريض بسبب عدم عناية الطبيب أو جهله يسلم الطبيب إلى أسرة المريض ويترك لها الخيار بين قتله أو اتخاذه رقيقا.

قال آخر: وكانت محاكم بيت المقدس تحكم في عهد الصليبيين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين بأن الطبيب مسئول عن جميع أخطائه، فإذا تسبب بجهله في وفاة رقيق، وجب عليه أن يدفع ثمنه لسيدة، ويترك المدينة، وان كان المجنى عليه رجلا ًحراً، وكانت المسألة تتعلق بجرح بسيط أو سوء العناية بما لم يترتب عليه موت المريض قطعت يد الطبيب، ويشنق الطبيب إذا مات المريض.

النصح

دخلت القسم الثالث من أقسام ( دساتير الأطباء )، وقد كان الصفاء الخالص باديا على وجوه أهل هذا القسم، قال أحدهم: تعرفون اهتمامي باللغة.. فلذلك فإن في مصطلح الطب دلالة على ما ينبغي أن يكون عليه الطبيب.

قالوا: وضح لنا ما تقصد.

قال: الطِّب  بكسر الطاء، يراد به معان في اللغة، من أهمها الإصلاح، فيقال: طببتُه: إذا أصلحته، ويقال: له طِبٌ بالأمور، فالطبيب لا بد أن يكون مصلحا.

ومن معانيه اللطف والسياسة، كما قال الشاعر:

وإذَا تغيَّرَ مِنْ تَمِيمٍ أَمْرُها        كُنْتَ الطَّبيبَ لَها بِرَأْىٍ ثَاقِبٍ

ولهذا على الطبيب أن يكون لطيفا صاحب سياسة.

ومن معانيه الحِذق، كما قال الجوهرىُّ: كلُّ حاذقٍ طبيبٌ عند العرب، قال أبو عبيد: أصل الطِّب: الحِذْق بالأشياء والمهارة بها، ويقال للرجل: طب وطبيب: إذا كان كذلك، وإن كان فى غير علاج المريض. وقال غيرُه: رجل طبيبٌ؛ أى: حاذقٌ، سمى طبيباً لحِذقه وفِطْنته.. ويدل لهذا ما قال علقمة:

فَإنْ تَسْأَلُونى بِالنِّسَـــاءِ     فَإنَّنى  خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ

إذَا شَابَ رَأْسُ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ  مَالُـه  فَلَيْسَ لَهُ مِنْ  وُدِّهِنَّ نَصِيبُ

وقال عنترةُ:

إنْ تُغْدِفِى دُونى الْقِــنَاعَ   فَإنَّنِى   طَبٌ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ

أى: إن تُرخى عنى قِناعك، وتَستُرى وجهك رغبةً عنى، فإنى خبيرٌ حاذقٌ بأخذ الفارس الذى قد لبس لأَمةَ حربه[149].

فالطبيب لهذا يحتاج أن يكون حذاقا عارفا بأسرار مهنته.

قال آخر: لم نأت لنتحدث هنا عن أسرار اللغة ولا دلالاتها.. ولكنا جئنا للبحث في أصول النصح التي ينبغي وضعها في دساتير الأطباء.

قال آخر: لقد بحثت في أصول ذلك، فوجدتها أربعة.

قالوا: نعلم أنها أربعة.. فما هي؟

قال: تعليم المرضى، ومراعاة أحوالهم، واستعمال جميع وسائل الاستشفاء، ثم التنفيس عنهم.. ولا أرى أنكم ستعانون في وجه الحصر فيها.

قالوا: صدقت، وبورك فيك.. فلا نرى شيئا من النصح يعدو ما ذكرت.. فلنبدأ الحديث عنها.

تعليم المريض:

قالوا: فما تقصد بتعليم المريض؟

قال: لقد رأيت في أرض الصراع من العجائب ما ينقضي دونه العجب.

قالوا: وما رأيت؟

قال: رأيت المريض يدخل على الطبيب، فيجده متجهم الوجه عبوسا قمطريرا لا يكاد ينبس ببنت شفة.

قالوا: فكيف يعرف علته؟

قال: يسأله كما تسأل الآلة.. وربما سأله منتهرا.. فإن ذكر علته وانتهى منها.. بادر إلى مكتبه ليكتب الوصفة.. ثم يسلمه إياه بعد أن يقبض أجرته.. دون أن يخبره عن سر علته.. ولا إمكانية شفائها.. ولا ما تتطلبه من تدبير.. ولا نوع الدواء الذي سلمه له أو كيفية استعماله.

قال آخر: وقد رأيت أعجب من ذلك.. من الأطباء من يدخل جمعا من المرضى، ثم يسألهم بجانب بعضهم بعضا لا يراعي في ذلك حرمة ولا أدبا.. ثم لا يجد من الوقت الكافي ما يشرح به لمرضاه أسرار العلاج.

قال آخر: دعونا من عجائب أهل الصراع.. فقد غرهم بريق الذهب ورنين الفضة عن الإنسان وعن كل شيء.. وحدثونا عن أهل السلام.. وقوانين أهل السلام.

قال آخر: لقد روي في حديث صحيح ما يدل على ضرورة تعلم المريض ما يحتاج إليه لتطبيب نفسه، فقد روي عن هشام قال: كان عُرْوة يقول لعائشة: لا أَعْجبُ من فقهك، أقول: زوجةُ رسول الله r وابنةُ أبي بكر. ولا أَعْجبُ من عِلْمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر، ولكن أَعْجبُ مِنْ عِلْمك بالطِّب، فقالت: إن رسول الله r:( كان سَقِيماً في آخر عمره، فكانت تَقْدَم عليه وفودُ العرب من كل وَجْه فَتَنْعتُ الأنعاتَ، فكنت أعالجها، فمِنْ ثَمَّ )[150]

قلت: فما تفهم من هذا الحديث؟.. فإن ظاهره يدل على سبب تعلم عائشة ـ رضي الله عنها ـ الطب، وهو ما يدل على قوة عقلها، وشدة حافظتها وعظمة انتباهها..وكل ذلك مما يصب في مناقبها.. ولا أرى أنه يفهم من ذلك غير هذا.

قال: إن قولها هذا يدل على قانون عظيم من قوانين الطب، وهو لزوم تعليم المريض أو من يحيط به من العلوم ما يحفظ عليهم الصحة.

قلت: لعلك تقصد الثقافة الصحية.

قال: نعم، فحفظ الصحة للصحيح أو المريض يستدعي المعرفة بما تستوجبه الصحة من شروط.

قلت: فهل لذلك من دليل أقرب إلى التصريح من هذا الدليل؟

قال: لا تصح الصلاة إلا بعلم الفرائض والسنن والمواقيت والمبطلات، ولا يصح الحج إلا بمعرفة السعي والطواف والوقوف، كذلك لا يصح الصحيح إلا بعلم قوانين الصحة والمرض؟

قلت: فأنت تقيس حفظ الصحة بالعبادات التي هي توجه لله بالعبودية؟

فقال: وهل يعبد الله بالعلل؟

قالوا: فلنتحدث عما يجب على الطبيب تعليمه المريض.

قال أحدهم: أول ما يجب تعليمه النظام الحياتي الذي ينبغي أن يسير عليه في حياته من أكل وشرب ونوم، وما يتطلبه مرضه من تصرفات.

قالوا: ولكن ذلك قد يجعل المريض مدرسا أكثر منه طبيبا.. ومن العامة من يثقل فهمه.

قال: إن نظم الحمية المتبعة مع الأمراض المختلفة محدودة.. فلذلك من الممكن تسجيلها على أوراق مطبوعة تسلم للمرضى، كما تسلم الوصفة، ليتولى أهلهم شرح ذلك لهم.

قالوا: هذه فكرة جيدة.. وهي تكفي هذا الجانب.

قال آخر: ومن العلوم التي أرى على الطبيب تعليمها المريض ما يتعلق بمرضه من الناحية الجسمية، كأن يعرف الأعضاء التي يرتبط بها مرضه، ومثلها الأجهزة، ومن اليسير طبع أوراق خاصة بذلك أيضا.. فالأمراض المنتشرة بين العامة في عمومها محدودة.

قال آخر: ونرى أن يعلموا كيفية تناول الدواء.. فهناك أخطاء كثيرة في هذا الجانب.

قال آخر: ونرى أن تذكر لهم مضاعفات الأدوية ليحترزوا منها.

قال آخر: ونرى أن نبين لهم نوع تأثير الأدوية.. هل هي من المسكنات، أم من المعالجات..

قال آخر: ونرى أن يذكر لهم كون المرض معديا أو غير معد حتى يطبقوا ما أمرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سنن التعامل مع الأوبئة.

قال آخر: أرى أن تكليف الطبيب بكل ذلك قد يرهقه.. فلماذا لا نقترح تأسيس عيادات خاصة بتثقيف المرضى.. ألم تنشأ الصيدليات لخدمة توزيع الدواء.. فلتنشأ عيادات خاصة تهتم بتثقيف المريض.. أو قد يرجع إليها إذا طلب الاستشارة!؟

قالوا: فكرة جيدة.. ولكن كيف تطبق؟

قال: تطبيقها سهل.. فالطبيب يكتب لهذه الجهة نوع المرض.. وهم يتولون شرح ما يتعلق به من المعلومات الخاصة التي يحتاجها.

مراعاة الأحوال:

قالوا: فما تقصد بمراعاة الأحوال؟

قال: لقد أفادني هذا المعنى ابن القيم.. وقد طلبت منه الحضور.. فلم يتخلف كعهدنا به.

قال ابن القيم: نعم.. فللمرض أربعةُ أحوال: ابتداءٌ، وصُعودٌ، وانتهاءٌ، وانحطاطٌ.. فالمرض لا يخلو من هذه الأحوال الأربع.

قالوا: فما فائدة التعرف عليها.

قال: هي فائدة جليلة.. فعلى الطبيب مراعاةُ كل حال من أحوال المرض بما يُناسبها ويليق بها، ويستعمِلُ فى كل حال ما يجبُ استعمالُه فيها.

قالوا: فاضرب لنا على ذلك مثلا..

قال: إذا رأى الطبيب في ابتداء المرض أنَّ الطبيعة محتاجة إلى ما يُحَرِّك الفضلات، ويستفرِغُها لنضجها، بادر إليه، فإن فاته تحريك الطبيعة فى ابتداء المرض لعائق منع من ذلك، أو لضعف القوة وعدم احتمالها للاستفراغ، أو لبرودة الفصل، أو لتفريط وقع، فينبغى أن يَحْذَرَ كل الحَذرِ أن يفعل ذلك فى صعود المرض، لأنه إن فعله، تحيَّرت الطبيعة لاشتغالها بالدواء، وتخلَّت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلية.

قالوا: يا ابن القيم.. أنت تتحدث بأسلوب أهل عصرك.. فوضح لنا ما تريد.. فلكل قوم لسانهم.

قال: أقصد تشجيع المقاومة الذاتية في ابتداء المرض.. فإن كان المرض شديدا احتاج إلى استعمال الدواء.. ولم تجد المقاومة لضعف الجسم وقوة المرض.. ومثل ذلك مثل أن يجىءَ إلى فارس مشغول بمواقعة عدوه، فيشغله عنه بأمر آخر، ولكن الواجب فى هذه الحال أن يُعين الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه.

فإذا انتهى المرض ووقف وسكن، أخذ فى استفراغه، واستئصال أسبابه، فإذا أخذ فى الانحطاط، كان أولى بذلك.

ومثالُُ هذا مثال العدو إذا انتهت قُوَّته، وفرغ سِلاحُه، كان أخذُه سهلاً، فإذا ولَّى وأخذ فى الهرب، كان أسهلَ أخذاً، وحِدَّته وشَوْكتُه إنما هى فى ابتدائه، وحال استفراغه، وسعة قُوَّته، فهكذا الداء والدواء سواء.

قالوا: أراك تتعامل مع المرض كعدو يهجم على الإنسان.

قال: أجل.. فلذلك أسسنا في هذا المستشفى الحصون التي تحمي الروح والجسد من العلل.

قالوا: أهذا فقط ما يراد بمراعاة الحوال؟

قال: لا.. هناك شيء أسميه التدرج..

قالوا: فما التدرج؟

قال: هو سنة من سنن الصالحين.. بل قبل ذلك هو سنة من سنن رب العالمين.. فلذلك من حِذق الطبيب أنه حيث أمكن التدبير بالأسهل، فلا يَعْدِلُ إلى الأصعب، ويتدَّرج من الأضعف إلى الأقوى إلا أن يخاف فَوتَ القُوَّة حينئذ، فَيجبُ أن يبتدىء بالأقوى.

قالوا: تقصد أن لا يبدأ بالدواء الأكثر تركيزا حتى يبدأ بما هو دونه.

قال: أجل.. ولهذا ينبغي أن يسجل التاريخ المرضي لكل مريض، ويحفظ بحيث يتعرف الطبيب على كل ما أصاب المريض من علل، وأنواع العلاج التي يستخدمها ليتسنى له علاجها وعدم حصول تداخل بين الأدوية.

قالوا: فكيف نطبق هذا؟

قال: أنتم أعلم بأمور ديناكم.. ولكن التقنيات التي توصلم لها في حفظ المال طبقوها في حفظ الصحة.. فحفظ الصحة أهم من حفظ المال.

قالوا: ما تقصد؟

قال: رأيت في بنوك أرض الصراع كيف تسجل كل جزئية صغير أو كبيرة ترتبط بالمال.. فالبنك يسجل كل ما يدخل أو يخرج بمواقيته.. وإلى كل الأمكنة تنتقل المعلومات.

قالوا: أجل.. يمكن تطبيق مثل هذا مع المرضى.. بحيث تسجل كل معلوماتهم ليعالج على ضوئها.

قال: شيء آخر له علاقة بالتدرج..

قالوا: ما هو؟

قال: إذا أمكنه العِلاجُ بالغذاء، فلا يُعالِج بالدواء.. وإذا أمكنه أن يعتاضَ عن المعالجة بالاستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم، لم يستفرغه، وكُلّ صحة أراد حفظها، حفظها بالمثل أو الشبه، وإن أراد نقلها إلى ما هو أفضلُ منها، نقلها بالضد.

قال أحدهم: هذا صحيح.. ولهذا.. فإن المريض في هذا المستشفى ينزل قسم البركة أولا.. ثم مطاعم الشفاء.. ثم مزراعها.. ثم مصانعها.. فإن لم يجد كل ذلك نزل مناسجها.

قال: هناك شيء آخر له علاقة بهذا.

قالوا: ما هو؟

قال: إذا اجتمعت أمراض مختلفة في المريض، فإن له في ذلك منهجا خاصا رأيت أنه يتكون من ثلاث خصال.

قالوا: فما أولاها؟

قال: أن يكون بُرء الآخر موقوفاً على بُرئه كالورم والقُرحة، فإنه يبدأ بالورم.

قالوا: فما الثانية؟

قال: أن يكون أحدهُما سبباً للآخر، كالسَّدة والحُمَّى العَفِنة، فإنه يبدأ بإزالة السبب.

قالوا: فما الثالثة؟

قال: أن يكون أحدهما أهمَ من الآخر، كالحاد والمزمن، فيبدأ بالحاد.. ومع هذا فلا يغفُلُ عن الآخر.. وإذا اجتمع المرض والعَرَض، بدأ بالمرض، إلا أن يكون العَرَضُ أقوى كالقُولنج، فيُسكن الوجع أولاً، ثم يُعالج السَّدة.

قالوا: بورك فيك.. فكل ما ذكرته ينبغي تسجيله في دستور الأطباء..

قال: لقد ذكرت عشرين أمرا يحتاج الطبيب الحاذق الناصح مراعاتها نرى أنها تستحق التسجيل.

قالوا: فما هي؟

قال: أولها: النظر فى نوع المرض من أى الأمراض هو؟

قالوا: والثانية؟

قال: النظر فى سببه من أى شىء حدث، والعِلَّةُ الفاعلةُ التى كانت سببَ حدوثه ما هى؟

قالوا: والثالثة؟

قال: قوة المريض، وهل هى مقاومة للمرض، أو أضعفُ منه؟ فإن كانت مقاومةً للمرض، مستظهرة عليه، تركها والمرض، ولم يُحَرِّكْ بالدواء ساكناً.

قالوا: والرابعة؟

قال: التعرف على نوع مزاج البدن الطبيعى ليرده إلى أصله؟

قالوا: والخامسة؟

قال: التعرف على المزاج الحادث على غير المجرى الطبيعى.

قالوا: والسادسة؟

قال: سِنُّ المريض.. فلكل سن علاجه الخاص به.. فما يصلح للكبير لا يحصل للصغير.

قالوا: والسابعة؟

قال: عاداته.. فإن لها تأثيرا كبيرا في التعرف على سبب مرضه.. وكيفية علاجه.

قالوا: والثامنة؟

قال: الوقت الحاضر من فصول السنة وما يليق به.

قالوا: والتاسع؟

قال: بلدُ المريض وتُربتُه.. فإن لكل منطقة جوها المناسب لها.

قالوا: والعاشرة؟

قال: حال الهواء فى وقت المرض.

قالوا: والحادي عشر؟

قال: النظر فى الدواء المضاد لتلك العِلَّة.

قالوا: والثانى عشر؟

قال: النظر فى قوة الدواء ودرجته، والموازنة بينها وبين قوة المريض.

قالوا: والثالث عشر؟

قال: ألا يكون كلُّ قصده إزالة تلك العِلَّة فقط، بل إزالتُها على وجهٍ يأمن معه حدوث أصعبَ منها، فمتى كان إزالتها لا يأمن معها حدوث عِلَّةٍ أُخرى أصعبَ منها، أبقاها على حالها، وتلطيفها هو الواجب، وهذا كمرض أفواه العروق، فإنه متى عُولج بقطعه وحبسه خِيف حدوث ما هو أصعبُ منه.

قال أحدهم: بورك فيك.. هذا من المواد التي ينبغي التركيز عليها.. فكثير من الأطباء يعالجون عللا بسيطة بأدوية تنشئ عللا أخطر من التي يريدون علاجها.

قالوا: فما الرابع عشر؟

قال: أن يُعالِج بالأسهل فالأسهل، فلا يَنتقِلُ من العلاج بالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذُّرِه، ولا ينتقِلُ إلى الدواء المركَّب إلا عند تعذرِ الدواء البسيط، فمن حذق الطبيب علاجُه بالأغذية بدل الأدوية، وبالأدوية البسيطة بدل المركَّبة.

قالوا: فما الخامس عشر؟

قال: أن ينظر فى العِلَّة، هل هى مما يمكن علاجُها أو لا؟ فإن لم يُمكن علاجُها، حفظ صِناعته وحُرمتَه، ولا يحمِلُه الطمع على علاج لا يفيد شيئاً.. وإن أمكن علاجها، نظر هل يمكن زوالُها أم لا؟.. فإن علم أنه لا يمكن زوالُها، نظر هل يمكن تخفيفُها وتقليلُها أم لا؟.. فإن لم يمكن تقليلُها، ورأى أنَّ غاية الإمكان إيقافُها وقطعُ زيادتها، قصد بالعلاج ذلك، وأعان القوة، وأضعف المادة.

قالوا: فما السادس عشر؟

قال: ألا يتعرَّض للخلط قبل نُضجه باستفراغ، بل يقصد إنضاجه، فإذا تمَّ نضجُه، بادر إلى استفراغه.

قالوا: فما السابع عشر؟

قال: أن يكون له خِبْرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها، وذلك أصل عظيم فى علاج الأبدان، فإنَّ انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمرٌ مشهود، والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح وعلاجهما، كان هو الطبيبَ الكاملَ، والذى لا خِبْرة له بذلك وإن كان حاذقاً فى علاج الطبيعة وأحوالِ البدن نصفُ طبيب.

وكلُّ طبيب لا يداوى العليل، بتفقُّد قلبه وصلاحه، وتقويةِ روحه وقُواه بالصدقة، وفعل الخير، والإحسان، والإقبال على الله والدار الآخرة، فليس بطبيب، بل متطبِّبٌ قاصر.

ومن أعظم علاجات المرض فعلُ الخير والإحسان والذِّكر والدعاء، والتضرع والابتهال إلى الله، والتوبة، ولهذه الأُمور تأثيرٌ فى دفع العلل، وحصول الشفاء أعظمُ من الأدوية الطبيعية، ولكن بحسب استعداد النفس وقبولِها وعقيدتِها فى ذلك ونفعه.

قال أحدهم: صدقت.. وقد رأيت في أرض الصراع الأطباء الجفاة الذين يتعاملون مع الإنسان طينا لا روح فيها

قالوا: فأخبرنا عن الثامن عشر؟

قال: التلطفُ بالمريض، والرِّفق به، كالتلطُّف بالصبى؟

قالوا: فالتاسع عشر؟

قال: أن يستعمل أنواع العِلاجات الطبيعية والإلهية، والعلاج بالتخييل، فإنَّ لِحذَّاق الأطباء فى التخييل أُموراً عجيبة لا يصل إليها الدواء، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل مُعين.

قالوا: فالعشرون؟

قال: هو مِلاك أمر الطبيب  أن يجعل علاجَه وتدبيرَه دائراً على سِتَّة أركان: حفظ الصحة الموجودة، وردِّ الصحة المفقودة بحسب الإمكان، وإزالة العِلَّة أو تقليلها بحسب الإمكان، واحتمالُ أدنى المفسدتَيْن لإزالة أعظمهما، وتفويتُ أدنى المصلحتَيْن لتحصيل أعظمهما، فعلى هذه الأُصول السِّـتَّة مدارُ العلاج، وكلُّ طبيب لا تكون هذه أخِيَّته التى يرجع إليها، فليس بطبيب.

استعمال كل الوسائل:

قالوا: فحدثنا عن الركن الثالث من أركان النصح.

قال: لقد كفانا ابن القيم الحديث عنه.. فلا ينبغي للطبيب أن يقصر في استعمال أي وسيلة علاجية يمكن أن تنهض بالمريض.

قالوا: ولكن قدرات الطبيب محدودة.

قال: لا بد من توفير هيئات أخرى تهتم بالصحة من غير الأطباء.. فهناك أدوية البركة.. وهناك المتوسمون.

قال أحدهم: نرى أن لفتح هذا الباب خطرا على صحة المجتمع.

قالوا: كيف؟

قال: لقد رأيت في أرض الصراع تلاعب الرقاة بصحة الناس.. وأخشى لو سمحنا للمتوسمين بهذا لعالجنا داء بأدواء.

قالوا: ولكن الناس يحتاجون إلى من يعالجهم بغير الأدوية العادية.

قال: فلنضع من الحلول ما نسد به ذرائع الفساد.

قال أحدهم: نرى اشتراط الزهد في المتوسمين.. فإن أكثر ما يجر الناس إلى هذا هو الطمع في الأموال.

قالوا: ولا تنس الجاه.. فهو أخطر من المال.

قال: صدقتم.. فلا بد أن نفكر في حل لهذه المعضلة..

قال آخر: نرى أن نترك هذا للواقع.. فلا نتعرض للحديث عنه.. ولكن نحذر من تلاعب المفسدين.

قال آخر: لا.. لا بد أن نضبط الأمور.. فإن الفساد قد يسري من غفلة ولي الأمر عن النقير والقطمير.

قلت: صدقتم.. بل قد يدخل الفساد من الخير.. فللشر من المنافذ ما يستحيل حصره.

قالوا: نراك غريبا.. فهلا أدليت بدلوك معنا.. لعل الله يفتح علينا بسببك ما نهتدي به.

قلت: لقد رأيت في ( حصون الروح ) من تمرنوا على الرقية الشرعية البديلة عن رقيا المشعوذين.. فيمكن الاستعانة بهم.

قالوا: كيف؟

قال: يكونون تكوينا ممزوجا بين العلم والدين.. وطب الجسد وطب الروح ليعالجوا الناس على أساس الجمع بين الأمرين.

قالوا: صدقت.. ولكن منافذ الفساد.

قلت: لقد سمعت بوزارة الحزم.. فلتتول أمرها.

قالوا: صدقت.. وقد قال عمر t:( والله ما يزع[151]الله بسلطان أعظم مما يزع بالقرآن )[152]

غرس الأمل:

قالوا: فحدثنا عن غرس الأمل.

قال: لقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الركن من أركان النصح، فقال وهو يعلمنا كيف نتعامل مع المرضى:( إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئا، وهو يطيب بنفس المريض )[153]

قال آخر: وقد روي في الحديث انه - صلى الله عليه وسلم - زار أم العلاء الانصارية ـ وهي تتوجع ـ فقال لها:( أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يحط الله به عنه خطاياه كما يحط عن الشجرة أوراقها في الخريف )

قال آخر: لقد رأيت بعض الأطباء في أرض الصراع يخبر مريضه بما يحطم روحه وجسده.

قال آخر: لهذا ينبغي أن نذكر مادة تنهى الطبيب عن تيئيس المريض.

قالوا: ولكن المريض قد يضطر للتعرف على مرضه ليعرف كيف يتعامل معه وفي ذكره ما يحقق هذاالخطر.

قال: هناك أساليب يمكن أن يتفادى بها الطبيب هذا.. فيجمع بين الحسنيين.. حسنى العلاج وحسنى التنفيس.

الخلق

دخلت القسم الرابع من أقسام ( دساتير الأطباء )، فرأيت الطيبة بادية على وجوه أهله، وكأن جميع ما أنزل الله من مكارم الأخلاق قد صورت في وجوههم وسلوكهم.

قال أحدهم: لا بد أن نحدد مقاييس أخلاق الطبيب.

قال آخر: الخلق واحد.. ولكن لكل محل أخلاقه المرتبطة به.. وبما أن الطبيب له علاقة بالمرضى، وهم شديدو الإحساس فإن وظيفته تستدعي أخلاقا لها علاقة بهذا.

قال آخر: أرى أن أصول أخلاق الأطباء أربعة..

قالوا: نعلم ذلك.. ولكن ما هي هذه الأصول الأربعة التي ترجع إليها أخلاق الأطباء.

قال: لقد تأملت فوجدت أنها تنحصر في الإخلاص والرحمة والتواضع والرفق.

الإخلاص:

قالوا: فما تريد بالإخلاص؟

قال: الإخلاص هو الأساس الذي يقام عليه كل بنيان، وأساس الانحراف هو فقدان الإخلاص، كما أن أساس النجاح هو وجوده.

قالوا: لا نشك في قيمة الإخلاص.. ولكنا نسأل عن كيفية تخلق الطبيب به.

قال: لقد كنت في أرض الصراع.. فرأيت كثيرا من الأطباء أجشع من التجار.. فلا يقصدون من علاجهم إلا الطمع في المال الذي يمتلئ به جيب المريض.

قالوا: فإن كان جيبه خاويا.

قال: أعرضوا عنه.. بل منهم من يصرفه كما تصرف الكلاب.

قالوا: ولكن الطبيب يحتاج إلى أجرة على عمله.

قال: ولكن مع ذلك لا يصح أن ندع الفقراء يلتهمهم المرض.

قال آخر: إن فراغ جيوب الفقراء في أرض الصراع يحول بينهم وبين التداوي الذي يخص المترفين، فبعض العمليات عندهم تتطلب أموالا ضخمة تنوء بها كواهل الأغنياء فكيف بالفقراء؟

قالوا: ذلك لأنهم حولوا من الطب تجارة.

قلت: وهل هو شيء غير التجارة؟

قال: لا يصح أن تصبح الحاجات الأساسية للخلق تجارة.

قلت: أتقصد أن يداوي الأطباء مجانا؟

قال: الناس مختلفون، فيهم الغني الذي يقدر على أن يدفع، وفيهم الفقير ولا قدرة له على الدفع..

قلت: تقصد أن يقبض الطبيب من الأغنياء حق خدمته، ولا يقبض من الفقراء.

قال: هذا صحيح، فكيف يقبض منهم ما ليس عندهم؟

ضحكت، وقلت: لكأني بكم لا تعرفون هؤلاء الأطباء، إنهم لا يضعون سماعاتهم على صدرك حتى يضعوها على جيبك.

قالوا: كيف.. أجيبك ينبئهم عن مرضك؟

قلت: لا.. بل ينبئهم عن استحقاقك للعلاج أو عدم استحقاقك.

قال: أيتركونك للموت من أجل فراغ جيبك؟

قلت: هم يخلون أنفسهم من المسؤولية.

قال: فأين زكاة صناعتهم؟

قلت: يدفعون ربع العشر عند مرور الحول.. هذا إن بقي لهم النصاب الذي لم يأت عليه ما يتطلبه الترف.

قالوا: هناك زكاة المال، وهناك زكاة الصناعة.

قلت: لا أعرف في أبواب الزكاة ما يسمى بزكاة الصناعة.

قالوا: ألا تعرف أن زكاة العلم إنفاقه؟

قلت: بلى، فلا يصح أن يكتم العلم، وقد قال تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ((البقرة:159)، وقالتعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ((البقرة:174)

وقد ورد في الحديث الشريف قوله - صلى الله عليه وسلم -:( من كتم علماً يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار )، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:( إن من الصدقة أن تعين صانعاً أو تصنع لأخرق )

قالوا: أليس الطب علما من العلوم؟

قلت: بلى.. بل هو علم من العلوم الشريفة.. فلولاه ما حفظت الصحة التي هي الأصل لحفظ الدين.

قالوا: فكيف يكتمون ما يحفظ الصحة ولا يبذلونه؟

قلت: ولكن كيف يصطادون المال إن بذلوا هذا النوع من العلم النفيس.

قالوا: لا نتصور أبدا أن تصبح الصحة موضعا للتجارة.. ولا أتصور طبيبا يقف أمام مريض على شفا الموت، يتركه لمعاناته لأجل خلو جيبه من المال.

قلت: هذا هو الواقع.

قالوا: هذا هو واقعكم.. أما واقعنا، فمختلف تماما.. اكتبوا كل ما يقينا من هذه الانحرافات التي وقع فيها أهل الصراع.

قال أحدهم: أنا اقترح تأسيس مستشفيات للفقراء تغنيهم عن البخلاء من الأطباء.

قالوا: بماذا نؤسسها؟ وكيف نؤسسها؟

قال: بأموال المحسنين، وزكاة الأطباء.

قالوا: تقصد أن نؤسس مستشفيات الأوقاف.

قال: نعم، فتلك سنة السلف الصالح y.. فقد كانت المستشفيات ـ والتي كان يطلق عليها البيمارستانات ـ من الظواهر البارزة في تاريخ الحضارة الإسلامية، ومن المعلوم أن أساس نشأتها الأوقاف بداية، وتطويراً، وتعليماً للعاملين فيها، وبرزت أسماء عديدة في هذا المجال، مثل: البيمارستان العضدي ببغداد، والبيمارستان النوري في دمشق، والبيمارستان المنصوري في القاهرة، وبيمارستان مراكش، والبيمارستان المقتدري.

قال آخر: ويقدم للمرضى في هذه البيمارستانات العناية الصحية وفق تنظيم مدهش لفت انتباه كل من زارها، فبالإضافة إلى الأكل، والشرب، والملبس الذي يقدم للمرضى برزت خدمات اجتماعية مصاحبة، ومن ذلك أنه تم تخصيص بعض البيمارستانات للفقراء دون الأغنياء، فيتم علاجهم دون مقابل، ومثل هذا كان في البيمارستان الذي أنشأه نور الدين زنكي  ـ يرحمه اللَّه  ـ في دمشق حيث تمّ تخصيصه للفقراء دون الأغنياء مما يؤكد الهدف الاجتماعي من إنشائه.

قال آخر: كما طالت يد الرعاية الاجتماعية لهذه البيمارستانات الفقراء في منازلهم، فقد نص السلطان قلاوون في كتاب وقفه البيمارستان الذي أنشأه على أن تمتد الرعاية الصحية إلى الفقراء العاجزين ويصرف لهم ما يحتاجون من أدوية وأغذية، وقد بلغ عدد هذا الصنف من المرضى الذين يزورهم الأطباء في بيوتهم في فترة من الفترات أكثر من مائتي فقير[154].

قال آخر: ومن الأدوار الاجتماعية التي كانت تؤديها بعض البيمارستانات رعاية المريض حتى بعد خروجه، فيعطى ما يكفيه من معيشة حتى يباشر عمله الذي يتقوت منه، بالإضافة إلى كسوة، وهذا كان دارجاً في البيمارستان المنصوري، وتمتد رعايتهم للمريض حتى بعد وفاته، فقد نصت وثيقة الوقف على أن ( يصرف الناظر ما تدعو الحاجة إليه من تكفين من يموت من المرضى والمختلين من الرجال والنساء فيصرف ما يحتاج إليه برسم غسله، وثمن كفنه، وحنوطه، وأجرة غاسله، وحافر قبره، ومواراته في قبره، على السنة النبوية والحالة المرضية )[155]. وفي ذلك يقول أحد الشعراء المعاصرين لذلك البيمارستان الذي شملت خدماته عموم الناس وغطى جميع جوانب الرعاية:

ولا تنس مارستانه واتساعه

وتوسعة الأرزاق للحول والشهر

وما فيه من قوامه وكفاته

ورفقهم بالمعتفين ذوي الفقر

فللميت المقبور حسن جهازه

وللحي رفق في علاج وفي جبر

قال آخر: يذكر مصطفى السباعي عن غريب ما اطلع عليه في مجال الرعاية الاجتماعية والنفسية للمريض أنه وجد وقف مخصص ريعه لتوظيف اثنين يمران بالمارستان يومياً فيتحدثان بجانب المريض حديثاً خافتاً ليسمعه المريض عن احمرار وجهه وبريق عينيه بما يوحي له بتحسن حالته الصحية[156]، وهذا له أثره الفعال في نفسية المريض وسرعة شفائه.

قال آخر: واستكمالاً لحلقات الرعاية الاجتماعية للمرضى نجد أن الواقفين قد نصوا على أن أصحاب الوظائف الذين يعملون في المدارس التي أوقفوها حين إصابتهم بأمراض خطيرة أو معدية فإنهم يجري عليهم رزقهم طوال فترة عزلهم عن الطلاب حتى يشفوا أو يتوفاهم اللَّه[157].

وهذا يمثل نظاماً للضمان الاجتماعي، وقد يعد أساساً لنظام التأمينات الاجتماعية أو نظام التقاعد في وقتنا المعاصر، كما أنه يمثل قمة الإحساس بمتطلبات الرعاية الاجتماعية لأفراد المجتمع، وتلمس حقيقي لمواطن الاحتياج لديهم.

الرحمة:

قالوا: فما يتعلق بدساتير الأطباء من الرحمة؟

قال: لا يصح أن يخلو قلب الطبيب من الرحمة.. فبالرحمة يعالج الطبيب.

قال آخر: هناك مسألة مهمة إن رأيتم أن نبت فيها هنا.. فلها علاقة بهذا الباب.

قالوا: وما هي؟

قال: ذهبت إلى أرض الصراع.. فرأيتهم يتصارعون فيما يسمى بالقتل الرحيم.

قالوا: وما رأوأ؟

قال: الحديث عن ذلك طويل.. وقد نقلت صورة لما رأيت.. وسأعرضها عليكم في هذا الرائي.

التفتت الجماعة نحو جهاز كذلك الجهاز الذي رأيته في حصون الجسد، والذي يعمل بتقنية قوس قزح.. لقد كانت الصورة واضحة، وكأن أعيننا هي التي انتقلت لا الصورة هي التي حضرت.

ظهرت صورة جمع من الناس مجتمعين كما في البرلمانات التي عهدناها، قال رئيس الجلسة[158]: جلستنا اليوم تتمحور حول موضوع مهم أرجو أن نبت فيه.. وهو ما يسمى بالقتل الرحيم..

فهل من حق الطبيب الحكم بالإعدام على المريض الميئوس من شفائه؟.. هل نرحمهم من عذاب بلا نهاية؟.. هل نجعلهم يموتون بشكل إنساني رحيم؟.. هل نوفر عليهم وعلى أسرهم المعذبة استمرار نزيف المعاناة النفسية والمعنوية والمادية بلا أمل؟.. هل نريحهم من آلام الإبر المغروسة في أوردتهم ليلاً ونهاراً؟.. هل نخلع تلك الوصلات التي تربطهم بحياة هي في الحقيقة حياة وهمية؟.. هل نفعل ذلك … أم نتمسك بأمل مجهول … معجزة إلهية تدفع النبض من جديد في الجسد الكائن في سكون؟.. هل من حق الإنسان الميئوس من شفائه أن يظل حتى الدقيقة الأخير تحت العلاج … حتى ونحن نعلم أنه علاج بلا جدوى؟.. هل تفرض علينا الإنسانية أن نبقي إنساناً ميتاً حياً … أو حياً ميتاً على قيد الحياة؟

قال أحدهم: أنا من الهند.. وقد اجتمع مؤتمر الاتحاد الدولي لجراحي المخ والأعصاب بنيودلهى من 8-13 أكتوبر 1989 م وأجمع أعضاؤه.. وكانوا أربعة آلاف طبيب على اتخاذ قرار ينص على أنه في حالات الأمراض غير القابلة للشفاء.. وفى المرحلة الأخيرة يحق للطبيب بعد مناقشة واضحة وقرار من المريض أو أقرب أقاربه أن يحد تدخله من هذا العلاج بشكله المناسب إلى قدر الإمكان لنوعية الحياة التي تقترب من نهايتها.

قال آخر: كنت معه في هذا المؤتمر، وقد نص أيضا على أنه من الواجب العناية بالمريض الذي على حافة الموت حتى النهاية.. ولكن بطريقة تسمح للمريض بالمحافظة على كرامته.

قال آخر: كنت معهم.. وكان القرار الذي وافق عليه أربعة آلاف طبيب من مختلف دول العالم على أن من حق الطبيب في إيقاف علاج المريض الذي أصبح ميئوساً من شفائه.

قال آخر: لقد أبدعنا في بلادنا ( اليوتانيجا )

قالوا: وما ( اليوتانيجا )؟

قال: تستطيعون تسميته ( القتل من أجل الرحمة ) أو ( القتل يأساً من الشفاء )

قالوا: وضح ما تريد.

قال: هذه قضية متفجرة في أكثر من دولة في كل أنحاء العالم.. وهناك دول تمارس بالفعل ظاهرة القتل الرحيم.. ولكنها حتى الآن لم تصدر التشريعات والقوانين التي تنظم ممارسة هذا العمل.

قالوا: إلى الآن لم نفهم ما تريد.

قال: سأضرب لكم مثالا يوضح لكم هذا.. في مارس عام 1991 نشرت إحدي المجلات الطبية الأمريكية واقعة حول هذا الموضوع أشارت الكثير من الجدل وفيها يروي الطبيب ( تيموثي كيل ) حالة المريضة ( دياني) التي كانت مصابة بسرطان حاد في الدم زوقررت ألا تتناول جرعة الدواء الكيميائي المخصص لها، والتي وصفها لها الطبيب المعالج.. ونظراً لاقتناعه بأن دياني قد اتخذت بالفعل القرار الحكيم، فقد وصف لها الطبيب المحاليل الكيميائية التي ساعدتها على التخلص من حياتها.

قالوا: وصف لها ما يقتلها.

قال: أجل.. وفى يوليو في نفس العالم رفضت هيئة المحلفين إدانة الطبيب ( كيل ) بتهمة مساعدة المريض على الانتحار.

ثم جاءت ( المبادرة 119 ) وهى استفتاء ولاية واشنطن على مشروع قانون يبيح ممارسة القتل الرحيم، ليصبح أكبر دليل على تزايد التأييد لهذه الفكرة في الولايات المتحدة.

قالوا: فهل يجد هذا تأييدا شعبيا عندكم؟

قال: أجل.. ولم يقتصر الأمر على ذلك.. ففي عام 1990 كان الطبيب المتقاعد جاك كينعوركاتاب حديث العناوين الرئيسية في الصحف عندما ساعد جانيت إدكيز، وهي سيدة مصابة بمرض عضال على الانتحار في مدينة ميتشجان باستخدام آلة الانتحار التي اخترعها.. والتي من خلالها يستطيع المريض حقن نفسه بمادة سامة من خلال أنبوبة خاصة.

وفى سبتمبر عام 1991 ساعد الطبيب كيفور اثنين من مرضاه على الانتحار أيضاً في ميتشجان التي ليس لديها أي قوانين حدية تمنع تدخل الطبيب لمساعد مرضاة على الانتحار.

وفى أبريل 1919 نشرت جمعية هيملوك كتاب ديري همفري ( المخرج الأخير Final Exit ) الذي يصف أكثر من طريقة للانتحار، ويقدم بيانياً كاملاً بالأقراص التي يستطيع الشخص تناولها للانتحار وعددها، وسرعان ما أصبح هذا الكتاب في مقدمة أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد امتدح مؤيدو الكتاب مضمون الكتاب واعتبروه مادة قيمة لمساعدة المرضي الميئوس من شفائهم.. خاصة المصابين بالإيدز الذين يخشون فقد السيطرة على أنفسهم وعدم كيفية موتهم.

بل إن انتشار الكتاب على هذا النحو قد يدفع أصحاب الأمراض العصبية بقوة إلى الانتحار.

قال آخر: أنا من هولندا.. ولنا طرقنا الخاصة بالقتل الرحيم.. فعندنا يعطي المريض محاليل بهدف قتله رحمة به.. وهذه العقاقير تصيب المريض بغيبوبة عميقة لا إفاقة منها خلال 30 دقيقة على أن تضع حداً لحياته في غضون عدة ساعات.

قال آخر: أنا من بلده.. وقد أصدرنا وثيقة خاصة بـ (الليثمانميا)، وصدرت عن أطباء الجمعية الهولندية الملكية للأدوية.. وهي تنص على أنه يجب عدم منح المريض أي عقاقير خاصة بالهلوسة أو التشنجات.. وإن حصل احتمال للتقيؤ فيجب أن يواجه بإعطاء المريض المزيد من العقاقير.

ومنذ نحو 20 عاماً مضت قبل أن تصبح اليوتانجيا عملاً مقبولاً في النظام الطبي الهولندي كان المريض الذي يطلب تطبيق اليوثانيي عليه يخاطر بمواجهة موت أقل راحة وكرامة.. ففي ذلك الوقت كان الأطباء الذين يشعرون بالأسي لوضع حد لآلام المرضي يلجئون إلى إصابة المريض بنسبه نقص السكر من خلال حقن بجرعات مضاعفة من الأنسولين وحقنه بعقاقير أخري تساعد على إصابة نوبة قلبية، وأحياناً كانوا يخنقون المرضي بالوسائد.

قال آخر: أما الآن فيتم تخيير المريض بين حقن بعقار سام تحت الجلد حتى يغرق في غيبوبة كاملة يعقبها حقن آخر بمواد تساعد على ارتخاء العضلات من أجل شل عمل الجهاز التنفسي علاوة على طرق أخري يتم خلالها قتل المريض الميئوس من شفائه على عدة مراحل تستغرق عدة ساعات من خلال عقاقير سامة أيضاً.

قال آخر: والأمر يزداد شدة.. ونخشى أن يخرج الأمر على السيطرة.. فيصبح الأطباء منفذي إعدام أكثر منهم أطباء.. وخاصة إذا أصبح الأمر بيد الطبيب، ولم يعد المريض هو صاحب القرار.. فإن ذلك سيفتح الباب أمام ممارسات غير مشروعة لا أول لها ولا آخر وقد يصعب وقفها.. وليس بعيداً عن الأذهان تجارة الأعضاء التي أصبحت رائجة عند الكثيرين لدرجة أنه يمكن التأكيد على أن هناك طرقا خاصة بهذه التجارة.

أغلق الرائي بعد أن بث وقائع هذه الجلسة، فقام المتحدث، وقال: لقد سمعتم ما يحصل في أرض الصراع، فاذكروا رأيكم.. وانظروا كيف تسدون ذرائع الفساد.

قال أحدهم: أول شيء لا أتصور أنكم تخالفونه هو أنه لا يجوز لأحد أن يقتل نفسه، أو أن يقرر أن يقتل نفسه، كما يرى من سمعنا من المصارعين.

قال آخر: وقد دلت النصوص المقدسة على هذا، فالله تعالى يقول:) وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً((النساء: من الآية29)

قال آخر: وقد دل الحديث الصريح الصحيح على هذا، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -:( من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً أبداً، ومن تحسي سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في النار خالداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً أبدا )[159]   

قال آخر: وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -:( من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة )[160]

قال آخر: وفي حديث آخر، قال - صلى الله عليه وسلم -:(  كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح فأخذ سكيناً نحر بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال اللّه عزَّ وجلّ: عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة )[161]

قال آخر: المادة الأولى المتعلقة بهذا إذن هي: حرمة قتل المريض لنفسه سواء بالفعل أو بالقرار.

قالوا: أجل.. فلا نظن أن هناك من يخالف في هذا.

قال أحدهم: بقيت مسألة الاستمرار في العلاج من مرض ميئوس منه، هل يجب على الطبيب والمريض الاستمرار في العلاج، أم يجوز قطع العلاج في حال اليأس؟.. مع العلم أن قطع العلاج يؤدي لا محالة إلى الموت.

قال آخر: أرى أن المقصد من العلاج هو حصول الشفاء أو تسكين الألم.. فإن لم يتحقق أحد الغرضين.. فلا جدوى من العلاج.

قالوا: ما تقصد؟

قال: أي أن هذا الشخص إن كان يستعمل الدواء ليبقي بصيص الحياة.. ولكنه يظل ـ مع ذلك ـ يعاني، فأرى أنه لا حرج في وقف العلاج.

قالوا: هذه مسألة خطيرة لا يمكن البت فيها إلا بفتوى الفقهاء.

قال: أظن أن هناك نصوصا وردت عن السلف في هذا، وهي تدل على عدم لجوئهم إلى الطبيب إذا يئسوا من الشفاء.. وهي تدل على أن القصد هو الشفاء أو تسكين الألم مع الاستمرار في الحياة..

قال آخر: لقد قرأت نصوصا كثيرة عن هذا.. منها أنه لما مرض عبد اللَّه بن مسعود t عاده عثمان بن عفان فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة اللَّه. قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني. قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه قال: يكون لبناتك. قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول:( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً)[162]

قال آخر: ومن جهة أخرى، فإن هذا المريض سيجعل نفسه وأهله في معاناة مستمرة.. وأعرف أن بعضهم ـ وكانوا فقراء محدودي الحال ـ أرسلوا والدتهم لإجراء عملية في الخارج بأموال ضخمة، وقد كانت عجوزا مسنة، وكان المرض ميئوسا منه.. ولكنها ما إن وصلت، وأجريت لها العملية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.

قال آخر: صدقت.. فلو أن هؤلاء تركوا والدتهم تموت بجانبهم كان أفضل لهم ولها.. ولو أن تلك الأموال الكثيرة التي ذهبت لجيوب المستشفيات الخاصة ذهبت إلى أهل الحاجة لكان أنجح لهم جميعا.

قال آخر: أظن أننا نتفق على هذه النقطة.. فالعلاج الواجب هو ما حقق مقصد الشرع من التداوي.. أما ما لا طائل وراءه إلا التعب فلا حاجة له.. والأفضل للمريض هو الاستسلام لقدر الله بالموت..

قال آخر: ولكن..لا بد من سد ذرائع الفساد التي قد يتخذها البعض لقتل مريضه قتل الرحمة الذي يتصوره.

قال آخر: هم يتصورون أن الرحمة في تخلصه من العذاب.. مع أن ذلك العذاب الذي يعانيه في تلك اللحظات من الرحمة.. لأن الله تعالى يطهره من ذنوبه، ولعل ذنوبه تغفر في تلك الدقائق التي تمتلئ ألما.

قال آخر: ولهذا أخبر - صلى الله عليه وسلم -   أن ( موت الفجأة أخذة أسف )[163]

قال آخر: ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من موت الفجأة وكان يعجبه أن يمرض قبل أن يموت[164].

قال آخر: ولهذا أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن للموت سكرات.. وقد روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه،ويقول:( لا إله إلا الله إن للموت سكرات )،ثم نصب يديه فجعل يقول:( في الرفيق الأعلى حتى قبضومالت يده )[165]

قال آخر: وفي هذه السكرات رحمة لا ينبغي أن نتسبب في حرمان المريض منها.. وقد قال عائشة ـ رضي الله عنها ـ:( ما أغبط أحداً بهون موت. بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )[166].. وقالت ـ رضي الله عنها ـ: مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنه لبين حاقنتي[167] وذاقنتي [168]، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - )

قال آخر: وقد روي في الحديث عن ابن مسعود t قال: دخلت عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يوعك فقلت: يا رَسُول اللَّهِ إنك توعك وعكا شديدا، قال:( أجل إني أوعك كما يوعك رجلان مِنْكم )، قلت:( ذلك أن لك أجرين ) قال:( أجل ذلك كذلك، ما مِنْ مسلم يصيبه أذى: شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه بها سيئاته، وحطت عَنْه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها )[169]

قال آخر: ما دمنا قد بتتنا في هذا.. فلنتحدث عن نقطة مهمة اختلف فيها بعض أهل الصراع.

قالوا: وما هي؟

قال: هناك مرضى في عداد الموتى.. ولكنهم مرتبطون بأجهزة تمدهم بحياة صورية لا معنى لها.. مع العلم أن تكاليف هذه الأجهزة ضخمة لا يمكن تحملها.. وهي في نفس الوقت تجول دون استفادة الغير منها.

قالوا: هذه المسألة مثل التي قبلها.

قال: ولكن ألا يعتبر وقف الجهاز عن العمل نوعا من قتل المريض!؟

قال أحدهم: لقد تحدث الفقهاء عن هذا.. ففرقوا بين مجموعة صور للحياة.. فهناك الحياة المستقرة، وهناك الحياة غير المستقرة، وقد عرف بدرالدين الزركشي الحياة المستقرة بقوله: (الحياة المستقرة هي أن تكون الروح في الجسد ومعها الحركة الاختيارية دون الاضطرارية كما لو كان إنسان، وأخرج الجاني أو حيوان مفترس حشوته وأبانها، لايجب القصاص في هذه الحالة، وأما حياة عيش المذبوح فهي التي لا يبقى معها إبصار ولا نطق ولا حركة اختيارية )[170]

قال آخر: وبمثل ذلك قال الرملي، فقد نص في نهاية المحتاج:( وإن أنهاه (أي المجني عليه) رجل إلى حركة مذبوح بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة اختيار، وهي المستقرة التي يبقى معها الإدراك ويقطع بموته بعد يوم أو أيام، ثم جنى عليه الآخر، فالأول قاتل لأنه صيّره إلى حالة الموت، ومن ثم أعطي حكم الأموات مطلقاً ويُعزر الثاني لهتكه حرمة ميت )[171]

قال آخر: فهذا الذي نص عليه الفقهاء يشير إلى أنهم اعتبروا فقدان الإحساس والحركة الاختيارية علامات تورث غلبة الظن بوصول المجني عليه إلى مرحلة الموت، وأن الحركة الاضطرارية الصادرة من المجني عليه لا تُعطي غلبة الظن ببقاء الروح في الجسد إذا كانت وحدها، ولم تقترن بأي نوع من الإحساس أو الحركة الاختيارية وإلا لجعلوا القصاص من نصيب الجاني الثاني، إذ يكون فعله القاتل وارداً على جسد فيه روح.

قال آخر: ويمكن الاستدلال لهذا بما أجمع الفقهاء عليه من عدم اعتبار حركة المذبوح.. ولهذا فلو أن حيوانا مفترسا أو شخصا قام بالاعتداء على آخر وأفقده النطق والإبصار والإحساس والإدراك ولم يبق منه إلا ما يسمى حركة المذبوح، ثم جاء آخر فأجهز عليه، فإن القاتل هو الأول، وإنما يعزر الثاني لانتهاكه حرمة الميت.. فمهما كان قلبه ينبض وهو يتنفس ويتحرك إلا أن هذه الحركات اضطرارية فلا يحكم له فيها بحياة.

قال آخر: وقد دلت النصوص على هذا الإجماع، فقد استدل السلف y على موت عمر t بأن الطبيب سقى عمر t لبناً فخرج اللبن من الجرح، ومعنى ذلك أن الطعنة كانت نافذة حتى وصلت إلى الأمعاء أو المعدة، ومثل تلك الحالة لا تعيش في ذلك الزمان. ورغم أن عمر كان يتكلم ويعهد وبقي ثلاثة أيام على ذلك إلا أنه اعتبر في عداد الأموات.

قال آخر: لقد قرر بعض الفقهاء المعاصرين[172] على أن الشخص يُعتبر ميتا إذا تبينت فيه إحدى علامتين:إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.. أو إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء لايزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة.

قال آخر: وقد وافق المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة (1408هـ) على رفع أجهزة الإنعاش وإيقافها متى تبين بالفحوصات الطبية المؤكدة من قبل المختصين بأن هذا الشخص قد مات دماغيا.

قال آخر: أيمكن الاستفادة من أعضاء هذا الذي حكم عليه بالموت؟

قال آخر: أجل.. وبهذا يمكن إنقاذ مئات المرضى الذين يعانون من فشل نهائي لأعضائهم الحيوية الهامة، وبالتالي إنقاذهم.

قال آخر: وقد استطاعت بعض الدول الإسلامية[173] أن تكون سباقة في هذا المجال حيث تم حتى نهاية عام 1995م زرع 731 كلية من متوفين دماغياً كما تم زرع 64 قلباً و84 صماما قلبيا و94 كبدا وثلاث حالات زرع بنكرياس وحالتي زرع رئة.

التواضع:

قالوا: فما تريد بالتواضع؟

قال: لقد كنت في أرض الصراع.. فرأيت من عجائب كبر الأطباء ما ينقضي دونه العجب.

قالوا: عجبا.. أطبيب، ويتكبر؟.. كيف يتعامل المريض مع طبيب مستكبر؟

قال: لقد رأيت من المرضى من يرتج عليه إذا وقف أمام الطبيب.

قالوا: فما ترى من علاج لهذا؟

قال: أرى أن يتصرف الطبيب بكل ما يزيح الهيبة منه من نفس المريض حتى يستطيع أن يصف له حاله.

قال آخر: ولا أرى ما يفعله كثير من الأطباء من الانقباض عن المرضى بحجة حفظ هيبتهم.. فقد كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس هيبة مع أنه كان أعظم الناس تواضعا.

الرفق:

قالوا: فما تريد بالرفق؟

قال: لقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا الخلق، فقد ورد في الحديث عن أبي رمثة قال: دخلت مع أبي على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فرأى أبي الذي بظهره[174]، فقال:( دعني أعالجه فإني طبيب)، فقال - صلى الله عليه وسلم -:(  اللّه الطبيب )[175].. وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - علة كون الله هو الطبيب الحقيقي، فقال:( الله الطَّبِيبُ، بل أنت رجلٌ رفيقٌ، طَبِيبُها الذي خلقها )

 قال آخر: لقد قرأت نصوصا جميلة لابن الحاج تتعلق بهذا.. إن شئتم قرأتها لكم.

قال آخر: لا حاجة لأن تقرأها.. فها هو ابن الحاج.. وسيذكرها لكم.

قال ابن الحاج: من آداب المريض أنه عند مباشرته لمريضه يتعين عليه أن يؤنسه ببشاشة وطلاقة وجه ويهون عليه ما هو فيه من المرض اقتداء بالسنة المطهرة.. وينبغي للطيب أن يكون أمينا على أسرار المرضى فلا يطلع إلا إذا علم أن المريض لم يأذن له في ذلك إلا بقصد استجلاب خواطرالاخوان أومن يتبرك بدعائه.. وينبغي ألا يقعد مع الطبيب غيره لمن هو مباشر للمريض وعالم بحال مرضه بشرط أن لا يستحى المريض أن يذكر مرضه بحضرته.

 ومن آكد ما على الطيب حين جلوسه عند المريض أن يتأنى عليه بعد سؤاله حتى يخبره المريض بحاله، ويعيد عليه السؤال لأن المريض ربما تعذر عليه الإخبار بحاله لجهله به أو تأثره بقوة ألمه.

قلت: أراك تنتقد كثيرا من أهل عصرك في المدخل.. فهل انتقدت الأطباء؟

قال: كيف لا أنقدهم.. وكيف أرضى عن منكرهم.. هم لا يمهلون المريض حتى يفرغ من ذكر حاله، بل عندما يشرع في ذلك فإن الطيب يجيب أو يكتب.. والحال أن المريض لم يفرغ من ذكر حاله..

قلت: يزعم بعضهم أن ذلك من قوة المعرفة والحذق وكثرة الدراية بالصناعة.

قال: لا.. فالعجلة لغير الطبيب قبيحة لمخالفتها لآداب السنة المطهرة فكيف بها في حالات الطيب.. فيتعين على الطبيب أن يسمع كلام المريض إلى آخره، فلعل آخره ينقض  أوله أو بعضه.. ولربما يغلط المريض في ذكر حاله أو  يعجز عن التعبيرعنه، فإذا تأنى الطيب وأعاد عليه السؤال برفق أمن من الغلط.. فإن الغلط في هذا خطر لأن أصل الطب والمقصود منه هو معرفة المرض، فإذا عرف سلمت مداواته غالبا.

قالوا: وهل هناك ناحية أخرى تتعلق بالرفق؟

قال: أجل.. ينبغي للطيب أن لا يقتصر على سؤال المريض وحده، بل يسأل من يخدم المريض إذ ربما يعرف عن المريض أكثر مما يعرفه هو.

قالوا: هذه ناحية مهمة.. فقد لا يعرف المريض كيف يعبر عن مرضه.

قال: وينبغي للطيب أن يعرف حال المريض في حال صحته في مزاجه ومرباه وأقليمه وما أعتاده من الأطعمة والأدوية، سواء بالسؤال من المريض أو ممن يلوذ به.. وإذا تعذر عليه ذلك فليسأل عن والدي المريض، ويطبه بمقتضى حالهما.

قالوا: فهل هناك ناحية أخرى تتعلق بهذا؟

قال: أجل.. ينبغي للطبيب أن ينظر في حال المريض.. فإن كان مليا أعطاه من الأدوية ما يليق بحاله، وان كان فقيرا أعطاه ما تصل إليه قدرته من غير كلفة ولا مشقة.

قالوا: فهل هناك ناحية أخرى تتعلق بهذا؟

قال: أجل.. ينبغي للطبيب أن يكون الناس عنده على أصناف فصنف يأخذ منه، وصنف لا يأخذ منه، وصنف إذا وصف لهم شيئا من الأدوية أعطى لهم ما ينفقونه فيه..   فالصنف الأول من له سعة في دنياه.. والصنف الثاني العلماء والصلحاء المستورون في حال دنياهم، فلا يأخذ منهم شيئا إلا أن يكون محتاجا.. والصنف الثالث الفقراء الذين لا يقدرون على  كفايتهم في حال الصحة، فهؤلاء يعطيهم ثمن ما يصفه لهم إن كان في سعة.

قالوا: فلنسجل كل ما ذكره ابن الحاج.. فكل هذه أخلاق يحتاج الطبيب إلى التحلي بها.

 



([1])  البيهقي في الشعب.

([2])  الطبراني في الكبير والحاكم عن أم سلمة.

([3])  الحاكم.

([4])  أبو داود والحاكم عن عائشة.

([5])  مسلم.

([6])  نبات حولي من فصيلة المركبات، يوجد في الحقول وعلى جوانب الطرق بالمناطق الحارة، ويتراوح ارتفاعه ما بين 15 ـ 50 سم، ساقه متفرعة، أوراقه طويلة ومجنحة، وأزهاره بيضاء، ولزهرة البابونج رائحة عطرية تميز العشبة عن أعشاب تشبهها لا رائحة لها.

([7])  يساعد البابونج على رفع التشنجات الحاصلة في المعدة، وسائر أقسام الجهاز الهضمي، ويزيل المغص من المعدة والأمعاء والمرارة أحيانا.

([8])  يساعد البابونج على شفاء الجراح غير الملتئمة بسرعة، وعلى الأخص في تلك الأماكن من الجسم التي تعسر معالجة الجراح فيها، كالقسم الأسفل من الساق، فيمكن معالجة الجراح بكمادات البابونج أو المراهم المركبة منه، فتندمل بعد وقت قصير.

([9])  يمكن استخدام أبخرة البابونج في معالجة النزلات الصدرية والرشوحات الرئوية، وذلك بأن يسخن الماء في قدرعلى النار ويلقى فيه شئ من البابونج، ثم يغطى الرأس مع القدر بقطعة كبيرة من القماش، ويبدأ المريض في استنشاق بخار البابونج مدة ربع ساعة على الأقل، فيقوم البابونج بقتل هذه الجراثيم ورفع الالتهابات.

([10])  كما يحتوي على فلافو نيدات وجلوكوزيدات مرة وكومارينات ومواد عفصية.

([11])  يستخدم مغلي البابونج في أوروبا كمشروب لعلاج القرحة، وقد نصح عدد كبير من العشابين المتميزين باستعمال هذا النبات، وقد قال الطبيب رودلف فرتزويس عميد الأعشاب الطبية الألمانية ومؤلف كتاب Herbal medicine أن البابونج هو الوصفة المفضلة لعلاج القرحة، ولا يوجد وصفة أخرى يمكن أن تجاريه من المستحضرات الكيميائية المشيدة المستخدمة لعلاج القرحة.

([12])  لا يجب الإكثار من تناول شاي البابونج، إلا في حالات خاصة ينصح بها الأطباء، لأن ذلك يؤدي في هذه الحالة إلى عكس المفعول، فيشعر الشخص بثقل في الرأس وصداع عند القيام بتحريك الرأس، ويستولي عليه الألم، في كل مرة يهتز بها جسمه، وتعتريه الدوخة والعصبية، وحدة المزاج والأرق، أي أنه تنتابه جميع تلك العوارض التي يوصف البابونج في مكافحتها.

([13])  الزعتر: هو السعتر ويسمى الصعتر، وهو نبات مشهور من الفصيلة الشفوية، ويكثر بصفة عامة في دول حوض الأبيض المتوسط، ويطلق عليه صفة مفرح الجبال لأنه يعطر الجبال برائحته الذكية.

واسمه العلمي Thymus Vulgaris، والجزء الطبي المستعمل منه: الفروع المزهرة،والأوراق، وهو من التوابل، وله رائحة عطرية قويةوطعم حار مر قليلاً، وله نوعان: بريونوع آخر يزرع.

([14])  هو الدكتور محمد أحمد مطر في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا)

([15])  المادة الفعالة في معظم أدوية السعال مستخلصة من السعتر، وهي مادة التيمول.

([16])  عرقسوس ة، ويعرف علمياً باسم Glycyrrhiza glabra، وهو نبات شجري معمر ينبت في كثير من بقاع العالم مثل سوريا وآسيا الصغرى وأواسط آسيا وأوربا ومصر وكان قدماء المصريين يتناولون نقيع جذوره في الماء... والجزء المستخدم منها الجذور.

([17])  المادة الفعالة في السوس هي الكلتيسريتسن، وثبت أن عرق السوس يحتوي على مواد سكرية وأملاح معدنية من أهمها البوتاسيوم، والكالسيوم، والماغنسيوم، والفوسفات، ومواد صابونية تسبب الرغوة عند صب عصيره، ويحتوي على زيت طيار.

([18])  عقار الكاميتداس وهو علاج قوي لقرحة المعدة مستخرج من نبات العرقسوس، وقد وجد أن المادة الموجودة في العرقسوس « صابونين » هي التي تقوم بالأثر العلاجي، وتدخل أيضا في الأدوية المعالجة لآلام الحنجرة والكحة وضعف التنفس كما أنها تصلح كمضاد للإمساك.

([19])  مع ملاحظة أن الاستمرار في استعماله لمدة طويلة أو زيادة الجرعة له تأثيرات سلبية مثل الصداع، ارتفاع ضغط الدم واحتباس السوائل ونقص في البوستاسيوم.

([20])  الهندباء Taraxacum afficinalis من الفصيلة المركبة، وهي نبات غض يتراوح ارتفاعه ما بين  40 __80 سم، ولها ساق أجوف قليل الأوراق، تكسو الأوراق شعيرات خشنة... وهو حولي أو ثنائي الحول، والقليل منها معمرة تنمو عفوياً في الأراضي الرملية والجافة، كما تزرع الهندباء، ويعرف النوع المزروع بالنوع البستاني، والنوع الآخر بالهندباء البري.

([21])  أزهار الهندباء مستديرة برتقالية إلى صفراء اللون، وربما يوجد بعض الأنواع بلون أزرق، وهي تتفتح بطريقة عجيبة حيث تنفتح صباحاً وتنقفل بإحكام مساءً.

([22])  جذر الهندباء غليظ مخروطي يتعمق في التربة وينبعث منه جذامير جانبية عرضية، كما تحوي بعض سيقان الهندباء عصارة لبنية.

([23])  تعتبر جذور وجذامير  الهندباء  أحد العقاقير المسجلة في دستور الأدوية الأمريكي كعلاج لأمراض الكبد.

([24])  اعتبرت الدساتير العلاجية الألمانية جميع أجزاء  الهندباء  صالحة لعلاج أمراض الكلى ولأفضل المواد ادراراً للبول.

([25])  كان الهولنديون أول من فكر في استعمال جذور الهندباء  اليابسة ومزجها بالبن، وصنع قهوة الهندباء منها وجعلها مشروباً مقوياً للأمعاء.

([26])  وهناك دراسات علمية أجريت على أوراق الهندباء حيث نشر بحث قيم في مجلة النباتات الطبية العالمية توصي باستخدام أوراق الهندباء كأفضل مادة لإدرار البول.

([27])  المربمية sage هي نبات عشبي معمر صغير، ويعرف علميا باسم salvia officinalis من الفصيلة الشفوية، التي تضم الريحان والنعناع والحبق والزعتر.

وهي من أشهر وأقدم النباتات التي تستخدم في الطب القديم والحديث، وتشتهر بها بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.

وهي تحتوي على زيوت طيارة وفلافونيدات وأحماض فينولية ومواد عفصية، والمادة الفعالة تعود إلى مركبات الزيت الطيار.

([28])  ابن سعد، والبخاري في التاريخ والترمذي عن يزيد بن نعامة الضبي.

([29])  هو الدكتور أحمد كمالي أستاذ علم العقاقير والنباتات الطبيعية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.

([30])  المريمية لا تسبب فشلاً كلوياً كما يشاع.

([31])  المرمية من النباتات التي تحتوي على الزيوت الطيارة، واهم مركباتها ثوجون والذي يمثل 50% من محتويات الزيت الطيار. كما تحتوي على تربينات ثنائية مرة وفلافو نيدات واحماض فينولية ومواد عفصية.

([32])  الشوفان Avena Sativa من الفصيلة النجيلية GRAMINEAE: هو نبات عشبي حولي يشبه الحنطة والشعير في الشكل، وهو ينبت عادة بينهما، وبذوره متوسطة بين حب الحنطة والشعير، والجزء المستخدم منه هو البذور والسيقان الجافة.

ولم يرد اسم الشوفان في المعاجم العربية القديمة، ولا في المفردات، وقد عرف في الماضي بأسماء مختلفة مثل هُرطُمان، وهي كلمة فارسية وخافور وقرطمان، والنوع الذي يزرع يسمى خرطان زراعي أو خرطان معرف... أما كلمة شوفان فهي جديدة حيث أطلقت في القرن الماضي فقط.

ومن محتوياته: قلويدات، وسيترولز، وفلافونيدات، وحمض السليسيك ونشا، وبروتين، والذي يشمل الجلوتين، وفيتامينات، وبالأخص مجموعة فيتامين ب، ومعادن مثل البوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والفوسفور والحديد والصوديم وهيدرات الكربون... ما يحتوي على دهن وهرمون قريب من الجريبين (الهرمون المبيضي) وعلى الكاروتين بالاضافة الى فيتامين ب ب (PP) وفيتامين د... وتتفاوت المحتويات الكيميائية بين أنواع الشوفان العادي والتركي والأحمر والقصير والنبوي لكن المواد الأساسية والجوهرية توجد في جميع الأنواع.

([33])  وفي عام 1997 سمحت منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) للشركات المصنعة للشوفان لإضافة هذا الادعاء على منتجاتهم الغذائية من الشوفان.

([34])  هو شجرة معمرة من فصيلة الزيزفونات، وساقها خشبية، ذات قشرة ملساء كثيرة الأغصان، ولهذه الشجرة أنواع عديدة لا فرق بينها من الناحية الطبية، وأوراقها كبيرة على شكل قلب مائل، وهي مسننة وبعضها رمحية شبيهة بأوراق الزيتون، ولونها فضي وهذا الصنف شائع في البلاد العربية، وأما أزهارها فهي عنقودية بيضاء أو شقراء لها رائحة عطرية طيبة.

ومن عناصره الفعالة: تانين والسكر والصمغ والفانيلين.

([35])  اللحاء أو الخشب الأبيض: هو طبقة في الشجيرة، تتوسط القشرة والخشب، لونها أبيض، وتدعى اصطلاحا باللحاء أو الخشب الأبيض الكاذب، وهي تحتوي على مادتين رئيستين:سكرية وعفصية قابضة، بالإضافة إلى الفيتامينات: ب1، ب2، ج.

([36])  يعرف العوسج بعدة أسماء منها: قصر، عوسجة، وعنب الديب، كما يعرف علمياً باسم Lycium shawi، وهو عبارة عن شجيرة شوكية معمرة يصل ارتفاعها إلى حوالي مترين.. له سيقان خشبية متفرعة والفروع متعرجة ومتداخلة.. الأوراق صغيرة وبسيطة ذات لون أخضر يميل إلى الصفرة.

ويوجد على جانب الأوراق شوكتان حادتان وهذه الأشواك سامة.. الأزهار أحادية تخرج في الجانب المقابل لمجموعة الأوراق وهي جرسية الشكل.. الأزهار بيضاء تميل إلى الزرقة.

.. الثمرة لبية عنبية لونها أخضر.. وعند النضج يتغير إلى اللون الأحمر، حلوة المذاق، تؤكل.. تحتوي على بذور كثيرة والبذرة شكلها كلوي منضغطة وذات لون بني.

وهو ينتشر في الأماكن الرملية الساحلية والمسطحات الرسوبية والأراضي الحصوية

وهو يحتوي على فلافونيدات ومواد عفصية وستيرولات وتربينات ثلاثية.. كما يحتوي على المنجنيز والنيكل والنحاس والكروم والمولوبديم.. كما يحتوي على قلويدات ومواد سكرية وحمض الهيدروسيا نيك وتحتوي الثمرة على زي زانتين.

([37])  الناردين الطبي هو المعروف بحشيشة القطة، ويعرف علمياً باسم Valeriana officinalis، وهو عبارة عن نبات معمر يتراوح ارتفاعه ما بين  80- 150سم، له ساق مستقيمة قوية جوفاء ومضلع اغصانه قليلة، وله أوراق متقابلة مركبة ريشية الشكل تضم كل ورقة ما بين  5-  11وريقة عريضة أو ما بين  11-  33وريقة ضيقة وهي مسننة الحواف، الأزهار تجتمع في قمم الأغصان على هيئة باقات بلون ابيض إلى زهري. الثمرة تاجية لها صرة ريشية. جذور النبات قصيرة له فسلات تحت الأرض  ورائحته كريهة وقوية... والموطن الأصلي له أوروبا وشمال آسيا وينمو في البراري في ظروف رطبة ويزرع في وسط أوروبا وشرقيها.

والأجزاء المستعملة منه الجزمور مع جذوره، حيث يتم جمعه طازجاً في الربيع أو الخريف وينظف ثم يجفف في الهواء مباشرة.

([38])  الجرعة المعروفة للناردين هي أخذ كوب شاي مرة إلى أربع مرات في اليوم ويحضر شاي الناردين بأخذ  2-  3جرامات من الجذومور المسحوق ووضعها على 150ملي من الماء المغلي ويترك ما بين  5-  10دقائق ثم يصفى ويشرب. والجرعة القصوى للناردين هي 15جراماً في اليوم الواحد.

أما فيما يتعلق بالحمام المائي لغسل الجسم بالناردين فيخلط 100جرام من مسحوق الجذمور مع  2لتر ماء مغلي ثم يضاف هذا المزيج إلى حوض المغطس المملوء ويجلس فيه الشخص حوالي نصف ساعة وذلك لقطع العرض ولاضفاء رائحة طيبة للجسم، وكذلك مفيد لمشاكل الرحم عند النساء.

([39])  هو نبات عشبي معروف من فصيلة الخيميات وهو غير الآنسون المعروف بالشمر، ساقه رفيعة مضلعة تتشعب منها فروع طويلة تحمل أوراقاً مسننة مستديرة، والأزهار صغيرة بيضوية الشكل، وتستعمل ثماره الناضجة... من مكوناته: زيت طيار 3% مادة انيثول وميثيل شانيكول من الزيت الطيار، وهرمون الاستروجين وزيت ثابت.

([40])  أحمد والبخاري وأبو داود.

([41])  النسائي وابن حبان.

([42])  يفضل أن يكون لونها بني (عنبري) وقاية لها من الأشعة.

([43])  البقدونس: يعرف علمياً باسم Petroselinum crispum، وهو عشب يصل ارتفاعه إلى 30 سم، الاجزاء المستخدمة منه الاوراق والجذور والبذور... وهو يحتوي على زيت طيار يتكون من مركب الميريستيسن والابيول وفلافونيدات وفتاليدات وكومارينات وفيتامينات أ، ج،ه وكميات كبيرة من المعادن.

([44])  يجب عدم استعمال البذور من قبل المرأة الحامل.

([45])  الكزبرة نبات حولي يصل ارتفاعه إلى 50سم الموطن الاصلي لها جنوبي اوروبا وغربي آسيا وتزرع حالياً في جميع انحاء العالم وتعرف علمياً باسم coriandrum sativum الجزء المستعمل الاوراق والبذور والزيت العطري المفصول من البذور.

المحتويات الكيميائية تحتوي البذور على زيت طيار الذي يتكون من دلتا اللينالول والفا الباينين والتربنين وفلافو نيدات وكومارنيات وفتا ليدات واحماض فينوليه.

([46])  والبلوط عبارة عن نبات شجري كبير معمر يعرف علميا باسم QUERCUS ALBA يحتوي لحاء او قشور البلوط على كمية كبيرة من المواد العفصية القابضة واهمها حمض الكويرستانيك.

([47])  حاول بعض علماء النفس حصر الانفعالات الأساسية في ثمانية،، وهي  الانفعالات التي توجد على مستويات متنوعة من الشدة:الغضب، الخوف، السرور، الحزن، الرضا، النفور، الدهشة، الاهتمام او الفضول، وتتحد لتؤلف الانفعالات الاخرى... انظر: جريدة الرياض: الاثنين 28 محرم 1424العدد 12701 السنة 38.

([48])  التلبينة: التلبينة والتلبين: حساء يعمل من دقيق أو نخالة وربما جعل فيها عسل، سميت به تشبيها باللبن لبياضها ورقتها وهي تسمية بالمرة من التلبين، مصدر لبن القوم؛ إذا سقاهم اللبن. النهاية: 4/229.

([49])  مجمة: أي مظنة للاستراحة. النهاية:1/301.

([50])  البخاري ومسلم.

([51])  الطبراني والحاكم.

([52])  بطخاء: الطخاء: ثقل وغثى، وأصل الطخاء والطخية: الظلمة والغيم. النهاية 3/116.

([53])  ابن السني وأبو نعيم عن جابر.

([54])  وغر: هو بالتحريك وبالسكون: الغل والحرارة. وأصله من الوغرة: شدة الحر. النهاية 5/208.

([55])  ابن السني وأبو نعيم عن أنس.

([56])  الغيلانيات.

([57])  الدبق: ويعرف علميا باسم Viscum Album، وهو نبات متطفل على أشجار الزيتون والخوخ والمشمش والطلح والرمان، ومنه أنواع... الجزء المستخدم منه الاوراق والاغصان والثمار الصمغية.

ويحتوي على جلوكوبروتينات ومتعددات الببتيز وفلافونيدات وحمض الكافئين واستيل كولين، ومتعددات الببتيز، تثبط الأورام وتنبه المقاومة المناعية وهي تخفف القلق والانفعال والحث على النوم يفرج نوبات الألم والصداع.

([58])  الزعرور: وهو يعرف علمياً باسم Crataegus Oxyacantha، والجزء المستعمل منه الأطراف المزهرة والعينات ذات اللون الأحمر القاني... يحتوي على فلافونيدات حيوية مثل الروتين والكويرستين وتربينات ثلاثية وجلوكوزيدات وكومارينات وحمض العفص.

ويستعمل الزعرور كمقو للقلب ويوسع الأوعية الدموية ومزيل للسموم.

([59])  رعي الحمام: وهو يعرف علمياً باسم Verbena Officinalis، وهو نبات معمر يصل ارتفاعه الى متر واحد له سيقان صلبة وسنابل زهرية ارجوانية مع بياض... والجزء المستخدم منه: جميع الأجزاء الهوائية.

ويحتوي على ايريدويدات مرة واهمهما فرنبين وفرنبالين وكذلك زيت طيار وقلويدات ومواد هلامية... وهو يستعمل كمقو عصبي ومقو ومنبه لافراز الصفراء وكمضاد للانفعالات وتهدئة النفس.

([60])  النحافة هي نقص الوزن عن المعدل الطبيعي قليلاً أو كثيراً، وهناك قاعدة بسيطة لمعرفة كون الشخص نحيفاً، وهي أن نطرح ما مقداره 100 سم من الطول، فيكون المقدار الباقي هو الوزن الصحيح المناسب للشخص، ويكون محسوباً بالكيلوجرام فلو كان شخص طوله 170سم، فإن وزنه سيكون  170-  100= 70 كيلوجراماً، ومن نقص عن ذلك الوزن مثلاً فيكون نحيفاً.

([61])  أحمد عن علي.

([62])  على أن يتجنب مريض السكر عدم استخدام هذه الوصفة.

([63])  تحتوي بذور السمسم زيتا ثابتا تتراوح نسبته ما بين 41- 63% وتتوقف نسبة الزيت على الصنف ومنطقة الزراعة والعوامل المناخية. كما تحتوي البذور على بروتينات بنسبة 26% وسكريات بنسبة 12-13% ومعادن بنسبة 8/5% وحمض الاوكزاليك بنسبة ,252% وفيتامينات بنسبة 015. 26.% وكمية من الماء بنسبة 74% وتحتوي البروتينات على احماض امينية متعددة مثل حمض الغلوتميك والارجنين والليوسين فنايل الانين والفالين والايزوليوسين والثريونين والتايروستين والمثيونين واللايزين والهستدين والتريثوفان والسستين وعليه فإن بذور السمسم تعتبر من أغنى البذور بهذه الأحماض التي لها تأثيرات هامة في جسم الإنسان.

([64])  مثل الفسفور المفيد لغذاء المخ والعظام، والكبريت والبوتاسيوم، فالبندق مثلا عنصر غذائي هام لتنشيط العمل الوظيفي لمخ العظام في الجسم وعنصر شافي بالنسبة للأطفال المصابين بفقر الدم الحاد.

([65])  تقول الدراسات التي قامت بها إحدى جامعات كاليفورنيا أن الجوز يساعد في تخفيض نسبة الكلسترول الضار في الدم   (LDL)   خلال شهر من تناوله يوميا بنسب معتدلة بسبب احتوائه على نسبة علية من الدهون الغير مشبعة.

([66])  القرفة: هي عبارة عن لحاء أشجار من فصيلة الغار، ذات أوراق دائمة تنبت في أراض رملية على سواحل البحار، وتجمع عندما يبلغ عمر الشجرة أربع سنوات، فتقطع القشور بحذاء الأرض مرة كل سنتين في الفترة التي يصعد فيها نسغ الشجرة. وموطنها الأصلي سيلان والهند، وهي في مقدمة التوابل الثمينة ذات الفوائد الواسعة والاستعمالات المختلفة.

وهي تحتوي على زيوت طيارة، وتستخدم كطاردة للغازات ومهضمة وفاتحة للشهية، وهي منشطة وتستخدم كمشروب، وخاصة في أيام الشتاء، وليس لها أضرار جانبية.

([67])  يوجد عدة انواع من لسان الحمل مثل لسان الحمل البيضوي المعروف علميا باسم Plantago Ovata ولسان عشبة البراغيث Plantago Psyllium ولسان الحمل الهندي Plantago Indica وهذه الأنواع الثلاثة تستخدم منذ آلاف السنين.

يزرع لسان الحمل على نطاق واسع من اجل قشور ثمره وبذوره التي تستخدم لعلاج المشاكل المعوية. يحتوي لسان الحمل على مواد هلامية وزيتاً ثابتاً ومواد نشوية.

([68])  مع ملاحظة أنه إذا حصل لديك حساسية لهذا العقار فأوقفه مباشرة ولا تستعمله مرة أخرى.

([69])  الخل مادة سائلة ذو طعم حاد ويعتبر من التوابل، ويعد خل التفاح من أحسن أنواع الخل، وهو يصنع عادة من التفاح والعنب والبرتقال والشمندر والبطيخ والتوت وعسل النحل والقمح والشعير والذرة والبطاطس بعد تحويل النشا إلى سكر بواسطة خميرة خاصة تعرف باسم خميرة الدياستيز، كما يحضر الخل بطريقة التشييد الكيميائي.

ويتركب الخل من الماء وحامض الخليك ومواد صلبة وطيارة وعضوية تعطيه الطعم والرائحة.

([70])  مسلم.

([71])  ابن ماجة.

([72])  هو نبات معروف من العائلة الخيمية، يتميز برائحة نفاذة، وهو من التوابل المشهورة، موطنه الأصلي بلاد الشرق في حوض البحر الأبيض المتوسط والتركستان.

([73])  المسند: 6/67.

([74])  في حالة ازدياد المشكلة تعقيداً ينصح بمراجعة طبيب أمراض الجهاز الهضمي لاجراء منظار للمعدة والمريء لمعرفة السبب.

([75])  وذلك بطريقتين: إما بغلي كوب من الماء في إبريق واضافة ملعقه صغيره من مسحوق قشر الرمان اليها... ومن ثم يشرب كالشاي إلا انه سيكون شديد المرورة.

وإما بإضافة ملعقه من مسحوق قشر الرمان إلى علبة زبادي طازجه تخلط، ومن ثم يتم تناولها... هذا اذا ما لم يتحمل مرورة الطريقة الأولى.

وهذه الطريقه مجربه وتعتبر دواء ناجح لحموضة المعدة والحرقان في الحالات العاديه وليست المزمنه او الحالات المتأخره والتي ينصح فيها باستشارة الطبيب والكشف الطبي السليم.

([76])  المادة المخاطية التي تحمي جدار المعدة.

([77])  وهذه المركبات هي: shogaol, 6 - gingerol, 8 - shogaol,8 -gingesol, 10 - pingerol, anr - curcumene, beta = bisalone, 6 - gingediol, betasesquiphell and rene, 6 - gingerdicone and 6 - paradol.

([78])  هو مؤلف كتاب بعنوان Ginger Common Spice and Wonder Drug.

([79])  ويعرف باسم pot marigold وعلميا باسم calendula officinalis من الفصيلة المركبة. الجزء المستعمل من الأذريون هو أزهاره البرتقالية اللون جميلة الشكل والموطن الأصلي لهذا النبات هو جنوب أوروبا.

يحتوي نبات الأذريون على مواد تربينية ومواد راتنجية وجلوكوزيدات مرة وزيوت طيارة وستيرولات وفينولات ومواد هلامية وكاروتونز... ويوجد مستحضرات منه منها كريم وجيلي نسبة 7%، 10%، مرهم بنسبة 4% ومحلول للعين وصبغة وشامبو.

([80])  ويعتبر الأذريون من أفضل الوصفات للأمراض الجلدية حيث يستعمل كعلاج جيد للحروق وللجروح والالتهابات الجلدية وضد حرقان الشمس وكذلك للطفح الجلدي.

([81])  البطاطس: نبات عشبي حولي يعرف علمياً باسم Solanum Tuberosum،والجزء المستخدم منه الدرنات الموجودة في جذور النبات، والتي قد يصل وزن بعضها كيلوجرام إن لم تكن أكثر، وبقية أجزاء النبات سام جداً.

تحتوي درنات البطاطس على كمية كبيرة من النشأ، وكمية كبيرة من الفيتامينات مثل أ، ب1، ب2، ج، ك، ومعادن وبالأخص البوتاسيوم وكمية صغيرة من قلويد الاتروبين.

 تستعمل البطاطس في الغذاء، ويعتبر نشأ البطاطس أحد أنواع النشأ الموجودة في دساتير الأدوية والذي يدخل في كثير من المستحضرات الصيدلانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

([82])  هو الطبيب Melvyn Werbach الأستاذ الاكلينيكي المساعد في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا في لوس انجليس ومولف كتاب بعنوان Nutritional Influences on Illness

([83])  الخروب أو الخرنوب، ويعرف علمياً باسم Ceratonia Siliqua: وهو عبارة عن شجرة كبيرة تعطي ثمار قرنية طويلة ذات لون نبي إلى مسود عند النضج وتتميز بصلابتها.

وموطن النبات الأصلي هو الجنوب الشرقي لأوروبا وغرب آسيا وشمال إفريقيا. ويزرع الخروب من أجل ثماره الغذائية... والجزء المستخدم منه طبياً هي الثمار وقشور الساق، حيث تحتوي ثمار الخروب على كمية كبيرة من السكر تصل إلى 70 بالمائة، ودهون ونشأ وبروتين وفيتامينات ومواد عفصية.

([84])  الكركم: المعروف علمياً باسم Curcuma longa، ومنه نوع يعرف علمياً باسم Curcuma xanthorrhizia وموطن هذا النوع غابات اندونيسيا وماليزيا.. ويزرع حالياً في جافا بماليزيا وتايلاند والفلبين.. الجزء المستخدم هي الجذامير الدرنية.. يحتوي الكركم على زيت طيار بنسبة 3 12% والمركب الرئىسي هو Ar-curcumena، xanthorrhizol، Beta-curcumene، Grmacrine، Faranodien، Furanodienon كما يحتوي على curcuminoids بنسبة 0.8 2% بالإضافة إلى النشا.

ويستعمل جذمور كركم جافا والذي اثبت من قبل دساتير العلاج الألمانية لعلاج مشاكل الكبد والمرارة وفقدان الشهية ومضاد للسرطان وخاصة في حيوانات التجارب.يؤخذ نصف ملعقة صغيرة من مسحوق الكركم الجاف وتضاف الى ملء كوب ماء مغلي ويترك لمدة عشر دقائق ثم يصفى ويشرب ويمكن استعمال 2جرام من المسحوق مرتين الى ثلاث مرات في اليوم بين الوجبات.

([85])  يقال إن الأدوية المشيدة لعلاج القرحة كان سعرها ثمانية أضعاف سعر كبسولات الكركم ولذلك يقال: استخدم الكركم حتي لو كنت غنياً.

([86])  ولكن هذه الطريقة قد تفشل حيث أن باقي الأطعمة تلعب دورا أساسيا فى نمو الأنواع المختلفة لبكتيريا الأمعاء.

([87])  من الحالات التي تتطلب الذهاب إلى الطبيب: جفاف الجلد الحلق ـ في الأطفال ـ وعدم التبول لمدة 3 ساعات في الرضع، أو 6 ساعات في الأطفال الأكبر سناً, مع الشعور بالتعب والإجهاد.

أما الكبار، فبوجود لون أسود في البراز, والشعور بالعطش الشديد وعدم التبول بصورة طبيعية, ووجود دم في البراز, وألم شديد في المعدة, وجفاف شديد في الحلق, وجفاف الجلد.

ومثل ذلك ما لو استمر الإسهال لمدة أكثر من 48 ساعة مع ارتفاع درجة الحرارة... أو إذا استعمل المريض بعض الأدوية التي قد تكون السبب في الإسهال... أو إذا زادت عدد مرات الإسهال عن 8 مرات يومياً.

([88])  مسلم.

([89])  السدر Zizyphus Spina Christi أو الشوك المقدس Christ,s Thorn نبات شجيري شائك، بري وزراعي موطنه شبه الجزيرة العربية واليمن ويزرع في مصر وسواحل البحر الأبيض المتوسط. وهو من الفصيلة العنابية أو السدرية Rhamnaccae، والنبق هو ثمر السدر حلو الطعم عطر الرائحة. أهم العناصر الفعالة الموجودة فيه هي سكر العنب والفواكهة وحمض السدر Acide Zizyphique وحمض العفص، ثماره مغذية وتفيد كمقشع صدري، وملينة وخافضة للحرارة ونافعٌ في الحصبة وقرحة المعدة. مغلي أوراقه قابض طارد للديدان ومضاد للإسهال ومقوٍ لأصول الشعر. ونافع من الربو وآفات الرئة. ويمكن أن تضمد الخراجات بلبخة محضرة من الأوراق. وطبيخ خشبه نافع من قرحة الأمعاء ونزف الدم والحيض والإسهال. وصمغه يذهب الحزاز.

([90])  هو مرض يسببه فيروس الأنفلونزا وتستخدم كلمة أنفلونزا أحيانا لتشير بصورة عامة إلى الأنفلونزا أو الأمراض المشابهة لها، وهو يتميز بارتفاع مفاجىء في الحرارة مع شعور بالبرد أو رعشة، والتهاب بالأغشية المخاطية لمسالك الهواء العليا، ويحدث رشح من الأنف وسعال وبحة في الصوت وتسيل الدموع من العين.

([91])  تتم الوقاية من الأنفلونزا عن طريق التطعيم وتحتوي معظم لقاحات الأنفلونزا على فيروسات انفلونزا مقتولة وتوفر هذه اللقاحات بعض الوقاية ولكنها ليست فاعلة بالصورة التي يريدها العلماء وقد تم تطوير لقاحات صنعت من الفيروسات الحية كما تم استخدام هندسة الجينات لإنتاج لقاحات أفضل.

([92])  والعدوى عن طريق الرذاذ مباشرة من المريض إلى السليم، وهي عدوى سريعة جدا، إذ يكفي وجود الشخص بضع دقائق في حجرة المريض لكي يأخذ العدوى. 

([93])  ينصح المصابون بالالتهاب الشعبي المزمن أن يلتزموا الحرص خلال فصل الشتاء بالتدفئة ولبس الملابس الصوفية والابتعاد عن الاصابة بنزلات البرد، والإكثار من اللبن والشوربة وعصير الفواكه لكي تزيد مقاومتهم للمرض.

([94])  وهو يعرف بالسنوت والرازيانج والشمار والبسباس والكمون والشمرة والشمر المر والشمر الحلو والحلوة والشمر الكبير وشمر الحدائق والشمر الوحشي والشمر الزهري.

وهو عشبية من الفصيلة الخيمية يبلغ ارتفاعها نحو متر أو مترين، كثيرة الأغصان بأوراق خيطية تتدلى إلى الأسفل، ولونها يميل إلى الزرقة، ساقها مبرومة زرقاء أو حمراء داكنة، وأزهارها صفراء اللون تكون حبيبات صغيرة طولانية صفراء رمادية مخططة.

والمستعمل منها الجذر الغض والبذور.

([95])  الترمذي وابن ماجة وأحمد. 

([96])  الكتان: ويعرف علميا باسم Linum Usitatissimum وهو من الفصيلة الكتانية، والجزء المستخدم منه: البذور والزيت، وهو نبات حولي أو ثنائي الحول أو معمر يصل ارتفاعه الي حوالي متر... له ساق نحيلة واوراق رمحية وازهار زرقاء، اما بذوره فبنية زيتية.

وقد حظي بتقدير متميز كعشبة طبية، وقد جمع بلينوس تطبيقاته الكثيرة بقوله:« أي شعبة من شعب الحياة النشطة لا يستخدم فيها الكتان؟ وأي من منتجات الأرض تحمل إلينا أعاجيب اكبر من هذه؟»

وبذور الكتان تحتوي على زيت ثابت بنسبة ما بين  40- 50% ومن أهم مركباته حمض اللينولينيك وحمض اللينوليتيك وبروتين وصموغ وجلوكوزيدات اللينامارين الذي يكون السيانوجين وجلوكوزيد السيانوفوريك. ويستخرج من البذور ذات الرائحة المميزة زيت يطلق عليه "الزيت الحار" والمعروف بالسيرج.

([97])  يجب عدم استخدام البذور غير الناضجة لاحتوائها على جلوكوزيدات سيانوجينية سامة، أما البذور الناضجة فليس هناك محاذير اذا استخدمت حسب الجرعات المنصوص عليها.

([98])  حيث يشرب مغلى مكونا من ملعقة كبيرة من مجروش البذور تضاف الى ملء كوب ماء مغلٍ وتترك لمدة  10دقائق ثم تحرك جيداً وتشرب كاملة بما في ذلك مجروش البذور وذلك بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء.

([99])  يشعر اغلب المعرضين للذبحة بألم ضاغط أو عاصر فوق عظمة الصدر، ويمكن أن ينتقل الألم إلى الكتفين، خاصة الكتف الأيسر وأسفل الذراعين إلى الأيدي. وتدوم النوبة حتى 15دقيقة، ولكن معظمها ينتهي في أقل من ذلك.

([100])  أغلب ضحايا الذبحة الصدرية هم من متوسطي العمر أو كبار السن... ومعظمهم ذوو وزن زائد، ولديهم ضغط دم عال ويأكلون اطعمة غنية بالكوليسترول ويدخنون السجائر أو قلما يمارسون الرياضة البدنية.

([101])  هو البروفيسور فارو تيلر عميد كلية الصيدلة بجامعة بوردو الأمريكية سابقاً ووكيل جامعة بوردو بولاية انديانا فيما بعد في كتابه بعنوان (Herbs of Choice)

([102])  حشيشة الملوك Angelica: هو نبات عشبي ثنائي الحول، الجزء المستخدم منه الجذور والاوراق والثمار، وهو يحتوي على زيوت طيارة، وكومارينات واحماض عضوية ومواد مرة ومواد عفصية، ويوجد من هذا النبات مستحضرات في السوق. 

([103])  الأويسة Bilberry: نبات شجيري معمر، له جذور زاحفة، ويعطي النبات ثماراً عنبية الشكل ذات لون بنفسجي مسود، والجزء المستعمل من النبات هو الاوراق والثمار الناضجة، ويحتوي النبات على مركبات كثيرة حيث تحتوي الاوراق على مواد عفصية واحماض عضوية وجلوكوزيد يعرف باسم اربيوتين. اما الثمار الناضجة فتحتوي على سكر وبكتين وفيتامين ب، ج وصبغة عضوية تعرف باسم انثوسيانين (anthocyanins)

([104])  تنقسم الأكزيما الداخلية المنشأ إلى خمسة أنواع فرعية هي:

1. الأكزيما التأتبية والتي تسمى أيضا الجلد التأبتي تميل إلى الانتشار في العائلات،وتبدأ معظم حالاتها في مرحلة الطفولة، وتنمو بسرعة فائقة عند الثالثة أو الرابعة من العمر، ويستمربعضها خلال مرحلة البلوغ او الرشد، وتتهيج من وقت لآخر خصوصا حين يكون الضحية مضطربا أو غاضبا او قلقا.

2. الأكزيما المعروفة بالنوع البومبفيكي، ويمكن رؤيته على الأيدي والأقدام، وينتشر عادة بين الأشخاص الذين في العشرينات او الثلاثينات من اعمارهم.

3. الأكزيما المثية وتكون على هيئة صفيحات قشرية على الوجه وفروة الرأس وتكون الصفيحات في الأكزيما القرصية الشكل على هيئة قطع معدنية، وتبدو واضحة المعالم.

4. أكزيما الدوالي، وتظهر بسبب ضعف الدورة الدموية في الأرجل.

5. الأكزيما القرصية، وهي مع ما سبق تحدث غالبا عند المسنين.

([105])  وهو شجيرة صغيرة معمرة ذات أوراق شريطية وأزهار صغيرة كثة تتكون فيها نهاية الاغصان، وهو يحتوي على زيت طيار وقلويدات وفلافونيدات وكومارينات ومواد عفصية.

([106])  ابن السني وأبو نعيم في الطب عن بريدة.

([107]) تعرف علمياً باسم TANACETUM PARTHENIUM

([108])  توجد كبسولات جاهزة في الأسواق، وهي مقننة وعليها طريقة الاستعمال، ولكن يجب الانتباه إلى ان المرأة الحامل والأم المرضع يجب عدم تعاطيهما لأي مستحضر من مستحضرات حشيشة الحمى.

([109])  يوجد ثلاثة أنواع من نبات الصفصاف تستعمل قشورها لعلاج الصداع وهي مايعرف علمياً باسم SALIX FRAGILIS وSALIX DAPHNOIDES وSALIX PURPUREA

([110])  وهذا لا يصلح لمن يعاني من الحساسية ضد الاسبرين،  كما يجب عدم اعطاء قشور الصفصاف للأطفال وبالأخص الذين يعانون من البرد أو الأنفلونزا والذي من شأنه التسبب في خراب الكبد والمخ.

([111])  وهي المعروفة علمياً باسم G.BILOBA

([112])  البرفيسور نورمان أستاذ الصيدلة في كلية الملك بجامعة لندن ومؤلف كتاب العقاقير الطبية.

([113])  من أهم الأدوية الطبيعية هرمون الأنسولين الذي يعتبر أحد المشتقات الحيوانية حيث يستحصل عليه من بنكرياس الماشية وهذا الهرمون يعطى بجرعات مقننة من قبل المختص عن طريق الحقن للمرضى الذين يعانون من داء السكري من النوع الأول. كما يوجد من الأدوية الطبيعية كثير من الأعشاب الطبية والمعادن وبعض المشتقات الحيوانية الأخرى والتي تعطى عادة لمرضى داء السكري من النوع الثاني ويمكن ان يعطى بعضا منها لمرضى داء السكري من النوع الأول.

([114])  الأدوية الكيميائية الصناعية هي عبارة عن أقراص أو كبسولات لا يدخل في تحضيرها أيا من المشتقات الحيوانية أو العشبية أو المعدنية، وتستعمل عادة لمرضى داء السكري من النوع الثاني، ويمكن في حالات قليلة أن تعطى مع الأنسولين لمرضى داء السكري من النوع الأول.

([115])  وهي أمل سعيد عبد العظيم بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة للحصول على درجة الدكتوراه.

([116])  وهو نبات عشبي صغير يعرف علميا باسم neurolaena lobata.

([117])  يعرف علميا باسم momordica charantia ويعرف شعبيا بعدة أسماء مثل الكمثرة البلسمية والخيار الكوري، وهو نبات عشبي حولي زاحف، ويعتبر من النباتات المشهورة التي أعطت ثماره التي تشبه الكوسة أو الخيار، ولكنه يبرز على سطحها الخارجي نتوءات كثيرة وتتميز بمذاقها المر.

([118])  وقد قامت دراسة علمية في قسم العقاقير بكلية الصيدلة جامعة الملك سعود حيث قام الدكتور جابر بن سالم القحطاني بدراسة عدة نباتات من ضمها ثمار القرع، المر وأثبت فعالية هذه الثمار في تخفيض نسبة سكر الدم ولكن هناك نباتات أخرى كانت متميزة عن هذا النبات وقد نشر هذا البحث في: International Journal of crude Dirg Research عام 1985.

([119])  وقد نشر هذا البحث في مجلة (IRCS Medical SCi) ببريطانيا.

([120])  هو نبات عشبي معمر... الجزء المستخدم منه الاوراق الطرية الطازجة والشاي الاسود يحضر من تلك الاوراق.

([121])  هو نبات شجري معمر يعرف علميا باسم Gymnem Sylvestre والجزء المستخدم منه هو الاوراق واحيانا السيقان. الموطن الاصلي لهذا النبات الهند وافريقيا ولكنه يزرع حاليا في معظم بلدان العالم.

([122])  ويوجد من هذا العقار مستحضرات مقننة على هيئة كبسولات، ويجب على مرضى السكر الذين يتعاطون الانسولين عدم استخدام هذا النبات إلا بعد التنسيق مع الطيب المختص.

([123])  انظر: جريدة الرياض، الاثنين 26 صفر 1424العدد 12729 السنة 38

([124])  هو نبات عشبي معمر ذو رائحة قوية، يصل ارتفاعه إلى حوالي متر، أوراقه متقابلة بيضاوية مسننة وأزهاره قرنفلية اللون في مجاميع عند قواعد الأوراق. الجزء المستعمل من النبات جميع أجزاء النبات عدا الجذور. يحتوي الفراسيون الأسود على الديتربينوييدات (Darrubiin).

([125])  المعروف علمياً باسم Plantago Psyllium والذي يحتوي على مواد هلامية وزيت ثابت وأحماض دهنية ونشاء.

([126])  تعرف علميا باسم Nepeta Catatria، وهي عشبة معمرة يصل ارتفاعها الى متر واحد، أوراقها قلبية الشكل وإزهارها بيضاء منقطة بلون ارجواني. الجزء المستعمل من النبات جميع الأجزاء عدا الجذور. تحتوي على زيت طيار وحمض العفص وأيضا ايريدويدات.

([127])  يعرف علميا باسم Melissa officinalis هو نبات عشبي معمر يصل ارتفاعها الى متر ونصف المتر ذات أزهار صفيرة بيضاء اللون. ويحتوي على زيت طيار وفلافونيدات وتربينات ثلاثية وفينولات متعددة وحمض العفص. وهي تستعمل مضادة للتشنج ومقوية للأعصاب وتزيد التعرق ومهدئة.

([128])  وهو من النباتات المسجلة في دستور الدواء الألماني، وهو نبات عشبي معمر ذو اوراق صغيرة متطاولة وأزهار بنفسجية اللون على شكل سنابل.

([129])  تعرف حشيشة الدينار باسم الجنجل وتعرف علمياً باسم Hamulus Lapulus، وهي نبتة معمرة متسلقة يصل ارتفاعها إلى 7 أمتار، وهي تحتوي على مواد مرة وزيت طيار وفلافونيدات وحمض العفص ومواد مولدة للاستروجين واسباراجين. وهي نبتة معمرة متسلقة يصل ارتفاعها الى 7 امتار.

([130])  زهرة الآلام الحمراء عبارة عن نبات متسلق يشبه العنب يعرف علمياً باسم Passiflora incarnata والجزء المستخدم من النبات جميع الأجزاء عدا الجذور. وتحتوي على فلافونيدات وجلاكوزيدات وقلويدات الاندول وهي من المواد المضادة للتشنج والمهدئة.

([131])  الدرقة فهي نبتة معمرة يصل ارتفاعها الى 60سم وتعرف باسم "الدرقة جانبية الزهر"، وعلمياً باسم Scutellaria Lakeriflora والجزء المستخدم من النبات جميع الاجزاء عدا الجذور. تحتوي على فلافونيدات وزيت طيار وحمض التنيك.

([132])  ذكر ابن القيم اختلاف العلماء في معنى الإنزال الذي وردت به الأحاديث، فذكر الأقوال التالية:

القول الأول: إنزالُه أي إعلامُ العِباد به، وقد رد ابن القيم هذا فقال:« وليس بشىء، فإن النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - أخبرَ بعموم الإنزال لكل داءٍ ودوائه، وأكثرُ الخلق لايعلمون ذلك، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -:«  عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه »

القول الثاني: إنزالُهما: خَلْقُهما ووضْعُهما فى الأرض، كما فى الحديث الآخر:« إنَّ الله لم يَضعْ داءً إلاَّ وَضَعَ له دواءً »، قال ابن القيم معلقا على هذا القول:« وهذا وإن كان أقربَ مِن الذى قبله، فلَفْظةُ الإنزال أخصُّ من لفظة الخلق والوضع، فلا ينبغى إسقاطُ خصوصيةِ اللَّفظة بلا موجِب »

القول الثالث: إنزالُهما بواسطةِ الملائكة الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء وغيرِ ذلك، فإنَّ الملائكة موكَّلَةٌ بأمر هذا العالَم، وأمر النوع الإنسانىِّ من حين سقوطِه فى رَحِم أُمِّه إلى حين موتِه، فإنزالُ الداء والدواء مع الملائكة، قال ابن القيم:« وهذا أقربُ من الوجهين قبله »          

القول الرابع: إنَّ عامة الأدواء والأَدوية هى بواسطة إنزال الغَيْثِ من السماء الذى تَتولَّد به الأغذيةُ، والأَقواتُ، والأدويةُ، والأدواءُ، وآلاتُ ذلك كله، وأسبابُه ومكمِّلاتُه؛ وما كان منها مِن المعادن العُلوية، فهى تَنزل مِن الجبال، وما كان منها من الأودية والأنهار والثمار، فداخلٌ فى اللَّفظ على طريق التغليبِ والاكتفاءِ عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما، وهو معروف من لغة العرب، بل وغيرها من الأُمم، كقول الشاعر:

عَلفْتُها  تِبْناً وَمَاءً   بارداً      حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَـا

وقول الآخر:

وَرأَيْتُ زَوْجكِ قَدْ   غَدَا     مُتَقَلِّداً سَيْفـاً  وَرُمْحَــا

وقول الآخر:

إذَا مَا الغَانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماً    وَزَجَّجْنَ الْحَواجِبَ وَالْعُيُونا

قال ابن القيم:« وهذا أحسنُ مما قبله من الوجوه.. والله أعلم...وهذا من تمام حكمة الربِّ عَزَّ وجَلَّ، وتمامِ ربوبيته، فإنه كما ابتلى عبادَه بالأدواء، أعانهم عليها بما يسَّرَهُ لهم من الأدوية، وكما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة، والحسناتِ الماحية والمصائب المكفِّرة، وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثةِ من الشياطين، أعانهم عليها بجُنْدٍ من الأرواح الطيبة، وهم الملائكة، وكما ابتلاهم بالشهوات أعانهم على قضائها بما يسَّرَهُ لهم شرعاً وقدْراً مِن المشتهيات اللَّذيذة النافعة، فما ابتلاهم سُبحانه بشىء إلا أعطاهم ما يستعينُون به على ذلك البلاء، ويدفعُونه به، ويبقى التفاوتُ بينهم فى العلم بذلك، والعلم بطريق حصوله والتوصل إليه »

([133])  قال - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَطَبَّبَ »، ولم يقل: مَن طَبَّ، لأن لفظ التَّفعل يدل على تكلُّف الشىء والدخول فيه بُعسر وكُلفة، وأنه ليس من أهله، كتَحَلَّم وتشجَّع وتصبَّر ونظائرِها، وكذلك بَنَوْا تكلَّف على هذا الوزن، قال الشاعر:

وَقَيسَ عَيْلانَ ومَنْ تَقَيَّسَا

([134])  أبو داود، والنسائىُّ، وابن ماجه، من حديث عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده.

([135])  انظر: آداب الشافعي ومناقبه، ص 321.

([136])  الإحياء: 1/21.

([137])  الإحياء: 1/21.

([138])  ذكر هذا ابن فرحون في الديباج، ص 253.

([139])  البخاري.

([140])  مالك.

([141])  زاد المعاد.

([142])  قال - صلى الله عليه وسلم -:« مَنْ تَطَبَّبَ »، ولم يقل: مَن طَبَّ، لأن لفظ التَّفعل يدل على تكلُّف الشىء والدخول فيه بُعسر وكُلفة، وأنه ليس من أهله، كتَحَلَّم وتشجَّع وتصبَّر ونظائرِها، وكذلك بَنَوْا تكلَّف على هذا الوزن، قال الشاعر:

وَقَيسَ عَيْلانَ ومَنْ تَقَيَّسَا

([143])  أبو داود، والنسائىُّ، وابن ماجه، من حديث عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده.

([144])  انظر: جريدة الرياض.

([145])  ولكن الفقهاء مع هذا اختلفوا في تعليل انتفاء المسئولية عن الطبيب: فرأى ابو حنيفة أن العلة ترجع إلى الضرورة الاجتماعية وإذن المجني عليه أو وليه... ورأى الشافعي وأحمد بن حنبل أن العلة ترجع إلى إذن المجني عليه، وأن الطبيب يقصد صلاح المفعول ولا يقصد الأضرار به... ورأى مالك أن العلة هي إذن الحاكم أولاً وإذن المريض ثانياً، وباجتماع هذين الشرطين لا مسئولية على الطبيب إذا خالف أصول الفن أو أخطأ في فعله.

([146])  واختلف فيما لو لم تكن له عاقلةٌ على قولين:

القول الأول: تكون الدِّيَة فى ماله.

القول الثاني: تكون من بيت المال.

([147])  اختلف فيمن يدفع الدية على قولين:

القول الأول: أنَّ دِيةَ المريض فى بيت المال.

القول الثاني: أنها على عاقلة الطبيب.

([148])  وقد ذكر ابن القيم قولا آخر، وهو أنه لا يضمن، قال ابن القيم:« ويحتمِلُ أنْ لا يضمَن مطلقاً لأنه محسنٌ، وما على المُحسنين من سبيلٍ. وأيضاً فإنه إن كان متعدِّياً، فلا أثر لإذن الولىّ فى إسقاطِ الضمان، وإن لم يكن متعدِّياً، فلا وجه لضمانه»

([149])  ومنها: العادة، يقال: ليس ذلك بطِبِّى، أى: عادتى، قال فَرْوةُ بن مُسَيكٍ:

فَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِن    مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا

وقال المتنبى:

وَمَا التِّيهُ طِبِّى فِيهِمُ غَيْرَ أَنَّنِى     بَغِيضٌ إلَىَّ الْجَاهِلُ الْمُتَعَاقِلُ

ومنها: السِّحر؛ يقال: رجل مطبوب، أى: مسحور، وفى حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ لمَّا سحرت يهودُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وجلس الملَكَانِ عِنْدَ رأسه وعند رجليه، فقال أحدهما: ما بالُ الرَّجُلِ؟ قال الآخر: مَطْبُوبٌ. قال: مَن طَبَّه؟ قال: فلان اليهودىُّ.

قال أبو عبيد: إنما قالوا للمسحور: مَطْبُوب؛ لأنهم كنَّوْا بالطِّبِّ عن السِّحر، كما كنَّوا عن اللَّديغ، فقالوا: سليمٌ تفاؤلاً بالسلامة، وكما كنَّوا بالمفازة عن الفلاة المُهلكة التى لا ماء فيها، فقالوا: مفازة تفاؤلاً بالفوز من الهلاك.

ومنها: نفس الداء، كما قال ابْنُ أبى الأسلت:

أَلاَ مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّى   أَسِحْرٌ كَانَ طِبُّكَ أَمْ جُنُونُ؟

([150])  المسند: 6/67.

([151])  يقال وزعه يزعه وزعا فهو وازع، إذا كفه ومنعه. النهاية:5/180.

([152])  الخطيب.

([153])  الترمذي كتاب الطب باب رقم (35) رقم الحديث (2087) وقال: غريب.

([154])      محمد محمد أمين، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر (648هـ  ـ 923هـ) دراسة تاريخية وثائقية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1980م،ص169.

([155])      سعيد عاشور، المؤسسات الاجتماعية في الحضارة العربية في (موسوعة الحضارة العربية الإسلامية)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987م، ص342، ص349-353.

([156])      مصطفى السباعي، من روائع حضارتنا، الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الكويت، ص207.

([157])      محمد محمد أمين، الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر (648هـ  ـ 923هـ) دراسة تاريخية وثائقية، ص177.

([158])  انظر: القتل الرحيم " هل هو رغبة إنسانية أم دعوة شيطانية؟؟، الدكتور محمد السقا عيد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

وانظر: مجلة " زهرة الخليج " في عددها رقم 694 يوليو 1992 السنة الرابعة عشرة.

([159])  البخاري.

([160])  البخاري ومسلم.

([161])  البخاري ومسلم.

([162])  قال المنذري:« ذكره رزين في جامعه، ولم أره في شيء من الأصول، وذكره أبو القاسم الأصبهاني في كتابه بغير إسناد » الترغيب والترهيب: 2/294.

([163])  أبو داود كتاب الجنائز باب موت الفجأة رقم 3110. عن عبيد ابن خالد.

([164])  الطبراني في الكبير عن أبي أمامة.

([165])  البخاري.

([166])  الترمذي. 

([167])  المطمئن بين الترقوةوالحلق.

([168])  نقره الذقنوقال  الخطابي : الذاقنة: ما تناوله الذقن من الصدر.

([169])  البخاري ومسلم.

([170])  بدر الدين الزركشي: المنشور في القواعد ج2/105.

([171])الرملي: نهاية المحتاج ج7/ 15، 16، وانظر: د.محمد نعيم ياسين: نهاية الحياة الإنسانية في ضوء اجتهادات علماء المسلمين، ندوة الحياة الإنسانية الكويت والمنشورة أيضا في مجلة مجمع الفقه الإسلامي مجلد 3 ج2 ص635-660.

([172])  مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان - الأردن - 1407هـ/ 1986م.

([173])  هي المملكة العربية السعودية.

([174])  وهو خاتم النبوة وكان ناتئاً فظنه سلعة تولدت من الفضلات.

([175])  الترمذي والنسائي مختصرا ومطولا وقال الترمذي: حسن غريب.