الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: أكوان الله

الناشر: دار الكتاب الحديث

من القرآن الكريم

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (فصلت:11)

لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الحشر:21)

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً     (مريم:90 ـ91)

وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه (البقرة: من الآية74)

فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ  (الكهف: من الآية77)

إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان:12)

يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (قّ:30)

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (الاسراء:44)

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (الروم:26)

المقدمة

من مظاهر الصراع التي أفرزتها غفلة الإنسان وكبرياؤه: الصراع مع الكون.. مع السماء والأرض.. والنبات والحيوان.. والرياح والأمطار.. وكل الأشياء.

وهذا الصراع يكتسي لبوسا مختلفة، ويتوزع على مظاهر متنوعة، ولكن الأساس في جميعها واحد، وهو أننا نتعامل مع أكوان ننسبها إلى الطبيعة، أو ننسبها إلى الآلهة الجاثمة على عروش قلوبنا وعقولنا، أو ننسبها إلى اللاشيء الذي تفرزه الغفلة، وننسى في هذا الخضم أن ننسبها إلى الله.

فالأكوان أكوان الله، والأشياء جميعا خلقت بيد الله، وصورت باسم الله، وهي تتوجه إلى الله قبل أن تتوجه إلينا.

وهذه النظرة هي مبدأ السلام مع الكون، ومنطلقه.

فكما أن بداية السلام مع المستعمرات، هو اعتراف المستعمر لها بحريتها، وبحقها في تقرير مصيرها، ليتعامل معها بعد ذلك تعامل المسالم لا المحارب، وتعامل الند لا المتعالي، وتعامل الصديق لا العدو، فكذلك يكون السلام مع الكون.

فأي سلام نحلم به مع الكون، ونحن لا نعترف به؟.. أو أن اعترافنا به مجرد معنى محصور في زاوية خاملة من زوايا العقل، لا نتأثر لها، ولا نهتم بها.

وهذا المنطلق الذي يحدد تعاملنا مع الكون هو الذي يشعرنا بالسعادة والأمان، وينزع عنا حجب الوحشة والضيق، ويزرع في قلوبنا الابتسامة، وينزع من صدورنا الحزن.

***

 وانطلاقا من هذا نحاول في هذه الرسالة أن ننظر نظرة جديدة للكون، تنطلق من قراءته باسم الله، وتنتهي بصحبته في الله.

ودليلنا في هذا أقدس كلام، وأشرف كلام، وأصدق كلام، كتاب الله تعالى، فهو الكتاب الذي يجعلنا نشعر بصداقة حميمة مع الكون، تجعلنا نراه كتابا تقلب صفحاته ليتجلى من خلالها أعظم محبوب، وأجمل محبوب، وأكمل محبوب، فنصادق من خلال الكون رب الكون، ونعبر من الكون إلى المكون.

وهذه الصحبة الشريفة للكون، والتي تتعامل معه كما تتعامل مع الإنسان، هي التي كان عليها رسول الله r.

وقد صور لنا أنس ـ رضي الله عنه ـ بعض هذه الصحبة فقال:( أصابنا ونحن مع رسول الله r مطر قال فحسر رسول الله r ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى)[1] 

وهذه الصحبة تستدعي نظرة شاملة للكون بجميع أنواعه، وبجميع خصائصه ووظائفه وصفاته، فبحسب سمو المعرفة يكون سمو التعامل.

وقد حاولنا حصر أوصاف الكون ـ انطلاقا من النصوص المقدسة ـ  في أربعة أوصاف كل واحد منها معراج من معارج السلام، ورقية من رقى السعادة.

وهذه الأوصاف الأربعة هي: الحياة، والعبادة، والتسخير، والمقروئية.

فمعرفتنا بالكون الحي تشعرنا بالأنس، وتملؤنا ينشوة الصداقة الحميمة، فلا يمكن أن نصادق جمادا.

ومعرفتنا بالكون العابد تعرفنا بوظيفتنا، وتجعلنا نلهج بالتسبيح في حلقة ذكر الكون الواسع.

ومعرفتنا بالكون المسخر تجعلنا نتناول الأشياء من يد الله، لا من يد الطبيعة، ونتناول الأشياء بالله، لا بأيدينا.

ومعرفتنا بالكون المقروء تعبر بنا من الكون إلى المكون، وتزج بنا في رحاب الحضرة المقدسة، فنبصر من خلال الأشياء مشيئ الأشياء، فنصادق مع قطرات الندى، وتفتح الزهر، وهبوب النسيم، رب الكون ومبدعه.

وهذه الألقاب الأربعة لأكوان الله هي الوحيدة التي تملؤنا بالأنس، وتشعرنا بالسلام.

السلام الشامل الذي يستغرق جميع طاقاتنا، لا السلام الذي يتغنى به الغافلون عن الله، والذي يجعل أسمى غاياته أن يحفظ تماسك هذا التراب الذي تمتطيه أرواحنا.

وننبه في هذه الرسالة ـ كما نبهنا في سائر الرسائل ـ إلى أن ما في هذه الرسالة من حقائق نوعان:

أما النوع الأول، فهو حقائق مطلقة لا ينبغي لأحد أن يجحدها، لأن كل شيء يدل عليها ابتداء من النصوص المقدسة.. وهذه الحقائق لا نقبل مناقشة أحد فيها.. ولن نجيبه إن ناقشنا، لأنه لا يمكن أن يجادل أحد في البديهيات.

وأما النوع الثاني، فهو آراء وقع فيها الخلاف.. وقد اخترنا في الخلاف ما رأيناه راجحا.. ولا حرج علينا في ذلك.. ونحن في هذا النوع من الحقائق نتقبل كل مخالفة، ونخضع لكل توجيه، ونتراجع عن كل خطأ.. وندعو الله لكل من نبهنا لذلك، فلا عصمة إلا لمن عصمه الله.

 

 



([1])  رواه مسلم وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد.