الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: معجزات علمية

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

رابعا ـ الماء

1 ـ أصل الماء

المياه المقدرة:

خزانات المياه:

2 ـ الماء والحياة

الحياة:

الطهارة:

3 ـ الأمطار

تشكل المطر:

تلقيح السحاب:

السحاب الركامي:

تشكل البَرَد:

الأمطار والصخور:

الأمطار والأنهار:

4 ـ البحار

أصل البحار:

الفلك والبحر:

الثروة السمكية:

حلية البحر:

أمواج البحر:

البرزخ بين البحرين:

منطقة المصب:

رابعا ـ الماء

في اليوم الرابع.. كان الحديث عن الماء في القرآن الكريم، وفي العلم..

وقد تحدث علماء الدين بطريقتهم وأسلوبهم الذي تعودنا عليه.. فخلطوا بين التفسير واللغة والفقه.

وتحدث صديقي عالم المياه عن المياه كما نص عليها العلم..

ولم يكن هناك أي رابط يربط ما ذكره بما ذكروه.

وصاحبي هذا عاشق للمياه بأنواعها، فلا تراه يتحدث إلا عنها، لست أدري سر ذلك بالضبط.. ولكن البيئة التي ولد فيها ونشأ كانت لها علاقة كبرى بالمياه، فقد كان يسكن على شاطئ بحر يمتزج بمياه بحيرة تصب فيه، وكان لوالده سفينة صيد تربى صاحبنا فيها، كما يتربى سائر الصبيان في المحاضن.. لقد كان البحر هو المهد الذي يذكره بصباه.

وفي كبره، كان أول ما فعله صاحبنا أن اشترى سفينة مجهزة بكل الوسائل التي يتطلبها البحث في علوم البحار وكنوز البحار.. وكان لا يستقر إلا فيها.. وقد جاب بها بحار العالم، وهو يتحدث عنها كما نتحدث نحن عن بلدان العالم.

وكان في صاحبنا استعداد كبير للتدين.. فقد كان له من الصفاء النفسي ما للمياه، وكان فيه من حياة الروح ما لها.

ولكنه صدم بوقائع كثيرة جعلته يسقط في الغفلة لا الازدراء.. فلم يكن يزدري الدين.. ولكنه لم يكن يجد فيما بين يديه من الأديان من يقنع عقله وروحه التي عشقت المياه.

في ذلك المساء أرسلت إلى علي بأن نلتقي عند بحيرة عذبة صغيرة كانت تتواجد في منطقة قريبة من المدينة التي كنا بها.

 

1 ـ أصل الماء

عند البحيرة الجميلة جلسنا على بعض الصخور المحيطة بها، ورحنا نتحدث مع صاحبنا عالم المياه عن المياه..

كان أول سؤال خطر على بالي أن أسأله إياه يرتبط بالأصل والمبدأ.. بأصل المياه على الأرض..

كان صاحبي مغرما بالتفاصيل.. بكل التفاصيل العلمية والتاريخية، فلذلك راح يبدأ من الأول، فقال: لقد تضاربت آراء العلماء حول أصل الماء علي سطح الأرض تضاربا كبيرا‏[1],‏ ولم يحاول أحدهم ربط ذلك بماء المطر علي الرغم من وضوح ذلك:

ففي الحضارة اليونانية القديمة اقترح أفلاطون‏(428‏ ـ‏348‏ ق‏.‏م‏.)‏ وجود خزانات جوفية هائلة علي هيئة عدد من الممرات والقنوات تحت سطح الأرض تقوم بتغذية جميع أشكال الماء علي سطح الأرض من جداول وأنهار‏,‏ وبحيرات وبحار ومحيطات وغيرها‏,‏ وتخيل أن هذا الخزان المائي الهائل ليس له قاع إذ يتخلل الأرض كلها‏,‏ وأن الماء يمور فيه بصفة مستمرة‏.‏

أما أرسطو‏(385‏ ـ‏322‏ ق‏.‏م‏)‏ فقد رفض هذه الفكرة علي أساس أن مثل هذا الخزان لابد أن يكون أكبر من حجم الأرض لكي يتمكن من الإبقاء علي جميع الأنهار متدفقة‏,‏ ونادي بأن هواء باردا في داخل الأرض يتحول إلي الماء كما يتحول الهواء البارد حول الأرض‏,‏ واقترح أن تضاريس الأرض العالية تعمل عمل قطع الإسفنج الهائلة حيث تتشبع بهذا الماء المتكون في داخل الأرض من تكثف الهواء الجوفي البارد‏,‏ وأنها تقطر هذا الماء فتغذي به الأنهار والجداول والينابيع‏.‏

كذلك نادي فيزوفيوس في القرن الأول الميلادي ‏(وهو من مفكري الحضارة الرومانية‏)‏ بأن الأودية بين الجبال أكثر حظا من الجبال في غزارة ماء المطر‏,‏ وأن الثلج يبقي فوق الأرض لفترة أطول في المناطق المكسوة بالغابات الكثيفة‏,‏ وأنه عند انصهاره يتحول إلي ماء فيتخلل فتحات الأرض‏,‏ ويصل في النهاية إلي أسافل الجبال التي تسيل منها الجداول وتتدفق‏.‏

وظل العديد من العلماء حتي أواخر القرن السابع عشر الميلادي مقتنعين بفكرة الكهوف الكبيرة في داخل الأرض كمصدر رئيسي لماء الأنهار‏,‏ أو أن الماء المتجمع تحت سطح الأرض يأتي من البحر‏,‏ وقد لخص هذه الآراء الخاطئة عالم أوروبي باسم أثناسيوس كيرثر‏(1602-1680‏ م‏)‏ مفترضا أن البحر مرتبط بجبال جوفاء تتدفق منها الأنهار والجداول‏.‏

ولم يستطع أحد من علماء الغرب ومفكريه تصور إمكانية أن تكون زخات المطر المتفرقة علي مدار السنة كافية لابقاء الأنهار وغيرها من مجاري الماء متدفقة به علي مرور الزمن‏ علي الرغم من أن فرنسيا باسم برنارد باليسي‏(1510‏ م‏-1590‏م‏)‏ كان قد أعلن أن الأنهار والينابيع لا يمكن أن يكون لها مصدر غير ماء المطر‏,‏ وأشار إلي أن الماء تبخره حرارة الشمس‏,‏ وتحمل الرياح الجافة التي تضرب الأرض هذا البخار فتتشكل السحب التي تتحرك في كل الاتجاهات‏,‏ وعندما تدفع الرياح تلك الأبخرة يسقط الماء فوق أجزاء من الأرض‏,‏ ثم تذوب تلك السحب التي ليست سوى كتلة من الماء‏,‏ وتتحول إلي مطر يسقط علي الأرض‏,‏ وعندما يواصل هذ الماء نزوله من خلال شقوق الأرض، ويستمر في النزول حتي يجد منطقة مغلفة بالصخور الكثيفة فيستقر عندها علي هيئة مخزون فوق هذا القاع الذي يتدفق منه الماء عندما يجد فتحة توصله إلي سطح الأرض علي هيئة ينابيع أو جداول أو أنهار.‏

وهذا القول هو الحقيقة التي تاه الكثير في البحث عنها.. فالشمس تبخر كما هائلا من ماء الأرض، فيرتفع علي هيئة بخار يعلق بأجزاء من الغلاف الغازي للأرض‏,‏ ثم يتكثف في أجزاء منها علي هيئة قطيرات دقيقة من الماء مكونا السحب ‏.‏

ويقدر مايرتفع من الأرض إلي غلافها الغازي سنويا بنحو‏(380,000‏ كيلومترا مكعبا‏)‏ من الماء‏,‏ يتبخر أغلبه من أسطح البحار والمحيطات‏(320,000‏ كيلومترا مكعبا‏),‏ ويرتفع الباقي من اليابسة‏(60,000‏ كيلومترا مكعبا‏).‏

ويعود كل مايتبخر من ماء الأرض إليها ثانية ‏(380,000‏ كيلومترا مكعبا في السنة‏)‏ ينزل منه ‏(284,000‏ كم‏3)‏ فوق البحار والمحيطات‏, و(000,.96‏ كم‏3)‏ فوق اليابسة.

وفي عودته إلي الأرض يتحرك بحسب نسب مقدرة محددة، فالفرق بين البخر من أسطح البحار والمحيطات والمطر فوقها‏( ناقص‏36,000‏ كم‏3)‏ هو نفسه الفرق بين الإمطار علي اليابسة والبخر الصاعد منها ‏(زائد‏36,000‏ كم‏3)،‏ والزائد علي اليابسة يفيض إلي البحار والمحيطات للمحافظة علي مستوي منسوب الماء فيها في كل فترة زمنية محددة‏.‏

ما وصل صاحبي عالم المياه من حديثه إلى هذا الموضع حتى مر علي، وهو يقرأ بصوته الخاشع قوله تعالى:﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ)[2]  (المؤمنون:18)،

فسكت عالم المياه، وكأنه يسمع شيئا جديدا لم يسمعه من قبل..

ثم نهض، واقترب من علي، وقال: أعد علي ما كنت تقرأ.

أعاد علي الآية التي قرأها، فقال عالم المياه: أهذا هو القرآن الذي جاء به محمد؟

قال علي: أجل.. هذا هو القرآن الذي تكلم الله به لعباده.. هذا هو القرآن الذي شرح الله لنا فيه حقيقتنا وحقيقة الوجود.

قال عالم المياه: لقد سبق محمد برنارد باليسي إذن[3]..

قال علي: فيم سبقه؟

قال عالم المياه: في أصل المياه التي تمتلئ بها الأنهار والآبار [4]..

قال علي: هذا كلام الله.. والله أعلم بما خلقه..

قال عالم المياه: إن الآية التي قرأتها تحوي حقائق جليلة ترتبط بأصل المياه.

قال علي: فعلمني من علمها.. فلكل آية علماؤها.. ولا أراك إلا من علمائها.

المياه المقدرة:

قال عالم المياه: أول ما تنبهنا إليه الآية أن الماء المنزل من السماء منزل بقدر معلوم.. وهذه حقيقة علمية عظيمة.

قال علي: وهي حقيقة قرآنية عظيمة.. فقد أشار القرآن الكريم إلى التوازن العجيب في تصريف المياه، فقال:﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ (الشورى:27)، وقال:﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ (الزخرف:11)

قال عالم المياه: لقد نصت هذه الآيات على أن المطر ينزل بكمية محسوبة، وقد دلت الأبحاث الحديثة على هذا، وتقدر هذه الأبحاث أنه في الثانية الواحدة يتبخر من الأرض تقريباً 16 مليون طنا من الماء، وهذا يعني أن الكمية التي تتبخر في السنة الواحدة تبلغ 513 تريليون طن من الماء، وهذا الرقم مساو لكمية المطر التي تنزل على الأرض خلال سنة.

وهذا يعني أن المياه تدور دورة متوازنة ومحسوبة عليها تقوم الحياة على الأرض، وحتى لو استعمل الناس كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العالم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه الدورة بطريقة صناعية.

قال علي: لقد أشار رسول الله r إلى إلى ثبات كمية الأمطار كل عام، فقد قال:( ما من عام بأقلّ مطراً من عام ولكن الله يصرِّفه )[5]

فقد حدد هذا الحديث الفترة التي يتم خلالها حساب نسبة الأمطار على سطح الكرة الأرضية، وأنها قد تختلف من شهر لآخر، ومن فصل لآخر حسب درجة الحرارة وحالة الطقس.. ولكن إذا حسبنا كمية الأمطار الهاطلة خلال (12 شهراً) نجدها ثابتة[6]. 

قال عالم المياه: هذه حقيقة علمية، فهذه الدورة المائية المعجزة حول الأرض استمرت منذ خرج ماء الأرض من داخلها إلي اليوم الراهن‏,‏ وبهذه الدورة يتحرك الماء من الغلاف المائي للأرض إلي غلافها الهوائي ليتطهر مما يتجمع فيه من ملوثات ومواد ذائبة فيه وعالقة به‏,‏ وتمتد هذه الدورة من نحو الكيلومتر تحت سطح الأرض إلي ارتفاع يقدر بنحو خمسة عشر كيلومترا فوق مستوى سطح البحر‏.‏

خزانات المياه:

قال علي: فهمت الإشارة الأولى.. فما الإشارة الثانية التي شدت انتباهك؟

قال عالم المياه: لقد أشارت الآية التي كنت تقرؤها إلى خزانات المياه.. فالماء في الأرض مخزن بدقة معجزة.

وعندما نزل أحد العلماء إلى منجم للفحم يبلغ عمقه تحت سطح الأرض أكثر من ألف متر اكتشف وجود مياه تعود لملايين السنين، وهذه المياه تسكن تحت الأرض منذ ملايين السنين، وفيها أحياء لا زالت تعيش وتتكاثر.

إنه من العجيب أن يستخدم كلمة ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ﴾ ، إن القرآن يتحدث هنا عن المدة الزمنية الكبيرة التي يمكث فيها الماء في الأرض دون أن يفسد أو يختلط ويتفاعل مع صخور الأرض، ففي قوله:﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ إشارة إلى أن الماء يسكن في الأرض، ويقيم فترة طويلة من الزمن على الرغم من وجود الأحياء الدقيقة والفطريات والأملاح والمعادن والمواد الملوثة تحت سطح الأرض، إلا أن الماء يبقى نقياً وماكثاً لا يذهب.

قال علي: لقد تحدث القرآن الكريم عن منته على عباده بتخزين المياه وحفظها، فهو يقول:﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾(الحجر: 22)

قال عالم المياه: صدق القرآن.. ما أدل هذه الكلمة على الحقيقة.. ﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾.. فمن الذي أودع في الماء خصائص تجعله قابلاً للتخزين في الأرض آلاف السنين؟ ومن الذي أعطى لقشرة الأرض ميزات تجعلها تحتضن هذه الكميات الضخمة من المياه وتحتفظ بها غير مبدع الكون وخالقه.

قال علي: لقد تحدث القرآن عن الآلية التي يتم بها سكون الماء في الأرض، فقال:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾(الزمر: 21)

قال عالم المياه: هنا أيضا نلاحظ دقة القرآن العلمية، فكلمة (فَسَلَكَهُ) دقيقة جداً من الناحية العلمية، فالماء الذي ينزل من السماء يسلك طرقاً معقدة داخل الأرض، حتى إن العلماء اليوم يحاولون تقليد الاهتزازات التي يتعرض لها الماء خلال رحلته في الأرض، وهذا السلوك للماء هو الذي يعطيه طعماً مستساغاً.

إن الماء عندما ينزل من السماء ويتسرب خلال تربة الأرض، ويمر في مسامات التربة الأرضية وبين الصخور، تنحل فيه بعض المعادن والأملاح، وهي مفيدة للجسم غاية الإفادة.

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا أيضا في قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً) (المرسلات:27)، فهذه الآية تربط بين الجبال الراواسي الشامخات أي ذات الارتفاع العالي، وبين الماء الفرات.

قال عالم المياه: هذه آية عظيمة.. إنها تشير إلى علاقة الجبال بنزول المطر وعلاقتها أيضاً بتنقية الماء [7] حتى إن العلماء اليوم ينظرون إلى الجبال كأبراج ماء ضخمة، فنحن اليوم نعيش في ظروف تلوث خطيرة بعد التطور الصناعي الكبير الذي رافقه إطلاق كميات ضخمة من الملوثات بسبب المصانع ووسائل النقل وما تطلقه من غازات سامة تضر بالبيئة والإنسان، ولذلك نجد أن ماء المطر اليوم لدى نزوله من الغيوم يمتص جزءاً من الملوثات الموجودة في الجو.

وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الماء عند مروره في طبقات التراب والصخور المختلفة تتم عملية التنقية الطبيعية له، وكلما زادت المسافة التي تقطعها قطرة الماء زادت درجة نقاوتها، وهنا تتجلى معجزة هذه الاية ربط الماء العذب الفرات بالجبال الشامخة، لأن المسافة التي يقطعها ماء المطر خلال الجبال العالية طويلة والماء الناتج أنقى وأكثر عذوبة.

 

 

2 ـ الماء والحياة

نظر صديقي إلى الأسماك الجميلة الملونة التي كانت تبدو من خلال صفحة الماء، وقال: انظروا إلى جمال الحياة تحت الماء.. لا يمكن أبدا أن تكون هناك حياة بلا ماء.

قال علي: صدقت، لقد ورد ذكر الماء كثيرا في القرآن الكريم، باعتبار علاقته الوثيقة بالحياة، بل إن الله تعالى ذكر الماء عند ذكره لخلق السموات والأرض، فقال تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ﴾ (الانبياء:30)

الحياة:

انتفض عالم المياه، وقال: صدق القرآن.. إنه يعبر عن الحقيقة بكل دقة وجمال، إن الماء ليس مجرد سائل كسائر السوائل.. إنه سر الحياة.. إنه الركيزة الكبرى في حياة الكائنات الحية، وعليه تتوقف جميع العمليات الحيوية فيها.

قلت: ما سر اختصاص الماء بهذه القدرات العجيبة؟

قال: يرجع ذلك إلى الخواص الفريدة للماء، والتي تجعله بحق سائل الحياة:

فمن خصائصه أنه يذيب العديد من المواد أكثر من أي سائل آخر، ويرجع هذا إلى مقدرة الماء العالية في فصل الجزيئات المتأينة وغير المتأينة بعيداً عن بعضها البعض.

وللماء حرارة نوعية عالية مقارنة بالكثير من السوائل، فله حرارة تبخر، وحرارة كامنة عاليتان بصورة غير عادية، وتساعد هاتان الخاصيتان على بقاء الماء بصورته السائلة في درجات حرارة مختلفة، بل تجعله صالحاً لحياة الكائنات الحية في درجات حرارة عالية أومنخفضة نسبياً.

ومع أن معظم المواد تكون عند أعلى كثافة لها في درجة التجمد، ولكن الماء يشذ عنها، حيث له أعلى كثافة عند درجة 4س، وهذه الخاصية مهمة للأحياء المائية البحرية، حيث يطفو الجليد على سطح الماء، وبذلك يعمل عازلاً لما تحته، ويمنع الماء السفلي من التجمد، وهذا يحمي الكائنات البحرية من الهلاك والتجمد.

والماء شفاف قابل لنفاذية الموجات الضوئية المرئية، وبذلك يصل الضوء إلى أعماق كبيرة في البحار، وإلى داخل أوراق النباتات الأرضية، فتتم عملية البناء الضوئي فيها.

وللماء خاصية شد سطحي أعلى من كل السوائل المعروفة، عدا الزئبق وهذه الخاصية تجعله يرتفع في أجزاء النبات إلى مسافات عالية تصل إلى أكثر من 60 مترا.

وللماء قدرة تلاصق كبيرة مع كل من جزيئات النشا والسليلوز والبروتين، بحيث إذا تلا مس الماء مع أي منهم تلاصقا بشدة مع بعضهما البعض، مما يؤدي إلى بلل تلك المواد، وهذه الخاصية مهمة للكائنات الحية، ولإتمام العملية الحيوية بها، وصعود الماء في النبات.

وبالإضافة إلى هذا كله، فقد أثبتت جميع التجارب العلمية أن للماء دوراً حيوياً كبيراً في حياة الكائنات الحية، ففقدان الجسم بالجوع 50 بالمائة من الدهون والبروتينات غير مهلك، ولكن فقدان الجسم نسبة 20 بالمائة فقط من مائة قاتل.

وقد ثبت أن موت الكلاب الجائعة يتأخر عشرة أضعاف في حالة إذا ما قدم لهذه الكلاب الماء فقط.

وسر هذا النشاط الحيوي للماء يرجع إلى أمور كثيرة، منها أن الماء ينظم بدقة العمليات الحيوية في الكائنات الحية، فجميع الأنشطة الحياتية وتفاعلاتها المتعددة من التغذية إلي الإخراج ومن النمو إلي التكاثر لا تتم في غيبة الماء بدءا من التمثيل الغذائي‏,‏ وتبادل المحاليل بين الخلايا وبعضها البعض‏,‏ وبينها وبين المسافات الفاصلة بينها‏,‏ وذلك بواسطة الخاصية الشعرية للمحاليل المائية التي تعمل من خلال جدر الخلايا‏,‏ وانتهاء ببناء الخلايا والأنسجة الجديدة مما يعين علي النمو والتكاثر‏,‏ وقبل ذلك وبعده التخلص من سموم الجسم وفضلاته عن طريق مختلف صور الإفرازات والإخراجات‏.‏

هذا بالإضافة إلي ما يقوم به الماء من أدوار أساسية في عمليات بلع الطعام‏,‏ وهضمه‏,‏ وتمثيله‏,‏ ونقله‏,‏ وتوزيعه‏,‏ ونقل كل من الفيتامينات‏,‏ والهرمونات‏,‏ وعناصر المناعة‏,‏ ونقل الأوكسجين إلي جميع أجزاء الجسم‏,‏ وإخراج السموم والنفايات إلي خارج الجسم‏,‏ وحفظ حرارة الجسم ورطوبته وما يقدم لذلك أو يترتب عليه من العمليات الحيوية.

ومنها أنه منظم لدرجة حرارة الجسم‏,‏ بما له من سعة حرارية كبيرة‏,‏ ومنظم لضغط الدم‏,‏ ولدرجات الحموضة‏,‏ فإن في نقصه تعطش الخلايا ويضطرب عملها‏,‏ وتتيبس الأنسجة‏,‏ وتتلاصق المفاصل‏,‏ ويتجلط الدم ويتخثر‏,‏ ويوشك الكائن الحي علي الهلاك ولذلك فإن أعراض نقص الماء بالجسم الحي خطيرة للغاية‏,‏ فإذا فقد الإنسان علي سبيل المثال‏1بالمائة‏ من ماء جسده أحس بالظمأ‏,‏ وإذا ارتفعت نسبة فقد الماء إلي‏5بالمائة‏ جف حلقه ولسانه‏,‏ وصعب نطقه‏,‏ وتغضن جلده‏,‏ وأصيب بانهيار تام‏,‏ فإذا زادت النسبة المفقودة علي‏10بالمائة‏ أشرف الإنسان علي الهلاك بالموت‏.‏

وفي المقابل فإن الزيادة في نسبة الماء بجسم الكائن الحي علي القدر المناسب له قد تقتله‏,‏ فالزيادة في نسبة الماء بجسم الإنسان قد تسبب الغثيان‏,‏ والضعف العام وتنتهي بالغيبوبة التي تفضي إلي الموت‏.‏

ومنها أن عمل العضيات الحيوية المهمة بالخلية مثل الميتوكوندريا (مواضع تكوين البروتين بالخلية) والبلاستيدات الخضراء (عضيات تكوين الغذاء في النبات من الضوء) يتوقف عملها جميعاً على امتلائها وانتفاخها بالضغط المائي.

ومنها أن الماء ينقل المركبات العضوية وغيرها بالجسم، نظراً لانخافض لزوجته ومقدرته على الحركة وإذابة كثير من المركبات العضوية وغير العضوية.

ومنها أن الماء يؤدي وظيفة إخراج نواتج الهدم في الأجزاء المتخصصة لذلك في الكائنات الحية.

ومنها أن الماء ضروري لعمليات التحلل المائي والأكسدة والاختزال في الأجسام الحية.

ومنها أن الماء ينظم درجة حرارة الكائنات الحية، وذلك لارتفاع حرارته النوعية ولتوصيله الجيد للحرارة.

ولهذا كله وغيره، فإن الماء يشكل العنصر الأساسي في بناء أجساد جميع الكائنات الحية‏,‏ فقد ثبت بالتحليل أن نسبة الماء في جسم الإنسان تتراوح بين حوالي‏71بالمائة‏ في الإنسان البالغ‏,‏ و‏93بالمائة‏ في الجنين ذي الأشهر المحدودة‏,‏ بينما يكون الماء أكثر من‏80بالمائة‏ من تركيب دم الإنسان‏,‏ وأكثر من‏90بالمائة‏ من أجساد العديد من النباتات والحيوانات‏.‏

ونتيجة لذلك، فلا يمكن للحياة أن تقوم بغير الماء أبدا‏,‏ فمن الكائنات الحية ما يمكنه الاستغناء كلية عن أوكسجين الهواء‏,‏ ولكن لا يوجد كائن حي واحد يمكنه الاستغناء عن الماء كلية.

ولهذا يغطي الماء حوالي‏71 بالمائة‏ من مساحة سطح الأرض، بينما تشغل مساحة اليابسة حوالي‏29 بالمائة‏ من تلك المساحة‏.‏

والأرض ـ بذلك ـ أغني كواكب المجموعة الشمسية بالماء الذي تقدر كميته علي السطح بنحو‏1,4‏ بليون كيلو متر مكعب‏,‏ بالإضافة إلي مخزون يقدر بمئات أضعاف هذا الرقم في نطاق الضعف الأرضي‏,‏ يخرج بقدر معلوم مع ثورات البراكين‏.‏

ويتوزع أغلب الماء علي سطح الأرض‏(‏ حوالي‏97,22بالمائة)‏ في البحار والمحيطات التي تغطي مساحة تزيد علي‏362‏ مليون كيلو متر مربع‏,‏ بمتوسط عمق يقدر بحوالي‏3800‏ مترا مما يعطي لبحار ومحيطات الأرض حجما يزيد قليلا علي‏(1375)‏ مليون كيلو متر مكعب من الماء المالح‏.‏

هذا بالإضافة إلي كم من الجليد يغطي قطبي الأرض‏,‏ وقمم الجبال بسمك يصل إلي أربعة كيلو مترات في القطب الجنوبي وإلي‏3800‏ متر في القطب الشمالي‏,‏ ويقدركم الماء في هذا الغطاء الجليدي بحوالي‏(2,15بالمائة)‏ من مجموع الماء علي سطح الأرض‏,‏ والنسبة الباقية وتقدر بحوالي‏(0,63بالمائة)‏ من مجموع ماء الأرض تمثل أغلبها بالمخزون المائي في صخور قشرة الأرض ونسبته‏0,613بالمائة‏ ويمثل الباقي بمخزون البحيرات الداخلية‏,‏ وكم الماء الجاري في الأنهار والجداول‏,‏ ورطوبة كل من الجو والتربة‏,‏ التي تعين الأرض علي الإنبات‏,‏ وتلعب دورا مهما في تكوين السحب التي تدفع عن الأرض جزءا كبيرا من حرارة وأشعة الشمس بالنهار‏,‏ كما ترد إلي الأرض معظم الدفء الذي تشعه صخورها إلي الجو بمجرد غياب الشمس‏.‏

وهذا التوزيع المعجز للماء علي سطح الأرض لعب ـ ولا يزال يلعب ـ دورا أساسيا في تهيئة مناخ الأرض لاستقبال الحياة‏,‏ فلولا هذه المساحات المائية والجليدية الشاسعة لاستحالت الحياة التي نعرفها علي سطح الأرض‏,‏ لأن درجة حرارة نطاق المناخ كان من الممكن أن تصل إلي أكثر من مائة درجة مئوية بالنهار‏,‏ وأن تنخفض إلي ما دون المائة درجة تحت الصفر المئوي بالليل‏,‏ وهو تباين لا تقوي عليه كل صور الحياة المعروفة لنا.

فالغلاف المائي للأرض الذي ينظم درجة حرارتها‏,‏ وحرارة الهواء المحيط بها في نطاق المناخ‏,‏ وذلك بتكرار عمليات التبخير بكميات كبيرة من الماء,‏ وتكثيف هذا الكم الهائل من بخار الماء علي هيئات السحاب والضباب والندي‏,‏ وإنزاله إلي الأرض علي هيئة المطر‏,‏ والثلج والبرد‏,‏ وما يصاحب ذلك من رعد وبرق‏,‏ وما ينزل معهما من مركبات النيتروجين وغيره من العناصر التي تثري تربة الأرض بما يحتاجه النبات من مركبات‏,‏ وما يصاحب كل ذلك من إحياء للأرض بعد موتها.

بالإضافة إلى هذا كله، فالماء يساعد علي حفظ درجات الحرارة في البحار والمحيطات في الحدود التي تعين الحياة البحرية علي النشاط‏,‏ وذلك باختلاط التيارات البحرية الدافئة والباردة‏,‏ وبامتصاص جزء كبير من أشعة الشمس، ومما تنتجه الأحياء البحرية من حرارة نتيجة لمختلف أنشطتها الحيوية‏,‏ والعمل علي إعادة توزيعها‏,‏ وكذلك توزيع الحرارة الناتجة عن ثورات البراكين فوق قيعان كل محيطات الأرض‏,‏ وقيعان أعداد من بحارها.

الطهارة:

قال علي: لقد ذكر القرآن الكريم من تأثير الماء في الحياة أنه جعله سببا لطهارة الكائنات، ووسيلة لها، فقال:﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (الفرقان:48)

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدور التطهيري للمطر في قوله تعالى:﴿   وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (الفرقان: من الآية48)، وقال تعالى:﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ (لأنفال:11)

قال عالم المياه: صدق القرآن في هذا.. فعند نزول المطر إلي الأرض قد يتدفق فوق سطحها علي هيئة السيول الجارفة.. وقد يتسلل إلي التربة‏,‏ أو يصل إلي طبقات صخرية عالية المسامية والنفاذية، فيتحرك رأسيا بالجاذبية الأرضية إلي أسفل حتي يصل إلي مخزون الماء تحت سطح الأرض، فيعمل علي تجديد عذوبته‏,‏ وتعويض مايفيض أو يضخ منه‏.‏

وهذه الدورة المائية المعجزة يتم بواسطتها تطهير الماء‏,‏ وتلطيف جو الأرض‏,‏ وتوفير نسبة معينة من الرطوبة‏,‏ في كل من غلافها الغازي وتربتها فتسمح للكائنات الحية بما تحتاجه منها‏.‏

وبواسطة هذه الدورة المائية تتم تسوية سطح الأرض‏,‏ وشق الفجاج والسبل فيه‏,‏ ويتم تفتيت الصخور‏,‏ وتكوين كل من التربة والصخور الرسوبية‏,‏ وخزن قدر من ماء المطر فيها وفي غيرها من صخور قشرة الأرض‏,‏ وتركيز عدد من الخامات الاقتصادية‏.‏

قال علي: ولهذا يربط القرآن الكريم بين المطر وحياة الأرض، فيقول:﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ  ﴾ (البقرة: من الآية164)، وقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ (النحل:65)، وقال تعالى:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ (العنكبوت:63)، وقال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (فصلت:39)، وقال تعالى:﴿ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (الجاثـية:5)

قال عالم المياه: بالإضافة إلى هذا كله.. فإن لدورة الماء حول الأرض فوائد كثيرة من أبرزها تطهير هذا الماء من عوالقه وشوائبه المختلفة‏,‏ فحينما ينزل ماء المطر علي الأرض ويجري علي سطحها، فإنه يحمل معه من نفاياتها كما كبيرا إلي أحواض البحار والمحيطات في عملية تنظيف وتطهير مستمرة لسطح الأرض‏,‏ وغسل لأدرانها المختلفة‏,‏ والماء في جريانه علي سطح الأرض يذيب كل مايمكن اذابته من مكوناتها من مختلف العناصر والمركبات‏,‏ كما يحمل ملايين الاطنان من العوالق غير المذابة والتي تترسب علي طول مجاري الانهار والأودية ودالاتها وفوق قيعان البحار والمحيطات والبحيرات وغيرها من التجمعات المائية‏,‏ وفي هذه الأوساط المائية يحيا ويموت بلايين الكائنات الحية، ولذلك يتعفن الماء غير الجاري في التجمعات المائية المحدودة بسرعة كبيرة وبدرجات أقل في البحار الواسعة والمحيطات‏,‏ ويزيد من تلوث هذه الأوساط المائية مايدفع إليها من مخلفات المصانع والمنازل‏.‏

وحينما تبخر أشعة الشمس هذا الماء فإنه يتطهر مما فيه من الملوثات‏,‏ ويصعد إلي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي علي هيئة بخار ماء نقي طاهر من كل ماكان فيه من أدران وأوساخ وأملاح‏.‏

وهذه هي عملية التطهير الرئيسية لماء الأرض‏,‏ ولذلك فان أنقي صورة للماء الطبيعي هي ماء المطر‏,‏ علي الرغم من أنه عند نزوله من السماء قد يذيب نسبة ضئيلة من مكونات الغلاف الغازي للأرض كما قد يحمل معه نسبة لاتكاد تدرك من ذرات بعض الأملاح اللازمة لصحة الإنسان وغيره من الكائنات الحية‏,‏ وذلك لأن الماء الصافي تماما قد يكون ضارا بجسم الإنسان.

ولايفسد ماء السماء إلا الملوثات التي قد يطلقها الإنسان‏,‏ وذلك من مثل أكاسيد الكبريت التي تسبب نزول مايسمي بالأمطار الحمضية أو إطلاق بعض الغبار المشع كالذي ينتج من التجارب النووية أو من التسرب من المنشئات القائمة علي مثل هذا النشاط كالمفاعلات النووية.

قال علي: ولهذا من الله على عباده بأن حفظ لهم طهارة الماء وصلاحه للشرب، فقال:﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ(69)  لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) ﴾(سورة الواقعة)

وكان r إِذَا شَرِبَ الْمَاء قَالَ:( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا )[8] 

قال عالم المياه: صدق محمد.. إن السلوك الإنساني الجشع والمدمر هو الذي يخرب هذا المخزون الهائل من المياه التي تمتلئ بها الأرض والسماء.. إن الذنوب هي التي حولت من المياه العذبة إلى مياه مسمومة.

سكت قليلا، ثم قال بنبرة حزينة: للأسف.. فإن المطر الآن يسقط في مناطق كثيرة ـ خاصة فى البيئات الصناعية ـ مطراً حمضياً يهلك الحرث والنسل، فقد بلغ الأس الهيدروجيني للمطر فى بعض المناطق الصناعية درجة عالية تجعل مياه الأمطار عالية الحموضة محدثه أضرار كثيرة.

لقد فقدت مئات من البحيرات فى أمريكا الشمالية وشمال غرب أو ربا ـ نتيجة ارتفاع درجة حموضة مياهها بسبب المطر الحمضي ـ معظم ما بها من ثروات سمكية وأصبحت 90 بحيرة فى منطقة جبال أدرونداك فى ولاية نيويورك ـ مثلا ـ خالية تماماً من الأسماك تحت تأثير الحموضة المتزايدة لمياه البحيرات، وهي حموضة قاتلة للأحياء.

ولايقتصر تأثير المطر الحمضي على الأضرار بمياه الأنهار والبحيرات، وإنما يمتد تأثيره إلي مخاطر كثيرة، فقد أعلن فريق من الباحثين فى جامعة نيوها مبشير بالولايات المتحدة الامريكية (1985) أن المطر الحمضي يمنع حاسة الشم عند سمك السالمون، ولهذا يفقد قدرته على إيجاد طريقة نحو مجاري الأنهار العليا من أجل وضع بيضة وإتمام عملية الفقس.

كما بدأت الأمطار الحمضية تضر بالمحاصيل الزراعية تحت تأثير ترسب كميات كبيرة من المواد الحمضية فى التربة مما يغير من تركيبها الكيماوي فى اتجاه الحموضية المتزايدة التى تضر، بل تقتل النباتات إذ تعمل الحموضة الزائدة فى التربة على إفقار التربة نتيجة إزالة الكاثيونات ( الأيونات الموجبة ) منها التى تعتبر القاعدة الأساسية لتغذية النباتات مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم.

كما يؤدي المطر الحمضي إلى تدمير الكثير من الأشجار والنباتات حيث تصاب بظاهرة الموت التراجعي حيث تموت الأشجار واقفه ـ كما يقولون ـ إذ تتلف الأوراق العلوية المعرضة مباشرة للمطر الحمضي الذى يقتل المادة الخضراء فيها، ثم ينتقل التأثير بعد ذلك الى الأوراق التحتية، فقد أو ضح تقرير من ألمانيا الاتحادية (1980) أن مساحة من الغابات تقدر بنحو560 ألف هكتار أي حوالي 7ر7 بالمائة من مجموع مساحات الغابات في ألمانيا قد دمرت أو أتلفت بدرجات متفاوته نتيجة المطر الحمضي والضباب الحمضي.

وفي تقرير صادر عن دول مجموعة التعاون الاقتصادي الأوربي (1988) حذر من تفاقم التلوث المائي الناجم عن تكثيف استخدام الأسمدة الكيماوية، ودعا التقرير إلى الحد من الاستخدام المكثف لهذه الأسمدة الكيماوية لما لها من مخاطر كبيرة على الأحياء المائية.

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم كذلك إلى هذا، وحذر منه، فقال تعالى:﴿  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ (الروم:41)

قال عالم المياه:  صدق القرآن.. لم أكن أتصور أن يهتم كتاب مقدس بمثل هذه النواحي.

قال علي: بهذه المناسبة.. لقد ورد في الحديث عن رسول الله r أنه كان يقول في دعائه:( اللهم أغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد )، فلماذا ذكر r هذه الثلاثة، ولم يكتف بالماء[9]، وهل هناك فرق في القدرة على التطهير بينها؟

قال عالم المياه: أجل.. فللماء قدرة عجيبة على التنظيف وإذابة المواد، وذلك بسبب ما يتمتع به من خواص، فهو يتكون من ذرتي هيدروجين مرتبطة مع ذرة واحدة من الأكسجين برابطة تساهمية قطبية.

وهذه القطبية الناتجة عن فرق السالبية الكهربائية بين ذرات الهيدروجين والأكسجين تعمل على تجميع جزيئات الماء بواسطة روابط هيدروجينية ضعيفة، تكسبه خصائص فريدة عن المركبات المشابهة له في التركيب، وتسبب تغيرات في خواصه الفيزيائية، فدرجة غليانه مرتفعة 100° س، والتوتر السطحي له كبير، وغيرها من الخواص التي سبق ذكر بعضها.

فالماء الذي اختص بقدرة كبيرة على إذابة المواد حتى سمي بـ (المذيب العام) له قدرة كبيرة على إذابة كثير من المواد الأيونية، حيث أن جزيئات الماء القطبية تهاجم بلورة المركب إذا كان أيونيا، فيعزل ايوناته المتجاذبة داخل الشبيكة البلورية، وتنشأ قوى تجاذب بين جزيئات الماء القطبية والأيونات، حيث تتغلب على قوى التجاذب بين الأيونات في البلورة، فتنتشر المادة المذابة بين جزيئات الماء.

ولهذا عندما تعلق البقع والأوساخ بالثوب تحدث قوى جذب بين القماش والأوساخ تسمى علميا بقوى الالتصاق.

والماء الذي اختص بقدرة كبيرة على إذابة المواد بسبب الخاصية القطبية وخاصية التوتر السطحي، والتي تساعده في التغلغل داخل خيوط القماش  (بالخاصية الشعرية ) فيخترق البقعة ويبلل القماش وبالتالي يذيب الأوساخ بعزل ايوناتها عن بعضها، فتضعف قوى التجاذب بينها إذا كانت من النوع الذي يذوب في الماء.

أما إذا كانت البقع دهنية، ولا تذوب في الماء، فإن الماء ينقطع على شكل كرات ولا يبلل سطح النسيج لأن قوى الالتصاق بين الماء والبقع أقل من قوى التماسك بين جزيئات الماء، لذلك يمكن غسلها بالماء والصابون حيث أن محلول الصابون يقلل التوتر السطحي للماء، فينتشر محلول الصابون على الدهون ويتفاعل معها مكونا مستحلباً دهنياً، وتزداد قوى التجاذب بين الماء والبقع، فتترك الأوساخ السطح العالقة به.

قال علي: هذا الماء.. ولكن النبي r أشار إلى طريقة أخرى للتنظيف، وهي الثلج فكيف يكون الثلج وسيلة للتنظيف؟

قال عالم المياه: أنت تعلم أن الماء عندما يتجمد يصبح ثلجا عند درجة الصفر المئوي، وفي ذلك الحين تتغير طريقة ارتباط الجزيئات، فتصبح مثل حلقة البنزين.

هناك بعض الأوساخ التي لا تزول بالماء، أو بالماء والصابون، وذلك لأن قوى الالتصاق بين هذه البقع والقماش تكون كبيرة مثل بقع الشمع أو العلك على القماش.

فعند وضع قطعة من الثلج عليها فإن البرودة تعمل على تقارب جزيئات هذه المادة ( تنكمش ) فتقل قوى الالتصاق بينها وبين القماش مما يؤدي إلى انفصالها.

قال علي: والبرد.. لقد ورد في الحديث ذكر البرد.

قال عالم المياه: أنت تعلم أن البرد يتكون عند درجة حرارة أقل من الصفر المئوي، فإذا كانت هناك أوساخ مستعصية، فان البرد يعمل على انكماش جزيئات هذه الأوساخ بدرجة أكبر من الثلج، فتنفصل وتزول.

قال علي: لقد وردت الإشارة القرآنية بالربط بين تخزين الماء والشرب، فقال تعالى:﴿ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ (الحجر: من الآية22)،

فقد ربطت الآية الكريمة بين تخزين الماء وبين كونه قابلاً للشرب والسقاية، فهل اكتشف العلم ما يبين العلاقة بينهما [10]؟

قال عالم المياه: أجل.. لقد عرف العلم من خلال أبحاث كثيرة أن أفضل وأرخص طريقة لتنقية الماء تنقية كاملة هي بتخزينه تحت الأرض، فهذه الطريقة تقضي على أعتى أنواع الجراثيم وأخطرها قضاءً تاماً.

ولهذا يقوم العلماء اليوم بمحاولات لتخزين الماء الملوث تحت الأرض بهدف تنقيته وجعله صالحاً للشرب، فتخزين الماء تحت الأرض لعدة شهور يؤدي لقتل الجراثيم والفيروسات الموجودة فيه.

يقول الدكتور Dr Simon Toze: (إن الأبحاث تشير إلى أن المياه الملوثة بشدة يمكن أن تُنقّى بسهولة من خلال ضخها تحت الأرض وتركها لمدة كافية )

ويؤكد هذا العالم أن الناس لم يفهموا أهمية تخزين المياه إلا في مطلع القرن الحادي والعشرين، فقد تبين أن التنقية الطبيعية  geopurificationيمكن أن تزيل الكثير من المواد والشوائب العالقة في المياه مثل الزيوت وبعض المواد الكيميائية وكثير من أنواع البكتريا والكائنات الضارة.

قال علي: لقد ربط القرآن الكريم ـ كذلك ـ بين الجبال العالية والمياة العذبة، فقال تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً ﴾ (المرسلات:27)، ففي هذه الآية الكريمة ربط بين الرواسي الشامخات وهي الجبال العالية، وبين الماء الفرات وهو شديد العذوبة.. فهل أثبت العلم العلاقة بينهما[11]؟

قال عالم المياه: قبل أن أجيبك عن سؤالك.. أحب أن أبين لك سر الربط بين الجبال العالية والمياه.

قال علي: فهل هناك علاقة بينهما؟

قال عالم المياه: أجل.. لقد رصد العلماء حركة تيارات الرياح وهي تحمل ذرات بخار الماء من سطح البحر، وهذه التيارات الهوائية تبدأ بالحركة الأفقية حتى تصطدم بالجبال، وهذا يؤدي إلى تغيير مسار الرياح باتجاه الأعلى، لذلك نجد أن قمم الجبال العالية تتجمع الغيوم حولها وتغطيها الثلوج طيلة أيام السنة تقريباً.

وكلما كان الجبل أكثر شموخاً وارتفاعاً أدى ذلك لتجمع كمية أكبر من الغيوم، ثم نزول المطر أو الثلج، ثم ذوبان هذا الثلج وتسرُّبه عبر طبقات الجبل ومسامه حتى تتفجر الينابيع شديدة العذوبة.

ولذلك نجد أن معظم الجبال الشامخة يوجد قربها أنهار وينابيع ومياه عذبة.

قال علي: وما سر العذوبة فيها، والتي أشار إليها القرآن الكريم؟

قال عالم المياه: إن مياه الينابيع هذه، والتي جاءت من الجبال العالية خضعت لعمليات تصفية متعددة.. ومن المعلوم أنه كلما مرَّت المياه عبر مراحل تصفية (فلترة) أكثر كلما كان الماء أنقى.

وفي حالة الجبال التي ترتفع عدة كيلومترات، تعمل هذه الجبال كأفضل جهاز لتنقية المياه على الإطلاق، ولا يمكن للإنسان مهما بلغ من التقدم العلمي أن يقلِّد هذه العمليات التي تتم عبر الجبال.

قال علي: لقد عبر القرآن الكريم عن هذا الماء بكونه فراتا أي عذبا.. والعذوبة شيء زائد على النقاء.. فهل أثبت العلم ذلك؟

قال عالم المياه: أجل.. فالماء النازل من السماء والعابر للصخور الموجودة في الجبال يمتزج ببعض المعادن والأملاح الموجودة في تلك الصخور ويكتسب الطعم المستساغ، ولولا وجود الجبال والصخور وانحلال هذه المواد في الماء لم يكن للماء أي طعم يذكر. 

قال علي: لقد ذكر الله تعالى من أنواع الطهارة التي يقوم بها الماء طهارة النفس، فقال:﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (لأنفال:11)

قال عالم المياه: صدق القرآن.. لقد عبرت هذه الآية عن حقائق كثيرة ترتبط بالمياه[12]، فالأطباء يذكرون أنه عند الخوف تفرز في الدماء مادة ترتعش منها الأطراف، فلا تثبت, ومن وسائل تثبيت الأطراف تقليل هذه المادة بأن يرش من هذه حالته بالماء.

بالإضافة إلى هذا فقد كان نزول الماء سببا لتثبيت تثبيت الأرض التي يسير عليها هؤلاء فتكون ثابتة تحت أقدامهم, لأن الرمال إذا بللت تماسكت وسار عليها السائر بعزم وثبات وتتقدم القدم، فلا تغوص.

 

3 ـ الأمطار

بنيما نحن جلوس في تلك الجلسة التي امتزج فيها العلم والإيمان صبت قطرات عذبة من المياه من السماء.. فاستبشر صاحبي عالم المياه، وأحس بسرور عظيم، فراح علي يقرأ قوله تعالى:﴿  اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ (الروم:48)

تشكل المطر:

قال عالم المياه: صدق القرآن وسبق.. إن هذه الآية معجزة حقا.. فقد ظلت كيفية تكون الأمطار لغزاً كبيراً طويلاً مع الزمن، ولم يكن من الممكن اكتشاف مراحل تكون الأمطار إلا بعد اكتشاف الرادارات.

ووفقاً لهذه الاكتشافات يتكون المطر على ثلاثة مراحل: تصعد المواد الأولية للمطر إلى الهواء مع الرياح.. وبعد ذلك تتشكل الغيوم.. وبعدها تبدأ قطرات المطر بالظهور.

والقرآن يذكر هذه العلمية بشكل دقيق، فهو يشير أولا إلى صعود المواد الأولية للمطر إلى الهواء مع الرياح، وذلك ما يشير إليه هذا قوله:﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ ﴾، ففقاعات الهواء التي لا تحصى، والتي ترغي في المحيطات قاذفة بجزئيات المياه نحو السماء، تحملها الرياح وترفعها إلى الغلاف الجوي.. وهذه الجزئيات ـ التي تسمى الهباء الجوي ـ تعمل كأفخاخ مائية وتكون قطرات الغيوم عبر تجميع نفسها حول بخار الماء الصاعد من البحار على شكل قطرات صغيرة.

وفي المرحلة الثانية، والتي يشير إليها قوله:﴿ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً﴾ تتكون الغيوم من بخار الماء الذي يتكثف حول بلورات الملح وجزئيات الغبار في الهواء، ولأن قطرات المياه في هذه الغيوم صغيرة جداً يبلغ قطر الواحدة منها ما بين 0.01 ـ 0.02 ملم، فإن الغيوم تتعلق في الهواء وتنتشر في أرجاء السماء، وبهذا تغطي السماء بالغيوم.

وفي المرحلة الثالثة، والتي يشير إليها قوله:﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ﴾ تتكاثف جزئيات المياه التي تحيط ببلورات الملح وجزيئات الغبار لتكون قطرات المطر، وبهذا فإن المطر الذي يصبح أثقل من الهواء يترك الغيوم ويبدأ بالهطول على الأرض.

التفت إلى علي، وقال: فأنت ترى كل مرحلة من مراحل تكون المطر مذكورة بهذه الآية، بل أكثر من ذلك، فإن هذه المراحل مشروحة بنفس السياق.

تلقيح السحاب:

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى تأثير الرياح في تلقيح السحب، فقال:﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ (الحجر:22)

قال عالم المياه: إن هذه آية عظيمة تحوي سبقا علميا كبيرا للقرآن في تقرير هذه الحقيقة.. فقد كان الأقدمون يتصورون[13] أن المقصود بتلقيح الرياح هو دور الرياح في نقل حبوب اللقاح إلى أعضاء التأنيث في الأزهار ليتم الإخصاب وتكوين الثمار وهو دور معروف وثابت علمياً,  والقرآن يقرره في هذه الآية.

ولكن الجملة التي تلي ذكر هذا الدور ﴿ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ﴾ تدل على أن عملية إرسال الرياح لواقح لها علاقة مباشرة بنزول المطر, واستخدام حرف العطف (ف) الذي يدل على الترتيب والتعقيب, يوحي بسرعة نزول المطر بعد إرسال الرياح لواقح.

قال علي: لقد ظللت أقرأ هذه الآية.. وأومن بما جاء فيها.. ولكني إلى الآن لا أزال جاهلا بنوع الدور الذي تقوم به الرياح في التلقيح.

قال عالم المياه: هناك ثلاثة أنواع من التلقيح تتم في السحب:

أولها.. تلقيح السحب الحارة بالسحب الباردة مما يزيد عملية التكاثف وبالتالي نزول المطر.

وثانيها.. تلقيح السحب موجبة الشحنة بالسحب سالبة الشحنة، ويحدث تفريغ وشرر كهربائي، فيكون المطر مصحوبا بالبرق والرعد، وهو  صوت تمدد الهواء الناجم عن التفريغ.

وثالثها.. وهو أهم أنواع التلقيح جميعاً هو أن الرياح تلقح السحاب بما ينزل بسببه المطر, إذ أن نويات التكاثف، وهي النويات التي يتجمع عليها جزيئات  بخار الماء لتكون نقطاً من الماء نامية داخل السحب, هي المكونات الأولى من المطر تحملها الرياح, إلى مناطق إثارة السحب, وقوام هذه النويات هو أملاح البحار, وما تذروه الرياح من سطح الأرض, والأكاسيد والأتربة كلها لازمة للإمطار.

وهذه هي فكرة المطر الصناعي,  عندما تقوم بعض الطائرات برش السحب التي سبق وأن تكونت ببعض المواد تعمل كنويات تكاثف, يتكاثف عليها المطر ويهطل.

 قال علي: فالرياح بهذا عامل أساسي في تكوين السحب, وتلقيحها ونزول المطر.

قال عالم المياه: أجل..

قال علي: لهذا ـ إذن ـ دائما يربط القرآن بين الرياح والمطر, كما قال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (لأعراف:57)، وقال تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) (الفرقان:48)، وقال تعالى:﴿ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النمل:63)، وقال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الروم:46)، وقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) (فاطر:9)، وقال تعالى:﴿ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الجاثـية:5)

قال عالم المياه: إن هذه آيات عظيمة.. كلها تدل على الحقائق الكثيرة التي ترتبط بالمياه.. والتي لم نعرفها إلا بعد قرون طويلة من الجهل ومن التفسيرات الخاطئة.

السحاب الركامي:

قال علي: لقد ورد في آية أخرى تفاصيل أخرى تتعلق بتشكل المطر، أرجو أن تبين لي تفاصيلها، فقد قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ (النور:43)

قال عالم المياه: هذه آية عظيمة تتحدث بدقة عن السحاب الركامي[14].. فالعلماء الذين يدرسون الغيوم توصلوا إلى نتائج مفاجئة بالنسبة لتكون الغيوم الممطرة.

فقد وجدوا أن الغيوم الممطرة تتكون وتتشكل وفق نظام ومراحل محددة.. فمثلاً مراحل تكون الركام وهو أحد أنواع الغيوم الممطرة، تبدأ بمرحلة الدفع حيث تحمل الغيوم أو تدفع بواسطة الرياح.. ثم مرحلة التجمع حيث تتراكم السحب التي دفعتها الرياح مع بعضها البعض لتكون غيمة أكبر.. ثم مرحلة التراكم حيث أن السحب الصغيرة عندما تتجمع مع بعضها، فإن التيار الهوائي الصاعد في الغيمة الكبيرة يزداد، فالتيار الهوائي قرب مركز الغيمة يكون أقوى من التيارات التي تكون على أطرافها، وهذه التيارات تجعل جسم الغيمة ينمو عمودياً ولذلك فإن الغيمة أو السحابة تتراكم صعوداً.

وهذا النمو العمودي للغيمة يسبب تمددها إلى مناطق أكثر برودة من الغلاف الجوي  حينما تتكون حبات المطر والبرد وتصبح أكبر، ثم أكبر، وعندما تصبح حبات المطر والبرد ثقيلة جداً على التيارات الهوائية بحيث يتعذر عليها حملها تبدأ بالهطول من السحب الممطرة على شكل مطر أو حبات برد وغيرها.

والآية التي قرأتها تشير إلى كل ذلك.

و يجب أن تعلم أن علماء الأرصاد الجوية لم يعرفوا تفاصيل تكون الغيوم وبنيتها ووظيفتها إلا من خلال استخدام التقينات المتطورة مثل الطائرات والأقمار الصناعية والحواسيب.

تشكل البَرَد:

قال علي: لقد ذكر الله تعالى في الآية البَرَد، وكيفية تشكله[15]، فهل ترى أن ذلك يتوافق مع ما نص عليه العلماء؟

قال داروين: البرَد هو أحد الظواهر الأكثر تعقيداً والتي بحثها العلماء طويلاً، ولم يزل الكثير مما نجهله حول هذه الظاهرة الخطيرة والجميلة في نفس الوقت، والتي تؤدي إلى خسارات تصل إلى مئات الملايين من الدولارات كل عام[16].

ويتجلَّى تعقيد هذه الظاهرة من خلال العمليات بالغة التعقيد التي ترافق تشكل البرَد، لأن تشكل البرَد يتم أثناء العواصف الرعدية، والتي تصل فيها سرعة التيار الهوائي المتجه لأعلى الغيمة إلى 160 كيلو متراً في الساعة أو أكثر.

ويقوم العلماء اليوم باستخدام الرادارات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وكذلك الأقمار الاصطناعية لدراسة أسرار هذه الظاهرة المعقدة.

وقد وجدوا أن البرد يتشكل عبر عدة مراحل تبدأ من قيام التيارات الهوائية بدفع الغيوم المتفرّقة باتجاه الأعلى، فحبات البرَد الصغيرة يتطلب تشكيلها تياراً هوائياً سرعته وسطياً 45 كيلو متراً في الساعة، أما حبات البرد المتوسطة فتتطلب تياراً هوائياً بسرعة 88  كيلو متراً في الساعة تقريباً، وحبات البرد الكبيرة تتطلب تياراً هوائياً سرعته 160 كيلو متراً في الساعة تقريباً.

ثم تبدأ هذه الغيوم بالتجمع والتآلف، ثم بعد ذلك تتراكم الغيوم فوق بعضها البعض مشكِّلة ما يشبه الأبراج العالية التي تمتد لعدة كيلو مترات في الغلاف الجوي.. في هذه الغيوم تبدأ قطرات المطر بالتشكل، وكل مليون قطيرة ماء باردة تتجمع لتشكل قطرة مطر واحدة.

ثم يتشكل البرد حول قطرات الماء المجمدة، أو حول ذرات الثلج الصغيرة، وقد يحوي البرَد في داخله بعض الغبار والأتربة العالقة أو الحشرات الصغيرة التي ساقها التيار الهوائي في الجو بين الغيوم.

ويؤكد العلماء على أن الغيمة الأطول تملك فرصة أكبر في تشكل البرَد بسبب ملامستها لطبقات الجو العليا شديدة البرودة.

ويؤكدون أن التيارات القوية من الهواء مطلوبة لتأمين تشكل البرَد، وحمله والتغلب على قوى الجاذبية الأرضية خصوصاً إذا كانت حبات البرَد كبيرة، وهذه التيارات هي ما يسبب تشكل أبراج من الغيوم الركامية.

وعندما يعجز التيار الهوائي عن حمل حبات البرَد فإن البرَد يسقط، لذلك عندما نقطع حبَّة البَرَد إلى نصفين نلاحظ عدداً من الحلقات على شكل طبقات متعددة تماماً كحلقات البصلة، وهذا يعني أن حبة البرد تتشكل على مراحل كل مرحلة تنمو فيها حلقة.

وقد لاحظ العلماء أن المطر ينزل من كل الغيمة بينما البرد يسقط فقط من ممرات محددة من الغيمة وتدعى صفوف البرد.

وهذه المراحل جميعا، والتي تسبق تشكل البرد ضرورية، ولا يمكن أن يتشكل البرد بدونها.

ويؤكد العلماء أن التيارات الهوائية المتجهة نحو الأعلى لا تقتصر مهمتها على تشكيل البرَد، بل إنها أيضاً مسؤولة عن دفع قمم الغيوم الركامية عالياً إلى طبقة التروبوسفير، مما يؤدي لخلق البيئة المناسبة لحدوث البرق!

قال علي: لقد ورد في القرآن الإشارة إلى كل ما ذكرته من مراحل.. فقد جاء في الآية السابقة:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾ وقد عرفنا من خلال شرحك أن عملية تشكل البرد تبدأ بدفع التيارات الهوائية للغيوم وتجميعها والتآلف بينها، وكلمة (يُزْجِي)  تعني في اللغة (يسوق ويدفع)

ثم قال تعالى:﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾، أي يجمع بين السحُب، وقد عرفنا ضرورة تجمع السحب لتشكيل البرد.

ثم ذكر تعالى المرحلة الأخيرة لتشكل الغيوم، وهي الغيوم الركامية، وذلك في قوله تعالى:﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾، وكلمة (رَكَمَ) في اللغة تعني (ألقى الأشياء بعضها فوق بعض)، وهذا ما يحدث تماماً في الغيوم الركامية حيت تدفعها التيارات الهوائية باتجاه الأعلى، وتجمّعها باتجاه عالٍ يشبه الأبراج ذات القاعدة العريضة وتضيق كلما ارتفعنا للأعلى وتكوّن شكلاً يشبه (الجبل)[17]

وفي المرحلة التالية يبدأ تشكل المطر ونزوله، وهذا ما تخبرنا عنه الآية في قوله تعالى:﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾، وقد ثبت أن المطر الغزير وهو (الودْق) يخرج من جميع أجزاء الغيمة، وهذا ما أشارت إليه الآية في عبارة (مِنْ خِلَالِهِ).

وبعدما تشكلت قطيرات المطر أصبح ممكنا أن يتشكل البرد، وذلك من خلال اجتماع ملايين القطيرات من الماء شديد البرودة لتشكيل حبات البرد والتي تتجمع في مناطق محددة في أعلى وأوسط الغيمة، ويبدأ نزول البرد من مناطق محددة أيضاً، وهذا ما نص عليه قوله تعالى:﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾

وقد استخدم القرآن الكريم كلمة (جبال)، والعلماء يستخدمون كلمة (أبراج) من الغيوم، لأنهم وجدوا أن شكل الغيوم التي تحوي البرَد يشبه البرج.

وبما أن البرد لا يوجد في جميع أجزاء الغيمة، بل في مناطق محددة فيها، وينزل من مناطق محددة أيضاً وليس من الغيمة كلها، قال تعالى:﴿ مِنْ بَرَدٍ﴾، ولم يقل (وينزل البرَد)

وبما أن قسماً كبيراً من البرد المتشكل يذوب قبل وصوله إلى الأرض، وقسماً آخر يذوب داخل الغيمة، فقد جاء في الآية ما يشير إلى هذا، فقال تعالى:﴿ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾.. فالله تعالى يصيب بهذا البرد من يشاء، فتجد أن حبات البرد تبقى متجمدة حتى تصل إلى الأرض، ويصرف الله تعالى هذا البرد عمن يشاء من خلال ذوبان الجزء الأكبر من حبات البرد وعدم وصولها إلى الأرض.

الأمطار والصخور:

قال علي: لقد ورد في آية قرآنية الربط بين المطر وألوان الصخور، وهي قولهتعالى:﴿  أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر:28، 27)

قال عالم المياه: ذلك صحيح.. فألوان الصخور هي نتاج ألوان المعادن المكونة لها، وألوان المعادن نتاج تركيبها العنصري، وبيئتها، وتفاعلها مع الماء.

فالماء من العوامل الحاسمة في تلوين صخور الجبال.

الأمطار والأنهار:

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى علاقة الأمطار بالأنهار في آية تستدعي شرحا علميا [18].. فقد قال تعالى:﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد:17)

فظاهر الآية ينص على أن الله أنزل من السماء مطراً فأخذ كل واد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيراً من الماء، وهذا صغير وسع بقدر، جاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه.

وكان من حمولة السيل ما يسبك في النار من حلية ذهب وفضة ونحاس طلباً للزينة، أو ما يجعل منه متاعاً.

قال عالم المياه: بغض النظر عن المراد من هذا المثل الذي ضربه القرآن.. فإن موضوع المثل في نفسه في منتهى الدقة العلمية.

فالآية تشير إلى معارف كثيرة ترتبط بالأنها:

أولها.. وهو ما يشير إليه قوله:﴿  فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾، وهو ما يعرف في العلم برتبة الأنهار (Steam order)، حيث تصب الأنهار الصغيرة في الأنهار الكبيرة، وبذلك توجد أنهار رئيسية وروافد لها.

والنهر ذو الرتبة الأولى First Order stream لا يتبعه روافد، والنهر ذو الرتبة الثانية ينشأ من التقاء نهرين من أنهار الرتبة الأولى، وهكذا بقية الرتب.

والثاني … وهو ما يشير إليه قوله:﴿ فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً ﴾ن وهو ما يعرف بحمولة النهر … حيث تحتوي معظم أنهار العالم الكبيرة ما يقرب من 110ـ 120جزء من المليون من الأيونات الذائبة (Dissolved Ions)،أي أن كل لتر من ماء الأنهار يحتوي على 1/10من الجرم من المواد الذائبة، وتحمل أغلب أنهار العالم الجزء الأكبر من حمولتها في هيئة معلقات (Suspended Loads).

وتوجد حمولة القاع على هيئة حمولة متدحرجة أو منزلقة أو منقذفة، ومما لا شك فيه أن معظم الحمولة سواء كانت معلقة أو حتى الذائبة، بالإضافة إلى حمولة القاع، مصيرها أن تستقر على القاع بعملية الترسيب، مكونة الرواسب المختلفة التي تتماسك بعد ترسيبها، وتتكون الصخور الرسوبية.

وتلك الحمولة المستقرة تتحدث عنها الآية الكريمة:﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾، وهي أنواع:

منها رواسب المكث (Placer deposits) ، ويشير إليها قوله:﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ ﴾

فقد وجد أن هناك علاقة حميمة بين الذهب والصخور النارية، حيث يتم تركيز الذهب بطريقة ميكانيكية، فعلى سبيل المثال يقوم نهر النيل بتركيز الذهب الذي تحمله المياه من جبال الحبشة، وأيضاً تقوم الأودية التي تسيل بالمياه بتركيز الذهب من المناطق الجبلية التي تخترقها.

ويتركز الذهب ومعه كثير من المعادن الثقيلة ذات الأوزان النوعية العالية مثل الفضة والجارنت والروتيل والفلورايت وغيرها، حيث تمكث في قاع النهر، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يستخرج الذهب بنسبة 5 ـ 10 من الإنتاج من رواسب المكث.

ومنها الرواسب والصخور الرسوبية (Sediments and Sedimentary Rocks)، ويشير إليها قوله:﴿ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾

وتتكون الرواسب النوعية مثل رواسب المكث السابقة في قاع النهر أو على شاطئ البحر.

وتكون الرواسب بصفة عامة الأرضي الخصبة في دلتا الأنهار، وقد تحتوي ثروات الغاز كمصدر مهم من مصادر الطاقة.

بل إن مدلول  قوله:﴿ مَا يَنْفَعُ النَّاسَ ﴾ ليشمل رواسب الرمل المستخدمة في صناعة الزجاجيات، ومواد البناء، وكذا رواسب الطين المستخدمة في صناعة الخزفيات والأسمنت وغيرها، ويتسع مفهوم المنفعة إلى الرواسب التي تحملها الأنهار إلى قاع البحر. وهكذا نجد أن الآية تشير إلى علم أساسي من علوم الأرض وهو علم الصخور الرسوبية.

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم في آيات أخرى إلى الأنهار باعتبارها من نعم الله على عباده، فقال على لسان نوح u وهو يعظ قومه ويبشرهم بنعم الله:﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) (نوح:12)

ومن ذلك قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (الانبياء:31)

قال عالم المياه: هذه الآية العجيبة تشير إلى الصنعة العجيبة.. فمن بديع صنع الله، بل من المحير حقاً أن تشق الأنهار مجاريها ذات الجوانب الحادة في سلاسل الجبال في تحد عجيب.

قال علي: لماذا ينحت النهر مجراه في السلسلة الجبلية فيما حولها؟

قال عالم المياه: عادة ما ينشأ النهر في الأرض الممهدة ذات الانحدار اللطيف التي تغطي سلسلة الجبال المدفونة تحت سطحها، أي أنه يركب فوقها، وينحت النهر رواسب الأرض، ويكون أخدوداً في السلسلة الجبلية.. ولهذا، فإن كثيرا من السبل في الجبال ما هي إلا أودية جافة.

وقد دل على هذا المعنى ما قرأته من الآية.

ومن ناحية ثانية يحدث أحياناً أن ينشأ النهر في أرض ممهدة قبل تكون سلسلة الجبال بعدة ملايين من السنين، وبعد أن تنتصب الجبال يستمر النهر في تحد غريب في تعميق مجراه قاطعاً السلسلة الجبلية.

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا أيضا، فقد قال تعالى:﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النمل:61)

قال عالم المياه: ما أروع هذا الترتيب الذي ورد في الآية.. من قرار الأرض إلى خلق الأنهار إلى نشأة الجبال الرواسي ثم تكوين الحاجز بين البحرين.

قال علي: لقد أشار الله تعالى إلى غور ماء الأنهار في قوله:﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) (الكهف:41)، فقد جاءت هذه الآية في قصة صاحب الجنتين، وقد وصف الله جنته بقوله:﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً) (الكهف:33)

قال عالم المياه: من الظواهر المعروفة تشكلات الكارست، وهي التي تنتج في الأقاليم المتكونة من الأحجار الجيرية والمواد القابلة للذوبان. ويعرف دارسو علم الأرض والجغرافيا أن الأنهار قد تختفي إذا انتهت إلى إحدى الحفر الوعائية (Sinkhole)المتكونة في الحجر الجيري أو في سطح الأرض بصفة عامة.

 

4 ـ البحار

توقف الرذاذ المتساقط من السماء، وظهرت الشمس بعد أن انجلت السحب، فاكتست البحيرة وما يحيط بها ألوانا جميلة.

لست أدري كيف خطر على بال عالم المياه ذكر البحار، فراح يقول لعلي: هل في القرآن شيء عن البحار.. أم أن اهتمامه اكتفى بمياه الأمطار والينابيع.. ولا غرابة في ذلك فمحمد كان في بيئة صحراوية بعيدة عن البحار.

قال علي: كيف تقول هذا.. القرآن يخاطب البشرية جميعا لا محمدا r وحده، وهو يتكلم عن الكون جميعا.. فكيف لا يتكلم عن البحر[19]..

أليست البحار هي التي تشكل 71 بالمائة من مساحة الأرض في حين أن مساحة البر لا تتعدى 29 بالمائة؟

قال عالم المياه: أجل.. وما علاقة ذلك بالقرآن؟

قال علي: القرآن يتحدث عن الأشياء بحسب أهميتها.. وما دام للبحار هذه الأهمية، فمن المستحيل أن لا يتحدث عنها القرآن.

لقد ضرب الله المثل بالبحر في الاتساع والعظمة، فقال:﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (الكهف:109)

واعتبر البحار، وما فيها من أنواع النعم من آيات الله لعباده، قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164)

وآيات أخرى كثيرة سألتمس منك في هذا المجلس أن تفسرها لي.. فلا يتحدث في آيات البحار إلا علماء البحار.

قال عالم المياه: يشرفني أن أخدم بعلمي هذا الكتاب العظيم الذي اتسع لكل هذه الحقائق.

أصل البحار:

قال علي: ألتمس منك قبل أن نتحدث عن الآيات الخاصة بالبحار أن تحدثني عن أصلها، فقد أمرنا الله بالبحث عن أصول الأشياء، فقال:﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20)

قال عالم المياه: نشأة البحار والمحيطات جزء من نشأة الحياة على سطح الأرض، ولو كنت معنا قبل يومين لسمعت كلاما كثيرا في هذا ذكره صديقنا عالم الأرض [20].

ابتسم علي، وابتسمت، واصل عالم المياه حديث متعجبا من هذه الابتسامات التي لم ير مبررا لها، وقال: هناك بعض النظريات التي حاولت أن تعطي تفسيراً لكيفية نشوء المحيطات والقارات:

منها على سبيل المثال (الفرضية الهرمية) لصاحبها لوثيان جرين (1875).. وتنص على أنه نظراً لفقدان الأرض لحرارتها وتعرضها للبرودة، فإن سطحها أخذ في الانكماش التدريجي متخذاً في النهاية شكل الهرم الثلاثي، حيث قاعدته في الشمال ورأسه في الجنوب، وتحتل القارات حافات هذه الهرم، في حين تغطي البحار والمحيطات جوانبه المسطحة.

ومنها نظريات العالم الفرنسي (سولاس)، وتنص على أن الأرض كانت في أول نشأتها لينة سريعة الاستجابة لعامل الضغط الجوي المرتفع، فهبطت وانخفضت مكونة قيعان البحار والمحيطات.

ومنها نظرية (زحزحة القارات)  لصاحبها (ألفريد واجنر)، ومفادها أن التوزيع الحالي للبحار واليابسة يختلف عن التوزيع الذي كان سائداً في العصور والأزمنة سحيقة البعد، حيث يرى واجنر أن نوعاً من الزحزحة قد حدث للأرض نتيجة ضغوط وعوامل عديدة، حيث كانت في الزمن الجيولوجي الأول (أي: قبل 200 مليون سنة) كتلة واحدة هائلة يقع معظمها من جنوب الاستواء حتى القطب الجنوبي، وتحتوي على قارتين فقط، ويتخلل كتلة اليابسة بحار داخلية.

ثم في منتصف الزمن الجيولوجي الثاني بدأت كلتا القارتين في التمزق بعد أن تعرضتا للانكسارات المتتالية، وأخذ كثير من أجزائها في الزحزحة بعيداً عن الكتلتين الأصليتين لكن على امتداد تلك الانكسارات في ثلاثة محاور رئيسية: أحدها في اتجاه الشمال، والثاني في تجاه الشرق، والأخيرة صوب الغرب باستثناء قارات اليابسة الذي كون القارة المتجمدة، والتي حافظت على وضعها، وظلت في مكانها مكونة قارات العالم المختلفة، وتمددت البحار الداخلية مكونة البحار والمحيطات على ما هو الوضع الآن.

 وقد استدل واجنر على نظريته بكثير من الأدلة والشواهد (كالرواسب البحرية) في مناطق لا تغمرها مياه البحار حالياً كالخليج العربي على سبيل المثال، ومن الرواسب التي تراكمت خلال ملايين السنين وتعرضت لعوامل الضغط المختلفة برزت الجبال الالتوائية كجبال الألب في أوربا، وأطلس في أفريقيا، والهيمالايا في آسيا، والطيور المختلفة التي تعيش في مناطق متباعدة ومترامية الأطراف، ولكنها تشترك في نفس السلالة كالنعام الأفريقي[21].

وقد أصبحت هذه النظرية علمية تماماً بعد اكتشاف (الجاذبية الحجرية)، واستطاع العلماء بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة في الزمن القديم، وأن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في الأزمنة القديمة، كما توجد عليه الآن، وإن كانت كما حددتها نظرية تباعد القارات[22].

الفلك والبحر:

قال علي: لقد ربط القرآن الكريم بين البحر والفلك في آيات كثيرة:

فالقرآن الكريم يعتبر نعمة توفير النقل البحري للإنسان من نعم الله العظيمة على عباده، فيقول:﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70)[23].. ويقول:﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14).. ويقول:﴿ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (الاسراء:66).. وقال تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (لقمان:31).. ويقول:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الروم:46).. ويقول:﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (يّـس:41)

ويعتبر الفلك من جملة النعم التي جعلها الله لحمل عباده، فقال:﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (المؤمنون:22)، وقال:﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (غافر:80)، وقال:﴿ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) (الزخرف:12)

بل إن الله هو الذي يوحي لنبيه نوح u بأن يصنع الفلك، ويجعل فيه من السعة بحيث يحمل الشحنات الكبيرة.. قال تعالى:﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (المؤمنون:27)

وبين دقة تصميم نوح u لسفينته الضخمة، فقال:﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ )(هود: من الآية42)

قال عالم المياه: إن ورود مثل هذه الآيات، بمثل هذا التفاصيل في القرآن غريب عجيب، فكوني أتكلم عن البحار والمياه غير مستغرب لأني ولدت بينها وحياتي فيها وقوتي منها.. ولكن محمدا كان في الصحراء في بيئة تهتم بالناقة أكثر من اهتمامها بالسفينة.. ولكني أرى القرآن يذكر السفينة أكثر مما يذكر الناقة.. بل ليس في القرآن وفي الآيات التي تلوتها علي إلا إشارات لها.

قال علي: صدقت في هذا.. فالقرآن لا يكاد يشير إلى النقل البري..

قال عالم المياه: ذلك لأن النقل البحري أرخص أنواع النقل جميعاً سواء من حيث التكاليف المادية أو الإمكانيات والقدرة على الشحن.. بالإضافة إلى تاريخه العريق، فالنقل البحري يرجع لبداية تاريخ الحضارة، حيث إن المصريين القدماء هم أول من ارتادوا البحار والمحيطات، وتلاهم الفينيقيون والإغريق والرومان حتى العصر الحديث، والذي من أبرز سماته ناقلات البترول الضخمة، حتى وصل حجم السفن والحاملات العملاقة إلى ما يزيد عن مائتي ألف طن.

قال علي: فلم كان للنقل البحري هذه الأهمية؟

قال عالم المياه: هو ـ أولا ـ لا يحتاج للإنشاءات إلا في بداية ونهاية الطرق الملاحية كالمواني والأرصفة البحرية.

ثم إن الطرق الملاحية لا تحتاج إلى صيانة مكلفة أو إصلاحات كالنقل البري أو النهري.

ثم.. إن السفينة أقل تكلفة في بنائها وصيانتها بالمقارنة بقطار له نفس الحمولة.

ثم.. إن أقل قوة محركة كافية لنقل حمولة هائلة لا تقارن بمثيلاتها في طريق النقل الأخرى.

بالإضافة إلى هذا كله عدم وجود مشكلات أو عقبات كالشلالات أو الجنادل أو الكباري والأهوسة أو المستنقعات كالتي توجد في النقل النهري مما يؤكد على سرعته ورخص تكلفته.

قال علي: بهذه المناسبة.. لقد تحدث الله عن السفن العظام، فقال في وصفها، وفي علاقتها بالرياح [24] :﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) ﴾(الشورى)

قال عالم المياه: هذه آيات عظيمة تتحدث عن نعم لولاها ما صار البحر وسيلة من وسائل النقل.

قال علي: تقصد القوانين التي تيسر حركة السفن؟

قال عالم المياه: أجل.. فحركة السفن وطفوها وسيرها في عباب البحر لا يتم بالبساطة التي قد نتصورها، بل هناك مجموعة من القوانين المعقدة تتحكم بها.

وقد تم اكتشاف ملامح بعضها قديماً، ولكن لم يتم فهمها والاستفادة منها عملياً إلا مؤخراً.. ومن أهم هذه القوانين ما يسميه العلماء بدافعة أرخميدس وقانون الطفو والتوازن.

قال علي: فما قانون أرخميدس؟

قال عالم المياه: ينص هذا القانون على أن القوة الممارسة على جسم ما في وسط سائل أو غاز تساوي قوة وزن حجم السائل أو الغاز الذي يزيحه الجسم.

أي إذا جئنا بوعاء ممتلئ بالماء حتى حافته، وغمسنا فيه تفاحة مثلاً فإن هذه التفاحة ستسبب انسكاب الماء من الوعاء على الأرض، ولو قسنا حجم الماء المنسكب أو المزاح سنجده مساوياً لحجم التفاحة.

قال علي: فما قانون الطفو.. وكيف تتم عملية طفو السفينة؟

قال عالم المياه: إذا كان وزن جسم السفينة أقل من وزن الماء المزاح بحجم القسم المغمور منها في الماء، فإن كثافة الجسم أقل من كثافة الماء المحيط، وبالتالي فإن السفينة ستطفو إلى أن يصبح وزن السفينة مساوياً لوزن الماء المزاح، ذلك بسبب أن القوة الناشئة من وزن السفينة أقل من قوة رد فعل الماء الممانعة لها فتطفو على سطح الماء.

 أما إذا كان وزن السفينة أكبر من وزن الماء المزاح الناتج عن المساحة المغمورة من السفينة، فإن كثافة السفينة سوف تصبح  أكبر من كثافة الماء مما يؤدي إلى غرق الجسم في الماء المحيط بسبب أن قوة وزن السفينة أصبحت أكبر من قوة رد فعل الماء الممانعة لغمر جسم السفينة غير القابل للذوبان أو الانتشار.

أما إذا كانت السفينة مصنوعة من مادة ذات كثافة أعلى من الماء، مثل الحديد فإنه باستطاعتها الطفو في حال كان لها شكل مناسب بحيث تحتفظ بحجم كافٍ من الهواء فوق سطحها، وفي تلك الحالة، فإن معدل كثافة السفينة، متضمنة الحديد والهواء، سوف تصبح أقل من كثافة السائل وبالتالي فإنها تطفو.

قال علي: فما قانون التوازن؟

قال عالم المياه: يقضي هذا القانون بأن السفينة يجب أن تتوازن في الماء لكي لا تنقلب.

وهناك حالات للتوازن تدرس في ميكانيك السوائل، وقد استغرق اكتشاف قوانين هندسة السفن أكثر من مئة سنة، وتبين بأن هناك قوانين دقيقة جداً تتحكم في السفينة أثناء رحلتها.

فتصميم السفينة له دور كبير في توازنها وتحملها للمفاجآت، وكذلك نوع المعدن الذي تصنع منه السفينة له دور مهم أيضاً، وهناك دور للمحركات وقدرتها على تحمل الأوزان وقدرتها على مواجهة الأمواج.

قال علي: فبناء على هذه القوانين إذن تم بناء السفن العملاقة التي تحدث عنها القرآن.

قال عالم المياه: أجل.. هناك سفن ضخمة يصل ارتفاع بعضها إلى عشرات الأمتار، كسفن نقل المسافرين والتي تزيد على عشرة طوابق والتي تشبه الجبال حجماً، وبواخر الشحن العملاقة التي تقوم بنقل النفط وحاملات الطائرات.

قال علي: وعيت الآن ما تشير إليه الآية الكريمة.. إنها تشبه السفن الجارية، المرفوعات الشراع، بالجبال الشاهقة.. وهو تشبيه يدل على عظم هذه السفن.

قال عالم المياه: ليس ذلك فقط.. هناك وجوه شبه أخرى بين السفن الجارية مرفوعة الشراع،  وبين الأعلام (الجبال الشاهقة).

منها ارتفاع الجبال الشاهقة وارتفاع الأشرعة.

ومنها وجود غاطس صلب للجوار ووجود غاطس صلب هو جذر الجبل.

ومنها أن البحر السائل يحيط بغاطس الجوار بينما تحيط الماجما السائلة بجذر الجبل[25].

الثروة السمكية:

قال علي: لقد ربط القرآن الكريم كذلك بين البحر ونعمة ما فيه من أصناف الرزق، فالله تعالى يقول:﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14)، ويقول:﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (فاطر:12)

وقد ورد في القرآن الكريم ذكر حل صيد البحر مطلقا، قال تعالى:﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (المائدة:96)

قال عالم المياه: إن الثروة السمكية العظيمة التي تمتلئ بها البحار تستحق هذا الثناء القرآني.. فهي من نعم الله الكبرى على عباده.

وقد ظهرت فائدة الأسماك كمصدر من مصادر الرزق في الأزمنة السحيقة، فالإنسان البدائي كان يذهب إلى شاطئ البحر ليحصل منه لنفسه على الطعام الذي يسد رمقه، ويعود عليه بالخير والرزق الوفير، لذا فهي أقدم مهنة قام بها الإنسان.

ثم أخذت في التطور حتى أصبحت السفن العملاقة تخصص لصيد الأسماك كما يحدث في اليابان.

بل إنه قد تحول الأمر إلى منافسة بين الدول المختلفة للسيطرة على أكبر مساحة من المسطحات المائية، ومد حدود مياهها الإقليمية، حتى تستأثر بما تحتويه من موارد ومصايد سمكية، حتى أنه قد ظهر بسبب ذلك بعض مشكلات المياه الإقليمية[26].

قال علي: إن القرآن الكريم يعرفنا بالله الرازق الذي ضمن لنا أرزاقنا ما دمنا على هذه الأرض.. أفلا ترى في الإشارة إلى الثروة السمكية ما يدل على خزائن الرزق الكثيرة التي تمتلئ بها لأرض؟

قال عالم المياه: أجل.. بل إنه بسبب الزيادة المستمرة والمطردة في سكان العالم واستنفاذ أغلب الموارد الموجودة على اليابسة نتوقع مزيداً من التوجه إلى البحار والمحيطات، وإلى التوسع في إنشاء المزارع السمكية خاصة مع رخص تكلفته مقارنة بغيرها.

فلكي نحصل على واحد كيلو جرام من السمك نحتاج إلى واحد كجم من طعام السمك ـ العشب والطحالب البحرية ـ بينما نحتاج للحصول على كيلو جرام واحد من اللحوم البيضاء من دجاج وبط وأوز وديوك رومي وغيرها إلى 4 كجم، وبالنسبة للحوم الحمراء فإن الحصول على كيلو جرام واحد منها، فإننا نحتاج إلى 8 كجم.

ومما يؤكد رخص تكلفتها مقارنتها باللحوم البيضاء والحمراء، فضلاً عن القيمة الغذائية والبروتينية العالية، حيث يحتوي السمك على حوالي 20.6بالمائة بروتين، و9.6بالمائة دهن، و169بالمائة سعر حراري مقارنة باللحوم البيضاء والحمراء على التوالي، حيث لحم البط 41.2بالمائة بروتين، و8.2بالمائة دهن، و159 سعر حراري.

ولحم البقر به 19.3بالمائة بروتين، و13بالمائة دهن، و194 سعر حراري، وذلك مما يؤكد تقاربه منهما وتفوقه في القيمة الغذائية على قرينيه اللحوم والفسفور والحديد، والمحتويات الفيتامينية مثل فيتامين A.Bكما أن مذاقه طيب وأنواه وأصنافه مختلفة، وإفراز البيض يكون بالآلاف إن لم يكن بالملايين، كسمك أسينبس والذي يفرز 4 مليون بيضة، وسمك البكالاه والذي يفرز 9 مليون بيضة.

ثم بعد الأسماك نجد القشريات كالجمبري والكابوريا والإستاكوزا بأنواعها المختلفة، ويكفي أن نذكر أن دولة كالإكوادور يمثل صيد الجمبري وتربيته ثلث دخلها القومين ثم تأتي الرخويات، وهي شعبة من أكبر الشعب في عالم الكائنات البحرية وأكثرها تنوعاً.

ونجد أنها من حيث الجانب الغذائي فإن قيمتها الغذائية عالية لغناها بالفوسفات والكالسيوم، ومذاقها طيب ولذيذ كالجندوفلي وأم الخلول وبلح البحر وغيرها.

حلية البحر:

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى فوائده في الزنية.

قال عالم المياه: أجل.. فإن بعض الحيوانات البحرية تقوم بإنتاج الأصداف، والتي تستخدم في الصناعات الخشبية والحلي وأدوات الزينة للنساء.

وتنتمي معظم الرخويات المنتجة للآليء القيمة إلى جنس بنكتاد (Pinctade)وهو يحتوي على ما يقرب من ثلاثين نوعاً مختلفاً.

والسبب العلمي الرئيسي لتكوين اللؤلؤ هو الدفاع عن النفس والتخلص من إحدى الطفيليات كالديدان الطفيلية، فيبدأ الجزء الواقع تحت الصدفة مباشرة وتسمى (البرنس) نتيجة الاحتكاك الدائم من جانب الجسم الطفيلي بجسم الحيوان الرخوي داخل الصدفة.

ومن الزينة التي تمتلئ بها البحار المرجان الأحمر، والذي ينتمي إلى شعبة الجوفمعويات حيث يشبه الأزهار النباتية، ويعيش في مستعمرات معقدة تشبه الأشجار في تفرعاتها، حتى أطلق عليها (حدائق البحر) حيث يحط على الصخور، ثم يبني لنفسه بيتاً بطبقة يفرزها من (كربونات الكالسيوم)

وهي تعيش حياة متكافلة، بمعنى أن لها قنوات تحمل الطعام من عضو إلى عضو مما يجعله أشبه بالمجتمع.

وفوائده كثيرة، حيث أنه حلية وأداة للزينة كما وصفه القرآن، وكذلك له استخدامات صناعية، فهو يستخدم كترياق ضد السموم، وفي الأغراض الطبية، وقد تم اكتشاف الفلورة (Fluoprspar) بواسطته، حيث إن الأشعة فوق البنفسجية لا ترى بالعينن كما أنها أصغر موجة من موجات ألوان الطيف، وعندما أسقط العلماء هذه الأشعة السينية وأشعة X والتي تنفذ في جسم المريض، ثم تسقط على لوحة بها مادة مثل كبريتيد الكالسيوم حيث تحول الأشعة غير المرئية إلى نور مرئي فيه بعض الاخضرار، مما يساعد في معرفة أسباب وتطورات المرض وعلاجه.

وبعد هذا كله جاء الاكتشاف المبهر للشعاب المرجانية، والذي سيؤدي إلى نتائج طيبة في عالم الطب، حيث قام العالم الفرنسي د/باتات، والعالمة الفرنسية د/جينفيف من (المعهد الوطني الفرنسي للبحوث) بباريس باكتشاف إمكانية استخدام المرجان كبديل للعظام البشرية، نظراً لوجود عنصر الكالسيوم المشترك بينهما، وذلك لمعالجة الكسور في الأطراف والعمود الفقري والفكين، بل ولاستبدال العظام.

وقد تمت هذه العمليات بالفعل بنجاح باهر، وكان المريض يخرج منها بعظام جديدة مما شكل بداية جديدة ومختلفة بالنسبة لآلاف ممن قد أجريت لهم هذه الجراحة الناجحة، ويدرس الجراحون البريطانيون استخدام المرجان بعد نجاح ذلك في فرنسا تمهيداً لإقامته في أنحاء العالم.

أمواج البحر:

قال علي: لقد ذكر القرآن الكريم تعدد أمواج البحار [27] ، فقال:﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40)

قال عالم المياه: هذه آيات عجيبة.. إنها غريبة حقا.. إن الحقائق التي تنطق بها يستحيل على أي رجل في زمن محمد أن يعرفها..

ليس في زمن محمد وحده.. بل في كل الأزمنة التي تلته إلى زماننا هذا..

لقد كانت البحار عالماً مجهولاً إلى القرن الثامن عشر الميلادي، كما كانت الخرافات والأساطير المتعلقة بالبحار تسود الحضارات القديمة، وكان الرومان يعتقدون بأن قمم الأمواج جياد بيضاء تجر عربة الإله (نبتون)، وكانوا يقومون بالطقوس والاحتفالات لإرضاء هذه الآلهة، وكانوا يعتقدون بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف السفن.

 وكان لليونانيين مثل هذه الاعتقادات كما كان بحارتهم يعزون سبب الدوامات البحرية إلى وجود وحش يسمونه كاربيدس يمتص الماء ثم يقذفه.

ليس هذا فقط..

بل إن هناك عاملا آخر أكثر خطورة يجعل من هذه الآيات معجزة قائمة لاشك فيها..

قال علي: ما هي؟

قال عالم المياه: لم يكن بمقدور الإنسان معرفة أعماق الشواطئ الضحلة والمياه الراكدة ناهيك عن معرفة البحار العميقة والحركات الداخلية في هذه المياه، كما لم يكن بإمكان الإنسان الغوص في هذه الشواطئ إلا في حدود عشرين متراً، ولثواني معدودة ليعاود التنفس من الهواء الجوي.

وحتى بعد ابتكار أجهزة التنفس للغواصين لم يتمكن الإنسان من الغوص أكثر من ثلاثين متراً نظراً لازدياد ضغط الماء على جسم الغواص مع زيادة العمق، والذي يعادل عند عمق ثلاثين متراً أربعة أضعاف الضغط الجوي على سطح الأرض[28]، وعندئذٍ يذوب غاز النتروجين في دم الغواص، ويؤثر على عمل مخه، فيفقده السيطرة على حركاته، ويصاب الغواصون نتيجة لذلك بأمراض تعرف في الطب بأمراض الغواصين، أما إذا نزل الغواص إلى أعماق بعيدة فإن ضغط الماء يكفي لهرس جسمه.

قال علي: فكيف توصل العلماء إلى المعارف الكثيرة المرتبطة بالبحار، والتي منها ما نصت عليه هذه الآية الكريمة.

قال عالم المياه: لقد احتاج ذلك زمنا طويلا.. واسمح لي أن أحدثك بالتطور التاريخي لذلك:

في عام1300 م استخدم صيادو اللؤلؤ أول نظارات واقية مصنوعة من صدف السلاحف.

وفي عام 1860م تم اكتشاف أحياء في قاع البحر المتوسط باستخدام حبل حديدي.

وفي عام 1865م تم ابتكار مجموعة غطس مستقلة بواسطة كل من (روكايرول ودينايروز)

وفي عام 1893م تمكن بوتان من التقاط صور تحت الماء.

وفي عام 1920م تم استخدام طريقة السبر بالصدى (صدى الموجات الصوتية) لمعرفة الأعماق.

وفي عام 1930م تمكن كل من بارتون وبيبس من أن يغوصا بأول كرة أعماق حتى عمق 3028 قدماً وابتكار (أقنعة الوجه والزعانف وأنبوب التنفس).

وفي عام 1938م تم ابتكار قارورة للتنفس (سكوبا) وابتكار صمام التنفس من قبل الكابتن كوستو ودوماس.

وفي عام 1958م تم إجراء تجارب الاختبارات على غواصة الأعماق (الستينيات) وابتكار (ابرس) غلاصم للتنفس تحت الماء وتجربتها لأول مرة.

وفي عام 1960م تمكن الإنسان من الغوص إلى أعمق بقعة في المحيط الهادي.. فقد نزلت الغواصة (تريستا) وهي عبارة عن كرة من الصلب جدارها يبلغ سمكه 9 سنتمترات وبإمكانها الهبوط والصعود فقط وعلى متنها كلاً من: دونالد والش وجاكوى بيكارد، وبعد أربع ساعات من الهبوط لمسافة 11كلم تم الوصول لأعمق منطقة في المحيط الهادي (خانق مريانا) واكتشف الإنسان لأول مرة بواسطة هذه الغواصة وجود براكين تحت الماء وعيون ماء حارة وكثير من الأحياء المائية. كما تمكن من البقاء في أعماق البحر لعدة أيام، واكتشف الإنسان وجود فوهات في أعماق البحر، وصنع الإنسان الغواصة الصفراء والغواصات النووية.

قال علي: لقد تأخرت علوم البحار وأعماقها على وجه التحديد كثيرا إذن؟

قال عالم المياه: أجل.. هي لم تتقدم إلا في بداية القرن الثامن عشر عندما توفرت الأجهزة المناسبة والتقنيات وصولاً إلى ابتكار الغواصات المتطورة.

قال علي: فأنت متأكد ـ إذن ـ بأن الحقائق التي ذكرتها هذه الآية لم تعرف إلا في قرننا هذا؟

قال عالم المياه: أجل.. وهذا ما دعاني إلى الاستغراب.. فبعد عام 1958م أي بعد ثلاثة قرون من البحوث والدراسات العلمية وعلى أيدي أجيال متعاقبة من علماء البحار توصل الإنسان إلى حقائق مدهشة.

منها أن البحر ينقسم إلى قسمين كبيرين:

أولهما ما نراه من البحر السطحي الذي تتخلله طاقة الشمس وأشعتها.

وثانيهما البحر العميق الذي تتلاشى فيه طاقة الشمس وأشعتها.

وقد توصلوا في هذا الباب إلى البحر العميق يختلف عن البحر السطحي في الحرارة والكثافة والضغط ودرجة الإضاءة الشمسية، والكائنات التي تعيش في  كل منهما.

قال علي: في أي محل تشير الآية إلى هذين البحرين؟

قال عالم المياه: في قوله:﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾.. فالآية تتحدث عن الأمواج البحرية الداخلية في البحر العميق، وهي تمثل حداً فاصلاً بين البحر العميق والبحر السطحي ، كما يغطي الموج السطحي سطح البحر، ويمثل حداً فاصلاً بين الماء والهواء.

ولم تكتشف الأمواج الداخلية إلا في عام 1904م على يد الدكتور (ف.و. ايكمان V.W Ekman) الذي فسر ظاهرة المياه الراكدة في الخلجان النروجية حين تفقد السفن التي تبحر قدرتها على التقدم، فتقف ساكنة في هذه المياه الراكدة.

كما لاحظ عالم المحيطات النرويجي (فريتوف نانسن Nansen) تعرض سفينته (فرام Fram) لهذه الظاهرة شمال جزيرة (تايمير) خلال عملية استكشاف القطب الشمالي ما بين (1893م -1896م) عند محاولة اجتياز منطقة القطب.

لذلك فقد قام نانسن بتشجيع ايكمان على البحث عن تفسير ظاهرة المياه الراكدة فكان رأي ايكمان على أنها تنجم عن الأمواج الداخلية التي تتولد في السطح الفاصل بين المياه السطحية والمياه العميقة للمحيط ، وبعد زمن غير طويل وصف (أوتو باترسون Otto petterson) تأثير الأمواج الداخلية الطويلة التي تحدث في أعماق البحار على هجرة الأسماك من نوع (هيرنج herring) بالقرب من سواحل جوتلاند (Jutland) بالقرب من الساحل الغربي للسويد في فصل الصيف.

ويكون مرور الأمواج الداخلية محسوساً من سفن التنقيب عن النفط عندما يتغير ثقل المعوم المربوط بين سفينة الحفر وفتحه البئر الكائنة في قاع البحر بصورة مفاجئة، وقد تم التعرف على هذه الأمواج الداخلية بأثيرها على حركة الغواصات.

ويتراوح طول الأمواج الداخلية ما بين عشرات إلى مئات الكيلومترات كما يتراوح ارتفاع معدل هذه الأمواج ما بين 10 إلى 100متر تقريباً.

قال علي: فهمت هذا.. فالقرآن تحدث صراحة عن الأمواج الداخلية، وهو ما لم يعرف إلا في فترة متأخرة جدا، وبعد اختراع الوسائل الكثيرة المساعدة لذلك.. وبذلك يعتبر سبق القرآن للحديث في هذا مع عدم توفر الوسائل المساعدة لذلك في العصر الذي نزل فيه إعجازا علميا قويا.

قال عالم المياه: ليس ذلك فقط.. فتلك الآية التي قرأتها كلها معجزات..

قال علي: أهناك معجزة أخرى في الآية؟

قال عالم المياه: أجل.. لقد ذكرت الآية اشتداد الظلام في البحر العميق مع ازدياد عمق البحر حتى يسيطر الظلام الدامس الذي يبدأ من عمق (200متر) تقريباً، ويبدأ عند هذا العمق المنحدر الحراري الذي يفصل بين المياه السطحية الدافئة ومياه الأعماق الباردة،كما توجد فيه الأمواج الداخلية التي تغطي المياه الباردة في أعماق البحر ، وينعدم الضوء تماماً على عمق 1000متر تقريباً.

أما فيما يتعلق بانتشار الظلمات في أعماق البحار فقد أدرك صيادوا الأسماك أن الضوء يمتص حتى في المياه الصافية وأن قاع البحر المنحدر ذا الرمال البيضاء يتغير لونه بصورة تدريجية حتى يختفي تماماً مع تزايد العمق وأن نفاذ الضوء يتناسب عكسياً مع ازدياد العمق.

وأبسط جهاز علمي لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو قرص سيتشى The Secchi Disk  ولكن على الرغم من كونه وسيلة سهلة لقياس اختراق الضوء للماء بدرجة تقريبية، وعلى الرغم من استعماله على نطاق واسع فإن قياس الظلمات في ماء البحر بصورة دقيقة لم يتحقق إلا بعد استخدام الوسائل التصويرية في نهاية القرن الماضي، ثم بتطوير وسائل قياس شدة الضوء التي استخدمت الخلايا الكهرو ضوئية خلال الثلاثينيات، وبعد اختراع الإنسان أجهزة مكنته من الغوص إلى هذه الأعماق البعيدة.

أما البحار العميقة فالضياء منعدم فيها ، والظلمات متراكمة ، وتعتمد الكائنات الحية والأسماك التي تعيش فيها على الطاقة الكيميائية لتوليد الضوء الذي تستشعر به طريقها، وهناك أنواع منها عمياء تستخدم وسائل أخرى غير الرؤية لتلمس ما حولها.

وتبدأ هذه الظلمات على عمق 200متر تقريباً وتختفي جميع أشعة الضوء على عمق 1000متر تقريباً حيث ينعدم الضوء تماماً ، كما أن أغلب تركيب الأسماك في الأعماق يتكون من الماء لمواجهة الضغوط الهائلة.

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله تعالى:﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)(النور: من الآية40).. ولكن لم قال القرآن الكريم:﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)(النور: من الآية40)؟

قال عالم المياه: هذا إعجاز ثالث في الآية.. فالظلام الدامس الذي يشتد من خمسمائة متر إلى ألف متر يتكون في أعماق البحار نتيجة لظلمات بعضها فوق بعض، وهي تنشأ لسببين رئيسين:

أولهما ظلمات الأعماق، حيث يتكون شعاع الشمس من سبعة ألوان (الأحمر ، البرتقالي، الأصفر ، الأخضر ، النيلي ، البنفسجي ، الأزرق) ولكل لون طول موجي خاص به، وتتوقف قدرة اختراق الشعاع الضوئي للماء على طول موجته، فكلما قصر طول الموجة زادت قدرة اختراق الشعاع للماء ، لذلك فإن شعاع اللون الأحمر يمتص على عمق 20 متراً تقريباً ويختفي وجوده بعد ذلك، وينشأ عن ذلك ظلمة اللون الأحمر، فلو جرح غواص على عمق 25متراً تقريباً وأراد أن يرى الدم النازف فسيراه بلون أسود، بسبب انعدام شعاع اللون الأحمر.

ويمتص الشعاع البرتقالي على عمق ثلاثين متراً تقريباً فتنشأ ظلمة أخرى تحت ظلمة اللون الأحمر هي ظلمة اللون البرتقالي.

وعلى عمق 50 متراً تقريباً يمتص اللون الأصفر.

وعلى عمق 100 متر تقريباً يمتص اللون الأخضر.

وعلى عمق 125متر تقريباً يمتص اللون البنفسجي والنيلي.

وآخر الألوان امتصاصاً هو اللون الأزرق على بعد 200متر تقريباً من سطح البحر.

وهكذا تتكون ظلمات الألوان لشعاع الشمس بعضها فوق بعض ، بسبب عمق الماء الذي تمتص فيه الألوان بأعماق مختلفة.

قال علي: هذا هو المصدر الأول من مصادر ظلام الأعماق، فما المصدر الثاني؟

قال عالم المياه: هي ظلمات الحوائل.. وقد أشار القرآن الكريم إليها بدقة.

قال علي: ما ظلمات الحوائل؟

قال عالم المياه: أولها ظلمة السحب، فغالباً ما تغطي السحب أسطح البحار العميقة نتيجة تبخبر الماء، وتمثل حائلاً نسبياً لأشعة الشمس، فتحدث الظلمة الأولى للحوائل والتي نراها ظلالاً لتلك السحب على سطح الأرض والبحار.       

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله:﴿ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾

قال عالم المياه: والظلمة الثانية هي ظلمة الأمواج السطحية، فهي تمثل سطحاً عاكساً لأشعة الشمس ، ويشاهد المراقب على الساحل مقدار لمعان الأشعة التي عكستها هذه الأسطح المائلة للأمواج السطحية.    

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله تعالى:﴿  يَغْشَاهُ مَوْجٌ﴾

قال عالم المياه: والظلمة الثالثة هي ظلمة الأمواج الداخلية، حيث توجد أمواج داخلية تغشى البحر العميق وتغطيه ، وتبدأ من عمق 70 مترا إلى 240متر، وتعلق ملايين الملايين من الكائنات الهائمة في البحار على أسطح الموجات الداخلية ، وقد تمتد الموجة الداخلية إلى سطح البحر فتبدو تلك الكائنات الهائمة كأوساخ متجمعة على سطح البحر ، مما يجعلها تمثل مع ميل الموج الداخلي حائلاً لنفاذ الأشعة إلى البحر العميق، فتنشأ بذلك الظلمة الثالثة تحت ظلمتي السحب والموج السطحي.

قال علي: لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى:﴿  مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾

قال عالم المياه: فهذه الظلمات التي تراكم بعضها فوق بعض.. وهي نفس ما ذكره القرآن بصراحة مدهشة.

قال علي: لم اختار القرآن وصف (لجى) في قوله ،﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ إن هذه الكلمة قيد للبحر، وقد بين أهل اللغة والتفسير معنى لفظ (لجي)، فقال قتادة وصاحب تفسير الجلالين: لجي هو العميق، وقال الزمخشري: اللجي العميق الكثير الماء، وقال الطبري: ونسب البحر إلى اللجة بأنه عميق كثير الماء، وقال البشيري: هو الذي لا يدرك قعره واللجة معظم الماء ، والجمع لجج ، والتج البحر إذا تلاطمت أمواجه. 

قال عالم المياه: وهذا إعجاز آخر.. فهذه الظلمات لاتكون إلا في بحر لجي أي عميق، ويخرج بهذا القيد البحر السطحي الذي لا توجد فيه هذه الظلمات.

البرزخ بين البحرين:

قال علي: لقد وردت آيات في القرآن تتحدث عن وجود برزخ بين البحار، ففسرها لي بما هداك إليه علمك [29].

قال عالم المياه: أتحدث القرآن عن هذا؟.. إن هذا عجيب حقا.

قال علي: لقد قال تعالى يصف هذه الظاهرة:﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20) فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ22﴾ (الرحمن:19-22)، وقال:﴿ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ﴾ (النمل:61).

قال عالم المياه: إن هذه آيات عجيبة تصف ظاهرة يستحيل على من عاش في غير هذا العصر أن يصفها.

قال علي: ما هي هذه الظاهرة؟.. وكيف توصل البشر إليها؟

قال عالم المياه: لقد توصل علماء البحار بعد تقدم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخاً يفصل بين كل بحرين، ويتحرك بينهما، ويسميه علماء البحار الجبهة تشبيهاً له بالجبهة التي تفصل بين جيشين.

وبوجود هذا البرزخ يحافظ كل بحر على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسباً لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة.

ومع وجود هذا البرزخ فإن البحرين المتجاورين يختلطان اختلاطاً بطيئاً، يجعل القدر من المياه الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يكتسب خصائص البحر الذي ينتقل إليه عن طريق البرزخ الذي يقوم بعملية التقليب للمياة العابرة من بحرٍ إلى بحر؛ ليبقى كل بحرٍ محافظاً على خصائصه.

قال علي: فكيف اكتشف العلماء هذه البرازخ البحرية؟

قال عالم المياه: لقد احتاج ذلك وقتا طويلا..

لقد اكتشف علماء البحار ـ أول ما اكتشفوا ـ أن هناك اختلافاً بين عينات مائية أخذت من البحار المختلفة في عام 1873م وكان ذلك على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة تشالنجر، حيث عرفوا أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها البعض من حيث درجة الملوحة، ودرجة الحرارة ، ومقادير الكثافة ، وأنواع الأحياء المائية.

وقد كان اكتشاف هذه المعلومة بعد رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام، جابت جميع بحار العالم، وقد جمعت الرحلة معلومات من 362 محطة مخصصة لدراسة خصائص المحيطات، وملئت تقارير الرحلة بـ29.500 صفحة في خمسين مجلداً استغرق إكمالها 23 عاماً.

إضافة إلى كون الرحلة أحد أعظم منجزات الاستكشاف العلمي فإنها أظهرت كذلك ضآلة ما كان يعرفه الإنسان عن البحر.

وبعد عام 1933م قامت رحلة علمية أخرى أمريكية في خليج المكسيك، ونشرت مئات المحطات البحرية، لدراسة خصائص البحار، فوجدت أن عدداً كبيراً من هذه المحطات تعطي معلومات موحدة عن خصائص الماء في تلك المنطقة ، من حيث الملوحة والكثافة والحرارة والأحياء المائية وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، بينما أعطت بقية المحطات معلومات موحدة أخرى عن مناطق أخرى، مما جعل علماء البحار يستنبطون وجود بحرين متمايزين في الصفات لا مجرد عينات محدودة كما علم من رحلة تشالنجر.

وبعدها أقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة، فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يميز مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض، لكنه تساءل عن سر عدم امتزاج البحار وعدم تجانسها.

ورغم تأثير قوتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام مثل الموجات السطحية والداخلية والتيارات المائية والبحرية فقد ظهر ـ ولأول مرة ـ الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام1942م، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن اكتشاف حواجز مائية تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة ، والأحياء المائية ، والحرارة، وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء. 

وبعد عام 1962م عرف دور الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر، فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة ، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز.

وأخيراً تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار الملحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسماً واحداً، إلا أن هناك فروقاً كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة، تظهر بألوان مختلفة تبعاً لاختلافها في درجة الحرارة.

سكت قليلا، ثم قال: ولكن ربما يكون مقصد القرآن من ذلك مياه البحار والأنهار.

قال علي: لا.. الآيات تتحدث عن البحار.. لدليلين:

أولهما أنها أطلقت لفظ البحرين بدون قيد ، فدل ذلك على أن البحرين ملحان.

والثاني أن آيات سورة الرحمن بينت أن البحرين يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وقد تبين أن المرجان لا يكون إلا في البحار الملحة، فدل ذلك على أن الآية تتحدث عن بحرين ملحين، قال تعالى:﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَان﴾ أي يخرج من كل منهما.

قال علي: فكيف علم محمد أن البحار المالحة تتمايز فيما بينها رغم اتحادها في الأوصاف الظاهرة التي تدركها الأبصار والحواس، فكلها مالحة، زرقاء ، ذات أمواج ، وفيها الأسماك وغيرها  وكيف تتمايز وهي تلتقي مع بعضها؟

والمعروف أن المياه إذا اختلطت في إناء واحد تجانست، فكيف وعوامل المزج في البحار كثيرة من مد وجزر وأمواج وتيارات وأعاصير؟

قال علي: لقد أشكل على بعض المفسرين الجمع بين اختلاط مياه البحار مع وجود البرزخ، إذ أن وجود البرزخ الحاجز يقتضي منع الاختلاط، وذكر الاختلاط يقتضي عدم وجود البرزخ.. فما ترى حلا لهذا الإشكال؟

قال علي: لقد حل العلم الحديث هذا الإشكال الذي سببه عدم معرفة المفسرين الدقيقة بعلوم البحار.. فقد أثبت القرآن في قوله ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان﴾ أن البحرين مختلطان، وهما في حالة ذهاب وإياب واختلاط واضطراب في منطقة الالتقاء، كما تدل اللغة على ذلك بلفظ مرج، وهذا ما كشفه العلم من وصف لحال البرزخ الذي يكون متعرجاً ومتنقلاً في الفصول المختلفة بسبب المد والجزر والرياح. ومن يسمع هذه الآية فقط ، يتصور أن امتزاجاً واختلاطاً كبيراً يحدث بين هذه البحار يفقدها خصائصها المميزة لها، لكن قوله بعدها﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾أي مع حالة الاختلاط والاضطراب هذه التي توجد في البحار، فإن حاجزاً يحجز بينهما يمنع كلاً منهما أن يطغى ويتجاوز حده.

وهذا ما شاهده الإنسان بعدما تقدم في علومه وأجهزته ، فقد وجد ماءً ثالثاً حاجزاً بين البحرين يختلف في خصائصه عن خصائص كل منهما.

ومع وجود البرزخ، فإن ماء البحرين المتجاورين يختلطان ببطء شديد، ولكن دون أن يبغي أحد البحرين على الآخر بخصائصه؛ لأن البرزخ منطقة تقلب فيها المياه العابرة من بحر إلى آخر لتكتسب المياه المنتقلة بالتدريج صفات البحر الذي ستدخل إليه، وتفقد صفات البحر الذي جاءت منه وبهذا لا يبغي بحر على بحر آخر بخصائصه، مع أنهما يختلطان أثناء اللقاء.

قال ذلك.. ثم قال متعجبا: ولكن كيف عرف محمد كل هذا.. إن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات ، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة.

كيف عرف محمد ذلك مع أن العلماء لم يقرروا هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل بحار الأرض.. فهل كان محمد يملك تلك المحطات البحرية ، وأجهزة تحليل كتل المياه ، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة.. ووهل قام بعملية مسح شاملة ، وهو الذي لم يركب البحر قط ، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار؟

وهل تيسر لمحمد في زمنه من أبحاث وآلات ودراسات ما تيسر لعلماء البحار في عصرنا الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟

قال علي: إن هذا العلم الذي نزل به القرآن لم يكن معارف كسبية إنه من لدن الله.. فالله الذي أنزل القرآن هو الذي خلق الأكوان، قال تعالى:﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾(الفرقان:6)

منطقة المصب:

قال علي: لقد تحدث القرآن عن التقاء البحار المالحة بالأنهار العذبة فقال:﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (الفرقان:53)

قال عالم المياه: هذه آية عجيبة تصف ظاهرة أخرى [30].

لقد شاهد الإنسان منذ القديم النهر يصب في البحر، ولاحظ أن ماء النهر يفقد بالتدريج لونه المميز، وطعمه الخاص كلما تعمق في البحر، ففهم من هذه المشاهدة أن النهر يمتزج بالتدريج بماء البحر، ولولا ذلك لكان النهر بحراً عذباً يتسع كل يوم حتى يطغى على البحر.

ومع تقدم العلم وانطلاقه لاكتشاف أسرار الكون أخذ يبحث عن كيفية اللقاء بين البحر والنهر، ودرس عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر، ودرس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقاس درجات الحرارة، وحدد مقادير الكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية وقام بتصنيفها، وحدد أماكن وجودها، ودرس قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية.

وبعد مسح لعدد كبير من مناطق اللقاء بين الأنهار والبحار اتضحت للعلماء بعض الأسرار التي كانت محجوبة عن الأنظار، واكتشف الباحثون أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع: أولها مياه الأنهار، وهي شديدة العذوبة.. وثانيها مياه البحار، وهي شديدة الملوحة.. وثالثها مياه في منطقة المصب مزيج من الملوح والعذوبة، وهي منطقة فاصلة بين النهر والبحر متحركة بينهما بحسب مد البحر وجزره، وفيضان النهر وجفافه، وتزداد الملوحة فيها كلما قربت من البحر، وتزداد درجة العذوبة كلما قربت من النهر.

وقد اكتشفوا أنه يوجد برزخ مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على هذه المنطقة بخصائصها المميزة لها حتى ولو كان النهر يصب إلى البحر من مكان مرتفع في صورة شلال.

وقد لاحظوا عدم اللقاء المباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب بالرغم من حركة المد والجزر وحالات الفيضان والانحسار التي تعتبر من أقوى عوامل المزج، لأن البرزخ المحيط بمنطقة المصب يفصل بينهما على الدوام.

ورأوا أن ماء النهر يمتزج بماء البحر بصورة بطيئة مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والبرزخ المائي الذي يحيط بها ويحافظ على وجودها.

بالإضافة إلى هذا كله، فقد رأوا أن الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، وماء المصب) تختلف في الملوحة والعذوبة.

وقد رأى الباحثون الذين قاموا بتصنيف الكائنات الحية الموجودة فيها أن معظم الكائنات التي في البحر والنهر والمصب لا تستطيع أن تعيش في غير بيئتها[31].

وبتصنيف البيئات الثلاث باعتبار الكائنات التي تعيش فيها تعتبر منطقة المصب منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، لأن هذه الكائنات لا تستطيع أن تعيش إلا في نفس الوسط المائي المتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الاسموزي  في تلك الكائنات، وتموت إذا خرجت من المنطقة المناسبة لها، وهي منطقة المصب.

وهي في نفس الوقت منطقة محجورة على معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها بسبب اختلاف الضغط الاسموزي أيضاً.

قال علي: لقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بدقة، فقال:﴿ وَحِجْراً مَحْجُوراً ﴾، الحِجْر والحَجْر يعني المنع  والتضييق [32]..

قال عالم المياه: الحجر هنا يعني بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر.. وقد وصفت هذه المنطقة بأنها محجورة أي ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلاً عن الأول أي أنها أيضاً منطقة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها فهي حجر (حبس، محجر) على الكائنات التي فيها، محجورة على الكائنات الحية بخارجها.

ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخاً مائياً هو: الحاجز المائي المحيط بماء المصب، وجعل الماء بين النهر والبحر حبساً على كائناته الحية ممنوعاً عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.

***

ما وصل عالم المياه من حديثه إلى هذا الموضع حتى ارتفع آذان المغرب بصوت جليل ارتعشت له القلوب..

فقام علي من مكانه، وقال: ائذنوا لي أن أنصرف.. فإن ربي يدعوني لمناجاته والاتصال به.. ولا يمكنني أن أترك إجابة من لم أر الخير إلا منه.

ثم أخرج مصحفا عجيببا من جيبه، لم أر مثله من قبل، وقدمه لعالم المياه، وقال: لقد صممت هذا المصحف قبل فترة طويلة.. وهو من مادة لا تؤثر فيها المياه.. وقد كنت أنوي أن أهديه لرجل يتعلق بالبحار.. ليعبر به من بحار المياه إلى بحار الحقائق.

ولم أر في حياتي من يستحق هذا الإهداء غيرك.. فأرجو أن تكون في مستواه.

 أخذ صديقنا عالم المياه المصحف، وقال: شكرا لهذا التكريم العظيم.. لعل هذا أكبر تكريم كرمت به في حياتي جميعا.. وأعاهدك بأني سأقرأ هذا المصحف في جميع بحار الدنيا.. لتسمع جميعا ذلك الثناء العطر، وتلك العلوم المعجزة التي نطق بها القرآن.

أحسست بأنوار عظيمة بدأت تنزل على صاحبي عالم المياه.. وبمثله شعرت بأن بصيصا من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

 

 

 

 

 



([1]) انظر: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية، ‏(50) وأنزلنا من السماء ماء طهورا، الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار، الأهرام: 42182   ‏السنة 126- 3 يونيو 2002  الموافق  ‏22 من ربيع الأول 1423هــ

([2]) نصت هذه الآية الكريمة على أن المطر ينزل بكمية محسوبة.

وقد دلت الأبحاث الحديثة على هذا، وتقدر هذه الأبحاث أنه في الثانية الواحدة يتبخر من الأرض تقريباً 16 مليون طنا من الماء، وهذا يعني أن الكمية التي تتبخر في السنة الواحدة تبلغ 513 تريليون طن من الماء، وهذا الرقم مساو لكمية المطر التي تنزل على الأرض خلال سنة.

وهذا يعني أن المياه تدور دورة متوازنة ومحسوبة عليها تقوم الحياة على الأرض، وحتى لو استعمل الناس كل وسائل التكنولوجيا المتوفرة في العالم فلن يستطيعوا أن يعيدوا إنتاج هذه الدورة بطريقة صناعية.

انظر: معجزة القرآن الكريم، لهارون يحيى.

([3]) قال زغلول النجار:« وواضح أن باليسي هذا قد نقل هذا الكلام عن ترجمات معاني القرآن الكريم التي كانت قد توافرت للأوروبيين في زمانه‏,‏ أو عن بعض كتابات المسلمين التي قام الأوروبيون بترجمتها في بدء عصر النهضة الأوروبية إلي كل من اللاتينية واليونانية بعد نهبها من المكتبات الإسلامية في كل من الاندلس وإيطاليا وصقلية‏,‏ أو خلال الحروب الصليبية‏,‏ وذلك لوضوح النبرة الإسلامية في كتابته‏»

([4]) وهذا لا يتنافى مع ما ذكرناه سابقا من ذكر القرآن في قوله تعالى:﴿  أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)﴾(النازعات)قال عالم النبات: لأن هذه الآيات تتحدث عن كون الماء من الأرض، وما ذكرناه هنا يرتبط بدورة المياه.

([5])رواه البيهقي.

([6])انظر: ثبات كمية المياه معجزة للرسول الكريم، بقلم عبد الدائم الكحيل، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([7]) سنتحدث عن تفاصيل ترتبط بهذا في المباحث التالية.

([8]) ابن أبي حاتم.

([9])انظر: بحث في هذا الحديث بقلم ناديا نايف غنيم ،رئيسية قسم العلوم في مدرسة النجاة الإسلامية الخاصة للبنات، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([10]) انظر: مقالا مفصلا في هذا من تأليف عبد الدائم الكحيل، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([11]) انظر: تنقية المياه في القرآن الكريم ، بقلم عبد الدائم الكحيل، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([12]) الخوف والمطر ، الشيخ عبد المجيد الزنداني، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([13]) بما فيهم مفسرو القرآن.

([14])انظر:  تكون المطر والبرد، الشيخ عبد المجيد الزنداني، في أكثر المواقع التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([15])انظر بحثا في هذا الموضوع تحت عنوان البرد بين القرآن والعلم بقلم عبد الدائم الكحيل، في موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([16])في إحدى عواصف البرد في عام 2000 قُتل أحد الناس عندما سقطت عليه حبَّة برد بحجم حبة التفاح! وفي عام 1981 سببت عاصفة رعدية نزل فيها البرد بكميات كبيرة في الولايات المتحدة خسارة أكثر من 100 مليون دولار. وأكبر حبة برد سقطت كانت في ولاية كنساس عام 1970 وتزن 750 غراماً.

 

([17]) وقد استخدم القرآن كلمة (ركاماً) وهي نفس الكلمة التي يستخدمها العلماء اليوم (الغيوم الركامية)

 

([18]) الأنهار في القرآن الكريم ، الأستاذ الدكتور حسني حمدان حمامة، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([19]) من مراجع هذا المبحث:

آيات البحار ومعانيها العلمية في القرآن الكريم، أحمد جلال مرسي، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([20]) انظر الفصل الثاني من هذا الجزء (الأرض)

([21])هناك من استدل بقوله تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30)، على اعتبار أن السواحل كانت متداخلة، أي أنها كانت رتقاً قبل أن تتزحزح.

وهو معنى إشاري صحيح.. ولو أن نص الآية ينصرف لما سبق ذكره من نظرية الانفجار العظيم.

([22]) هناك من استدل لهذا بقوله تعالى:﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) (النازعـات:30) حيث يشير لفظ أو مفهوم (الدحو) الوارد في الآية إلى تسوية الشيء ونثره، أي: تباعده كما يقول المثل: (دحي المطر الحصى) أي: فرق وباعد المطر حبات الحصى، وهو نفس المعنى والمفهوم المستخدم في اللغة الإنجليزية لكلمة Drift والتي استخدمت للتعبير عن هذه النظرية العلمية الحديثة.

([23]) من الوجوه الإعجازية التي ذكرها العلماء في هذه الآية أنه لم يتم ذكر النقل النهري والذي مع رخصه يتميز ببطء الحركة بالنسبة للوسائل الأخرى، لذا كان مناسباً لنقل البضائع والخامات الرخيصة والتي لا تتطلب سرعة في نقلها خاصة في المناطق التي تخلو من العقبات كالشلالات والأهوسة، لذا جاءت الآية الكريمة لتعلن عن تسخير الأنهار للغرض القصير المنوط به.

([24]) انظر: الجوارِ المنشآت آية من آيات الله تعالى، فراس نور الحق، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([25])انظر: موقع الدكتورة شاهناز يوسف:  http://signsinhorizons.com/ar/index.html

([26])كالتي حدثت سابقاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وكندا في الستينات حول مصايد الأسماك بشمال المحيط الهادي لغناه بأسماك السلمون، ومحاولة منع سفن الصيد اليابانية من ممارسة الصيد في هذه المنطقة الغنية بالأسماك، حتى تم الاتفاق على تقسيمها بينهم.

([27]) انظر: أمواج البحر اللّجي، الشيخ عبد المجيد الزنداني، في المواقع المهتمة بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وانظر كتابه: البينة العلمية.

([28]) ذلك لأن ضغط الماء يزداد على الغواص بمقدار ضغط جوي واحد كلما نزل على عمق عشرة أمتار.

([29]) انظر: موقع الإيمان بإشراف الشيخ عبد المجيد الزنداني.

([30]) انظر كتابا للشيخ عبد المجيد الزنداني في هذا الموضوع اسمه (منطقة المصب والحواجز بين البحار)  

([31]) يوجد بعض الأنواع القليلة مثل سمك السلمون، وثعابين البحر تستطيع أن تعيش في البيئات الثلاث، ولها قدرة على أن تتكيف مع كل بيئة فعديدات الأشواك (فيفينس) وَمَعِدِيَّاتُ الأرجل  (لبتورينا، نيريتا) والسركانات توجد في المصبات ولكنها يمكن أن تعيش في المناطق البحرية عند مناسبة الظروف البيئية، أما (النيريس) وهي من عديدات الأشواك، ومَعِدِيَّات الأرجل (نيريتينا، هيدروبيا) والقشريات (سيانثورا) فتعتبر حيوانات لمنطقة المصب ولا توجد في البحر، ومعظم كائنات البيئات الثلاث تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها.

([32]) ولهذا يسمى العقل حِجْراً: لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي  قال تعالى: ﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ [سورة الفجر، الآية:5] والسفيه يَحْجُر عليه القاضي من التصرف في ماله فهو في حِجْر أو حَجْر والكسر أفصح.