الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: معجزات علمية

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

سادسا ـ الحيوان

1 ـ حيوانات مسخرة

الخيل:

الحمار:

البغال:

الإبل:

البقر:

2 ـ عجائب الحشرات

العناكب:

الفراش:

النمل:

الذباب:

النحل:

3 ـ وعي الحيوانات

أمم الحيوانات:

تصنيف الحيوانات:

رحمة الحيوانات:

هندسة الحيوانات:

4 ـ منطق الحيوانات

 

سادسا ـ الحيوان

في اليوم السادس.. كان موضوع المحاضرات يتناول الحيوانات في القرآن الكريم.

وقد قدم العلماء محاضراتهم التي غلب عليها الجانب البياني والفقهي.. كعادتهم في سائر الأيام.

ثم قدم صاحبي عالم الحيوان محاضرته، ولم يكن هناك أي رابط بين تلك المحاضرات..

وصاحبي هذا ـ بالإضافة إلى كونه عالم حيوان ـ من جمعية للرفق بالحيوان، فهو محب لها غاية الحب، رفيق بها غاية الرفق، بل هو يكاد يتعامل معها كما يتعامل مع الإنسان، بل إنه ـ لغرابة أطواره في هذا ـ كان كلما ذكر حيوانا أطلق عليه لفظ أخي أو صديقي، جادا غير هازل، وهو لا يعبأ بضحك من يضحك من المستمعين له من طلبته أو أصدقائه.

وكان لهذا قريبا من الدين.. ولكنه شديد البعد من الكتاب المقدس، وقد ذكر لي سبب ذلك، فقال: لماذا يشوه الكتاب المقدس سلام المسيح؟

قلت: ما الذي تقصد؟

قال: لقد قرأت في أول شبابي ما جاء عن تسبب المسيح بمقتل ألفي حيوان في وقت واحد.. كما في (مرقس: 5: 11):( وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عِنْدَ الْجَبَلِ، فَتَوَسَّلَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلَةً: أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا، فَأَذِنَ لَهَا بِذَلِكَ، فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ مِنْ عَلَى حَافَةِ الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، فَغَرِقَ فِيهَا، وَكَانَ عَدَدُهُ نَحْوَ أَلْفَيْنِ)؟

قرأ هذا النص، ثم قال: ما ذنب الخنازير، وما ذنب صاحب الخنازير ، حين أراد إخراج الشياطين من المجنون؟..ألم يكن من الأجدى إخراج الشياطين دون الإضرار بالخنازير؟!

قال ذلك ، ثم قال: من ذلك اليوم الذي قرأت فيه هذا النص لم أعد للكتاب المقدس.. فلا أتصور أن الله يقسو على خلقه بهذه الطريقة.

كان هذا هو بداية موقفه من المسيحية، أما الإسلام، فلم يتخذ منه موقفا سلبيا إلا في ذلك اليوم ، فقد ألقى بعض المحاضرين محاضرة عن موقف سليمان u من الخيل، وذلك في تفسير قوله تعالى:﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)﴾(ص)

وللأسف، فإن هذا المفسر بعد استعراضه لجميع الأقوال في تفسير الآية لم يحلو له إلا أن يفسرها بما يسيء لسليمان، وبمثله للقرآن.

لقد ذكر أن سليمان u عرض عليه الخيل الجياد في وقت العصر، فألهاه هذا العرض عن صلاة العصر، فلما اقترب المغرب غضب وطلب من الله أن يرد الشمس بعد أن غربت ليصلي العصر فردت.. وكصورة من غضبه على الخيل لأنها كانت السبب في فوات العصر وألهته عن الصلاة قام وقطع سوقها وأعناقها مسحاً بالسيف.

ومع أن القائلين بهذا من التابعين الذي استفادوا هذه التفاسير من اليهود الذين أسلموا إلا أنه راح يدافع على هذا، ويخالف ابن عباس صاحب رسول الله r الذي فسرها بأنه جعل يمسح أعراف الخيل، وعراقيبها حبالها.

وقد قال تعليقا على هذا القول: وهذا القول اختاره ابن جرير ، واستدل له بأنه لم يكن سليمان u ليعذب حيوانا بالعرقبة، ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها.

ثم علق عليه بقوله:( وهذا الذي رجح به ابن جرير فيه نظر؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا، ولا سيما إذا كان غضبا لله عز وجل بسبب أنه شغل بها حتى خرج وقت الصلاة؛ ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله تعالى ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل )[1] 

لقد كان لذلك الترجيح تأثيره السلبي على صديقنا عالم الحيوان..

ومع أنه كان يرى طرق المسلمين في الذبح.. ولكنه لم يكن ينكر عليها، بل كان يرى ذلك أرحم للحيوان من سائر الطرق التي يقتل بها الحيوان[2].

في ذلك المساء.. سرنا إلى حديقة للحيوانات.. وقد أبلغت عليا بالمحل الذي نذهب إليه.

وهناك في تلك الحديقة رحنا نتجول على الحيوانات.. ونستمع لما يقوله صديقنا عالم الحيوانات عنها.

1 ـ حيوانات مسخرة

أمام مجموعة من الخيل العربية الأصيلة وقفنا ننظر إلى جمالها ورشاقتها، وفجأة سمعنا عليا يحادث صديقه حذيفة بطريقته المعهودة، وبصوت مرفوع، وكأنه يتعمد أن يسمعنا.

قال علي: ويل لهم.. كيف يسيئون للقرآن؟.. إنهم يحرفون القرآن الكريم من حيث لا يشعرون.

قال حذيفة: هم لم يذكروا إلا ما قال المفسرون.

قال علي: ألم تسمع بما قال الإمام أحمد من أنه ثلاثة لا أصول لها، وذكر من بينها التفسير؟

قال حذيفة: أسمع هذا.. بل لدي سند بروايته إلى أحمد.

قال علي: فكيف رحتم تتساهلون في التفسير مع علمكم أنه تفسير لكلام الله.. لقد تشددتم في حروف القرآن.. ولكنكم أعطيتم الحرية المطلقة لمن يريد تشويهه؟

قال حذيفة: ولكنهم يروون هذه الأقوال عن قتادة وغيره من التابعين.

قال علي: فيكف رغبوا عن ابن عباس ترجمان القرآن.. وراحوا لقتادة..

ثم لماذا تركوا الألفاظ الصريحة الظاهرة، وراحوا يؤولون ويتحكمون ويتلاعبون!؟

لقد ذكر القرآن المسح.. وليس للمسح في ظاهر اللغة إلا معناه المعروف.. ألم يرد في القرآن الكريم:﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً)(النساء: من الآية43)، وقال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(المائدة: من الآية6)

قال حذيفة: بلى..

قال علي: فما معنى المسح في هاتين الآيتين؟

قال حذيفة: معناه المسح المعروف الذي هو وضع اليد بحنان على الممسوح.

قال علي: فلم رغبوا عن هذا المعنى الظاهر المؤيد يقول الصحابي الجليل إلى غيره؟

سكت حذيفة، فقال علي: ليس من سبب لذلك غير الجهل بالمعاني السامية للقرآن الكريم..

إن هؤلاء الذين ينشرون مثل هذه المعاني، كمن وصف له طبيب دواء ليستعمله، فراح بفهمه السقيم، واشترى بدله سما راح يتجرعه، ويسقيه لغيره.

قال حذيفة: ما تقول؟

قال علي: هذه هي الحقيقة.. أنت تعرفني.. فأنا لا أحب المجاملات.

قال حذيفة: فأين الداوء ، وأين السم في الآية؟

قال علي: إن هذه الآية تصف وصفة طبية نفسية شرعية لكيفية التعامل مع الحيوانات.. لكنهم بفهمهم السقيم حولوها سما يسقونه الناس، ويشوهون به الحقائق.

قال حذيفة: فصل لي ما ذكرت.

الخيل:

قال علي: أنت تعرف ما ورد في النصوص الكثيرة من فضل الخيل.

قال حذيفة: أجل.. ويكفيها شرفا أن رسول الله r قال فيها:﴿ الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة )[3] 

قال علي: بل إن الله تعالى أمر بالاحتفاظ بها وتهيئتها لمقاومة الظالمين، فقال:﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (لأنفال:60)

قال حذيفة: وقد وردت الأحاديث في فضلها لأجل ذلك.. فقد قال r:( الخيل لثلاثة: لرجل أجْر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر؛ فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج ـ أو: روضة ـ فما أصابت في طيلها ذلك من المرج ـ أو: الروضة ـ كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به، كان ذلك حسنات له؛ فهي لذلك الرجل أجر. ورجل ربطها تغنِّيًا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي له ستر، ورجل ربطها فخرًا ورياء ونواء فهي على ذلك وزر )[4]

وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود t ، عن النبي r قال:( الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن، وفرس للشيطان، وفرس للإنسان، فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله، فعلفه وروثه وبوله، وذكر ما شاء الله. وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي ستر من فقر)[5]

وقد روي في الاثار الموقوفة ما يدل على تحبيب الله للخيل، فقد أن معاوية بن حديج مر على أبي ذر، وهو قائم عند فرس له، فسأله: ما تعالج من فرسك هذا؟ فقال: إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته! قال: وما دعاء بهيمة من البهائم؟ قال: والذي نفسي بيده ما من فرس إلا وهو يدعو كل سحر فيقول: اللهم، أنت خولتني عبدا من عبادك، وجعلت رزقي بيده، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده[6].

قال علي: لقد نص القرآن الكريم على هذا، فقد قال تعالى:﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14)

قال حذيفة: فهمت هذا ووعيته، فما الذي تريد منه؟

قال علي: أفترى أن هذا النبي الكريم غاب عنه ما جعل الله في الخيل من فضل، فراح يقتلها من غير فائدة.

قال حذيفة: لا أرى ذلك.. وبورك فيك.. فقد نبهتني لسوء ما كنت أعتقده، ولكن ما الذي جعلك ترى أن ما فعله سليمان دواء يمكن الاستفادة منه؟

قال علي: بلى.. هو دواء.. وما ذكره الله لنا إلا لنستفيد منه، ألم يقل الله تعالى:﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90)؟

قال حذيفة: فما هذا الدواء[7]؟

قال علي:  إن اختيار سليمان u لمواضع معينة يمسح بها على خيله يتوافق تماما  مع الفحص البيطري المعمول به لخيل السبق في الوقت الحاضر.

فكل المراجع العلمية الحديثة المرتبطة بعلم الحيوان أفردت لفحص واختبار الخيل فصولاً طويلة أساسها كلها ما جاء في القرآن الكريم، فنجد في كتاب (أصول الطب البيطري)، وتحت عنوان (الاقتراب من الحيوانات) قوله:( للحيوانات الأهلية أمزجة متباينة، وطباع تتقلب بين الدعة والشراسة لذلك يتطلب الاقتراب منها حرصاً وانتباهاً عظيمين خصوصاً للغريب الذي لم يسبق له معاملتها أو خدمتها ، نجد أنه في الخيل يجب أن يظهر فاحص الحصان نحوه كثيراً من العطف وهو داخل عليه فيربت على رأسه ورقبته وظهره فيطمئن إليه ويعلم أن القادم صديق فلا يتهيج أو يرفس )

ولما كانت أهم أجزاء الحصان قوائمه، فهي التي تجري عليها، والجري من أهم صفات الخيل الرئيسية، فإن أول ما يتجه إليه الإنسان عند فحص الخيل هو اختبار قوائمه ويجب رفع قائمة الحصان عند فحصه، وفي ذلك يقول نفس الكتاب:( ولرفع القائمة الأمامية يمسك الفاحص بزمام الحصان ويقف الفاحص بجوار كتفه متجهاً للمؤخرة ثم يربت له على جانب رقبته وكتفه إلى أن يصل باليد إلى المرفق فالساعد فيصل المسافة بين الركبة والرمانة وهنا يشعر الحصان باليد التي تمسك أوتار قائمته فيرفعها طائعاً مختاراً )

وقياس نبض الخيل من أهم الأمور التي يجب على الفاحص أن يبدأ بها فحصه للحصان، فعن طريق النبض يمكن معرفة حالة الحصان المرضية، ويقرر العلم أن قياس النبض في الخيل يكون من الشريان تحت الفكي والشريان الصدغي والشريان الكعبري.

وإذا كان قياس النبض، والحصان في حالة هدوئه إنما يكشف للإنسان عن حالة الحصان المرضية وعما إذا كان مصاباً بمرض أو سليماً، فإن قياس نبضه لمعرفة درجة احتمال قلبه وطاقته لابد أن تكون بعد أن يقوم الحصان بل بشوط من الجري.. كما أنه توجد في بعض الخيول عيوب تقلل من قيمة الحصان، ولذلك فإن الطريقة التي أصبحت دستوراً يعمل به عند فحص واختبار الخيل هي أنه بعد الفحص الظاهري الأول للحصان والتأكد من صلاحيته شكلاً ومنظراً يقوم بالعدو لشوط كبير على قدر الاستطاعة ومراقبته أثناء العدو.. ثم قياس نبضه بعد أن فحص الخيل فحصاً ظاهرياً إذ عرضت عليه.

لذلك أمر النبي سليمان u بأن تعدو الخيل إلى أقصى وأبعد ما يستطاع حتى توارت بالحجاب، فلم تعد رؤيتها مستطاعة.. ثم طلب أن تعود بعد هذا الشوط الطويل من العدو، وعندها قام بالفحص العملي لقياس النبض من الشريان تحت الفكي والصدغي والكعبري كما قام بفحص ساق الحصان بعد هذا المجهود ليعرف أثر العدو عليه وطاقة الساق عليه.

ما سمع صاحبي عالم الحيوانات هذا الكلام حتى ارتسمت على وجهه أسارير السعادة، ثم طلب منا أن نتبع هذين الرجلين لنتنصت عليهما، وعلى حوارهما الهادئ اللطيف.

قال حذيفة: لقد وصف القرآن الكريم هذه الخيل بالجياد.. فما مراده من ذلك؟

قال علي: لقد وصفت قبل وصفها بالجياد بكونها صافنات، والصافنات وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة لقوتها وخفتها، وهي علامة الصحة للخيل.

والجياد معناها السراع، ولا شك في أن قيمة الخيل في سرعتهان وقد ورد وصف لسرعتها في سورة أخرى من القرآن الكريم ، وهي سورة العاديات، قال تعالى:﴿  وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)﴾(العاديات)

فالله تعالى يقسم في هذه السورة بخيل المعركة، ويصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري، قارعة للصخر بحوافرها حتى توري الشرر منها، مغيرة في الصباح الباكر لمفاجأة العدو، مثيرة للنقع والغبار، غبار المعركة على غير انتظارن وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة، فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب[8].

قال حذيفة: لكأن الله تعالى يأمرنا في هذه السورة بأن ندرب الخيل لنؤهلها لمثل هذه الصفات.

قال علي: بورك فيك.. هكذا ينبغي أن نفهم القرآن.. فكل آياته تربية وتعليم وتوجيه.

قال حذيفة: زدني من صفات الخيل في القرآن.

قال علي: لقد وصف الله الخيل بأنها ترسل عرفها أي تنشره على رقبتها، قال تعالى:﴿ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً﴾(المرسلات:1) والآية بالأصل تصف الرياح وتشبهها بالخيل.

الحمار:

سار علي وحذيفة نحو قفص قريب وضع فيه أحمرة بألوانها المختلفة، وأنواعها المختلفة، فقال حذيفة: هذا هو الحمار الذي ورد النكير عليه في النصوص.

قال علي: لم أجد نصا ينكر على الحمار.. الحمار من نعم الله الكبرى على البشر، لقد ظل فترة طويلة مسخرا للإنسان يركبه ويستعمله ، وهو لا يزال يفعل ذلك.

بل إن القرآن من علينا به، فقال:﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (النحل:8)

قال حذيفة: أنت لم تفهم قصدي.. أنا أقصد قوله تعالى:﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:19)، فهذا الخطاب جاء على لسان لقمان الحكيم u ، وهو يعظ ابنه حيث طلب منه إخفاض صوته لأن الصوت العالي يصبح منكراً.

قال علي: فالإنكار للصوت العالي، لا للحمار، والصوت العالي منكر سواء كان من الحمار أو غيره، بل إن العلماء عدوا الضجيج من التلوث البيئي.

قال حذيفة: فالحمار يلوث البيئة إذن؟

قال علي: لا.. إن الصوت الحمير أرحم بكثير من تلك الفوضى الصوتية التي يعيشها البشر..

ومع ذلك فالله تعالى يؤدبنا بهذا ليعلمنا كيف ندرب أصواتنا حتى لا تكون منكرة.

قال حذيفة: وهل يمكن ذلك.. الأصوات شيء خارج عن أيدينا.

قال علي: لا.. بل إن الكثير منه في أيدينا.. ولولا ذلك ما أمر لقمان u ابنه به.

قال حذيفة: فما وجه الإشارة في الآية إلى هذا التدريب؟

قال علي: لقد وجد العلماء أن سبب قبح صوت الحمار يكمن في قلة حركته وعدوه.. بخلاف الخيل التي وصفت بـ ﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً﴾(العاديات:1) فقد ربطت بين العدو والصهيل، فصوت الضبح هو الصهيل الخفيف غير المزعج، والذي اكتسبه الحصان بفضل العدو حيث ذابت كل الشحوم حول الأحبال الصوتية، وتعرضت هذه الأحبال للإحماء والشد من خلال رياضة العدو، فيشبه ذلك شد أوتار المعازف لكي تحصل على صوت عال ذي نبرة رفيعة جميلة، والضبح صوت بين الصهيل والحمحمة ينتج من العدو.

قال حذيفة: ليس هذا فقط مما ورد الإنكار عليه من صوت الحمار.

قال علي: فما ذاك؟

قال حذيفة: لقد أخبر r عن قدرة الحمار على رؤية الشيطان، وذلك مما يعيبه، فقد قال r:( إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمار ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنه رأى شيطانا)[9]

قال علي: فأنت ترى أن رسول الله r مدح الديك في هذا الحديث، وذم الحمار؟

قال حذيفة: هذا ما أراه.

قال علي: فأنت تفضل الطباخ على الطبيب إذن؟

قال حذيفة: ما قصدك؟

قال علي: الطباخ يلبي حاجات شهوات بطنك، والطبيب ينبهك إلى أعدائك المتربصين بك، بل قد يحرمك من تلك الشهوات التي وصفها لك الطباخ.

قال حذيفة: فهمت قصدك.. أنت تقصد الحمير بمثابة الأطباء الذي ينبهون الإنسان إلى مكامن الخطر.

قال علي: أو مثل الحراس الذين يمسكون بصفارات حادة الأصوات لينبهوا الغافل إلى العدو المقبل.

قال حذيفة: فقد مدح r الحمير إذن بهذا؟

قال علي: أجل.. لقد أخبر رسول الله r عن طاقة من طاقات الحمار التي ننتفع بها، وهي قدرته على رؤية عالم الشر، ورؤية الشر ليست شرا، بل إن العلم بالشر هو الواقي للإنسان من الوقوع فيه.

والحمار بهذه الطاقة ، وما ينبه به داعية من دعاة ذكر الله ، وقد قال r:( لا ينهق الحمار حتى يرى شيطانا أو يتمثل له شيطان , فإذا كان ذلك فاذكروا الله وصلوا علي)[10]

ولعل ذلك الصوت المزعج للحمار سببه هذه الرؤية ، وليكون تنبيها للنفوس حتى لا تستريح لصوته ـ في حال كونه جميلا ـ عن الاستعاذة والصلاة.

قال حذيفة: فالحمار بذلك يمثل جنديا من جنود الله التي يتعرف المؤمن من خلالها على أعدائه ، أو هو عين من العيون التي يتبصر بها المؤمن بعض عوالم الله.

قال علي: وهو في كلا الدورين يشبه الديك ، فالديك هو عيننا على عالم الملائكة، كما أن الحمار عيننا على عالم الشياطين.

قال حذيفة: فهمت الآن سر تلك الآداب العالية التي كان يتصف بها السلف الصالح مع الحمير، فقد وري عن بعضهم قوله:( من الأدب إذا ركب العبد دابة أن يرحمها بالنزول عنها ولا يركب إلا عند الضرورة )

قال علي: بل إن r أمر بذلك، فقد نهى عن إتخاذ ظهور الدواب منابر، وعلل ذلك بقوله: ( فرب مركوبة خيرا أو أكثر ذكرا لله تعالى من راكبها)[11]

قال حذيفة: لقد ذكر القرآن الكريم هذا الدور الذي تقوم به، فقال:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة:5)

سكت قليلا، ثم قال: ألا ترى في هذا إنكارا على الحمار؟

قال علي: لا.. الحمار لا يلام بأنه لا يعرف قيمة ما يحمل.. هو يؤدي دوره الذي طلب منه.. ولكن اللوم على من لا يفهم مع أن الله أعطاه آلة الفهم.

ألسنا نسب أحيانا بعض الناس، فننعتم بالصغار، فهل الصغار مذمومون؟

قال حذيفة: لا.. فما ذنب الصغير المسكين؟

قال علي: وهكذا الحمار.. فهو لا يلام، لأن اللوم لا يتوجه إلا لمن فرط في طاقاته وعطلها.

قال حذيفة: لقد وصفت الحمر في القرآن الكريم بكونها مستنفرة، فقال تعالى:﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾(المدثر:50-51 ) فما معنى ذلك؟

قال علي: هاتان الآيتان تتحدثان عن الحمر الوحشية التي يحب صيدها الأسد، وحمار الوحش حيوان جميل الشكل  قريب الشبه بالخيل والحمار، ويختلف عنها بجلده المخطط.. وحمير الوحش من فصيلة متوحشة غير قابلة للاستئناس، وتتميز بوجود الخطوط السوداء على جسدها، وهي توجد في قطعان هائلة في السهول  الفسيحة في أفريقيا.

البغال:

سار علي وحذيفة نحو قفص قريب معد للبغال، فقال حذيفة: لقد ذكر الله تعالى البغال من جملة الحيوانات المسخرة للركوب، فقال تعالى عنها:﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾(النحل:8)

قال علي: البغل هو الهجين الذي ينشأ من تزاوج الحمار والفرس، فيأخذ حجم الفرس وتحمل الحمار، لذا يكون الناتج أقوى.

وما يزيد قوته أيضاً أنه عقيم، والسبب في ذلك أنه يحمل عددا فردي للكروموسومات (63) حيث ينشأ من الوحدة بين كروموسومات الحمار (عددها62) والفرس أنثى الحصان(عدد كروموسوماتها64).

قال حذيفة: ألا ترى في ذكر القرآن للبغال ـ ما دامت بهذه الصفة ـ في هذه الآية التي ذكرت وسائل النقل أي إشارة عملية؟

قال علي: أجل.. إن فيها إشارة إلى نوع مفيد من الهندسة الوراثية.

قال حذيفة: ماذا تعني.. فالهندسة الوراثية لم تجلب لنا إلا الدمار.

قال علي: بل فيها بعض الخير، أو كثير من الخير لو حسنت النيات.

قال حذيفة: فكيف نطبقها في هذا المجال؟

قال علي: باختيار السلالات الطيبة من الحيوانات وإجراء التلاقح بينها لاستنتاج سلالات جيدة.. ألم تر أن القرآن الكريم وصف الخيل بالجياد؟

قال حذيفة: فما في ذلك؟

قال علي: لينبهنا إلى البحث عن الجيد.

الإبل:

سار علي وحذيفة إلى قفص آخر، وضعت فيه الجمال بأنواعها، فقال حذيفة: لقد ذكر القرآن الكريم كثيرا عالم الإبل[12].. بل إنه أمر بالنظر إليها، فقال تعالى:﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية:17)

قال علي: هذه آية عظيمة.. فالله تعالى يدعونا إلى النظر في أسرار خلقه وما أودع فيها من جمال وطاقات.. إن هذا الأمر يستوي فيه البدوي بفطرته السليمة في صدر الإسلام، وعلماء الأحياء بأجهزتهم المستحدثة في أواخر القرن العشرين.

قال حذيفة: فعلمني من علمها ما علمك الله.

قال علي: إن ما كشفه العلم حديثاً عن بعض الحقائق المذهلة في خلق الإبل يفسر لنا بعض السر في اختيار الله للإبل لتكون محل نظرنا[13].

أول ما يلفت الأنظار في الإبل خصائصها البينات والشكل الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من لطائف تأخذ بالألباب، فالعينان محاطتان بطبقتين من الأهداب الطوال تقيانهما القذى والرمال.

أما الأذنان فصغيرتان قليلتا البروز، فضلاً عن أن الشعر يكتنفها من كل جانب، ليقيها الرمال التي تذروها الرياح، ولهما القدرة عن الانثناء خلفاً والالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية.

أما المنخران، فيتخذات شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر وحافتهما لحمية، فيستطيع الجمل أن يغلقهما دون ما قد تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال.

أما ذيله ، فيحمل على جانبيه شعراً يحمى الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها الرياح السافيات كأنها وابل من طبقات الرصاص.

أما قوائم الجمل، فهي طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار، كما أنها تساعده على اتساع الخطو وخفة الحركة.

وتتحصن أقدام الجمل بخف يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض، ومن ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة، وهو ما يصعب على أية دابة سواه، وهذاما يجعله جديراً بلقب (سفينة الصحراء)

لهذه الخصائص وغيرها ما زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلى لارتياد الصحارى، وقد تقطع قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحوا من خمسين أو ستين كيلومترا في اليوم الواحد، ولم تستطع السيارات بعد منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبدة.

ومن الإبل أيضاً ما هو أصلح للركوب وسرعة الانتقال، مثل الرواحل المضمرة الأجسام التي تقطع في اليوم الواحد مسيرة مائة وخمسين كيلومترا.

ومما يناسب ارتفاع قوائم الجمل طول عنقه، حتى يتناول طعامه من نبات الأرض، كما أنه يستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين يصادفها، هذا فضلاً عن أن هذا العنق الطويل يزيد الرأس ارتفاعاً عن الأقذاء، ويساعد الجمل على النهوض بالأثقال.

وحين يبرك الجمل للراحة أو يناخ ليعد للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله، ويرتكز بمعظم ثقله على كلكله، حتى أنه لو جثم به فوق حيوان أو إنسان طحنه طحناً.

وهذه الوسائد إحدى معجزات الخالق التي أنعم بها على هذا الحيوان العجيب، حيث أنها تهيئه لأن يبرك فوق الرمل الخشنة الشديدة الحرارة التي كثيراً ما لا يجد الجمل سواها مفترشاً له، فلا يبالي بها ولا يصيبه منها أذى.

والجمل الوليد يخرج من بطن أمه مزودا بهذه الوسائد المتغلظة، فهي شيء ثابت موروث وليست من قبيل ما يظهر بأقدام الناس من الحفاء أو لبس الأحذية الضيقة.

قال حذيفة: فقد أعد الله تعالى الإبل إعدادا من أجل مهام السفر الصعبة!؟

قال علي: ليس ذلك فقط.. أو بالأحرى ذلك ما يمكن أن يعرف بالنظر البسيط القاصر.

قال حذيفة: فهل هناك نظر آخر أعمق وأطول؟

قال علي: أجل.. هناك أشياء تحتاج إلى نظر أعمق، أو بأجهزة تعين البصر القاصر.

قال حذيفة: فحدثني عن بعض ما دل عليه النظر الأعمق.

قال علي: منها أن الجمل يحافظ على مياهه بقدر الإمكان، لأنه في صحراء قليلة المياه، فلذلك لا تراه يتنفس من فمه، ولا يلهث أبداً مهما اشتد الحر أو استبد به العطش، وهو بذلك يتجنب تبخر الماء من هذا السبيل.

وهو لا يفرز إلا مقدار ضئيلاً من العرق عند الضرورة القصوى بفضل قدرة جسمه على التكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء التي تتغير فيها درجة الحارة بين الليل والنهار، ويستطيع جهاز ضبط الحرارة في جسم الجمل أن يجعل مدى تفاوت الحرارة نحو سبع درجات كاملة دون ضرر، أي بين 34م و41 م ، ولا يضطر الجمل إلى العرق إلا إذا تجاوزت حرارة جسمه 41م ويكون هذا في فترة قصيرة من النهار، أما في المساء فإن الجمل يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد دون أن يفقد قطرة ماء، وهذه الآلية وحدها توفر للجمل خمسة ألتار كاملة من الماء.

ولا يفوتنا أن نقارن بين هذه الخاصة التي يمتاز بها الجمل وبين نظيرتها عند جسم الإنسان الذي ثبت درجة حرارة جسمه  العادية عند حوالي 37 م ، وإذا انخفضت أو ارتفعت يكون هذا نذير مرض ينبغي أن يتدارك بالعلاج السريع، وربما توفي الإنسان إذا وصلت حرارة جسمه إلى القيمتين اللتين تتراوح بينهما درجة حرارة جسم الجمل ( 34م و41 م )

و هناك أمر آخر يستحق الذكر، وهو أن الجسم يكتسب الحرارة من الوسط المحيط به بقدر الفرق بين درجة حرارته ودرجة ذلك الوسط، ولو لم يكن جهاز ضبط حرارة جسم الجمل ذكياً ومرنا بقدرة الخالق اللطيف لكان الفرق بين درجة حرارة الجمل ودرجة حرارة هجير الظهيرة فرقاً كبيراً يجعل الجمل إلى 41م في نهار الصحراء الحارق يصبح هذا الفرق ضئيلاً وتقل تبعاً لذلك كمية  الحرارة التي يمتصها الجسم، وهذا يعني ان الجمل الظمآن يكون أقدر على تحمل القيظ من الجمل الريان ، فسبحان الله العليم بخلقه.

ويضيف علماء الأحياء ووظائف الأعضاء سببا جديداً يفسر قدرة الإبل على تحمل الجوع والعطش عن طريق إنتاج الماء الذي يحتاجه من الشحوم الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز الإنسان عن مضاهاتها.

فمن المعروف أن الشحم والمواد الكربوهيدراتية لا ينتج عن احتراقها في الجسم سوى الماء وغاز ثاني أسيد الكربون الذي يتخلص منه الجسم في عملية التنفس، بالإضافة إلى تولد كمية كبيرة من الطاقة اللازمة لواصلة النشاط الحيوي.

ومعظم الدهن الذي يختزنه الجمل في سنامه يلجأ إليه الجمل حين يشح الغذاء أو ينعدم ، فيحرقه شيئاً فشياً ويذوى معه السنام يوماً بعد يوم حتى يميل على جنبه ، ثم يصبح كيساً متهدلاً خاوياً من الجلد إذا طال الجوع والعطش بالجمل المسافر المنهك.

و من حكمة خلق الله في الإبل أن جعل احتياطي الدهون في الإبل كبيراً للغاية يفوق أي حيوان آخر ويكفي دليل على ذلك أن نقارن بين الجمل والخروف المشهور بإليته الضخمة المملوءة بالشحم، فعلى حين نجد الخروف يختزن زهاء 11كجم من الدهن في إليته، نجد أن الجمل يختزن ما يفوق ذلك المقدار بأكثر من عشرة أضعاف ( أي نحو 120 كجم) ، وهي كمية كبيرة بلا شك يستفيد منها الجمل بتمثيلها وتحويلها إلى ماء وطاقة وثاني أكسيد الكربون.

ولهذا يستطيع الجمل أن يقضي حوالي شهر ونصف بدون ماء يشربه، ولكن آثار العطش الشديد تصيبه بالهزال وتفقده الكثير من وزنه، وبالرغم من هذا فإنه يمضي في حياته صلدا لا تخور قواه إلى أن يجد الماء العذب أو المالح فيعب ( تعزى قدرة الجمل الخارقة على تجرع محاليل الأملاح المركزة إلى استعداد خاص في كليته لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيد معظم ما فيه من ماء لترده إلى الدم )فيعب منه عبا حتى يطفئ ظمأه.

و ثمة ميزة أخرى للإبل تهيئه لهذه المهام الصعبة، فإن الجمل الظمآن يستطيع أن يطفئ ظمأه من أي نوع وجد من الماء، حتى وإن كان ماء البحر أو ماء في مستنقع شديد الملوحة أو المرارة، وذلك بفضل استعداد خاص في كليتيه لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيدا معظم ما فيه من ماء لترده على الدم.

والأعجب من هذا كله أن الجمل إذا وضع في ظروف بالغة القسوة من هجير الصحراء اللافح فإنه سوف يستهلك ماء كثيراً في صورة عرق وبول وبخار ماء ، مع هواء الزفير حتى يفقد نحو ربع وزنه دون ضجر أو شكوى، والعجيب في هذا أن معظم هذا الماء الذي فقده استمده من أنسجة جسمه، ولم يستنفذ من ماء دمه إلا الجزء الأقل، وبذلك يستمر الدم سائلاً جارياً موزعاً للحرارة ومبددا لها من سطح جسمه.

قال حذيفة: فكل هذا من الخصائص التي وفرت لهذا الحيوان ليكون مركبا صالحا في الصحراء القاحلة.

قال علي: هذا بعض ما تمكن العلم من معرفته.. وهناك الكثير مما لا يزال في طي الغيب.

قال حذيفة: لقد ميز الله الإبل بخلاف سائر الأنعام بأنها تستعمل في الركوب والتغذية.

قال علي: أجل.. وهذا من المزايا العظيمة.. ألم أقل لك: إنها حيوان الظروف الصعبة الشديدة.. ولولاها لما تمكن الإنسان في القديم من اختراق الصحراء.

قال حذيفة: فحدثني عن الجمل المغذي، كما حدثتني عن الجمل المركوب.

قال علي: لقد شرف الله تعالى الجمل، فجعلها من شعائر الله، فقال:﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج:36) ، ولا شك أنك تعلم القيمة الغذائية للحم الجمل.

ولذلك سأحدثك عن ألبانها.. لأنها مصدر ثري من مصادر الغذاء..

لقد عرفت البشرية الدور المتميز الذي يمكن أن تقوم به الإبل في مشاكل الأمن الغذائي للبشر، ففي عامي 1984 و1985، حين أصيبت أفريقيا بالجفاف هلكت ـ أو كادت تهلك ـ في كينيا القبائل التي كانت تعيش على  الأبقار التي كفت عن إفراز اللبن، ثم مات معظمها، بينما نجت القبائل التي كانت تعيش على الإبل، لأن النوق استمرت في الجود بألبانها في موسم الجفاف.

وقد اهتم العلماء بالأبحاث المتعلقة بألبان الإبل في الربع الأخير من القرن العشرين فأجريت مئات الأبحاث على أنواع الجمال، وكمية الألبان التي تدرها في اليوم وفترة إدرارها للألبان بعد الولادة، ومكونات لبن الإبل. وبعد دراسات مستفيضة خلص العلماء إلى أن لبن الإبل يعتبر عنصراً أساسياً في تحسين غذاء الإنسان كما ونوعًا.

وتدل الإحصائيات على أن الناقة تحلب لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يومياً، ويبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5 ـ 10 كجم من اللبن، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230 ـ 260 كجم[14].

قال حذيفة: فما هي مكونات لبن الإبل التي أهلته لهذا الدور الخطير؟

قال علي: يتدرج لبن الإبل في مكوناته بناء على مرحلة الإدرار وعمر الناقة وعدد أولادها وكمية ونوع الطعام الذي تتغذى عليه، وكذلك على كمية الماء المتوفر للشرب.

ويعتبر لبن الإبل عالي القلوية ولكن سرعان ما يصير حمضيا إذا ترك فترة من الزمن إذا يتراوح PH من 6.5 إلى6.7 بالمائة، ويتحول للحمضية بسرعة حيث يزداد حمض اللاكتيك من 0.03 بعد ساعتين إلي 14بالمائة بعد 6 ساعات، ويتراوح الماء في لبن الإبل من 84 إلى90بالمائة من مكوناته، وتتراوح الدهون في اللبن في المتوسط حوالي 5.4 ، والبروتين حوالي 3 بالمائة، ونسبة سكر اللاكتوز حوالي 3.4 والمعادن حوالي 0.7بالمائة مثل الحديد والكالسيوم والفوسفور والمنجنيز والبوتاسيوم والماغنيسيوم.

وهناك اختلافات كبيرة في هذه المركبات بين الأنواع المختلفة من الإبل، وتعتمد على الطعام والشراب المتوفر لها، ونسبة الدهون  إلي المواد الصلبة في لبن الإبل أقل منها في لبن الجاموس حيث تبلغ في لبن الإبل 31.6بالمائة بينما في الجاموس 40.9بالمائة كما أن الدهون في لبن الإبل توجد على هيئة حبيبات دقيقة متحدة مع البروتين لذلك يصعب فصلها في لبن الإبل بالطرق المعتادة في الألبان الأخرى.

والأحماض الدهنية الموجودة في لبن الإبل قصيرة السلسلة، وهي أقل منها في الألبان الأخرى، كما أن لبن الإبل يحتوي على تركيز اكبر للأحماض الدهنية المتطايرة خصوصاً حمض اللينوليك والأحماض الدهنية المتعددة غير المتشيعة، والتي تعتبر حيوية في غذاء الإنسان خصوصا مرضى القلب،. كما أن نسبة الكليستيرول في لبن الإبل منخفضة مقارنة بلبن البقر بحوالي 40بالمائة.

وتصل نسبة بروتين الكازين في بروتين لبن الإبل الكلي إلى 70بالمائة مما يجعل لبن الإبل سهل الهضم.

ويحتوي لبن الإبل على فيتامين ج بمعدل ثلاثة أضعاف وجوده في لبن البقر، ويزداد إذا تغذت الإبل على أعشاب وغذاء غني بهذا الفيتامين.

كما أن فيتامين ب 1، 2 موجود بكمية كافية في اللبن أعلي من لبن الغنم كما يوجد فيه فيتامين أ (A) والكاروتين بنسب كافية.

قال حذيفة: هذا تركيبه، فما استعمالاته الصحية، فقد وردت الأحاديث في التداوي بألبان الإبل[15]؟

قال علي: هناك اكتشافات مثيرة جدا فيما يتعلق بالتركيبة الكيماوية لحليب الناقة الذي يشبه حليب الأم أكثر مما يشبه حليب البقرة.

فقد اكتشف أن حليب الناقة يحتوي على كمية قليلة من اللاكتوز سكر الحليب والدهن المشبع، إضافة إلى احتوائه على كمية كبيرة من فيتامين ج ، الكالسيوم والحديد، مما يجعله ملائما للأطفال الذين لا يرضعون.

كما تبين أن حليب الناقة غني ببروتينات جهاز المناعة، وهو ملائم لمن لا يتمكن جهازه الهضمي من هضم سكر الحليب.

ويحتوي هذا الحليب على مواد قاتلة للجراثيم، ولذلك يلائم من يعانون من الجروح، ومن يعانون من أمراض التهاب الأمعاء، كما يوصى به لمن يعانون من مرض الربو، ولمن يتلقون علاجا كيماويا لتخفيف حدة العوارض الجانبية مثل التقيؤ، كما يوصى به للمرضى الذين يعانون من أمراض تتعلق بجهاز المناعة مثل أمراض المناعة الذاتية حين يبدأ الجسم بمهاجمة نفسه.

وقد أوضحت الدراسات العديدة التي قام بها بعض الباحثين (1994 و2000) أن لبن الإبل يمتاز بميزات مناعية فريدة ، حيث أنه يحتوي على تركيزات مرتفعة للغاية من بعض المركبات المثبطة لفعل بعض البكتريا الممرضة وبعض الفيروسات.

وفي الهند يستخدم لبن الإبل كعلاج للاستسقاء واليرقان ومتاعب الطحال والسل والربو والأنيميا والبواسير وفي علاج مرض الكبد الوبائي المزمن وتحسين وظائف الكبد وقد تحسنت وظائف الكبد في المرضى المصابين بإلتهاب الكبد بعد أن عولجوا بلبن الإبل.

كما ثبت أن حليب الإبل يخفض مستوي الجلوكوز، وبالتالي يمكن أن يكون له دور في علاج السكري(1، 2)، ومن المدهش أنه قد وجد  في لبن الإبل مستويات عالية من الأنسولين وبروتينات شبيه بالأنسولين، وإذا  شرب اللبن فإن هذه المركبات تنفذ من خلال المعدة إلي الدم من غير أن تتحطم، بينما يحطم الحمض المعوي الأنسولين العادي، وهذا قد أعطى الأمل لتصنيع أنسولين يتناوله الإنسان بالفم، وتعكف شركات الدواء اليوم على تصنيعه وتسويقه في القريب العاجل.

وقد وجد في دراسة حديثة أن مرضى النوع الأول من السكري قد استفادوا حينما تناولوا كوباً من حليب الإبل وانخفض لديهم مستوي السكر في الدم وخفضوا كمية الأنسولين المقررة لهم.

وفي أحدث دراسة[16] وجد أن عائلة الجمال وخصوصا الجمال العربية ذات السنام الواحد تتميز عن غيرها من بقية الثدييات في أنها تملك في دمائها وأنسجتها أجســـاما مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية.

ولا توجد هذه الأجسام المضادة  إلا في الإبل العربية ، زيادة على وجود الأجسام المضادة الأخرى الموجودة في الإنسان وبقية الحيوانات الثديية فيها أيضا.

وحجم هذه الأجسام المضادة  هو عشر حجم المضادات العادية وأكثر رشاقة من الناحية الكيميائية وقادرة على أن تلتحم بأهدافها وتدمرها بنفس قدرة الأضداد العادية، وتمر بسهولة عبر الأغشية الخلوية وتصل لكل خلايا الجسم.

وتمتاز هذه الأجسام النانوية بأنها أكثر ثباتا في مقاومة درجة الحرارة ولتغير الأس الأيدروجيني تغيرا متطرفاً، وتحتفظ بفاعليتها اثناء مرورها بالمعدة والأمعاء بعكس الأجسام المضادة العادية التي تتلف بالتغيرات الحرارية  وبإنزيمات الجهاز الهضمي، مما يعزز من  آفاق ظهور حبات دواء تحتوي أجساما نانوية لعلاج مرض الأمعاء الالتهابي وسرطان القولون والروماتويد وربما مرضى الزهايمر أيضاً.

وقد تركزت الأبحاث العلمية على هذه الأجسام المضادة منذ حوالي 2001م في علاج الأورام على حيوانات التجارب وعن الإنسان، وأثبتت فاعليتها في القضاء على الأورام السرطانية حيث تلتصق بكفاءة عالية بجدار الخلية السرطانية وتدمرها، وقد نجحت بعض الشركات المهتمة بأبحاث التكنولوجيا الحيوية الخاصة في بريطانيا وأمريكا في إنتاج دواء على هيئة أقراص مكون من مضادات شبيهة بالموجودة في الإبل لعلاج السرطان والأمراض المزمنة العديدة والالتهابات البكتيرية والفيروسية.

وطورت بعض الشركات هذه الأجسام النانوية لتحقق ستة عشر هدفاً علاجياً تغطي معظم الأمراض المهمة التي يعاني منها الإنسان، وأولها السرطان، يليها بعض الأمراض الالتهابية، وأمراض القلب والأوعية الدموية.

ويعكف الآن حوالي 800 عالم من علماء التكنولوجيا الحيوية المتخصصين في أبحاث صحة الإنسان والنظم النباتية الحيوية ، وبتكاتف عدة جامعات على أبحاث الأجسام المضادة النانونية لتنفيذ مشروع المستقبل في علاج الأمراض العنيدة.

ورغم الكم الهائل من العلماء الذين يبحثون في هذا الموضوع لتوفير هذه الأجسام المضادة كوسيلة لعلاج هذه الأمراض؛ إلا أن هناك كثير من المشاكل والصعوبات تعترضهم في سبيل تصنيع هذا الدواء بالطريقة المثلى؛ التي تتلاءم مع الظروف البيئية والاقتصادية للبشر، وكل هذه الأنواع من الأمراض، مما يجعل العلماء يتجهون بأبصارهم وعقولهم ناحية البيولوجيا الجزيئية لعائلة الجمال.

قال حذيفة: صدق رسول الله r ، ونصحنا غاية النصح حين أرشدنا إلى التداوي بألبان الإبل، فعن أنس بن مالك t: أن نفراً من عكل ثمانية قدموا على رسول الله r فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسامهم، فشكوا إلى رسول اللّه r ذلك، فقال: ( الا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها )، فقالوا: بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول اللّه r فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا[17].

قال علي: هذا حديث واضح وصحيح، وقد وصف فيه رسول الله r ألبان الإبل وأبوالها للتداوي.

قال حذيفة: اسمح لي ـ أخي علي ـ أن أصارحك بشيء ربما يكون دالا على قصور في ديني.. ولولا علمي بما أعطاك الله من علم بخلقه ما صارحتك به، ولاكتفيت بالاستعاذة بالله من وساوس الشياطين.

قال علي: أعلم ما تريد قوله.. أنت تستقذر الأبوال، وتتعجب كيف وصفها رسول الله r علاجا..

قال حذيفة: أجل.. وليس ذلك فقط.. بل إن من قومنا اللابسين لباس الحداثة من يرموننا ويسبوننا بهذا الحديث، فلا نكاد نجد ما نرد به عليهم.

قال علي: كيف يقولون ذلك.. وما تنتجه مخابررهم أنفذ رائحة من أبوال الإبل لولا سترهم لها.. ثم كيف يقولون ذلك وقد وصفوا من الأدوية ما يطعم المريض بوله لا أبوال الإبل فحسب.

ظهرت علامات السرور على وجه حذيفة، وقال: كيف هذ؟

قال علي: من الأدويه التي تستخدم في علاج الجلطه الدمويه مجموعه تسمى FIBRINOLYTICS، تقوم آليه عمل هذه المجموعه على تحويل ماده في الجسم من صورتها الغير نشطة PLASMINOGEN إلى الصورة النشطة PLASMIN وذلك من أجل أن تتحلل الماده المسببه للتجلط FIBRIN.

وأحد أعضاء هذه المجموعه هو UROKINASE الذي يستخرج من خلايا الكلى أو من البول، كما يدل الإسم URO- البول في الإنجليزيه URINE

قال حذيفة: فهذا الدواء يجعل البول يسري بين العروق ليملأ الجسم بالعافية.

قال علي: ذلك صحيح.. ولكنها عافية مشوبة بالخطر بخلاف العافية التي ينشرها أبوال الإبل.

قال حذيفة: فهل عرفت فوائد أبوال الإبل الصحية؟

قال علي: أجل.. وقد عرفت من قديم.. أتعرف القانون لابن سينا؟

قال حذيفة: وكيف لا أعرفه.. إنه كتاب في الطب النظري والعملي، وفي أحكام الأدويه، ومنه استقى الغرب أصول الطب ؛ وما كانوا ليصلوا إلى ربع ما وصلوا إليه إلا بهذه الترجمه وبالإنتفاع به، أما صاحبه فهو ابن سينا، وهو غني عن التعريف.

قال علي: لقد قال صاحب القانون:( واعلم أن بول النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق، وما فيه من خاصيه وأن هذا البول شديد المنفعه، فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شفي به، وقد جرب ذلك في قوم دفعوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضروره إلى ذلك ؛ فعوفوا. وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب ) 

قال حذيفة: إن قومنا ـ كما تعرفهم ـ مع احترامهم لابن سينا إلا أنهم لا يسلمون إلا لما قاله خبراؤهم.

قال علي: أرأيت لو أن خبراءهم لم يهتدوا لهذا بسبب كسلهم أو تقززهم.. أنترك وصفة وصفها رسول الله r لأجل سواد عيونهم؟

قال حذيفة: لا.. معاذ الله.. فكلام رسول الله r لا يتخلف:) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى((النجم:3 ـ 4)

قال علي: فإن سلمت بهذا.. فاعلم أن هناك بحوثا تجري في هذا.. وهي لم تصل بعد إلى درجة تسليم قومك لها.. ولا يضرها ذلك.

قال حذيفة: فاذكر لي بعض ما وصلت إليه هذه البحوث[18].

قال علي: لقد كشف عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة ‏السودانية البروفسور أحمد عبد الله أحمداني عن تجربة علمية باستخدام (بول الإبل) ‏ ‏لعلاج أمراض الاستسقاء وأورام الكبد أثبتت نجاحها لعلاج المرضى المصابين بتلك ‏ الأمراض. ‏ ‏

وأضاف البروفسور أحمداني في ندوة نظمتها جامعة الجزيرة أن التجربة‏ ‏بدأت بإعطاء كل مريض يوميا جرعة محسوبة من (بول الإبل) مخلوطا بلبنها حتى يكون ‏مستساغا، وبعد 15 يوما من بداية التجربة كانت النتيجة مدهشة للغاية حيث انخفضت ‏بطون جميع أفراد العينة وعادت لوضعها الطبيعي وشفوا تماما من الاستسقاء. ‏ ‏

وذكر أحمداني أن تشخيصا لأكباد المرضى قبل بداية الدراسة قد جرى بالموجات ‏ ‏الصوتية، وتم اكتشاف أن كبد 15 مريضا من 25 تحتوي (شمعا) وبعضهم كان مصابا بتليف ‏ ‏الكبد بسبب مرض البلهارسيا. ‏ ‏

واستطرد قائلا: إن جميع المرضى استجابوا للعلاج باستخدام ‏ ‏(بول الإبل) وبعض أفراد العينة من المرضى استمروا برغبتهم في شرب جرعات بول الإبل ‏ ‏يوميا لمدة شهرين آخرين، وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم جميعا من تليف ‏ ‏الكبد. ‏ ‏

وتحدث في محاضرته عن تجربة علاجية رائدة أخرى لمعرفة أثر ‏ ‏لبن الإبل على معدل السكر في الدم استغرقت سنة كاملة وأثمرت الدراسة فيما بعد عن ‏ ‏انخفاض نسبة السكر في المرضى بدرجة ملحوظة.

وأشار إلى أنهم اختاروا في هذه التجربة عددا من المتبرعين المصابين بمرض السكر لإجراء التجربة العلمية حيث قسم المتبرعين لفئتين قدم فيها للفئة الأولى جرعة من ‏لبن الإبل بمعدل نصف لتر يوميا فيما حجبت عن الفئة الثانية. ‏ ‏

وشرح البروفسور أحمداني في ختام محاضرته حول الأعشاب الطبية والطب الشعبي ‏ ‏الخواص العلاجية لبول ولبن الإبل، وقال: أن بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من ‏ ‏البوتاسيوم، ويحتوي أيضا على زلال ومغنسيوم، إذ أن الإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى أربعة مرات فقط ومرة واحدة في الشتاء وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها لاحتفاظه ‏بمادة الصوديوم، حيث أن الصوديوم يجعلها لا تدر البول كثيرا لأنه يرجع الماء إلى ‏ ‏الجسم.‏ ‏

وأوضح البروفسور أن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال أو ‏ في البوتاسيوم وبول الإبل غني بالاثنين معا. ‏ ‏

وأشار أحمدانى الى استخدام بعض الشركات العالمية لبول الإبل في صناعة أنواع ‏ ممتازة من شامبو الشعر، وأن افضل أنواع الإبل التي يمكن استخدام بولها في العلاج ‏‏هي الإبل البكرية.

قال حذيفة: ما شاء الله.. هذا بحث يجعلنا نرفع رؤوسنا، ونحن نروي هذا الحديث.

قال علي: وقد قامت إحدى الباحثات ـ بارك الله فيها ـ من أرض الحرمين بإجراء بحوث في هذا.. فقد قامت الدكتورة أحلام العوضي بالتعاون مع الدكتورة ناهد هيكل في كلية التربية للبنات الأقسام العلمية بجدة ببحث حول هذا.. حيث استخدمتا بول الإبل للقضاء على فطر A.niger الذي يصيب الإنسان والنبات والحيوان..

وكانت تلك هي نقطة البداية للدكتورة أحلام العوضي بعدها تمكنت من استخدام بول الإبل في علاج الأمراض الجلدية والأخرى مكافحة الأمراض بسلالات بكتيرية معزولة من بول الإبل.

وقد ذكرت الباحثة منال القطان بأن المستحضر يتميز بتعدد فعالياته العلاجية، والتي لا توجد في سائر الأدوية المكتشفة حيث تصل تكلفة الحد الأدنى لعبوته 5 ريالات مقارنة بتكلفة المضادات الحيوية في هذه الدراسة التي تراوحت تكلفتها من 11.95 ريالا إلى 72.82 ريالا أما تكلفة العلاج من إصابات الأظافر في المضادات الأخرى فتتراوح ما بين 537.90 إلى 2649.80 دولارا، ومن ثم يتضح من خلال هذه المقارنة مدى ما ستساهم به المستحضر الجديد في العلاج وخاصة الطبقات الفقيرة التي تعاني من انتشار الأمراض الفطرية.

وحول أهم ما أثبتته الدراسة أو الأطروحة العلمية تقول القطان: بأن الرسالة تناقش لأول مرة تأثير مستحضر معد من بول الإبل على بعض الفطريات المسببة للأمراض الجلدية بالإضافة إلى تضمين الرسالة - في جزء منها- للعلاج التطبيقي لبعض الحالات المرضية الطبية المتداولة على 39متطوعا ( رجال ونساء وأطفال) وأثبتت الدراسة بأن المستحضر يعد مضادا حيويا فعالا ضد البكتريا والفطريات والخمائر مجتمعة.

ومن مزايا المستحضر ـ كما تذكر د. العوضي ـ: بأنه غير مكلف وسهل التصنيع ويعالج الأمراض الجلدية كالإكزيما والحساسية والجروح والحروق وحب الشباب وإصابات الأظافر والسرطان والتهاب الكبد الوبائي وحالات الاستسقاء، بلا أضرار جانبية - لأن ماء الإبل في الأساس يُشرب فلا خوف منه ولا ضرر- ولا خوف من تخزينه في حال تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة، هذه عوامل تزيد من فعاليته عكس المضادات التي تنتهي صلاحيتها بدرجة أكبر في حال تفاوت درجات الحرارة ومن عظمة الخالق أن جعل نسبة الملوحة عالية مع انخفاض اليوريا في بول الإبل ولو زادت لأفضت إلى التسمم ولهذا جاءت كلية الإبل مختلفة تماماً عن سائر المخلوقات لكي تؤدي إلى غرض علاجي أراده الله لها.

وأضافت: إن بول الإبل يحتوي على عدد من العوامل العلاجية كمضادات حيوية ( البكتريا المتواجدة به والملوحة واليوريا)، فالإبل يحتوي على جهاز مناعي مهيأ بقدرة عالية على محاربة الفطريات والبكتريا والفيروسات وذلك عن طريق احتوائه على أجسام مضادة (IgG).

البقر:

سار علي وحذيفة إلى قفص آخر، وضعت فيه البقار بأنواعها وألوانها المختلفة، فقال حذيفة: لقد ذكر القرآن الكريم كثيرا عالم البقر[19].. منها ما ورد في سورة البقرة، وهي قوله تعالى:﴿  قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُون*قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ *قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ*قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ (البقرة: 68-71)

قال علي: ما تقرأ في هذه الآية؟

قال حذيفة: هذه قصة البقرة.. وقد قال فيها كعب الأحبار ووهب بن منبه..

قاطعه علي بقوة، وقال: ألم أنبهك أكثر من مرة أن لا تعيد ذكر هذين الرجلين أمامي؟

قال حذيفة: لم.. فقد كانا من الصالحين.

قال علي: أنا لا أتهم صلاحهما.. أنا أتهم جرأتهما على التفسير..

قال حذيفة: لقد اهتم المفسرون بنقل تفسيرهما.

قال علي: لقد شوهوا تفاسيرهم بنقل أقوالهم.. حقائق القرآن الكريم أعظم من أن تفسر أو تنحصر معانيها في تلك الأساطير التي يرويها هذان الرجلان.

قال حذيفة: فما الذي تستفيده أنت من هذه الآيات غير قصة البقرة؟

قال علي: فوائد لا تكاد تحصى.. ولكنا ـ بما أنا هنا في هذه الحديقة ـ فسأكتفي بإشارة لطيفة يمكن استفادتها مما قرأته من الآيات.

قال حذيفة: ما هي.. فما أجمل الإشارات القرآنية.

قال علي: في هذه الآيات إشارة لكيفية اختيار الأبقار الممتازة..

قال حذيفة: أيمكن ذلك؟

قال علي: أجل.. فأهم مواصفات البقرة الجيدة ـ كما جاءت بها الآيات ـ أن تكون متوسطة في العمر، ليست بكيرة غير منتجة للحليب أوانتاجها قليل ولا هرمة (فارض) ذات الإنتاج القليل أيضاً، وقد ثبت أن البقرة بعد الولادة الثانية أو الثالثة أي بعمر 4-5 سنوات تتمتع بإنتاج غزير ثم تبدأ تتناقص بالإنتاج.

ومنها أن تكون بقرة قوية لا منهكة ولا تستخدم للحراثة والسقي لأن كل ذلك يكون على حساب الإنتاج فيقلله.

ومنها أن تكون خالية من أي عيوب خلقية ظاهرة وهذا تفسير (لا شية فيها) لأن أي عيب خلقي يقلل سعرها في ناظرها حتى لو كانت تنتج الكثير[20].

2 ـ عجائب الحشرات

كان في تلك الحديقة قسم خاص بالحشرات، سار علي وحذيفة إليه، وسرنا نتبعهما، ونتنصت عليهما.

قال حذيفة: لقد قرأت في القرآن الكريم اهتمامه بهذا العالم.. عالم الحشرات والأحياء الدقيقة.. وقد كان ذلك محل استغراب من المشركين، حتى رد عليهم الله تعالى بقوله:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾(البقرة)

قال علي: هذا يدلك على الواقع الجاهل الذي نزل فيه القرآن الكريم، والمنهج العلمي الذي جاء به.

قال حذيفة: ما مرادك بالمنهج العلمي في هذا المحل؟

قال علي: المنهج العلمي يقتضي عدم احتقار أي معلومة مهما دقت أو جلت.. فقد يستنتج من تلك المعلومة المحتقرة من الحقائق ما لا يمكن التوصل إليه دونها.

سأضرب لك مثالا يبسط لك هذا..

لقد رأى نيوتن التفاحة تسقط كما رآها الملايين بل الملايير من البشر.. ولكن نيوتن استطاع ان يؤسس من سقوطها معلومات كثيرة لم يؤسسها غيره.. أتدري سر ذلك؟

قال حذيفة: ما سر ذلك؟

قال علي: لقد رآها نيوتن ولم يحتقر ما رآه.. فلذلك فتح الله من علمها الكثير.

قال حذيفة: وهل مثل هذا عالم الحشرات الذي عبر الله عنه بالبعوضة.

قال علي: بل إن الله ذكر ما دون البعوضة..

قال حذيفة: صدقت.. فإن عبارة ﴿ فَمَا فَوْقَهَا ﴾ ـ كما ورد في التفسير ـ تعني ما دونها في الصغر، والحقارة، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح، فيقول السامع: نعم، وهو فوق ذلك، يعني فيما وصفت. وهذا قول الكسائي وأبي عبيدة.

قال علي: إن شئت أن أذكر لك بعض ما في هذا العالم الدقيق من الحقائق والعجائب فعلت.

قال حذيفة: أكون ممنونا إن فعلت ذلك.. فلا يفهم القرآن إلا من أهل الحقائق.

قال علي: هذه عوالم عجيبة، وهي لا تقل في عجبها من عوالم المجرات والأفلاك.. سأضرب لك مثلا عن واحد منها يسمى الفيروس[21]..

فقد ظل هذا الكائن الدقيق يسرح ويمرح, ويتكاثر داخل خلايا الكائنات الحية دون أن يعرفه أحد أو يراه لآلاف السنين.

وقد أحدث العديد من الأمراض الفتاكه للإنسان والحيوان والنبات  والبكتيريا, ومع ذلك لم يمكن التعرف عليه, لأنه إذا كان طول الخلية البكتيرية (1.5) ميكرومتر ( الميكرومتر واحد من ألف من الملمتر), فإن حجم هذا الكائن يعادل (60) نانومتر( النانومتر واحد على ألف من الميكرومتر ), فهو في داخل الخلية البكتيرية الدقيقة كالبذرة الصغيرة في داخل الثمرة الكبيرة, أي لو مثلنا حجم البكتيريا بالبرتقالة الكبيرة فإن حجم هذا الكائن بالنسبة لها كالبذرة الواحدة داخل البرتقالة.

إنه الكائن العجيب الذي ينفذ من مسام أدق المرشحات البكتيرية التي تحتجز البكتيريا من السوائل عند تعقيمها بالترشيح.

ومن عجائب هذا الكائن أنه لايعيش إلا في داخل خلايا الكائنات الحية, حيث يحيا ويتكاثر بصورة مهوله ومفزعة, أما خارج خلايا الكائنات الحية فهو كبلورة الملح أو السكر الميتة أو الماسة العجيبة, ولذلك هو ينتشر في الهواء والماء والأجساد بطريقة سريعة ومفزعة , فقد استطاع أحد أنواع هذا الكائن الحي القضاء على عشرين مليون شخص في شهرين فقط.

وهو الآن يحدث أخطر الأمراض العصرية, واحتار العلماء والباحثون في علاجه , ويعود السبب في ذلك إلى قلة العلم بخصائصه الحيوية, وسرعة تغييره لتركيبه التي تعود إلى بساطة تركيبه إذا ما قورن بالبكتيريا والفطر فخليته تتكون عادة من الجزء الداخلي النووي,  والجزء الغلافي البروتيني, ولذلك يخرجه الباحثون من دائرة التركيب الخلوي المعهود.

ومن خصائص هذا الكائن الحي أنه إجباري التطفل, حيث يحتاج إلى الخلايا الحية لاتمام عملياته الحيوية , وذلك لغياب العضيات الخلوية اللازمة لاتمام العمليات الحيوية في الخلايا الحية, لهذا فهو انتهازي استعماري خطير, يحدث عملية تطهير عرقي حيوي للخلايا التي يستعمرها, حيث يسخر كل امكانات هذه الخلية لمنافعه الشخصية فتنشغل الخلية المستعمرة في تلبية طلبات هذا المستعمر الاستيطاني الخطير.

وأحد هذه الكائنات الدقيقة العجيبة يشبه مركبات الفضاء الحالية، وله قاعدة بزوائد مماثلة لتلك الزوائد التي تهبط بها المركبات الفضائية على سطح القمر,  وله وصلة عليا تحمل رأس مسدس الشكل، وله مثقاب يثقب به جسم الخلية التي يتطفل عليها, ويستخدم الزوائد للهبوط والالتصاق بالخلية , وعنده آلية يخترق بها جدر حصون عائله, ثم يصب جام غضبه ويدخل محتوياته الداخلية إلى جسم العائل، وهنا تحدث عملية انتشار سريعة ورهيبة أشد من انتشار الغزاه في المستعمرة  الضعيفة المنهارة, وتقوم تلك الجزيئات باستغلال خيرات الخلية ومحتوياتها الحيوية ومراكز صنع القرار فيها , ثم يصدر تعليمات خاطئة ومشددة تؤدي إلى تسخير محتويات الخلية المستعمرة لتكوين وحدات من الكائن الغازي, وهنا تنفذ محتويات الخلية المستعمرة, وبعد أن تصبح الخلية المستعمرة قاعاً صفصفا وتستهلك محتوياتها يفجر هذا  الكائن  جدار الخلية وينتشر في الخارج بالملايين في عملية غزو لمستعمرات خلوية أخرى, وهكذا يعيد هذا الكائن المسمى باللاقم البكتيري نفسه, ويعيد انتشاره, ويوسع مستعمراته.

ويتكون هذا الكائن بأشكاله المختلفة من غلاف خارجي يحيط بالمحتوي الجيني الداخلي المكون من DNA  أو RNA والذي يحتوي الجينوم والذي يتكون من المواد الجينية المتجمعة في الخيط الجيني RNA أو جزيء DNA في مجموعات قليلة إذا قورنت بالكائنات الحية الأخرى.

وتتميز هذه الكائنات بأنها متخصصة في طفيلاتها، فالذي يتطفل على نبات معين لايعدي غيره, والذي يتطفل على حيوان معين لايعدوه إلى غيره , وهناك أنواع منها مشتركة بين الانسان والحيوان, والحيوان والحيوان , واخرى خاصة بالنبات أو البكتيريا.

قال حذيفة: صدق الله العظيم.. إن لله من الآيات ما لا يملك الكيان معه إلا السجود.

قال علي: لقد ذكر الله هذه العوالم، فقال، وهو يحثنا على استخدام المنهج العلمي الصحيح:﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ {38} وَمَا لَا تُبْصِرُونَ {39} إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾(الحاقة:38 -40)

العناكب:

أمام محل خاص بالعناكب[22] ، قال حذيفة: لقد ذكر الله تعالى العناكب وذكر بيوتها، فقال:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا  يَعْلَمُونَ ﴾    (العنكبوت:41)

وهذا مثل ضربه الله تعالى لكل من اتخذ من دون الله وليًا معتمدًا، يلجأ إليه، ويحتمي بحماه، وهو لا يجلب له نفعًا، ولا يدفع عنه ضرًّا، شبَّه فيه حاله هذه بحال العنكبوت اتخذت بيتًا؛ لتحتمي به من الأهوال والأخطار، وتأوي إليه، معتمدة على خيوطها القوية، وهي لا تدري أن هذا البيت لا يقي حرًّا، ولا بردًا، ولا يجير آويًا، ولا يريح ثاويًا.

فهؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء، هم وأولياؤهم مثل.. والعنكبوت وبيتها، الذي اتخذته من دون البيوت مثل آخر، وبين المثلين وجه شبه، دلت عليه كاف التشبيه، وهو ضعف المعتمد.

قال علي: في تمثيل الذين اتخذوا من دون الله أولياء بالعنكبوت، وتمثيل أوليائهم ببيت العنكبوت تشبيه بليغ؛ إذ أن العنكبوت إنما تتخذ بيتها من خيوط رفيعة، تفرزه من غدد خاصة بذلك، وتوزعه مغازلها الصغيرة، فإذا لامس الهواء، تماسك وتصلَّب في صورة خيوط برَّاقة.

وهؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أولياء؛ إنما أقاموا معتقدهم الفاسد، الذي يعتقدونه، ويلتمسون الطمأنينينة والأمن في ظله؛ إنما أقاموه من تلك الأبخرة العفنة، التي تتصاعد من مشاعرهم، فتتشكل منها تلك الأوهام الخادعة، ويقوم عليها ذلك البناء المتداعي.

بالإضافة إلى هذا فإن هناك حقائق علمية تختزنها هذه الآية:

أولها أن القرآن الكريم ذكر العنكبوت الأنثى فقد قال:﴿ اتَّخَذَتْ بَيْتاً﴾ ، وفي ذلك إشارة إلى حقيقة علمية مفادها: أن أنثى العنكبوت هي التي تحمل في جسدها غدد إفراز المادة الحريرية، هي التي تنسج البيت، وليس الذكر، وهي حقيقة علمية، لم تكن معلومة أيام نزول القرآن[23].

ومثل إسناد اتخاذ بيت العنكبوت إلى الأنثى دون الذكر إسناد اتِّخاذ بيت النحل إلى الأنثى؛ كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله:﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾(النحل:68).

 فالخطاب في هذه الآية الكريمة موجه للأنثى دون الذكر، وهي النحلة الشغالة، التي تجمع الرحيق، وتصنعه عسلاً، بدليل قوله تعالى عقب ذلك:﴿ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ﴾(النحل:69). أما ذكور النحل فيوجد منهاعدد قليل، يلقح أحدها الملكة قبل أن تضع البيض، ثم يموت.

قال حذيفة: لقد قال تعالى:﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾فأخبر أن بيت العنكبوت هو أوهن  البيوت على الإطلاق. وهو جملة استئنافية خبرية، جيء بها لبيان صفة العنكبوت، التي يدور عليها أمر التشبيه. ثم قيد الجملة بالعبارة الشرطية﴿ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾.

وهذه الآية لا تزال تحيرني، فالقرآن الكريم قد أخبر أن أوهن البيوت على الإطلاق هو بيت العنكبوت، ثم قيَّد هذا الخبر بقوله تعالى:﴿ لَوْ كَانُوا  يَعْلَمُونَ ﴾.

والعلم الحديث قد أثبت أن بيت العنكبوت منسوج من أقوى الخيوط، التي تستطيع مقاومة الرياح العاتية، ويمسك في نسجه فرائس العنكبوت، من الحشرات، التي هي أكبر من العنكبوت دون أن يتخرَّق. وخيوطه دقيقة جدًا،‏ يبلغ سمك الخيط الواحد منها في المتوسط واحدًا من المليون من البوصة المربعة‏,‏ أو جزءًا من أربعة آلاف جزء من سمك الشعرة العادية في رأس الإنسان،‏ ويتمدد إلى خمسة أضعاف طوله قبل أن ينقطع. وهو أقوى من الفولاذ المعدني العادي بعشرين مرة، ومن الألمنيوم بتسع وعشرين مرة،ولا يفوقه قوة سوى الكوارتز المصهور، وتبلغ قوة احتماله ثلاثمائة ألف رطل للبوصة المربعة.

فإذا قُدِّر وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت، فيُمْكِنه حَمل طائرة ركاب كبيرة بكل سهولة. ولذلك أطلق عليه العلماء اسم:( الفولاذ الحيوي )، أو( الفولاذ البيولوجي )، أو( البيوصلب ). وهذه ‏الحقيقة يستطيع الإنسان أن يكتشفها بنفسه؛ حيث يمكنه بسهولة إزاحة بيت العنكبوت بسبب وزنه ‏الخفيف، ولكن يصعب عليه قطعه، أو تغيير شكله الهندسي الدقيق!

قال علي: إن هذا يستدعي البحث عن سر كون بيت العنكبوت أوهن البيوت على الإطلاق، مع أنه منسوج من أقوى الخيوط على الإطلاق، وأكثرها مرونة؟ وكيف يجتمع في منشأة واحدة الحد الأدنى ‏من الوهن، والحد الأقصى من القوة والمرونة!؟

فالآية لم تقل (إن أوهن الخيوط لخيط العنكبوت )، وإنما قالت:﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾، وهي إشارة دقيقة، لا تخفى إلا على الجاهلين من أولئك الحاقدين، الذين اتهموا القرآن الكريم بالخطأ، وطعنوا في إعجازه.

فالوهن الذي أخبر عنه القرآن الكريم ليس في خيط العنكبوت؛ وإنما هو في البيت، الذي نسج من ذلك الخيط.

فالعجيب أن من هذه الخيوط‏(‏ القوية‏ )‏ تصنع بيوت العنكبوت‏(‏ الضعيفة‏ )‏ الواهية والواهنة‏.‏ وإلى هذا يشير قوله تعالى:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

فهي تذكر أن من يتوكل على غير الله‏,‏ طالبًا المناصرة والمؤازرة‏,‏ فإنه بذلك يختار، ويتخذ منهجًا واهيًا، وليس قويًّا‏؛‏ كما قد يتصور‏,‏ فالعنكبوت مثلاً تنسج بيتها بنفسها‏,‏ وتعتمد بالطبع على خيوطها‏‏ القوية، وتتصور أنها بذلك قد صنعت بيتًا قويًّا‏؛‏ ولكنه في الحقيقة واهن وضعيف في الهواء‏.‏ فكذلك هو الحال مع من يولي أمره لغير الله‏,‏ ويتصور أن هؤلاء الأولياء بمجموعهم قد ينفعونه‏.‏ فهذا المنهج واهن‏.‏

والعبرة والعظة والإعجاز في هذا التشبيه القرآني نتلمسه في ضوء ما توصل إليه العلماء‏,‏ فبيت العنكبوت بخيوطه القوية‏,‏ يسهل إطاحته‏؛ ولكن إذا استعملت تلك الخيوط العنكبوتية في ظروف أخرى,‏ وبمنهج آخر‏,‏ فإنها تكون نسيجًا قويًّا جدًّا‏,‏ وشديدًا في متانته، ويصلح لصد الرصاص‏.

وللتوضيح‏,‏ فالجرافيت والألماس‏,‏ كلاهما من الكربون‏,‏ وعلى الرغم من ذلك فلهما خواص فيزيائية وشكلية متضادة تمامًا،‏ فالأول‏,‏ أسود ولين ومعتم وضعيف، ويسهل كسره‏... أما الثاني فهو شفاف ونقي، ومن أصلد وأقوى المعادن‏.‏

والأول يتحول للثاني تحت ظروف قاسية من الضغط والحرارة‏،‏ وإذا تغيرت الظروف حوله.

أما وهن بيت العنكبوت من الناحية المادية، فلأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية غاية في الدقة تتشابك‏‏ مع بعضها البعض تاركة مسافاتٍ بيْنِيَّة كبيرة في أغلب الأحيان‏؛ ولذلك فهو لا يقي حرًّ‏,‏ ولا بردًا‏,‏ ولا يحدث ظلاً كافيًا‏,‏ ولا يقي من مطر هاطل‏,‏ ولا من رياح عاصفة‏,‏ ولا من أخطار المهاجمين‏.‏

ولهذا يغزل العنكبوت خيطًا من الحرير يُسمَّى: خيط الجذب، وخيط الحياة؛ وذلك لأنه يستعمله- غالبًا- في الهروب من الأعداء، فإذا أحس العنكبوت بخطر، يهدد نسيجه، فإنه يهرب من النسيج بوساطة خيط الجذب؛ ليختبئ بين الأعشاب، أو يبقى متعلقًا به في الهواء، حتى يزول الخطر، ثم يعود مرة أخرى إلى نسيجه عبر خيط الجذب.

ومن أخصِّ خصائص البيت وأوصافه أنه مأوى لصاحبه، يقيه من البرد والحر، ويحميه من أذى الكائنات، التي هي أقوى منه، وهذا كله لا يتوفر في بيت العنكبوت على الرغم من الإعجاز في بنائه.

وأما وهنه من الناحية المعنوية فلأنه بيت محروم من معاني السكن والمودة والرحمة، التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد‏.‏

ولهذا عبَّر القرآن الكريم عنه بالبيت، لا بالمسكن؛ وذلك خلافًا لبيت النمل، الذي عبَّر عنه بالمسكن؛ كما في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾(النمل:18).

وإنما سمِّيَ مسكنًا؛ لأنه سكن لصاحبه، وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله:﴿ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً ﴾(النحل:80)، ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾(الروم:21).

وقد ثبت أن بيت العنكبوت لا يجير آويًا، ولا يريح ثاويًا؛ لأنه بيت لا طمأنينة فيه، لا لأصحابه، ولا لزواره؛ لأنه بيت لم يعَدَّ في الأصل للسكن؛ وإنما أُعدَِّ ليكون مصيدة، يقع في حبائله اللزجة كل من فكر بزيارته من الحشرات الطائرة المخدوعة.

وقد جاء في الموسوعة العربية العالمية:( وتقبع بعض أنواع العناكب غازلة النسيج الدائري في وسط النسيج، مترقبة لفرائسها، بينما تلصق أنواع أخرى خيطًا إشاريًّا وسط النسيج. ويختبىء العنكبوت في عشه قرب النسيج، ممسكًا بالخيط الإشاري. وعندما تسقط حشرة في النسيج، يهتز الخيط الإشاري منبهًا العنكبوت، الذي يندفع إلى خارج عشه بسرعة كبيرة، للإمساك بالحشرة. وتنسج تلك العناكب نسيجًا دائريًا كل ليلة، يستغرق بناؤه ما يقرب من ساعة، وتأكل النسيج القديم للمحافظة على الحرير. بينما تصلح أنواع أخرى من تلك العناكب، أو تغير أي جزء تالف من نسيجها )

بالإضافة إلى هذا.. فليس في بيت العناكب أي أمن، فالعنكبوت يأكل بعضه البعض. إذا ما وضعت عنكبوتين في قفص، فسيأكل واحد منهما الآخر.

وقد قال الدكتور جفري تيرنر رئيس شركة نكسيا للتكنولوجيا الحيوية:( إن الناس بدؤوا يتساءلون عن إمكانية إنتاج المادة البروتينية تمامًا؛ كما يتم مع دودة القز لإنتاج الحرير. لكن المشكلة هي أن العناكب من الحشرات، التي يصعب السيطرة عليها، وأقلمتها على الاستزراع، وهي حشرات فردية وعدوانية )

ويضيف قائلاً:( عندما تضع عشرة آلاف منها في حجرة واحدة، ستجد بعد فترة أن واحدًا قبيحًا قويًّا منها هو الذي يبقي، ويموت الكل من شدة المنافسة والصراع فيما بينها )

فهذا هو بيت العنكبوت، يبدو لمن تأمله أنه أوهن البيوت؛ كما وصفه القرآن الكريم. بيت يفتقد العلاقات الأسرية، والعاطفية الحميمة، ويقوم على المصالح والمنافع المادية الدنيوية المؤقتة. فإذا انتفت المصالح, وانتهت المنافع, انقلب إلى مذبحة، وخيم عليه الخوف والتربص والقتل. وحتى بالمقارنة مع عالم الحشرات يعد بيت العنكبوت أوهن ‏البيوت من الناحية الأسرية، وأكثرها أنانية وشراسة.

 الفراش:

اقترب علي مع صديقه حذيفة من محل مخصص لأنواع الفراشات[24]، فقال حذيفة: لقد ذكر الله تعالى الفراش في القرآن الكريم، فقال تعالى:﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) (القارعة:4) ، فقد شبه الله تعالى حركة الناس يوم القيامة في ارتباكهم كالفراش المنتشر.

قال علي: وفيها كذلك إشارة إلى التأمل في عالم الفراشاتن فكل ما في القرآن الكريم حقائق ينبغي التعامل مع كل وجوهها.

قال حذيفة: فحدثني عن عجائب الفراشات.. كما حدثتني عن عجائب غيرها.

قال علي: إذن لن نخرج من هنا..

قال حذيفة: فحدثني عن بعضها.

قال علي: لو كان لدينا 450-500 بيضة ،وهذه البيوض نريد الاحتفاظ بها في الخارج وحماية البيوض من الرياح التي تبعثرها هنا وهناك ماذا يمكن أن نفعل وكيف نتخذ الاحتياطيات اللازمة لذلك؟

قال حذيفة: أهناك من يضع كل هذا العدد من البيوض؟

قال علي: أجل.. ومنها حشرة الحرير.

قال حذيفة: فماذا تفعل حتى تحافظ على بيوضها؟

قال علي: للمحافظة على البويضات تقوم بهذا التدبير المنطقي، وهو ربط البويضات بعضها ببعض بواسطة مادة خيطية لاصقة تقوم بإفرازها، وبهذا تمنع تناثر البيوض في الأطراف.

وبعد خروج هذه اليسروعات تقوم بربط نفسها على غصون شجرة ملائمة لها بواسطة الخيوط التي تفرزها.

ومن أجل نموها تقوم بإفرازات خيطية لحياكة الشرنقة، فهذه اليسروعات في خلال 3-4 أيام تقوم بهذه الأعمال كلها.

وفي خلال هذه المدة تبدأ بالالتفاف الآف المرات حول نفسها ونتيجة لذلك تنتج ما يقارب 900-1500 متر من الخيوط، وبعد أن تنتهي من هذا العمل، وبدون أن ترتاح تقوم بعملية التغيير من دودة داخل شرنقة إلى حشرة كاملة (الفراشة).

إن هذا الفعل يشبه طفلا ولد حديثا، وبعد مرور عدد ساعات من الولادة يقف الطفل على رجليه، ويقوم بجميع ما يحتاجه لصنع فراش للنوم (الغطاء، الوسادة، زربية) وبعد إتمامه ينام عليه.

قال حذيفة: إن هذا لعجيب حقا.

قال علي: فسبح ربك الذي خلق هذا..

النمل:

سار علي وحذيفة إلى محل خصص للنمل وأنواعه، فقال حذيفة: لقد ذكر الله تعالى النمل، فقال:﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:18)

 قال علي: في هذه الآية إشارة علمية لم تكن معروفة في الزمن الذي نزل فيه القرآن الكريم، فقد ذكر الله تعالى أن النملة لدى تعرضها لأي ضغط تتحطم، كما قال تعالى على لسان النملة ﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾

قال حذيفة: أنا لا أزال تعجب من ذلك، وأحتار في استعمال القرآن الكريم هذه الكلمة.

قال علي: إن كلمة (يَحْطِمَنَّكُمْ) دقيقة جداً من الناحية العلمية، ولم يكن ـ في زمن نزول القرآن ـ لأحد قدرة على دراسة تركيب جسم النملة أو معرفة أي معلومات عنه.

ولكن وبعد دراسات كثيرة تأكد العلماء أن للنمل هيكلا عظميا خارجيا صلبا جداً يسمى exoskeleton ، وقد اكتشف العلماء أن جسم النملة مغلف بغلاف صلب جداً قابل للتحطم، أي ليس له مرونة تجعله ينحني مثلاً، بل يتكسر كالزجاج، ولذلك جاء البيان الإلهي ليتحدث عن هذه الحقيقة بكلمة (يحطمنكم)

قال حذيفة: لقد ورد في هذه الآيات ما يشير إلى التنظيم الواعي الذي يتمتع به عالم النمل، فقد ذكرت النملة أن لكل نملة مسكنها الخاص، وأن ذلك المسكن يحميها من الخطر، وأن خروجهم كان مضبوطا ضبطا معينا، وفوق ذلك أثبتت طاعة النمل لبعضه البعض، فلولا يقين النملة بطاعة الباقين لها ما نصحتهم تلك النصيحة.

قال علي: حذيفة صدق القرآن الكريم.. لقد صور العلم الحديث[25] من مجتمعات النمل ما يدل على كل ما ذكرته الآية الكريمة.

بل إن وعي النمل يمتد إلى درجة التخطيط للمشاريع الكبرى، فقد نصت الاكتشافات على أنه من مظاهر مجتمع النمل قيامه بمشروعات جماعية مثل إقامة الطرق الطويلة في مثابرة وأناة، حيث تحرص مجموعاته المختلفة على الالتقاء في صعيد واحد من آن لآخر، ولا تكتفي هذه المجموعات بالعمل نهاراً، بل تواصله ليلاً في الليالي القمرية، مع لزوم مستعمراتها في الليالي المظلمة.

و لأعضاء مجتمع النمل طرق مختلفة متميزة في جمع المواد الغذائية وتخزينها والمحافظة عليها، فإذا لم تستطيع النملة حمل ما جمعته في فمها كعادتها لكبر حجمه، حركته بأرجلها الخلفية ورفعه بذراعيها.

ومن عاداتها الناشئة من معارفها أن تقضم البذور قبل تخزينها حتى لا تعود إلى الإنبات مرة أخرى، وتجزيء البذور الكبيرة كي يسهل عليها إدخالها في مستودعاتها، وإذا ما ابتلت بفعل المطر أخرجتها إلى الهواء والشمس لتحف.

و يضيف العلم الحديث حقائق مذهلة عن أبقار النمل وزراعتها، فقد ذكر أحد علماء التاريخ الطبيعي (وهو رويال ديكنسون ) في كتابه ( شخصية الحشرات ) أنه ظل يدرس مدينة النمل حوالي عشرين عاماً في بقاع مختلفة من العالم فوجد نظاماً لا يمكن أن نراه في مدن البشر، وراقبه وهو يرعى أبقاره، وهي عبارة عن خنافس صغيرة رباها النمل في جوف الأرض زماناً طويلاً حتى فقدت في الظلام بصرها.

بل إن أمة النمل ـ شأنها شأن أمة الإنسان ـ قد سخرت مئات الأجناس من حيوانات أدنى منها جنساً في مصالحها، ومنها (بق النبات)، وهو حشرة صغيرة تعيش على النبات ويصعب استئصالها، لأن أجناسها كثيرة من النمل ترعاها، ولأن داخل المستعمرة لا يمكن أن تعيش النباتات، فإن النمل يرسل الرسل لتجمع له بيض هذا البق حيث تعنى به وترعاه حتى يفقس وتخرج صغاره، ومتى كبرت تدر سائلاً حلوا كالعسل يقوم على حلبه جماعة من النمل لا عمل لها إلا حلب هذه الحشرات بمسها بقرونها، وتنتج هذه الحشرة 48 قطرة من العسل كل يوم، وهذا ما يزيد مائة ضعف عما تنتجه البقرة إذا قارنا حجم الحشرة بحجم البقرة.

بل إن هذا العالم وجد أن النمل زرع مساحة بلغت خمسة عشر متراً مربعاً من الأرض حيث قامت جماعة من النمل بحرثها على أحسن ما يقضى به علم الزراعة، فبعضها زرع الأرز، وجماعة أزالت الأعشاب، وغيرها قامت لحراسة الزراعة من الديدان.

ولما بلغت عيدان الأرز نموها كان يرى صفاً من شغالة النمل لا ينقطع، يتجه إلى العيدان فيتسلقها إلى خب الأرز، فتنزع كل شغالة من النمل حبة، وتنزل بها سريعة إلى مخازن تحت الأرض  الصورة.

و قد طلى العالم أفراد النمل بالألوان، فوجد أن الفريق الواحد من النمل يذهب دائما إلى العود الواحد حتى يفرغ ما عليه من الأرز، ولما فرغ الحصاد هطل المطر أياماً وما إن انقطع حتى أسرع العالم إلى مزرعة النمل ليتعرف أحواله فوجد البيوت تحت الأرض مزدحمة بالعمل.

ووجد النملة تخرج من عشها تحمل حبة الأرز، وتذهب إلى العراء في جانب مائل من الأرض معرض للشمس، وتضع حبتها لتجف من ماء المطر، وما إن انتصف النهار حتى كان الأرز قد جف وعاد الشغالة به إلى مخازنه تحت الأرض.

وللنمل ـ مثل الإنسان ـ مشاريعه العمرانية الضخمة ـ وقد ذكر أحد علماء الحشرات أنه رأى مدينة هائلة للنمل في بنسلفانيا بلغت مساحتها خمسين فداناً، وكانت مكونة من ألف وستمائة عش ارتفاع معظمها قرابة ثلاثة أقدام، ومحيطها اثنا عشر قدما عند القاعدة، وهذا يعني أن حجم الهرم الأكبر.

والنظام المعماري في أعشاش النمل متنوع طبقاً لتنوع أجسامه وعاداته، ويحصى العلماء منها أربعة طرز أو خمسة طرز رئيسية، والسائد  هو الطرز الأفقية ذو التعاريج الكثيرة والدهاليز التي لا تنتهي والغالبية العظمى في أعشاش النمل توجد تحت الأرض، ويحتوي العش عادة على عدة طوابق، وربما يصل إلى عشرين طابقاً في جزئه الأعلى الصورة، وعلى عدد مماثل من الطوابق تحت سطح الأرض، ولكل طابق غرضه الخاص الذي تحدده أساسا درجة الحرارة، فالجزء الأكثر دفئاً في العش يحتفظ به خصيصاً لتربية الصغار.

والنمل أنواع كثيرة[26] كل منها قد يكون جنسا خاصا، مثل أجناس أمة البشر، ومنها نوع من النمل يسمى (أتا) إذا حفرت في مستعمرتها على عمق أكثر من متر وجدت في حجرة خاصة كتلا متبلورة بنية اللون من مادة شبيهة بالإسفنج هي في حقيقتها عبارة عن أوراق متحللة لنوع معين من النبات يسمى (الكيريزويت) إذا دققت فيها النظر وجدت خيوطاً بيضاء رائعة من فطر (عش الغراب) الذي يعتبر الطعام الوحيد لهذا النوع من النمل الذي يعيش غالبيته في المناطق المدارية.

و لضمان العناية الفائقة لهذا  الغذاء الحيوي توجد بصفة مستمرة في حجرة الزراعة مجموعة من الشغالات تستقبل أوراق شجرة (الكريزونت) وتنظفها باعتناء، ثم تمضغها فتحيلها إلى عجينة مبللة باللعاب وتكورها على شكل كريات صغيرة لتضيفها إلى الحافة الخارجية للمزرعة بحيث تزداد مساحتها مع تقد الزمن.

ويذكر يقول العالم (جوزيف وودكراتش) أن عمالا آخرين يقومون في نفس الوقت بالاحتفاظ بفطريات عش الغراب الناضجة.

هذا بالإضافة إلى المجهود الخارق الذي تبذله فرقة ثالثة من الشغالة في تسلق شجرة (الكريزويت) ذات الخمسة أمتار طولاً لتنزع أوراقها وتحملها إلى الأرض، ثم إلى العش حيث تسلمها إلى أفراد الفرقة الأولى.

قال حذيفة: إن عالم النمل يستحق الاحترام حقا.

قال علي: ولذلك ورد النهي عن قتل النمل.. وقد رأى النبي r قرية نمل قد حرقت، فقال: من حرق هذه؟ قال الصحابة y: نحن، قال:( إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)[27] 

وورد في الحديث أن النبي r:( نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد )[28] 

وقد سار الصالحون y على ضوء هذا الهدي، فكانوا يحترمون عالم النمل ـ الذي يمثل عالم الحشرات ـ فكان الشيخ أبو علي الخواص ـ كما يحكي تلميذه عبد الوهاب الشعراني ـ يتفقد النمل الذي في شقوق الدار، ويضع له الدقيق ولباب الخبز على باب جحره، ويقول بكل رحمة ولطف:( يمنعهم من الانتشار لأجل القوت، فإن النملة إذا جاعت خرجت تطلب رزقها ضرورة، وعرضت نفسها لوقوع حافر أو قدم عليها فتموت أو تنكسر رجلها، فإذا وجدت ما تأكل على باب جحرها استغنت عن الخروج)

وكان يقول ـ كما يذكر عنه ـ:( لا ينبغي لفقير أن يجعل للنمل الطائف على رزقه مانعا يحول بينه وبينه من قطران ونحوه إلا بعد أن يخرج له نصيبا معلوما من ذلك ويضعه له على باب جحره )

وكان الإمام بديع النورسي يحترم عالم النمل احتراما شديدا، وهذه قصة يذكرها بعض تلاميذه كمظهر من مظاهر احترامه لهذا العالم، والتي يتجلى من خلالها سمو السلوك الإسلامي مع الكائنات.

يقول هذا التلميذ:( بدأ الجو يبرد شيئاً فشيئاً حيث الشتاء مقبل ونحن لازلنا على جبل أرك، كنا نتوقع هطول أمطار غزيرة وتساقط الثلوج بكثرة، وكان المكان الذي نبقى فيه هو على شكل ربوة أو مرتفع صغير، فأراد الأستاذ أن نبني غرفة، فبدأنا ببناء الغرفة على هذا المرتفع، وعندما حفرنا الأساس وجدنا مملكة للنمل، ولما رأى الأستاذ النمل أمرنا بالتوقف، فسألناه عن السبب، قال:( هل يجوز بناء بيت بهدم بيت آخر؟ لا تخربوا بيوت هذه الحيوانات.. احفروا في مكان آخر غيره )

قال: فبدأنا نحفر في مكان آخر فوجدنا مملكة أخرى أيضاً للنمل، وحفرنا ثالثة فوجدنا نفس الشئ. وهكذا تكررت العملية ثلاث مرات، فسألني أحد الطلاب الذي كان يساعدني في هذا العمل: هل سيستمر الأمر هكذا؟ علينا أن نحفر في مكان ما فإذا ظهر النمل واريناه التراب لئلا يراه الأستاذ ومن بعد ذلك نستمر بالحفر، وإلا فسوف نظل إلى العشاء ولما نقم بشئ، فليس في هذه المنطقة شبر الا وفيها مملكة للنمل.

قال: وعلى كل حال بنينا غرفة صغيرة للأستاذ هناك، فكان الأستاذ كلما يرى النمل ويشاهد مملكته في الغرفة يقدم له البرغل والسكر وفتات الخبز، فسألناه عن سبب تقديمه السكر للنمل فأجابنا ضاحكاً:(  فليكن السكر شاياً لهم )[29]

قال حذيفة: فقد ذكر الله كلام النملة.. فهل في العلوم التي توصل إليها البشر ما يثبت هذا، أو يقترب منه؟

قال علي: أجل.. لقد أثبت العلماء أن النمل يتكلم بلغته الخاصة، ومما اكتشفه العلم من لغة النمل ـ وهو ما يتفق مع لغات حيوانات أخرى ـ إصدار روائح معينة لها دلالتها التي يفهمها سائر النمل.

وقد نص العلم الحديث على أن النمل يتميز برائحة خاصة تدل على العش الذي ينتمي إليه، والوظيفة التي  تؤديها كل نملة في هذا العش، وحينما تلتقي نملتان فإنهما تستخدمان قرون الاستشعار، وهي الأعضاء الخاصة بالشم، لتعرف الواحدة الأخرى.

وقد وجد أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرة لا تنتمي إليها، فإن النمل في هذه المستعمرة يتعرفها من طريق رائحتها ويعدها عدواً، ثم يبدأ في الهجوم عليها

ومن الطريف أنه في إحدى التجارب المعملية وجد أن إزالة الرائحة الخاصة ببعض النمل التابع لعشيرة معينة ثم إضافة رائحة رائحة خاصة بنوع آخر عدو له، أدى إلى مهاجمته بأفراد من عشيرته نفسها.

وفي تجربة أخرى عمد إلى غمس نملة برائحة نملة ميتة، ثم أعيدت إلى عشها، فلوحظ أن أقرانها يخرجونها من العش لكونها ميتة، وفي كل مرة تحاول فيها العودة يتم إخراجها ثانية على الرغم من أنها حية تتحرك وتقاوم، وحينما تمت إزالة رائحة الموت فقط تم السماح لهذه النملة بالبقاء في العش.

وحينما تعثر النملة الكشافة على مصدر للطعام فإنها تقوم على الفور بإفراز (الفرمون) اللازم من الغدد الموجودة في بطنها لتعليم المكان، ثم ترجع إلى العش، وفي طريق عودتها لا تنسى تعليم الطريق حتى يتعقبها زملاؤها، وفي الوقت نفسه يصيفون مزيداً من الإفراز لتسهيل الطريق أكثر فأكثر.

و من العجيب أن النمل يقلل الإفراز عندما يتضاءل مصدر الطعام، ويرسل عددا أقل من الأفراد إلى مصدر الطعام، وحينما ينضب هذا المصدر تماماً فإن آخر نملة، وهي عائدة إلى العش لا تترك أثراً على الإطلاق.

و هناك العديد من التجارب التي يمكن إجراؤها عل دروب النمل هذه، فإذا أزلت جزءاً من هذا الأثر بفرشاة مثلاً، فإن النمل يبحث في المكان وقد أصابه الارتباك حتى يهتدي إلى الأثر ثانية، وإذا وضعت قطعة من الورق بين العش ومصدر الطعام فإن النمل يمشي فوقها واضعاً أثراً كيماوياً  فوقها، ولكن لفترة قصيرة، حيث إنه إذا لم يكن هناك طعام عند نهاية الأثر، فإن النمل يترك هذا الأثر، ويبدأ في البحث عن طعام من جديد.

ويذكر اللورد (أفبري) أنه طالما أراد أن يمتحن عقل النمل، والوقوف على طريقة التفاهم بين أفراده، فمما فعله في هذا السبيل، أنه وجد يوما نملة خارجة وحدها من جحرها، فأخذ ذبابة ولصقها على فلينة بدبوس، وألقاها في طريق النملة، فما إن عثرت عليها حتى أخذت تعالجها بفمها وأرجلها مدة تزيد على العشرين دقيقة، تيقنت بعدها عجزها عنها، فعادت أدراجها إلى جحرها، وبعد ثوان معدودة خرجت النملة تتقدم نحوا من اثنتي عسرة نملة من أخواتها، وانتهت بها إلى الذبابة التي وقع عليها النمل، فأخذ يمزقها تمزيقاً، ثم عاد النمل إلى جحره وكل منها تحمل جزءاً من الذبابة.. فالنملة الأولى قد رجعت إلى زميلاتها ولم يكن معها شيء قط، فكيف تم لها أن تخبر باقي النمل بأنها وجدت طعاماً سائغاً، وفريسة شهية ما لم يكن تم ذلك بلغة خاصة.

ويتكلم نمل الشجر في المناطق الاستوائية بلغة عجيبة، إذ يصعد إلى الشجرة ويدق دقات غير منتظمة، تقارب إشارات مورس التلغرافية، ويبلغ من قوتها أن تسمع من بعيد[30].

قال حذيفة: لقد ذكر الله كلام النملة المؤنثة، وتنبيهها الباقي إلى الخطر المحدق بهم، فهل في العلم ما يدل على سر هذا التخصيص؟

قال علي: أجل.. وهذا من الحقائق العلمية المؤكدة والتي لم يكن لأحد علم بها زمن نزول القرآن، فقد أثبت العلم أن النملات المؤنثة هي التي تتولى الدفاع عن المستعمرة وحمايتها من أي خطر مفاجئ، وذلك بإصدار إشارات لبقية أفراد المستعمرة ليتنبهوا إلى الخطر القادم.

الذباب:

 سار علي وحذيفة إلى محل خصص للذباب وأنواعه، فقال حذيفة: لقد ذكر الله تعالى الذباب في القرآن الكريم، فقال:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ (الحج:73).

فقد ضرب الله تعالى في هذه الآية مثلاً للذين كفروا، وهو أن ما يعبدون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإذا سلبهم الذباب شيئاً لا يستطيعون أن يسترجعوه منه.

قال علي: صدق الله العظيم [31].. لقد قام العلماء بتعريض أعداد كبيرة من ذبابة الفاكهة إلى العديد من أنواع الإشعاعات والمواد الكيماوية والحرارة الشديدة لإحداث طفرات عليها وتغير نوعها فلم يحصلوا إلا على ذبابات مشوهة وعقيمة وفاقدة لبعض أعضائها، ولم يحصلوا على أي تغيير مفيد لهذا الكائن الحي.

فإذا لم يستطيعوا تغيير ما هو موجود، فكيف يستطيعون إيجاد ما هو مفقود.

قال حذيفة: فحدثني عن بعض ما توصل إليه العلم من أسرار تخصيص عالم الذباب بهذا [32].

قال علي: لقد كشف العلم الحديث العديد من الخصائص التي يتمتع بها الذباب عن غيره من الحشرات فمثلاً يمكن أن تسير الذبابة بسهولة على الأسطح المائلة أو تقف ثابتة على السقف لمدة ساعات، فأقدامها مجهزة للوقوف على الزجاج والجدران والسقوف، وإذا لم تكن كلاباتها كافية، فإن الوسائد الماصة الموجودة على أقدامها تؤمن وقوفاً مناسباً على السطح، وتزداد قوة هذه الوسائد بإفراز سائل خاص، وتستخدم ذبابة المنزل (الشفة) من الجزء الفموي لتذوق الطعام قبل تناوله.

وتعتبر ذبابة المنزل ظاهرة على درجة كبيرة من التعقيد في البداية، حيث تقوم الذبابة بمعاينة الأعضاء التي ستستخدمها في الطيران، ثم تأخذ وضعية التأهب للطيران، وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن في الجهة الأمامية، وأخيراً تقوم بحساب زاوية الإقلاع معتمدة على اتجاه الريح وسرعة الضوء التي تحددها بواسطة حساسات موجودة على قرون الاستشعار ثم تطير ، إلا أن هذه العمليات مجتمعة لا تستغرق أكثر من 1/100من الثانية، فهذه الذبابة قادرة على زيادة سرعتها حتى تصل إلى 10كم /سا.

لهذا السبب يطلق على الذبابة (سيدة الطيران البهلواني) كاسم محبب، فيه تسلك أثناء طيرانها مساراً متعرجاً في الهواء بطريقة خارقة، كما يمكنها الإقلاع عمودياً من المكان الذي تقف فيه، وأن تحط بنجاح على أي سطح بغض النظر عن انحداره أو عدم ملائمته.

ومن الخصائص الأخرى التي تتمتع بها هذه الحشرة السحرية وقوفها على الأسقف، فحسب قانون الجاذبية يجب أن تقع إلى الأسفل، إلا أنها خلقت بنظام خاص يقلب المستحيل معقولاً.

ويوجد على رؤوس أقدامها وسادات شافطة تفرز هذه الوسادات سائلاً لزجاً عندما تلامس السقف، وتقوم الحشرة بمد سيقانها باتجاه السقف عندما تقترب منه، وما إن تشعر بملامسته حتى تستدير وتمسك بسطحه، وتحمل ذبابة المنزل جناحين يخرج نصف كل منهما من الجسم ويحملان غشاءً رقيقاً جداً يندمج مع الجناح، ويمكن أن يعمل كل من هذين الجناحين بشكل منفصل عن الآخر، ومع ذلك فهما يتحركان عند الطيران إلى الأمام والخلف على محور واحد كما هي الحال في الطائرات ذات الجناح الأوحد، وتتقلص العضلات المسؤولة عن حركة الأجنحة.

وتتكون عين ذبابة المنزل من 6000 بنية عينية سداسية يطلق عليها اسم (العوينات)، تأخذ كل من هذه العوينات منحى مختلفاً بحيث يمكن أن ترى الذبابة كل ما حولها من جميع الجهات، أي أنها يمكن أن تشعر بكل شيء في حقل رؤيا زاويته 360 درجة، وتتصل ثمانية أعصاب مستقبلية للضوء بكل واحدة من هذه العوينات، وبهذا يكون مجموع الخلايا الحساسة في العين حوالي 48000 خلية يمكنها أن تعالج 100صورة في الثانية.

وتستمد الذبابة مهارتها الفائقة في الطيران من التصميم المثالي للأجنحة، حيث تغطي النهايات السطحية والأوردة الموجودة على الأجنحة شعيرات حساسة جداً مما يسهل على الحشرة تحديد اتجاه الهواء والضغوط الميكانيكية عند القلاع وتنبسط عند الهبوط، وعلى الرغم من أنها تقع تحت تحكم الأعصاب في بداية الطيران، إلا أن حركات هذه العضلات مع الجناح تصبح أوتوماتيكية بعد فترة وجيزة.

وتقوم الحساسات الموجودة تحت الأجنحة والرأس بنقل معلومات الطيران إلى الدماغ، فإذا صادفت الحشرة تياراً هوائياً جديداً أثناء طيرانها، تقوم هذه الحساسات بنقل المعلومات الجديدة في الحال إلى الدماغ، وعلى أساسها تبدأ العضلات بتوجيه الأجنحة بالاتجاه الجديد، وبهذه الطريقة تتمكن الذبابة من الكشف عن وجود أي حشرة جديدة بتوليد تيار هوائي إضافي والهرب إلى مكان آمن في الوقت المناسب.

وتحرك الذبابة جناحيها مئات المرات في الثانية، وتكون الطاقة المستهلكة في الطيران أكثر مئة مرة من الطاقة المستهلكة أثناء الراحة، ومن هنا يمكننا أن نعرف أنها مخلوق قوي جداً، لأن الإنسان يمكنه أن يستهلك طاقته القصوى في الأوقات الصعبة ( الطوارئ ) والتي تصل إلى عشرة أضعاف طاقته المستهلكة في أعمال الحياة العادية فقط.. بالإضافة إلى أن الإنسان يمكنه أن يستمر في صرف هذه الطاقة لبضع دقائق فقط كحد أعلى، على عكس الذبابة التي يمكنها أن تستمر على هذه الوتيرة لمدة نصف ساعة، كما يمكنها أن تسافر بهذه الطاقة مسافة ميل وبالسرعة نفسها.

قال حذيفة: فما سر قوله تعالى:﴿ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(الحج: من الآية73)

قال علي: صدق الله العظيم، وقد أثبت العلم الحديث ما تحمله هذه الآية من حقائق العلم، فقد توصل العلماء إلى أنه لو وقف الذباب على قطعة بطيخ مثلاً يبدأ في إفرازاته التي تمكنه من امتصاص أو لعق المواد الكربوهيدراتية وغيرها مما تحتويه البطيخة، وعندئذ تبدأ هذه المواد بالتحلل إلى مواد بسيطة التركيب، وذلك من أجل امتصاصها.

وسر ذلك يعود إلى أن الذباب لا يملك جهازا هضميا معقدا، لذلك يلجأ إلى الهضم الخارجي، وذلك من خلال إفراز عصارات هاضمة على المادة المراد التغذية عليها.

ثم تدخل هذه المواد المهضومة خارج الجسم إلى الأنبوب الهضمي حتى يتم امتصاصها لتسير في الدورة الدموية إلى خلاياه ويتحول جزء منها إلى طاقة تمكنه من الطيران، وجزء آخر إلى خلايا وأنسجة ومكونات عضوية وجزء أخير إلى مخلفات يتخلص منها جسم الذباب، فأين قطعة البطيخ؟ وما السبيل إلى استرجاعها، ومن يستطيع أن يجمع الأجزاء التي تبدوا في طاقة طيران الذباب والأجزاء التي تحولت إلى أنسجة[33].

قال حذيفة: بهذه المناسبةن أنت ترى بعض المشاغبين من قومنا يسخرون من قوله r:( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليلقه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وإنه يتقي بجناحه الذي فيه داء)[34].. فهل قال العلم الحديث في هذا شيئا؟

قال علي: لقد ‏اِكتشف علماء صينيون[35] أنه يوجد في جسم الذبابة نوع من البروتينات النشطة التي تملك قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم المسببة للأمراض فيها.

وقد ذكروا أن هذه الحشرة المقززة للنفس تملك بروتينات قوية قادرة على إبادة الفيروسات والجراثيم التي فيها، بشكل قاطع إذا بلغت كثافتها حداً معيناً، وذكروا أن في جسم الذبابة مادة الدهن وخاصة في اليرقات التي تحتوي على نسبة كبيرة من المغنيزيوم والكالسيوم والفوسفور‏.‏

بل إن العلماء يفكرون في استخراج هذه المواد من جسم الذباب ليكون مصدراً جديداً لمركبات قاتلة للجراثيم‏[36].

وليس هذا الأمر بجديد[37].. فعندي من المراجع القديمة ما يصف وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب [38].

وسأذكر لك بعض المكتشفات في هذا..

لقد لوحظ على جرحى الحرب العالمية من الجنود أن جراحهم أسرع شفاء والتئاماً من الضباط الذين يعنى بهم مزيد عناية في المستشفيات، لأن الجنود يتداوون في الميدان فيتعرضون لوقوع الذباب على جراحاتهم.

ومنذ سنة 1922 نشر الدكتور بيريل بعد دراسة مسهبة لأسباب جائحات الهيضة (كوليرا) في الهند وجود كائنات دقيقة تغزو الجراثيم وتلتهمها، وتدعى: ملتهمات الجراثيم (بكتريوفاج)، وأثبت بيريل أن البكترويوفاج هو العامل الأساسي في إطفاء جوائح الهيضة، وأنه يوجد في براز الناقهين من المرض المذكور، وأن الذباب ينقله من البراز إلى آبار ماء الشرب فيشربه الأهلون، وتبدأ جذوة جائحة الهيضة بالإنطفاء.

كما تأكد عام 1928 حين أطعم الأستاذ بيريل ذباب البيوت فروع جراثيم ممرضة فاختفى أثرها بعد حين، وماتت كلها من جراء وجود ملتهم الجراثيم، شأن الذباب الكبير في مكافحة الأمراض الجرثومية التي قد ينقلها هو بنفسه، وعرف أنه إذا هيئ خلاصة من الذباب في مصل فزيولوجي، فإن هذه الخلاصة تحتوي على ملتهمات أربعة أنواع على الأقل من الجراثيم الممرضة.

والجدير بالذكر أن الأستاذ الألماني بريفلد من جامعة هال وجد أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماه أمبوزاموسكي، وهذا الطفيلي يقضي حياته في الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة…

وقد أيد العلماء المحدثون ما اكتشفه بريفلد، وبينوا خصائص هذا الفطر الذي يعيش على بطن الذبابة.

ففي سنة 1945 أعلن أستاذ الفطريات لانجيرون أن الخلايا التي يعيش فيها هذا الفطر فيها خميرة قوية تذيب أجزاء الحشرة الحاملة للمرض.

وفي سنة 1947 عزل موفيتش مضادات حيوية من مزرعة للفطريات تعيش على جسم الذبابة، ووجدها ذات مفعول قوي على جراثيم غرام سلبي كجراثيم الزحار والتفوئيد.

وفي نفس السنة تمكن العالمان الإنجليزيان آرنشتين وكوك والعالم السويسري روليوس من عزل مادة سموها جافاسين من الفطور التي تعيش على الذباب، وتبين لهم أن هذه المادة مضادة حيوية تقتل جراثيم مختلفة من غرام سلبي وغرام إيجابي.

وفي سنة 1948 تمكن بريان وكورتيس وهيمنغ وجيفيرس من بريطانيا من عزل مضادة حيوية أخرى سموها كلوتيزين من الفطريات نفسها التي تعيش في الذباب، وهي تؤثر في جراثيم غرام سلبي كالتفوئيد والزحار.

وفي سنة 1949تمكن العالمان الإنكليزيان كومسي وفارمر والسويسريون جرمان وروث وإثلنجر وبلانتز من عزل صادة (مضادة حيوية) أخرى من فطر ينتمي إلى فصيلة الفطور التي تعيش في الذباب، سموها أنياتين، ولها أثر شديد في جراثيم غرام سلبي وغرام إيجابي كالتفوئيد والكوليرا والزحار وغيرها.

وقد اكتشف مجموعة علماء ألمان في الجناح الأيسر للذبابة جراثيم غرام سلبي وغرام إيجابي وفي الجناح جراثيم تسمى باكتر يوفاج أي مفترسة الجراثيم وهذه المفترسة للجراثيم الباكتر يوفاج أو عامل الشفاء صغيرة الحجم يقدر طولها بــ 20: 25 ميلي ميكرون فإذا وقعت الذبابة في الطعام أو الشراب وجب أن تغمس فيه كي تخرج تلك الأجسام الضدية، فتبيد الجراثيم وهذه المضادات واسعة الطيف وقوية التأثير وشبيهة بالمضادات الحيوية.

والآن هناك عدد كبير من مزارع الذباب في ألمانيا حيث يتم استخلاصها حيث يتم تحضير بعض الأدوية التي تستعمل كمضاد للجراثيم والتي أثبتت فعالية كبيرة وهي تباع بأسعار مرتفعة في ألمانيا[39].

بالإضافة إلى هذا، فقد تصدت نخبة من علماء البحث العلمي في الجامعات العربية والإسلامية لتفسير هذا الحديث، فقد أجرى مجموعة من باحثي قسم الأحياء بكلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز بجدة وجامعة القاهرة منذ عدة أعوام دراسات جاءت نتائجها في ثلاثة تقارير:

وقد تناول التقرير الأول تأثر السقوط والغمس للذبابة المنزلية على مدى تلوث الماء والأغذية بالميكروبات والجراثيم.

وقد أجريت هذه الدراسة، ثلاث مرات على ماء مقطر عادي، وآخر مضبوط عند درجة حموضة ( Ph4)وهو ما يماثل درجة حموضة المعدة، وأظهرت نتائج تلك الدراسة أن أعداد الميكروبات النامية، في الأوعية الخاصة بالماء الملوث، عن طريق الغمس كانت أقل من ذلك الملوث، عن طريق النزع فقط بعد السقوط، وهذه النتائج قد لوحظت وسجلت من متوسط عدد كبير جداً، من المكررات حتى وصل في بعضها إلى الخمسين مرة، وهذه النتائج جاءت على عكس المتوقع.

فلو أن عملية التلوث هنا كما يتقبلها العقل مجردة، حيث يعطي غمس الذبابة، فرصة أكبر لإزالة الميكروبات عن جسم الذبابة، عما إذا تمت إزالتها  فقط عند سقوطها على سطح السائل،كما أظهرت نتائج تحضين الماء الملوث، في كل معاملات السقوط والغمس لمدة 60 دقيقة (على مزارع ميكروبية خاصة) أن أعداد الميكروبات تظهر تناقصاً، في معاملات الغمس عن معاملات السقوط، مما قد يوحي بأن غمس الذباب، ربما أدى إلى خروج عامل ذات تأثير مضاد للميكروبات، ومثل هذا الافتراض، يمكن أن يفسر نقص أعداد الميكروبات، في معاملات الغمس عموماً عن معاملات السقوط، وأيضاً الانخفاض الشديد في الأعداد عند تحضين الماء الملوث، في معاملات الغمس.

وقد كانت ظاهرة انخفاض أعداد الميكروبات في معاملات الغمس، مقارنة مع معاملات النزع (السقوط)، واضحة في حالة كل الأعداد الكلية للميكروبات النامية، على بيئة الآجار المغذي، والأعداد الكلية على بيئة آجار الدم وأعداد الميكروبات المحللة للدم.

كما ظهر أيضا أن الماء غير المعقم، عند درجـة حموضـة (Ph4)أظهر انخفاضاً في أعداد الميكروبات في معاملات الغمس عن مثيلاتها في معاملات النـزع ( السقوط)  أكثر وضوحاً عن نتائج الماء المعقم المعادي.

كما لوحظ أيضاً أن غمس الذباب ثلاث مرات في الماء قد أعطى أعداداً  للميكروبات أقل من معاملات نزع (سقوط) الذباب من على سطح السائل دون غمسه، كما أظهرت نتائج التجارب بوضوح أن تحضين الحليب الملوث في معاملات الغمس، قد أعطت في أغلب العينات النتائج أعداداً اقل من معاملات السقوط (النزع)، مما يوضح أن الغمس لا يقلل فقط من أعداد الميكروبات الملوثة للحليب، ولكن يحد أيضاً من نموها.

وقد تناول التقرير الثاني تأثر السقوط والغمس للذبابة المنزلية على مدى تلوث الماء والأغذية بالميكروبات.

حيث أجريت تجارب على معاملات السقوط، والغمس في ماء مقطر عند درجة (Ph7) وعند درجة(Ph4) ، وتتبع الباحثون مدى تلوث الماء بالميكروبات، حيث قدرت الأعداد الكلية، وأعداد الميكروبات النامية، على آجار الدم، وتلك المحللة للدم تحت هذه المعاملات، التي كررت بأعداد كبيرة لتأكيد الظاهرة، وتبين من النتائج أن الأعداد الكلية للميكروبات، كانت في أغلب العينات أقل في معاملات الغمس، عن معاملات السقوط، وقد ظهرت هذه النتيجة في أكثر من 50 معاملة متتالية.

وعندما أجريت دراسة مماثلة، على المجموعة الميكروبية النامية على آجار الدم، فإن نتائج الدراسة كانت مشابهة أيضاً لتلك التي تم الحصول عليها من الأعداد الكلية، حيث كانت أعداد الميكروبات الناتجة من معاملات الغمس، أقل في أغلب العينات عن معاملات السقوط (النزع ).

أما بالنسبة لأعداد الميكروبات المحللة لآجار الدم، فإن الاختلافات في أعداد الميكروبات بين معاملات السقوط والغمس، كانت أكثر وضوحاً من أثره على الميكروبات الكلية، والمقصود بها الميكروبات المتعايشة (غير المرضية)، لأن هناك نوع آخر من الميكروبات، ألا وهو المجموعة المسببة للأمراض مثل الكوليرا والتيفوئيد وغيرها.

كما ظهر من النتائج التي أمكن الحصول عليها، من عدد كبير من المكررات، فإنه بالرغم من أن معاملات الغمس أعطت في المتوسط العام، أعداداً لمختلف المجموعات الميكروبية، أقل من معاملات السقوط، فإن الدراسات التي أجريت عند درجة (Ph7) وعند درجة (Ph4) أثبتت بوضوح، أن الانخفاض الراجع لمعاملات الغمس، كان أكثر وضوحاً، مما يؤكد أن العامل المؤثر على الميكروبات يناسبه التأثر الحامضي عن المتعادل.

أما التقرير الثالث، فقد كان حول تأثر السقوط والغمس للذبابة المنزلية على مدى تلوث الماء والأغذية بالميكروبات.

فقد أجريت هذه الدراسة على حليب معقم، حيث عرض بمعاملات سقوط وغمس الذباب، وقدر مدى التلوث الميكروبي، في كل حالة. كما حضن الحليب الملوث في كل حالة، لمدة ثلاث ساعات، وقدرت الميكروبات النامية، على فترات خلال مدة التحضين، في كل المعامـلات.

وقد ظهر من النتائج أن معاملات السقوط أعطت أعداداً أكبر من معاملات الغمس في الحليب، بالنسبة لكل من الأعداد الكلية، وأعداد الميكروبات النامية على آجار الدم، وأيضاً أعداد الميكروبات المحللة للدم.

كما أظهرت النتائج بوضوح أن تحضين الحليب الملوث في معاملات الغمس، أعطى في أغلب العينات أعداداً أقل من معاملات السقوط، مما يوضح أن الغمس لا يقلل فقط أعداد الميكروبات الملوثة للحليب، ولكن يحد من نموها أيضاً، مما يعطي برهاناً أكثر وضوحاً، عن وجود عامل مثبط لنمو الميكروبات على الذباب، يصل إلى الحليب عند غمس الذبابة.

وقد انتهت نتائج التقارير المخبرية الثلاثة إلى أن نتائج عملية الغمس للذباب في الماء أو الحليب ، قادت إلى انطباعات أو فرضيات منها وجود عامل مثبط لنمو الميكروبات والجراثيم الموجودة على الذباب ، والتي تسقط في الماء أو الطعام عند سقوط الذباب  فيه، ومن ثم الحد من نمو الجراثيم وتقليل عددها أيضا.

ومنها أن عملية الغمس تقلل من تأثير الجراثيم ، التي يحملها الذباب وتسقط في الماء أو الطعام عند سقوط الذباب فيه.

ومنها أن تأثير عملية الغمس، هي على الجراثيم المرضية، أكثر مما هي على الجراثيم الكلية التي لا تحمل الأمراض وهذا ما يؤكده الحديث الشريف ( داء ، شفاء).

ومنها أن فعالية الغمس أظهرت فعالية القضاء على الجراثيم عند درجات مشابهة لدم الإنسان وجسمه بخلاف ما لو أجريت في وسط متعادل.

ومنها أن النتائج أثبتت بشكل واضح ، أن الذباب إذا سقط ثم طار، فإن الجراثيم التي تسقط منه في الطعام أو الشراب، تزداد أعدادها، بينما في حالة غمس الذبابة ثم رفعها ، فإن الجراثيم التي تسقط لا تبقى إعدادها كما هي ، بل تبدأ في التناقص، ويحد ذلك من نموها أيضاً.

النحل:

سار علي وحذيفة إلى محل خصص للنحل وأنواعه، فقال حذيفة: لقد ذكر الله تعالى النحل في القرآن الكريم، وأثنى عليه، فقال:﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل:68 ـ 69)، فالآيتان تشيران إلى أن للنحل نظاما في منتهى الدقة والإحكام، فهل تمكن العلم من معرفة بعض ما يؤكد هذا؟

قال علي: أجل، فقد كشف العلم الحديث بعض أسرار الوحي الذي تتلقاه أمة النحل، وسأحدثك عن الناحيتين اللتين أشارت إليهما الآيتين، واعتبرتهما ثمرة وحي الله تعالى، وهما: بيوت النحل، والطرق ـ أو سبل الله كما يسميها القرآن الكريم ـ التي يسلكها النحل مهتديا بالوحي الإلهي[40]:

فأول ما يشير إلى اعتماد النحل على الوحي الإلهي هو بناء أقراص الشمع على هيئة خلايا سداسية تستعمل كمستودعات لاختزان العسل، وقد أشار كثير من علماء المسلمين إلى الحكمة من اختيار ذلك الشكل، يقول ابن العربي:(  ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة، وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءت بينهما فرج، إلا الشكل المسدس؛ فإنه إذا جمع إلى أمثاله اتصل كأنه كالقطعة الواحدة )[41]

ويؤيد العلم الحديث هذا، فقد نص على أنه يكفي أن نتعرف على عظمة هذا الإعجاز الهندسي من علماء الرياضيات الذين يقولون بأن النحل يصنع خلاياه بهذا الشكل لأنه يسمح لها باحتواء أكبر عدد ممكن من أعضاء المملكة، وبأقل قدرة ممكن من الشمع الغالي اللازم لبناء جدرانها، وهي عملية عبقرية تبلغ درجة من الكمال تفوق كل عبقريات البشر مجتمعين.

و ينص علماء الحشرات على أن شغالات النحل تبذل جهداً خارقاً للحفاظ على العسل، فهي تنظف الخلية بمهارة فائقة وتسدّ كل الشقوق وتلمع كل الحوائط بغراء النحل، وهي لا تقنع بتهوية الخلية بل تحافظ على ثبات درجة الحرارة فيها عند مستوى ثابت وتقوم بعملية تكييف للهواء داخل الخلية.

ففي أيام الصيف القائظ يمكن للمرء أن يرى طوابير الشغالات، وقد وقفن بباب الخلية واتجهن جميعاً إلى ناحية واحدة ثم قمن بتحريك أجنحتهن بقوة، وهذه الشغالات يطلق عليها اسم (المروحة ) لأن عملها يؤدي إلى إدخال تيارات قوية من الهواء البارد إلى الخلية.

ومن ناحية أخرى توجد في داخل الخلية مجموعة أخرى من الشغالات منهمكة في طرد الهواء الساخن إلى خارج الخلية.

أما في الأجواء الباردة، فإن النحل يتجمع فوق الأقراص لكي تقلل ما يتعرض من سطحها للجو، وتزيد حركة التمثيل الغذائي ببدنها، وتكون النتيجة رفع درجة الحرارة داخل الخلية بالقدرة اللازمة لحماية العسل من الفساد.

أما الناحية الثانية التي أشار إليها القرآن الكريم فهي الطرق التي يسلكها النحل ليجمع رحيق الأزهار، وقد نص علماؤنا القدامى على بعض وجوه الوحي الذي يتلقاه النحل لتحقيق ذلك، قال ابن كثير:( ثم أذن لها تعالى إذنا قدريا تسخيريا أن تأكل من كل الثمرات وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى مذللة لها أي مسهلة عليها حيث شاءت من هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة ثم تعود كل واحدة منها إلى بيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة بل إلى بيتها ومالها فيه من فراخ وعسل)[42]

والعلم الحديث يؤيد هذا بالشواهد الكثيرة التي تحيل أن يفعل النحل ذلك بعقله الفطري البسيط، بل يحتاج إلى الوحي الإلهي الذي نص عليه القرآن الكريم.

فالدراسات العلمية المستفيضة لمملكة النحل تنص على أن إلهام الله تعالى لها يجعلها تطير لارتشاف رحيق الأزهار، فتبتعد عن خليتها آلاف الأمتار، ثم ترجع إليها ثانية دون أن تخطئها وتدخل خلية أخرى غيرها، علما بأن الخلايا في المناحل تكون متشابهة ومرصوصة بعضها إلى جوار بعض، وذلك لأن الله تعالى قد ذلل الطريق وسهلها لها ومنحها من قدرات التكيف الوظيفي والسلوكي ما يعينها في رحلات استكشاف الغذاء وجنية ثم العودة بعد ذلك إلى البيت.

و قد نص العلم الحديث على أن العشيرة الواحدة من النحل تستطيع أن تجمع نحو 150 كيلوجراما من العسل في الموسم الواحد، والكيلوجرام الواحد من العسل يكلف النحلة ما بين 120000 و150 ألف حمل ٍ من الرحيق تجمعها بعد أن تطير مسافة تعادل محيط الأرض عدة مرات في المتوسط.

وتستطيع النحلة أن تطير بسرعة 65كيلومترا في الساعة، وهو ما يعادل سرعة القطار، وحتى لو كان الحمل الذي تنوء به يعادل ثلاثة أرباع وزنها فإنها يمكن أن تطير بسرعة 30 كيلومترا في الساعة.

و في رحلة الاستكشاف لجمع الغذاء الطيب تستعين العاملة بحواسها التي منحها الله إياها، فهي مزودة بحاسة شم قوية عن طريق قرني الاستشعار في مقدم الأخص اللونين الأزرق والأصفر، وهي تمتاز على العين البشرية في إحساسها بالأشعة فوق البنفسجية، لذلك فهي ترى ما لا تراه عيوننا، مثل بعض المسالك والنقوش التي ترشد وتقود إلى مختزن الرحيق ولا يمكننا الكشف عنها إلا بتصويرها بالأشعة فوق البنفسجية، ثم إذا حطت على زهرة يانعة وبلغت ورحيقها استطاعت أن تتذوقه وتحدد بكم فطرتها مقدار حلاوته.

وفي رحلة العودة تهتدي النحلة إلى مسكنها بحاستي النظر والشم معا، أما حاسة الشم فتتعرف على الرائحة الخاصة المميزة للخلية، وأما حاسة الإبصار فتساعد على تذكر معالم رحلة الاستكشاف، إذ يلاحظ أن النحل عندما تغادر البيت تستدير إليه وتقف أو تحلق أمامه فترة وكأنها تتفحصه وتتمعنه حتى ينطبع في ذاكرتها، ثم هي بعد ذلك تطير من حوله في دوائر تأخذ في الاتساع شيئاً فشيئاً، وعندما تعود إلى البيت تخبر عشيرتها بتفاصيل رحلتها، وتدل زميلاتها على مكان الغذاء فينطلقن تباعاً لجني الرحيق من الزهور والإكثار منه لادخاره ما يفيض عن الحاجة لوقت الشتاء ببرده القارص وغذائه الشحيح.

وأغرب ما اكتشفه العلم الحديث في عالم الحشرات هو أن للنحل لغة خاصة يتفاهم بها عن طريق الرقص، وقد شرحها بالتفصيل عالم ألماني ضمنها كتابه المسمى ( حياة النحل الراقص )، فقد تبين لهذا العالم أن للنحلة الشغالة في جسمها من الأجهزة ما يجعلها تستطيع قياس المسافات والأبعاد والزوايا بين قرص الشمس والخلية، ثم إنها تستخدم لغة سرية في التخاطب عن طريق رقصات خاصة معبرة تنبئ بها أخواتها عن وجود الرحيق الحلو وتحدد لهن موضعه تحديدا دقيقاً من حيث زاوية الاتجاه إليه وبعده عن بيتها.

قال حذيفة: لقد وردت النصوص بالنهي عن قتل النحل.. فما سر ذلك؟

قال علي: هل يجوز للمرء أن يقتل صديقه الودود؟

قال حذيفة: لئيم من يفعل ذلك.

قال علي: فالنحل أصدقاء حقيقيون للإنسان[43]، ولئيم من يتعرض لهم، فهم مساعدون رائعون في تقديم كل ما يجلب الخير والسعادة والعافية للبشر.

فهذه الحشرات الصغيرة تقوم بمهام جسام في حياة الإنسان، فهي علاوة على بنائها خلاياها بتلك الدرجة الرائعة من الدقة والتنظيم وتصنيعها للشمع والعسل وغيرها من المنتجات الهامة في تغذية الإنسان وشفائه من الأمراض، وفي تمتعه بصحة جيدة[44]، فإنها تقوم بتلقيح الأزهار في نفس الوقت الذي تقدم فيه بحركتها التي لا تفتر وعملها المستمر والدؤوب من غير كلل.

فالدور الهائل الذي يلعبه النحل في إكثار المحاصيل الزراعية يصعب تقييمه، ذلك لأن مئات الأنواع النباتية تحتاج من أجل إنضاج ثمارها إلى ما يسمى بالإلقاح المتصالب الخلطي بنقل غبار الطلع من أكياسه إلى مياسم المدقات.

هذا العمل الهام تقوم به الحشرات المختلفة، لكن النحل هو الأهم في هذا العمل الحيوي، وتدل الإحصائيات على أن الدخل الذي يقدمه النحل لمالك الأرض الذي ترعى زهرها يفوق 7-8 مرات الدخل الذي يستفيده النحال مما ينتجه النحل من عسل وشمع وغذاء ملكي وسواها.

فالنحل يقوم بمهمة التلقيح التصالبي الخلطي لأشجار الفاكهة والزينة والخضار والمحاصيل الحلقية والعلنية والأزهار البرية فيضاعف من إنتاجها مما جعل العديد من المزارعين يقبلون على طلب النحل مما زاد في أرباح مربي النحل علاوة على زيادة وتحسين نوعية الإنتاج الزراعي.

فبالنسبة لمحصول القطن يعتبر النحل عاملاً مهماً  في الإلقاح التصالبي للقطن يزيد في إنتاجه بنسبة تصل إلى 30-35 بالمائة، ويحددها بعض العلماء بأكثر من 50 بالمائة.

أما أشجار التفاح فيؤلف النحل 82 بالمائة من الحشرات التي تزورها لهذه المهمة، بل إن 17بالمائة من أزهارها تبقى غير ملقحة ولن تثمر إذا لم يزرها النحل، ويكفي لحقل من أشجار التفاح مساحته 2 هكتار خلية واحدة لإتمام تلقيحها بشكل كامل.

وأشجار الأجاص يزيد إنتاجها بنسبة 5بالمائة عند وجود خلية نحل في جوارها، وتكفي خمس خلايا من النحل لتلقيح هكتارين من حقل أشجار اللوز بشكل جيد.

والبصل تلقيحه خلطي أيضاً ويزيد النحل من إنتاجها بنسبة 35 بالمائة إلا أن العسل الناتج يحمل رائحة البصل، والتي تزول خلال شهرين من تخزينه وتشميسه.

وللنحل أهمية في تلقيح أزهار الحمضيات وزيادة إنتاجها بفارق كبير علماً بأن عسل الحمضيات وخاصة البرتقال ذو رائحة وطعم لذيذين.

وبالنسبة للقثائيات (البطيخ بأنواعه) والقرع والكوسا والخيار فإن إنتاجها يتضاعف مرات ومرات أوصلها بعض المؤلفين إلى 9 مرات عند وجود خلايا النحل وسط حقوله.

ففي إحدى التجارب على مزارع الخيار لم تثمر من أصل 977 زهرة سوى 3 لعدم وجود مناحل قريبة، وعندما وضع النحل أثمرت 784 زهرة من 831 زهرة.

وكذلك فإن نتاج حقول اللفت والفجل والملفوف من البذور يتضاعف إذا كانت موجودة ضمن دائرة طيران النحل.

أما البرسيم فإن إنتاجه من البذور يتضاعف 2.5 مرة عند وجود النحل، وبذور عباد الشمس تتضاعف أيضاً كميتها قرب المناحل.

أما حقول القمح والشعير والذرة فأهمية النحل قليلة بالنسبة لها، إذ أن نسبة 95 بالمائة من إلقاحها إلقاح ذاتي، ويبقى 5 بالمائة فقط إلقاح تصالبي يمكن للنحل أن يساهم فيه، ونفس الأمر بالنسبة للعنب والشوندر السكري والسلق.

ولهذا ينظر كثير من العلماء والباحثين إلى النحل اليوم على أنه ليس مجرد مصنع حي ينتج ما ينتج من أغذية وعقاقير، وليس لمجرد دورها الهام في إلقاح الأزهار وزيادة الإنتاج الزراعي، وإنما من زاوية أخرى مهمة وهي عمل النحالة نفسه إذ من الصعب أن نقيم بإنصاف العمل الممتع والفتان مع النحل، في الهواء الطلق بين روائح الزهور العطرة، وتناوله المستمر لمنتجاته من عسل وغذاء ملكي وغيرهما، وحتى تعرضه للسع النحل كلها تشكل عوامل منشطة للعضوية تزيد في مناعتها ضد الأمراض، مما حدا بالكثير من العلماء اعتبار المنحل كمشفى أو مصح طبيعي رائع وخاصة لنوعية من الناس ممن يشكو الإرهاق العصبي والمقعدين والعجزة من معاقي الحروب وغيرها والمتقاعدين والمسنين، فالعمل في المنحل في نظرهم نوع من المعالجة التعويضية بالعمل المناسب.

وبعبارة أخرى فإن تربية النحل عمل ممتع وفيه نفع كبير لأولئك الأشخاص الذين لا يصلحون للأعمال الجسمانية الصعبة ويزيد نفعه للأشخاص المتوتري الأعصاب، فهو عمل خفيف يستفيد صاحبه من الهواء الطلق والمهدئ للجهاز العصبي.

حتى سم النحل ـ ذاك الذي تصور الإنسان أن في مضرة له ـ أثبت الطب الحديث أنه العلاج النوعي للرثية الروماتيزم كما ثبتت فائدته الجمة في التهابات الأعصاب بشتى أنواعها وله استطباباته النوعية في معالجة العديد من أمراض العين والأوعية الدموية.

قال حذيفة: إن كل ما ذكرته يثبت ما ورد في النصوص من شرف النحلة وفضلها، فقد شبه رسول الله r المؤمن بالنحلة، فقال:( مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيبا )[45]، وقال:( والذي نفسي بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة، أكلت طيباً، ووضعت طيباً، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد )[46] 

وقد قال علي بن أبي طالب t في فضلها:( كونوا في الدنيا كالنحلة، كل الطير يستضعفها، وما علموا ما ببطنها من النفع والشفاء )

 

 

 

 

3 ـ وعي الحيوانات

خرج علي وحذيفة من القسم المخصص بالحشرات، وراحا ينظران إلى سائر الحيوانات.. وحذيفة يسأل، وعلي يجيبه بما يعرفه من تفاصيل ترتبط بكل حيوان، ونحن خلفهما نسمع حوارهما الشيق، ونستفيد منه، وكان أكثرنا اهتماما بحديثهما صديقنا عالم الحيوان، فقد كان منسجما معهما انسجاما كليا، وكان كل مرة يود أن يتدخل، ولكنه يرى عليا يكفيه كل ما يريد أن يذكره، فيكتفي بالسماع.

تحت عشب شجرة ضخمة في تلك الحديقة الجميلة جلس علي وحذيفة، وجلسنا قريبا منهما، وهناك دار هذا الحوار الذي شد انتباه صديقنا عالم الحيوان، وجعله يغرق في كل كلمة يقولانها.

قال حذيفة: لقد أخبرت النصوص المقدسة عن الحياة العاقلة للحيوانات ـ التي نختصر معناها في نفوسنا في لحمها الشهي ، أو صوفها الدافئ ، أو وبرها الثمين ـ فقد ورد بأن لها من الإدراك ما يجعلها أمة من الأمم لا تختلف عن أمة الإنسان ، فقال تعالى:) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38)

فالآية تقرر حقيقة جليلة تهذب علاقتنا بغيرنا في هذا الكون ، وهي أنه ما من دابة تدب على الأرض مهما اختلف نوعها ينتظم في أمة، ذات خصائص واحدة، وذات طريقة في الحياة واحدة، شأنها في هذا شأن أمم الناس[47].

أمم الحيوانات:

قال علي: صدق الله العظيم.. إن في الآية حقائق جليلة، فلنبدأ بأولها، وهو كلمة الأمم الواردة في الآية[48].

فالباحثون يؤكدون ـ اليوم ـ أن عالم الحيوان أشبه بالمدن الهائلة والشعوب المتعددة الأعراف والأعراق واللغات والعادات والأجناس التي لا حصر لها ويعجز العقل عن تصور أعدادها الهائلة والضخمة وأنسب وصف لهذه الكائنات ذوات الأعداد الهائلة هو مصطلح (الأمم) كما وصفها القرآن الكريم.

سأضرب لك بعض الأمثلة العددية التي تقرب لك هذا:

فعدد الطيور الجاثمة وحدها أكثر من 5000 نوع، وكل نوع من هذه الطيور هو أيضا أنواع عدة، فمثلا طيور الفران الأمريكية الإستوائية حوالي 221 نوعا صغيرة الحجم نوعا ما، وذوات عادات متنوعة جدا.

وهناك 223 نوعا من الطيور النملية والدج النملي والبيتا النملية مرتبطة ارتباط وثيقا بطيور الفران الأمريكية الجنوبية والوسطى.

وأما طيور كوتنجا المزركشة فتضم تقريبا 90 نوعا تقريبا من الطيور المزركشة والمبهرجة جدا.

كما تعد طيور الجنة ـ وسميت بذلك لأن لديها ريشا فاتنا جدا حتى اعتقدوا أنه آت من الجنة ـ فتبلغ أنواعه 42تقريبا.

وأما طيور النمانم ـوهي طيور صغيرة عاملة ـ فتضم أكثر من 60  نوعا، وهي طيور مدهشة جدا لما تصدره من أصوات البقبقة المرتفعة إلى درجة لاتصدق وتنتشر بكثرة في أمريكا.

كما تبلغ أنواع صياد الذباب أكثر من 1200  نوع.

وتضم آكلات الحشرات أكثر من 370 نوعا.

وهناك أكثر من 300  نوع من الطيور المخوضة والنوارس وطيور الأوك.

وتضم طيور زمّار الرمل أكثر من 60 نوعا.

وتبلغ أنواع طيور النورس أكثر من 90  نوعا.

أما أنواع الحمام واليمام فهنالك حوالي 290 نوعا منها موزعة في أرجاء العالم، ويبلغ أنواع الببغاوات أكثر من 500  نوعا.

وتبلغ أنواع البوم أكثر من 123 نوعا.

وتبلغ أنواع طيور الضوع والسبد نحو 90  نوعا.

وتبلغ طيور الرفراف حوالي 87  نوعا تتواجد في أنحاء العالم.

كما يبلغ طير نقّار الخشب أكثر من 200   نوعا في جميع أنحاء العالم.

وفي عالم القرود تبلغ قرود العالم القديم أكثر من 60  نوعا.

وبالنظر إلى الزواحف نجدها أعدادا هائلة جدا وأنواعا لا حصر لها، فالحيات العمياء تبلغ أنواعها 150 نوعا، وهي تعيش وتحيا تحت الأرض.

كما تشتمل مجموعة السلحفيات على السلاحف والحمسات ـ وهي سلحفة المياه العذبة ـ وتضم حوالي 100نوع، وتبلغ أنواع السحالي العملاقة أكثر من 700 نوع في مناطق العالم الجديد.

وتبلغ أنواع الحرباء حوالي 85 نوعا كما تبلغ السحالي السامة حوالي 3000 نوعا من السحالي ونوعان فقط منها  يفرزان السم وهي السحالي المخرزة والهيلية.

والأفاعي أيضا أنواع شتى، منها السام، ومنها غير السام، وهي متعددة الأشكال والألوان، فنوع منها فقط، وهي أفاعي الكوبرا  والممبا  تبلغ أكثر من 200 نوع تقريبا.

كما تشتمل الحيات الخبيثة على حوالي 100 نوع، وتقول بعض المصادر العلمية أن عدد  أنواع الثعابين الحالية أكثر من 2700 نوع ثلثها فقط سام.

أما الخنافس فتضم أكثر من 300 ألف نوع.

وأما الثدييات عموما فتضم أكثر من 4200 نوع.

وتبلغ الخفافيش حوالي 900 نوع أو أكثر.

وتضم فصيلة الكنغر والولبات حوالي 55 نوعا متفاوتا في الحجم.

كما تضم مجموعة السنوريات حوالي 36 نوعا تعيش تقريبا في كافة أنحاء العالم عدا أستراليا والقطب الجنوبي، ويبلغ نوع سنور الزباد والرّباح والنمس حوالي 80 نوعا.

وهكذا يعتقد العلماء بإمكانية وجود أكثر من عشرة ملايين نوع أو جنس من الحيوانات في العالم، ومع ذلك، فقد تكون هناك أنواع أخرى أكثر بكثير بانتظار اكتشافها.

تصنيف الحيوانات:

قال حذيفة: لقد ذكر القرآن الكريم من دلائل قدرة الله تعالى تنويع مخلوقاته، فلذلك كان كل ما ذكرته من الأنواع دليل على ذلك التنويع المقصود في الكون.

قال علي: أجل.. فالتنوع مظهر من مظاهر حكمة الله في الكون، ودليل من أدلة الوحدانية، لأن الربط بين المختلفات وتوجيهها وجهة واحد لا يكون إلا من إله واحد.

وهذا التنوع شامل لجميع الأشياء، فالأشياء تتنوع في المهام والوظائف والتراكيب الداخلية والأشكال الخارجية.

وبهذا التنوع جاءت النصوص لتدل أولا على أن عظمة الله تعالى لا تبدو في مجرد إيجاد الأشياء من العدم، بل بإبداعها بهذه الصور المختلفة، ليكون ذلك دليلا على توحيد الله وإبداعه، وهذه هي الفائدة المعرفية الكبرى في هذا التنوع.

أما الفائدة العملية الثانية، فهي الدعوة إلى المحافظة على هذا التنوع المحسوب بحساب دقيق، بحيث لا نعرض أي نوع منه للانقراض، كما يفعل المجرمون اليوم.

قال حذيفة: من أمثلة التنوع ما ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النور:45)

فالله تعالى ذكر من دلائل قدرته ومشيئته المطلقة أن حرك الحيوانات بطرق مختلفة تتناسب مع حاجاتها.

قال علي: صدق الله العظيم.. إن هذا النص الكريم يبين أن طرائق تحرك الدواب وسيلة من وسائل تصنيفها الجيدة‏[49].

فحركة الدابة هي انتقالها من مكان إلى آخر سعيا وراء طلب الطعام والشراب‏,‏ أو للهرب من الأعداء‏,‏ أو للارتحال عند التغيرات البيئية إلى مكان أنسب‏.‏

والطريقة الأولى التي حددتها الآية الكريمة في حركة الدواب هي المشي علي البطن كما هو شائع في الديدان، وهي من اللافقاريات عديمة الأطراف التي تتبع قبائل عدة‏,‏ وفي العديد من طائفة الزواحف، وهذه الطائفة الزاحفة زودها الله تعالى بجلد سميك‏,‏ خال من الغدد‏,‏ ومغطي عادة بالعديد من القشور والحراشيف القرنية الجافة والصلبة‏,‏ والتي تحمي جسمها من المؤثرات الخارجية‏,‏ وتحفظه من الجفاف‏.‏ وتنتشر هذه الحراشيف علي جميع أجزاء جسم الزاحف بما في ذلك الأطراف والذنب‏.‏

وتختلف هذه الحراشيف والقشور في أشكالها وأحجامها من نوع إلى آخر فقد تكون صغيرة الحجم ومحببة كالدرنات‏,‏ أو كبيرة الحجم بيضية الشكل‏,‏ أو مربعة‏,‏ أو مستطيلة‏,‏ أو مثلثة كما هو الحال في السحالي‏,‏ أو علي هيئة صندوق يحيط بجميع الجسم كما هو الحال في السلاحف‏.‏

والزواحف تضم حيوانات بطيئة الحركة بصفة عامة‏,‏ لانها تزحف ببطنها علي سطح الارض‏,‏ ويعرف منها قرابة ستة آلاف نوع منتشرة في مختلف أرجاء الارض‏.‏

والأرجل في الزواحف إما غائبة تماما أو ذات أثر ضعيف لايكاد يدرك كما هو الحال في الثعابين بمختلف أنواعها‏,‏ وفي بعض أنواع السحالي‏,‏ وقد تكون الأرجل موجودة ولكنها ضعيفة لا تكاد تقوي علي حمل الجسم بعيدا عن سطح الارض كما هو الحال في رتبتي السلاحف والتماسيح بصفة عامة‏,‏ أو موجودة وقوية كما هو الحال في بعض السحالي‏.‏

وفي الزواحف عديمة الأطراف يرتكز الحيوان ببطنه علي الأرض ارتكازا كاملا‏,‏ ويتحرك بالزحف علي بطنه فوق مستوي سطح الارض مستخدما في ذلك عضلات جسمه القوية التي تدفعه إلى الامام في حركات متعرجة‏.‏

ومن الزواحف ما تدفن جسدها في أنفاق تحفرها تحت سطح التربة‏,‏ وتعرف باسم الزواحف الحفارة‏.‏

أما الزواحف ذات الأرجل الأربعة من مثل بعض السحالي (العظاءات‏)‏ فإنها تستطيع ان تدب علي سطح الارض بأقدامها الأربعة‏,‏ سيرا او عدوا‏,‏ وقد تتحور هذه الاطراف إلى ما يسمي الاطراف القابضة كما هو الحال في الحرباء كي تساعدها علي تسلق الاشجار[50]‏,‏ كما قد تتحور إلى زعانف كما هو الحال في السلاحف المائية لتساعدها علي السباحة في الماء‏,‏ وقد تتحور إلى أجنحة في بعض أنواع الزواحف الطائرة‏,‏ وهي قليلة في زماننا الراهن، ومنها السحالي‏(‏ العظاءات‏)‏ المسماة باسم دراكو‏.‏

والزواحف ذات الأرجل الاربعة لها زوج عند مقدمة الجذع‏,‏ وآخر عند مؤخرته‏,‏ والزوج الأمامي قد يختصر كثيرا علي هيئة زوج من الايدي القصيرة نسبيا ويبقي الزوج الخلفي قويا يحمل الزاحف مهما كان وزنه كما هو الحال في بعض الزواحف العملاقة المنقرضة من رتبة الديناصورات.

والزواحف من الفقاريات التي قد يصل عدد الفقار في عمودها الفقاري إلى أربعمائة فقرة كما هو الحال في بعض الثعابين الطويلة‏,‏ وتترتب تلك الفقار من خلف الرأس مباشرة إلى نهاية الذنب في تناسق عجيب باتصالات مفصلية متعددة‏,‏ ودقيقة وشديدة المرونة‏,‏ وعالية الاتقان تمكن الزاحف من التحرك بسرعة كبيرة وبكفاءة عالية في حركات تموجية عنيفة دون أن تنفصل تلك الفقرات عن بعضها البعض‏.‏

وحسب طريقة الحركة يمكن تصنيف الزواحف إلى مجموعات بحسب ما ذكرت الآية، فأولها الزواحف التي تمشي علي بطنها، ومنها رتبة الثعابين، ويعرف منها قرابة ثلاثة آلاف نوع‏,‏ تنتشر في مختلف بيئات الأرض‏,‏ ولبعضها أجسام مفرطة في الطول ‏(‏ حوالي عشرة أمتار‏),‏ وهي عديمة الارجل‏,‏ ولذلك تتلوي أجسامها في حركات تموجية متناسقة عند انتقالها ولا تعرف هذه الطريقة في الحركة عند أي حيوان آخر إلا في بعض السحالي‏(‏ العظاءات‏)‏ الثعبانية الشكل‏,‏ وبعض الديدان‏.‏

وبالاضافة إلى هذه الحركات البطنية التي تدب بها الثعابين علي سطح الأرض فإن الله أعطاها القدرة علي تسلق كل من الجدران والاشجار‏,‏ وعلي القفز من فوق سطح الأرض ومن المرتفعات وعلي السباحة في الماء‏,‏ فللثعبان القدرة علي لف جسمه في لفات عديدة متقاربة بعضها فوق بعض‏,‏ ثم يندفع بقوة عضلاته الجسدية في قفزة كبيرة يقطع فيها العديد من الامتار لينقض علي فريسته‏,‏ أو للهرب من خطر محدق به‏,‏ وقد يكرر تلك القفزات في نفس الوقت لمرات عديدة.

 ولحمايته من شدة الاحتكاك بجسده مع الارض يغطي جسم الثعبان بقشور قرنية صلبة مرتبة علي سطح الجسم بأكمله في صفوف منتظمة‏,‏ ناعمة الملمس في معظم الأحوال‏.‏

ومنها الزواحف التي تمشي علي أربع أرجل‏، ومنها رتبة السحالي‏(‏ العظاءات‏)‏‏، وهي أكثر الزواحف المعاصرة انتشارا‏,‏ حيث يعرف منها أكثر من‏2500‏ نوع في مختلف بيئات الارض‏,‏ وان كان أغلبها يدب علي سطح اليابسة.

ولكل منها أربع أرجل قوية نسبيا‏,‏ كاملة التكوين‏,‏ وان كان لبعضها القدرة علي تسلق الاشجار كالحرابي‏(‏ جمع حرباية‏)‏ التي هيأ الله أرجلها بقدرات قابضة‏.

والسحالي الطائرة من جنس دراكو التي زودها الله تعالى بثنيتين علي جانبي الجسم تشبهان الأجنحة يعينانها علي الطيران لمسافات قصيرة‏.‏

وللحرباء زوجان من الأرجل الطويلة خماسية الأصابع في مجموعتين متقابلتين تتكون المجموعة الأولى من ثلاث أصابع يحيط بها غشاء جلدي‏,‏ وتتكون المجموعة الثانية من أصبعين يحيط بهما غشاء جلدي آخر مما يجعل من الأطراف الأربعة أعضاء قابضة كالكماشة تمسك بفروع الاشجار‏,‏ كما تستخدم ذنبها عضوا قابضا كذلك‏.‏

وتحتوي فصيلة الحرباء علي ما يقرب من ثمانين نوعا‏,‏ وهي تتغذي علي الحشرات الصغيرة‏.‏

ومنها رتبة السلاحف، وللسلاحف أرجل ضعيفة لاتكاد تقوي علي حملها بعيدا عن سطح الأرض‏,‏ ولذلك تمشي بحركة بطيئة يضرب بها المثل في البطء نظرا لثقل جسمها وضعف أقدامها‏.

وهناك مايقرب من‏250‏ نوعا من السلاحف منها السلاحف الأرضية، والسلاحف البحرية، وسلاحف الماء العذب.

ومن مميزات السلاحف وجود الصندوق العظمي الذي يحيط بجسمها إحاطة كاملة علي هيئة غطاءين ظهري وبطني يتركب كل منهما من عدة ألواح ملتحمة مع بعضها البعض التحاما وثيقا‏,‏ ومغلفة من الخارج بعدد من القشور القرنية الكبيرة ‏(صدف السلاحف‏).‏

ولهذا الصندوق العظمي فتحتان إحداهما أمامية يطل منها كل من الرأس والأرجل الأمامية‏,‏ والثانية خلفية يخرج منها الذنب والأرجل الخلفية‏.‏

ومنها التماسيح، وتضم أكبر الزواحف المعاصرة‏,‏ ويعرف منها واحد وعشرون نوعا تعيش كلها في الماء العذب‏,‏ ولاتخرج منه إلى اليابسة إلا نادرا لوضع البيض علي الشواطيء الرملية للأنهار في مواسم التكاثر‏.‏

وللتماسيح أرجل قوية معدة للمشي علي اليابسة‏,‏ وتجذب هذه الأرجل إلى جوار جسم التمساح أثناء سباحته في الماء بواسطة ضربات ذنبه القوية التي يضرب بها يمنة ويسرة‏.‏

وتحيط جسم التمساح درع عظمية قوية‏,‏ تغطي بالأصادف القرنية الخارجية‏,‏ وهذه الدرع العظمية مكونة من درقة ظهرية وأخرى باطنية متصلتين من الجانبين بنسيج لين‏,‏ ويغطي ذنب التمساح بحلقات دائرية من الأصداف القشرية‏.‏

ومنها الزواحف التي تمشي علي رجلين‏، ومنها الزواحف العملاقة المندثرة، وهي ما مشي علي الرجلين الخلفيتين فقط‏ لقصر الطرفين الأماميين قصرا شديدا‏,‏ وتحولهما إلى مايشبه اليدين‏,‏ وقد سادت هذه الأجناس حقب الحياة المتوسطة ‏(من‏245‏ مليون سنة مضت إلي‏65‏ مليون سنة مضت حين اندثرت اندثارا كاملا‏)

أما في غير كل من الديدان والزواحف فإن البرمائيات تميزت بأطراف أمامية وخلفية بكل منها خمس أصابع‏,‏ وتتميز حركة كل من البرمائيات والزواحف ذات الأرجل بأنها علي شكل مشي بطئ‏,‏ أو جري علي الأرجل الخلفية مستخدمة الذيل لحفظ توازن الجسم‏.‏

أما الطيور،‏ فكلها ثنائية الأرجل فطرفاها الأماميان يمثلهما الجناحان‏,‏ وتجمع الطيور في طائفة واحدة، وتضم‏27‏ رتبة‏,‏ وأكثر من‏8600‏ نوع، وهي تنتشر في مختلف بيئات الأرض‏,‏ ولها في قدميها ثلاث أصابع فقط‏.‏

وأما الثدييات فلكل منها أربعة أطراف تتدلي تحت الجسم تماما‏,‏ ويمكنها أن تتحرك من الأمام إلى الخلف‏,‏ لأن مفصل الركبة متجه إلى الأمام‏,‏ ومفصل الكتف متجه إلى الخلف مما يجعل معظم طاقة الحركة موظف توظيفا صحيحا‏,‏ وتظهر أهمية ذلك في حيوان كالنمر الذي تصل سرعته إلى ‏115‏ كيلومترا في الساعة‏,‏ ويستطيع أن يصل في سرعته إلي‏75‏ كيلومترا في الساعة خلال ثانيتين فقط من انطلاقه في الجري‏,‏ وهو ما يفوق تسارع أية سيارة سباق صنعها الإنسان‏.‏

ومن الثدييات مجموعة الحافريات التي بلغت الأطراف فيها أحجاما ضخمة لتساعدها علي الجري السريع‏,‏  ويمشي الحيوان الحافري عادة علي عدد مفرد قليل من الأصابع، فأصبح منها ماهو فردي الأصابع من مثل الخيول‏,‏ والفيلة ووحيد القرن‏,‏ والتابير‏، والتي تناقص عدد الأصابع في حافرها إلى إصبع واحد‏,‏ ومنها ماهو زوجي الأصابع ‏(مشقوقات الحافر‏)‏ مثل البقر والغزال‏.‏

ومن الثدييات ما يمشي علي رجلين فقط مثل حيوان الكنغر وبعض القردة العليا وذلك لقصر الطرفين الأماميين بشكل ملحوظ‏,‏ ولذلك يدب الحيوان علي سطح الأرض بواسطة طرفيه الخلفيين القويين والذي يقفز أو يدب عليهما باستمرار‏.‏

ومنها ماتقلصت فيه الأقدام تقلصا ملحوظا مثل رتبة دقيقة الأقدام، ومنها الفقمة، وحيوان الفظ.

ومنها ما اقتصرت أطرافه علي عدد من الزعانف مثل رتبة الحيتان والدلافين، وذلك لاقتصارها علي العيش في مياه البحار‏.‏

ومن الثدييات ما يطير في جو السماء مثل الخفافيش التي تحولت أطرافها الأمامية إلى أجنحة جلدية لتساعدها علي الطيران‏.‏

ويأتي الإنسان في قمة ما خلق الله الذي أكرمه بانتصاب القامة،‏ وبالسير علي ساقين وبتناسق أبعاد الجسم‏,‏ وأطوال الأطراف،‏ وحجم الجمجمة‏,‏ وبمهارة في اليدين‏,‏ ونماء في العقل‏,‏ وقدرة علي الاختيار‏,‏ وعلي إدراك الذات‏,‏ والانفعال والشعور‏,‏ وعلي اكتساب المعارف والمهارات‏,‏ وبغير ذلك من الصفات التي ميزه الله تعالى  بها‏,‏ وكرمه علي بقية خلقه‏.‏

رحمة الحيوانات:

قال حذيفة: من دلائل الوعي التام لأمم الحيوانات ما جعل الله فيها من الرحمة، فالرحمة لا تكون إلا من واع عاقل اكتمل وعيه وعقله.

وقد أخبر r عن اشتراك الإنسان مع هذه الأمم في الرحمة المنزلة على الكائنات من غير تمييز للإنسان، فقال:(  إن للّه عزَّ وجلَّ مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخرّ تسعة وتسعين إلى يوم القيامة )، وفي حديث آخر قال r:(  للّه مائة رحمة فقسم منها جزءاً واحداً بين الخلق، به يتراحم الناس والوحش والطير )

قال علي: نعم.. والتأمل البسيط في هذه العوالم يؤكد كل ما قاله رسول الله r عن هذه الأمم [51]..

فالكائنات الحيّة خطيرة وحسّاسة جدّا في حالة تعرّض صغارها لأيّ خطر، وردّ فعل هذه الكائنات الحية عند شعورها بالخطر هو الفرار إلى أماكن آمنة, وإذا تعذّر عليها النّأي بنفسها عن الخطر تُصبح هذه الكائنات متوحّشة وحادّة تجاه الخطر حفاظا على حياة الصّغار بشكل أساسيّ, فالطّيور والخفافيش (الوطاويط) مثلا لا تتوانـى في مهاجمة الباحثين يأخذون صغارها من الأعشاش لغرض البحث والدّراسة (79), وكذلك الحمير الوحشية أو الزيبرا التي تعيش على شكل مجاميع.

وعندما يتهدّد الخطر حيوانات مثل ابن آوى تقوم المجموعة بتوزيع الأدوار فيما بينها لحماية الصّغار والذّود عنهم بكل شجاعة وإقدام، وتحمي الزّرافة صغيرها تحت بطنها وتهاجم الخطر بساقيها الأماميّتين، أمّا الوعول والظباء فتتميّز بحساسيّة مفرطة وتهرب عند إحساسها بالخطر, وإذا كان هناك صغير ينبغي الذّود عنه، فلا تتردّد في الهجوم مستخدمة أظلافها الحادّة.

أمّا اللّبائن الأصغر حجما والأضعف جسمًا، فتقوم بإخفاء صغارها في مكان آمن، وعندما تحُاصر تصبح متوحشّةً ومتوثبّة في وجه العدو الذي يجابهها، فالأرنب مثلا مع فرط حساسيّتة وضعفه يتحمّل المشقّة والصّعاب من أجل حماية صغاره, فهو يسرع إلى عشّه أو وكره ويعمد إلى ركل عدوّه بأرجله الخلفيّة، ويكون هذا السّلوك أحيانا كافيا لإبعاد الحيوانات المفترسة.

وتتميّز الغزلان بكونها تعمد إلى الجري وراء صغارها عند اقتراب الخطر منها, فالحيوانات المفترسة غالبا ما تهاجم من الخلف لذلك، فإن الغزال الأمّ تكون بذلك أقرب ما يكون من صغارها وتبعدهم عن مواطن الخطر, وفي حالة اقتراب الخطر تجتهد في صرف نظر الحيوان المفترس بهدف حماية صغيرها.

وهناك بعض اللّبائن تستخدم ألوان أجسامها للتّمويه وسيلة لدرء الخطر إلاّ أنّ صغارها تحتاج إلى توجيه وتدريب على وسيلة الاختفاء هذه، وكمثال على ذلك حيوان اليحمور حيث تقوم الأنثى بالاستفادة من لون صغيرها في خطّة للتنكّر بهدف الإفلات من الأعداء, فهي تخفي صغيرها بين شجيرات وتجعله ساكنا لا يتحرك، ويكون جلد الصّغير بنّي اللّون مغطًّى ببقع بيضاء, وهذه التّركيبة اللّونية مع أشعّة الشّمس المنعكسة تكون خير وسيلة للانسجام مع لون الشّجيرات التي تحيط به، وهذه الطريقة في التخفّي تكون كافيةً لخداع الحيوانات المفترسة التي تمرّ بالقرب منه، أمّا الأمّ فتبقى على بعد مسافةٍ قصيرةٍ تراقب ما يحدث دون أن تثير انتباه الأعداء، غير أنّها تقترب أحيانًا من صغيرها لكي ترضعه. وقبل ذهابها إلى الصيّد تجبر صغيرها على الجلوس بواسطة منخرها، ويكون الصّغير عادة متيقظا وحذرًا, وعندما يسمع صوتا غير عاديّ سرعان ما يعود إلى الجلوس والاختفاء خوفا من أن يكون مصدر خطرٍ بالنّسبة إليه. ويظلّ الوليد على هذا الشّكل حتّى يصبح قادرًا على الوقوف على قدميه والتّنقّل مع أمّه.

و ثمّة حيوانات تُظهر ردّ فعلٍ عنيف تجاه العدوّ المرتقب، بل وتوجيه ضرباتٍ بهدف تخويفه وإبعاده مثل البوم وبعض أنواع الطّيور التي تسلك سلوكا استعراضيّا يتمثّل في مدّ جناحيه فيبدو أكبر من حجمه الطّبيعي.

وهناك طيور تقلّد فحيح الأفاعي لإرهاب الأعداء مثل طائر ذو الرأس الأسود الذي يصدر أصواتا صاخبة ويرفرف بجناحيه داخل عشّه, ويبدوا الأمر مخيفا داخل العشّ المظلم وسرعان ما يلوذ العدوّ بالفرار أمام هذه الضّوضاء والحركة.

والظّاهرة الملحوظة لدى الطّيور التي تعيش على شكل تجمّعات هي العناية التي يوليها الكبار للصّغار وحرصهم على حمايتها وخصوصا من خطر طيور النّورس إذ ينطلق فرد أو اثنان بالغان ويحومان حول مكان تجمّع الأسراب لترهيب النّوارس وإبعادها عن الصّغار.

ومهمّة الحماية هذه يتمّ تنفيذها بالتّناوب بين الطّيور البالغة وكلّ من ينهي مهمّته يذهب إلى مكان آخر بعيد تتوفّر فيه المياه للصّيد والتّغذية وجمع الطّاقة للعودة مرّة أخرى.

وتتميّز الوُعول بروح التّضحية من أجل صغارها خصوصا عندما تشعر بخطر يداهم صغيرها، فهي تقوم بحركة غاية في الغرابة إذ تلقي بنفسها أمام هذا الحيوان المفترس لتلهيه عن افتراس ولدها الصغير.

وهذا الأسلوب يمكن ملاحظته في سلوك العديد من الحيوانات مثل أنثى النّمر التي تجتهد في القيام بما في وسعها حتّى تصرف انتباه الأعداء المتربّصين بصغارها.

أمّا الرّاكون فأوّل ما يفعله عند إحساسه بالخطر الدّاهم هو أن يأخذ صغاره إلى قمّة أقرب شجرة، ثمّ يسرع نازلا إلى الحيوانات المفترسة ويكون وجها لوجه معها, ومن ثمّ يبدأ بالفرار إلى ناحية بعيدة عن مكان الصّغار ويستمر في الابتعاد حتّى يطمئنّ إلى زوال الخطر وعندئذ يتسلل خلسةً عائداً إلى صغاره.

وهذه المحاولات لا يُكتب لها النّجاح دائماً، لأنّ الصّغار قد ينجون من خطر المفترسين إلاّ أنّ الأبوين قد يتعرّضان للموت والهلاك.

وهناك طيور تقوم بتمثيل دور الجريح لصرف نظر العدوّ المفترس عن الفراخ الصّغيرة، فعند إحساس الأنثى باقتراب الحيوان المفترس تتسلّل بهدوء من العشّ ولماّ تصل إلى مكان وجود العدوّ تبدأ في التخبّط وضرب أحد جناحيها على الأرض وإصدار أصوات مليئة بالاستغاثة وطلب النّجدة, بيد أنّ هذه الأنثى تأخذ حذرها اللاّزم فهي تمثّل هذا الدّور على بعد مسافة ما من الحيوان المفترس, ويتوهّم أنّ الأنثى المستغيثة تعتبر غنيمة سهلةً ولكنّه بذهابه في اتجاهها يكون قد ابتعد عن مكان وجود الفراخ الصّغار, ثمّ تنهي الأنثى تمثيلها وتهبّ طائرة مبتعدة عن الحيوان المفترس.

وهذا المشهد التّمثيلي يتمّ أداؤه بمهارة مقنعة للغاية، وكثيرًا ما تنطلي هذه الحيلة على القطط والكلاب والأفاعي وحتى على بعض أنواع الطّيور.

أمّا الطّيور التي تبني أعشاشها مع مستوى سطح الأرض، فيُعتبرُ التمثيل أداة فعّالةً وناجعةً في حمايةِ فراخها من الأعداء المفترسين، فالبطّ مثلايقوم بتمثيليّة العاجز عن الطّيران من على الماء عند إحساسه بقدوم الحيوانات الخطرة, ويظلّ هكذا يضرب بجناحيه على سطح الماء مع إحتفاضه بمسافة أمان بينه وبين الحيوان المتربّص به، وعندما يطمئنّ بأنّ الحيوان المفترس قد ابتعد عن عشّ الفراخ يقطع مشهده التّمثيليّ ويعود إلى عشّه.

وهذا السلوك ليس قاصرا على هذه الأنواع من الحيوانات، بل إن الحشرات أيضا تحمي صغارها من المهالك.

ويعتبر عالم الأحياء السّويدي (أدولف مودر) أوّل من اكتشف رعاية الأبوين للصّغار في عالم الحشرات وذلك سنة 1764 عندما كان يجري أبحاثه على حشرة (المدرع الأوروبي) فوجد أنّ الأنثى تجلس على بيضها دون أكل أو شرب، وتصبح هذه الأنثى مقاتلة شرسة عندما يقترب الخطر من بيضها.

وكان العلماء والباحثون في تلك الفترة أو ما قبلها لا يقبلون فكرة رعاية الحشرات لصغارها، وسببُ ذلك يورده لنا البروفسور دوغلاس.و.تللاني من جامعة ديلاور والذي يعمل أستاذا في علم الحشرات ويؤمن بنظرية التطور، فيقول:( تجابه الحشرات مخاطر عديدة أثناء دفاعها عن صغارها، ويتساءل العلماء في مجال الحشرات عن السرّ في عدم انقراض هذه الخصلة (خصلة الدفاع والحماية) أثناء عملية التّطور، لأنّ وضع البيض بأعداد كبيرة أفضل استراتيجياّ من اتباع وسيلة الدّفاع المحفوفة بالمخاطر والمهاك )

ويعلّق دوغلاسن.و.تللاني أحد دعاة التّطور على هذا التّساؤل المحيّر ويرى أنّه يجب أن تنقرض هذه الميزة حسب فرضيّات نظرية التّطور, ولكنّ الموجود والملاحظ في الطّبيعة أنّها لا تزال موجودة وبصور عديدة سواء في عالم الحشرات أو غيرها وليس دفاعا عن الصّغار فحسب بل عن الكبار أيضا.

هندسة الحيوانات:

قال حذيفة: من دلائل الوعي التام لأمم الحيوانات التي ورد النص عليها في القرآن الكريم ما ذكره الله تعالى من وحيه للنحل بكيفية بناء بيوتها، فقال تعالى:﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل:68)

قال علي: في هذه الآية إشارة عظيمة لحقائق كثيرة ترتبط بما حبى الله هذه الكائنات من علم بالهندسة التي يتطلبها بناء بيوتها [52].

وسأذكر لك ما ذكره العلماء في هذا الباب مما يعمق فهمنا للآية الكريمة:

فبما أن هناك دورا كبيرا للمنازل والأعشاش التي تبنيها الحيوانات في رعاية وتنشئة الصغار، فقد اختلفت أساليب الحيوانات في طريقة إنشاء هذه الأعشاش بتفاصيل تقنية باهرة، بل في أحيان كثيرة تتصرف الحيوانات مثل مهندس معماري بارع، وتعمل على شاكلة بنّاء ماهر في عمله، وتجد حلاّ لكل مشكلة قد تواجهها أثناء البناء تماما مثل المهندس، ومثل أخصائي في الديكور حيث تقوم بتوفير ما يلزم لداخل العش، وفي أحيان كثيرة أخرى تعمل هذه الحيوانات ليل نهار للإعداد لهذه الأعشاش، وإذا كان لهذه الحيوانات أزواج فتقوم بتوزيع الادوار والتعاون في صورة مثيرة للإعجاب.

ومن أكثر الأعشاش والمنازل التي يعتنى بها عناية خاصة من قبل البالغين هي التي تنشأ لاستقبال الصغار الجدد.

 والتقنية التي تستخدمها هذه الكائنات غير العاقلة تثير الإعجاب والدهشة في آن واحد، فهذه الحيوانات تخطط وتخطو مراحل متعددة قبل الشروع في بناء أعشاشها أو منازلها لوضع بيضها أو ولادة صغارها، كذلك تختار هذه الحيوانات المكان الأمثل والأكثر أمنا لإنشائها, فهذه الحيوانات لا تنشئ منازلها عبثا وأينما اتفق.

وطريقة بناء العش أو المسكن يتم اختيارها من قبل الحيوان أو الطير وفقا للمواد الأولية المتوفرة وظروف البيئة الخارجية، فمثلا تستخدم الطيور البحرية الأعشاب البحرية التي تطفوا على سطح الماء وتقاوم الأمواج في بناء أعشاشها، أمّا الطيور التي تعيش في مناطق الأعشاب الطويلة فتنشئ أعشاشا عميقة وواسعة لتفادي السقوط عند هبوب الرياح، والطيور الصّحراوية تبني أعشاشها على قمم النباتات التي تمتاز بانخفاض درجة حرارتها أقل بعشر درجات عن درجة المحيط، وإلاّ فإنّ درجة حرارة اليابسة تربو على 45 درجة، وهي تؤدي حتما إلى موت الأجنة الموجودة داخل البيض.

ويتطلب اختيار المكان المناسب لبناء العش ذكاء ومعرفة واسعة، إلاّ أن هذه المخلوقات لا تستطيع أن تتوقع مدى الضرر الذي سيلحق بمنازلها بتأثير الأمواج العاتية أو درجة الحرارة العالية للبيئة الصحراوية.

ولا تكتفي هذه الحيوانات ببناء المنازل، وإنمّا تبني أعشاشا وهمية لمجرد التمويه بهدف لفت الانتباه إلى هذه الأعشاش الوهمية حفاظا على حياة الصغار من خطر الأعداء.

ومن الأساليب التي تستخدمها الحيوانات للتمويه بناء الأعشاش بين أغصان الأشجار الكثيفة الأوراق أو فوق النباتات الشوكية، وبعض أنواع الحيوانات تنشئ لها أوكارا خاصة تبيض فيها وترقد على بيضها وتقوم بإنشاء جدار خاص لمدخل هذا الوكر باستخدام الطين الموجود في البيئة الخارجية، وإذا لم يوجد تقوم بإفراز سائل خاص تخلطه مع كمية من التراب لإعداد الطين اللازم لإنشاء هذا الجدار الواقي.

وأغلب أنواع الطيور تبني أعشاشها غريبة الشكل باستخدام ألياف النباتات أو الأعشاب والحشائش البرية المتوفرة في البيئة، والجدير بالذكر أن الطير الّذي سيبيض لأول مرة في حياته يبني عشه بإتقان بالغ دون أن يكون له سابق معرفة أو خبرة ببناء الأعشاش.

والحيوان على علم تام بكيفية بناء العش أو المسكن، وبالكيفية الخاصة بنوعه والمتميز بها عن الأنواع الأخرى اعتبارا من أول لحظة له في هذه الحياة، وكل نوع من أنواع الحيوانات يبني منزله بالكيفية نفسها في أية منطقة من مناطق العالم.

واللافت للنظر عند دراسة كيفية بناء الحيوانات لمنازلها ليس فقط التخطيط البارع وإنما التضحية والتعاون اللّذين يبديهما كل من الذكر والأنثى في البناء.

ولو تمعّنا في عملية إنشاء الطيور لأعشاشها لأدركنا مدى الصعوبات التي تلاقيها والجهد الضخم الذي تبذله والتفاني الذي تبديه في سبيل إتمام بناء هذه الأعشاش. فالطير الواحد يقوم بعدة مئات من رحلات الطيران في سبيل إنشاء عش للتمويه فقط فما بالك بالجهد اللازم لبناء العش الحقيقي، والطير لا يستطيع أن يحمل في منقاره سوى قطعة أو قطعتين من المواد اللازمة لبناء العش من أغصان أو غيرها، ولكن هذا الأمر لا يثير في الطير الشعور بالملل وإنما بالعكس من ذلك يثابر على العمل بكل صبر، وإذا شعر بتعب أو إرهاق لا يترك العمل ولا يترك ما في منقاره ولا يهمل أي تفصيل من التفاصيل اللازمة لبناء العش.

4 ـ منطق الحيوانات

بينما كان علي وحذيفة في حديثهما ذلك إذ مر بهما رجل يحمل قفصا فيه ببغاء تكبر الله، وتسبحه، فتعجب حذيفة عجبا شديدا، وقال: لقد ذكرتني هذه الببغاء بقوله تعالى:﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل:16)

فقد اعتبر سلميان u علم منطق الطير من العلوم الفاضلة.

قال علي: أجل.. فمن أكبر مظاهر كمال وعي الحيوان بنفسه خاصية التعبير عن نفسه وحاجاته.

وقد اجتهد العلماء المعاصرون لإدراك شيء من لغات الكائنات الحية ووسائل التفاهم بينها، مستخدمين في ذلك تقنيات خاصة حديثة لتسجيل الموجات الصوتية وتحويلها إلى رسم بياني منظور على أجهزة خاصة لتسجيل الذبذبات وقياس الفروق بين الأصوات التي لا نستطيع الأذن الآدمية تمييزها.

قال حذيفة: لقد ذكر القرآن الكريم منطق حيوانين هما الهدهد والنملة:

أما الهدهد فقد وردت قصته في قوله تعالى إخبارا عن بعض ما وهب سليمان u من الملك أنه ذات يوم:﴿ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾(النمل:20)

وبنبرة الحزم التي تقتضيها السلطة ، قال:﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾(النمل:21)

وبعد مدة جاء الهدهد ، ومعه الحجة التي يبرر بها غيابه ، وهي حجة جعلته يدخل على سليمان u مزهوا فاخرا ، ليقول له:﴿  أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾(النمل:22)

ثم ذكر النبأ اليقين الذي جاء به ، فقال:﴿ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾(النمل:23)

وبنبرة الغاضب لله قال:﴿  وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾(النمل:24)

وبنبرة العارف بالله والناصح لخلق الله قال:﴿ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾(النمل)

وقد عبر عن معرفته لله بحسب حاله [53]  ، فذكر من صفات الله أنه ﴿ يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾

أما النملة ، فقد وردت قصتها في قوله تعالى:﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾(النمل:18)

وهي تمثل بقولها هذا عالما جليلا من عوالم الرحمة والتكافل والأدب مما يقصر الكثير من البشر المتطاولون عن البلوغ إليه.

فقد كانت في موضع تهديد بوطء جيش سليمان u لها ، فلم تكتف في تلك اللحظة المملوءة بالرعب أن تفر بنفسها ، بل التفتت إلى النمل من أصحابها أن يفروا بأنفسهم.

وهي في تلك اللحظة لم تتخل عن الأدب ، فذكرت عذر سليمان u وجنوده ، وهو أنهم قد يطؤونهم من غير شعور منهم ، وهو خلق نبيل قل من يكون عليه من البشر.

قال علي: صدق الله العظيم.. أتدري سوء ما يفهمه بعض قومنا من هذا؟

قال حذيفة: وما يفهمون؟

قال علي: يقصرون الأمر على سليمان u ، ويحجرون على غيره أن يكلم حيوانا، أو يكلمه حيوان.

قال حذيفة: صدقوا فيما ذهبوا إليه ، فقد طلب سليمان u ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، كما قال تعالى:﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (صّ:35)، وهذا من ذاك.

قال علي: لو كان هذا من ذاك ما سمع رسول الله r الحيوانات، وهي تحدثه، ألم يرد في النصوص أن جملا جاء إلى رسول الله r يشكو صاحبه، فقد دخل رسول الله r حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي r حن وذرفت عيناه فأتاه رسول الله r فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال r:(  أفلا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتذيبه )[54] 

وفي حادثة أخرى قال رسول الله r لصاحب البعير:( بعنيه )، فقال:( لا بل أهبه لك يا رسول الله، وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره )، فقال:( أما إذا ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف، فأحسنوا إليه )

ومثل ذلك روي عن الغزال عن أنس ابن مالك قال:مر رسول الله r على قوم قد صادوا ظبية فشدوها إلى عمود فسطاط، فقالت:( يا رسول الله إني وضعت ولدين خشفين فاستأذن لي أن ارضعهما ثم أعود ) فقال رسول الله r:( خلوا عنها حتى تأتى خشفيها فترضعهما وتأتى إليكما )، قالوا: ومن لنا بذلك يا رسول الله؟ قال:( أنا )، فأطلقوها فذهبت فأرضعتهما ثم رجعت أليهما فاوثقوها، قال:( أتبيعونها؟)، قالوا: يا رسول الله هي لك، فخلوا عنها، فأطلقوها فذهبت[55].

قال حذيفة: صدقت.. ولكن ذلك رسول الله r.

قال علي: لا بأس.. فقد أخبر r عند ذكره لعلامات الساعة:( والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنسان، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده )[56] 

قال حذيفة: تلك من علامات الساعة.

قال علي: لقد أخبر الرسول r عن حكاية الذئب الناطق، فقال r:(  بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب ،فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه فالتفت إليه الذئب فقال له من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري ) وتعجب الناس قائلين:( سبحان الله)، قال r:(  فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر )

وليس مقصد رسول الله r بذلك تخصيص أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ، فإن تصديق رسول الله r واجب على كل مؤمن، وإنما مراده أن التحقق يهذه المعرفة لا يكون إلا لقلوب قد تطهرت من نجاسة الأوهام التي لا تصدق إلا الحس.

وفي حديث آخر قال r:(  بينما رجل يسوق بقرة له، قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة، فقالت:( إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خلقت للحرث )، فقال الناس:( سبحان الله ) تعجبا وفزعا، أبقرة تكلم، فقال رسول الله  rفإني أومن به وأبو بكر وعمر)[57]

وهذا الحديث لا يعني فقط جانبه الإعجازي، ولعله r لم يقصده بادئ الرأي، وإنما فيه الإشارة إلى أن لكل مخلوق الحدود الضابطة لوظيفته وتسخيره، وأن هذا الحيوان الذي نتصوره أعجم هو من الوعي ما يدرك به حقيقته ووظيفته.

ولعل الثور الهائج الذي يمتطيه مدعي الفروسية، والناس من حوله يضحكون ويصفقون يصيح بملء فيه بما صاحت هذه البقرة، ولكن صياحه لا تسمعه إلا آذان الروح.

قال حذيفة: صدقت.. ولم أرد أن أجادلك في هذا.. ولكني أحببت أن أسمع منك ما ذكرته.. وإلا فإن النصوص الكثيرة تطفح بمثل هذا، ولكني أخشى أن يتسرب بعض هذا الحديث لمن لا يعون الحقائق، فيجعلون ذلك مسبة للإسلام.

قال علي: لا.. لن يفعلوا.. وإن فعلوا، فإن أول من يثور في وجههم هم علماء الحيوان أنفسهم.

قال حذيفة: كيف ذلك؟

قال علي: لأن علم الحيوان لا يسير نحو إثبات لغة الحيوان فقط، بل يسير نحو محاولة فهمها.

وسأضرب لك مثالا عن لغة من لغات الحيوانات، وهي لغة الرائحة، فقد أثبتت الدراسات العلمية [58]  أن لكل نوع من أنواع الحيوانات رائحة خاصة به، وداخل النوع الواحد هناك روائح إضافية تعمل بمثابة بطاقة شخصية أو جواز سفر للتعريف بشخصية كل حيوان أو العائلات المختلفة، أو أفراد المستعمرات المختلفة.

و الرائحة تعتبر لغة خفية أو رسالة صامتة تتكون مفرداتها من مواد كيماوية أطلق عليها العلماء اسم ( فرمونات )، وهي بمثابة الحروف، وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الروائح ( فرمونات )، فالإنسان يتعرف على العديد من الروائح في الطعام مثلاً، ولكنه لا يتخاطب أو يتفاهم من خلال هذه الروائح، ويقصر الباحثون استخدام كلمة ( فرمون ) على وصف الرسائل الكيماوية المتبادلة بين حيوان من السلالة نفسها. وعليه فقد توصف رائحة بأنها ( فرمون ) بالنسبة إلى حيوان معين، بينما تكون مجرد رائحة بالنسبة لحيوان آخر.

وقد أثبت العلم [59]  أن للحيوان لغته الخاصة، فلكل نوع من أنواع الحيوانات لغة خاصة به، يتفاهم بها، ويتعارف مع غيره على أحوال ما حوله.. فهذه هي الدجاجة التي تصدر أصواتاً مميزة، فنرى صغارها أقبلت في سرعة تلتقط معها الحب.. وتصدر أصواتاً مخافة، فإذا بالصغار تهرول إلى العش في لحظة.

ويقول ( ألن ديفو) أحد علماء الحيوان أنه وقف يوماً يراقب ثلاثة من صغار الثعلب تلعب حول أمها، وإذا بصغير منها يدخل في الغابة، ويبتعد عنها بعدا بحيث غاب عن النظر، فاستوت الأم قائمة ومدت أنفها إلى الناحية التي ذهب منها ،، وبقيت على حالها هذه برهة عاد بعدها الصغير في اتجاه أمه لا يلتفت يمنة أو يسرة، كأنما كانت تجذبه بخيط لا تراه العين.

ومن الدراسات المماثلة أمكن لعلماء الحيوان تعلم لغة الحيوانات.

فالنحلة إذا عثرت على حقل مزهر عادت إلى الخلية وما إن تتوسطها حتى ترقص رقصاً خاصاً، فإذا بالنحل يندفع إليها، ويسير خلفها إلى حيث تهديه النحلة إلى الزهور.

وقد لوحظ أن أسراب الفيلة، لا تكف لحظة عن غمغمة، طالما هي تسير في رهط، فإذا تفرقت الجماعة، وسار كل فيل على حدة انقطع الصوت تماماً.. ومن أعجب ما يؤيد لغة الفيلة، تلك الأصوات المزعجة التي تلاحظ عندما تجتمع الفيلة المحكوم عليه ليعيش وحيدا ويسير منفرداً.. فقد حكمت عليه الفيلة بالعزلة والوحدة.

وأصوات الغراب مميزة تميزاً واضحاً.. فنعيبه أكبر على الخطر، وهو يصدره ليحذر به أبناء جنسه، بينما يصدر في مرحه ولعبه أصواتاً أخرى تقرب من القهقهة.

ومما يثبت تفاهم جماعات الغربان ما تأتيه في حياتها من أمور تكاد تكون عجيبة، إذ المتداول أن الغراب من الطيور الحقيرة التي يمر عليها الإنسان دون انتباه، ويقول (اكلاند):( إن الغراب يفوق الطيور الأخرى منه حجماً، والأقوى منه، بسبب مكره الممتاز، وبالرغم من أن الغراب لص، وفيه عيوب أخرى من سفاهة ودناءة وخسة، فهو طائر مسل عندما تراقبه.. راقب جماعة من الغربان وقت نومها، تجد أنه بعد محادثة طويلة ذات ضوضاء مع جيرانها، وانتقالها من مكان إلى آخر، يستقر العجوز على فرع شجرة، ويبدأ في التأهب للنوم مبكراً، وما يكاد يفعل حتى تأتي بعض الغربان الأشقياء، تدور حوله مرة أو مرتين، ثم تحط بجواره حتى يوشك أن يفقد توازنه أو تصطدم به عمداً لزحزحته من مكانه.. فيعلوا صراخه لانتهاك حرمته، وإقلاق راحته، بصوت مميز، وتتكرر هذه المحاولات وتصيح صغار الغربان بأصوات ضاحكة تعلن عن فرحها.. وليس هناك أدنى شك في أن الأغربة مغرمة بالهزل، وتنظم الألعاب لنفسها. فقد قرر العلماء أنها تلعب المساكة والاستغماء )

و مما لوحظ في دراسة حياة الغربان أنها تحب كل الأشياء التي تبرق في الشمس، ولكل غراب مخزنه السري الخاص به الذي قد يكون ثغرة في شجرة، أو تحت سقف برج قديم، أو خلف حجر في كوبري، وقد وجد أن بأحد المخازن التي أمكن اكتشافها، من دراسي حياة الغربان قطعة من مرآة مكسورة ويد فنجان، وقطعة من صفيح وأخرى من معدن، وأشياء تافهة متنوعة كلها تتفق في أنها تتألق في الشمس.

ويفهم الحيوان لغة الإنسان ويستجيب لها، كما يدعو الإنسان الدجاج إلى الغذاء بصوت معروف، ويدعوا الإوز والبط بصوت مغاير ويدعو الدواب إلى الشراب بالصفير كما يستطيع الأولاد في الريف عند صيد السمك من جذبه قريباً منهم بأصوات خاصة.

وكلنا نعلم أن الكلب في المنزل أن الكلب في المنزل يعرف بل ينفذ أوامر سيده، وفي أمريكا رجل اسمه (جاك ماينز) تخصص في دراسة الإوز البري، وبلغ من علمه بلغتها، أنه يستطيع أن يدعو سربا طائراً إلى النزول، حيث يختفي وذل بأن يخاطب الإوز بلغتها ويخبرها بوجود بركة صالحة وطعام كثير.

وقد يستطيع الإنسان أن يبادل الحيوان لغته ويتفاهم معه، فقد كتب (مورتون طمسون): أن أخاه لويس  الطالب بمدرسة الطيران كان يسمى (لويس الحصان) إذ أنه كان يكلم الخيل ويحادثها، وبدأ بذلك وهو طالب في مدرسة قرية في (سان دييجو)، وكان بها خيول غير مروضة، كثيراً ما قضى معها لويس الأوقات الطويلة، يلاعبها ويروضها، ولم يقضي إجازته، بل ولا فسحته إلا إما راكباً أو مصاحباً حصاناً. وكان يراهن التلاميذ على أي حصان يفوز في سباقها.. ولم يحدث أن أخطأ مرة، ولما حاول أخوه أن يهتدي إلى سر ذلك، أجابه أن الخيل تخبرني عن حالتها في الجري، ورأيها في راكبها، وفي المضمار، وكثيراً ما وضع ذلك موضع الاختبار والامتحان، فكان يذهب إلى حلبة الخيل في أي مكان وكلما مر به حصان نظر إليه لويس نظرة متسائلة بصوت معين، فيلتفت الحصان ويلوي عنقه بهزات معينة، وهمهمة خاصة، ثم أخيراً ينطق لويس برقم الحصان الذي سيفوز )

***

 ما بلغ علي وحذيفة من حديثهما إلى هذا الموضع حتى أذن آذان المغرب، فقال علي لصديقه حذيفة: لقد انشغلنا بالحديث على هذه العوالم من خلق الله.. فلم ندري كيف مر كل ذلك الوقت.. فهيا بنا لنصلي لله الذي لم نر الخير إلا منه.

ثم سارا.. ولم ندر كيف جرى صاحبنا عالم الحيوان نحوهما، وهو يقول ـ وقد انشغل عنا كل الانشغال ـ: اعذراني.. لقد كنت أتنصت عليكما، وقد سمعت من حديثكما عجبا كثيرا، فكيف لي أن أتحقق منه؟

قال علي: لقد قلنا كلاما كثيرا.. فأي كلام تريد أن تتحقق منه؟

قال عالم الحيوان: تلك الآيات العجيبة من القرآن التي كنت تقرؤها..

قال علي: هي من كلام الله.. وهي في القرآن الكريم.. وهو كتاب الحقائق الأزلية.

ثم أخرج من محفظته مصحفا، وسلمه إياه، وقال: اسمعه بقلبك وعقلك ووعيك.. وسيحدثك من الأعاجيب ما لا يخطر لك على بال.

أمسك عالم الحيوان بالمصحف، كما يمسك أحدنا بالدرة اليتيمة، وقال: شكرا لك.. هذا أكبر تكريم كرمت به في حياتي.

أحسست بأنوار عظيمة تتنزل على صاحبي عالم الحيوان.. وبمثله شعرت بأن بصيصا من النور قد نزل علي.. اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

 

 



([1]) انظر: تفسير ابن كثير: 7/65.

([2]) هناك تفاصيل كثيرة مرتبطة برحمة الإسلام بالحيوان نتناولها في الجزء المعنون بـ ( رحمة للعالمين) من هذه السلسلة.

([3]) رواه البخاري.

([4]) رواه البخاري ومسلم.

([5]) رواه أحمد.

([6]) أحمد.

([7])انظر: من الآيات العلمية ، الأستاذ العلامة عبد الرزاق نوفل  رحمه الله.

 

([8]) في ظلال القرآن.

([9]) رواه البخاري: 3/1202 ، مسلم: 4/2092.

([10]) رواه الطبراني مرفوعا، انظر: تحفة الأحوذي: 9/300.

([11]) رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، انظر: ابن كثير: 3/212.

([12]) وردت كملة (الإبل)، وما يشير إليها (الناقة، والبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والضامر، والجمل، والحام) في المواضع التالية:  الأنعام(144) الغاشية(17) الأعراف (73،40،77) هود(64) الإسراء(59) الشعراء(155) القمر(27) الشمس(13) الحج(27) المائدة(103)

([13]) انظر: كتاب رحيق العلم والإيمان، الدكتور أحمد فؤاد باشا.

([14]) انظر: اكتشاف في ألبان الإبل..الأجسـام المضـادة النانوية، د. عبد الجواد الصاوي، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([15]) سنذكرها عند ذكر أبوال الإبل في هذا المطلب.

([16]) مجلة العلوم الأمريكية في عددها الصادر في أغسطس عام 2005م.

([17] )  رواه كلٌّ من: البخاري ( 1 / 69 و382 - 2 / 251 – 3 / 119 - 4 / 58 و299 ) ومسلم ( 5 / 101 ) وأبوداود ( 4364 – 4368 ) والنسائي ( 1 / 57 – 2 / 166 ) والترمذي ( 1 / 16 – 2 / 3 ) وابن ماجه ( 2 / 861 و2578 )

([18] )  انظر: جده: الوطن،  أمجاد محمود رضا، وانظر: في مقالة في جريدة الاتحاد العدد 9515 تاريخ 7/24/2001، وموقع http://www.alittihad.co.ae/

([19]) ذكرت البقرة وما يدل عليها في القرآن الكريم (البقر والعجل، ويشمل عجل إبراهيم السمين وعجل له خوار الذي اتخذه بني إسرائيل إلهاً) في المواضع التالية: هود(69) البقرة (70،71،93،92،54،69,68،51،67)،الأنعام(144،146)،النساء(153)، الأعراف (148،152) طه (88) الذاريات(26)

([20]) ذكر بعض الباحثين بالنسبة للون أن كونها صفراء فاقع لونها، قد يشير إلى أنها شديدة البياض حيث تصف العرب الروم ذو البشرة البيضاء ببني الأصفر وللون الأبيض علاقة أيضاً بالإنتاج فهو عاكس للضوء والحرارة بعكس الأسود الذي يمتصهما وبالتالي يقلل الإنتاج خاصة في الصيف بينما الإنتاج في البقر الأبيض صيفاً إنتاجه وفير مثل الشتاء ذو المعدلات العالية في الإنتاج.

ولا نرى صحة تفسير اللون الأصفر باللون الأبيض، لأنه يخالف ظاهر ما يدل عليه القرآن.. وقد يكشف العلم في المستقبل خصائص معينة للأبقار الصفراء، فلا ينبغي الاستعجال في مثل هذا.

([21]) انظر: الأسرار الخفية في أصغر الكائنات الحية – معجزة علمية ، بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا.

([22]) انظر: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ، بقلم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك، باحث لغوي في الإعجاز البياني للقرآن الكريم ومدرس للغة العربية، موقع موسوعة الإعجاز العليمي في القرآن والسنة.

وقد ذكرنا العناكب هنا من باب التغليب لأن العلماء يصنفونها على أنها من العنكبيات، التي تختلف عن الحشرات في عدة أشياء. فالعناكب مثلاً لها ثمانية أرجل، بينما للنحل والنمل والخنافس والحشرات الأخرى ستة أرجل فقط.

وإضافة إلى ذلك تمتلك معظم الحشرات أجنحة، وقرون استشعار، وهذه غير موجودة في العناكب. وتشمل العنكبيات الأخرى: العقارب والحصَّاد والقُمّل، والقراد.

([23]) وإن اشترك الذكر في بعض الأوقات بالمساعدة في عمليات التشييد‏,‏ أو الترميم‏,‏ أو التوسعة‏,‏ فإن العملية تبقى عملية أنثوية محضة.‏

([24]) انظر: الفراشة الحشرة الخارقة، هارون يحيى ، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([25])  اقتبسنا هذه الاكتشافات من كتاب: رحيق العلم والإيمان الدكتور أحمد فؤاد باشا.

 

([26])  وقد أحصى العلم منها خمسة عشرة ألف نوع من أنواع النمل متعددة الألوان والأشكال تعيش في كل بقاع الأرض، منها النمل الأبيض الذي تضرب جنوده برؤوسها الكبيرة جدران الأنفاق إذا شعرت بهجوم على عشها أو أي خطر يتهددها فيفهم ذلك باقي أفراد النوع وتقوم بحماية نفسها من الخطر المحدق بها.

([27]) أبو داود.

([28]) أحمد وأبو داود وابن ماجة.

([29])  السيرة الذاتية: 523.

 

([30]) والعلم يقترب أكثر لمحاولة تحليل لغة النمل، وقد حاولت إحدى المهتمات بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم بمحاولة مقابلة ما وصل إليه العلم من ذلك مع ما ورد في القرآن.

فوجدت أن العلم الحديث توصل إلى أن أهم وسيلة لتواصل النمل في مواقف الخطر والإبلاغ على هدا الخطر هي طريقة التواصل الكيماوية، حيث يصدر النمل أنواعا مختلفة من المواد.. كل مادة تعبر عن شيفرة  خاصة من الكلام، بحيث إذا تبعنا تسلسل إخراج هده المواد من النملة التي بلغت عن الخطر سنجده بالضبط يوافق ما ذكرته النملة في سورة النمل.

فالمواد الكيماوية التي تستخرجها النملة من جسمها في موقف كهذا تنقسم إلى أربع مواد مختلفة، كل مادة تحمل معها لغة وشفرة معينة من الكلام.

فأول مادة تصدرها النملة اذا شعرت بوجود الخطر هي مادةaldéhyde l’hexanal وهي تعد بمثابة صفارة إنذار، فالنمل عند استقباله لهذه المادة الأولى يقوم بالتمركز والانتباه لاستقبال باقي الإشارات ،وهذا ما يطابق تماما أول عبارة نطقت بها النملة بقولها:﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ)(النمل: من الآية18)، فالياء هنا أداة للتنبيه والنداء (يا أيها)

ثم تقوم النملة بإصدار المادة الكيماوية الثانية وهي مادة l’hexanol ، وهنا النمل يجري في كل الاتجاهات لمعرفة مصدر الخبر، ولكي لا يتوجه النمل بعيداً فيجب على النملة أن تحدد لهم الطريق الذي يسيرون فيه، وهذا ما فعلته نملة سليمان u عندما قالت:﴿  ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ )(النمل: من الآية18)، وهذا توجيه من النملة لزملائها أن يذهبوا باتجاه المساكن، إذن هي حددت لهم الطريق، وهذا ما يطابق توجيه حركة النمل.

والمادة الثالثة الكيماوية التي تصدرها النملة هي مادة l’undécanone ، وهذه المادة دورها توضيح سبب الخطر لباقي النمل، وهو ما قامت به النملة في قولها في العبارة الثالثة:﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ)(النمل: من الآية18)، وفي هده المرحلة التي يستقبل فيها النمل هذه المادة يدخل في استعداد لمواجهة هذا الخطر.

وفي المرحة الرابعة النملة تصدر مادة كيماوية خاصة le butylocténal  توجه بها  باقي النمل على الدفاع وعلى نوع هدا الدفاع، ولهدا نجد النملة ذكرت في عبارتها الأخيرة:﴿  وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل: من الآية18)، وبهذا تكون النملة قد منعت باقي النمل من الانتقال إلى مرحلة الهجوم التي تؤدي إلى الموت، ولذلك فقد تبسم سليمان u وكأنه يطمئن هذه النملات أنه لا داعي للخوف لأنه يشعر بهم ويراهم وهو رحيم بهم ولن يمسهم بأي أذى.

انظر: الدفاع عن النفس عند النمل ، وديعة عمراني، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([31]) انظر: لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً، آلاء يوسف كبها، الجامعة العربية الأمريكية قسم الأحياء والتقنيات الحيوية فلسطين، جنين، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([32])انظر: كتاب التصميم في الطبيعة،تأليف الكاتب التركي هارون يحيى.

([33]) انظر: آيات قرآنية في مشكاة العلم، يحيى المجري.

([34] )  البخاري وغيره.

([35] )  جريدة تشرين الدمشقية بتاريخ 16‏/‏6‏/‏ 1987.

([36] )  كما نشرت جريدة تشرين ذاتها بتاريخ 20‏/‏6‏/‏1987 النص التالي‏:‏ ‏(‏ذكرت جريدة ‏(‏‏(‏الشعب‏)‏‏)‏ الصينية الصادرة في شانغهاي أن البروتينات النشطة التي يملكها الذباب تقدر على إبادة جميع الجراثيم والفيروسات التي فيها إبادة تامة، إذا بلغت كثافتها واحداً في العشرة آلاف‏.‏ وقال النبأ‏:‏ إنه سوف يصبح للبشر مضاد جديد للجراثيم، له قدرة جبارة لامثيل له، إذا تم استخراج هذه البروتينات الغريبة من جسم الذباب‏)‏‏.‏

([37] )  انظر مقالا في هذا الموضوع للأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة الإسكندرية، نشرته مجلة (التوحيد) المصرية في عددها الخامس لسنة 1397-1977 إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر تشكك في الحديث المذكور.

([38]) انظر: د/خليل إبراهيم ملا خاطر: الإصابة في صحة حديث الذبابة. دار القبلة للثقافة الإسلامية (الرياض السعودية).

([39])د/أحمد عمر هاشم: السنة النبوية في مواجهة التحدي. سلسلة البحوث الإسلامية مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف(مصر).

([40])انظر: كتاب « رحيق العلم والإيمان » للدكتور أحمد فؤاد باشا.

([41])القرطبي: 10/134.

([42])ابن كثير: 2/576.

([43]) انظر: النحل والإنسان، الدكتور محمد نزار الدقر، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([44]) سنتحدث عن التفاصيل المرتبطة بهذا الجانب في الفصل الخاص بـ ( الداوء)

([45])الخرائطي في مكارم الاخلاق عن ابن عمر، والطبراني في الكبير وابن حبان عن أبى رزين.

([46]) البيهقي عن ابن عمر.

[47]  في ظلال القرآن: 2/1080.

([48])انظر: من آيات الله في الحيوانات، الأستاذ محمد محمد معافى علي، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

([49])انظر بحثا في تفسير الآية للدكتور زغلول النجار نشر على جريدة الأهرام العدد (42812) التاريخ 3 محرم 1425 هـ 23 فبراير 2004.

 

([50]) وهذا وفق نظرية الخلق لا وفق نظرية النشوء والتطور، فالله تعالى خلق كل شيء على صورته التي هو عليها، وهو ما تشير إليه الآية التي نحن بصددها.

([51]) انظر: كتاب التضحية عند الكائنات الحية، الدكتور هارون يحي.

([52]) انظر: كتاب التضحية عند الكائنات الحية، هارون يحي.

([53])وقد أجاب النورسي عن سبب ذكره في هذا الـمقام الـجليل هذا الوصف الرقيق بالنسبة الى الاوصاف الـجليلة ، فقال:« ان احدى مزايا الكلام البليغ هو ان يُشعر الكلامُ صنعةَ الـمتكلم التي ينشغل بها. فهدهد سليمان الذي يـمثل عريف الطيور والـحيوانات كالبدوي العارف الذي يكشف بالفراسة الشبيهة بالكرامة مواضع الـماء الـخفية في صحراء جزيرة العرب الشحيحة بالـماء، فهو طير ميمون مأمور بايـجاد الـماء ويعمل عمل الـمهندس لدى سيدنا سليمان u ، فلذلك يُثبت بـمقياس صنعته الدقيقة، كون الله معبوداً ومسجوداً له، باخراجه سبحانه ما خبىء في السماوات والارض، فيعرّف اثباته هذا بصنعته الدقيقة »

([54])أحمد وأبو داود.

([55])الطبرانى، قال الهيثمى في مجمع الزوائد: ضعيف.

([56])نقلا عن: معتصر المختصر: 1/57.

([57])مسلم: 4/1857، الترمذي: 5/615.

([58])انظر: رحيق العلم والإيمان، للدكتور أحمد فؤاد باشا.

([59])كتاب ( الله والعلم الحديث) عبد الرزاق نوفل.