الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: النبي الإنسان

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثالثا ـ الورع

ورع العوام:

ورع الصالحين:

ورع المتقين:

ورع الصديقين:

 

 ثالثا ـ الورع

خرجت من كربلاء، قاصدا عاصمة العراق (بغداد) قبل أن يزورها أولئك الظلمة الذين خربوا بنيانها، وقتلوا إنسانها، وأتوا بكل معاولهم ليحطموا حضارتها، غير مراعين في ذلك حرمة، ولا مستجيبين لنداء ضمير.

وفي حي من أحيائها العتيقة قصدت سوقا.. لعله أقدم الأسواق على الأرض، وأكثرها عراقة.. كان السلام يطل بأجنحته عليه كما لا يطل على أي سوق آخر، فلم يكن أهله يخشون متفجرات، ولا قنابل، ولا شرطة، ولا عسكرا.. بل ربما لم يكونوا يسمعون بكل ذلك.

شعرت براحة عظيمة لم أدر لها سببا، وأنا أسير في جنباته أتأمل دكاكينه، وما يعرض فيها من مختلف أنواع السلع قديمها وحديثها.

وقد شد انتباهي عدم ارتفاع الأصوات.. فقد كان الباعة كالمشترين سواء بسواء لا يعرفون صخبا ولا صياحا ولا شيئا مما عهدته الأسواق، فصار سنة لازمة فيها.

دخلت أحد الدكاكين، فرأيت البائع يعرض سلعة من السلع على زبون من زبائنه، وقد شد انتباهي أن البائع يبالغ في وصف عيوب السلعة التي يريد أن يبيعها أكثر من مبالغته في وصف محاسنها، وكأنه لا يهم ببيعها، أو كأنه لا يريد أن تخرج من دكانه.

لكن المشتري مع ذلك أصر على شرائها، فاشتراها، وخرج ليترك لي فرصة سؤال البائع عن سر إلحاحه في ذكر عيوب سلعته، فنظر إلي مبتسما، وقال: يظهر أنك غريب عن هذه البلدة، أو عن هذا الحي خصوصا.

قلت: أجل.. هذه أول مرة أدخل هذا الحي، وهذا السوق.

قال: لقد تعاهد أهل هذا السوق على أن لا يقع في أسواقهم إلا ما أمر به رسول الله r.. وألا ينتهوا إلا عما نهى عنه..

قلت: فما الذي دفعهم إلى ذلك؟

قال: لقد نزل ببلادنا رجل من ورثة رسول الله r يقال له (بشر)[1] .. وقد ملأ قلوبنا ـ بكلامه وسلوكه ـ مهابة من الوقوع في الحرام والشبهات..

لقد دخل علي مرة هذا الدكان، فرآني أعرض السلع الحسنة، وأخفي القبيحة، فذكرني بحديث لرسول الله r.. جعلته شعاري وديدني في تجارتي.

لقد ذكر لي أن رسول الله r  مر برجل يبيع طعاماً فأعجبه، فأدخل يده فيه، فرأى بللاً، فقال: ما هذا؟ قال: أصابته السماء، فقال r:( فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس).. ثم قال له هذه الكلمة التي هي شعاري، وشعار أهل هذا السوق جميعا:( من غشنا فليس منا)[2]

لقد كان قوله (ليس منا) بديلا عن كل رادع.. فكل مسلم يخاف أن يقول له رسول الله r يوم القيامة إذا تعلق به:(لست مني)

وقد حدثني بشر ـ ذلك الوارث الورع الفاضل ـ أن النبي r لما بايع جريراً على الإسلام ذهب لينصرف، فجذب ثوبه، واشترط عليه النصح لكل مسلم.

وأخبرني عن تأثير هذه الوصية في جرير، فذكر أنه كان إذا قام إلى السلعة يبيعها بصر عيوبها للمشتتري، ثم خيره وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك، فقيل له: إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال:( إنا بايعنا رسول الله r على النصح لكل مسلم)[3]

وأخبرني أن واثلة بن الأسقع ـ وهو وارث من ورثة النبي r ـ كان واقفاً فباع رجل ناقةً له بثلثمائة درهم، فغفل واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة، فسعى وراءه وجعل يصيح به: يا هذا، اشتريتها للحم أو للظهر؟ فقال: بل للظهر، فقال: إن بخفها نقباً قد رأيته، وإنها لا تتابع السير، فعاد فردها فنقضها البائع مائة درهم، وقال لواثلة: رحمك الله أفسدت علي بيعي، فقال: إنا بايعنا رسول الله r على النصح لكل مسلم، وقال: سمعت رسول الله صل يقول: (لا يحل لأحد يبيع بيعاً إلا أن يبين آفته، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا تبيينه)[4]

وأخبرني عن بعض التابعين أنه قال: لو دخلت الجامع وهو غاص بأهله وقيل لي: من خير هؤلاء؟ لقلت: من أنصحهم لهم؟ فإذا قيل: هذا،قلت: هو خيرهم. ولو قيل لي: من شرهم؟ قلت: من أغشهم لهم؟ فإذا قيل: هذا، قلت: هو شرهم.

بينما نحن كذلك إذ سمعنا جلبة في السوق.. فسألت التاجر عنها، فقال: هذا موعد اللقاء الأسبوعي الذي تعود بشر أن يقيمه لأهل السوق ليعرضوا فيه مسائلهم عليه، وليملأ قلوبهم من المواعظ التي تجدد نشاطهم لعبودية أهل الأسواق.

ترك الرجل دكانه مفتوحا، وسار يحث خطاه إلى حيث تجمع الناس.. سرت خلفه.. وقد دهشت لترك أهل السوق محالهم وتجارتهم وزبائنهم وإسراعهم إلى هذا الرجل الذي يدعونه بشرا.. ويلقبونه بالوارث.

كانت سمات الصلاح والورع والوقار تظهر جلية على بشر.. وكأنه بشر الحافي قد عاد إلى الدنيا من جديد ليكون واعظ هذا السوق من أسواق بغداد.

كانت أول كلمة سمعتها منه هو ترديده لقوله r:( يا أبا هريرة كن ورعاً تكن أعبدَ الناس)[5]

وقوله r:( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس)[6]

وقوله r:( فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)[7]

وقوله r:( ثلاث مَنْ كنَّ فيه استوجب الثواب واستكمل الإيمان: خُلُقٌ يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن محارم الله، وحِلم يردُّ به جهل الجاهل)[8]

ثم راح يذكر النماذج من سلوك رسول الله r الدال على ورعه الشديد الذي لا يضاهيه فيه أحد من الورعين، ومن ذلك ما حدث به أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي r وجد تمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)[9]

ومنها ما حدث به أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: أخذ الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي r:(كخْ كخْ، ارمِ بها، أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة، أو أنَّا لا تحل لنا الصدقة)[10]

ومنها ما حدثت به أم عبد الله أخت شداد بن أوس ـ رضي الله عنها ـ أنها بعثت إلى النبي r بقدح لبن عند فطره وهو صائم، وذلك في طول النهار وشدة الحر، فرد إليها الرسول:( أنى لك هذا اللبن؟) قالت: من شاة لي ؛ فرد إليها رسولها:( أنى لك هذا الشاة؟) قالت: أشتريتها من مالي؛ فشرب، فلما كان من غد، أتت أم عبد الله النبي r، فقالت: يا رسول الله: بعثت إليك بذلك اللبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحر، فرددت فيه إلي الرسول! فقال النبي r: ( بذلك أمرت الرسل قبلي، أن لا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحا)[11]

ومنها ما ورد في الحديث من قوله r: (إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)[12]

ومنها ما ورد في الحديث أن النبي r أصابه أرق من الليل، فقال له بعض نسائه: يا رسول الله أرقت الليلة، فقال:( إني كنت أصبت تمرة تحت جنبي، فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه)[13]

ثم راح يذكر لهم المآثر المروية عن ورثة رسول الله r من الأجيال المختلفة.. والذين مثلوا بسلوكهم ما كان عليه رسول الله r من ورع ومن مخافة لله تحجز عن كل معصية أو شبهة..

ومن ذلك ما روي أن أبا بكر الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ أكل طعاماً أتاه به غلامه، ثم أخبره الغلام أن فيه شبهة، فما وسع الصدِّيق إلا أن أدخل يده في فمه، فقاء كل شيء في بطنه[14].

ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: (اشتريت إبلاً، وسقتها إلى الحمى، فلما سمنت؛ قدمت بها، فدخل عمر ـ رضي الله عنه ـ السوق فرأى إبلاً سِماناً، فقال: لمن هذه؟  فقيل: لعبد الله بن عمر، فجعل يقول: يا عبد الله! بخ بخ.. ابنَ أمير المؤمنين وقال: ما هذه الإبل؟! قلت: إبل أنضاء اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! يا عبد الله بن عمر خذ رأس مالك، واجعل الربح في بيت مال المسلمين)

وقال خزيمة بن ثابت: (كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له عهداً وأشهد عليه رهطاً، واشترط أن لا يركب برذوناً ولا يأكل نقياً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل شيئاً من ذلك حلت عليه العقوبة)

وحُملَ إلى عمر بن عبد العزيز ـ رضي الله عنه ـ مسك من الغنائم، فقبض على مشامِّه وقال: (إنما يُنتفعُ من هذا بريحه، وأنا أكره أن أجد ريحه دون المسلمين)

وكان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يأتيه بقمقم من ماء مسخَّن يتوضأ منه، فقال للغلام يوماً: (أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين فتجعله عنده حتى يسخن، ثم تأتي به؟  قال: نعم، أصلحك الله، قال: أفسدته علينا. قال: فأمر مزاحماً أن يغلي ذلك القمقم، ثم ينظر ما يدخل فيه من الحطب، ثم يحسب تلك الأيام التي كان يغليه فيها، فيجعله حطباً في المطبخ)

وقد رجع ابن المبارك رحمه الله من خراسان إلى الشام في رد قلم استعاره منها..

بعدما ملأ بشر قلوب المستمعين بأخبار أئمة الورع، وبث فيهم من خلالها الشوق للحوق بهم والسير على سنتهم أذن لهم في الحديث والسؤال، فقام تاجر من التجار، وصاح: يا بشر.. يا إمام الورع.. لقد ذكرت لنا في مجلس من مجالسك أن للورع درجات، وأنه لا تكمل وراثة الورع لرسول الله r حتى يتحقق بها جميعا.. ولكنك اقتصرت منها على الدرجات الدنيا.. ونحن نريد منك الآن أن ترفعنا إلى ما بعدها من الدرجات العلى، تلك الدرجات التي سار عليها الصالحون والأولياء من ورثة النبي r.

نظر بشر إلى المستمعين، وقال: إن أذن المستمعون أن نخص مجلسنا بالحديث عن هذا فعلنا..

قال رجل من الجمع: أجل، على أن تأذن لنا أن نسألك بعدها عن بعض المسائل الخاصة التي عرضت لنا في هذا الأسبوع.

قال بشر: لكم ذلك.. لقد ذكر العلماء أن للورع عن الحرام أربع درجات: درجة العوام، ودرجة الصالحين، ودرجة المتقين، ودرجة الصديقين[15].. ولن يكتمل للوارث التحقق بسنة الورع إلا باكتمال هذه المراتب جميعا.

ورع العوام:

قال رجل من الجمع: لقد حدثتنا في مجالس سابقة عن درجة العوام.. وذكرت أنها الدرجة التي توجب الفسق لمن اقتحمها، وأن النبي r أشار إليها بقوله:( إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[16]

ونحن نريد منك في هذا المجلس أن تبين لنا المقاصد الجليلة التي يحويها هذا الحديث[17]، فقد سمعنا بأن له رتبة رفيعة في السنة المطهرة، حتى قال الإمام أحمد: (أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: ( الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد)، وحديث النعمان بن بشير:( الحلال بين، والحرام بين)

وقال أبو داود: نظرت في الحديث المسند، فإذا هو أربعة آلاف حديث، ثم نظرت فإذا مدار الأربعة آلاف حديث على أربعة أحاديث: حديث النعمان بن بشير:( الحلال بين والحرام بين)، وحديث عمر:( إنما الأعمال بالنيات)، وحديث أبي هريرة:( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)، وحديث:( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) قال: فكل حديث من هذه ربع العلم.

وقد جمعها الحافظ أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري الأندلسي في قوله:

عمدة الدين عندنا كلمات.. أربع من كلام خير البريه

اتق الشبهات وازهد ودع ما.. ليس يعنيك واعملن بنيه

قال بشر: إن النبي r يذكر في هذا الحديث قاعدة من أهم قواعد الورع، بل هو يذكر الأصل الجامع له.. فهو يذكر أن الحلال المحض بين لا اشتباه فيه، ومثله الحرام المحض، ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس، هل هي من الحلال أم من الحرام؟.. ومثل هذا النوع لا يعلمه إلا الراسخون في العلم.

قال الرجل: فاذكر لنا أمثلة عن هذه الأنواع الثلاثة.

قال: أما الحلال المحض: فمثل أكل الطيبات من الزروع، والثمار، وبهيمة الأنعام، وشرب الأشربة الطيبة، ولباس ما يحتاج إليه من القطن والكتان، أو الصوف أو الشعر، وغير ذلك إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع، أو بميراث، أو هبة، أو غنيمة.

والحرام المحض: مثل أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، ولباس الحرير للرجال، ومثل الأكساب المحرمة كالربا، والميسر، وثمن مالا يحل بيعه، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب أو تدليس أو نحو ذلك.

أما المشتبه: فمثل أكل بعض ما اختلف في حله أو تحريمه، إما من الأعيان كالخيل والبغال والحمير، والضب، وشرب ما اختلف من الأنبذة التي يسكر كثيرها، ولبس ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوها، وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العينة والتورق ونحو ذلك.

قال آخر: لقد ذكر رسول الله r أن كلا من الحلال والحرام بين لا شك فيه..

قال بشر: أجل.. فقد أنزل الله على نبيه r الكتاب، وبين فيه كل ما تحتاجه الأمة من المعارف المرتبطة بأحكام الحلال والحرام، قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89)، وقال تعالى:﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(النساء: من الآية176)، وقال تعالى:﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام:119)، وقال تعالى:﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التوبة:115)

قال آخر: ولكنا لا نجد في القرآن الكريم الكثير من الفروع المرتبطة بالحلال والحرام..

قال بشر: لقد حوى القرآن الكريم مجامع الحقائق والتشريعات.. أما التفاصيل فقد وكلت لرسول الله r.. لقد قال الله يبين هذه الوظيفة الخطيرة التي وكلت لرسول الله r:﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل: من الآية44)، وما قبض رسول الله r حتى أكمل له ولأمته الدين، ولهذا أنزل عليه بعرفة قبل موته بمدة يسيرة:﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: من الآية3)

وقد قال r يبين أداءه الكامل لكل ما أنيط به من التكاليف: ( تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)[18]

وقد شهد له أصحابه ـ رضي الله عنه ـ بهذا.. فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: توفي رسول الله r وما طائر يحرك جناحيه في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علما.

ولما شك الناس في موته r، قال عمه العباس ـ رضي الله عنه ـ: (والله ما مات رسول الله r حتى ترك السبيل نهجا واضحا، وأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم، وما كان راعي غنم يتبع بها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله r كان فيكم)[19]

قال آخر: فما دام الأمر كذلك.. فلم وجد المختلف فيه من الأحكام؟.. ولم كان هناك متشابه في الدين؟

قال بشر: لذلك أسباب كثيرة تعود في مجموعها إلى رحمة الله بهذه الأمة.. فالنبي r عبر عن الحلال المحض والحرام المحض بصيغ قطعية لا شك فيها.. أما ما عداها، فتركها لاختلاف الفهوم والمقاصد، فلذلك اختلف الناس فيها..

قال آخر: ولكن ذلك يجعل أمر الحلال والحرام ـ مع خطورته ـ لعبة بيد المتلاعبين.

قال بشر: ذلك عندما يوكل الأمر للعامة.. أما إذا وكل إلى العلماء العالمين العدول، فإن الأمر يختلف تماما.. ولهذا وصف رسول الله r المتشابهات بأنها  (لا يعلمهن كثير من الناس) فدل على أن من الناس من يعلمها، وإنما هي مشتبهة على من لم يعلمها، وليست مشتبهة في نفس الأمر، فهذا هو السبب المقتضي لاشتباه بعض الأشياء على كثير من العلماء.

ورع الصالحين:

قال رجل من الجمع: عرفنا الدرجة الأولى.. وقد سبق لك أن أجبت لنا عن الكثير من الأسئلة المرتبطة بها، فحدثنا عن الدرجة الثانية.

قال بشر: لقد عبر العلماء عن الدرجة الثانية بأنها ورع الصالحين، فهم يمتنعون عما يتطرق إليه احتمال التحريم، ولو رخص المفتي في التناول بناء على الظاهر..

وإلى هذه الدرجة الإشارة بقوله r:( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)[20]

وفي رواية للحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي r أنه قال لرجل:( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، فقال الرجل: وكيف لي بالعلم بذلك؟ قال:( إذا أردت أمرا، فضع يدك على صدرك، فإن القلب يضطرب للحرام، ويسكن للحلال، وإن المسلم الورع يدع الصغيرة مخافة الكبيرة)[21]

وفي رواية للحديث عن واثلة بن الأسقع، عن النبي r قيل له: فمن الورع؟ قال:( الذي يقف عند الشبهة)[22]

وقد روي في معنى هذه الأحاديث الكثير من الآثار عن ورثة النبي r من الصحابة، ومن بعدهم:

فقد روي عن جماعة من الصحابة: منهم عمر، وابن عمر، وأبو الدرداء، وعن ابن مسعود، قولهم: (ما تريد إلى ما يريبك وحولك أربعة آلاف لا تريبك؟!)

وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ: (دعوا الربا والريبة)، يعني: ما ارتبتم فيه، وإن لم تتحققوا أنه ربا.

وقال أبو عبد الرحمان العمري الزاهد: إذا كان العبد ورعا، ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه.

وقال الفضيل: يزعم الناس أن الورع شديد، وما ورد علي أمران إلا أخذت بأشدهما، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وقال حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون من الورع، إذا رابك شيء فدعه.

وقال ابن المبارك: كتب غلام لحسان بن أبي سنان إليه من الأهواز: إن قصب السكر أصابته آفة، فاشتر السكر فيما قبلك، فاشتراه من رجل، فلم يأت عليه إلا قليل فإذا فيما اشتراه ربح ثلاثين ألفا، قال: فأتى صاحب السكر، فقال: يا هذا إن غلامي كان قد كتب إلي، فلم أعلمك، فأقلني فيما اشتريت منك، فقال له الآخر: قد أعلمتني الآن، وقد طيبته لك، قال: فرجع فلم يحتمل قلبه، فأتاه، فقال: يا هذا إني لم آت هذا الأمر من قبل وجهه، فأحب أن تسترد هذا البيع، قال: فما زال به حتى رد عليه.

وكان يونس بن عبيد إذا طلب المتاع ونفق، وأرسل يشتريه يقول لمن يشتري له: أعلم من تشتري منه أن المتاع قد طلب.

وقال هشام بن حسان: ترك محمد بن سيرين أربعين ألفا فيما لا ترون به اليوم بأسا.

وكان الحجاج بن دينار قد بعث طعاما إلى البصرة مع رجل وأمره أن يبيعه يوم يدخل بسعر يومه، فأتاه كتابه: أني قدمت البصرة، فوجدت الطعام مبغضا فحبسته، فزاد الطعام، فازددت فيه كذا وكذا، فكتب إليه الحجاج: إنك قد خنتنا، وعملت بخلاف ما أمرناك به، فإذا أتاك كتابي، فتصدق بجميع ثمن ذلك الطعام على فقراء البصرة، فليتني أسلم إذا فعلت ذلك.

وتنزه يزيد بن زريع عن خمس مئة ألف من ميراث أبيه، فلم يأخذه، وكان أبوه يلي الأعمال للسلاطين، وكان يزيد يعمل الخوص، ويتقوت منه إلى أن مات ـ رحمه الله ـ

وكان المسور بن مخرمة قد احتكر طعاما كثيرا، فرأى سحابا في الخريف فكرهه، فقال: ألا أراني قد كرهت ما ينفع المسلمين؟ فآلى أن لا يربح فيه شيئا، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فقال له عمر: جزاك الله خيرا.

قال رجل من الجمع: فما ضابط هذه الدرجة؟

قال بشر: ضابط هذه الدرجة هي أن تغلب الاحتياط، وأن تبتعد عن حمى الحرام قدر ما أطقت.. فقد قال r لعدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ في الكلب المعلم: (وإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه)[23]

فقد قال r هذا لعدي بن حاتم على سبيل التنزيه لا على سبيل الإلزام، بدليل أنه قال لأبي ثعلبة الخشني: (كل منه)، فقال: وإن أكل منه؟ فقال: (وإن أكل)، وذلك لأن حالة أبي ثعلبة، وهو فقير مكتسب لا تحتمل هذا الورع، وحال عدي كان يحتمله.

وروي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أنها سئلت عن أكل الصيد للمحرم، فقالت: إنما هي أيام قلائل فما رابك فدعه، يعني: ما اشتبه عليك، هل هو حلال أو حرام، فاتركه، فإن الناس اختلفوا في إباحة أكل الصيد للمحرم إذا لم يصده هو.

ومن هذا الباب ما يحكى عن وارث من ورثة رسول الله r يسمى ابن سيرين.. فقد روي أنه ترك لشريك له أربعة آلاف درهم لأنه حاك في قلبه شيء، مع اتفاق العلماء على أنه لا بأس به.

قال رجل من الجمع: لقد ذكرت أن هذا هو ورع الصالحين.. فكيف نرى رجلا في مرتبة ابن عمر يسأله بعضهم عن دم البعوض، فيقول: يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت النبي r يقول:( هما ريحانتاي من الدنيا)[24]؟

قال بشر: صدق ابن عمر.. فإن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها، وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه، فإنه لا يحتمل له ذلك، بل ينكر عليه.

وقد سأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها[25]، فقال: إن كان بر أمه في كل شيء، ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته، ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه، فيضربها، فلا يفعل.

ورع المتقين:

قال رجل من الجمع: عرفنا الدرجة الثانية.. فحدثنا عن الدرجة الثالثة.

قال بشر: لقد عبر العلماء عن الدرجة الثالثة بأنها ورع المتقين، وهي الامتناع عما لا تحرمه الفتوى ولا شبهة في حله، ولكن يخاف منه أداؤه إلى محرم، وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس.

وإليه الإشارة بقوله r:( لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى ما لا بأس به مخافة ما به بأس)[26]، وبقول عمر ـ رضي الله عنه ـ:( كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام)[27]، وقول أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ:( إن من تمام التقوى أن يتقي العبد في مثقال ذرة حتى يدرك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً حتى يكون حجاباً بينه وبين النار)

ومما يروى في هذا عن ورثة رسول الله r ما روي عن على بن معبد أنه قال: كنت ساكناً في بيت بكراء، فكتبت كتاباً وأردت أن آخذ من تراب الحائط لأتربه وأجففه، ثم قلت: الحائط ليس لي، فقالت لي نفسي: وما قدر تراب من الحائط؛ فأخذت من التراب حاجتي، فلما نمت فإذا أنا بشخص واقف يقول: يا علي بن معبد، سيعلم غداً الذي يقول: وما قدر تراب من حائط.

ومن ذلك ما روي أن عمر ـ رضي الله عنه ـ وصله مسك من البحرين، فقال: وددت لو أن امرأة وزنته حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت امرأته عاتكة: أنا أجيد الوزن فسكت عنها، ثم أعاد لبقول، فأعادت الجواب، فقال لا.. أحببت أن تضعيه بكفة ثم تقولين فيها أثر الغبار فتمسحين بها عنقك فأصيب بذلك فضلاً على المسلمين.

وكان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز مسك للمسلمين. فأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة وقال: وهل ينتفع منه إلا بريحه لما استبعد ذلك منه.

ومن ذلك ما روى بعضهم أنه كان عند محتضر، فمات ليلاً فقال: أطفئوا السراج فقد حدث للورثة حق في الدهن.

وروى سليمان التيمي عن نعيمة العطارة قالت: كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يدفع إلى امرأته طيباً من طيب المسلمين لتبيعه، فباعتني طيباً فجعلت تقوم وتزيد وتنقص وتكسر بأسنانها، فتعلق بإصبعها شيء منه فقالت به هكذا بإصبعها، ثم مسحت به خمارها، فدل عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال: ما هذه الرائحة؟ فأخبرته فقال: طيب المسلمين تأخذينه، فانتزع الخمار من رأسها وأخذ جرة من الماء، فجعل يصب على الخمار، ثم يدلكه في التراب ويشمه، حتى لم يبق به ريح، قالت:ثم أتيتها مرة أخرى فلما وزنت علق منه شيء بإصبعها، فأدخلت إصبعها في فيها ثم مسحت به التراب.

فهذا من عمر ـ رضي الله عنه ـ ورع التقوى، لخوف أداء ذلك إلى غيره، وإلا فغسل الخمار ما كان يعيد الطيب إلى المسلمين، ولكن أتلفه عليها زجراً وردعاً واتقاء من أن يتعدى الأمر إلى غيره.

ورع الصديقين:

قال رجل من الجمع: عرفنا الدرجة الثالثة.. فحدثنا عن الدرجة الرابعة.

قال بشر: لقد عبر العلماء عن الدرجة الرابعة بأنها ورع الصديقين، فالحلال عندهم كل ما لا تتقدم في أسبابه معصية، ولا يستعان به على معصية، ولا يقصد منه في الحال والمآل قضاء وطر، بل يتناول لله تعالى فقط وللتقوي على عبادته واستبقاء الحياة لأجله، وهؤلاء هم الذين يرون كل ما ليس لله حراماً، امتثالاً لقوله تعالى:﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(الأنعام: من الآية91)

وأهل الله من المقربين يقصدون بالورع شيئا آخر أعمق وأجل، وهو تورعهم من أن تمتلئ خواطرهم بغير ذكر الله.. أو تتوجه هممهم لغير قبلة الله..

وفي هذا يقول الشبلي:( الورع أن تتورع عن كل ما سوى الله)، ويقول ابن عطاء الله السكندري: (ليس يدل على فهم العبد كثرةُ علمه، ولا مداومتُه على ورده، وإنما يدل على نوره وفهمه غناه بربه وانحياشه إليه بقلبه، والتحرر من رق الطمع، والتحلي بحلية الورع)

***

بعد أن أنهى بشره حديثه مع أهل السوق، اقتربت منه، وعرفته بنفسي، وبمطلبي، فاستقبلني، وسر بي، بل طلب مني أن أصحبه لأتعلم منه علوم الورع التي جاء بها محمد r.

وفي خلال صحبتي له علمت علم اليقين أن محمدا r هو سيد الورعين.. وأن ما جاء به في هذا الباب لا يلحقه فيه أحد من الناس.

وعلمت ـ من خلال صحبته ـ علم اليقين أن هذه البشرية التائهة لو تخلت عن كبريائها، وجلست بين يدي رسول الله r ليلقنها أصول الورع وفروعه لاستغنت بها عن كل القوانين التي تفرضها، وعن كل تلك الجيوش التي تقوم بحمايتها.

قلت: فكيف ظهر لك أن تفارقه؟

قال: قومنا هم السبب.

قلت: كيف ذلك.. وما علاقة قومنا بهذا؟

قال: لقد أرسلوا بطائرتهم وقنابلهم، فأمطروا تلك المدينة الطاهرة، وأمطروا معها ذلك السوق.. وكان من ضحايا تلك الأمطار المجرمة وارث الورع النبوي (بشر الحافي)

 

 



([1]) أشير به إلى بشر بن الحارث الحافي، وهو من أشهر أئمة الورع.

([2]) رواه مسلم.

([3]) رواه البخاري ومسلم.

([4]) رواه الحاكم والبيهقي وقال الحاكم صحيح الإسناد.

([5])رواه ابن ماجة بإسناد حسن.

([6])رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

([7])رواه الطبراني في الأوسط، والبزار بإسناد حسن.

([8])رواه البزار.

([9])رواه البخاري ومسلم.

([10])رواه البخاري ومسلم.

([11]) رواه ابن أبي الدنيا في (الورع) والطبراني في الكبير والحاكم وأبو نعيم في الحلية، ذكره الهيثمي في (المجمع)،وقال: ( وفيه أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف )، وقال الذهبي في (تلخيص المستدرك): ( ابن أبي مريم واه )

([12]) رواه البخاري ومسلم.

([13]) رواه أحمد وابن سعد.

([14]) رواه البخاري.

([15]) انظر: إحياء علوم الدين.

([16])رواه البخاري ومسلم.

([17]) استفدنا من كثير من المادة العلمية المرتبطة بشرح الحديث من (جامع العلوم والحكم) لابن رجب.

([18]) رواه أحمد وابن ماجة.

([19]) رواه ابن سعد والدارمي.

([20]) رواه أ حمد، والترمذي، والنسائي، وابنُ حبان والحاكم، وهذا الحديث قطعة من حديث طويل فيه ذكر قنوت الوتر، وعند الترمذي وغيره زيادة في هذا الحديث وهي (فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)، ولفظ ابن حبان:( فإن الخير طمأنينة، وإن الشر ريبة)

([21]) هذا الحديث ذكره ابن رجب في (جامع العلوم والحكم)، وقال: يروى بإسناد ضعيف عن عثمان بن عطاء الخراساني ـ وهو ضعيف ـ عن أبيه، عن الحسن، عن أبي هريرة، ولم أجد من خرجه.

([22]) رواه الطبراني بإسناد ضعيف.

([23]) رواه البخاري ومسلم.

([24]) رواه البخاري.

([25]) لا نرى أن البر بالوالدين يدخل هذا الباب، لأن البر مصلحة والطلاق مفسدة، ولا يمكن تقديم جلب المصلحة على درء المفسدة إلا إذا كان في طلاقها مصلحة، فيطلقها لأجل ذلك، ومثله ما كان من إبراهيم u من أمره ابنه إسماعيل u بتطليق زوجته.. وقد ذكرنا المسألة بتفصيل في سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية)

([26]) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجه والحاكم.

([27])روي نفس هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما..