الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: الحقوق المعنوية للزوجة

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

ثانيا ـ الحقوق الاجتماعية للزوجة

حق والديها في الطاعة

حق الوالدين في الإحسان

زيارة الزوجة لأهلها ووالديها وزيارتهم لها

 

عيادة والديها

عيادة المرأة للرجال

الأدلة العامة:

الأدلة الخاصة:

مشروعية الزيارة بين النساء وآدابها

آداب الزيارة:

ثانيا ـ الحقوق الاجتماعية للزوجة

نقصد بالحقوق الاجتماعية في هذا المبحث حق الزوجة في صلة رحمها وصلتهم لها، وإقامة العلاقات الاجتماعية مع أفراد المجتمع، وقد ورد في النصوص الشرعية الحث على إقامة مثل هذه العلاقات، فقد ورد في الحديث عن إقامة العلاقة مع الجارات قوله - صلى الله عليه وسلم -:(يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن[1] شاة ([2]وقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية أخرى:( يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن أن تهدي لجارتها ولو كراع شاة محرقا)

ومعنى الحديثين نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن تحتقر المسلمة أن تهدى إلى جارتها شيئا، ولو أنها تهدي لها ما لا ينتفع به في الغالب، ويحتمل أن يكون من باب النهي عن الشيء أمر بضده، وهو كناية عن التحابب والتوادد، فكأنه قال: لتوادد الجارة جارتها بهدية ولو حقرت، فيتساوى في ذلك الغني والفقير، قال ابن حجر:( وخص النهي بالنساء لأنهن موارد المودة والبغضاء، ولأنهن أسرع انفعالا في كل منهما)[3]

والحديث كما قال الشراح يحتمل أن يكون النهي للمعطية ويحتمل أن يكون للمهدي إليها، بل ويحتمل أن يكون لكليهما، فتنهى المعطية عن عدم الإهداء على سبيل التواد، وتنهى المعطى إليها عن القبول من باب التكبر واستصغار العطية.

والخلاصة أن الحديثين يدلان على فضل إقامة مثل هذه العلاقة، ولو بإهداء أشياء رمزية.

وقد ورد ما يرغب في صلة الزوج أهل زوجته على سبيل التودد، فقد قال قوله - صلى الله عليه وسلم -:( أيما امرأة نكحت على صداق أو حياء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم به الرجل ابنته أو أخته ([4]،قال الشوكاني:( فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة وإكرامهم والإحسان إليهم، وأن ذلك حلال لهم، وليس من قبيل الرسوم المحرمة إلا أن يمتنعوا من التزويج إلا به)[5]     

ودلت الأحاديث كذلك على أن للزوج أن يرعى أهل مودة زوجته، ولو كانت ميتة، فكيف بما لو كانت حية، فقد روت عائشة، رضي الله عنها، قالت: جاءت عجوز إلى النبي  - صلى الله عليه وسلم -  وهو عندي فقال لها رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف كنتم؟ كيف حالكم؟ كيف أنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال:(إنها كانت تأتينا زمن خديجة،  وإن حسن العهد من الإيمان) [6]، ففي هذا الحديث احترام منه - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم لمن كانت تزور زوجته - صلى الله عليه وسلم -، وهو دليل على أن من حسن العشرة بالزوجة احترام علاقاتها.

ومع ذلك فقد اختلف الفقهاء في بعض المسائل نتيجة تعارض الحقوق الشرعية، ويمكن تلخيص ما قاله الفقهاء في هذا الحق في المسائل التالية:

حق والديها في الطاعة

اتفق الفقهاء على وجوب طاعة الزوجة والديها في المعروف، وذلك لا يختلف عن حالها قبل الزواج، قال ابن تيمية:( إذا أمرها أبواها أو أحدهما بما فيه طاعة لله , مثل المحافظة على الصلوات , وصدق الحديث , وأداء الأمانة , ونهوها عن تبذير مالها , وإضاعته ونحو ذلك مما أمرها الله ورسوله أو نهاها الله ورسوله عنه , فعليها أن تطيعهما في ذلك , ولو كان الأمر من غير أبويها , فكيف إذا كان من أبويها ؟)[7]

أما إذا كان في غير المعروف، أو تعارض أمر الزوج بأمر والديها، فقد اتفق الفقهاء على  أن المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها , وطاعة زوجها عليها أوجب, قال ابن تيمية:(فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير , فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة. وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر , مع قيامه بما يجب عليه , وحفظ حدود الله فيها , ونهاها أبوها عن طاعته في ذلك فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها , فإن الأبوين هما ظالمان , ليس لهما أن ينهياها عن طاعة مثل هذا الزوج , وليس لها أن تطيع أمها فيما تأمرها به من الاختلاع منه أو مضاجرته حتى يطلقها , مثل أن تطالبه من النفقة والكسوة والصداق بما تطلبه ليطلقها , فلا يحل لها أن تطيع واحدا من أبويها في طلاقه إذا كان متقيا لله فيها) [8]

وقد استدل الفقهاء على ذلك بما يلي:

·  قال الله I : ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ (النساء:34)، قال ابن عباس - رضي الله عنه -  وغيره: يعني مطيعات لأزواجهن[9]. 

·  قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا صلت المرأة خمسها , وصامت شهرها , وحصنت فرجها , وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) [10].

·      قال - صلى الله عليه وسلم - :(أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة) [11]

·      قال - صلى الله عليه وسلم - :(استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان) [12]

حق الوالدين في الإحسان

نص الفقهاء على أن حق الوالدين في الإحسان والصلة لا يختلف عن حقهما قبل الزواج مع مراعاة التغيرات والظروف الجديدة التي تعيشها الزوجة، وأبلغ من بالغ من الفقهاء في مراعاة هذا الحق ابن حزم، فقد ذهب خلافا للجمهور إلى أن حق والديها مقدم على حق زوجها، قال ابن حزم:( إن كان الأب , والأم محتاجين إلى خدمة الابن أو الابنة - الناكح أو غير الناكح - لم يجز للابن ولا للابنة الرحيل , ولا تضييع الأبوين أصلا , وحقهما أوجب من حق الزوج والزوجة - فإن لم يكن بالأب والأم ضرورة إلى ذلك فللزوج إرحال امرأته حيث شاء مما لا ضرر عليهما فيه)[13] وسنذكر هنا بعض ما استند إليه من أدلة، وما رد به على آراء المخالفين:

الأدلة المثبتة:

·  قول الله تعالى: ﴿ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير﴾(لقمان:14)، فقد قرن تعالى الشكر لهما بالشكر له تعالى.

·  قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾(لقمان:15)، فافترض الله تعالى أن يصحب الأبوين بالمعروف - وإن كانا كافرين يدعوانه إلى الكفر - ومن ضيعهما فلم يصحبهما في الدنيا معروفا.

·  قوله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾(الإسراء: 23)

·  قول الرجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحق الناس بحسن الصحبة ؟ قال: أمك ثم أمك ثم أباك) [14] فقد قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هنا الوالدين على غيرهما.

الرد على المخالفين: أما ما استدل به المخالفون من أن الزوج أحق بالزوجة من والديها، فقد رد عليه ابن حزم بما يلي:

·  حديث ابن عمر - رضي الله عنه - : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حق الرجل على زوجته ؟ فقال كلاما منه: أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه , فإن فعلت لعنتها ملائكة الله وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع إلى بيتها أو تتوب , قيل: يا رسول الله وإن ظلمها ؟ قال: وإن ظلمها) [15]، فإن ليثا ـ راوي الحديث ـ ضعيف , قال ابن حزم:(وحاش لله أن يبيح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  الظلم , وهي زيادة موضوعة ليست لليث بلا شك[16] (

·  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو كنت آمرا بشرا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها تعظيما لحقه) [17] فهو ضعيف بطرقه المختلفة، ولا يصح الاحتجاج به.

·  عن عائشة أم المؤمنين قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال: زوجها قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل ؟ قال: أمه) [18]  قال ابن حزم: أبو عتبة مجهول لا يدرى من هو، والقرآن كما أوردنا , والثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبطل هذا.

·      عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه) [19] فيه ربيعة بن عثمان وهو مجهول.

·      قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه). قال ابن حزم: هذا حديث حسن , والشكر لكل محسن واجب.

·  عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :(أنه سئل عن خير النساء ؟ فقال: التي تطيع زوجها إذا أمر , وتسره إذا نظر , وتحفظه في نفسها وماله) [20]. هذا خبر صحيح , وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف) [21].

وما قاله ابن حزم من وجوب إحسان الزوجة لوالديها صحيح تدل عليه النصوص القطعية، ولكن مع مراعاة حق الزوج، فلا نرى تناقضا بين حق أهلها وحق زوجها، فلزوجها عليها حقوق تختلف عن حقوق أهلها عليها، ولكن في حال التعارض لظرف من الظروف يقدم الأولى فالأولى، والأولى أن تحاول الجمع بينها جميعا جمعا بين النصوص.

زيارة الزوجة لأهلها ووالديها وزيارتهم لها

الأصل في مثل هذا، وما تعارف عليه الناس في المجتمع الإسلامي أن يعتبر الصهر كالوالد، فلذلك يتم التواصل والتزاور بينهم كأفراد الأسرة الواحدة، ولكن قد يشذ عن هذا العرف من لا يأذن لزوجته بزيارة أهلها، أو زيارتهم لها، وقد اختلف الفقهاء في هذه الحالة في حق الزوجة في الزيارة دون إذن زوجها على قولين[22]:

القول الأول: أن لها الحق في زيارة والديها وأهلها ولو من غير إذن الزوج، وهو قول المالكية والحنفية في القول المفتى به عندهم ،وهذا تفصيل أقوالهم في المسألة:

المذهب المالكي: اختلف قول المالكية في المسألة بحسب كون المرأة متجالة أو شابة أو مأمونة كما يلي:

·  اتفقوا على  أن المتجالة يقضى لها بزيارة أبيها وأخيها،وليس للرجل أن يمنعها من الخروج لدار أبيها وأخيها ويقضى عليه، واتفقوا على أن الشابة غير المأمونة لا يقضى لها بالخروج بذلك.

·  اختلفوا في الشابة المأمونة، فأجاز معظم المالكية خروجها خلافا لابن حبيب، وإذا منع أخاها من الدخول عليها سئل عن ذلك مالك فقال: ما أرى أن يمنع، وسئل أيضا عن المرأة يغيب عنها زوجها فيمرض أخوها أو أمها أو أختها فتريد أن تأتيهم تعودهم ولم يأذن لها زوجها حين خرج قال: لا بأس بذلك أن تأتيهم وإن لم يأذن لها زوجها حين خرج، وقضي للصغار كل يوم وللكبار في الجمعة.

أما زيارة والديها لها، فيختلف بحسب تأثيرهم في حياة الزوج كما يلي:

إن خشي على زوجته منهما، فقد سئل مالك عن الرجل يتهم ختنته بإفساد أهله فيريد أن يمنعها عن الدخول عليها، فقال: ينظر في ذلك فإن كانت متهمة منعت بعض المنع ولا كل ذلك وإن متهمة لم تمنع الدخول على ابنتها(، وإن اشتكى ضرر أبويها فإن كانا صالحين لم يمنعا من زيارتها والدخول عليها وإن كانا مسيئين واتهمهما بإفسادها زاراها في كل جمعة مرة بأمينة تحضر.

أما البنون الصغار الذين ليسوا مع أمهم فإنه يقضى لهم بالدخول على أمهم في كل يوم، وإن كانوا كبارا ففي كل جمعة، وإن حلف بالطلاق أن لا يدخل أولادها عليها أمر الزوج بإخراج أمهم إليهم، فإن حلف على الأمرين أجبره السلطان على دخولهم إليها أو خروجها إليهم ولا يحنث إلا أن يريد بيمينه ولا بالسلطان.     

إن حلف أن لا تخرج امرأته إلى أبويها ولا يدخلا عليها حنثه الإمام في دخولهما عليها ولم يحنثه في خروجها.     

وقد سئل مالك عن المرأة يغيب عنها زوجها فيمرض أخوها أو أمها أو أختها فتريد أن تأتيهم تعودهم ولم يأذن لها زوجها حين خرج قال لا بأس بذلك أن تأتيهم وإن لم يأذن لها زوجها حين خرج وقضي للصغار كل يوم وللكبار في الجمعة.

مذهب الحنفية: اختلف قول الحنفية في المسألة وقد لخص الخلاف فيها أصحاب الفتاوى الهندية وذكروا القول المفتى به عندهم، وهذا نص قولهم:( إذا أراد الزوج أن يمنع أباها , أو أمها , أو أحدا من أهلها من  الدخول عليه في منزله اختلفوا في ذلك قال بعضهم: لا يمنع من الأبوين من الدخول عليها للزيارة في كل جمعة , وإنما يمنعهم من الكينونة عندها , وبه أخذ مشايخنا - رحمهم الله تعالى - , وعليه الفتوى، وقيل: لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين في كل جمعة مرة , وعليه الفتوى كذا في غاية السروجي وهل يمنع غير الأبوين عن الزيارة في كل شهر , وقال مشايخ بلخ في كل سنة وعليه الفتوى , وكذا لو أرادت المرأة أن تخرج لزيارة المحارم كالخالة والعمة والأخت فهو على هذه الأقاويل كذا في فتاوى قاضي خان وليس للزوج أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من النظر إليها وكلامها في أي وقت اختاروا هكذا في الهداية [23] (

مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أنه ليس للزوج منع أبويها من زيارتها , لما فيه من قطيعة الرحم , لكن إن عرف بقرائن الحال حدوث ضرر بزيارتهما , أو زيارة أحدهما فله المنع[24].

ومن الأدلة التي استند إليها أصحاب هذا القول الأحاديث الدالة على وجوب صلة الرحم، ومنها قال - صلى الله عليه وسلم -:(خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال له مه قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى يا رب قال فذاك قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم:﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾(محمد:22) [25]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :( لا يدخل الجنة قاطع(، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :(أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم(، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قلت: وهي راغبة أفأصل أمي قال: نعم صلي أمك، فهذه النصوص كلها تفيد الوجوب القطعي زيادة على الأدلة القرآنية في ذلك، ولا يعارض مثل هذه النصوص أي حق للزوج.

القول الثاني: أن للمرأة الخروج من بيت الزوجية لزيارة والديها ومحارمها في غيبة الزوج إن لم ينهها عن الخروج، وجرت العادة بالتسامح بذلك، أما إذا نهاها عن الخروج في غيبته، فليس لها الخروج لزيارة ولا لغيرها، وهو مذهب الشافعية، وقول للحنفية، وقالوا بأن له المنع من دخول أهلها إليها , لأن المنزل ملكه وله حق المنع من دخول ملكه، وقيل: لا منع من الدخول بل من القرار، لأن الفتنة في المكث وطول الكلام[26].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة من حيث النصوص القطعية والمقاصد الشرعية ثبوت هذا الحق للزوجة من غير استئذان زوجها، بشرط الاقتصاد في ذلك حسبما يدل عليه العرف، فلذلك إذا بالغت المرأة في الزيارة ونتج عن ذلك مضرة لزوجها أو لبيتها، فإن له الحق في منعها في هذه الحالة.

أما منعها من غير سبب، بل لمجرد كونه زوجا، فإن حق زوجيته لا يلغي حق رحمها، وخاصة أصولها وفروعها، والزعم بأن أحدهما أحق من الآخر تحكم لا دليل عليه، فلذلك رأينا في المسألة السابقة، أنه لا يصح القول بالتفاضل في الحقوق، بل لكل حق موضعه الخاص به، وللتعارض أحكامه الخاصة المتعلقة بكل حالة فلا يصح التعميم في مثل هذا.

ولذلك فإن من قدم الحق للزوج في المنع من الإذن عمل بما تتطلبه النصوص الدالة على حق الزوج، وأغفل النصوص الدالة عل وجوب صلة الرحم، ومن بالغ في حق الزيارة ولم يقتصد فيها، عمل بنصوص صلة الرحم وفرط في حقوق الزوج.

عيادة والديها

اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من عيادة والديها في حال مرضهما، ومثله حضور جنازتهما ; لأن في ذلك قطيعة لهما وحملا لزوجته على مخالفته , وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف , ومنعها من عيادة والد مريض ليس من المعاشرة بالمعروف في شيء.

ومع هذا الاتفاق النظري، اختلفوا في حقها في الخروج من غير إذنه على قولين:

القول الأول: ليس له منعها من عيادة والد زمن ليس له من يقوم عليه , ولا يجب عليها طاعة زوجها إن منعها من ذلك سواء كان الوالد مسلما أو كافرا، وهو قول الحنفية، لأن القيام بخدمته فرض عليها في مثل هذه الحالة فيقدم على حق الزوج.

القول الثاني: ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج , وله منعها من ذلك ومن حضور جنازته، وهو قول الشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن رجلا خرج وأمر امرأته أن لا تخرج من بيتها , فمرض أبوها , فاستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم -  فقال لها: أطيعي زوجك فمات أبوها فاستأذنت منه - صلى الله عليه وسلم -  في حضور جنازته فقال لها: أطيعي زوجك فأرسل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها) [27]

·      أن طاعة الزوج واجبة , فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب.

الترجيح:

نرى أن الترجيح في هذه المسألة يتوقف على بيان الأرجح في مسألة أخرى، وهي حكم عيادة المريض، لأنه بناء على الحكم الشرعي في هذه المسألة يتعرف على حق الزوج في المنع وعدم المنع، ويتعرف كذلك على جواز الخروج من غير إذن وعدم جوازه.

وقد قال جمهور الفقهاء بأن عيادة المريض سنة، بل نقل النووي الإجماع على عدم الوجوب كما ذكر الشوكاني[28]، قال النووي:( عيادة المريض سنة متأكدة والأحاديث الصحيحة مشهورة في ذلك. قال صاحب الحاوي وغيره: ويستحب أن يعم بعيادته الصديق والعدو ومن يعرفه ومن لا يعرفه لعموم الأحاديث([29]

لكن النصوص الكثيرة الحاثة على عيادة المريض قد لا يصح حملها على غير الوجوب، فقوله - صلى الله عليه وسلم - مثلا في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -  قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني , قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ؟ أما علمت أنك لو عدته  لوجدتني عنده ؟ [30] (لا يصح حمله على غير الوجوب، فالله تعالى في هذا الحديث يعاتب عبده، ويناقشه المسألة، ولا يكون ذلك إلا في أمر ذي بال.

بل قد ورد التصريح بالوجوب سواء بصيغة الحق، أو بصيغة الوجوب نفسها، فقال - صلى الله عليه وسلم -)حق المسلم على المسلم خمس (فذكر منها عيادة المريض[31]، وفي رواية مسلم)خمس تجب للمسلم على المسلم (فذكرها.

وقد نقل الصحابة - رضي الله عنهم -  أن ذلك كان على سبيل الأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه -  قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيادة المريض واتباع الجنائز[32].

ونتيجة لهذا فقد رجح بعض العلماء القول بوجوبها عملا بظاهر النصوص، وعلى رأس من قال بذلك من الذين جمعوا بين الفقه والحديث الإمام البخاري، فقد ترجم في الصحيح لأحاديث عيادة المريض بقوله:( باب وجوب عيادة المريض([33]، وقال ابن حزم:( عيادة مرضى المسلمين فرض - ولو مرة - على الجار الذي لا  يشق عليه عيادته , ولا نخص مرضا من مرض ([34]، وقال ابن تيمية:(واختلف أصحابنا وغيرهم في عيادة المريض , وتشميت العاطس, وابتداء السلام , والذي يدل عليه النص وجوب ذلك , فيقال هو واجب على الكفاية) [35]

انطلاقا من هذا الوجوب الذي دلت عليه النصوص، يمكن معرفة حكم حق الزوج في منعها، وحقها في الخروج من غير إذنه، لأن الطاعة الزوجية كما ذكرنا،  وكما سنفصله في الفصل القادم ـ إن شاء الله ـ مقيدة بالمعروف، وبما استوى طرفاه أو كان غير واجب ولا حرام، فإن كان واجبا، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فلهذا لا نرى أن من حق الزوجة عيادة والديها فقط، بل عيادة رحمها جميعا إلا إذا كان في ذلك مشقة شديدة لها أو لزوجها، فيرتفع التكليف للمشقة لا لحق الزوج، لأن الأوامر الشرعية لم تقتصر على صلة الأبوين بل تعدتهما إلى الأرحام، ثم لماذا يصل الزوج أرحامه ويعودهم، بينما إذا تزوجت المرأة قطعت رحمها، فلا تعرف خالها ولا عمها، ولا أحدا من أقاربها؟ مع أن النصوص الموجبة لهذه الصلة لا تقتصر في إيجابها على الرجال دون النساء.

وهذا الوجوب يتأكد في حال حاجة الوالدين خاصة لتعهدها، لأن من الأمراض ما يمكن اعتبار العيادة فيه أمرا استحبابيا، كالأمراض البسيطة أو الأمراض الدائمة التي لا يمكن اعتبار صاحبها مريضا لملازمتها له، وقد قال ابن دقيق العيد:(عيادة المريض عند الأكثرين  مستحبة بالإطلاق وقد تجب, حيث يضطر المريض إلى من يتعاهده, وإن لم يعد ضاع ([36]

ومع ذلك، فإن هذا القول يبقى مقيدا بالظروف الخاصة التي قد تفرض على الزوجة طاعة الزوج في عدم إذنها، وتجيز للزوج أن يمنعها لا بالسلطة الزوجية التي يتصورها، وإنما بقيود المصلحة التي اعتبرها الشرع.

أما الحديث الذي أورده بعض أصحاب القول الثاني، فإنه لو لم يضعف سندا لضعف عقلا وشرعا، فإن أي مؤمن يعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جبل عليه من رحمة حتى سماه ربه رؤوفا رحيما يحيل عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك، بل تنزيهه من ذلك كتنزيهه من المعاصي وما ينفر مما هو من خصائص الأنبياء ـ عليهم السلام ـ

والعجب أن مثل هذا الحديث يردد على المنابر، ويتناقله العامة الذي لا يحفظون حديثا صحيحا واحدا، مع أن آثاره الواقعية لا يمكن حصر خطرها، فهو كمن ضرب مائة عصفور بحجر واحد، فبهذا الحديث الواحد ضربت سماحة الإسلام وشوهت رحمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي هي أخص خصائصه ولسان رسالته، وشوهت معها شخصيته - صلى الله عليه وسلم -، وتمردت المرأة على الرجل، بل تمردت على الأحكام الشرعية نفسها، وتجبر الرجل، وضاعت الحقوق، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلهذا نرى أن يلزم أولياء الأمور من المسلمين الأئمة وغيرهم تجنب رواية مثل هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة التي لا تخدم الإسلام بقدر ما تخدم الخرافة والجهل وتمكن للضلال والانحراف.

عيادة المرأة للرجال

انطلاقا من الأدلة العامة التي وردت في فضل عيادة المريض من غير تحديد فقد أفتى الشيخ يوسف القرضاوي بجواز عيادة المرأة للرجال، وجواز عيادة النساء للرجال، ما دامت مقيدة بالقيود الشرعية، قال الشيخ :(لا مانع من أن تعود المسلمة أخاها المسلم المريض، ما دامت ملتزمة بالقواعد الشرعية، والآداب المرعية، فلا خلوة ولا تبرح ولا تعطر، ولا خضوع بالقول.

والأولى أن تكون العيادة في مثل هذه الحالة المسؤول عنها في صورة جماعية، بمعنى أن تتفق الناظرة ومعها بعض المدرسات، على الذهاب معاً لقضاء حق العيادة دفعاً لأي شُبْهة.

ولا معنى للتوقف في عيادة زميل مريض من زميلة له أو رئيسة له، مع أنها تتعامل معه في المدرسة يومياً، وبلا جَرَح، فهل يشرع التعامل مع الزملاء في حالة الصحة، ويقاطعون في حالة المرض؟ مع أن المريض أولى بالشفقة والرعاية.

وأما عيادة الرجل للمرأة فهي تدخل في الأدلة العامة التي ذكرناها في الحث على عيادة المرضى)

ويمكن تقسيم الأدلة التي استدل بها إلى نوعين:

الأدلة العامة:

·  قوله - صلى الله عليه وسلم - :(حق المسلم على المسلم ست) قيل: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال :(إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فشمِّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) [37]

·  قوله - صلى الله عليه وسلم - :(فكوا العاني ـ أي الأسير ـ وأجيبوا الداعي، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض) [38]

·      قوله - صلى الله عليه وسلم - :(عودوا المرضى واتبعوا الجنائز، تذكركم الآخرة) [39]

·  قوله - صلى الله عليه وسلم - :(من عاد مريضاً ناداه مناد من السماء: طِبتَ وطاب ممشاك. وتبوأت من الجنة منزلا) [40]

·  قوله - صلى الله عليه وسلم - :(إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) قيل: يا رسول الله؛ وما خرفة الجنة؟ قال :(جناها) [41] أي ما يُخترف ويُجتنى من ثمرها.

قال القرضاوي معلقا على هذه الأحاديث :(وهذه الأحاديث كلها تدل على أهمية هذا الأدب الإسلامي، الذي رغَّبت فيه السُّنَّة النبوية القولية والعملية، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاد يهودياً مريضاً، فعرض عليه الإسلام فأسلم.

ويتأكد استحباب هذا الأدب ـ الذي عدَّته بعض الأحاديث حقاً على المسلم ـ إذا كان بين المسلم والمسلم صلة وثيقة، مثل القرابة والمصاهرة والجوار والزمالة والأستاذية، ونحو ذلك يجعل لبعض الناس حقاً أوكد من غيره)

أما وجه الاستدلال بهذه الأحاديث، فيقول عنه الشيخ :(والملاحظ أن هذه الأحاديث جاءت بألفاظ عامة، تشمل الرجل والمرأة على السواء، فحديث :(عودوا المريض)  أو :(مَن عاد مريضاً..)  أو :(إذا مرض فعده) ليست خاصة بالرجال، بلا جدال. وهذه الأدلة العامة كافية في مشروعية عيادة النساء للرجال في ظل الآداب والضوابط الشرعية المقررة)

الأدلة الخاصة:

وهي نوعان:

الأدلة الخاصة على مشروعية عيادة المرأة للرجل:

·  أورد الإمام البخاري في كتاب المرضى من صحيحه (باب عيادة النساء للرجال): وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار[42]

·  دخلت أم مبشر بنت البراء بن معرور الأنصارية على كعب بن مالك الأنصاري، لما حضرته الوفاة، وقالت: " يا أبا عبد الرحمن؛ أقرأ على ابني السلام"ـ تعني مبشراً ـ... الحديث[43]

·      الأدلة الخاصة على مشروعية عيادة الرجال للنساء:

·  عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أُم السائب ـ أو أُم المسيَّب ـ فقال :(مالك يا أُم السائب تزفزفين ـ أي ترتعدين؟)  قالت: الحُمَّى لا بارك الله فيها! فقال - صلى الله عليه وسلم - :(لا تسبي الحُمَّى، فإنها تُذهب خطايا بني آدم، كما يُذهب الكير خَبَث الحديد)

·  عن أم العلاء، رضي الله عنها، قالت: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا مريضة، فقال :(أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) [44]

·  عن أبي أمامة - رضي الله عنه -  قال: مرضت امرأة من أهل العوالي ـ أي عوالي المدينة ـ فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن شيء عيادة للمريض، فقال :(إذا ماتت فآذنوني)

وعقب الشيخ القرضاوي على هذ النصوص جميعا بقوله :(بعد هذه النقول الصحيحة الثبوت، الصريحة الدلالة، لا يجوز لمسلم إلا النزول على هُدَى الله تعالى، وهَدْي رسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي لنا أن نحجر ما وسع الله تعالى أو نعسِّر ما يسَّره عزَّ وجلَّ. وسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبع من أقوال الرجال، وتقاليد الناس)

مشروعية الزيارة بين النساء وآدابها

لا خلاف بين الفقهاء في جواز التزاور بين النساء، بل استحبابه كاستحباب تزاور الإخوان إذا ما كان في الأطر الشرعية، وخلا من المفاسد.

وقد دلت الأدلة النصية الكثير على هذا، ومنها:

·  عن مجاهد قال :(استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله وقلن :(يا رسول الله نستوحش بالليل أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها) 

·  عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة فقال:(من هذه ؟) قالت فلانة لا تنام) تذكر من صلاتها فقال :(مه عليكم من العمل ما تطيقون فوالله لا يمل الله عز وجل حتى تملوا) وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه) [45]    

·   عن الشفاء بنت عبد الله- وهى من المهاجرات الأول وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن – قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عند حفصة فقال لي ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة) [46]، وكيف يكون تعليمها إلا بلقائها معها وخروجها إليها.

أن الحبس الدائم للمرأة في البيت هو من العقوبات الشرعية التي كانت قبل أن يشرع حد الزنا فنسخت هذه العقوبة بالحد الشرعي كما قال تعالى :﴿  وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ (النساء:15)

آداب الزيارة:

جمعت بعض الأخوات وهي (أم عبد الرحمن) من واقع التجربة بعض آداب وحدود الزيارة بين النساء، نلخصها فيما يلي:

·  اختيار الوقت المناسب، واليوم المناسب للزيارة، فلا يكون الوقت في الصباح الباكر أو في وقت الظهيرة بعد الغداء، أو في وقت متأخر من الليل ؛ فإن وقت الصباح الباكر وقت نوم عند بعض النساء، ووقت عمل عند أخريات (من تنظيف بيت وإعداد طعام..)، ووقت الظهيرة بعد الغداء هو وقت القيلولة، وهو وقت نوم أو استراحة للزوج بعد عودته من العمل. والوقت المتأخر من الليل هو وقت السكون والراحة وهو وقت خاص بأفراد الأسرة.

·  اجتناب الزيارات المفاجئة بدون موعد مسبق أو استئذان، وتلافي ذلك بسؤالك صديقتك التي ترغبين في زيارتها عمَّ إذا كان وقتها يسمح لها باستقبالك إذا لم تكن لديها أية مسؤوليات تجاه أطفالها أو بيتها أو زوجها في ذلك اليوم. وبهذا الاستئذان تكون مهيأة ومستعدة لاستقبالك، بعكس الزيارة المفاجئة التي قد تسبب الضيق والإزعاج لصديقتك، خاصة إذا كانت صديقتك - أو بيتها - في حال أو في هيئة تكره أن يراها أحد عليها.

·  أن لا تطول مدة زيارتك، لأن الزيارة إذا كانت مدتها طويلة قد تُشعر صديقتك بأنك أثقلت عليها وأنك لا تبالين بكثرة مسؤولياتها كزوجة وأم وربة بيت، وبالتالي قد يذهب ودّها لك أو يقل.  

·  إذا طالت مدة الزيارة فينبغي استغلال الوقت بما ينفع، وبما يكون فيه لك ولصديقتك الأجر والثواب، وذلك بقراءة أحد الكتب الإسلامية، أو سماع شريط نافع، كي تشعر صديقتك بالسرور ؛ لأن زيارتك أفادتها الكثير ولم يذهب وقتها هباءً في الثرثرة من تشدق وغيبة ونميمة.

·  التحفظ وقت الزيارة في الأقوال والأفعال بحيث لا تُظهري لصديقتك شيئاً من الفضول في قولك أو فعلك بكثرة الاستفسار عن أشياء تخصها، أو تخص زوجها - والتي ربما تكون عادية - ولكنها لا تحب البوح بها لك أو لغيرك.

·  إظهار الرضى والسرور والبشاشة بما تقدمه لك من طعام أو شراب  واستكثاره مهما كان قليلاً، وتقديم النصيحة لها بالبعد عن الإسراف والتكلف للضيف في المأكل والمشرب، وعدم التحدث بعيوب الطعام الذي قدمتْه لك مهما كان نوعه.

·  تجنب كثرة المزاح، فإنه إذا تجاوز الحد أورث مقتاً واحتقاراً لصاحبه، وقد يملأ القلوب بالأحقاد إذا كان مزاحاً ثقيلاً وجارحاً لكرامة الشخص ولمشاعره.

·  إصلاح ما قد يتلفه أطفالك من متاع أو أثاث في بيت صديقتك أثناء زيارتك لها إذا كان بالإمكان إصلاحه وقتئذٍ، وتنظيف أو إزالة ما قد يُحدثه أطفالك من فوضى أو قذارة في بيتها ؛ حتى لا تشعر صديقتك أنك ضيفة ثقيلة عليها أنتِ وأطفالك.

·  تقديم الشكر لصديقتك عند نهاية الزيارة، والدعاء لها خيرا على استقبالها لك وحسن ضيافتها لك،  وقدمي لها الاعتذار إن بدا منك أو من أطفالك أي أذى لها أو لأطفالها أثناء الزيارة ؛ فإن هذا الاعتذار قد يُذهب ما في القلوب من كدر أو جفاء أو شحناء إن وجد.    

·  عدم تكرار الزيارات في فترات متقاربة من الزمن حتى لا تتولد الجفوة والسآمة بكثرة الخلطة واللقاءات والاجتماعات المتكررة والمتقاربة، وقد قيل: (زُرْ غِباً تزددْ حباً)، وقيل أيضاً :(لا تزرِ القوم قبل أن يشتاقوا إليك، ولا تمكثْ حتى يضجروا منك)


 



([1])   حافر الشاة..

([2])   البخاري: 2/907، مسلم: 2/714، البيهقي:4/177، أحمد: 2/264.

([3])   فتح الباري: 10/445.

([4])   البيهقي:7/248، أبو داود: 2/241، النسائي: 3/322، ابن ماجة: 1/628، أحمد: 2/182، قال الشوكاني: الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أنه من رواية عمرو بن شعيب وفيه مقال معروف قد تقدم بيانه في أوائل هذا الشرح ومن دون عمرو بن شعيب ثقات، نيل الأوطار: 6/320.

([5])   نيل الأوطار:6/320.

([6])   قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة وليس له علة، الحاكم:1/62، أحمد: 1/134، المعجم الكبير:23/14، شعب الإيمان:6/517.

([7])   الفتاوى الكبرى: 3/147.

([8])   الفتاوى الكبرى: 3/147.

([9])   تفسير ابن كثير:1/492.

([10])   مجمع الزوائد: 4/305، المعجم الأوسط:5/34، أحمد: 1/191، قال الهيثمي: وفيه رواد بن الجراح وثقه أحمد وجمع وضعفه آخرون وقال ابن معين وهم في هذا الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح، انظر: فيض القدير:1/392.

([11])   قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، الحاكم: 4/191، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ،الترمذي: 3/466،وانظر:ابن ماجة: 1/595، المعجم الكبير:23/374، شعب الإيمان:6/421.

([12])   سبق تخريجه.

([13])   البخاري:5/2227، مسلم: 4/1974، ابن حبان: 2/175، أحمد: 2/327.

([14])   .

([15])   ذكره ابن حزم في المحلى بإسناده:10/332، قال المناوي: رواه الطيالسي: فيض القدير:3/391.

([16])   المحلى:1/332.

([17])   قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، الحاكم: 2/206، قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه ،الترمذي:3/465، البيهقي: 7/292 ،النسائي: 5/363، ابن حبان: 9/479، أحمد: 3/158.

([18])   مجمع الزوائد: 4/308، النسائي:5/363، أحمد:2/207، قال المنذري: رواه البزار والحاكم وإسناد البزار حسن، الترغيب والترهيب:3/34.

([19])   الحاكم: 2/205، مجمع الزوائد: 4/307، النسائي: 3/283، أحمد: 3/158، مصنف ابن أبي شيبة: 3/557.

([20])   سبق تخريجه.

([21])   سبق تخريجه.

([22])   الإنصاف للمرداوي:8/361، الروض المربع: 3/131، إعانة الطالبين:4/81، حواشي الشرواني: 7/456، مغني المحتاج:3/432، حاشية ابن عابدين: 6/141، حاشية الدسوقي: 2/512، مواهب الجليل: 4/186،الموسوعة الفقهية: 24/82..

([23])   الفتاوى الهندية:1/557.

([24])   الإنصاف:8/361.

([25])   البخاري:4/1828، الحاكم: 2/279.

([26])   مجمع الأنهر:1/395.

([27])   رواه الطبراني في الأوسط وفيه عصمة بن المتوكل وهو ضعيف، مجمع الزوائد:4/313، المعجم الأوسط:7/332، مسند الحارث [زوائد الهيثمي]:1/553، مسند عبد بن حميد:404.

([28])   نيل الأوطار:4/22.

([29])   المجموع :5/103.

([30])   مسلم: 4/1990، شعب الإيمان: 6/534.

([31])   البخاري: 1/418، مسلم: 4/1704، ابن حبان: 1/476، النسائي: 6/64، ابن ماجة:1/461، أحمد: 2/540.

([32])   ابن أبي شيبة:3/122.

([33])   البخاري:5/2139.

([34])   المحلى:3/403.

([35])   الفتاوى الكبرى:5/359.

([36])   إحكام الأحكام:2/296.

([37])   رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.

([38])   رواه أحمد والبخاري.

([39])   رواه أحمد وابن حبَّان في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد.

([40])   رواه الترمذي وحسَّنه؛، وابن ماجه، وابن حبَّان في صحيحه.

([41])   رواه أحمد ومسلم واللفظ له.

([42])   رواه في "الصحيح" معلقاً، ووصله في "الأدب المفرد.

([43])   رواه ابن ماجه)، ورواه أحمد في المسند: 3/455.

([44])   أبو داود: 3/184.

([45])   البخاري في كتاب الإيمان، والنسائي: 8/123.

([46])   سنن أبي داود: 4/11.