الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: المقدمات الشرعية للزواج

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثانيا ـ المقاصد الشرعية من الزواج ووسائل حفظها

1 ـ الزواج في الأنظمة الجاهلية

الزواج عند القبائل البدائية:

الزواج عند اليونانيين :

الزواج عند الرومان:

الزواج عند الفراعنة:

الزواج عند اليهود:

الزواج عند المسيحيين :

الزواج عند العرب في الجاهلية:

الزواج في المجتمعات الغربية الحديثة

2. كثرة العوانس بين الفتيات والعزاب من الشباب:

3. كثرة الطلاق:

4. الانحلال الأخلاقي:

5. الزواج المثلي كبديل عن الأسرة التقليدية:

2 ـ مقاصد الزواج

المقصد الأول ـ تحصين الرجل والمرأة

1 ـ الحكم الشرعية من مراعاة هذا المقصد

التحصين من الأضرار الصحية :

التحصين من الأضرار النفسية : 

2التحصين من الأضرار الاجتماعية:

التحصين من الأضرار الفكرية والعقائدية:

تحصين العلاقة بالله :

 ـ آثار مراعاة هذا المقصد:

المقصد الثاني ـ صيانة المرأة

1 ـ الآثار التشريعية لاعتبار هذا المقصد:

2 ـ المواقف التحررية وموقف الإسلام منها:

المقصد الثالث ـ بناء الأسرة

3 ـ تشريعات الإسلام لحفظ كيان الأسرة

أولا ـ التأسيس الصحيح للزواج

1 ـ حسن اختيار الزوجة:

2 ـ التحقق من الاختيار:

3 ـ الرضى التام من المرأة:

ثانيا ـ حماية الحياة الزوجية

1 ـ توزيع متطلبات الحياة الزوجية بين الزوجين:

2 ـ الحث على المعاشرة بالمعروف:

3 ـ العلاج الواقعي للخلافات الزوجية:

ثالثا ـ بعد الفرقة الزوجية

1 ـ الأمر بالتزام الطلاق السني:

2 ـ تشريع العدة :

3 ـ تشريع الرجعة:

ثانيا ـ المقاصد الشرعية من الزواج ووسائل حفظها

بعد التعرف على حقيقة الزواج والأحكام المرتبطة به، فإن أهم تساؤل يعرض بعد ذلك هو حول المقاصد التي راعاها الشرع من الزواج، فالتطبيق الحرفي للأحكام المهمل للمقاصد الشرعية منها قد تنتج عنه نتائج تخالف مراد الله من تشريعه، فيلبس الانحراف لباس التشريع، وتتحول شريعة الله إلى طقوس ورسوم تسيء لدين الله في الوقت الذي تزعم لنفسها تمسكها به.

وبما أن هذه السلسلة تختص بالبحث عن المقاصد الشرعية من فقه الأسرة، فإن هذا الفصل لا يحوي تفاصيل المقاصد الشرعية، بل يكتفي بجملها، وهي في العادة المرجع الذي نرجع إليه في اختياراتنا أو ترجيحاتنا.

ويحوي الفصل ثلاثة مباحث:

·  الزواج في الأنظمة الجاهلية: وذلك لنرى مدى تميز الإسلام عن هذه الأنظمة، فلا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية.

·      مقاصد الزواج

·      تشريعات الإسلام لحفظ كيان الأسرة

1 ـ الزواج في الأنظمة الجاهلية

الغرض من ذكر هذا المبحث أمران، كلاهما له صلة بالمقدمات الشرعية للزواج:

أما الأول، فهو أن الجاهلية تمد بأعناقها في كل حين لتلتهم دين المسلم وسلوكه، بل لتلتهم تصوراته للكون والحياة، فلذلك كان من الفقه لدين الله التعرف على الانحرافات التي يقع فيها المبتعدون عنه، ولهذا قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -  :(إنما تنقض عرى الاسلام عروة عروة اذا  نشأ فى الاسلام من لم يعرف  الجاهلية)

وقد علق ابن تيمية على كلام عمر - رضي الله عنه -  ووجهه بقوله :(وهو كما قال عمر، فان كمال الاسلام هو بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله، ومن نشأ في المعروف لم يعرف غيره فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند من علمه، ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم، ولهذا يوجد الخبير بالشر واسبابه اذا كان حسن القصد عنده من الاحتراز عنه ومنع اهله والجهاد لهم ما ليس عند غيره)[1]

ومثل لذلك بالصحابة - رضي الله عنهم -، فقد كانوا أعظم ايمانا وجهادا ممن بعدهم، لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر لما علموه من حسن حال الاسلام والايمان والعمل الصالح وقبح حال الكفر والمعاصى[2].

وختم ذلك بهذه القاعدة الجليلة، قال :(فالقلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشر فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يمدح به، بل من عرف الشر وذاقه ثم عرف الخير وذاقه، فقد تكون معرفته بالخير ومحبته له ومعرفته بالشر وبغضه له اكمل ممن لم يعرف الخير والشر ويذقهما كما ذاقهما، بل من لم يعرف الا الخير فقد يأتيه الشر فلا يعرف انه شر، فإما ان يقع فيه واما ان لا ينكره كما انكره الذي عرفه)         

أما الثاني، فهو بيان تميز دين الله الصحيح الذي لم تلتهمه نيران الطقوس والحرفية عن الأنظمة الجاهلية بمختلف أنواعها، وذلك كما يقال :(والضد يظهر حسنه الضد)، وكما يقال :(وبضدها تتبين الاشياء) 

وقد تدرجنا في ذكر التصورات المختلفة للزواج من القبائل البدائية إلى الحضارة الغربية الحديثة باعتبارها إفرازا من إفرازات التصورات والسلوكات الجاهلية.

الزواج عند القبائل البدائية:

تقلد كثير من القبائل البدائية[3] الحيوانات التي تعيش مجتمعة كالقردة والفيلة وغيرها حيث يتقاتل ذكورها على حيازة إناثها، فقد روي عن قوم الشيبيوبان من أمريكا الشمالية أن الرجل متى أحب امرأة رجل آخر قاتله فإن تغلب عليه أخذ منه امرأته عنوة، وكذلك روى عن قوم البوشيمان من أفريقيا أن الرجل الأقوى يعدو على الضعيف فيسلب منه امرأته على رغم أنفه.

وهذا القتال الشهواني لا يحصل فقط بين الرجال لسبي النساء ولكن يحصل أيضاً بين النساء، وذلك أن الرجل في بعض قبائل كينسلان من اوستراليا يتزوج إلى خمسة نساء فيجتمع هؤلاء النسوة ويتقاتلن بالعصي الغليظة ولا يزلن يتضاربن حتى تسيل دماؤهن وتكون الغالبة هي صاحبة الحظوة لدى زوجها.

ومن عادات قبائل اوستراليا البدائية أنه إن حدث قتال بين قبيلتين وغلبت إحداهما الأخرى ذهب نساء المغلوبين إلى الغالبين عن طيب نفس بلا أدنى مقاومة.

ولهذا لا نجد عند أمثال هذه القبائل ما يسمى بالزواج فقد روي أن القبائل في كاليفورنيا الدنيا ليس لديهم احتفال بزواج بل ليس لديهم في لغتهم ما يدل على معنى الزواج فهم يتزاوجون كما تتزاوج العصافير والبهائم.

وفي كثير من بلاد القبائل البدائية يتم الزواج بالخطف فمتى خطف الرجل امرأة كانت زوجته سواء رضيت أم لم ترض فإن خطفها رجل آخر كانت له.

وفي بعض القبائل البدائية ينحصر الاحتفال بالزواج في أن يضرم الزوجان ناراً فيجلسان بجانبها، وعند البعض الآخر يتم الزواج متى قامت الزوجة ببعض الخدم البيتية للزوج، وعند قبائل غينا الجديدة يتم الزواج متى أعطت المرأة لزوجها قليلاً من التبغ، وعند قبائل التفاجوس يتم أمر الزواج بين الرجل والمرأة بمجرد جلوسهما في شبه قطعة كبيرة وأكلهما معاً من الأغذية متى يكونا قد وضعاها فيها.

وكما أن الزواج بسيط عند هؤلاء فكذلك الطلاق عندهم فإن الرجل من قبيلة الشيبيوية من أمريكا الشمالية إذا أراد طلاق امرأته ضربها وأخرجها من بيته فتطلق، وعند الأقوام الموجودين في كاليفورنيا الدنيا من أمريكا للرجل أن يتزوج من النساء ما شاء بلا قيد وله أن يشغلهن كالأرقاء ومتى بدا له أن يطلق إحداهن فما عليه إلا أن يطردها، وكذلك الشأن عند النوبيين من أستراليا إذا عرض لأحد الرجال أن يطلق امرأته وهبها لرجل آخر، ومن نظامات التاسمانيين من أستراليا ضرورة التطليق كأنه أمر من الأمور الضرورية، وأما عند قبائل الكازياس فإن الطلاق كثير لحد أنه فقد معه معنى الزواج.

ومما يدل على هشاشة الروابط الزوجية عند البدائيين أنه قد اعتاد بعضهم تقديم نسائه لضيوفه ليتمتع بهن ما داموا عنده، ومن المتوحشين من يهب بناته أيضاً لضيوفه، من هؤلاء الأقوام الأسكيمو وهنود أمريكا وبعض قبائل بولنيزيا والسودان والحبشة، ونقل أن المرأة البوشيمانية تستطيع بإذن الزوج أن تنضم إلى أي رجل آخر ثم تعود إليه وهي تشبه عادات بعض العرب في الجاهلية من إذن الرجل لزوجته بالذهاب إلى رجل معين ثم عودتها إليه. وهذه العادة تعد عند الأسكيمو (في جروينلاندا)من مكارم الأخلاق وكرم السجايا.

هذا الانحلال في الروابط الزوجية عند هذه الأقوام يشعر بأن أولئك الرجال لا يعلقون كبير اهتمام على عفة المرأة فقد روي أن في جهات الكونجو من أفريقيا يعرض كثير من الرجال بناته للفسق ليكسبوا من وراء ذلك دراهم، وعند الميكسيكيين عادة غريبة وهي أن البنت متى بلغت سن الزواج أمرها أهلها بأن تخرج إلى الرجال لتكسب مهرها فتطوف لذلك البلاد في حالة عهارة مطلقة حتى تجمع المبلغ الكافي ثم تعود إلى بيتها لتتزوج.

وروي عن السكان الأولين لجهة داريان من أمريكا أنهم ما كانوا ينظرون للفسق بعين المقت وكان الزنا من الأمور التي لا تؤثر عندهم أي تأثير حتى شهر عن نساء أعليائهم أنهن كن يقلن أن من أخلاق سفلة النساء أن ترد إحداهن طلب طالب،  ولم يزل يعتقد نساء أندمان من آسيا أن من سفالة المرأة أن ترد يد لامس،  وروي عن أقوام الشيبشاس من أمريكا الوسطى أن الرجل يعتبر مغازلة الرجال لزوجته بل مباضعتهم لها من موجبات السرور والفخر له. ولو تزوج أحدهم بامرأة فوجدها بكراً حقرها وعدها كلا شيء لأنها لم تثر شهوة رجل قبله.

وفي مقابل ذلك كان لكل قبيلة طقوس وأعراف خاصة تدل على تصورهم له، ومنها ما اعتاده الشوشوابس من كولومبي بأمريكا وهو أنهم يعتبرون العار كل العار أن تتزوج امرأة من أسرة بدون أن تدفع لأهلها شيئاً، ويعتبر المودوكس من كاليفورنيا أن الأولاد الذين يولدون من أب لم ينفح أسرة أمهم بشيء من الأولاد المحقرين الذين لا يستوجبون أدنى كرامة، ومن عوائد أهل إيبوكونا من أفريقيا أنهم يحقرون كل من كان معدداً للأزواج.

ومن التقاليد عند قبائل كوتياجاس أن المرأة ما دامت بلا زوج لها أن تعمل ما شاءت من الجري وراء هواها ولكنها متى تزوجت حفظت عفتها حفظاً ليس بعده مرمى. وكذلك الحال عند قبائل كوماناس وعند أهل بيرو من أمريكا لا يهتم الأب بالبحث عن سيرة ابنته وليس من العار عليها أن يكون لها أخدان عديدون ولكنها متى تزوجت حفظت غاية ما يمكن من العفة.

وعند قبائل السيبشاس لا يهتم الرجال لعفة النساء قبل الزواج كما رأينا ولكنهم بعد زواجها يحافظون عليها كل المحافظة ويتأثرون من فسقها تأثراً شديدا.

وكانت القبائل البدائية لكثرة حروبها وغاراتها تهتم بتربية الأولاد الذكور وتهمل تربية الإناث، بل كان من عوائدهم الشائعة قتل الإناث لا سيما وقد كانت تربيتهن كعبء ثقيل عليهم، ولكن حدث من جراء ذلك أن قلت النساء فنشأت عادة خطف الإناث بين القبائل والتزوج بهن فكان الرجل إذا احتاج لامرأة اصطادها من قبيلة أخرى كما يصطاد حيواناً وتزوج بها، ومن العجيب أن هذه العادة لم تزل تتأصل حتى اعتبر الزواج بطريق السبي هو الزواج وحده بل عدت فيما بعده عادة دينية ولم يزل يوجد للاَن من قبائل والهنود والقوقازيين من يحرمون الزواج من قبائلهم يرون ضرورة الزواج من القبائل المجاورة لهم.

الزواج عند اليونانيين :

يؤثر عن اليونانيين القدماء أنهم كانوا موحدين للزوجة ولكنهم كانوا يبيحون لأنفسهم التسري بالأحرار والأسرى. وكان للزواج عندهم غرضان أحدهما ديني والآخر مدني، ويطلب لأجل إيجاد النسل وقد سمحت شرائعهم بأن يتزاوج الأهل والأقربون والأخوة كل ذلك لحفظ الدم نقياً من الشوائب.

وكان احتفالهم بالزواج ينحصر في تقديم ضحايا لآلهة الزواج زوس وهيرا وأبوللون وغيرها، وأخذ العهد على الزوجين، ثم عمل قربان عظيم يوم الزواج تعقبه وليمة تحضرها العروس محجبة ثم يتلو ذلك احتفال زفاف العروس إلى بيت زوجها فتركب في مركبة تجرها الجياد وحولها الموسيقى تعزف بأنغامها والمغنون يترنمون بأناشيدهم.

الزواج عند الرومان:

كان للزواج عند الرومانيين نوعان أحدهما يقال له زواج بمانوس والآخر زواج بغير مانوس ففي الأول تعتبر المرأة بنتاً للرجل تندمج في أسرته التي له عليها كل سلطة وتخرج بتاتاً من أسرة أبيها ولا يبقى لها به أية علاقة.

وفي النوع الثاني تحفظ المرأة مكانها الأول من أسرة أبيها ولا تتصل من أسرة زوجها بأي سبب.

في كلا هذين النوعين لا بد من شروط لصحة الزواج كبلوغ الرجل سن الحلم وكذلك المرأة وكحريتهما فانه لا زواج عندهم للأرقاء وكان الطلاق مسموحاً به لديهم وكذلك التسري.

الزواج عند الفراعنة:

جاء في المعجم: كان من تعاليم أحد أبناء خوفو :(إذا كنت رجلاً ذا أملاك، فليكن لك بيت خاص بك، ولتقترن بزوجة تحبك، فيولد لك ابن)وبعد ذلك بألفي عام، قال حكيم آخر :(تزوج عندما تبلغ العشرين من عمرك، كي يصير لك ابن وأنت لا تزال صغير السن)، وقد طُلب من حتحور الخيرة أن تعطي الأرملة زوجاً، والعذراء مسكناً، وكان من واجبات الرؤساء الإقطاعيين أن يقدموا الفتيات الصغيرات إلى العزاب.

وإذا كان لنا أن نصدق القصائد الغرامية، فقد كان المصريون يتوقون إلى تزويج أولادهم، وكانوا يسمحون لأبنائهم بالاختيار، وكانت الزيجات بالأقارب ذوي الدم الواحد هي القاعدة، تقريباً، في العصور الهيلينستية، ولكن هل كانت الحال كذلك في العصور السابقة؟ الحقيقة أن كلمتي "أخ" و"أخت" قد استُعملتا في القصائد الغرامية، بمعنى (العشيق والعشيقة)[4]

الزواج عند اليهود:

طوال عصور التاريخ وفي كل البلاد والأقاليم ارتبط اليهود كقاعدة بلا استثناء بالعزلة السكنية في حي خاص من المدينة "الجيتو" Ghetto كما يقال له في كثير من بلاد أوربا وأمريكا أو حارة اليهود في ألمانيا Judengasse وفي مصر وسوريا حارة اليهود وفي أسبانيا اليوديريا Juderia أو هو الملة كما في مدن المغرب العربي Mellah أو القاع قاع اليهود كما في اليمن".

وفي هذا الجيتو الرهيب كانت تعيش الأسرة اليهودية منعزلة عن العالم ولكن ما لبث هذا الجيتو أن خفت صرامته وعزلته باختلاط اليهود مع العالم أو مع الجوبيم كما يسميهم اليهود أنفسهم، وإن زعم اليهود - لأهداف سياسية - أن جنسهم ظل نقياً وأنهم من أبناء إسرائيل إلى يومنا هذا، وهذا زعم باطل شكلاً وموضوعاً كما قرره الأنثروبولوجيون أخيراً.

وعلى ذلك فالأسرة اليهودية تشبه أخلاط الأسرة التي يعيش بينها اليهود في كل مكان، وإنما الذي يميز اليهود من غيرهم أنهم وحدة دينية منعزلة وأن دينهم دين مغلق لا يقبل الدعوة إليه، وباختلاطهم حصل التزاوج والتحول كما قرر هذا الأنثروبولوجيون ابتداءً من "كين" إلى "ربلي" Ripley إلى "كون Coon.

ولكن  عادة الزواج المبكر جداً بين اليهود كانت مسؤولة عن انحطاط المستوى الصحي بينهم، وهذا الزواج كان علنياً أحياناً وسرياً أحياناً أخرى أو على شكل علاقات جنسية غير شرعية، وقد ارتفع التزاوج المختلط بين اليهود والجوبيم أو الجنتيل (الجوبيم والجنتيل هم عامة الناس من غير اليهود)إلى نسب عالية في فترات الهدوء وتوقف الاضطهاد فإذا كان الزوج يهودياً نشأ الأبناء يهوداً، وكان يحدث أحياناً أن تنتزع ديانة الزوجة اليهودية من ديانة الأب، والواقع كما يذكر المؤرخ يوسيفوس أن الزواج من غير اليهود لم يكن ممنوعاً على اليهود في اليهودية الأولى والأدلة على ذلك كثيرة، بل تروى في ذلك القصص كقصة شمشون اليهودي ودليلة الفلسطينية، وكما هو الواقع بين العموريين والحيثيين، كما يشير سفر حزقيال :(أمك كانت حيثية، وعموريا كان أبوك)

والمهم أن هذا الزواج جعل الأسرة اليهودية بأبنائها تأخذ شكل وصفات الأسرة التي ينتمي إليها الأب والأم مضافاً إليها الدين اليهودي، فلا تمييز يذكر إذن لهذه الأسرة اليهودية عن غيرها[5].

الزواج عند المسيحيين :

نتج عن عقيدة مسيحية الكنيسة في الفداء أمور ثلاثة:

1- الاعتراف بالخطيئة أمام رجال الكنيسة.

2- صكوك الغفران التي تعطيها الكنيسة لمن تغفر لهم.

3- الزواج الديني الذي يقوم به رجال الدين في الكنيسة، وسط مراسيم خاصة.

والذي يعنينا هنا هو الزواج الديني الذي تعقده الكنيسة وتباركه فإذا انعقد وبورك كان معنى ذلك أنه لا ينفصم إلا بإشراك الكنيسة وإقرارها الوضع الطارئ عليه، فإذا لم تقر فَصم عروة الزواج بالحكم بإلغائه، فهو قائم إلى الموت، فليس من حق أحد الزوجين أن يتزوج شخصاً آخر حتى مع انفصالهما جسمياً، وليس من حق أي محكمة أن تفصل بين الزوجين، وإذا تم هذا الفصل فلا يعترف به.

ونشأ عن هذا الوضع ما يسمى بالزواج المدني الذي يعقد بعيداً عن الكنيسة في دوائر الحكومة المدنية وهو ما لم تعترف به الكنيسة ولم تقر شرعية الأولاد الناتجين عن هذا الزواج.

هذا الفصام بين الزواج الكنسي الديني والزواج المدني انعكس بالسلب على  الأسرة المسيحية فقد باتت تأخذ من الخارج شكل الأسرة وفيها الزوج والزوجة والأبناء، ولكنها من الداخل منفصمة العرى مفككة الروابط.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسيحيين ـ وخاصة الكاثوليك ـ يعتبرون الزواج أدنى من درجة العزوبة فقد جاء في قوانين الكاثوليكيين أنه يعتبر محروماً كل من قال إن حالة الزواج أفضل من حالة العزوبة، ومن قال بأن الإنسان يكون أسعد حالاً إذا كان متزوجاً مما إذا كان عزباً، وقد حكموا عليه هذا الحكم باعتباره من الشهوات البهيمية الجسدية، والإنسان الكامل عندهم يجب أن لا يفكر في اللذائذ البدنية بل ينقطع إلى عبادة الخالق ليتصل بعالم الكمال الأقدس، ومع ذلك سمحت به الكنيسة المسيحية للضرورة.

الزواج عند العرب في الجاهلية:

كان الزواج عند العرب في الجاهلية على أربعة أنواع هي[6]:

أولا: نكاح الاستبضاع[7]، وهو أن يعجب الرجل نجابة رجل آخر ونبله وتقدمه فيأمر من تكون له من حرة أو أمة أن تبيح نفسها له، فإذا حملت منه رجع هو إلى وطئها حرصا على نجابة الولد.

ثانيا: أن تكون المرأة لا زوج لها يعاشرها جنسيا الجماعة من الرجال منفردين أو مجتمعين، فإذا استمر بها حمل دعتهم، وقالت لأحدهم: هذا منك، فيلزمه ذلك ويلحق به ولا يمكنه الامتناع منه.

ثالثا: البغايا، وكن يجعلن الرايات على مواضعهن فمن رأى تلك الراية علم أنه موضع بغي فيتكرر عليها بذلك من شاء الله من الناس حتى إذا استمر بها حملها قالت لبعضهم: هو منك , فيلحق به.

رابعا: النكاح الصحيح، وهو النكاح الذي أقره الإسلام.

وكان من عادات بعض العرب في الجاهلية والتي وردت به الروايات الكثيرة في أسباب النزول أنه إذا مات الرجل منهم فأولياؤه أحق بامرأته، يرثونها كما يرثون البهائم والمتروكات ! إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وأخذوا مهرها، وإن شاءوا عضلوها وأمسكوها في البيت دون تزويج، حتى تفتدي نفسها بشيء.

وكان بعضهم إذا توفي عن المرأة زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه، فمنعها من الناس، وحازها كما يحوز السلب والغنيمة، فإن كانت جميلة تزوجها ؛ وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها، أو تفتدي نفسها منه بمال، فأما إذا فاتته فانطلقت إلى بيت أهلها قبل أن يدركها فيلقي عليها ثوبه، فقد نجت وتحررت وحمت نفسها منه !

وكان بعضهم يطلق المرأة، ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد ؛ حتى تفتدي نفسها منه، بما كان أعطاها كله أو بعضه.

وكانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبا فإن كان له ابن صغير أو أخ حبسها حتى تشيب أو تموت فيرثها وإن هي انفلتت فأتت أهلها قبل أن يلقى عليها ثوبا نجت.

وكان الرجل منهم تكون عنده عجوز ونفسه تتوق إلى الشابة فيكره فراق العجوز لما لها فيمسكها  ولا   يقربها حتى تفتدى منه بمالها أو تموت فيرث مالها.

وكان الرجل منهم تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها، فيحبسها عن الزواج، حتى يكبر ابنه الصغير ليتزوجها، ويأخذ مالها[8].

الزواج في المجتمعات الغربية الحديثة

لعل أبلغ وصف يمكن أن نصف به موقف المجتمعات الغربية ـ عموما ـ من الزواج والأسرة هو ما يحلوا لها أن تصف نفسها به، وهو الحرية.

فالتحرر من الأعراف، ومن القيود، بل مما تقتضيه الطبيعة الإنسانية نفسها، هو المظهر العام الذي تبدوا به الحضارة الغربية[9]، بل تفخر به، بل تحاول فرضه على العالم المتخلف الذي لا يزال يرزح تحت قيود المحافظة.

ولا نريد هنا التفصيل في هذا، لأن هذا مما تواتر واستفاض، فصار يغني تواتره عن طلب تفاصيله، ولكنا سنكتفي هنا بذكر بعض مظاهر تحرر الإنسان الغربي من الزواج العادي الطبيعي:

1. استبدال الصداقة بالزواج:

لأن الزواج قيد ثقيل، قد يكلف الرجل إن أراد أن يفصله عنه أموالا ضخمة، ومحاكمات طويلة، ومساءلات قانونية كثيرة، بينما الصداقة شيء سهل، لا يكلف صاحبها شيئا، بل قد يستفيد منها.

يذكر د. عبد الله مبارك الخاطر بعض مشاهداته في بريطانيا، فيقول:(كنت أستغرب عند بداية إقامتي في بريطانيا أن المرأة هي التي تنفق على الرجل، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار أو أدخل المطعم، إذ ليس في قاموس الغربيين شيء اسمه (كرم).. وبعد حين زال هذا الاستغراب، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة،   وفهمت منهم بأن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل ما أسموه [صديقة]،   والمرأة تسميه [صديقاً]، وليس هو أو هي من الصدق في شيء... والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهوراً أو سنين، ولا ينفق عليها، بل هي تنفق عليه في معظم الحالات، وقد يغادر البيت متى شاء، أو قد يطلب منها مغادرة بيته، إن كانت تعيش معه في بيته، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين، وتخشى أن يرتبط صديقها بامرأة ثانية ويطردها، ثم لا تجد صديقاً آخر)[10]

ثم ضرب مثلا على ذلك ببعض مريضاته التي أتته إلى عيادته النفسية وكانت (امرأة في العشرينات من عمرها، وكانت حالتها النفسية منهارة، وبعد حين من الزمن شَعَرتْ بشيء من التحسن، وأصبحت تتحدث عن وعيٍ، فسألتها عن حياتها، فأجابت والدموع تنهمر من عينيها، قالت: مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب، ولا أدري متى سينفصل عني صديقي، ولا أستطيع مطالبته بالزواج منى، لأنني أخشى من موقف يتخذه، ونُصِحتُ بالعمل على إنجاب طفل منه، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج، وها أنت ترى الطفل، كما أنك تراني ولا ينقصني جمال، ومع هذا وذاك فأبذل كل السبل ؛ من تقديم خدمات، وإنفاق مال، ولم أنجح في إقناعه بالزواج، وهذا سر مرضي، وسبب قهري إنني أشعر بأنني وحدي في هذا المجتمع، فليس لي زوج يساعدني على أعباء الحياة، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمه سواء، وليتني بقيت بدون طفل ؛ لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت)

وعقب على ذلك بقوله :(وهذه المرأة المريضة ليست من شواذ المجتمع الغربي، بل الشواذ هم الذين يعيشون حياة هادئة)

وهذا أثر من آثار الثورة الصناعية، والتطورات الأخيرة في العقلية الأوربية[11]، وبزوغ فكرة الحرية الفردية وعلو شأنها حوالي منتصف القرن الماضي - بما تحمله تلك الكلمة من حق وباطل - فإن الوحدة الرئيسية للمجتمع لم تعد العائلة، بل صارت (الفرد)رجلاً كان أم امرأة.. ومن ثم.. وبعد أن تبدلت القيم والمفاهيم، وشاعت الحرية - صارت المرأة لا تعني الزوجة أو الأم للرجل، بل زميلة العمل أو الصديقة والخليلة،   ولم يعد الرجل بحاجة إلى الزواج وإقامة العائلة كوحدة اجتماعية-في غالب الأحيان - فحاجاته الطبيعية ملباة دون مسؤوليات تلقى على عاتقه، وهو حر في التنقل بين امرأة وامرأة، كما أن المرأة حرة في التنقل بين رجل ورجل، كما تقتضيه دفعة الجسد العمياء.

2. كثرة العوانس بين الفتيات والعزاب من الشباب:

لتيسر إرواء غليل الشهوات من الطرق المحرمة بغير تحمل تبعة الزواج وبناء الأسرة , متمتعين في نفس الوقت بلذة التنويع , دون التقيد بالحياة المتشابهة المتكررة كما يزعمون، وكان من نتيجة ذلك وجود كثرة هائلة من الفتيات , تقضى شبابها محرومة من زوج تسكن إليه ويسكن إليها , إلا العابثين الذين يتخذونها أداة للمتعة الحرام , ويقابل هؤلاء الفتيات كثرة من الشباب العزاب المحرومين من الحياة الزوجية, كما تدل على ذلك أحدث الإحصاءات , فقد صرح مدير مصلحة الإحصاء الأمريكية في 22 من ذي القعدة 1402 هـ (الموافق 10 سبتمبر - أيلول -1982 م): أنه لأول مرة منذ بداية هذا القرن تصبح أغلبية سكان مدينة سان فرانسيسكو من العزاب.

وأوضح)بروس شامبمان)في مؤتمر صحفي نظمته الجمعية الاجتماعية الأمريكية أنه وفقا لأرقام آخر تعداد فإن 53بالمائة من سكان سان فرانسيسكو غير متزوجين، وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الأرقام يمكن أن تكون مؤشراً على أفول الأنموذج العائلي التقليدي.

وأضاف شامبمان: إن هذه التغييرات الاجتماعية ملائمة لتحقيق الرفاهية في المدينة التي زاد عدد سكانها من الشباب بين 25 و34 سنة بمقدار (4ر40بالمائة)خلال العشر سنوات الأخيرة وقال: إن التعداد لم يشمل عدد المصابين بالشذوذ الجنسي الذين يقطنون المدينة والذين يشكلون 15 بالمائة من السكان تقريبا.

ولا عجب بعد ذلك أن نقرأ في الصحف مثل هذا الخبر:(خرجت النساء السويديات في مظاهرة عامة , تشمل أنحاء السويد , احتجاجا على إطلاق الحريات الجنسية في السويد , اشتركت في المظاهرة (000 ر100)امرأة , وسوف يقدمن عريضة موقعة منهن إلى الحكومة, تعلن العريضة الاحتجاج على تدهور القيم الأخلاقية.

3. كثرة الطلاق:

 لأن مثل هذا الزواج , بعد تحققه غير مضمون البقاء , فسرعان ما تتحطم الأسرة , وتنفصم الروابط لأدنى الأسباب.

ففي أمريكا تزداد نسبة الطلاق عاماً بعد عام إلى حد مفزع. والذي يقال عن أمريكا , يقال عن معظم البلاد الغربية.

4. الانحلال الأخلاقي:

ففي أمريكا والسويد وغيرهما من بلاد الحرية الجنسية , أثبتت الإحصاءات أن السعار الشهواني لم ينطفئ بحرية اللقاء والحديث , ولا بما بعد اللقاء والحديث, بل صار الناس كلما ازدادوا منه عباً , ازدادوا عطشاً، فالأرقام والوقائع التي تفيض بها الإحصاءات والتقارير , هي التي تتكلم وتبين في هذا المجال.

قال الرئيس كنيدي في تصريح مشهور له , تناقلته الصحف ووكالات الأنباء عام 1962  :(إن الشباب الأمريكي مائع مترف منحل , غارق في الشهوات , وإن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين , بسبب انهماكهم في الشهوات)،وأنذر بأن هذا الشباب خطر على مستقبل أمريكا.

وفي كتاب لمدير مركز البحوث بجامعة هارفارد بعنوان (الثورة الجنسية)يقرر المؤلف , أن أمريكا سائرة إلى كارثة في الفوضوية الجنسية , وأنها تتجه إلى نفس الاتجاه, الذي أدى إلى سقوط الحضارتين الإغريقية والرومانية في الزمن القديم , ويقول  :(إننا محاصرون من جميع الجهات بتيار خطر من الجنس , يغرق كل غرفة من بناء ثقافتنا, وكل قطاع من حياتنا العامة)

ومع أن الشيوعيين ـ عندما كانت لهم دولة ـ قليلو التحدث عن مثل هذه الأمور الجنسية , ومع عدم السماح لأجهزة الإعلام والتوجيه أن تتناولها , إلا أنه في عام 1962 صدر تصريح للزعيم الروسي خروتشوف , أعلن فيه أن الشباب قد انحرف وأفسده الترف , وهدد بأن معسكرات جديدة قد تفتح في سيبيريا للتخلص من الشباب المنحرف , لأنه خطر على مستقبل روسيا !

وقد نتج عن هذا كثرة الأبناء غير الشرعيين، فقد قامت بعض المؤسسات في أمريكا , بعمل إحصاء للحبالى من طالبات المدارس الثانوية , فكانت النسبة مخيفة جداً، ولننظر ما تقوله بعض الإحصاءات بهذا الصدد حيث تقول  :(إن أكثر من ثلث مواليد عام 1983 في نيويورك هم أطفال غير شرعيين، أي أنهم ولدوا خارج نطاق الزواج , وأكثرهم ولدوا لفتيات في التاسعة عشرة من العمر وما دونها , وعددهم (353ر112)طفلاً أي 37 بالمائة من مجموع مواليد نيويورك)

ويقول الدكتور شوفيلد في كتابه الأمراض الجنسية: لقد انتشر تساهل المجتمع تجاه كافة الممارسات الجنسية ولا يوجد أي إحساس بالخجل من الزنا واللواط أو أي علاقة جنسية شاذة أو محرمة، بل إن وسائل الإعلام جعلت من العار علي الفتي والفتاة أن يكون محصنا، إن العفة بالنسبة للرجل أو المرأة أصبحت في المجتمعات الغربية مما يندي له جبين المرء، إن وسائل الإعلام تدعو وتحث علي الإباحية باعتبارها أمرا طبيعيا بيولوجيا، ويري كثير من الخبراء أن أهم ثلاثة عوامل لانتشار الأمراض الجنسية هي الإباحية وانتشار استخدام حبوب الحمل والمضادات الحيوية.

هذا ما يقوله خبراؤهم لقد انتشرت الفاحشة بين القوم من الزنا واللواط والشذوذ الجنسي وارتضوها سلوكا لهم بل وتفاخروا بها وأعلنوا عنها وروجوا لها وأقاموا لها منتديات ونقابات وتظاهروا من أجل الحفاظ علي مخازيهم فيها بل وأنشئوا لها الصحف والمجلات ومنابر الإعلام وأقاموا لها النوادي والشواطئ وقري العراة لمزيد من الدعاية والإعلان والظهور، لقد كتبت مئات المقالات والكتب والمسرحيات والقصص والأفلام التي تمجد البغاء والعلاقات الجنسية الشاذة، وقد أصبح الجنس ووسائل منع الحمل تدرس للأطفال في المدارس.

ولكي ندرك حجم انتشار الزنا والإباحية في هذه المجتمعات ننظر إلي من يفترض فيهم أنهم يعلمونهم العفة ويتسامون بأخلاقهم ففي إحصائيات نشرتها الديلي ميل: أن ما يقرب من 80% من الرهبان والراهبات ورجال الكنيسة يمارسون الزنا، وأن ما يقرب من 40% منهم يمارسون الشذوذ الجنسي أيضًا.

5. الزواج المثلي كبديل عن الأسرة التقليدية:

ربما لم يبلغ الانحراف الجنسي في عصر من العصور ما بلغه في عصرنا الحالي، فالمجتمعات الغربية في عصرنا تسير نحو أودية سحيقة من مخالفة الفطرة وأنواع الشذوذ.

فقد أخذ الشذوذ الجنسي ومخالفة الفطرة في الزواج طريقه عبر التشريعات والقوانين.. فقد أباحت كثير من الكنائس الغربية الزنا واللواط، بل يتم عقد قران الرجل علي الرجل علي يد القسيس في بعض كنائس الولايات المتحدة.

وقد انتشر الشذوذ الجنسي انتشارا ذريعا في المجتمعات الغربية ؛ فقد سنت الدول الغربية قوانين تبيح الزنا والشذوذ طالما كان بين بالغين دون إكراه، وتكونت آلاف الجمعيات والنوادي التي ترعي شئون الشاذين جنسيًا، وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الشاذين جنسيا خرجوا من دائرتهم السرية إلي الدائرة العلنية وأصبح لهم نواديهم وباراتهم وحدائقهم وسواحلهم ومسابحهم وحتي مراحيضهم، وتقدر الإحصائيات عدد الشاذين في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عشرين عاما بحوالي عشرين مليونا من الشواذ، ومما زاد الطين بلة اعتراف الكنيسة بمثل هذه الممارسات الشاذة من الزنا واللواط، فقد اعترفت رسميا بأن المخاللة والمخادنة أمر لا تعترض عليه الكنيسة حتي قال أحد الكرادلة في بريطانيا إن الكنيسة الإنجليكانية ستعترف عما قريب بالشذوذ الجنسي، وأنه لا يمانع شخصيا أن يصير الشاذ قسيسا، وذلك بعد هجوم شنته مجلة لوطية تصدر في بريطانيا علي الدين المسيحي لأنه يحرم الشذوذ الجنسي.

 

 

 

2 ـ مقاصد الزواج

راعى الشرع في الأحكام المتعلقة بالزواج الكثير من المقاصد التي تخدم المصالح الدنيوية والأخروية، والتي يستحيل اجتماعها بواقعيتها ومثاليتها في نفس الوقت في غير التشريعات الإسلامية، ففيها مراعاة تامة للمصالح الفردية والمصالح الاجتماعية ومصالح الأمة جميعا من غير أن يطغى فيها جانب على جانب.

وقبل أن نعرض باختصار مجامع هذه المقاصد، نذكر قولي عالمين اهتما اهتماما شديدا بالمقاصد الشرعية ننطلق منهما في بيان المقاصد الشرعية من الزواج:

أولهما السرخسي الذي حاول أن يجمع المقاصد الشرعية من الزواج بقوله:(تعلق بهذا العقد أنواع من المصالح الدينية والدنيوية من ذلك حفظ النساء والقيام عليهن والإنفاق , ومن ذلك صيانة النفس عن الزنا , ومن ذلك تكثير عباد الله تعالى وأمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحقيق مباهاة الرسول  - صلى الله عليه وسلم - بهم)[12]

أما الثاني، فهو الغزالي، فقد قال عند بيان فوائد الزواج:(وفيه فوائد خمسة: الولد، وكسر الشهوة، وتدبـير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن)[13]

وانطلاقا من هذين النصين يمكن حصر مجامع المقاصد الشرعية من الزواج في المقاصد التالية:

المقصد الأول ـ تحصين الرجل والمرأة

ومعنى الإحصان[14] هو توفير المناعة الكافية للمؤمن، والتي تصده عن الوقوع في الفاحشة أو تصرفه بالتفكير فيها عن الوظائف الموكلة إليه.

وسر ذلك هو أن الإسلام يعترف بالغرائز التي وجدت في نفس الإنسان، فلا يقاومها أو يطلب إماتتها، بل يوفر السبل النظيفة  التي تتيح إخراجها في جو يحفظ مبادئه ومقاصده الكلية، ولا يصادم ـ في نفس الوقت ـ الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وقد نص على هذا المقصد قوله U:﴿ وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾(النور: 33)، فالنص ظاهر في أن من مقاصد الزواج الاستعفاف.

ونص عليه من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - :(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)[15]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :(ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)[16]

فالزواج هو السبيل الوحيد للتحصين من الشهوات، فلذلك اعتبر من صرف شهوته بغير سبيل الزواج من المعتدين، كما قال U :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)(المؤمنون:5)، ثم استثنى، فقال U :﴿ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)(المؤمنون:6)، أي (والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم اللّه عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها اللّه لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله اللّه له فلا لوم عليه ولا حرج)، فقد استثنت الآية من حفظ الفرج حفظه عن الزوجة أو ملك اليمين، وهي في حكم الزوجة. [17]

وهذا موقف وسط بين من فتح المجال للشهوات فتحا مطلقا، فانتشرت الرذيلة وعم الانحراف باسم الحرية، أو باسم مقاومة الكبت، وترك العنان للغرائز الحيوانية، وبين دعاة الرهبانية الذين دعوا إلى العفاف بمقاومة الطبيعة البشرية والفطرة التي خلق الله الناس عليها، يقول سيد قطب تعليقا على الآية السابقة :(إن الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة، فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس، والإسلام نظام متكامل، فهو لا يفرض العفة إلا وقد هيأ لها أسبابها، وجعلها ميسورة للأفراد الأسوياء. فلا يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إلا الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسور عامدا غير مضطر)[18]

وبناء على هذا أمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال بقوله U:﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(النور:32)والأيامى هم الذين لا أزواج لهم رجالا كانوا أو نساء، والمراد بهم في هذه الآية الأحرار دون الرقيق لأنه أفردهم في قوله U:﴿ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾

يقول سيد عن موقف العلماء من هذا الأمر الإلهي الذي يقتضي ظاهره الوجوب  :(وهذا أمر للجماعة بتزويجهم، والجمهور على أن الأمر هنا للندب، ودليلهم أنه قد وجد أيامى على عهد رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -لم يزوجوا، ولو كان الأمر للوجوب لزوجهم)[19]

ويذكر موقفه بقوله  :(ونحن نرى أن الأمر للوجوب، لا بمعنى أن يجبر الإمام الأيامى على الزواج ؛ ولكن بمعنى أنه يتعين إعانة الراغبين منهم في الزواج، وتمكينهم من الإحصان، بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية العملية، وتطهير المجتمع الإسلامي من الفاحشة، وهو واجب  ووسيلة الواجب واجبة)[20]، وهو قول تؤيده الأدلة الكثيرة بناء على التصور الإسلامي لدور ولي الأمر الذي يهتم بببناء الإنسان قبل اهتمامه بأي بنيان آخر.

ونفس الأمر ينطبق على المرأة التي يتقدم لها الكفء الذي ترغب فيه، فلا يحل عضلها عنه حتى لو كان قد سبق له إيذاءها بالطلاق، قال U :﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(البقرة:232)، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدوا له أن يتزوجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك فنهى اللّه أن يمنعوها، والذي قاله ظاهر من الآية.

ومثل نهي العضل عن المطلق عضل المتوفى عنها زوجها طمعا في مالها أ وفي عدم خروجها من أسرة الزوج بعد وفاته، قال U :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء:19)

ولا بأس من ذكر بعض النصوص التي تبين الجو الذي نزلت فيه الآية، قال زيد بن أسلم :(كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يرثها، أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى اللّه المؤمنين عن ذلك)

وقال أبو بكر بن مردويه عن محمد ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل اللّه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً ﴾ (النساء: من الآية19)

وقال ابن جرير: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس توفي عنها أبو قيس بن الأسلت فجنح عليها ابنه فجاءت رسول اللّه r، فقالت يا رسول اللّه: لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح، فأنزل اللّه هذه الآية. فالآية تعم ما كان يفعله أهل الجاهلية وكل ما كان فيه نوع من ذلك.

ومثل ذلك عضل أي امرأة عن الزواج بمن تتحقق فيه شرائط الكفاءة التي سنذكرها في محلها، قال - صلى الله عليه وسلم - :(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)قالوا :(يا رسول الله، وإن كان فيه)قال :(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)ثلاث مرات[21].

 

***

 

 ولهذا ـ وبعد توفير الجو المناسب الذي تصرف فيه الغرائز ـ ورد التشديد على حرمة الزنا، واعتباره من الكبائر والفواحش التي تهدم القيم التي ينبني عليها الكيان النفسي والاجتماعي، قال U :﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ (الاسراء:32)

وورد التنفير منه بذكر أنواع العقاب المناطة به، فالزاني لا تفتح له أبواب السماء، قال - صلى الله عليه وسلم - :(تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له ؟ هل من سائل فيعطى ؟ هل من مكروب فيفرج عنه ؟ فلا يبقى مسلم يدعو دعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشارا)[22]

وموعد الزاني نار يلتهب بها وجهه، قال - صلى الله عليه وسلم - :(إن الزناة تشتعل وجوههم نارا)[23]، وقال - صلى الله عليه وسلم - يصف بعض العقاب الذي يتعذب به الزناة في البرزخ :(رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة)ـ فذكر الحديث إلى أن قال ـ :(فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نار فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا وإذا خمدت رجعوا فيها , وفيها رجال ونساء عراة)[24]، وفي رواية قال - صلى الله عليه وسلم - :(فانطلقنا إلى مثل التنور , قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات , قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب  ضوضوا - أي صاحوا)الحديث، وفي آخره :(وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني)

وجاء في السنة تغليظ عظيم في الزنى لا سيما بحليلة الجار والتي غاب عنها زوجها، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -  قال: سألت رسول الله r أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك: قلت إن ذلك لعظيم , قلت ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك , قلت ثم أي ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)[25] وفي رواية: وتلا هذه الآية :﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ﴾ (الفرقان:68)

ومثل هذا التغليظ فيمن خفت عليه دواعي الغريزة بكبر السن، قال - صلى الله عليه وسلم - :(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان , وملك كذاب , وعائل - أي فقير - مستكبر)[26]، وقال - صلى الله عليه وسلم - :(لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني ولا إلى العجوز الزانية)[27]

بل أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الزنى أحبط عبادة ستين سنة، قال r :(تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض فاخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال لو نزلت فذكرت الله فازددت خيرا , فنزل ومعه رغيف أو رغيفان فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير ليستحم فجاء سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين , ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته , ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له)[28]

 

***

 

 ولم يكتف الشرع بهذه التحذيرات التي قد تتسبب الغفلة في عدم التأثر بها أو الانفعال لها، بل رتب على ذلك حدودا شرعية لا تقل في حدتها عن الجرائم الكبرى التي تتفق البشرية على خطرها، قال - صلى الله عليه وسلم - :(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني , والنفس بالنفس , والتارك لدينه المفارق للجماعة)[29]، وقال - صلى الله عليه وسلم - :(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا في إحدى ثلاث: زنا بعد إحصان فإنه يرجم , ورجل خرج محاربا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض , أو يقتل نفسا فيقتل بها)[30]

بل كانت العقوبة في الزنا بعد الإحصان الذي يتم فيه الصرف السليم لهذه الغريزة أبشع عقاب وأخطره، وهو حد الرجم، وهو الرمي بالحجارة حتى الموت، وهو صورة مهولة تتألم لها النفس، بل تردع أعظم ردع.

ولذلك ارتبطت هذه العقوبة بالزنى بعد الإحصان، لأن اللذة الجنسية لا يقاومها إلا مثل هذا الألم الرادع الشديد.

 وقد اتفق على هذا الحكم جماهير المسلمين، قال ابن قدامة :(وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة , والتابعين , ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار)

وقد وردت النصوص الصريحة بذلك، فقد ثبت الرجم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله , في أخبار تشبه المتواتر , فقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -  أنه قال: إن الله تعالى بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق , وأنزل عليه الكتاب , فكان فيما أنزل عليه آية الرجم , فقرأتها وعقلتها ووعيتها , ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى , فالرجم حق على من زنى إذا أحصن , من الرجال والنساء , إذا قامت البينة , أو كان الحبل , أو الاعتراف , وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم)

 

***

 وانطلاقا من هذا، فقد سعت كل التشريعات المرتبطة بالزواج ـ كما سنرى ـ إلى تيسير الزواج، ورفع كل العقبات الحائلة دونه، حفاظا على حصانة المجتمعات الإسلامية، وحفظها من الفواحش.

وهذا الذي نص عليه الإسلام هو الذي اعترف به عقلاء الغرب، يقول ويل دورانت في كتابه (لذات الفلسفة):(إن الزواج في الوقت المناسب يقضي على نصف الفحشاء والأمراض الخطرة، وحالات العزلة العقيمة، والانحرافات التي ابتُليَت بها الحضارة الحديثة)

ويقول في مكان آخر من كتابه :(إن النمو الجنسي للإنسان يسبق تكامله الاقتصادي، والحد من الرغبات الجنسية في المجتمع الريفي أمرٌ معقول، لكن الحد من هذه الرغبات في المجتمع الصناعي الذي يتأخر فيه سن الزواج إلى ثلاثين عاماً ليس أمراً سهلاً، ولا بد للشهوة أن تعلن عن نفسها، وعند ذلك يكون كف النفس أمراً صعبا.

لذا ننصح طلبة الجامعات المشغولين بالدراسة ولا يستطيعون تحمل الضغوط الجنسية، ويخافون على أنفسهم من الانحراف أن يتزوجوا بعقد شرعي وقانوني على أن يتم الدخول، وتكوين الأسرة بعد انتهاء الطرفين من التحصيل الجامعي، وبهذا الشكل يمكننا صيانة الشباب من الانحراف)

1 ـ الحكم الشرعية من مراعاة هذا المقصد

بعد تعرفنا على مراعاة الشرع لهذا المقصد في تشريع الزواج نتساءل عن الحكم المراعاة في هذا المقصد، أو بعبارة أخرى جريئة، على منطق المتحررين :

ما الحاجة إلى الإحصان، مع أن هذا الأمر حرية  شخصية، أو هو عملية بيولوجية لا تختلف عن سائر العمليات التي يقوم بها جسم الإنسان؟

ثم لماذا يعتبر العفاف خلقا نبيلا، ولماذا يعتبر الزنى فاحشة ومنكرا؟

والإجابة على هذا تستدعي تفاصيل كثيرة لا محل لها هنا، ولكنا على سبيل الاختصار سنحاول ذكر بعض الأضرار الواقعية عن انتشار الفواحش، لتكون وحدها دليلا على ما دعا إليه الشرع:

التحصين من الأضرار الصحية :

بما أن الخلق متفقون على حرمة هذا الجسد، فإن من الحفاظ على حرمته الابتعاد به عن كل ما قد يستبب في تضرره ومرضه.

وانتشار الفواحش ـ كما يدل عليه الواقع ـ من أهم أسباب الأمراض الخطيرة، فالأمراض الجنسية من أخطر الأمراض وأشدها فتكا بالإنسان خصوصا في هذا العصر، حيث تشير آخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض انتشارا في العالم، وأنها أهم وأخطر المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب، فعدد الإصابات في ارتفاع مستمر في كل الأعمار خصوصا في مرحلة الشباب يقول الدكتور جولد :(لقد حسب أن في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم، هذا وفق الإحصائيات المسجلة والتي يقول عنها الدكتور جورج كوس إن الحالات المعلن عنها رسميا لا تتعدي ربع أو عشر العدد الحقيقي)

إن هذه الأمراض تنتشر بين الناس كانتشار النار في الهشيم، ويمكن لشخص واحد يحمل مرضًا واحدا منها أن يحدث وباء في بيئته، وقد أكدت دراسة أجريت في بريطانيا منذ أكثرمن ثلاثين عاما تقريبا هذه الحقيقة حيث تسبب مصاب واحد بنقل عدوي مرضه الجنسي إلي ألف وستمائة وتسعة وثلاثين شخصًا آخرين. فماذا تُحدث الأعداد الهائلة من المصابين بهذه الأمراض وهم بالملايين من أوبئة كاسحة في تلك المجتمعات!

إن الآلام والأمراض والدمار والهلاك الشامل هو النتيجة الطبيعية لانتشار هذه الأمراض، لذلك قامت عدة منظمات عالمية لمواجهة هذه الأخطار الماحقة كمنظمة الصحة العالمية، والاتحاد العالمي لمكافحة الأمراض الجنسية، وانتهي خبراء هذه المنظمات من وضع قرارات وتوصيات وتحذيرات، ومع كل هذا ظلت المشكلة في ازدياد وتعقيد مستمر، سواء في أنواع هذه الأمراض، أو أعداد المصابين بها، بحيث أصبحت أضعافا مضاعفة، فما هو السبب الحقيقي للانتشار المريع لهذه الأمراض إنه سبب بديهي معروف ضجت به الشكوى وبحت به الأصوات، واتخذت له إجراءات لكن بدون جدوى! إنه التحلل الخلقي والإباحية المطلقة في العلاقات الجنسية، إنه انتشار الزنا واللواط وسائر العلاقات الجنسية الشاذة والمحرمة. 

يقول الدكتور كنج في كتابه الأمراض الزهرية: إن الآمال التي كانت معقودة علي وسائلنا الطبية الحديثة في القضاء أو علي الأقل الحد من الأمراض الجنسية قد خابت وباءت بالخسران، إن أسباب انتشار هذه الأمراض تكمن في الظروف الاجتماعية وتغير السلوك الإنساني، فقد انتشرت الإباحية انتشار ذريعا في المجتمعات الغربية.

وقد شهد العالم موجات كاسحة من انتشار وباء الزهري علي فترات منذ أن ظهر لأول مرة عام 1494م وقد قضي علي مئات الملايين من الأشخاص في القرون الخمسة الماضية وحطم حياة ملايين أخري منهم، انظروا إلي جرثومته التي لا تري بالعين المجردة إنها جرثومة دقيقة ضعيفة، لكنها قاتلة خطيرة تهاجم جميع أعضاء الجسم، وفي غفلة من الضحية تدمره وتقضي عليه بعد رحلة طويلة من الآلام والأوجاع التي لم يعهدها الناس وقتئذ وما سمعوا بها، وبرغم اكتشاف المضادات الحيوية، فما زال المرض يزداد وينتشر إذ يصاب سنويا حوالي خمسين مليونا من البشر بهذا المرض

ويتصدر مرض السيلان قائمة الأمراض المعدية، فهو أكثر الأمراض الجنسية شيوعا في العالم إذ يتراوح الرقم المثبت في الإحصائيات حوالي مائتين وخمسين مليون مصاب سنويا، وهذا لا يمثل الحقيقة لأن عدد الحالات المبلغ بها والواردة في الإحصائيات تمثل من عشر إلي ربع الرقم الحقيقي.

وبرغم هجوم ميكروب السيلان الدقيق علي جميع أعضاء الجسم وتسببه في الالتهابات والعلل والآلام للمصاب إلا أن أخطر آثاره هو قطع نسل الضحية ؛ لذلك يسمي هذا المرض بالمعقم الأكبر.

التحصين من الأضرار النفسية :

تصاحب المشكلات الصحية التي يتعرض لها المنحرفون جنسيا مجموعة من المشكلات النفسية والعصابية والتي يأتي على رأسها الهوس والجنون والوسواس المرضي. ويمكن تلخيص أبرز المشكلات النفسية التي يتعرض لها هؤلاء الأشخاص في ما يلي:

·  تنشأ في نفس المنحرف حالة من الصراع النفسي بين المرغوب والمحظور نتيجة إدراكه التام لكون ممارسته ممارسة غير مقبولة دينيا واجتماعيا وأخلاقيا، فتبعث في نفسه حالة من عدم الاستقرار النفسي.

·  تؤدي حالة عدم الاستقرار النفسي إلى خلق حالة من الاضطراب فتعطل قدرة الشخص عن اتخاذ القرارات السليمة، مما يعود بالضرر المباشر عليه وعلى المجتمع المحيط.

·      تنشأ في نفس الشخص حالة من عدم التوازن مما يؤدي إلى حدوث حالة من القلق المستمر.

·  تتطبع شخصية المنحرف بضعف الثقة بالنفس وبالآخرين، الأمر الذي يعيق عملية الاندماج والتكيف الاجتماعي السليم.

·  تؤدي حالة انعدام الثقة في النفس وفي الآخرين إلى ظهور وتعزز الغيرة المرضية التي تنعكس سلبا على قدرة المنحرف على إقامة علاقة زوجية طبيعية، وكذلك هو الحال بالنسبة للعلاقات الاجتماعية الأخرى.

·  من بين الأمراض النفسية التي تظهر على المنحرف الوسواس المرضي والخوف المستمر وغيرها من الحالات التي تعتبر مظهرا من مظاهر عدم الاستقرار أو الاختلال النفسي.

التحصين من الأضرار الاجتماعية:

كما هو واضح من الأضرار النفسية الآنفة الذكر، نلاحظ أن الشخص المنحرف ونتيجة حالة عدم الاستقرار النفسي وما ينتج عن هذه الحالة من آثار ومضاعفات، يكون عاجزا عن العيش بصورة طبيعية في محيطه الاجتماعي.

لهذا نرى المنحرفين في الغالب يشكلون تجمعات وتكتلات تعاني من حالة الإقصاء من قبل المحيط الاجتماعي. وتبعث حالة الإقصاء هذه في الغالب على الاستمرار في حالة الانحراف انتقاما من المجتمع، ما يزيد من حالة عدم القبول أو الرفض الاجتماعي لهذه الفئة.. وهكذا تدور الحلقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الإنساني يخسر كنتيجة لهذه الممارسات المنحرفة طاقات بشرية في الغالب تكون طاقات شابة بمعنى أنها في أوج قدرتها على البذل والعطاء، في الوقت الذي يحتاج فيه المجتمع إلى كل جزء من جزئيات هذه الطاقة.

ومن مظاهر الضرر الاجتماعي انعدام الأمن الاجتماعي التي تكون متبوعة بحالة من انعدام الثقة في المحيط الاجتماعي بشكل عام، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على حالة الاستقرار في المجتمع ليؤدي بذلك إلى حالة من التفكك الاجتماعي، وخلق حالة من العزلة رغم وجود المظهر الاجتماعي على السطح.

أي أنه يجب أن ندرك بأن سلوك المنحرف لا ينعكس سلبا عليه فقط أو على المجموعة التي يمارس انحرافه معها أو من خلالها، وإنما يكون المجتمع بأكمله بصالحه وفاسده عرضة للتأثر بسلبيات هذا الانحراف. ومن هنا تبرز أهمية النهوض والمبادرة لعلاج مثل هذه الانحرافات السلوكية لحفظ حالة الطهر الاجتماعي، وللحفاظ على الروابط الاجتماعية التي تعتبر المحرك الرئيسي لعجلة التنمية الاجتماعية.

التحصين من الأضرار الفكرية والعقائدية:

رغم أن الأضرار الفكرية والعقائدية تحتل موقعا بارزا من الأهمية بالنسبة للإنسان على اعتبار أنها أساس بناء المجتمع الإنساني السليم وبناء الحضارة والهوية الثقافية، إلا أنه قليل ما يتناولها الباحثون في مجال الانحرافات السلوكية.

ولعل أكبر ضرر في هذا الجانب يتمثل في فقدان الهوية الاجتماعية والثقافية، حيث أن فكر الانحلال الخلقي وما يتبعه من تبريرات تتستر في الغالب وراء شعارات رنانة وحضارية كالحرية الشخصية وتحرير الفكر والتحضر وحرية المرأة وما إلى ذلك من الشعارات، يبدأ في أخذ حيز من المساحة الفكرية والثقافية للمجتمع، ليتحول مع مرور الزمن ومع تعاقب الأجيال إلى جزء أساسي من الثقافة التي يتبناها هذا المجتمع.

تحصين العلاقة بالله :

وربما لا يفهم هذه الحكمة إلى المؤمنون العارفون بالله، فهم أعلم الناس بأن سعادة الإنسان الحقيقية تتوقف على مدى صلته بالله.

وانتشار الفواحش من أعظم الحجب التي تحول بين الروح وبين التطلع لله، لأنها تجعل صاحبها كالبهيمة لا هم له إلا إرضاء نزواته.

وقد أشار الغزالي إلى هذه الحكمة بقوله:(إن الشهوة إذا غلبت ولم يقاومها قوّة التقوى جرّت إلى اقتحام الفواحش، وإليه أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى :﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ (الأنفال:73)، وإن كان ملجماً بلجام التقوى فغايته أن يكف الجوارح عن إجابة الشهوة، فيغض البصر ويحفظ الفرج، فأما حفظ القلب عن الوسواس والفكر فلا يدخل تحت اختياره)[31]

ويحكي في ذلك عن بعض الصالحين أنه كان يكثر من الزواج حتى لا يكاد يخلو من اثنين وثلاث، فأنكر عليه بعضهم، فقال: هل يعرف أحد منكم أنه جلس بـين يدي الله تعالى جلسة أو وقف بـين يديه موقفاً في معاملة فخطر على قلبه خاطر شهوة، فقالوا: يصيبنا من ذلك كثيراً، فقال: لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد لما تزوجت، لكني ما خطر على قلبـي خاطر يشغلني عن حالي إلا نفذته فأستريح وأرجع إلى شغلي، ومنذ أربعين سنة ما خطر على قلبـي معصية[32].

ولهذا كان من العلل التي حرم الزنا لأجلها ـ زيادة على آثاره الاجتماعية ـ حيلولته بين الإنسان والوظائف التي أنيطت به، وهي تعرفه على الله وعبادته، ولهذا قرن القرآن الكريم بين الشرك والزنا، فقال U :﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً)(الفرقان:68)

ولهذا أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الزنا نوع من أنواع الكفر أو مظهر من مظاهره، قال - صلى الله عليه وسلم -:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن , ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن , ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو  مؤمن)[33] , زاد النسائي :(فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن تاب تاب الله عليه)

وصور ذلك حديث آخر، قال - صلى الله عليه وسلم - :(إذا زنى الرجل أخرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)[34]،  وقال - صلى الله عليه وسلم - :(من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه)[35]  وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم - :(إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب رد عليه)[36]

وفي حديث آخر يخبر - صلى الله عليه وسلم - عن ترفع المؤمن عن ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم - :(لا يسرق السارق وهو مؤمن , ولا يزني الزاني وهو مؤمن , الإيمان أكرم على الله من ذلك)[37]

ولهذا وصف الله U المؤمنين بالعفاف في آيات كثيرة مما يدل على أنه سمة من سمة الفرد المسلم كما أن توفير أسباب العفاف سمة من سمات المجتمع المسلم، ومنها قوله U:﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُون﴾(المؤمنون: 1ـ 7)، ولما أنزلت هذه الآيات على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ هذه الآيات.

ومثلها ما ورد في صفات المؤمنين في قوله U:﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾(المعارج:19)إلى قوله U :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(29)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(30)فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ﴾(المعارج: 29 ـ 31)

وقد ذكر الله U نماذج العفاف لتكون قدوة للمؤمنين، وذكر نتائج ذلك العفاف، فذكر عن مريم ـ عليها السلام ـ قوله U:﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِين﴾(التحريم:12)

وذكر من الرجال يوسف - عليه السلام -، فقصته في القرآن الكريم نموذج عن العفاف الإيماني، وعرضها بتلك الصورة، وبذلك التعبير القرآني كانت من أكبر أسباب تربية المؤمنين على هذا الخلق العظيم، يقول ابن القيم  :(وقد ذكر الله U عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون، فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه كان شابا، والشباب مركب الشهوة، وكان عزبا ليس عنده ما يعوضه، وكان غريبا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به فيسقط من عيونهم، فإذا تغرب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال والداعي مع ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا كله فعف لله ولم يطعها)

2 ـ آثار مراعاة هذا المقصد:

بناء على اعتبار هذا المقصد جنحنا في هذه السلسلة، وخاصة في المجموعة الأولى منها إلى القول بتيسير الزواج، ولو في أبسط أشكاله الشرعية، حفظا للمجتمع من انتشار الفواحش، وسنرى في الجزء الثاني الكثير من الأمثلة على ذلك.

يقول الشيخ القرضاوي متحدثا عن لزوم مراعاة هذا المقصد عند دفاعه عن بعض أنواع الزواج الحديثة :(إن تحقيق الزواج لأهدافه كلها هو المثل الأعلى الذي يصبو إليه المسلم والمسلمة، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، والمسلم يحاول أن يحصِّل من هذه الأهداف ما يقدر عليه.

والأصل في الزواج أن يعيش الزوج مع زوجته ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءً، ولكن كثيراً من الأزواج يسافرون في مهام تجارية أو صناعية أو وظيفية أو غيرها، ويتركون زوجاتهم أياماً وليالي، بل أشهراً عدة في بعض الأحيان، وهذا لا يبطل الزواج القائم.

ولهذا اشترط بعض المذاهب ألا يغيب الزوج عن زوجته أربعة أشهر ـ وبعضها قال: ستة أشهر ـ متصلة، إلا لضرورة، أو بإذن الزوجة.

وكان الناس في بلاد الخليج أيام الغوص يتغربون عن وطنهم وأهليهم بالأشهر، وبعضهم كان يتزوج في بعض البلاد الإفريقية أو الآسيوية التي يذهب إليها، ويقيم مع المرأة الفترة التي يبقى فيها في تلك البلدة، التي تكون عادة على شاطئ البحر، ويتركها ويعود إلى بلده، ثم يعود إليها مرة أخرى، إن تيسر له السفر.

فهذا زواج اقتضته الحاجة، ورضيت به المرأة وأهلها، وهم يعلمون أن هذا الرجل لن يبقى معهم إلا فترة من الزمن، وقد يعود إليهم وقد لا يعود، ولم يعترض على هذا الزواج معترض)

ثم يخاطب من يعترضون على هذا، فيقول :(وأحب أن أقول لبعض الإخوة الذين يهونون من هدف الإمتاع والإحصان، ويحقرون من شأن المرأة التي تتزوج لتستمتع بالرجل في الحلال، ولا تفكر في الحرام، ويعتبرون هذا انحطاطاً بكرامة المرأة، ونزولاً بقدرها، أحب أن أقول لهؤلاء كلمة صريحة:

إن هدف الإمتاع والإحصان ليس هدفاً هيناً، ولا مُهيناً، كما تتصورون وتصوِّرون، بل هو أول أهداف الزواج، ولهذا لا يجوز التنازل عنه في العقد)

المقصد الثاني ـ صيانة المرأة

رأينا في المبحث السابق المعاملة التي تعامل بها المرأة كزوجة في سائر الجاهلبات السابقة واللاحقة، فلا تعرف لها حقوقها الإنسانية، بل تنزل بها عن منزلة الرجل نزولا شنيعا، يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان، في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية.

أما الإسلام فقد رفع عنها هذا كله، وردها إلى مكانها الطبيعي في كيان الأسرة، المكان الذي يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في قوله U :﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾(النساء:1)، ليرفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط إلى المستوى الإنساني الرفيع، ويظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل ؛ وليوثق الروابط والوشائج، فلا تنقطع عند الصدمة الأولى، وعند الانفعال الأول[38].

1 ـ الآثار التشريعية لاعتبار هذا المقصد:

إن تشريعات الإسلام في هذا الجانب مع مراعاتها حق الزوجين إلا أنها كانت أكثر اهتماما ورعاية لحق المرأة باعتبارها الجانب الذي يمكن أن يستغل، أو تهضم حقوقه، وسنرى في تفاصيل أجزاء هذه السلسلة الكثير مما يبرهن على هذا، ولكنا ـ هنا سنسوق باختصار ـ بعض المظاهر التشريعية لصيانة الإسلام للمرأة، لنترك التفاصيل في محالها المختلفة[39]:

·      حرم الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة، كما حرم العضل الذي تسامه المرأة، ويتخذ أداة للإضرار بها وجعل للمرأة حريتها في اختيار من تعاشره ابتداء أو استئنافا. بكرا أم ثيبا مطلقة أو متوفى عنها زوجها. وجعل العشرة بالمعروف فريضة على الرجال - حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة، وقد نص على هذه الحقوق جميعا في آية واحدة هي قوله U :﴿  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾(النساء:19)

·      اعتبرت الشريعة الزوجة شريكة للزوج، وسكنا له، وأن العلاقة بينهما هي علاقة المودة والرحمة، وكل ذلك لم يكن في أمة من الأمم بالصورة التي جاء بها الإسلام، قال تعالى:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾(الروم:21)

·  اعتبر الإسلام المرأة في بيت زوجها سيدة محترمة، لا خادمة ممتهنة، بل إن أكثر الفقهاء على أنه ليس عليها أن تخدم زوجها ولا تمتهن نفسها في الخدمة البيتية جبراً، بل لو لم تحسن الطبخ وجب على زوجها أن يأتيها بالأكل مجهزاً ولا يوجب الشرع عليها إرضاع ولدها ويجبر الزوج على استرضاعه بواسطة مرضع مأجورة إن لم ترد الأم إرضاعه.

·  اعتبر الشرع قيام المرأة بحقوق الزوجية جهاداً في سبيل الله، فقد جاءت امرأة النبي r فقالت: يا رسول الله , إني رسول النساء إليك , وما منهن امرأة - علمت أو لم تعلم - إلا وهي تهوى مخرجي إليك. ثم عرضت قضيتها فقالت: الله رب الرجال والنساء وإلههن , وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء , كتب الله الجهاد على الرجال , فإن أصابوا أجروا وان استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون , فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة ؟ قال  :(طاعة أزواجهن والقيام بحقوقهم , وقليل منكن من يفعله)[40].

·  لأجل صيانة المرأة شرعت الشريعة كما سنرى الكثير مما يحفظ المرأة من الامتهان والذلة، وأول هذه الحقوق هو (الصداق)الذي أوجبه الإسلام للمرأة على الرجل إشعارا منه برغبته فيها وإرادته لها، كما قال U:﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾(النساء:4)

·  فرضت الشريعة على الرجل توفير جميع أنوع النفقة لزوجته، قال - صلى الله عليه وسلم - في بيان حقوق النساء  :(ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)[41], والمعروف هو ما يتعارف عليه أهل الدين والفضل من الناس بلا إسراف ولا تقتر, وقال U:﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾(الطلاق:7)

·  فرض على الرجل معاشرة زوجته بالمعروف فقال U:﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ (النساء:19)، وهو حق يتضمن إحسان العاملة في كل علاقة بين المرء وزوجه , من حسن الخلق , ولين الجانب , وطيب الكلام , وبشاشة الوجه , وتطييب نفسها بالممازحة والترفيه عنها.

·  حوفظ على شخصيتها محافظة تامة، فلم يذبها، ولم يذبها في شخصية زوجها , كما هو الشأن في التقاليد الغربية , التي تجعل المرأة تابعة لرجلها , فلا تعرف باسمها ونسبها ولقبها العائلي , بل بأنها زوجة فلان، أما الإسلام فقد أبقى للمرأة شخصيتها المستقلة المتميزة , ولهذا عرفنا زوجات الرسول بأسمائهن وأنسابهن. فخديجة بنت خويلد , وعائشة بنت أبى بكر , وحفصة بنت عمر , كما أن شخصيتها المدنية لا تنقص بالزواج , ولا تفقد أهليتها للعقود والمعاملات وسائر التصرفات, فلها أن تبيع وتشتري , وتؤجر أملاكها وتستأجر وتهب من مالها وتتصدق وتوكل وتخاصم.

·  أكدت الشريعة حقها في الدفاع عن نفسها في حال شقاقها مع زوجها، وعرض الخلاف على محكمة مختصة، قال تعالى:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ (النساء:35)

·  أكد الإسلام حق المرأة أماً، وجعل حقها مضاعفاً بالنسبة لحق الأب، وقرن الله تعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين، قال تعالى:﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ (الاسراء:23)، وقال تعالى:﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ (الاسراء:24)، بل ورد في الحديث عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله، من أبر؟ قال :(أمك)قال: ثم من؟ قال :(أمك)، قال قلت: ثم من؟ قال :(أمك)قال: ثم من؟ قال :(أباك)، وعن معاوية بن جاهمة أنه جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال :(هل لك أم؟)قال: نعم، قال :(فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)

·  أعطى الإسلام المرأة حقها في التملك، وحقها في التصرف فيما تملكه دون ولاية، ولا وصاية، وأعطاها حقها في اختيار زوجها، كما أعطاها حقها على أهلها من حيث التربية، والحفاظ عليها، والعدل في العطية بالنسبة لعطايا والديها مع إخوانها، وحقها في الميراث، وحقها على زوجها من حيث النفقة بالمعروف، والمعاملة الحسنة، والتعاون معها في شؤون البيت، والعدل في القسم، والنفقة في حال التعدد.

2 ـ المواقف التحررية وموقف الإسلام منها:

انطلاقا مما سبق، هل البشرية اليوم تسير نحو صيانة المرأة وتحريرها، أم أنها تسير نحو أودية سحيقة لا ينجيها منها إلا رجوعها إلى الفطرة التي يمثلها هذا الدين؟

وهل في أفكار التحرر ما يمكن أن نستمد منه مزيد صيانة للمرأة أم أن ما في ديننا وتشريعاته ما يغنينا عن هذا السراب الذي تلهث البشرية في البحث عنه؟

لن نجيب على هذا التساؤل من القرآن الكريم، أو من السنة المطهرة، وإنما سنجيب عنه بما تفعله البشرية من محاولات، لا للوصول إلى ما تتوهمه من كرامة المرأة، وإنما للوصول إلى ما تبتغيه من مزيد ابتزاز للمرأة، باسم تحرر المرأة[42].

فقد أصبحت المرأة والأسرة محورين أساسيين من محاور عمل التجمعات العلمانية وكثير من المنظمات والجمعيات (الحكومية وغير الحكومية)المتسترة برداء الحرية وحقوق الإنسان.

كما أصبح الشغل الشاغل لتلك التجمعات ولهذه المنظمات السعي لتقنين الإباحية والرذيلة باسم الحرية، والانتكاس عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها وتعميم الشذوذ باسم حقوق الإنسان، وتقويض بناء (الأسرة) لأنها ـ في زعمهم ـ أكبر عائق من عوائق التقدم والرفاهية، وأقدم مؤسسة اجتماعية يدعون أن الرجل يتسلط من خلالها على المرأة، ويمارس عليها أشكال القهر، ومن أجل التحرير المزعوم للمرأة فإنهم يرون ضرورة التخلص من (الأسرة)واقتلاعها من جذورها، وإن أدى ذلك إلى التمرد على كل التعاليم الدينية، والأخلاقيات الاجتماعية، والمبادئ الفطرية الإنسانية، التي أرست دعائم الشعوب والأمم على مر التاريخ البشري.

تلك هي رؤيتهم التي دأبوا على بثها بكل وسيلة ممكنة، وذلك هو برنامجهم الذي لم يسأموا من السعي لتحقيقه في الواقع وفرضه بالقوة مستعينين بمؤسسات الهيمنة الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.

وفي السنوات الأخيرة تكثفت جهود الحركات النسوية ونشطاء (حقوق الإنسان)من أجل نقل تصوراتها وأفكارها عن المرأة والأسرة من حيز الكلام النظري إلى حيز التنفيذ العملي، ومن الأطر الثقافية والاجتماعية الخاصة ببعض الشعوب والحضارات إلى النطاق العالمي العام، مستغلين طغيان موجة (العولمة)

وقد تم عقد سلسلة من المؤتمرات الدولية حول هذا الموضوع كان من أهمها: مؤتمر السكان بالقاهرة (1994م)، ومؤتمر التنمية في كوبنهاجن، ومؤتمر المرأة في بكين (1995م)، ثم مؤتمر الصحة الإنجابية بالقاهرة (1998م)، ومؤتمر العنف ضد نساء العالم في نيويورك (1999م)، وغير ذلك من المؤتمرات التي قد تكون اختلفت في عناوينها ولكنها اتفقت في أهدافها الساعية إلى هدم منظومات القيم والمبادئ والأخلاقيات الدينية التي تكفل كرامة المرأة، أو التي تحفظ لها حقوقها الفطرية، أو تعلي من شأن (الأسرة)ودور المرأة في بنائها، كذلك فإن تلك المؤتمرات اتخذت كوسيلة للترويج ـ عالمياً ـ للمفاهيم المنحرفة عن العلاقات الجنسية، والدفاع عن الشذوذ باعتباره حقاً من حقوق الإنسان وتسويغ الزنى، ومطالبة الحكومات بدعم وسائل منع الحمل للمراهقات غير المتزوجات، وإضفاء الصفة القانونية على أنماط الشذوذ الجنسي باعتباره نمطاً جديداً للأسرة.

ولم تقتصر خطورة تلك المؤتمرات على الترويج للأفكار الهدامة، والرؤى المنحرفة، بل تعدتها إلى البحث في آليات تنفيذها وفرضها على الشعوب والمجتمعات، وجعلها مرجعية دولية واجبة الاحترام وتجريم الخروج عليها.

ومن الجمعيات التي تقف وراء هذه المؤتمرات التي تحاول تقويض بنيان الأسرة بدعوى صيانة المرأة وتحريرها ما يسمى بـ (الحركة النسوية النوعية)

وهي حركة أمريكية، ربما لها فروع في سائر أنحاء العالم تعتقد أن النساء الأمريكيات مسجونات في إطار نظام ظالم ـ نظـام أبوي ـ يتحكم الرجل فيه ويفرض سيطرته على المرأة، وأن حالها قد ازداد سوءاً ويردن إحداث ثورة نوعية (جنسية)

وهؤلاء هن الراديكاليات أو المتطرفات ويسمين أنفسهن المتحركات Liberals، وقد أجرت جريدة التايمز منذ سنوات مسحاً في الولايات المتحدة لمعرفة نسبة النسويات كانت النتيجة أنهن يشكلن 27% من الأمريكيات، غير أن أصواتهن عالية ولهن نفوذ في الأماكن السياسية الحساسة على المستوى العالمي[43] وغالبية النساء الأمريكيات يردن حقوق المرأة ولا يعتبرن أنفسهن نسويات نوعيات أو حتى نسويات متكافلات.

ومن أهم سمات النسوية النوعية أنها لا تنادي بحقوق المرأة من أجل رفعتها أو سداد احتياجاتها، بل لفلسفة تعتنقها ولا تقتنع بغيرها.

وتعتقد النساء النوعيات أن الرجل ليس رجلاً لأن الله خلقه رجلاً، ولا المرأة امرأة لأن الله خلقها هكذا، إن الحالة التي تبدو لنا طبيعية ليست كذلك، وليست هناك مجموعة خواص لنوع بعينه، حتى سمات الحياة النفسية لا تخص الجنسين، وليس هناك جنس أفضل من جنس، هذه النظرية لا تقبل العلاقة القائمة الآن بين الرجل والمرأة وتعتبر أنها مفروضة اجتماعياً في إطار الحياة الزوجية بحيث تصبح المرأة الجانب المظلوم المهيض الجناح، ولهذا فالزواج في نظر النوعيات يعتبر اغتصاباً، والعلاقة بين جنسين متضادين لا تعطي المرأة حقها ومن ثم فالشذوذ هو البديل للعلاقات التي خلقها الله ـ العلاقات الفطرية والطبيعية منذ أن خلق الله آدم - عليه السلام -، ويصبح الطبيعي في نظرهن شاذاً والشاذ طبيعياً[44].

وهذه النظرية مبنية على نظرية ماركس لفهم التاريخ، فالتاريخ في نظره عبارة عن صراعات طبيعية يصارع فيها المظلوم الظالم، وحين يفيق المظلوم ويعي ظلمه يتبرم ويثور فيتغلب على الظالم ويصبح هو الدكتاتور وبهذا ينقلب المظلوم ظالماً، ويقول فريدريك أنجلز زميل ماركس في كتابه (أصل الأسرة، الملكية والدولة):(إن أول عامل تسبب في هضم الحقوق النسوية هو وضع عبء الإنجاب على المرأة. وينشأ أول عداء في الزيجات المبنية على اختيار شريك واحد. وأول ظلم طبيعي هو ظلم الرجل للمرأة حيث أراد الرجل أن يعرف من هو أبو المولود ففرض على المرأة زوجاً واحداً، ولهذا استعبد المرأة)

ويرى أنه من الضرورة إزالة الملكية الخاصة (حتى لا يتحكم الرجل بماله في المرأة)، ولابد من إباحة الطلاق وقبول الزنى واللقطاء ودفع المرأة للخروج من البيت ـ إلى القوى العاملة ـ ووضع الأطفال في حضانات، كما أنه لابد من محو الدين، وبهذا تختفي الحالة الطبيعية للمرأة كأم، ولقد أضافت النسوية المتطرفة أن الماركسية فشلت في تحرير المرأة بالكامل إذ إنها لم تهاجم الأسرة مباشرة، فالأسرة هي سبب ما يسمى (بالطبيعي)[45]

وتتهم النسويات النوعيات الأسرة بأنها تخلق العراقيل في سبيل تطور المرأة من الناحية الإنسانية، وبعد سنوات من نشر فلسفتهن راجت فكرة تحدي العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة وفكرة الزواج، وتحركن في المدارس والجامعات تطالبن بحرية التخطيط لأسرة المستقبل دون التحرج من أي عقوبة قانونية أو اجتماعية إذا قامت الأسرة على أساس زواج المرأة بأخرى أو اتخذت الخليلات من أمثالها، وتختار الفتاة أن تعيش بلا ذرية أو تختار المشاركة في أمومة اصطنعتها بالحصول على نطف من معامل بيولوجية أو عن طريق تأجير أرحام الأخريات وجلب الأجنة والأطفال من الأجيرات أو اللجوء إلى اللقيطات لخوض هذه التجربة الجديدة، وقد أطلقن على هذا النوع من الارتباط أشكالاً جديدة أو أنماطاً جديدة للأسرة، وبهذه الحقوق يصبح لديهن الحق في استقلالهن التام خارج سجن الإطار النوعي أو الجنسي.

وهذه نانسي شودري، الكاتبة النسوية، في كتابها (إنجاب المرأة) تهاجم الأمومة على أنها سجن للمرأة في إطار نوعي تفرضه على نفسها، بمعنى أن السيدة الأم ليس من الضروري أن تكون سيدة ولا أماً، وترى تغيير نظام المجتمع كي تتغير الأنماط الأسرية التقليدية فتتغير المرأة لتلعب دور الرجل.

وتعتقد النوعيات أنه حين يزداد عدد النساء في القوى العاملة خارج البيت يكون هذا مدعاة إلى التغيير داخل البيت، ولا يتوقف ذلك على رغبة النساء، بل يفرض المجتمع عليهن ذلك ويصبح أمراً واقعاً لا يستطعن مقاومته، وكل مناهضة لهذا الوضع تعتبر من قبيل التخلف والرجعية، ويفرض التيار النوعي نفسه فتصبح معتقداته قانوناً بعد أن يخضع له صناع القرار، وترى النوعيات أن مسؤوليات المرأة الأسرية هي العبء الأول على المرأة والعقبة الكئود في سبيل برنامج عمل النوعيات، فلابد من العمل على اقتلاع فكرة الأسرة التقليدية من أذهان نساء العالمين[46].

وتطالب النوعيات بتطهير التلفاز من كل الأنماط النوعية القديمة والصور المعهودة حتى ينمو الأطفال معتادين على الصور الجديدة غير المقيدة بإطار جنس معين، ويرين أنه لابد من إعادة صياغة وتحديد العلاقات بتغيير كلمة زوج إلى كلمة شريك Spouse، ومن ثم وردت كلمة "نوع" أو "جندر" Gender اثنتين وستين مرة في وثيقة بكين، بينما وردت كلمة "أم" ست مرات فقط، وسط تعليقات سلبية تحط من شأن الأم والأمومة، واستخدمت كلمة شريك بدلاً من زوج، ولم تكن الوثيقة تتحدث عن حقوق المرأة بل حقوق السحاقيات، وحين علق بعض المسلمين الملصقات الخاصة بالمسلمين على الحوائط وعليها صورة المرأة المسلمة بالخمار وشعار (الحجاب هو منهج حياتي) في منتدى المنظمات غير الحكومية مزقت السحاقيات جميع الملصقات وكانت تقريباً حوالي خمسمائة، ولم تكتم السحاقيات كراهيتهن للرجال فقد هاجمن خيمة المسلمين واعتدين بالضرب على أحد الرجال، وقلن له :(ما الذي أتى بك إلى هنا؟ هذا مؤتمر للمرأة وليس للرجال)

وقد احتلت النسوة النوعيات برامج المرأة في أغلب الجامعات الأمريكية، وفي أحد البرامج بعنوان " علاقات الأجناس المضادة وكينونة الشذوذ الجنسي Compulsory Heterosexuality and Lasbian Existence في كلية هانتر وزعت أستاذة المادة منهجها على الطالبات والطلبة وحددت هدف المادة وهو هدم الفكرة القديمة عن الأنثى وإعداد جيوش من الطلبة والطالبات الخريجين والخريجات يعتنقون فكرة الأمومة المكتسبة، وأن الأبوية Patriarchal institution هي النظام الاجتماعي الذي يسيطر عليه الرجل ويتحكم في المرأة والطفل جميعاً أي يتحكم في الأسرة والمجتمع ثم الدولة، والمرأة في ظل الأبوية لاتتمتع إلا بالدرجة الثانية، وكذلك إن الرجال والنساء لايميلون إلى الجنس الآخر، ولكن المجتمع هو سبب ذلك الميل ويمكن تغييره بتغيير الدور الذي يلعبه كل منهما.

والنوعيات يقمن بمحاربة انقسام العالم إلى جنسين مختلفين ويردن تبديل فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولهذا فهن يشيعن فكرة "التوجه الجنسي" أو حرية الاختيار الجنسية وحمايتها كحق من حقوق الإنسان، وعدم التعرض لممارسيها بأذى، ويعتبر إيذاؤهن من قبيل التمييز الذي يعرض صاحبه للعقوبة، وأصبحت سيطرة النوعيات من القوة بمكان، بحيث إذا تقدمت امرأة لتدريس مادة عن المرأة لا تتفق مع فلسفتهن لايقبلنها برغم مؤهلاتها وكفاءتها.

وفي مادة بعنوان إعادة صياغة صورة النوع Re-Imaging Gender  تشرح المادة الموزعة على الطالبات والطلبة فكرة الأمومة المكتسبة وتحث على حق الإجهاض من منطلق أن زواج المرأة بالرجل ظلم ونكاحه لها اغتصاب، كما تشرح المادة أن الذكورة والأنوثة لاتعني شيئاً، فهي مجرد نمط اجتماعي يحدده الدور الاجتماعي، وأن كلمة "جندر" تعني الطبقية وعدم المساواة وسلطان الرجل، وإذا استطعن تخليص العالم من الرجال لن يكون لهم سلطة، وتكرس المادة الدراسية فكرة أن التخلص من النوع هو مفتاح التخلص من النظام الأبوي وظلم الرجل، ولدينا بذلك في العالم خمس أجناس: الذكر أو الأنثى، والذكر الأنثى والأنثى الذكر، والمخنثين من الجنسين بالتشكيل الاجتماعي.

وتتصيد السحاقيات الفتيات في فرق النشاط الرياضي في المدارس وفي برامج المرأة في الجامعة، والنساء المعتدى عليهن جنسياً اللاتي اعتدن ارتياد عيادات الإجهاض، والهاربات من الحياة الزوجية إلى أماكن إيواء المرأة المسماة Womens Shelters كما تستغل السحاقيات القانون لحماية التوجه الجنسي في تعليم الأطفال أن الشذوذ أمر طبيعي ويقمن بإجهاض وإسقاط الأجنة إذا أثبت الفحص الفوتوغرافي أن الجنين ذكر[47]..

وكلمة "جندر" أصبحت بذلك كلمة السر، حاربت السحاقيات من أجلها في الجلسات التحضيرية لمؤتمر نيويورك، كما حاربت رئيسة Wedo بشراسة وغضب المندوبات المعترضات، وهاجمت السحاقيات كل من أراد تغيير كلمة السر هذه بلفظ "المرأة" أو "النساء" كما منعن أصحاب المحافظة على النمط التقليدي للأسرة (وهن نصرانيات)من إلقاء كلماتهن في الجلسات التحضيرية، وحين طالبت الحاضرات وضع "جندر" بين الأقواس، حيث يمكن مناقشة العبارات التي توضع بين الأقواس في المؤتمر اعترضت Wedo وحين طالبن بنصوص توضيحية لتفهيم العالم الخارجي فحوى الوثيقة رُفضت طلباتهن، وهذه الجماعة المسيطرة تعتبر نفسها المتحدث بلسان نساء العالم جميعاً، وكما منعت رئيسة الحركة مناهضيها من التحدث في مؤتمر السكان بالقاهرة قامت بتهميشهن في جلسات نيويورك التحضيرية.

وقد امتد خطر النوعيات إلى المدارس الأمريكية، ففي دور الحضانة والمدارس الابتدائية يتعرض الأطفال الآن لقبول فكرة أن يكون للطفل والدتان[48] أو والدان وقد صدر الكثير من كتب الأطفال التي تروِّج الشذوذ مثل: my dadys room mat Heather has two mothers ومن الغريب أن السحاقيات يعملن بجدية شديدة لنشر أفكارهن والضغط إعلامياً لكسب التبريرات لحقوقهن القانونية ثم نشرها عالمياً بل والسعي الدءوب لفرضها على بلاد المسلمين بالذات.

 

المقصد الثالث ـ بناء الأسرة

وقد نص على هذا المقصد قوله تعالى:﴿ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾(البقرة: 187)فعن ابن عباس ومجاهد والحكم وعكرمة والحسن البصري والسدي والضحاك قالوا جميعا :(هو الولد)[49]

فالرجل عندما يجامع زوجته قد لا يخطر بباله سوى الشهوة وقضاء الوطر فأرشد الله سبحانه إلى أن يطلبوا رضاه في مثل هذه اللذة ولا يباشروا بحكم مجرد الشهوة بل يبتغوا ما كتب الله لهم من الأجر.

وهذا المقصد من أهم المقاصد الشرعية من الزواج، ولذلك اعتبر الأولاد أهم ثمرة من ثمرات الزواج، يقول الغزالي عند ذكر هذا المقصد من مقاصد الزواج:(الولد، وهو الأصل وله وضع النكاح، والمقصود إبقاء النسل وأن لا يخلو العالم عن جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفحل في إخراج البذر، وبالأنثى في التمكين من الحرث تلطفاً بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع، كالتلطف بالطير في بث الحب الذي يشتهيه ليساق إلى الشبكة. وكانت القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج، ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب مع الاستغناء عنها إظهاراً للقدرة وإتماماً لعجائب الصنعة وتحقيقاً لما سبقت به المشيئة وحقت به الكلمة وجرى به القلم)

وقد وردت النصوص الكثيرة تحث على طلب البلد، وتبين أن ذلك لا يتناقض مع الصلاح كما يدعي بعض المغالين، فقد قال الله U مخبرا عن إبراهيم الخليل - عليه السلام -:﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ (الشعراء: 84)، وقال عن زكريا - عليه السلام - :﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾ِ(آل عمران:38)وقال عن عباد الرحمن :﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾(الفرقان:74)

وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال: قالت أم سليم: يا رسول الله خادمك أنس، ادع الله له فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته)[50]

وقد ذكر الغزالي وجوه ترغيب الشارع في تحصيل هذا المقصد من الزواج، مما يدل على شدة مراعاة الشارع لهذا المقصد، فقال  :(وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزباً)

وسنذكر هنا هذه الوجوه الأربعة، والتي تجعل من تكوين الأسرة في النظرة الإسلامية لا يقل عن أي عمل عبادي:

الوجه الأول: موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان، وذلك بالتوافق مع قانون الحكمة الذي يسير الله به الكون، فالله تعالى خلق الزوجين، وأدودع فيهما ما يشير إلى حكمته من خلقة، يقول الغزالي  :(فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت له، هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمراد حيث قال :(تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا)[51]، فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر؟ فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق الله من الآلات المعدة وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة المكتوبة على هذه الأعضاء بخط إلهي يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة الأزلية)[52]

الوجه الثاني: السعي في محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاه، وذلك بتكثير ما به مباهاته، فقد صرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وقد كان عمر - رضي الله عنه -  يقول: إنما أنكح للولد، وقد ورد من النصوص ما يدل على استحباب الزواج من المرأة الولود كما سنرى ذلك في محله.

الوجه الثالث:  أن يبقى بعده ولداً صالحاً يدعو له، كما ورد في الخبر أن جميع عمل ابن آدم منقطع إلا ثلاثاً فذكر الولد الصالح، وهذا الوجه يستدعي بذل الجهد للتنشئة الصالحة للأولاد، قال الغزالي  :(وقول القائل: إنّ الولد ربما لم يكن صالحاً لا يؤثر فإنه مؤمن، والصلاح هو الغالب على أولاد ذوي الدين لا سيما إذا عزم على تربـيته وحمله على الصلاح)[53]

ومع ذلك، فإن الدعاء مستجاب منهم ولو لم يكونوا صالحين، قال الغزالي:(وبالجملة دعاء المؤمن لأبويه مفيد براً كان أو فاجراً، فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولذلك قال U:﴿ أَلحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا ألَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي ما نقصناهم من أعمالهم، وجعلنا أولادهم مزيداً في إحسانهم)[54]

الوجه الرابع:  أن يموت الولد قبله فيكون له شفيعاً، وقد وردت النصوص الكثيرة المبينة للأجر المعد لذلك، ومنها ما روي عن أبي حسان قال  :(توفي ابنان لي، فقلت لأبي هريرة: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا تحدثناه تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه، أو قال أبويه، فيأخذ بناحية ثوبه أو يده، كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى حتى يدخله الله وأباه الجنة)[55]

وعن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -  :(أتحبه؟ فقال: يا رسول الله، أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما فعل ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه: أما تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك  عليه، فقال رجل: أله خاصة يا رسول الله أو لكلنا قال: بل لكلكم[56].     

وعن ابن عباس - رضي الله عنه -  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال  :(من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة)فقالت عائشة رضي الله عنها  :(بأبي أنت وأمي، فمن كان له فرط؟ فقال: ومن كان له فرط يا موفقة؟ قالت فمن لم يكن له فرط في أمتك؟ قال: فأنا فرط أمتي لم يصابوا بمثلي[57].

وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء: ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار فقالت امرأة: واثنان فقال: واثنان[58].

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  :(ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث فتمسه النار إلا تحلة القسم)[59]

ويروي الغزالي في ذلك أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهره، قال فانتبه من نومه ذات يوم وقال: زوّجوني زوجوني، فزوّجوه، فسئل عن ذلك فقال: لعل الله يرزقني ولداً ويقبضه فيكون لي مقدمة في الآخرة، ثم قال: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكأني في جملة الخلائق في الموقف، وبـي من العطش ما كاد أن يقطع عنقي، وكذا الخلائق في شدة العطش والكرب، فنحن كذلك إذ ولدان يتخللون الجمع، عليهم مناديل من نور، وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب، وهم يسقون الواحد بعد الواحد، يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس، فمددت يدي إلى أحدهم وقلت: اسقني فقد أجهدني العطش، فقال: ليس لك فينا ولد، إنما نسقي آباءنا، فقلت: ومن أنتم؟ فقالوا: نحن من مات من أطفال المسلمين.

 

3 ـ تشريعات الإسلام لحفظ كيان الأسرة

وضع الإسلام الكثير من التشريعات والمبادئ التي تحفظ كيان الأسرة المسلمة رعاية للمقاصد السابق ذكرها، وهذه التشريعات تساهم في تضييق كل المنافذ المؤدية للطلاق , ولا يمكننا هنا حصر كل ذلك، ولكنا سنذكر بعض هذه التشريعات من باب التلخيص والاختصار لما تمس الحاجة إليه، أما التفاصيل فتوجد في محالها من سائر السلسلة:

أولا ـ التأسيس الصحيح للزواج

لأن بناء الأسرة المسلمة ينطلق من التأسيس الصحيح لها، ويتحقق هذا التأسيس بمراعاة الأركان المتعلقة بالاختيار وغيره، وهي وإن ذكر بعضها في الفقه كسنن ومستحبات إلا أنها بالنسبة للحياة الزوجية الصحيحة فرائض لا يستغنى عنها، ويمكن حصر هذه الأسس في الأركان الثالثة التالية:

1 ـ حسن اختيار الزوجة:

فقد رغب الشرع في اختيار المرأة الصالحة، لأن استقرار الحياة الزوجية يرتبط بصلاحهما، وكثير من مشاكل الفرقة تكون بسبب قلة الدين والخلق، ولهذا نهى النبي  - صلى الله عليه وسلم - أن يكون القصد الأول من الزواج هو مجرد الحسن أو المال وذكر العواقب الوخيمة لذلك فقال - صلى الله عليه وسلم - :(لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن. ولكن تزوجوهن على الدين , فلأمة خرقاء سوداء ذات دين أفضل)[60]

وقد حذر - صلى الله عليه وسلم - من أن يكون مصدر الاختيار هو الأعراف والأذواق البعيدة عن اعتبار الدين، فقال  :(تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)[61]

ولكنه مع هذا راعى الطبيعة البشرية في الاختيار، بل دعا على أن يراعي المؤمن ذوقه وهواه المحصن بحصن الدين حتى تستقر حياته مع زوجته استقرارا صحيحا لأنها مبنية على الدين بمثاليته وعلى الطبيعة البشرية بواقعيتها، ولهذا قال  - صلى الله عليه وسلم - لجابر: أتزوجت يا جابر ؟ قال: قلت: نعم قال: بكرا أم ثيبا ؟ قال: قلت: بل ثيبا قال: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ؟)[62]

وراعى الطبيعة البشرية في حب الولد، فقد جاءه - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب , إلا أنها لا تلد , أفأتزوجها ؟ فنهاه , ثم أتاه الثانية , فنهاه, ثم أتاه الثالثة , فقال: تزوجوا الودود الولود , فإني مكاثر بكم)[63]

وجمع - صلى الله عليه وسلم - كل صفات المرأة المستحسنة التي يقي اختيار مثلها عن عواقب التفريق بقوله - صلى الله عليه وسلم -وقد سئل: أي النساء خير ؟ فقال :(التي تسره إذا نظر , وتطيعه إذا أمر , ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره)[64]

وقد استحب العلماء لمن أراد الزواج أن يختار من مال إليها قلبه، وحنت إليها عاطفته، قال ابن الجوزي: ومن ابتلي بالهوى , فأراد التزوج، فليجتهد في نكاح التي ابتلي بها  إن صح ذلك وجاز  وإلا فليتخير ما يظنه مثلها)[65]

2 ـ التحقق من الاختيار:

وهذا سواء من الزوج بأن يتحقق ويدقق في صفات زوجته باستعمال وسائل التحقق الشرعية، أو من أولياء الزوجة، بالبحث عن سيرة المتقدم لموليتهم، وهذا تفاديا للغرر الذي اعتبره الفقهاء من موجبات التفريق بين الزوجين، وقد روي أن رجلاً تزوج على عهد عمر - رضي الله عنه -  وكان قد خضب فنصل خضابه، فاستعدى عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا: حسبناه شاباً، فأوجعه عمر ضرباً وقال: غررت القوم، ولو تحقق هؤلاء القوم قبل الموافقة لما حصل ما حصل.

ولهذا شرع الإسلام كثيرا من وسائل التحقق من الاختيار، وأهمها تعريف شخص بنفسه، سواء للمرأة أو لأوليائها، وبمقدار صدقه في إخباره عن نفسه تستقر حياته الزوجية وبقدر تغريره تنهار، وقد روي أن بلالاً وصهيباً أتيا أهل بـيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما: من أنتما؟ فقال بلال: أنا بلال وهذا أخي صهيب، كنا ضالين فهدانا الله، وكنا مملوكين فأعتقنا الله، وكنا عائلين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فسبحان الله، فقالوا: بل تزوجان، والحمد لله، فقال صهيب: لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق[66].

ومن الوسائل الهامة للتحقق من الاختيار أن يرسل الراغب في الزواج أمه أو إحدى قريباته للتعرف على من يريد خطبتها، وقد روي أنه  - صلى الله عليه وسلم - بعث أم سليم إلى امرأة وقال: انظري عرقوبيها وشمي معاطفها)[67]

ولكن هذا ـ مع ذلك ـ لا يكفي، ولا يغني عن معاينة الشخص نفسه، ولهذا شرع الإسلام النظر للمخطوبة أو لمن يرغب في خطبتها واعتبر ذلك  - صلى الله عليه وسلم - من الوسائل التي تحصل بها الألفة بين الزوجين، فقال للمغيرة بن شعبة :(انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)[68]، أي أجدر وأدعى أن يحصل الوفاق والملاءمة بينكما، وبين جواز ذلك قبل الخطبة فقال  - صلى الله عليه وسلم - :(إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها)[69]

وكما يندب نظر الخطيب لخطيبته يستحب للمرأة أن تنظر كذلك للرجل الذي خطبها لأنها يعجبها منه ما يعجبه منها، قال الحطاب :(هل يستحب للمرأة نظر الرجل ؟ لم أر فيه نصا للمالكية، والظاهر استحبابه وفاقا للشافعية , قالوا: يستحب لها أيضا أن تنظر إليه)[70]

3 ـ الرضى التام من المرأة:

ولهذا شرع استئذانها بل استئمارها، ونهي عن جبرها، أو أن يفرض ولي المرأة أي رجل على موليته إلا برضاها، بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الولي إذا زوج القاصرة أو البكر بغير كفء لها فسخه بعد البلوغ، وقد روي أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبا فأتته - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها[71]، وعن ابن عباس - رضي الله عنه -  أن جارية بكرا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوجها كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم -)[72]، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -  أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ  :(لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ)[73]

ثانيا ـ حماية الحياة الزوجية

شرع الإسلام للحياة الزوجية الكثير من الضوابط التي تضع الأمور في نصابها، وتنقسم بها المهمات الزوجية بين الرجل وامرأته بحيث لا يبغي بعضهم على بعض، وفيما يلي بعض هذه الأسباب التي تحفظ الحياة الزوجية، وسترد تفاصيلها في محالها من هذه السلسلة :

1 ـ توزيع متطلبات الحياة الزوجية بين الزوجين:

فقد تولى الشرع تقسيم متطلبات الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة تقسيما عادلا بحسب القدرات والرغبات، لأن الكثير من أسباب الفرقة تنتج من عدم تعرف كل فرد على دوره المناط به أو تخليه عنه أو تدخله في الدور المتعلق بغيره.

وقد نص - صلى الله عليه وسلم - على هذا التقسيم في اكبر اجتماع له مع المسلمين، فعن جابر - رضي الله عنه -  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال في خطبته في حجة الوداع :(فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتن فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)[74]

وبين واجبات الزوج على زوجته، فقد روي عن معاوية القشيري - رضي الله عنه -  قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال :(أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)[75]

ونهى الزوج أن يتدخل في كثير من النواحي الخاصة بزوجته كالناحية الدينية سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، والناحية الاجتماعية من علاقاتها المشروعة، ففقد روت عائشة ،رضي الله عنها، قالت: جاءت عجوز إلى النبي  - صلى الله عليه وسلم -، وهو عندي فقال لها رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف كنتم؟ كيف حالكم؟ كيف أنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال :(إنها كانت تأتينا زمن خديجة،  وإن حسن العهد من الإيمان)[76]

ونهى الزوج أن يتدخل في تصرفاتها لاقتصادية معاوضات كانت أو تبرعات، وحرم عليه أن يطمع في مالها، أو يأخذ منه إلا بما سمحت به عن طيب نفس، فقال تعالى:﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾(النساء:4)

وفي حال التعدد أمر برعاية العدل بين الزوجات بحيث لا يميل إلى إحداهن بأي وجه من وجوه الميل.

وفي مقابل هذا نص على أن للرجل حق القوامة على زوجته بقوله تعالى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، وهذه القوامة تتطلب طاعة المرأة لزوجها في المعروف وعلى قدر الطاقة، ولهذا ربط الإثم بمعصية المرأة لزوجها، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال :(لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجل سمع حي على الفلاح ثم لم يجب)[77]، وعلق الأجر على طاعتها له، فعن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  :(أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)

ونهى الرجل أن يستبد بهذا الحق فيتجبر على زوجته، فقال - صلى الله عليه وسلم - :(إن الرجل ليدرك بالحلم درجة، وإن الرجل ليكتب جبارا وما يملك إلا أهل بيته)[78]

ولهذا شرع قيودا كثيرا تجعل من هذا الطاعة أمرا ترضى به الزوجة وترغب فيه، بل تؤديه طوع نفسها من غير تكلف ولا عناء.

2 ـ الحث على المعاشرة بالمعروف:

وهو ركن الحياة الزوجية الأساسي، وقد قال تعالى:﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ ،قال ابن العربي :(أمر الله سبحانه الأزواج إذا عقدوا على النساء أن يكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على التمام والكمال , فإنه أهدأ للنفس , وأقر للعين , وأهنأ للعيش)[79]

فالمعاشرة بالمعروف هي التي تحفظ كيان الأسرة، وتزرع السعادة في البيت المسلم، وهي تبنى أولا على المودة بين الزوجين، وقد كان ذلك من سنته - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه، فقد ورود الأحاديث الصحيحة المتواترة عن حبه - صلى الله عليه وسلم - لنسائه، بل ورد التصريح منه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -   أن النبي  - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: عائشة، فقلت: من الرجال، فقال: أبوها،  قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعد رجالا[80]، ففي هذا الحديث صرح - صلى الله عليه وسلم -  لعمرو بن العاص، وقد كان حديث عهد بالإسلام بمحبته لعائشة ،رضي الله عنها،  ولم يعتبر ذلك أمرا شخصيا يستحيا من ذكره.

بل اشتهر ذلك الحب، ولم يكن اشتهاره قدحا ولا عيبا، حتى كان مسروق رحمه الله يقول إذا حدث عنها :(حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبرأة من فوق سبع سموات)[81]

فالمحبة بين الزوجين هي التي تحمل على دوام العشرة مع تغير الأحوال، وقد كان - صلى الله عليه وسلم -  يذكر خديجة  ،رضي الله عنها، ويثني عليها أحسن الثناء، حتى قالت عائشة ،رضي الله عنها: فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرا منها، قال :(ما أبدلني  الله خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس)[82]

وهي تبنى ثانيا على التراحم بين الزوجين والمواساة والاعتراف بالجميل، وقد حذر - صلى الله عليه وسلم - النساء خاصة من إنكار النعمة، وعدم الاعتراف بها، وسمى ذلك كفرا، فقال - صلى الله عليه وسلم - :(يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا أكثر أهل النار ؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير)[83]

بل أجاز الشرع الكذب مع حرمته الشديدة إن كان فيه تراحما بين الزوجين، فقال - صلى الله عليه وسلم -  :(لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس)[84]، قال الخطابي: كذب الرجل زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح به خلقها[85].

وقد كان التراحم والمواساة من سنته - صلى الله عليه وسلم - مع الناس جميعا ومع زوجاته خصوصا، فعن صفية بنت حيي، رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام فذكرت ذلك له، فقال: ألا قلت: فكيف تكونان خيرا مني، وزوجي محمد، وأبي هارون وعمي موسى، وكان الذي بلغها أنهم قالوا: نحن أكرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  منها، وقالوا نحن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -  وبنات عمه[86].

ودعا إلى تلطيف الحياة الزوجية باللهو والمرح بين الزوجين، واعتبر ذلك من حسن الخلق ومن كمال الإيمان، فقال :(إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله)[87]

بل كان - صلى الله عليه وسلم - وهو الأسوة الحسنة يؤدي هذه السنة الجليلة، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت سابقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فسبقته[88]، وروي عنها ما هو أعظم من هذا، فعنها قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -  فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -  وإما قال تشتهين تنظرين فقلت: نعم فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي[89].

3 ـ العلاج الواقعي للخلافات الزوجية:

سيأتي ذكر أنواع العلاج الشرعي للخلافات الزوجية، وأهمها المعرفة بطبيعة الزوجة الفطرية أو الخاصة، ولهذا لا يستغرب أن ترد الأحاديث المعرفة بطبيعة المرأة، لما لها من دور وقائي في الحفاظ على الأسرة حتى لا تعامل الرجل مع زوجته باعتبارها رجلا مثله، وهو من أكبر أسباب الشقاق بين الزوجين، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  :(إن المرأة كالضلع إن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها على عوج)[90]، قال الشوكاني :(الحديث فيه الإرشاد إلى ملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن، والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب ولا ينجع عندها النصح، فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة)[91]

وقد روت لنا كتب الحديث ما يبين دور هذه المعرفة في الوقاية من آثار الخلافات الزوجية، فقد قدم جرير بن عبد الله على عمر فشكا إليه ما يلقى من النساء من سوء أخلاقهن , قال فقال عمر: إني ألقى مثل ما تلقى منهن , إني لآتي , قال السوق أو الناس أشتري منهم الدابة أو الثوب فتقول المرأة: إنما انطلق ينظر إلى فتاتهم أو يخطب إليهم , قال فقال عبد الله بن مسعود: أو ما تعلم أن شكا إبراهيم من سوء في خلق سارة فأوحى الله إليه: إنما هي من ضلع فخذ الضلع فأقمه فإن استقام وإلا فالبسها على ما فيها[92].

ونهى الشرع أن يتعامل مع المرأة بالذوق المجرد عن الرحمة، والذي تمليه الأهواء والغرائز، ولا تستقيم معه الحياة المستقرة، فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :(لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)[93]

ونهى في هذا الميدان أن يلجأ إلى العلاج التأديبي  قبل استنفاذ كل الوسائل الشرعية، فعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -  يخطب، وذكر الناقة، والذي عقر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  إذ انبعث أشقاها انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة، وذكر النساء فقال :(يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه)[94]، وهذا الجمع بين شقي ثمود ومن يضرب امرأته دليل على تجبر هذا الزوج وتكبره على نعمة ربه كما فعل الذي عقر الناقة، وقد كان يشرب من لبنها.

وسنرى في الأجزاء القادمة أن كل النصوص التي رخصت في الضرب حثت على الإحسان للزوجة واحترامها واعتبار العلاقة بها علاقة في الله وبكلمة الله، ثم قصرت إباحة الضرب على المعصية وقيدت المعصية على الأمر الكبير الخطير الذي تأنف منه الطباع، وهو أن تدخل المرأة الأجانب لبيت زوجها من غير إذنه[95]، ثم قيدت الضرب بكونه غير مبرح، وفسر بما لا يشين ولا يدمي، وفسرت وسيلته بالسواك ونحوه.

أما الآية الوحيدة التي وردت فيها هذه الرخصة، فقد جعلت الضرب هو الوسيلة النهائية لامرأة لم يجد معها القول الرقيق الواعظ، ولا السلوك الذي يمس صميم مشاعر المرأة، فلم يبق مع هذه المرأة التي لم يستجب عقلها ولا قلبها إلا اللجوء إلى هذه الوسيلة كحل ضروري مؤقت ومحدد، وقد ختمت الآية بنهي وفاصلة وكلاهما توجيه شديد للرجل بعدم الظلم والتعدي :

أما النهي فقوله I: :﴿ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾(النساء: من الآية34)أي لا تجنوا عليهن بقول أو فعل، وهو نهى عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن، ثم جاءت الفاصلة القرآنية بقوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾(النساء: من الآية34)إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب، أي (إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله فيده بالقدرة فوق كل يد فلا يستعل أحد على امرأته فالله بالمرصاد فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلو والكبر)[96]

ويكفي في التنفير من هذا السلوك أنه خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت  :(ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله تعالى)[97]

ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - يحذر من الزواج من يتعدى على النساء بالضرب، وكأنه يحذر من الضرب نفسه، فعن فاطمة بنت قيس :قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  إذا أحللت فآذنيني، فآذنته فخطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو الجهم وأسامة بن زيد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو الجهم فرجل ضراب للنساء)[98]

وفي الأخير، إن لم تجد كل العلاجات أوجب الشرع على الأهل التدخل للنظر في أسباب الخلافات ومحاولة علاجها، وقد فصل ابن عباس - رضي الله عنه -  طريقة الحكمين في الحكم بين الزوجين فقال  :(أمر الله تعالى  أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة، فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة، وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز، فإن رأيا أن يجمعا فرضى أحد الزوجين وكره الآخر، ثم مات أحدهما فإن الذي رضى يرث الذي لم يرض، ولا يرث الكاره الراضي)[99]

ثالثا ـ بعد الفرقة الزوجية

مع كل التشريعات الوقائية السابقة، فإن الإسلام وضع للطلاق قبل وقوعه الكثير من القيود والضوابط التي سنرى تفاصيلها في محلها من هذه السلسلة، والتي تجعل منه أمرا محدودا في محال معينة لا يتجاوزها، أما بعد وقوعه، فإنه لم يجعله آخر العلاج، بل وضع من الحوافز ما يمكن أن يعيد للحياة الزوجية مسارها الطبيعي ومنها:

1 ـ الأمر بالتزام الطلاق السني:

لأن الطلاق السني هو الذي يترك الفرص للزوج في التراجع، ويحصر الطلاق في فترات محدودة يكون فيها الزوج راغبا في زوجته بحيث لا يطلق فيها إلا من كان قاصدا قصدا صحيحا.

وقد ورد في ذلك من حيث مراعاة الوقت قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾(الطلاق:1)وقد فسر ابن مسعود - رضي الله عنه -  ذلك بأن يطلقها في طهر لا جماع فيه, ومثله عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وعن ابن عمر - رضي الله عنه -  أنه طلق امرأته وهي حائض , فسأل عمر - رضي الله عنه -  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مره فليراجعها , ثم ليتركها حتى تطهر , ثم تحيض , ثم تطهر, ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس , فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء)[100]، وقد جاء في بعض الروايات بلفظ السنة، فقد وردت بلفظ)يا ابن عمر ما هكذا أمر الله، أخطأت السنة، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء)[101]

ومن حيث العدد، نهى أن يقلص الفرص التي جعلها الله تعالى للمراجعة، فعن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فغضب , ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله , ألا أقتله[102]، ولهذا كان الأرجح عدم إيقاع الطلاق البدعي مهما كانت صفته، قال ابن تيمية :(كل حديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  ألزم الثلاث بيمين أوقعها جملة , أو أن أحدا في زمنه أوقعها جملة فألزمه بذلك، مثل حديث يروى عن علي , وآخر عن عبادة بن الصامت , وآخر عن الحسن عن ابن عمر, وغير ذلك , فكلها أحاديث ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث , بل هي موضوعة , ويعرف أهل العلم بنقد الحديث أنها موضوعة)[103]

2 ـ تشريع العدة :

وهو فرصة من فرص المراجعة، حيث تظل المرأة المعتدة في بيت الزوجية،  وقد أجاز لها الفقهاء أن تتزين لزوجها بما تفعله النساء لأزواجهن من أوجه الزينة من اللبس وغيره، وهو قول الجمهور، بل نص الحنابلة على أنها تتزين وتسرف في ذلك، ونص الحنفية على أن لها أن تتزين وتتشوف[104] له، واستدلوا على ذلك بأن التزين وسيلة للرجعة، فلعله يراها في زينتها فتروق في عينه ويندم على طلاقها فيراجعها.

3 ـ تشريع الرجعة:

وهو رجوع المرأة لزوجها، وقد ندب الشرع إلى ذلك إن تعلقت به المصالح الشرعية لكلا الزوجين، وذلك إما في فترة العدة أو بعدها، فقد ورد النهي عن عضل الزوجة إن رغبت في العودة إلى زوجها بعد انتهاء عدتها، قال تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(الطلاق:232)

 



([1])  مجموع فتاوى ابن تيمية: 10/301.

([2])  وليس المراد من ذلك أن كل من ذاق طعم الكفر والمعاصي يكون اعلم بذلك واكره له ممن لم يذقه مطلقا، لأن هذا ليس بمطرد، فقد يكون الطبيب اعلم بالامراض من المرضى، والانبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أعلم الناس بما يصلح القلوب ويفسدها، وان كان احدهم لم يذق من الشر ما ذاقه الناس. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية: 10/301.

([3])  رجعنا في هذا المطلب إلى موسوعة محمد فريد وجدي « دائرة معارف القرن العشرين » الذي نقلها بدوره عن الموسوعات الغربية.

([4])  المعجم ص183.

([5])  الدكتور جمال حمدان في كتابه عن اليهود، ص:117.

([6])  انظر: البخاري: 5/1970، البيهقي: 7/110، الدارقطني: 3/217، أبو داود: 2/281.

([7])  الاستبضاع في اللغة: من البضع , بمعنى القطع والشق , ويستعمل استعمالا مجازيا في النكاح والمجامعة. والبضع - بالضم - الجماع , والفرج نفسه , وعلى هذا فالاستبضاع هو: طلب الجماع، انظر: فتح الباري: 9/185.

([8])  العجاب في بيان الأسباب :2/846، لباب النقول: 1/65، صحيح البخاري:4/1670، تفسير القرطبي:5/94، تفسير ابن كثير :1/466، تفسير الطبري: 4/305، الدر المنثور: 2/460.

([9])  لعلنا نشاهد اليوم كيف أن ثقافة التحرر والإباحية الجنسية قد أصبحت جزءا بارزا من الثقافة الغربية لدرجة أن نشاهد على الملأ خروج عدد من العراة في الشارع للمطالبة بحق السير في حال التعري انطلاقا من الحرية الشخصية، ومظاهرة عارمة تطالب بالاعتراف بحقوق الشواذ جنسيا. بل إنه وصل الحد لأن تكون الإباحية مكافأة على الحس الوطني، كما حدث في وقت قريب في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية التي عاشت أجواء انتخاب رئيس للولاية. فكان من بين المترشحين للوصول لهذا المنصب الممثلة الإباحية الشهيرة في أمريكا (ماري كاري) والتي قادت حملتها لجمع السلاح وتنظيف الساحة الأمريكية من الأسلحة الخفيفة للحفاظ على المجتمع على حد زعمها، تحت شعار (هات قطعة سلاح وخذ فيلما إباحيا)، كما اشتملت الحملة على عدد من الوعود الانتخابية التي كان من بينها (تناول العشاء الرومانسي مع أي شخص يقدم أكثر من خمسة آلاف دولار لحملتها الانتخابية. وتقول كاري :« ليس ورائي حزب سياسي يدعمني لذا فإنني أبتكر أساليب غير تقليدية لجمع النقود ».

([10])  من مقال يحمل عنوان « مشاهداتي في بريطانيا ـ المرأة الغربية والزواج »، مجلة البيان، عدد: 6، شوال: 1407، ص: 59.

([11])  أصل ما كان عليه المجتمع الغربي قبل عدة عقود من تقاليد ومبادئ تتخذ العائلة كوحدة اجتماعية للبناء الاجتماعي، فالرجل كان هو المسؤول عن العائلة، بما فيها المرأة والولد، وهو الذي عليه أن يوفر ما يحتاجه البيت، والأسرة، والمرأة محلها داخل البيت كزوجة، وأم للأولاد، فيحتفظ المجتمع بتوازنه لاحتفاظ الخلية العائلية بتوازنها.

([12])  المبسوط:4/192.

([13])  الإحياء: 2/24.

([14])  الإحصان في اللغة هو التمنع؛ ومنه الحصن لأنه يمتنع فيه؛ ومنه قوله U :) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ (الانبياء:80)،  أي لتمنعكم؛ ومنه الحصان للفرس لأنه يمنع صاحبه من الهلاك. والحصان (بفتح الحاء): المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك. وحصنت المرأة تحصن فهي حصان؛ مثل جبنت فهي جبان. كما قال حسان في عائشة رضي الله عنها:

حصان رزان ما تزن بريبة          وتصبح غرثى من لحوم الغوافل.

([15])  مسلم: 2/1018، البخاري: 2/673، ابن حبان: 9/335، الدارمي: 2/177، البيهقي: 4/296، أبو داود: 2/219، النسائي: 2/95.

([16])  قال الترمذي:هذا حديث حسن، انظر: الترمذي: 4/184، البيهقي: 7/78، النسائي: 3/194.

([17])  الإجماع منعقد على أن قوله :) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون:5 ـ 6)خاص بالرجال دون النساء؛ وقد روى معمر عن قتادة قال: تسررت امرأة غلامها؛ فذكر ذلك لعمر فسألها: ما حملك على ذلك؟ قالت: كنت أراه يحل لي ملك يميني كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين؛ فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله r فقالوا: تأولت كتاب الله ' على غير تأويله، لا رجم عليها. فقال عمر: لا جرم! والله لا أحلك لحر بعده أبدا.

وعن أبي بكر بن عبدالله أنه سمع أباه يقول: أنا حضرت عمر بن عبدالعزيز جاءته امرأة بغلام لها وضيء فقالت: إني استسررته فمنعني بنو عمي عن ذلك، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها؛ فإنه عني بني عمي؛ فقال عمر: أتزوجت قبله؟ قالت نعم؛ قال: أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة؛ ولكن اذهبوا به فبيعوه إلى من يخرج به إلى غير بلدها.

([18])  في ظلال القرآن: 4/2515.

([19])  في ظلال القرآن: 4/2515.

([20])  في ظلال القرآن: 4/2515.

([21])  رواه الترمذي وقال حسن غريب، الترمذي: 3/394.

([22])  أحمد والطبراني واللفظ له.

([23])  الطبراني.

([24])  البخاري.

([25])  الشيخان في التفسير والأدب والتوحيد والديات والمحاربين , ومسلم في الإيمان وأحمد والترمذي والنسائي.

([26])  مسلم وأحمد والنسائي.

([27])  الطبراني.

([28])  ابن حبان في صحيحه.

([29])  الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي.

([30])  أبو داود والنسائي.

([31])  الإحياء: 2/28.

([32])  الإحياء: 2/28.

([33])  الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي.

([34])  أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي.

([35])  الحاكم.

([36])  البيهقي.

([37])  البزار.

([38])  في ظلال القرآن: 1/604.

([39])  الكثير من النصوص هنا منقولة من كتاب « ملامح المجتمع المسلم » للشيخ يوسف القرضاوي.

([40])  رواه الطبراني وفيه رشدين كريب وهو ضعيف، انظر: مجمع الزوائد: 4/306.

([41])  مسلم:2/889، ابن خزيمة:4/251، ابن حبان: 4/311، الدارمي:2/69، البيهقي:5/8، أبو داود: 2/185، النسائي:2/421، ابن ماجة: 2/1025، أحمد: 5/72.

([42])  انظر تفاصيل أكثر في « مجلة المجتمع » عدد: 1343، مارس 99، مقال بعنوان « مخطط الحركة النسوية النوعية المتطرفة لإلغاء الأسرة ».

([43])  وقد قال الأزهر الشريف كلمته بخصوص وثيقة بكين موضحاً هدف النسويات:« وفي خضم سعيهم لتدمير الأسرة، لم يقنع واضعو البرنامج بالوقوف عند حد التشكيك في اعتبار أنها الوحدة الأساسية للمجتمع، ومطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين عن غير طريق الزواج، واعتبار هذا النشاط أمراً شخصياً لا يحق لأي منهما أن يتدخل فيه، ولكنهم نادوا في جرأة فاحشة: بأن مفهوم الأسرة بالمعنى الذي يقره الدين ليس إلا مفهوماً عقيماً، لأنه لا يتقبل العلاقات الجنسية الحرة بين مختلف الأعمار، ويشترط أن تكون بين ذكر وأنثى فقط، وفي داخل الإطار الشرعي، ولأنه لا يمنح الشواذ حقهم في تكوين أسر بينهم، ويتمسك بالأدوار النمطية للأبوة والأمومة والزوجية، معتبرين أنها مجرد أدوار اعتادها الناس فيما درجوا عليه، ويجب استبعاد الالتزام بها حتى يمكن إقامة مجتمع متحرر من القيود والروابط »، انظر: بيان من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ص 4.

ومما ورد في البيان: « إن مجمع البحوث الإسلامية لينبه من جديد إلى خطورة الدعوى التي ينطوي عليها برنامج عمل بكين، ومناقضته للإسلام ولسائر الأديان السماوية وإلى استهدافه تحطيم القيم الدينية والاجتماعية والخلقية التي عصمت البلاد والعباد من أن تتردى في حضيض الرذيلة أو تتلوث بالأمراض الجنسية الخطيرة التي برزت في هذا العصر، ويدعو المجتمع إلى الحفاظ على مقتضى خلق الله للإنسان ذكراً أو أنثى، وإلى الإيمان بأن تحدي الأحكام التي أنزلها الله لتحكم العلاقات الإنسانية بالتحريض على هدم القيم يورث الفساد، وأن إشاعة الفاحشة لا يرجى من ورائها تنمية فكرية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية أو صحية أو غيرها وإنما توقع المجتمع الإنساني عامة والإسلامي خاصة في المحظورات التي حرمها الله في القرآن، وفيما جاء في سنة رسول الله r » انظر: بيان من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ص 9.

([44])  ديل أوليري "النوع وتحطيم المرأة"، هذه مقالة من 60 صفحة وزعتها (أوليري) في المؤتمر، وحين قامت بالاعتراض على أن وفد الولايات المتحدة لا يمثل الشعب الأمريكي، نزعت بطاقتها وطردت هي ومجموعتها من المؤتمر.

([45])  أوليري، ص 7.

([46])  أوليري، ص 14.

([47])  )  بيان عن "اتحاد المرأة والأسرة" Women and Family Coalition وزع في المؤتمر.

([48])  حصلت السحاقيات على الحقوق الإنجابية من خلال الحركة الأمريكية الجديدة للحقوق الإنجابية The New American Movement Bill Of Reproductive Rights كحق التحكم في جسدها الذي جر لها حق الإجهاض وحق التعقيم (أي إنهاء خصوبتها) وحق الأمومة الشاذة وحق العمل في مكان آمن لايتطاول عليها فيه رجل.

([49])  تحفة المودود: 8، وفيه ستة أقوال الولد-الجماع- الرخصة - ليلة القدر- القرآن-الإماء والزوجات.

([50])  البخاري: 5/2344، مسلم: 1/457، ابن حبان: 16/143، الترمذي: 5/682، ابن ماجة: 2/1385، أحمدك 3/193.

([51])  قال في كشف الخفاء: رواه عبدالرزاق والبيهقي عن سعيد بن أبي هلال مرسلا بلفظ :« تناكحوا  تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة» كشف الخفاء: 1/380.

([52])  الإحياء: 2/25.

([53])  الإحياء: 2/26.

([54])  الإحياء: 2/26.

([55])  مسلم: 4/2029، البيهقي: 4/67، أحمد: 2/488.

([56])  أحمد: 3/436، قال ابن حجر: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد: 3/10.

([57])  أحمد: 1/334، مسند أبي يعلى: 5/138.

([58])  مسلم: 4/2028، البيهقي: 4/67، النسائي: 3/451 أحمد: 1/421، مسند أبي يعلى: 9/18.

([59])  البخاري: 1/421، الحاكم: 4/163.

([60])  قال الصنعاني: أخرجه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا، انظر:سبل السلام:3/111، سنن البيهقي الكبرى: 7/80، كشف الخفاء: 1/381.

([61])  البخاري :5/1958، مسلم :2/1086.

([62])  البخاري:3/1083 ،رقم:2805 ،مسلم:2/1087.

([63])  سنن أبي داود :2/220 ،رقم:2050، صحيح ابن حبان:9/328.

([64])  سنن النسائي :6/68،رقم3231، مسند أحمد:2/496 ،رقم:7372، سنن سعيد بن منصور:1/141 ،سنن البيهقي:10/244.

([65])  الإنصاف، ج8، ص19.

([66])  المراسيل لأبي داود: 194.

([67])  رواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث أنس واستنكره أحمد والمشهور فيه طريق عمارة عن ثابت عنه ورواه أبو داود في المراسيل عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت ووصله الحاكم من هذا الوجه بذكر أنس فيه وتعقبه البيهقي بأن ذكر أنس فيه وهم قال ورواه أبو النعمان عن حماد مرسلا قال ورواه بن كثير الصنعاني عن حماد موصولا، انظر: التلخيص الحبير:3/147.

([68])  ابن ماجة:1/599 ،رقم:1865 ،مستدرك الحاكم:2/179 ،رقم:2697، مسند أحمد:5/299 ،رقم:17688.

([69])  ابن ماجة:1/599 ،رقم:1864، ،رقم/:5839 ،مسند أحمد:4/549 ،رقم:15598.

([70])  الخرشي  ج3، ص166، وانظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج2، ص216، أسنى المطالب، ج3، ص108.

([71])  الموطأ :2/535، المنتقى لابن الجارود: 1/178، سنن البيهقي الكبرى: 7/119، وغيرها.

([72])  البيهقي: 7/117، الدارقطني: 3/234، أبو داود: 2/232، ابن ماجة: 1/603، أحمد: 1/273، أبو يعلى: 4/404.

([73])  البخاري :5/1974، مسلم :2/1036 ،وغيرهما.

([74])  مسلم:2/889، ابن خزيمة:4/251، ابن حبان: 4/311، الدارمي:2/69، البيهقي:5/8، أبو داود: 2/185، النسائي:2/421، ابن ماجة: 2/1025، أحمد: 5/72.

([75])  رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم ،قال الحاكم صحيح الإسناد، وألزم الدارقطني الشيخين تخريج هذه الترجمة، خلاصة البدر المنير:2/253، وانظر:أبو داود: 2/244، النسائي: 5/273، البيهقي:7/305، أحمد: 4/447.

([76])  قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة وليس له علة، الحاكم:1/62، أحمد: 1/134، المعجم الكبير:23/14، شعب الإيمان:6/517.

([77])  ابن خزيمة: 3/11، الترمذي: 2/191، مجمع الزوائد: 2/68، البيهقي: 3/128، أبو داود: 1/162، ابن ماجة: 1/311، المعجم الكبير: 1/115.

([78])  رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبدالحميد بن عبيدالله بن حمزة وهو ضعيف جدا، مجمع الزوائد:8/24، قال المنذري: رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، الترغيب والترهيب:3/281، وانظر: مجمع الزوائد: 8/24، المعجم الأوسط: 6/232، الفردوس بمأثور الخطاب: 1/194.

([79])  أحكام القرآن لابن العربي: 1/648.

([80])  البخاري: 3/1339، مسلم: 4/1856، ابن حبان: 15/308، الحاكم:4/13، الترمذي:5/707، البيهقي: 6/370، النسائي: 5/39، ابن ماجة:1/38.

([81])  انظر: إغاثة اللهفان:2/140.

([82])  أحمد:6/117، المعجم الكبير: 23/13، مجمع الزوائد: 9/224.

([83])  سبق تخريجه.

([84])  الترمذي: 4/331، ابن ماجة: 1/18.

([85])  نقلا عن: عون المعبود: 13/179.

([86])  الترمذي: 5/708.

([87])  الحاكم: 1/119، الترمذي: 5/9، أحمد: 6/99، شعب الإيمان: 6/232، ابن أبي شيبة: 5/210.

([88])  أحمد: 6/182، المعجم الكبير: 23/47.

([89])  البخاري: 1/323، مسلم: 2/609.

([90])  قال الترمذي:حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وإسناده جيد، الترمذي:3/493، مسند أبي عوانة: 3/142، المعجم الأوسط:1/293.

([91])  نيل الأوطار:6/358.

([92])  الحاكم: 2/612، مصنف ابن أبي شيبة:4/197، شعب الإيمان: 6/411.

([93])  المسند المستخرج على صحيح مسلم:4/142، البيهقي:7/295، أحمد: 2/329، مسند ابي يعلى:11/303.

([94])  البخاري:4/1888.

([95])  ولأجل التستر على الأسرار الزوجية، جاء في الحديث أن عمر t  ضرب امرأته فعذل في ذلك فقال سمعت رسول الله r  يقول: لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله»، البيهقي: 7/305، أبو داود: 2/246.

([96])  القرطبي: 5/173.

([97])  مسلم: 4/1814، النسائي: 5/370، أحمد: 6/130، مسند إسحق: 2/292.

([98])  مسلم: 2/1119، البيهقي: 7/136، ابن ماجة: 1/601، أحمد: 6/412.

([99])  رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، انظر: تفسير ابن كثير:1/494.

([100])  البخاري: 5/2011، مسلم: 2/1095، المنتقى: 1/183، مسند أبي عوانة: 3/144، الدارمي: 2/213، البيهقي: 7/323، الدارقطني:4/6، مسند الشافعي: 101، أبو داود: 2/25، النسائي: 3/339، ابن ماجة: 1/651، الموطأ:2/576، أحمد: 2/61، مسند ابن الجعد: 409.

([101])  مجمع الزوائد:4/136.

([102])  قال ابن حجر: أخرجه النسائي ورجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي  r ولم يثبت له منه سماع وأن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية، وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع، فتح الباري: 9/362.

([103])  الفتاوى الكبرى:3/253.

([104])  التشوف وضع الزينة في الوجه , والتزين أعم من التشوف ; لأنه يشمل الوجه وغيره.