المؤلف: نور الدين أبو
لحية |
العودة للكتاب: عقد الزواج وشروطه |
الناشر: دار الكتاب الحديث |
الفهرس
قال تعالى:﴿ وَكَيْفَ
تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ
مِيثَاقاً غَلِيظاً)(النساء:21)
قال - صلى الله عليه وسلم -:( اتقوا
الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)(رواه
مسلم)
بعد الحديث في الجزء السابق عن
الممهدات التي ينني عليها الزواج، والتي يدرج أكثرها في باب المستحبات من الفقه،
نتناول في هذا الجزء الأساس الأكبر الذي يقوم عليه الزواج[1]، وهو (العقد)والذي لا يتحقق الزواج الشرعي بدونه.
والعقد هو الميثاق الغليظ الذي جعله
الله تعالى الوسيلة الوحيدة التي يجوز فيها معاشرة كلا الجنسين لبعضهما، قال تعالى:﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ
وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً
غَلِيظاً)(النساء:21)، وتسميته بهذا دليل على عظم المسؤولية المناطة به، ودليل في
نفس الوقت على خطره.
بل إنه - صلى الله عليه وسلم - سماه
أمانة الله وكلمة الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -:(اتقوا الله في النساء فإنكم
أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله)[2]
ولذلك، فإن البعد المقاصدي الذي
يراعي جانب الميثاق في العقد، وجانب الأمانة فيه، يستدعي النظر إلى العقد من زاوية
خدمته لمقاصد الشريعة من الزواج، فيشتد في المواضع التي تخدم هذه المقاصد، ويتساهل
في الجوانب الشكلية التي قد لا تؤثر في حقيقة المقاصد.
وانطلاقا من هذا، سنتحدث في هذا
الجزء عن ثلاثة مواضيع كبرى، الأولان منهما أصل وأساس، والآخر تطبيق وثمرة.
أما الأول، فهو حول
(أحكام العقد وشروطه)، وقد حاولنا فيه أن نلم بكل ما يتعلق بالعقد من أحكام وشروط
،واصطلاحات المذاهب في ذلك مما تمس إليه الحاجة
في هذا الجزء أو في الأجزاء اللاحقة، وقد ذكرنا التصنيف الذي نعتمده في
ذلك، والذي على أساسه ينبني حديثنا عن أركان العقد وشروطه.
وأما الثاني، فهو حول
القيود التي قد يضعها المتعاقدان ليخدما مصالحهما بذلك العقد، فهي من الشروط
الجعلية لا الشرعية.
وأما الثالث، فهو حول أنواع
من العقود اختلف فيها الفقهاء اختلافا شديدا، بناء على مراعاتها لأركان العقد أو
عدم مراعاتها.
يحتوي هذا الفصل على أربعة مباحث هي:
· مدخل إلى أحكام العقد: ذكرنا فيه التصنيفات الفقهية المختلفة
لأركان العقد وشروطه، واصطلاحات المذاهب في ذلك مما تمس إليه الحاجة في هذا الجزء أو في الأجزاء اللاحقة، وقد ذكرنا
التصنيف الذي نعتمده في ذلك، والذي على أساسه ينبني حديثنا عن أركان العقد وشروطه.
·
الصيغة
وشروطها:
باعتبارها الركن الأول والأساسي للعقد.
· شروط
المحل، وقد اقتصرنا هنا على أهم الشروط، وسنذكر الموانع المتعلقة بالمحل في جزء
خاص، يلي هذا الجزء.
·
أحكام
فساد العقد وبطلانه، واختلافات المذاهب في ذلك،
والاصطلاحات المعتمدة فيها، وهو مما تمس إليه الحاجة في هذا الجزء أو في الأجزاء
اللاحقة.
الغرض من هذا المبحث هو التعرف على
المواقف المختلفة للمذاهب الفقهية من عقد الزواج، والتعرف على الاصطلاحات
المستعملة في ذلك لتفادي الأخطاء التي تقع عند بيان خلافات العلماء، والناتجة من
عدم التعرف على اصطلاحات المذاهب المختلفة، ولذلك كان هذا مبحثا تمهيديا لتسهيل
الوصول إلى تفاصيل الخلافات وأدلتها في المباحث أو الفصول القادمة.
لغة[3]: نقيض الحل عقده يعقده عقدا وتعقادا وعقده، وهو الربط والشد
والضمان والعهد، وهو الجمع بين الشيئين بما يعسر الانفصال معه، وأصله الشد والجمع
عقود ومنه قوله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ﴾(المائدة:1)وقوله تعالى:﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ
النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ ﴾(البقرة:235)أي: أحكامه , والمعنى:
لا تعزموا على عقدة النكاح في زمان العدة.
وأصل العقد الربط والوثيقة قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ
عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾(طه:115)وتقول
العرب: عهدنا أمر كذا وكذا أي: عرفناه , وعقدنا أمر كذا وكذا أي: ربطناه بالقول ,
كربط الحبل بالحبل ; قال الشاعر:
قوم
إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج
وشدوا فوقه الكربا
والعقدة: حجم العقد والجمع عقد،
وخيوط معقدة شدد للكثرة، ويقال: عقدت الحبل فهو معقود، وكذلك العهد ومنه عقدة
النكاح ،و انعقد عقد الحبل انعقادا، وموضع
العقد من الحبل معقد وجمعه معاقد.
و العقدة: القلادة ،والعقد الخيط ينظم فيه الخرز وجمعه عقود، وقد اعتقد
الدر والخرز وغيره إذا اتخذ منه عقدا، والمعقاد: خيط ينظم فيه خرزات وتعلق في عنق
الصبي ،وعقد التاج فوق رأسه واعتقده عصبه
به.
والعقد: الولايات على الأمصار، ومنه
أهل العقد ،وقيل: هو من عقد الولاية للأمراء، وعقد العهد واليمين يعقدهما عقدا
وعقدهما أكدهما.
و عقدت الحبل والبيع والعهد فانعقد،
والعقد: العهد والجمع عقود وهي أوكد العهود، ويقال عهدت إلى فلان في كذا وكذا وتأويله ألزمته ذلك
فإذا قلت عاقدته أو عقدت عليه فتأويله أنك
ألزمته ذلك باستيثاق والمعاقدة المعاهدة
وعاقده عاهده وتعاقد القوم
تعاهدوا.
اصطلاحا: يطلق العقد
على معنيين:
المعنى العام: وهو كل ما
يعقد الشخص أن يفعله هو، أو يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه، وعلى ذلك
فيسمى البيع والنكاح وسائر عقود المعاوضات عقودا، لأن كل واحد من طرفي العقد ألزم نفسه
الوفاء به , وسمي اليمين على المستقبل عقدا ; لأن الحالف ألزم نفسه الوفاء بما حلف
عليه من الفعل أو الترك، وهو ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(المائدة:1)، قال العلماء في
تفسيرها: يعني بذلك عقود الدين، وهي ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة
وكراء ومناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير وغير ذلك من
الأمور ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة، وكذلك ما عقده على نفسه لله من الطاعات
كالحج والصيام والاعتكاف والقيام والنذر وما أشبه ذلك من طاعات ملة الإسلام[4].
وهو ما فسرها به الصدر الأول، قال
ابن عباس: أوفوا بالعقود، معناه: بما أحل وبما حرم وبما فرض ،وبما حد في جميع
الأشياء، وكذلك قال مجاهد وغيره[5].
المعنى الخاص: ويطلق على ما
ينشأ عن إرادتين لظهور أثره الشرعي في المحل، قال الجرجاني: العقد ربط أجزاء التصرف
بالإيجاب والقبول[6]، وقد عرفته مجلة الأحكام في المادة 103 بأنه: التزام المتعاقدين
وتعهدهما أمرا هو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول[7].وهذا المعنى الخاص هو المراد هنا بعقد النكاح.
ثانيا
ـ تصنيف أركان العقد وشروطه في المذاهب الفقهية:
اختلف الفقهاء في تصنيف أركان العقد
وشروطه، وهو في مجمله خلاف اصطلاحي لا علاقة له بالأحكام، ومع ذلك فإنه من المهم
الاطلاع على هذه التصنيفات، ليسهل التعرف من خلالها على وجوه الاختلاف العامة،
وعلى مدى الأهمية التي تكتسيها بعض نواحي عقد الزواج على البعض الآخر بحسب رؤية
الفقهاء لفلسفة الزواج ومقاصده في الشريعة الإسلامية.
اختلف فقهاء المالكية في تصنيف أركان
الزواج، ومن أشهر تلك التصنيفات:
صنف جمهور المالكية[8] أركان النكاح إلى أربعة إجمالا وخمسة تفصيلا، وهي:
· الولي: ولا يصح الزواج بدونه، وشروطه هي: وهي الإسلام والبلوغ
والعقل والذكورية، واختلف في اشتراط العدالة والرشد فقيل يعقد السفيه على وليته
،وقيل يعقد وليه[9].
· الصداق: فلا يصح نكاح بغير صداق، لكن لا يشترط ذكره عند عقد النكاح
لجواز نكاح التفويض فإنه عقد بلا ذكر مهر , فإن تراضيا على إسقاطه أو اشترطا إسقاطه
أصلا، فإن النكاح لا يصح.
· المحل: أي ما تقوم به الحقيقة، وهي لا تقوم إلا من الزوج والزوجة
الخاليين من الموانع الشرعية كالإحرام والمرض وغير ذلك، لأن المحل من الأمور
النسبية التي لا تقوم إلا بمتعدد، وللمحل نوعان من الشروط عند المالكية هي شروط
صحة النكاح:وهي الإسلام في نكاح مسلمة، والعقل والتمييز وتحقيق الذكورية
،وشروط انعقاد النكاح: وهي الحرية والبلوغ
والرشد والصحة والكفاءة.
·
الصيغة: وهي ما صدر
من الولي ومن الزوج أو من وكيلهما الدالة على انعقاد، وشروط الصيغة هي:
أن تكون بما يقتضي الإيجاب والقبول، كلفظ التزويج والتمليك ويجري مجراهما، وألا
تكون معلقة عل شرط غير محقق، وأن تكون فورا من الطرفين، فإن تراخى فيه القبول عن
الإيجاب يسيرا جاز، وأن يكون اللفظ على التأبيد[10].
· واعتبار
هذه الخمسة أركانا ـ بمعنى أن يكون كل واحد منها جزءا من ماهية العقد ـ من باب
التجوز، وباعتبار انعدام الماهية بانعدامها، غير أن هذا رد بعدم اعتبار الشهود
ركنا في العقد.
وهو اعتباره الزوج والزوجة ركنين لا
ركنا واحدا، لأن حقيقة النكاح لا توجد إلا بهما، أما الولي والصيغة فشرطان
لخروجهما عن ذات النكاح، أما الصداق والشهود فلم يعدهما من الأركان ولا من الشروط
لوجود النكاح بدونهما، لأن المضر إسقاط الصداق والدخول بلا شهود.
وقد رد عليه بأن حقيقة النكاح، وهي
العقد المخصوص لا تتحصل إلا بالصيغة كما أنه لا يتحصل إلا بالزوج والزوجة من حيث
إنهما محلان لا من حيث إنهما مقومان لحقيقته[11].
صنف الشافعية[12] أركان الزواج إلى أربعة أركان، وهي: الصيغة والزوجة والشهادة
والعاقدان، وقد يعبر عن العاقدين بالولي.
وقد اختلف في عد الزوجين ركنا واحدا
أوركنين منفصلين، لأنه يعتبر في كل منهما ما لا يعتبر في الآخر أو لتعلق العقد
بهما.
وقد علل بعضهم عدم ذكر االصداق في
أركان النكاح بخلاف الثمن في البيع، لأن الغرض من النكاح الاستمتاع وتوابعه وذلك
قائم بالزوجين فهما الركنان.
وقد ذكر بعضهم أن أركان النكاح تشمل
الإيجاب والقبول فقط، لأن النكاح هو العقد
المركب من الإيجاب والقبول , وهذه الأمور التي ذكروها لم تتركب منها ماهيته كما هو
مقتضى التعبير بالأركان، لأن الركن ما تتركب منه الماهية كأركان الصلاة.
وأجابوا عن ذلك بأن المراد بالأركان
ما لا بد منها فيشمل الأمور الخارجة كالشاهدين، فإنهما خارجان عن ماهية النكاح
ولهذا اعتبرهما الغزالي شرطين.
صنف الحنابلة[13] أركان الزواج إلى ثلاثة هي:
الزوجان الخاليان من الموانع، والإيجاب، والقبول، وقد أسقط بعضهم الزوجين
كما في المقنع والمنتهى وغيره لوضوحه، ولأن ماهية النكاح مركبة من الإيجاب والقبول
ومتوقفة عليهما ولا ينعقد النكاح إلا بهما.
اعتبر الحنفية[14] ركنا واحدا للزواج هو الإيجاب والقبول، لأن الانعقاد هو ارتباط
أحد الكلامين بالآخر على وجه يسمى باعتباره عقدا شرعيا، ويستعقب الأحكام، وذلك
بوقوع الثاني جوابا معتبرا محققا لغرض الكلام السابق , ويسمع كل من العاقدين كلام
صاحبه , والكلامان هما الإيجاب والقبول.
طريقة الحنفية
في تقسيم الشروط:
صنف الحنفية الشروط من حيث أثر وجودها أو فقدانها إلى
الأصناف التالية[15]:
وهي التي يلزم توافرها في أركان العقد،
أو في أسسه وإذا تخلف شرط منها كان العقد باطلا باتفاق، وخلاصة شروط الانعقاد
عندهم هي:
ما يرجع إلى محل العقد:ويشترط لمحل
العقد شرطان هما:
· أن
يكون كل من العاقدين أهلاً لمباشرة العقد بأن يكون مميزاً، سواء كان كامل الأهلية كالبالغ
الرشيد أو ناقصها كالصبي المميز، غير أن كامل الأهلية عقده نافذ، وناقصها عقده
موقوف.
· أن
يعلم كل من العاقدين ما صدر من الآخر، بأن يسمع كلامه أو يرى إشارته ويعرف مراده
منها، وأن يعرف أن هذه العبارة أو تلك الإشارة يقصد بها إنشاء العقد وإن لم يعرف
معاني الكلمات اللغوية.
· اتحاد
مجلس الإيجاب والقبول.
· أن
يوافق القبول الإيجاب حتى يتلاقيا على شيء واحد.
· أن
تكون الصيغة منجزة. بأن تكون مفيدة لمعناها في الحال غير معلقة على أمر سيحدث في
المستقبل.
ما يرجع إلى المحل: وهو المرأة
المعقود عليها فيشترط فيها:
· أن
تكون أنثى محققةالأنوثة.
· ألا
تكون المرأة محرمة عليه تحريماً قطعياً لا شبهة فيه.
ويترتب على تخلف شيء منها بطلان
العقد أو فساده على الخلاف بين الجمهور والحنفية في ذلك، والذي سنشرحه في محله،
وشروط الصحة عند الحنفية هي:
· ألا
تكون المرأة محرمة على الرجل الذي يريد
التزويج بها تحريماً ظنياً، بأن كانت حرمتها ثابتة بدليل ظني أو مما يخفى تحريمها
للاشتباه في أمره.
· أن
يكون العقد أمام شهود.
العقد إذا كان مستوفياً لأركانه وشروط
صحته لا تترتب عليه آثاره بالفعل إلا بشروط تسمى في عرف الفقهاء بشروط النفاذ،
ويجمعها أن يكون لكل من العاقدين الحق في إنشاء عقد الزواج، ويتحقق ذلك بكمال
أهليتهما مع وجود صفة شرعية تجيز لهما إنشاء هذا العقد، وكمال الأهلية بالحرية
والبلوغ والعقل، والصفة هي الأصالة أو الولاية أو الوكالة.
هي الشروط التي إذا تحققت كلها لم
يكن لأحد الحق في فسخ العقد، فإن تخلفت تلك الشروط أو بعضها كان العقد غير لازم
يجوز فسخه إذا طلب ذلك صاحب الشأن، ويشترط للزوم عقد الزواج إجمالاً أن يكون
خالياً مما يوجب الفسخ، ويتحقق ذلك بتوفر الشروط التالية:
· أن
يكون الزوج كفئاً للزوجة إذا زوجت نفسها وهي كاملة الأهلية، أي بالغة عاقلة رشيدة.
· ألا
يقل مهرها عن مهر أمثالها من قوم أبيها إذا زوجت نفسها ولو كان الزوج كفئاً لها.
· أن
يكون المزوج لفاقد الأهلية أو ناقصها كالمجنون والمعتوه والصغير والصغيرة الأب أو
الجد المعروفين بحسن التصرف والاختيار.
· ألا
يكون الزوج قد غرر في أمور تتعلق بكفاءته، كأن يدعي نسباً معيناً تم الزواج على
أساسه ثم ظهر كذبه كان العقد غير لازم بالنسبة إلى طرف الزوجة فلها أو لوليها حق
طلب الفسخ.
ولهم[16] تقسيم خاص تميزوا به عن غيرهم، فقد نصوا على أن شروط الزواج التي
لا يصح إلا بها أربعة، وهي:
الشرط الأول: العقد: وله
خمسة أركان هي:
· الولي،
ويشترط أن يكون بالغا عاقل ولو كان فاسقا
ذكرا حرا لأنه لا ولاية لامرأة ولا لعبد على ملتها.
· أن
يعقد بلفظ تمليك خاص للتزويج كزوجت أو أنكحت أو نحوهما أو عام كملكت ونذرت وتصدقت
وبعت ووهبت حسب ما يقتضيه العرف.
· أن
يكون لفظ التمليك متناولا لجميعها أو بعضها، إذ هو المقصود بالتمليك بالنكاح
فيقول: زوجتكها أو ملكتك إياها أو زوجتك بعضها أو ملكتك بعضها.
· أن
يقع قبول لعقد النكاح مثله، لأن من حق العقد أن يكون ماضيا مضافا إلى النفس مشتملا
على جميعها أو بعضها , فيقول فيه زوجتك أو أنكحتك ويصح بدون كاف الخطاب فيقول زوجت
أو أنكحت.
· أن
يكون القبول واقعا في المجلس الذي وقع فيه الإيجاب وهو ما حواه الجدار في العمران
وما يسمع فيه الخطاب المتوسط في الفضاء.
الشرط الثاني: إشهاد عدلين،
فلا يصح العقد إلا بحضور شاهدين وسماعهما
الإيجاب والقبول تفصيلا وإن لم يقصد إشهادهما.
الشرط الثالث: هو رضاء
الحرة والمكاتبة المكلفة، وهي البالغة العاقلة ومن شرط الرضاء أن يكون نافذا بأن
تقول رضيت أو أجزت أو أذنت أو نحو ذلك مما يدل على أنها قد قطعت بالرضا , فرضاء
الثيب يكون بالنطق بماض وذلك بأن تقول رضيت أو نحو ذلك , فأما لو قالت سوف أرضى أو
ما في حكمه فإنه ليس برضاء وإنما هو وعد بالرضاء.
ومما يقوم مقام النطق القرائن القوية
كقبض المهر وطلبه والتهيؤ للزواج ومسيرها إلى بيت الزوج ومد يدها للحناء هذا إذا
لم يدخل هذه القرائن احتمال كأن يكون الولي مهيبا تخشى منه إن لم ترض فلا يصح أن
تكون هذه القرائن رضى.
الشرط الرابع: تعيين المرأة
حال العقد، وكذا تعيين الزوج فلا يكفي قبلت لأحد أولادي.
والظاهر أن
مذهب الإمامية[17]
يقصر العقد على الصيغة، فقد نصوا عند الحديث عن العقد أن النكاح يفتقر إلى إيجاب
وقبول , دالين على العقد الرافع للاحتمال.
ونصوا على أنه
لا يشترط في نكاح الرشيدة حضور الولي , ولا في شيء من الأنكحة حضور شاهدين , ولو
أوقعه الزوجان أو الأولياء سرا جاز , ولو تآمرا بالكتمان لم يبطل.
ونصوا علىأنه
يشترط في النكاح , امتياز الزوجة عن غيرها بالإشارة أو التسمية أو الصفة فلو زوجه
إحدى بنتيه, أو هذا الحمل , لم يصح العقد.
أما نكاح
المتعة وهو النوع الثاني من أنواع النكاح عندهم، فأركانه أربعة: الصيغة والمحل,
والأجل , والمهر[18]،
وسنتحدث عن هذه الأركان الأربعة عندهم في محلها الخاص من هذا الجزء.
الظاهر من
مذهبهم قصر العقد على الصيغة، وقد نصوا على أنه يجوز عقد النكاح من ولي أو نائبه
مع زوج أو نائبه , ولا يجوز - قيل - لولي امرأة أن يوكل غير ثقة , فإن فعل جدد ولا
يفرق بينهما إن دخل , ولا يقبل من مدعي وكالة إلا بصحة.
وجاز للشهود أن
يشهدوا على هذا القول , وإن ادعت أن وليها وكلها في تزويج نفسها لم يقبل عنها ولم
يجز ولو بينت , وقيل: يجوز وتصدق إن كانت ثقة , وقيل: مطلقا ومن ادعى أنه ولي فوكل
أو زوج جاز ما لم يرب , وقيل: إن أقرت , وقيل إن كانت بنتا أو أختا, وقيل: إن كانت
بنتا , وقيل: لا مطلقا إلا بالصحة، ونصوا على وجوب افشهاد على الزواج[19].
نرى أن أولى تصنيف لأركان الزواج هو
اعتبار ثلاثة أركان للزواج هي: المحل من الزوج والزوجة، والشهادة على الزواج
وإشهاره، وصيغة الزواج الدالة على
التراضي، أما سائر ما عد من الأركان فهي شروط يراعي أكثرها الجانب الشكلي من
الزواج دون أي تأثير في العقد نفسه.
فالولي مثلا عند القائلين به مجرد
وسيط بين العاقدين الحقيقيين اللذين هما الزوج والزوجة، ولهذا لا تأثير له على
الأرجح ـ كما سنرى ـ في جبر موليته على الزواج بمن لا ترغب فيه، ولا بعضلها عمن
ترغب فيه.
أما اعتبار الإشهار أو الإشهاد أو
التوثيق ركنا، فلما ورد من أن الفرق بين الزواج والسفاح هو إعلان الزواج، والضرب
عليه بالدف الذي هو كناية عن هذا الإشهار، ولأن الإشهاد هو الوسيلة الوحيدة التي
تحفظ بها حقوق الزوجة، وما يترتب عن الزوجية من آثار كنسب الولد واستحقاق الإرث
وغير ذلك من الحقوق والآثار.
والغرض من هذا التصنيف هو تيسير
الزواج من ناحية سهولة تحصيله للقادر عليه، والتشديد في ناحية المحافظة على الحقوق
والآثار المترتبة عنه.
وقد أصاب المذهب الحنفي في الناحية
الأولى، فهو أيسر المذاهب في ذلك، ولكنه لم يصب في الثانية، فقد وسع فيه الحنفية
فجوزوه بلا ولي ومن غير اشتراط عدالة الشهود , ولم يفسدوه بالشروط المفسدة , ولم
يخصوه بلفظ النكاح والتزويج , بل قالوا: ينعقد بما يفيد ملك العين للحال , وصححوه
بحضور ابني العاقدين وناعسين وسكارى يذكرونه بعد الصحو , والغرض من كل ذلك تيسير
الزواج على مريده، ودفعا لفاحشة الزنا وما يترتب عنها، (ومن هنا قيل: عجبت لحنفي يزني)[20]
وسنفصل في بيان الأدلة على ما
اعتمدناه من هذا التصنيف عند الحديث عن هذه الأركان والشروط المرتبطة بها، ولهذا
سيقتصر بحثنا في هذا الفصل على الصيغة والمحل وسنتكلم عن سائر النواحي في الأجزاء
القادمة إن شاء الله.
لغة: لصَّوْغُ: مصدر
صاغَ الشيءَ يَصُوغُه صَوْغاً وصِياغَةً وصُغْتُه أَصوغُه صِياغةً وصِيغَةً
وصَيْغُوغةً؛ وعَمَلُه الصِّياغةُ، والشيءُ مَصْوغٌ والصَّوْغُ: ما صِيغَ، ورجل
صَوَّاغٌ: يَصُوغُ الكلامَ ويُزَوِّرُه، وربما قالوا: فلان يَصوغُ الكذب، وهو
استعارة. وصاغَ فلان زُوراً وكذباً إِذا اختلقه. وهذا شيء حَسنُ الصِّيغةِ حسنُ
العَملِ. وصاغةُ الـحُلِـيِّ لأَنهم يَمْطُلُونَ بالـمواعِيدِ الكاذبة، وقـيل:
أَراد الذين يرتِّبُون الـحديث ويَصُوغُون الكذب. يقال: صاغ شعراً وكلاماً أَي
وضعه ورتَّبَه، ويروى الصيَّاغون، بالـياء، وأَصل الصَّبْغِ التغْيـير[21].
اصطلاحا: تطلق الصيغة
في الاستعمال الفقهي على الألفاظ والعبارات التي يتركب منها العقد، أي العبارات
المتقابلة التي تدل على اتفاق الطرفين وتراضيهما على إنشاء العقد , وهي التي تسمى
في لغة الفقهاء بالإيجاب والقبول , وعلى ذلك عرفها بعضهم بقوله: هي ما يكون به
العقد , من قول أو إشارة أو كتابة , تبيينا لإرادة العاقد , وكشفا عن كلامه
النفسي.
وعرفها ابن عرفة بأنها مادل على عقد
النكاح[22]، وعرفها الإمامية بأنها اللفظ الذي وضعه الشرع وصلة إلى انعقاده[23].
تتركب الصيغة من لفظين صادران من كلا
طرفي العقد، يطلق عليهما [ الإيجاب والقبول]، وقد اختلف الفقهاء في استعمال هذين
الاصطلاحين، وفيما يلي توضيح هذا الاختلاف الاصطلاحي.
تعريفه:
لغة: وَجَبَ
الشيءُ يَجِبُ وُجُوباً أَي لزمَ. وأَوجَبَهُ هو، وأَوجَبَه، واسْتَوْجَبَه أَي
اسْتَـحَقَّه. يقال: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً إِذا ثَبَتَ، ولزِمَ. ووجَبَ
البـيعُ يَجِبُ جِبَةً، وأَوْجَبْتُ البـيعَ فوَجَبَ. وقال اللـحيانـي: وَجَبَ
البـيعُ جِبَةً ووُجوباً، وقد أَوْجَبَ لك البـيعَ وأَوْجَبَهُ هو إِيجاباً؛
واسْتَوْجَبَ الشيءَ: اسْتَـحَقَّه. والـمُوجِبةُ: الكبـيرةُ من الذنوب
التـي يُسْتَوْجَبُ بها العذابُ؛ وأَوْجَبَ الرجلُ إِذا عَمِلَ عَمَلاً يُوجِبُ له
الـجَنَّةَ أَو النار[24].
اصطلاحا: اختلف
الفقهاء في استعمال لفظ الإيجاب على فريقين:
تعريف الحنفية: الإيجاب هو
اللفظ الصادر أولا من أحد المتخاطبين مع صلاحية اللفظ لذلك رجلا كان أو امرأة[25].
تعريف الجمهور: الإيجاب هو
ما صدر من البائع , والمؤجر , والزوجة , أو وليها سواء صدر أولا أو آخرا ; لأنهم
هم الذين سيملكون: المشتري السلعة المبيعة , والمستأجر منفعة العين , والزوج
العصمة , وهكذا.
تعريفه:
لغة: من قبل الشيء
قبولا وقبولا: أخذه عن طيب خاطر , يقال: قبل الهدية ونحوها. وقبلت الخبر: صدقته ,
وقبلت الشيء قبولا: إذا رضيته , وقبل العمل: رضيه. والقبول: الرضا بالشيء وميل
النفس إليه , وقبل الله الدعاء: استجابه[26].
اصطلاحا: اختلف الفقهاء
في استعمال لفظ القبول ـ كما اختلف سابقا ـ على فريقين:
تعريف الحنفية: القبول اللفظ
الصادر ثانيا من أحدهما الصالح لذلك مطلقا[27].
تعريف الجمهور: هو ما يصدر
ممن يتملك المبيع أو القرض , أو ممن ينتفع به كالمستأجر والمستعير , أو ممن يلتزم
بعمل كالمضارب والمودع , أو ممن يملك الاستمتاع بالبضع كالزوج , وسواء صدر القبول
أولا أو آخرا، وقد عرفه في شرائع الإسلام بقوله: القبول: هو اللفظ الدال على الرضا
بذلك الإيجاب ; كقوله: قبلت النكاح[28].
3
ـ حكم تقدم القبول على الإيجاب:
اختلف العلماء في حكم تقدم القبول
على الإيجاب على قولين:
القول الأول: اشتراط تقدم
القبول على الإيجاب، وهو مذهب الحنابلة، فلا يجوز عندهم تقدم الإيجاب على القبول،
واستدلوا على ذلك بأن القبول إنما يكون للإيجاب , فمتى وجد قبله لم يكن قبولا لعدم
معناه , بخلاف البيع , لأن البيع يصح بالمعاطاة , ولأنه لا يتعين فيه لفظ , بل يصح
بأي لفظ كان مما يؤدي المعنى[29].
القول الثاني:عدم اشتراط
تقدم أحدهما على الآخر، وهو مذهب الجمهور، إلا أن الحنفية يعتبرون القبول هو ما
يذكره الطرف الثاني في العقد دالا على رضاه بما أوجبه الطرف الأول، فهم يعتبرون
الكلام الذي يصدر أولا إيجابا والكلام الذي يصدر ثانيا قبولا[30].
وهي إما أن تتحق باللفظ، وهو الأصل،
أو بغيره من الإشارة والكتابة وغيرها، وسنتحدث عن كلا النوعين فيما يلي:
لما كان الأصل في الصيغة هو الألفاظ التي
تعبر عن تراضي المتعاقدين، فقد عني الفقهاء ببيان الألفاظ التي ينعقد بها من ناحية
مادتها وناحية صورتها حتى تدل دلالة صحيحة صريحة على مراد المتعاقدين، وسنفصل كلام
الفقهاء في ذلك فيما يلي:
اتفق الفقهاء على صحة استعمال اللغة
العربية للتعبير عن الإيجاب والقبول، واختلفوا في غيرها من اللغات على قولين:
القول الأول: يصح التعبير
عن العقد بأي لغة كانت: عربية، أو غير عربية سواء كان العاقدان قادرين على العربية
أو عاجزين عنها، وهو مذهب جمهور الفقهاء، ومن أدلتهم على ذلك[31]:
· أن
المقصود من الصيغة هو التعبير الواضح الصريح عن إرادة العاقدين، وذلك يصح بأي لغة.
· أن
الزواج ليس أمرا تعبديا محضا بحيث تشترط فيه لغة بعينها أو صيغ بعينها، بل هو
كسائر العقود الشرعية.
القول الثاني [32]: أنه لا يجوز للقادر
على العربية أن يعقده بغيرها، وهو مذهب الشافعية في قول، والحنابلة، ومذهب
الظاهرية والإمامية، أما من لا يحسن العربية , فيصح منه عقد النكاح بلسانه لأنه
عاجز عما سواه فسقط عنه كالأخرس، ويحتاج أن يأتي بمعناهما الخاص، بحيث يشتمل على
معنى اللفظ العربي، فإن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن
العربية بها والآخر يأتي بلسانه. فإن كان
أحدهما لا يحسن لسان الآخر , احتاج أن يعلم أن اللفظة التي أتى بها صاحبه لفظة
الإنكاح , بأن يخبره بذلك ثقة يعرف اللسانين جميعا، ومن أدلتهم على ذلك:
· أنه
عدول عن لفظ الإنكاح والتزويج مع القدرة عليهما، وهما اللفظان اللذان يصح بهما فقط
الزواج.
· أن
الزواج فيه ناحية تعبّدية فأشبه الصلاة، فكما أنها لا تصح بغير العربية للقادر
عليها فكذلك الزواج.
وقد اختلف القائلون بهذا القول في
وجوب تعلم ألفاظ الزواج والنكاح باللغة العربية على الرأيين التاليين:
الرأي الأول: أنه لا يجب على من لا يحسن العربية تعلم ألفاظ
النكاح بها، لأن النكاح غير واجب , فلم يجب تعلم أركانه بالعربية.
القول الثاني: وجوب تعلمها،
لأن ما كانت العربية شرطا فيه لزمه أن يتعلمها مع القدرة، كالتكبير.
الترجيح:
الظاهر من المقاصد الشرعية في العقود
هو أنها معبرة عن رضا أصحابها، وذلك يقتضي التعبر عن الرضا بأوضح ألفاظه وأدلها
عرفا على المقصود من العقد، وإلا أصبح مجرد عقد شكلي لا يعبر عن مراده الشرعي،
ولذا نعجب أن يلغي بعض الفقهاء هذا الاعتبار فينص على أنه لو لو لقنت المرأة غير
العربية أن تقول لمن يريد الزواج بها: زوجت نفسي بالعربية، وهي لا تعلم معناها،
وقبل الزوج، والشهود يعلمون جهلها بالعربية وعدم فهمها لما قالت، أو لا يعلمون صح
الزواج، ومثله في جانب الرجل إذا لقنه وهو لا يعلم معناه، وقد علل ذلك قاضي خان
بقوله: ينبغي أن يكون النكاح كذلك لأن العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لأجل القصد،
فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل , بخلاف البيع ونحوه)[33]
وقد رد ابن القيم على هذا الاشتراط
بقوله:(وأفسد من ذلك اشتراط العربية مع وقوع النكاح من العرب والعجم والترك
والبربر ومن لا يعرف كلمة عربية , والعجب أنكم اشترطتم تلفظه بلفظ لا يدري ما
معناه ألبتة، وإنما هو عنده بمنزلة صوت في الهواء فارغ لا معنى تحته , فعقدتم
العقد به , وأبطلتموه بتلفظه باللفظ الذي يعرفه ويفهم معناه ويميز بين معناه
وغيره)[34]
وهي الألفاظ التي يصح التعبير بها عن
عقد الزواج، وقد بحث الفقهاء فيما يصح من هذه الألفاظ خشية تسرب مفاهيم أخرى
للزواج غير التي أرادها الشارع عن طريق تبديل الألفاظ، وهو إدراك سابق من الفقهاء
لما للمصطلحات من تدخل في تثبيت المفاهيم أو تغييرها، وفيما يلي ذكر هذه الألفاظ
بقسميها: ما اختلف فيه الفقهاء وما اتفقوا عليه، وقد ذكرنا هذا التقسيم حرصا على
بناء الزواج على ألفاظ متفق عليها مراعاة لاختلاف العلماء.
وهي نوعان:
أجمع العلماء[35] على أنه ينعقد بكل لفظ مأخوذ من مادتي الزواج والنكاح، سواء اتفقا
من الجانبين أو اختلفا , مثل أن يقول: زوجتك بنتي هذه. فيقول: قبلت هذا النكاح ,
أو هذا التزويج ،لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما نص الكتاب في أكثر من عشرين آية
منها قوله تعالى:﴿ فَانكِحُوا مَا
طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (النساء:3)وقوله: ﴿
وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾(النور:32)وقوله: ﴿فَلَمَّا
قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾
(الأحزاب: 37)
ألفاظ متفق على عدم صحة العقد بها:
اتفق الفقهاء عدم انعقاده بـالألفاظ التالية:
· ألفاظ الإباحة والإحلال والإيداع والإعارة والرهن: لأنها لا تفيد
تحليل المرأة لزوجها، والزواج من عقود التحليل، لأنه يفيد ملك المتعة للزوج.
· لفظ الوصية: لأنه يفيد تمليكا مضاف لما بعد الموت، والزواج يفيد
التمليك في الحال، فلم توجد علاقة مسوغة لاستعمال لفظ الوصية في الزواج، وروي عن
الطحاوي من الحنفية أنه ينعقد مطلقا، وعن الكرخي أنه ينعقد به إن قيدت بالحال، كما
إذا قال: أوصيت بابنتي لك الآن[36].
·
لفظ
الإجارة:
لأنها مع إفادتها ملك المنفعة في الحال إلا أنها شرعت مؤقتة بوقت معين والزواج شرع
على الدوام والتأبيد، وكل تأقيت فيه يلحق به الفساد على الأصح.
· والعلة
الجامعة بين عدم صحة العقد بهذه الألفاظ جميعا هي عدم انطباقها مع شروط الزواج من
ملك المتعة الدائمة من حين العقد، ولهذا يقاس على هذه الألفاظ كل ما لا يدل على
ذلك[37].
اختلف الفقهاء فيما عدا الألفاظ
السابقة، كالهبة والتمليك والبيع والصدقة والجعل على الأقوال التالية:
القول الأول[38]: منع انعقاده بهذه الألفاظ كلها وقصوره على لفظي النكاح والتزويج
وما اشتق منهما،كأنا متزوج مثلاً، وهو قول الشافعية والحنابلة، وبه قال سعيد بن
المسيب , وعطاء , والزهري, وربيعة، ومن الأدلة على ذلك:
· قوله
- صلى الله عليه وسلم -:(اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله
واستحللتم فروجهن بكلمة الله)[39]، وكلمة الله
هي التزويج أو الإنكاح، فإنه لم يذكر في القرآن سواهما فوجب الوقوف معهما تعبدا
واحتياطا.
· أن
النكاح يميل إلى العبادات لورود الندب فيه، والأذكار في العبادات تتلقى من الشرع ,
والشرع إنما ورد بلفظي التزويج والإنكاح.
· أنه
عقد له خطره، إذ به تحل المرأة بعد أن كانت حراماً، وتثبت به الأنساب، فيحتاج فيه
إلى ألفاظ صريحة.
· أن
الشهادة شرط في النكاح , والكناية إنما تعلم بالنية , ولا يمكن الشهادة على النية
, لعدم اطلاعهم عليها , فيجب أن لا ينعقد , وبهذا فارق بقية العقود والطلاق.
· أما
ما روي من أنه - صلى الله عليه وسلم - زوج امرأة , فقال: ملكتكها بما معك من
القرآن[40]، فقد أجيب على ذلك بأنه وهم من الراوي , أو أن الراوي رواه
بالمعنى ظنا منه ترادفهما , وبتقدير صحته فهو معارض برواية الجمهور: زوجتكها. قال
البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد , ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع
بين اللفظين , ومما احتج به على اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بذلك قوله تعالى ﴿
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ
أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(الأحزاب:50)حيث
جعل النكاح بلفظ الهبة من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - [41].
القول الثاني: صحة استعمال
هذه الألفاظ مع القرينة الدالة على أن المتكلم أراد بها الزواج، كذكر المهر معها
وإحضار الشهود وما شابه ذلك، وهو قول الحنفية[42]، والضابط عندهم في ذلك هو أن كل لفظ وضع لتمليك العين في الحال
يجوز العقد به، واحترز بالحال عن الوصية، لأنها لتمليك العين بعد الموت ،بل روي عن
الطحاوي من الحنفية أنه ينعقد مطلقا، وعن الكرخي أنه ينعقد به إن قيدت بالحال ـ كما
مر بيان ذلك سابقا ـ ومن أدلتهم على ذلك:
· أن
ورود القرآن بهذين اللفظين لا يعني قصر إقامة العقد عليهما ،فيكون ما يفيد معناهما
مثلهما فلا وجه لمنع الزواج بهذه الألفاظ.
· دعوى
أن النصوص الشرعية لم تذكر في معرض تشريعة إلا لفظي النكاح والزواج فغير مسلمة،
لأن القرآن الكريم ذكر لفظ الهبة أيضاً في مقام تشريعه في قوله تعالى ﴿
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾
(الأحزاب:50)ودعوى الخصوصية بالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير مسلمة، لأن
الخصوصية الثابتة له في هذا هي الزواج بدون مهر لا في خصوص لفظ الهبة، لأن الله
تعالى قال بعد ذلك: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي
أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾(الأحزاب:50)، ونفى الحرج عن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - لا يكون في اختصاصه بعقد الزواج بلفظ خاص لعدم أي مزية في
ذلك.
· أن
السنة وردت بلفظ التمليك في قصة المرأة التي جاءت تعرض نفسها على النبي - صلى الله
عليه وسلم - فأعرض عنها إلى أن قال أحد أصحابه: يا رسول الله إن لم يكن بك حاجة إليها
فزوجنيها، فسأله عن مهر يعطيه لها ،واعتذر بأنه لا يجد شيئاً، حتى قال له الرسول -
صلى الله عليه وسلم -:(قد ملكتكها بما معك من القرآن)[43]
· أن
كلمة الله الواردة في الحديث لا يراد بها لفظا النكاح والتزويج لعدم أي فائدة
معنوية من ذلك، بل معناه كما ذكره شراح الحديث إما أنه دلالة على قوله تعالى:﴿
فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(البقرة:229)أو أن
المراد كلمة التوحيد وهي لا اله الا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لا تحل مسلمة لغير
مسلم، أو أن المراد باباحة الله والكلمة قوله تعالى: ﴿ فَانكِحُوا مَا
طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾(النساء:3)قال النووي:(وهذا الثالث هو
الصحيح، وبالأول قال الخطابي والهروى وغيرهما)[44] ،أو أن المراد
بالكلمة الايجاب والقبول ومعناه على هذا بالكلمة التي أمر الله تعالى بها.
· أن
هذه الألفاظ تفيد تمليك العين في الحال، ولا تقبل التوقيت، فإذا قالت المرأة
للرجل: وهبت لك نفسي بمهر كذا أو ملكت نفسي أو جعلت لك نفسي بمهر قدره كذا، أو قال
وليها ذلك وقبل الرجل ينعقد الزواج، لأن القرينة تعين المراد منها، وأنه لا يقصد
بها حقيقتها، بل يقصد بها الزواج، وأي شخص يفهم منها الزواج إذا ذكر المهر مع حضور
الناس الحفل المعد للزواج.
· أن
تصور حكم الحقيقة ليس بشرط، فإنه لو قال لحرة: اشتريتك بكذا كان نكاحا صحيحا،
والحرة ليست بمحل للبيع بل الشرط صحة التكلم[45].
القول الثالث: التوسط بين المذهبين،
فأجازوا التزويج بلفظ الهبة إذا ذكر معها الصداق، كأن يقول طالب الزواج: هب لي
ابنتك بمهر كذا، أو يقول ولي المرأة: وهبت لك ابنتي بمهر كذا، ويقول الآخر: قبلت،
وهو قول المالكية، وقد اختلفوا في كل لفظ يقتضي البقاء مدة الحياة مثل:(بعت أو
ملكت أو أحللت أو أعطيت أو منحت)على رأيين[46]:
· ينعقد
بها النكاح إن سمى صداقا حقيقة أو حكما، وهو قول ابن القصار وعبد الوهاب والباجي
وابن العربي.
· أنه
لا ينعقد بها ولو سمى صداقا، وهو قول ابن رشد.
ومن أدلتهم علىصحة العقد بلفظ الهبة
قصة واهبة نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - التي سبق ذكرها، وأدلة من أجاز
غيرها من الألفاظ وهي أدلة الحنفية السابقة.
وذهب الظاهرية إلى أنه لا يجوز
النكاح إلا باسم الزواج أو النكاح , أو التمليك , أو الإمكان[47].
الترجيح:
من خلال ما سبق بيانه من أن العبرة
في العقود ما اصطلحت عليه الأعراف، فإنه ليس لصيغة الزواج صيغة مخصوصة دل عليها
الشرع، أو حصر الشرع إقامة العقد بها، لأن الزواج ليس عبادة محضة تفتقر إلى هذا
النوع من التحديد.
قال ابن القيم: (ليس ذلك من العبادات
التي تعبدنا الشارع فيها بألفاظ لا يقوم غيرها مقامها كالأذان وقراءة الفاتحة في
الصلاة وألفاظ التشهد وتكبيرة الإحرام وغيرها, بل هذه العقود تقع من البر والفاجر
والمسلم والكافر , ولم يتعبدنا الشارع فيها بألفاظ معينة , فلا فرق أصلا بين لفظ
الإنكاح والتزويج وبين كل لفظ يدل على معناها)[48]
وقال المقري في كلياته الفقهية:(كل
عقد فالمعتبر في انعقاده ما يدل على معناه لا صيغة مخصوصة ويختلف في المحتمل حيث
يقع النكول)[49]
ولذلك رجعت أقوال أكثر العلماء إلى
صحة العقد بأي صيغة كانت على خلاف ما يروى عنهم، قال ابن مفلح من الحنابلة: (وقال
شيخنا: ينعقد بما عده الناس نكاحا بأي لغة ولفظ وفعل كان، وأن مثله كل عقد , وأن
الشرط بين الناس ما عدوه شرطا , فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع , وتارة باللغة
, وتارة بالعرف , وكذلك العقود)[50]
وقال الشيخ تقي الدين: ومن خطه نقلت:
الذي عليه أكثر العلماء أن النكاح ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج. قال: وهو
المنصوص عن أحمد , وقياس مذهبه , وعليه قدما أصحابه, فإن أحمد نص في غير موضع على
أنه ينعقد بقوله: جعلت عتقك صداقك , وليس في هذا اللفظ إنكاح ولا تزويج , ولم ينقل
عن أحمد أحد أنه خصه بهذين اللفظين , وأول من قال من أصحاب أحمد فيما علمت: أنه
يختص بلفظ الإنكاح والتزويج ابن حامد , وتبعه على ذلك القاضي ومن جاء بعده , لسبب
انتشار كتبه , وكثرة أصحابه وأتباعه)[51]
وهو قول علماء الإباضية كما نص عليه
شارح النيل: (تصح عقدة النكاح بلغة المنكح كائنة ما كانت , في جميع ما جرت عليه
العادة في كلامهم , مما يكون عندهم معناه التزويج , وكذا قبول الزوج ما لم يقارفوا
محرما في الكلام)[52]
ولذلك لا يصح التحريج على العامة في
اختيارهم من الصيغ ما يتناسب مع أعرافهم، فمن الألفاظ التي يعبر بها عندنا عن
الزواج لفظ (أعطيتك ابنتي)وقد ذكر بعضهم بعض الحرج في هذه الصيغة، فقد ورد في كتب
الحنفية مع تساهلهم في هذه الصيغ: (لو قال أعطيتك بنتي لابنك فيقول قبلت، فالظاهر
أنه ينعقد للابن , لأن قوله أعطيتك بنتي لابنك معناه في العرف أعطيتك بنتي زوجة
لابنك , وهذا المعنى , وإن كان هو المراد
عرفا من قولهم زوجتك بنتي لابنك , لكنه لا يساعده اللفظ كما علمت , والنية وحدها
لا تنفع كما مر)[53]
ونرى أن عدم نفع النية هنا هو في
الألفاظ الحادثة التي يحتاج الشهود إلى معرفة دلالتها، أما الألفاظ المشتهرة ـ كما
هو حاصل عندنا ـ فإن اللفظ يعبر تعبيرا كليا على النية كالكنايات الظاهرة إلا إذا
نفى قصد ذلك.
وهذا الترجيح هو ما يلجأ إليه علماء
المذاهب لتصحيح عقود النكاح، قال شارح ميارة: لم تزل الفتيا صادرة عن شيخنا أبي
القاسم ابن سراج أبقى الله بركته بعدم التوارث مهما مات الزوجين في الأنكحة
المنعقدة في الجهة الشرقية التي يتأخر فيها الكتب والإشهاد للدخول ويقدمون فيها
دينارا واحدا من الصداق ويسمونه الموزون، ويعتل لقوله بعدم الميراث فيه بأنه فات
فيه الصيغة، وما زال الأصحاب يراجعونه في ذلك بالبحث وهو على أوله في فتياه
بذلك)ولكن شارح ميارة يتعقبه مخطئا ذلك بقوله:(وإذا روجع قول المقري المنقول آخرا
وقول عبد الوهاب المنقول أولا، يظهر أن تلك الأنكحة غير خالية من الصيغة بوجه ما)[54]وهذا يرينا حرص
العلماء على الاجتهاد لتصحيح العقود لا إلى إبطالها.
ولكنه مع ذلك يستحب الاقتصار على
الألفاظ التي وردت بها النصوص مراعاة للاختلاف في هذا الجانب الخطير من الدين،
وحرصا على عدم تغيير معنى الزواج الذي ورد به الشرع إذا عبر عنه بألفاظ لا تدل
عليه، لأن كل لفظ يحمل دلالة معينة، ويدل على فهم معين للزواج، فمن زوج ابنته بلفظ
البيع ـ مثلا ـ فإنه يدل على نظرة خاطئة للزواج تحمل معاني استعباد المرأة
واسترقاقها، وما أنزل الله بذلك من سلطان.
زمن الفعل الذي تتم به الصيغة إما أن
يكون ماضيا أو مضارعا أو أمرا، وقد اتفق الفقهاء على بعض هذه الصيغ واختلفوا في
أخرى:
اتفق الفقهاء[55] على انعقاد الزواج بصيغة الماضي مثل قول ولي
المرأة: زوجتك ابنتي ،وقول الزوج: قبلت الزواج بها، ومن الأدلة على ذلك:
أن النكاح عقد، فينعقد بصيغة الماضي
كسائر العقود، واختص بما ينبئ عن الماضي لأنه إنشاء تصرف وهو إثبات ما لم يكن
ثابتا.
أنه ليس لثبوت الزواج لفظ يختص به
باعتبار الوضع فاستعمل فيه لفظ ينبئ عن الثبوت , وهو الماضي دفعا للحاجة لأن
الإنشاء يعرف بالشرع لا باللغة، فكان ما ينبئ عن الثبوت أولى من غيره لأن غرضهما
الثبوت دون الوعد.
وهي أن يعبر بلفظين
أحدهما عن الماضي وبالآخر عن المستقبل، كما إذا قال رجل لرجل: زوجني ابنتك أو قال:
جئتك خاطبا ابنتك، أو قال جئتك لتزوجني بنتك فقال الأب: قد زوجتك أو قال لامرأة:
أتزوجك على ألف درهم، فقالت: قد تزوجتك على ذلك، أو قال لها: زوجيني أو انكحيني
نفسك فقالت: زوجتك أو أنكحت، وغيرها من الصيغ وقد اختلف الفقهاء فيها على قولين:
القول الأول: ينعقد الزواج
بهذه الصيغ، بشرط وجود قرينة مانعة من احتمال معنى آخر غير إنشاء العقد، مثل إحضار
الشهود، وإعداد الحفل ودعوة الناس، فهذه قرائن كافية تؤكد إرادة إنشاء العقد
بقوله: زوجني نفسك أو أتزوجك، وهو قول الحنفية والمالكية، ومن أدلتهم على ذلك:
· روايتهم
عن بلال - رضي الله عنه - أنه خطب إلى قوم
من الأنصار فأبوا أن يزوجوه فقال: لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني
أن أخطب إليكم لما خطبت فقالوا له: ملكت، ولم ينقل أن بلالا أعاد القول، ولو فعل
لنقل، ولأن الظاهر أنه أراد الإيجاب.
· الاستحسان،
وجه الاستحسان هنا أن المساومة التي توهمها هذه الصيغ لا تتحقق في النكاح عادة،
فكان محمولا على الإيجاب بخلاف البيع، فإن السوم معتاد فيه فيحمل اللفظ عليه , فلا
بد من لفظ آخر يتأدى به الإيجاب.
القول الثاني: لا ينعقد
بهذه الصيغ جميعا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، ومن أدلتهم على ذلك، أن لفظ
الاستقبال عدة، والأمر من فروع الاستقبال، فلم يوجد الاستقبال، فلم يوجد الإيجاب.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في هذا هو مراعاة
الصيغة التي يعتبرها العرف بشرط دلالتها على الجزم، فإن كانت الصيغة لا تدل على
الجزم، فإنه لا ينعقد العقد بها ولو كانت بالزمن الماضي، لأن دلالة الماضي على
الثبوت هي دلالة في العرف العربي الذي أجاز له الفقهاء هذه الصيغة، وهي لا تعني
بالضرورة سريانها في جميع الأعراف، أما غيرها من الأزمنة فلا حرج في استعمالها إذا
كانت دالة على هذا الجزم، وقد ورد في القرآن الكريم قول الشيخ الصالح لموسى - عليه
السلام -:﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ
عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ
عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
مِنْ الصَّالِحِينَ﴾(القصص:27)فقال له موسى - عليه السلام -: ﴿ ذلك
بيني وبينك﴾(القصص:28)، قال ابن العربي: وهذا انعقاد عزم , وتمام قول ,
وحصول مطلوب , ونفوذ عقد. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا بني النجار ;
ثامنوني بحائطكم فقالوا: لا نطلب ثمنه , إلا إلى الله[56]. فانعقد العقد , وحصل المقصود من الملك)[57]
التصحيف هو تغيير في اللفظ يؤدي إلى
تغيير في معناه، ومن أمثلة التصحيف في ألفاظ العقد التي ذكرها الفقهاء:(زوزتك
بإبدال الجيم زايا أو جوزتك بإبدال الزاي جيما)،وهو مايحدث عندنا في بعض المناطق
الجزائرية، ومثله قول الألثغ في إيجاب عقد النكاح وقبوله:(زودني أو أنتحني وتزويدها ونتاجها بدلا عن زوجني وأنكحني
وتزويجها ونكاحها)وقد ذكر الفقهاء في هذا التصحيف رأيين:
· رأي
اتبع فيه العلماء قول الغزالي:(أن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن
يكون كالخطإ في الإعراب)وأن جميع ما ذكر فيها ونحوه من اللغات التي ألفتها العامة
لا يضر[58].
· رأي
عن بعض الحنفية: أنه لا ينعقد بألفاظ مصحفة على طريق الغلط، أما لو اتفق قوم على
النطق بهذه الغلطة بحيث إنهم يطلبون بها الدلالة على حل الاستمتاع، وتصدر عن قصد
واختيار، ففيه قول بانعقاد النكاح بها حتى
أفتى به بعض المتأخرين، وأما صدورها لا عن قصد إلى وضع جديد فلا اعتبار به لأن
استعمال اللفظ في الموضوع له أو غيره طلب دلالته عليه وإرادته فبمجرد الذكر لا
يكون الاستعمال صحيحا فلا يكون وضعا جديدا[59].
ونرى أن كلا الرأيين متفقين على جواز
التصحيف بشرط أن يكون اللفظ المصحف معروفا في دلالته على الزواج وهو ما يعرف
بالعرف، أما ما لا يدل على ذلك ولا يفهمه الشهود فلا يصح به العقد إلا إذا دلت
القرائن عليه.
حكم
الأخطاء النحوية في الصيغة:
ومن الأمثلة التي ذكرها الفقهاء لهذا
النوع من الخطأ (زوجت لك أو إليك بدل زوجتك أو زوجتك بفتح التاء)ومثله ما لو قال
الزوج: قبلت بفتح التاء، وقد أفتى أكثر الفقهاء بجواز الأخطاء النحوية لعمو البلوى
بها[60].
وفصل آخرون في المسألة على النحو
التالي:
· إن
كان ذلك الخطأ من قادر على العربية عارف بها قادر عل إصلاحها، فإنه لا يصح عقده.
· أما
إن كان من جاهل عاجز فيصح[61].
ونرى أن الأرجح في هذا هو الجواز
مطلقا لأن العبرة في العقود هو دلالتها لا ألفاظها، وقد عمت البلوى بالأخطاء
النحوية، ولكنه مع ذلك يستحب أن يؤتى بها فصيحة معربة تعبدا من غير اعتقاد لوجوب
ذلك أو تكليف للعامة به.
الأصل في صيغة العقد أن تكون
بالكلام، ولكن قد تحصل بغير الكلام من وسائل التعبير الأخرى، ومن هذه الوسائل:
يختلف حكم التعاقد عن طريق الكتابة
بحسب الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى: إذا كان
العاقدان في مجلس واحد وكانا قادرين على الكلام، ومع ذلك عبرا عن العقد بالكتابة
بدل الكلام، فإنه لا ينعقد الزواج بالكتابة في هذه الحالة باتفاق الفقهاء للأدلة
التالية:
· أن
عقد الزواج أساسه العلنية دون السرية وبالكتابة يكون سراً.
· أن
الشهادة شرط فيه، ولا اطلاع للشهود على النية ولو قالا بعد المكاتبة: نوينا كانت شهادة
على إقرارهما لا على نفس العقد فلا يصح[62].
الحالة الثانية: إذا لم يكن
العاقدان في مجلس واحد، وقد اختلف فيها الفقهاء عل قولين:
القول الأول[63]: أن ذلك جائز إذا كان بمحضر الشهود وسمع الشهودكلا من الإيجاب
والقبول كما لو قالت حين بلغها الكتاب
وقرأته على الشهود: إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني قد زوجت نفسي منه فهذا
صحيح ; لأنهم سمعوا كلام الخاطب بإسماعها إياهم إما بقراءة الكتاب أو العبارة عنه،
وسمعوا كلامهما حيث أوجبت العقد بين أيديهم، فلهذا تم النكاح، أما إذا كتب إليها
فلما بلغها الكتاب قالت: زوجت نفسي منه بغير محضر من الشهود، فإنه لا ينعقد النكاح
كما في حق الحاضر لاشتراط الشهود حين العقد، وكذلك لو قالت بين يدي الشهود: زوجت
نفسي منه لا ينعقد النكاح أيضا، لأن سماع الشهود كلام المتعاقدين شرط لجواز النكاح
, وإنما سمعوا كلامها هنا لا كلامه.
وقاعدة الحنفية في ذلك أن (الكتاب من
الغائب بمنزلة الخطاب من الحاضر)، ومن أدلتهم على ذلك:
· عن
عروة عن أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ أنها ثم كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض
الحبشة فزوجها النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمهرها عنه أربعة آلاف،
وبعث بها إلى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - مع شرحبيل بن حسنة[64].
· أن
الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرى الكتاب تبليغا تقوم به الحجة، وقد بلغ تارة
بالكتاب وتارة باللسان فإنه كتب إلى ملوك الآفاق يدعوهم إلى الدين , وكان ذلك
تبليغا تاما فكذلك في عقد النكاح الكتاب بمنزلة الخطاب.
· أن
الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم، فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر.
القول الثاني[65]: لا ينعقد الزواج في غيبة أو حضور بالكتابة، وهو قول الشافعية،
واختلف قول الحنابلة في ذلك، للأدلة التالية:
· اشتراط
حضور الشهود وسماع كلا المتعاقدين، وهو يتنافى مع الكتابة.
· أن
الصحيح في حديث النجاشي أن عمرو بن أمية كان وكيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- في ذلك بعث به إلى النجاشي يزوجه إياها،
وقيل الذي ولي العقد عليها خالد بن سعيد بن العاص ابن عم أبيها[66].
· أن
الكتابة كناية ،قال الدردير:(لا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلا لضرورة خرس)[67]
· تراخي
القبول عن الإيجاب في الكتابة مع اشتراطهما.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو صحة
العقد بالكتابة إذا دعت الضرورة لذلك، كأن يكون العاقد غائبا، أو أخرس، والأولى
توكيل من يتولى العقد مراعاة للخلاف.
وقد ذكر النووي الكيفية المثلى لذلك
إذا دعت الضرورة لمثل هذه الطريقة من التعاقد، فقال:(وحيث حكمنا بانعقاد النكاح
بالمكاتبة فليكتب: زوجتك بنتي , ويحضر الكتاب عدلان , ولا يشترط أن يحضرهما , ولا
أن يقول لهما: اشهدا , بل لو حضرا بأنفسهما كفى فإذا بلغ الكتاب الزوج فليقبل لفظا
, ويكتب القبول ويحضر القبول شاهدا الإيجاب، فإن شهده آخران فوجهان أصحهما لا يصح
لأنه لم يحضره شاهد له ،والثاني الصحة , لأنه حضر الإيجاب والقبول شاهدان ويحتمل
تغايرهما)[68]
يختلف حكم التعاقد عن طريق الإشارة
بحسب الأحوال التالية[69]:
الحالة الأولى: العاجز عن الكلام
إن كان لا يحسن الكتابة، فإنه ينعقد زواجه بإشارته المعروفة باتفاق الفقهاء،، وقد
أجاز الحنفية الإشارة من المصمت هو الذي عرض له مانع من الكلام لأجل علة عرضت، وقد
كان فصيحا ولو كان مما يرجى زواله كوجع الحلق.
وفرق الشافعية بين إشارة الأخرس التي
لا يختص بها الفطنون فحكموا بانعقاده بها بخلاف ما يختص بها الفطنون فإنه لا ينعقد
بها لأنها كناية.
الحالة الثانية: العاجز عن
الكلام إن كان يحسن الكتابة، وقد اختلف الفقهاء في صحة عقده على قولين:
القول الأول: أنه ينعقد،
لأن الأصل في العقد أن يكون بالكلام، فإذا عجز عنه طلب معرفة غرضه بأي وسيلة،
ويستوي في ذلك الإشارة والكتابة لأنهما يدلان على مراده.
القول الثاني: أنه لا ينعقد
بالإشارة بل لا بد من الكتابة، لأنها أقوى بياناً من الإشارة حيث يعرفها كل من
يقرأ، بخلاف الإشارة فانه لا يعرفها إلا القليل، وإذا لم يتساويا اعتبر الأقوى.
الحالة الثالثة: إشارة القادر
على الكلام، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى
عدم اعتبارها في العقود خلافا للمالكية الذين ذهبوا إلى أن إشارة الناطق معتبرة
كنطقه لأنها يعبر عليها بالكلام، كما قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي
آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا
وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار﴾ِ(آل
عمران:41)والرمز: الإشارة، وللمالكية تفصيل في ذلك خلاصته:
· أنه
إن وقعت الإشارة من المبتدئ بلفظ الإنكاح أو التزويج , سواء كانت الإشارة من الزوج
أو الولي صحت واعتبرت.
· أما
لو كان المبتدئ ابتدأ بلفظ نحو الهبة والصدقة مع ذكر الصداق، فإنما تكفي الإشارة
من الزوج بخلاف عكسه، وهو أن يكون المبتدئ بلفظ نحو الهبة من الزوج فلا تكفي
الإشارة من الولي[70].
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة ـ نظرا لخطورة
العقد ـ عدم صحة التعبير بالإشارة في مجلس العقد لعدم دلالتها الصريحة، إلا للأخرس
الذي لا يعرف الكتابة، فعقد الزواج أخطر من أن يبنى على إشارة قد يساء فهمها.
ومثل الكتابة إرسال الرسول الذي يبلغ
إيجاب الموجب، وقد اتفقت المذاهب الفقهية على صحة العقد بهذه الصورة إن حصل
الإشهاد ،فلو أرسل شخص رسولاً لامرأة ليبلغها أنه يقول لها: تزوجتك أو زوجيني نفسك
فتقول: قبلت زواجه أو زوجته نفسي تَمَّ العقد إذا كان أمام شاهدين سمعا كلام
الرسول بالإيجاب وقبولها في مجلس تبليغ الرسالة، ولم يفرق الحنفية في ذلك بين
الزوج أو الولي ولو كان الرسول كافرا أو امرأة أو صبيا مميزا أو عبدا محرما،
وأجازوا أن يكون الرسول أحد الشاهدين.
بل أجاز أبو يوسف أن لا يسمع كلام
الرسول أو قراءة الكتاب، بناء على أن قولها: زوجت نفسي شطر العقد عند أبي حنيفة
ومحمد , والشهادة في شطري العقد شرط ; لأنه يصير عقدا بالشطرين , فإذا لم يسمعا
كلام الرسول وقراءة الكتاب فلم يوجد شطر الشهادة على العقد، وقول الزوج بانفراده
عقد عند أبي يوسف , وقد حضر الشاهدان، وهو خلاف رأي الجمهور في ذلك، ومما استدلوا
به لذلك:
· أن
الرسالة تبليغ عبارة المرسل إلى المرسل إليه، ولكل واحد من هؤلاء عبارة مفهومة
فيصلح أن يكون رسولا.
· أن
سليمان - عليه السلام - جعل الهدهد رسولا في تبليغ كتابه إلى بلقيس، فالآدمي
المميز أولى أن يصلح لذلك.
لكن الزواج بهذه الصورة لا يلزم الزوج
إلا إذا أقر بالرسالة أوأقامت عليه البينة بأن الرسول بلغها رسالة المرسل، أما إذا
أنكر الزوج الرسالة ولم تقم عليه البينة لها فالقول قوله، ولا نكاح بينهما لأن
الرسالة لما لم تثبت كان المخاطب فضوليا ولم يرض الزوج بما صنع فلا نكاح بينهما.
والأولى حتى لا يتلاعب الناس بالعقود
الشرعية أن يجعل الضمان على الرسول المبلغ إن كان من أهل الضمان، وقد اختلف
الحنفية في مقدار المهر الذي يجب ضمانه على المبلغ في حال جحود المرسل على رأيين:
· أن
على الرسول جميع المهر بحكم الضمان، وذلك لأن الزوج منكر لأصل النكاح , وإنكاره
أصل النكاح لا يكون طلاقا فلا يسقط به شيء من الصداق بزعم الكفيل.
· أن
على الرسول نصف الصداق، لأن من ضرورة سقوط نصف
الصداق عن الأصيل سقوطه عن الكفيل، فلهذا كان الكفيل ضامنا لنصف الصداق[71].
· وقد
جمع بعض الحنفية بين الرأيين كما يلي:
· أن
لها على الرسول نصف الصداق إذا استحلف القاضي الزوج بنكاحها فنكل , وطلبت المرأة
من القاضي التفريق ففرق بينهما، لأن الفرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول بها.
· إذا
لم تطالب المرأة القاضي بالتفريق، فيكون في زعمها أن الواجب جميع المهر فيجب على
الرسول كله[72].
· ونرى
أن هذا الرأي هو الأرجح احتراما للعقد وتعظيما له ومنعا للتلاعب به.
وهو[73] أن لا يذكر العاقدان شيئا من الإيجاب والقبول , بل يتراضيان على
قدر من المهر وينفذه الزوج أو وكيله، وتأخذه المرأة أو وكيلها، وتسلم المرأة نتيجة
ذلك نفسها، وهو لا يجوز إجماعا، ومن
الأدلة على ذلك:
· أن
الناس كانوا يتزوجون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد أصحابه -
رضي الله عنهم - بل وفي جميع العصور ولم
يؤثر عنهم أنهم عقدوا الزواج بهذه الصورة، بخلاف العقود الأخرى فإن الكثير منها
كانوا يعقدونه بالأفعال [التعاطي] فليس في هذه الصورة إلا الإيجاب، والزواج لا
يتحقق بالإيجاب وحده.
· لم
ينعقد الزواج بالمعاطاة مع جوازها في البيع مبالغة في صيانة الحرمات عن الهتك
واحتراما لشأنها، ولذا قال بعضهم: ينعقد به في الخسيس لا النفيس.
· أن
الإسلام رسم للعقد طريقة يعقد بها ليست هذه منها.
كأن يقول الرجل هي امرأتي من دون عقد
سابق، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين كلاهما نص عليه الحنفية:
القول الأول: أنه لا ينعقد
الزواج به، لأن الإقرار إظهار لما هو ثابت وليس بإنشاء، وهذا لا يتنافى مع ما
صرحوا به من أن النكاح يثبت بالتصادق، لأن الإقرار لا يكون من صيغ العقد، والمراد
بقولهم: إنه يثبت بالتصادق أن القاضي يثبت الزواج بالتصادق ويحكم به.
القول الثاني: أنه ينعقد به
إن كان بمحضر من الشهود ويجعل الإقرار إنشاء، كما لو قالت: جعلت نفسي زوجة لك فإنه
ينعقد به، وإن لم يكن بمحضر من الشهود لا ينعقد.
وقد نصوا على أن الأرجح في هذا
الخلاف أنه تفصيل في المذهب فان الأول محمول على ما إذا قصدا مجرد الإخبار عن حصول
عقد الزوجية بينهما في الماضي ولم يكن بينهما عقد أو كان العقد بغير شهود، والثاني
على ما إذا قصدا بالإخبار إنشاء العقد فينعقد في الحال.
لا ينعقد الزواج بواسطة الهاتف
الحالي والمستعمل عند جماهير الناس، لأنه يشترط لصحته حضور شاهدين يسمعان كلام
العاقدين ويفهمان المراد منه إجمالا عند جماهير الفقهاء.
وحضور الشهود وسماعهم ممكن في حال
اجتماع العاقدين في مكان واحد وفي حالة إرسال الرسول أو الكتاب لأن السماع ممكن
فيها، أما في حال التكلم في الهاتف فان الشاهدين يسمعان كلام أحد العاقدين فقط
وسماعهما الإيجاب وحده أو القبول وحده غير كاف في صحة العقد، وكذلك لو شهد اثنان
على كلام أحدهما وآخران على كلام الآخر لأن الشهادة لم توجد على العقد.
أما عند من لم يشترط الشهادة فيمكن
أن يقال إنه ينعقد متى تأكد كل من الطرفين من شخصية الآخر ووضوح عبارته والتأكد من
ذلك عسير لاشتباه الأصوات وإمكان تقليدها.
ولكن الهواتف الحديثة المتطورة،
والتي قد تكون لها تطويرات أكثر في المستقبل تزيل هذا العائق فتنقل الصوت والصورة
بدقة عالية، بحيث يمكن أن يرى الشهود ويسمعون كلا العاقدين، ولكنه مع ذلك يبقى هذا
حلا ضروريا لا يغني عن المجالسة واللقاء في حال انتفاء الضرورة سدا لذريعة التلاعب
بالعقود الشرعية.
أما عند المالكية الذين لا يشترطون
الإشهاد إلا عند البناء، فيمكن أن يتم العقد بهذه الصورة بشرط التأكد من أن الصوت
غير مقلد، وأن الأمر جد لا تلاعب فيه.
من وسائل الاتصال الحديثة
(الانترنت)، وهي من الوسائل التي يجري بها الاتصال الكثيف بين الناس، بل تعقد بها
الصفقات وتتم من خلالها جميع الخدمات، فهل يجوز إجراء عقد الزواج من خلالها؟
نرى ـ والله أعلم ـ بناء على الضوابط
السابقة، بأن الانترنت أكثر تطورا من الهاتف، فيمكن أن تنقل الصورة والصوت، وأن
تجمع بين الكلام والكتابة، فهي بذلك وسيلة مضمونة الأداء، فيصح العقد من خلالها
بشرط تولي وسيط عارف بالأحكام الشرعية، ضامن للحقوق، كأن يتولى مختصون وضع برنامج
وسيط لإجراء العقود الشرعية، تتوفر فيه المعرفة بالأحكام الشرعية بالإضافة إلى
ضمان الحقوق في حال النكول.
وقد قال ابن تيمية قديما:(إن العقود
تصح بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل , هي التي تدل عليها أصول الشريعة , وهي
التي تعرفها القلوب , وذلك أن الله تعالى قال: ﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ
لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾(النساء:3)
ذكر الفقهاء للصيغة الشروط التالية
مع اختلاف بينهم في تفاصيلها:
1 ـ اتحاد المجلس في عقد
النكاح
للعلماء في ارتباط الإيجاب بالقبول في
عقد النكاح مع اتحاد المجلس ثلاثة أقوال:
القول الأول[74]: اشتراط اتحاد المجلس، مع عدم اشتراط الفور، وهو مذهب الحنفية
والصحيح عند الحنابلة وعند بعض المالكية،
فلو اختلف المجلس لم ينعقد، فلو لم يصدر من العاقدين أو أحدهما ما يلغي الإيجاب
بعد صدوره، كأن يرجع الموجب عن إيجابه قبل القبول، أو يعرض الطرف الآخر فلا يجد
ذلك القبول إيجاباً يرتبط به، فإنه لا ينعقد العقد، لأن المكان وإن كان واحداً إلا
أن وجود الفاصل بين الإيجاب والقبول بالعمل الأجنبي منع الاتحاد حكما.
هذا ومجلس عقد الزواج بالنسبة
للتعاقد بطريق الرسالة أو الكتاب هو مجلس تبليغ الرسالة أو قراءة الكتاب أمام
الشهود، فلو بلغ الرسول الرسالة إلى المرأة ثم اشتغلت بشيء آخر، ثم قبلت فإنه لا
ينعقد العقد، وكذلك لو قبلت في مجلس آخر لعدم اتحاد المجلس فيهما.
ولا يلزم من اشتراط اتحاد المجلس
أن يكون القبول فور الإيجاب، لأن المراد كما ذكرنا ألا يوجد منهما أو من أحدهما ما
يلغيه، فلو صدر الإيجاب وطال الوقت والمجلس قائم، ولم يوجد رجوع من الموجب، ولا
اشتغال بشيء آخر ممن وجه إليه الإيجاب ثم صدر القبول انعقد العقد.
هذا إذا كان العقد بين حاضرين، فان
كان بين غير حاضرين بكتاب مكتوب أو برسالة رسول فالقبول مقيد بمجلس تبليغ الرسالة
أو قراءة الكتاب لأنه هو مجلس العقد في هذه الصورة كما قلنا.
القول الثاني [75]: اشتراط الفورية
بين الإيجاب والقبول في المجلس الواحد، واغتفروا فيه الفاصل اليسير، وهو قول المالكية
والشافعية، وقد استثنى المالكية من اشتراط الفورية بين الإيجاب والقبول أن يقول
الشخص في مرضه: إن مت فقد زوجت ابنتي فلانة من فلان المشار إليها بقول خليل:(وصح:
إن مت فقد زوجت ابنتي بمرض), وهل إن قيل بقرب موته تأويلان , فنص أصبغ على جوازها
سواء طال زمان المرض أو قصر خلاف لمن اعتبر قصر الزمن , وقد خرحت هذا المسألة عن
الأصل بالإجماع.
وضبط الفاصل الكثير بأن يكون زمنا لو
سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا، والأولى ضبطه بالعرف.
القول الثالث[76]: صحة العقد مع اختلاف المجلس , وهو رواية للحنابلة، وعليها لا
يبطل النكاح مع التفرق.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار
المجلس والفورية، لأنها أدل على الإيجاب والقبول، وأضمن لرضى الطرفين، لأنه قد
يتراجع الموجب بعد إيجابه بسبب عدم القبول، فلذلك من اليسر أن ينقلب القابل موجبا،
ويعيد الموجب الأول صيغة قبوله، فيتفادى بذلك هذا العقد الخطير أي لبس قد يدل على
عدم الرضى.
الزواج من التصرفات التي لا تنتج
آثارها إلا بمطابقة القبول للإيجاب فهو عقد، والعقد مأخوذ من عقد طرفي الحبل , وقد
شبه الفقهاء العقد بالحبل , لاحتياجه إلى طرفين , وبالتالي إلى إرادتين ويتحقق
باتفاق الإرادتين على شيء واحد، فإذا تخالفا مخالفة كلية أو جزئية لا ينعقد الزواج
إلا في حالة ما إذا كانت المخالفة إلى خير للموجب فإنه ينعقد، لأن التوافق موجود
وإن لم يكن صريحاً، ويمكن حصر الحالات التي تتم فيها المخالفة في الحالتين
التاليتين:
الحالة الأولى: المخالفة في محل العقد:
وذلك فيما لو كانت المخالفة في
المحل، مثل أن يقول الراغب في الزواج: زوجني ابنتك عائشة، فيرد عليه بقوله: زوجتك
ابنتي فاطمة، وفي هذه الصورة لا ينعقد العقد، لعدم التراضي على محله.
الحالة
الثانية:المخالفة في مقدار المهر:
وذلك بأن يقبل بأقل أو أكثر مما
أوجبه الموجب، وهو لا يخلو من أن تكون المخالفة فيها خير للموجب أو ليس فيها ذلك،
وإما أن تكون ضارة للموجب أو نافعة له، وحكمها في هذه الحالة هو كما يلي:
· إن كانت ضارة: مثل أن يقول الراغب في الزواج: زوجني ابنتك فلانة بمائة
فيقول الآخر: زوجتكها بمائتين، وفي هذه الحالة لا ينعقد العقد، لأن الإيجاب
والقبول تخالفا في المهر، وهو وإن لم يكن ركناً في العقد إلا أنه عند ذكره بمقداره
مع الإيجاب يلتحق به ويصير كجزء منه فيجب أن يكون القبول موافقاً لهذا المجموع.
· إن كانت المخالفة فيها خير للموجب: مثل أن يقول الراغب في الزواج:
زوجني أختك فلانة بألف، فيقول الآخر: زوجتكها بخمسمائة، أو يقول ولي المرأة: زوجتك
أختي بألف، فيقول الآخر قبلت زواجها بألفين، ففي هذه الحالة ينعقد العقد، لأن
المخالفة هنا فيها موافقة ضمنية لإيجاب الموجب، والإرادتان متوافقتان، فإن من يلزم
نفسه بالأكثر يقبل بالأقل، ومن يقبل أن يزوج بنته أو أخته بالقليل لا يمانع في
زواجها بالكثير، لكن هذه الزيادة في المهر من قبل الزوج لا تستحقها الزوجة إلا إذا
قبلتها، فلو لم تقبلها صراحة في المجلس لا يجوز لها بعد ذلك أن تطالب بها، لأن
التمليك لا يكون بدون قبول إلا في الميراث بجعل الشارع، أما النقصان من جانب
الزوجة فلا يشترط فيه قبول الزوج، لأنه إسقاط وحط عنه وهو لا يحتاج إلى قبول.
ويتحقق ذلك بأن تكون مفيدة لمعناها
في الحال غير معلقة على أمر سيحدث في المستقبل، أو مضافة إلى زمن مستقبل، ويمكن
حصر الأحوال التي قد ينتفي فيها إنجاز الصيغة فيما يلي[78]:
لغة: عَلِقَ به
بالكسر عُلُوقاً أي تعلق، والمِعْلاقُ والمُعْلُوقُ ما عُلق به من لحم أو عنب ونحوه
وكل شيء عُلق به شيء فهو مِعْلاَقُهُ والعِلاقَةُ بالفتح علاقة الخُصومة، وأعْلَق
أظفاره في الشيء أنشبها والإعْلاقُ أيضا إرسال العلق على الموضع ليمص الدم وفي
الحديث اللدود أحب إلي من الإعلاق وعَلَّقَ الشيء
تَعْلِيقا، وتَعَلَّق به بمعنى وتعلقه أيضا بمعنى علَّقه تعليقا[79].
اصطلاحا: هو ربط حصول
مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، ويسمى يمينا مجازا , لأنه في الحقيقة شرط وجزاء
, ولما فيه من معنى السببية كاليمين، أو هو الربط بين جملتين بأن يجعل تحقيق مضمون
إحداهما موقوفاً على تحقيق مضمون الأخرى بأداة من أدوات التعليق كإن وإذا.
والزواج
المعلق:
هو ما جعل تحقق الإيجاب والقبول أو أحدهما معلقاً على تحقق شيء آخر، كأن يقول رجل
لآخر: زوجتك ابنتي إن رضي أخي فيقول الآخر قبلت، أو يقول الرجل للمرأة زوجيني نفسك
فتقول زوجتك نفسي إن رضي أبي.
ففي كل منهما تعليق على شيء آخر
فيرتبط وجوده بوجوده.
حكمه:
حكم الزواج يختلف تبعاً لوجود الشيء
المعلق عليه وعدمه وقت التعليق، وبيان حكم ذلك فيما يلي[80]:
الحالة
الأولى: انعدام المعلق عليه وقت التعليق:
إذا كان المعلق عليه معدوماً وقت
التعليق لا ينعقد العقد في أي حالة، ومن نظم المالكية في ذلك:
لا
يقبل التعليق بيع والنكاح فلا يصح
بعت ذا إن جا فلاح
أماإن أراد تأجيل الثمن والصداق كأن
يقول: إذا جاء الشهر الفلاني دفعت لك الصداق أو الثمن فهو جائز قطعا بلا خلاف، ومن
الأدلة على ذلك:
·
أن عقد الزواج
من عقود التمليكات وهي لا تقبل التعليق.
·
أن الشارع وضعه
ليفيد حكمه في الحال بدون تأخير، والتعليق تأخير له.
· أن
تعليقه على أمر سيحدث في المستقبل يخرجه عما وضعه الشارع له ويجعله محلاً للمقامرة
واحتمال حصول آثاره أو عدم حصولها، فكان تعليقه منافياً لوضعه الشرعي.
وقد ذكر الفقهاء الصور المحتملة لذلك
وحكموا على عدم انعقادها جميعا، وهي:
· أن يكون المعلق عليه محقق الوجود، وذلك مثل قوله: إذا جاء الشتاء زوجتك ابنتي، ومثله
ما لو قال: زوجتك حمل هذه المرأة لأنه لم يثبت له حكم البنات قبل الظهور في غير
الإرث والوصية، ولأنه لم يتحقق أن في البطن بنتا ،ومثله لو قال: إذا ولدت امرأتي
بنتا زوجتكها لأنه تعليق للنكاح على شرط فهو مجرد وعد لا ينعقد به عقد.
· أن يكون المعلق عليه محتمل الوجود: مثل قوله لها: إن ربحت من تجارتك
زوجتك، أو إن نجحت في الامتحان تزوجتك، فإن الربح والنجاح لا نقطع بوجودهمان وقد
نص المالكية هنا على مسألة مستثناة هي أن يقول الشخص في مرضه: (إن مت فقد زوجت
ابنتي فلانة من فلان)فقد نص أصبغ على جوازها سواء طال زمان المرض أو قصر , وهي
مسألة خارجة عن الأصل بالإجماع.
· أن يكون المعلق عليه مستحيل الوجود:مثل ما لو قال لها: زوجيني نفسك
فقالت: إن شربت ماء هذا البحر كله زوجتك نفسي.
الحالة
الثانية: وجود المعلق عليه وقت التعليق[81]:
ومثال ذلك ما لو قالت امرأة لرجل
بحضرة شاهدين: تزوجتك على كذا من المال إن أجاز أبي أو رضي، فقال: قبلت، فإنه لا
يصح إلا إذا كان الأب حاضرا في المجلس، وأن يقول رضيت أو أجزت، ومن الأدلة النصية
على ذلك:
· عن
عائشة أن فتاة دخلت عليها فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا
كارهة. قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فأخبرته , فأرسل إلى أبيها فدعاه , فجعل الأمر إليها ,
فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي , ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى
الآباء من الأمر شيء. [82]
· أن أم حبيبة كانت تحت عبد الله بن جحش فمات بأرض
الحبشة , فزوجها النجاشي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمهرها عنه أربعة آلاف , وبعث
بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع شرحبيل بن حسنة[83].
· روي
عن علي - رضي الله عنه - أن رجلا
أتاه بعبد له فقال: إن عبدي تزوج بغير
إذني، فقال له علي - رضي الله عنه -: فرق بينهما. فقال السيد لعبده: طلقها يا عدو
الله. فقال علي - رضي الله عنه - للسيد:
قد أجزت النكاح , فإن شئت أيها العبد فطلق وإن شئت فأمسك[84].
ويلحق بهذه الحالة ما لوقال الولي:
زوجتك ابنتي إن كانت حية مع كونها كانت غائبة، وتحدث بموتها أو ذكر موتها أو
قتلها، ولم يثبت ذلك فإن هذا التعليق يصح معه العقد، لأن إن إذا أدخلت على ماض
محقق كانت بمعنى إذ وإذ معناها التحقيق.
ويلحق بها كذلك تعليقه بمشيئة الله
تعالى فإن العقد يصح به، وقد نقل الإجماع في ذلك، لأنه شرط موجود إذا الله شاءه،
حيث استجمعت أركانه وشروطه، ولكن يجب التنبيه هنا إلى أن لفظ المشيئة قد تطلقه
العامة وتريد به التعليق لا التحقيق ،ففي هذا الحالة لا ينعقد العقد مع لفظ
المشيئة ،وهو ما قيده الفقهاء بقولهم:(لو قال زوجتك إن شاء الله تعالى وقصد
التعليق، أو أطلق لم يصح، وإن قصد التبرك أو أن كل شيء بمشيئته تعالى صح)
ويلحق بها كذلك ما لو قال:(زوجتك
ابنتي إن شئت)، فقال:(قد شئت وقبلت) فإنه يصح، لأنه شرط موجب العقد ومقتضاه، لأن
الإيجاب إذا صدر كان القبول إلى مشيئة القابل، ولا يتم العقد بدونه.
وهو[85] أن يضيف الموجب الصيغة إلى زمن مستقبل، كأن يقول لها: زوجيني نفسك
في أول العام القادم فتقول قبلت.
وهذا لا ينعقد أصلاً لا في وقت العقد
ولا في الزمن الذي أضافه إليه، لأن الزواج مشروع ليفيد ملك المتعة في الحال،
والإضافة إلى المستقبل مانعة من ترتيب آثاره في الحال، فتكون الإضافة منافية
لمقتضى العقد فيلغو، ولأن الإضافة لا تخرج عن كونها وعداً بالزواج حين يجيء الوقت
المذكور والوعد بالزواج ليس زواجاً، فعن عمر بن عامر قال: سألت الشعبي فقال: رجل
قال للرجل: إذا مضى شوال زوجتك ابنتي فقال: ليس هذا بنكاح[86].
أي أن لا تحمل الصيغة أي دلالة على
التوقيت، كأن يؤقت العقد بمدة محددة، ويبحث الفقهاء عادة هنا مسألة حكم زواج
المتعة، وقد رأينا أن أولى الفصول تعلقا بهذه المسألة هو الفصل التالي، لأن زواج
المتعة مع كثرة الجدل الدائر بشأنه لا يعدو أن يكون نوعا من أنواع الشروط المقيدة
للعقد.
ونحب أن نشير هنا إلى أن من أهل
السنة من أجاز تقييد العقد بالمدة مع إلغائها، وهو قول زفر فقد قال فيمن يتزوج امرأة
بشهادة شاهدين إلى عشرة أيام هو صحيح لازم لأن الزواج لا يبطل بالشروط الفاسدة،
قال الشارح: (عني النكاح الموقت هو أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام لأن
النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، بل تبطل هي ويصح النكاح، فصار كما إذا تزوجها على
أن يطلقها بعد شهر صح وبطل الشرط، أما لو تزوج وفي نيته أن يطلقها بعد مدة نواها
صح)[87]
وقد رجح كثير من الحنفية قول زفر لأن
مقتضى قواعدهم في الشروط المقيدة للعقد تؤيده، يقول ابن الهمام:(ومقتضى النظر أن
يترجح قوله، لأن غاية الأمر أن يكون الموقت متعة،وهو منسوخ، لكن نقول: المنسوخ
معنى المتعة على الوجه الذي كانت الشرعية عليه، وهو ما ينتهي العقد فيه بانتهاء
المدة ويتلاشى، وأنا لا أقول به كذلك، وإنما أقول ينعقد مؤبدا ويلغو شرط التوقيت،
فحقيقة إلغاء شرط التوقيت هو أثر النسخ)[88]
ولهذا لا يختلف قول الحنفية وخاصة
زفر عن قول الإمامية إلا في أن زواج المتعة عند الإمامية ينتهي بانتهاء المدة
بينما لا ينتهي عند الحنفية إلا بالطلاق (ولذا إذا انقضت المدة لا ينتهي النكاح بل
هو مستمر إلى أن يطلقها)، بل إن في أقوالهم ما يتفق مع ذلك أيضا، فكلهم يتفقون على
أنه إن قال:(تزوجتك على أن أطلقك إلى عشرة أيام)أن الزواج صحيح، لأنه أبد الزواج
ثم شرط قطع التأبيد بذكر الطلاق في الزواج المؤبد، والزواج المؤبد لا تبطله الشروط[89].
بل إن الزواج بلفظ المتعة نفسه فيه
مجال عندهم للنظر فـ(المعتبر في العقود معانيها لا الألفاظ)وفي كتب الحنفية (وقال
أتزوجك متعة انعقد النكاح ولغا قوله متعة)[90]
وسنأتي لمزيد من التحقيق في زواج
المتعة بين السنة والإمامية في محله من هذا الجزء.
ويقصد بالمحل طرفا العقد، وهما
(الزوج والزوجة)، وسنتحدث هنا عن الشروط الأساسية المرتبطة بهما، وسنرى المويد من الشروط
في محالها من الأجزاء التالية لهذا الجزء.
من أهم الشروط المرتبطة بالزوجة
الشرطان التاليان:
وذلك[91] بأن تكون أنثى محققة الأنوثة، وهو ما أشير إليه
في تعريف ابن عرفة للزواج بأنه (بآدمية)، وهو يخرج بذلك أصنافا كثيرة ذكرها
الفقهاء السابقون، وأصنافا حدثت في عصرنا كزواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء،
وهذه الأصناف هي:
وهي مسألة ذكرها الفقهاء في كتبهم
قديما وحديثا مع عدم مايدل عليها من النصوص الشرعية، وهو من الدخن الذي نراه لحق
بالفقه نتيجة تدخل الأعراف والتقاليد والأساطير في الشريعة السمحة النقية، ومن
الأمثلة على ذلك ما علق به بعض المالكية معقبا علىتعريف ابن عرفة للزواج بأنه
(بآدمية)بقوله: (قول ابن عرفة بآدمية يقتضي عدم صحة نكاح الجنية وليس كذلك , فقد
سئل الإمام مالك - رضي الله عنه - عن نكاح
الجن فقال: لا أرى به بأسا في الدين , ولكن أكره أن توجد امرأة حاملة فتدعي أنه من
زوجها الجني فيكثر الفساد , فقوله لا بأس يقتضي الجواز , والتعليل يقتضي المنع وهو
منتف في العكس)[92]
ولا نرى لهذا التعليق من قيمة شرعية
لأنه لا يوجد في النصوص الشرعية ما يدل على إمكانية زواج الإنس بالجن فكيف بإباحته
،وسد الذريعة يقتضي سد كل المنافذ المؤدية إلى الانحراف، وهو ما أشار إليه الإمام
مالك - رضي الله عنه -، والانحراف لا يقتصر فقط على الانحراف الجنسي بل يعدوه إلى
الانحراف العقلي بتقبل الخرافات واعتقادها دينا.
وقد أدت المبالغة في أمر الجن بعضهم
إلى أن يدعو فيقول في دعائه: (اللهم ارزقني جنية أتزوج بها تصاحبني حيثما كنت)[93]
بل دخلت هذه الأساطير والخرفات
التفاسير القرآنية حتى ما اختص منها بأحكام القرآن، والعامة يعتقدون في التفسير ما
يعتقدونه في القرآن، قال ابن العربي عن ملكة سبأ بحماسة وشدة:(قال علماؤنا: هي
بلقيس بنت شرحبيل ملكة سبأ , وأمها جنية بنت أربعين ملكا، وهذا أمر تنكره الملحدة،
ويقولون: إن الجن لا يأكلون , ولا يلدون وكذبوا لعنهم الله أجمعين، ذلك صحيح
ونكاحهم مع الإنس جائز عقلا. فإن صح نقلا فبها ونعمت , وإلا بقينا على أصل الجواز
العقلي)[94]، ونحن لا
ننكره ـ كما يقول ابن العربي ـ لإلحادنا وإنما لتوقفنا عند الحدود التي وضعها لنا
الشرع، فأي نص من القرآن أو من السنة يثبت ذلك حتى نعتقده أو ندعو لاعتقادنا؟ ثم
هل الجواز العقلي هو المعتبر في العقائد والفقه أم الجواز الشرعي؟ وهل كل جائز عقلا
جائز واقعا وشرعا؟
إن السبب، في ما نرى، في انتشار مثل
هذه الأقوال وما أكثرها، هو مايسمى بالفقه الافتراضي الذي يبدؤه الأول احتمالا
عقليا ويختمه الآخر جوازا شرعيا، ويرتب عليه من بعده التفاصيل مثل ما نرى في هذا
النص:(وإن صح نكاح جنية فيتوجه أنها في حقوق الزوجية كالآدمية لظواهر الشرع , إلا
ما خصه الدليل , وقد ظهر مما سبق أن نكاح الجني للآدمية كنكاح الآدمي للجنية , وقد
يتوجه القول بالمنع هنا , وإن جاز عكسه لشرف جنس الآدمي , وفيه نظر , لمنع كون هذا
الشرف له تأثير في منع النكاح، وقد يحتمل عكس هذا الاحتمال , لأن الجني يتملك فيصح
تمليكه للآدمية , ويحتمل أن يقال ظاهر كلام من لم يذكر عدم صحة الوصية لجني صحة
ذلك , ولا يضر نصه في الهبة لتعتبر الوصية بها , ولعل هذا أولى , لأنه إذا صح
تمليك المسلم الحربي فمؤمن الجن أولى , وكافرهم كالحربي , ولا دليل على المنع ,
ويبايع ويشارى , إن ملك بالتمليك وإلا فلا , فأما تمليك بعضهم من بعض فمتوجه ,
ومعلوم إن صح معاملتهم ومناكحتهم فلا بد من شروط صحة ذلك بطريق قاطع شرعي , ويقطعه
قاطع شرعي , ويقبل قولهم أن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم , وكافرهم كالحربي)[95]
هذا ما ذكره ابن مفلح[ت763هـ] على
هيئة احتمالات تبرز البراعة الفقهية في تخريج مثل هذا النوع من الفرضيات، ليأتي
بعده السيوطي [ ت911هـ]ليرتب الاحتمالات ويضع الأسئلة في كتاب خصصه لجانب مهم في
الشريعة هو القواعد الفقهية فيقول:(إذا أراد أن يتزوج بامرأة من الجن – عند فرض
إمكانه – فهل يجوز ذلك أو يمتنع فإن الله تعالى قال: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾(الروم:21)، فامتن الباري تعالى بأن جعل ذلك من جنس ما يؤلف،
فإن جوزنا ذلك – وهو المذكور في شرح الوجيز لابن يونس – فهل يجبرها على ملازمة
المسكن أو لا؟ وهل له منعها من التشكل في غير صور الآدميين عند القدرة عليه , لأنه
قد تحصل النفرة أو لا , وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها
وخلوها عن الموانع أو لا , وهل يجوز قبول ذلك من قاضيهم أو لا , وهل إذا رآها في
صورة غير التي ألفها وادعت أنها هي , فهل يعتمد عليها ويجوز له وطؤها أو لا, وهل
يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم , كالعظم وغيره إذا أمكن الاقتيات بغيره)[96]
بل نرى كل متأخر يجتهد لينبه عل مالم
ينبه له السابق، فبعد أن أصل السيوطي زواج الإنس بالجن، وقرر ما قرر مما ينفيه ما
استدل به أولا من أن الباري تعالى جعل الزوجة من جنس ما يؤلف، إذا به ببحث في حكم
الأولاد المتناسلين من الجن والإنس، وينبه على أنه لم ينتبه له أحد، فمن الوجوه
التي ذكرها لمنع الزواج بالجنية(أنه قد منع من نكاح الحر للأمة لما يحصل للولد من
الضرر بالإرقاق، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خلقا وخلقا،
وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثي،ر فإذا منع من
نكاح الأمة مع الاتحاد في الجنس للاختلاف في النوع، فلأن يمنع من نكاح ما ليس من
الجنس من باب أولى، وهذا تخريج قوي لم أر من تنبه له)[97]
ولتسهيل مثل هذا التدليس على العامة
يروون في ذلك حديثا يستدلون به على عدم الجواز الشرعي، وكأنهم بذلك يصححون به
الجواز الوقوعي، وهو ما رواه ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: (نهى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الجن)[98] والحديث ضعيف
من وجهين: هو مرسل عن الزهري من جهة، وفيه ابن لهيعة من جهة أخرى.
ومع روايتهم للحديث ومعرفتهم بضعفه
ومصادمته للنصوص الصريحة الثابتة إلا أنهم يضيفون إليه تأويلا فيجعلون النهي
للكراهة لا للتحريم [99].
وليست فروع الزواج من الجن بمسائل
نادرة أو شاذة أو خاصة، بل إن العامة عندنا تطبقها عقودا شرعية يقيمها بعض المشايخ
بين الإنس والجن معتمدين في ذلك على قول هؤلاء الفقهاء، ولا يستغرب ذلك من العامة
بعد أن ينص الفقهاء على ذلك بقولهم:(وعلى كلام القمولي الذي هو المعتمد لو جاءت
امرأة جنية للقاضي وقالت له: لا ولي لي خاص وأريد أن أتزوج بهذا جاز له العقد
عليها , ومثلها الإنسية لو أرادت التزويج بجني)[100]، ولم يبق إلا
أن يجعل قاض خاص يقوم بإجراء العقود الشرعية بين الجن والإنس.
ومن الفروع التي ذكرها الفقهاء لأمثال
هذه المسائل والتي تذكر في مظانها من أبواب الفقه ما ذكر في باب الرضاع عند ذكر
اشتراط كون المرأة حية أن ذلك يشمل الجنية قال البلقيني: (يحتمل أن يحرم لبنها
لأنها من جنس المكلفين)[101]
وفي الباب المخصص لحقوق الزوجية، أن
من تزوج بجنية جاز له وطؤها وهي على غير صورة الآدمية , ولا ينقض لمسها وضوءه، ومن
الدواهي التي تقشعر لها الأبدان ما قرره بعضهم في ذلك من أن (للآدمية تمكين زوجها
الجني ولو على صورة نحو كلب حيث ظنت زوجيته، وللآدمي وطء زوجته الجنية ولو على
صورة نحو كلبة حيث ظن زوجيتها، ولا ينتقض الوضوء بمس أحدهما للآخر في غير صورة
الآدمي، لأنه حينئذ كالبهيمة ولا يصير أحدهما بوطئه في هذه الحالة محصنا، وتثبت
هذه الأحكام إن كانا على صورة الآدمي)[102]
بل إن هذه الأحكام تدخلت حتى في
العبادات ففي باب الإمامة ينص بعض الفقهاء على أن شرط صحة الاقتداء بالجني أن يكون
على صورة الآدمي، وكذا في صحة الجمعة به حيث كان من الأربعين. [103]
ومما يدل على أن منبع هذه الأحكام
الخرافة لا الشرع ما ذكره الفقهاء من عدم الجواز الشرعي للتزاوج بين البشر وعروس
البحر، فـ(لا تجوز بين بني آدم وإنسان الماء والجن، ويجوز تزوج الجنية بشهادة الرجلين)،
وهو مقدمة لتعقيب من فقهاء آخرين لتنتج عنه بعد ذلك التفاصيل الكثيرة.
يقسم الفقهاء الخنثى إلى قسمين:
الخنثى غير مشكل: وهو من تظهر
فيه علامات الذكورة أو الأنوثة , فيعلم أنه رجل , أو امرأة , وإنما فيه خلقة
زائدة أو فيها خلقة زائدة ،وحكمه الشرعي
في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه من الذكورة والأنوثة.
الخنثى المشكل: وهو من لا
تظهر فيه علامات الذكورة أو الأنوثة , ولا يعلم أنه رجل أو امرأة, أو تعارضت فيه
العلامات.
فتبين من هذا أن الخنثى المشكل
نوعان: نوع له آلتان , واستوت فيه العلامات , ونوع ليس له واحدة من الآلتين[104] ،ولا ندري نسبة وجود هذا النوع من الخنثى ،ولكنها فيما يبدو نسبة
نادرة جدا، ومع ذلك يحضى الخنثى المشكل بنصيب عظيم في تراثنا الفقهي وفي معظم
أبواب الفقه، وكأن له وجودا فعليا واقعيا خطيرا، وما أحسن ما استدل به ابن قدامة
عند ذكره للخنثى من قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾(النجم:45)، وقوله تعالى:﴿ وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾(النساء:1)،وقد علق على ذلك
بقوله:(فليس ثم خلق ثالث)[105]
وأحسن ما قيل في حكم الخنثى المشكل
فيما يتعلق بالزواج هو اعتبار ميله الطبيعي، لأنه هو المعتبر في النواحي الجنسية
بخلاف المبال، فإنه لا علاقة له بذلك، بل علاقته بجهاز الإطراح ،قال ابن
قدامة:(وقد يعرف نفسه بميل طبعه إلى أحد الصنفين وشهوته له , فإن الله تعالى أجرى
العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى وميلها إليه , وهذا الميل أمر في النفس
والشهوة لا يطلع عليه غيره , وقد تعذرت علينا معرفة علاماته الظاهرة , فرجع فيه
إلى الأمور الباطنة , فيما يختص هو بحكمه)[106]
ولكن ميله لا يعتبر إلا مرة واحدة
فلو تزوج بعدها رجلا كان أو امرأة لا يبقى له بعد ذلك من مجال لتغيير الجنس،قال
ابن قدامة:(إذا قال الخنثى المشكل: أنا رجل. لم يمنع من نكاح النساء , ولم يكن له
أن ينكح بغير ذلك بعد , وكذلك لو سبق , فقال: أنا امرأة. لم ينكح إلا رجلا)[107]
وليس من الخنثى المشكل في عصرنا من
بدل جنسه فإنه يبقى على أصل الجنس الذي خلق عليه ولا ينفعه التبديل، وهو ما سنتحدث
عنه في العنوان التالي.
نتيجة للانحدار الأخلاقي الذي يعاني
منه الغرب ونتيجة الفكر الجاهلي الذي يتبناه ظهر ما يسمى بعمليات تغيير الجنس، وهي
تجري الآن في الغرب في مراكز كثيرة كعملية عادية، سواء كان تحويل الذكر إلى أنثى
أو العكس.
ففي الحالة الأولى يجري استئصال
العضو الذكري وبناء مهبل وعملية خصاء وتكبير الثديين، وفي الحالة الثانية يجري
استئصال الثديين وبناء عضو ذكري وإلغاء القناة التناسلية الاُنثوية بدرجات
متفاوتة، ويصحب كل ذلك علاج نفسي وهرموني.
وسبب تغيير هؤلاء لجنسهم هوكراهيتهم
للجنس الذي ولدوا عليه نتيجة لعوامل مختلفة، يعود أغلبها إلى فترات مبكرة في
حياتهم والتربية غير السليمة التي نشأوا عليها، ونتيحة للفكر العام الذي يسود
العالم الغربي ويراد فرضه على العالم.
وتغيير الجنس في الحقيقة لا يؤثر في
تغيير الجنس الحقيقي، فالذكر ذكر والأنثى أنثى، إنّما يتغير الشكل فقط، وهو كلباس
الرجل لباس المرأة فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئا.
وللحكم الشرعي في هذه المسألة
ناحيتان كسائر الأحكام الشرعية، أما الحكم التكليفي، فهو حرمة أمثال هذه العمليات
من الطبيب والمعالج، لأن فيه تغييرا لخلق الله، فإن حرم النمص وهو قص بعض الشعر
فكيف بتغيير الجنس،
أما الحكم الوضعي فقد
نص الفقهاء المعاصرون على ترتب الاحكام المتعلقة بالجنس الفعلي على الفرد المذكور،
وأنه يجوز له الزواج بالجنس المخالف بالفعل مع شرط بيان الحال، وفي حال عدم البيان
يكون من العيوب التي يحصل بها التفريق.
الجنسية
المثلية Homosexuality
هو مصطلح حديث يراد منه الميل الجنسي إلى الجنس المماثل[108].
وبما أن هذا
الزواج أصبح من أنواع الزواج المعروفة في الغرب، فلذلك سنتحدث عنه وفق تصوراتهم من
جهة، مع الرد عليها، ثم نبين الحكم الشرعي، وإن كان معلوما من الدين بالضرورة،
ولكن الضروري أحيانا يحتاج إلى بيان لمن تخلخلت عنده المفاهيم , وأظلمت في عينه
الرؤية.
حاولت الدراسات
العلمية التي يتخذها الشواذ مطية لسلوكهم المنحرف تبرير هذا السلوك عن طريقين:
وذلك بادعاء
أنه حالة نفسية طبيعية، حتى لا يعتبر سلوكا شاذا منحرفا خارجا عن الفطرة، بل ذكر
فرويد أن الفرد يمر بمرحلتين: الأولى حب نفس الجنس، والثانية حب الجنس الآخر أو
المغاير.
وأن مكونات حب
الجنس الآخر لدى المثلي تكون ضعيفة مقارنة بمكونات حب نفس الجنس القوية لديه مما
يدفعه إلى الانسجام وممارسة الحب مع نفس الجنس.
وقد رد السيد
محمد حسين فضل الله في مقال له بجريدة النهار[109]عن هذا المبرر بالاعتبارات التالية[110]:
· أن
العضو الذي تمارس فيه هذه العلاقة ليس معداً في طبيعته لاستقبال عضو الرجل الجنسي
وخصوصاً من جهة ضيق المكان والآلام الملازمة، بحيث يحتاج الامر الى ما يشبه
العملية الجراحية لايجاد مكان يمكن ان يتحرك فيه العضو الجنسي للرجل.
· أن
هذا العضو الذي أعد لاخراج الغائط من الرجل، يعطي نوعاً من انواع التقزز النفسي
بشكل طبيعي الا اذا عاش الانسان في حالة غيبوبة عنه بفعل اللذة التي يحصل عليها او
بفعل العادة التي ربما يكون قد خضع لها من الناحية النفسية او من نواح اخرى محيطة
بظروفه الجنسية.
· أنه
لا يحدث تفاعل كبير بالمعنى الجسدي بين الرجل والرجل الآخر مساو في حجمه وطبيعته
للتفاعل بين الرجل والمرأة لتكون المسألة مجرد حالة يقذف فيها الرجل في دُبُر
الرجل الآخر نطفته، من دون اي تفاعل روحي ونفسي في هذا المجال.
· ان
العملية الجنسية الطبيعية تجعل الطرفين فاعلاً ومنفعلاً في العملية الجنسية ولو
كان ذلك من جهة هذا التجاذب الروحي والتجاذب الشهوي المشترك في ما بينهما، انها
تمثل حالة شركة بين الطرفين، بينما لا تمثل حالة اللواط ذلك.
· أن
الشذوذ الجنسي المذكّر قد يساهم في ايجاد بعض الامراض المعروفة كالسيدا[111].
· أن
السحاق بين المرأة والمرأة يمثل نوعا من انواع تقمص احدى المرأتين لدور الرجل
لتكون المرأة الثانية تعيش انوثتها، ولكن المسألة لا تمثل نوعا من انواع الوضع
الطبيعي للعلاقة الجنسية، لأنها تكون مجرد احتكاك جسد بجسد ولا تكون مسألة اتحاد
الجسد بجسد، واذا كانت بعض النساء يستخدمن العضو الصناعي للرجل فإن ذلك لا يعني
كونها مسألة طبيعية فيما هو الشخص الذي يمثل دور الرجل او الشخص الذي يمثل دور
المرأة في العملية الجنسية، وهذا لا يستطيع ان يحقق هذا النوع من الحصول على عمق
الاحساس الجنسي بالشكل الذي يمثل الاندماج والاتحاد والوصول الى ما يمثله الجنس
عندما يتصاعد في الاحساس الانساني الى مستوى ما يسمى القمة وما الى ذلك.
· أن
هذا الوضع ينطلق من ظروف معينة لدى الرجل والمرأة، قد لا تكون طبيعية في كثير من
الحالات، وقد تكون مرضية في بعض الحالات. وهكذا نلاحظ انها لا تمثل اي نتاج في ما
اعد له الرجل والمرأة من مسألة التناسل الذي هو امر طبيعي في النمو الانساني في
امتداده وما الى ذلك، لتعود المسألة الجنسية مجرد مسألة ذاتية تماما تنطلق من
عناصر ذاتية معينة في هذا المجال.
· أن
هذا الزواج لا يمثل معناه الانساني في اندماج انسان بانسان ومشاركة انسان لإنسان
بالمعنى الجسدي، بل إنها مجرد حالات نفسية يخيل فيها لهذا الطرف انه زوج للطرف
الاخر والعكس صحيح، مع أن العلاقات الانسانية لا تنطلق من مجرد حالات مزاجية تتحرك
في نطاق الرغبات الطارئة للانسان، او الرغبات المرضية للانسان.
2 ـ تبين
مناسبته لبيولوجية جسم الإنسان:
هناك بعض
المحاولات التي تدعي العلمية في هذا المجال، تؤيد أن يكون مرد الشذوذ الجنسي الى عوامل
وراثية متوراثة جينيا.
فالجين هو
الشفرة التي تُخبر الخلايا في الجسم أي نوع من الانزيمات تفرز، وبأي كمية، وكذلك
تتحكم الجينات في أنواع وكمية الهورمونات التي يفرزها الجسم. والهورمونات بدورها
تتحكم في تكويين ووظائف أجزاء كثيرة من الجسم.
فمثلاً يزعم
بعض العلماء أنهم اكتشفوا أن دماغ الرجال المثليين تكون المنطقة الأمامية فيه Anterior Commissure
أكبر من مثيلتها في الرجال غير المثليين، وهذا قد يكون ناتجاً عن زيادة هرمون
الذكورة Androgen
في دم الأم في فترة الحمل.
وبما أن القرد
الشمبانزي في تصورهم أقرب الحيوانات من الناحية البيولوجية للإنسان ويشترك معه في
98% من الجينات، فقد أجرى العلماء تجاربهم على الشمبانزي واكتشفوا أن الشمبانزي
" بونوبوس " Bonobos
ينشغل في بعض الأحيان بسلوك جنسي مثلي بين الذكور، ربما لتوطيد الانتماءات
الفريقية، أي ليكوّن عدة ذكور فريقاً واحداً ضد الذكور الآخرين. ولكن لا يمنع هذا
التصرف الذكور من مجامعة الإناث كذلك.
واكتشفوا ـ
أيضا ـ بأن هناك نسبة بسيطة من الخراف تكون مثلية مائة بالمائة ولا تقترب من
النعاج أبداً.
فحملت هذه
الاكتشافات هؤلاء للقول إن الشذوذ الجنسي
ليس منبعثاً عن ظروف اجتماعية، كما يقول البعض، لأن الشمبانزي والخراف تتصرف حسب
الطبيعة ولا تتحكم فيها الموانع الاجتماعية Social Inhibitions
مثل الإنسان. وإذا كان هذا صحيحاً فلا بد أن يكون الشذوذ الجنسي موروثاً عن طريق
الجينات.
وفي محاولة
لإثبات هذه النظرية، قام العالمان (وارد أودينولد) و(شانق دنق زانق)من المعهد
القومي للصحة، في ولاية ماريلاند الأمريكية، بدراسة ذبابة الفاكهة Fruit Fly
التي تتوالد مرة كل أسبوعين. فعزلا جيناً واحداً اعتقدا أنه المسؤول عن السلوك
الجنسي في الذبابة وحقنا هذا الجين في ذكور الذبابة ثم وضعا الذباب (ذكوراّ وإناثاً)في
وعاء زجاجي كبير للمراقبة.
واندهش هذان
العالمان عندما تبين لهما أن الذكور أصبحت تجامع بعضها البعض ولم تهتم بالإناث.
ولذلك قررا أن هناك جيناً واحداً من مجموع جينات مسؤولة عن تكوين الشذوذ الجنسي في
الذكور.
ثم جاء الدكتور
دين هامر وزملاؤه فدرسوا حالات 114 رجلاً من الذكور المثليين ووجدوا أن نسبة
الأخوان والأعمام من ناحية الأم وأبناء خالات هؤلاء الذكور تكثر فيهم نسبة الشذوذ
الجنسي بنسبة أعلى بكثير من متوسط الأشخاص الآخرين.
وتابعوا شجرة
العائلة في هؤلاء الرجال ووجدوا أن بعضهم لديهم أجداد مثليون سبقوهم بثلاث أو
أربعة أجيال Generations.
وكل الأجداد المثليين كانوا من جانب الأم.
فاستنتج هؤلاء
العلماء أن الجين المسؤول عن الشذوذ الجنسي لا بد أن يكون في الكروموسوم اكس Chromosome X
وهو كرموسوم الأنوثة)
واستنتج هؤلاء
العلماء أن الجين المسؤول عن الشذوذ الجنسي يوجد في النصف الأسفل من كروموسوم اكس،
لكنهم لم يستطيعوا حتى الآن التعرف على هذا الجين أو الجينات. ويقول الدكتور
هامر:(الميول الجنسي للشخص أكثر تعقيداً من أن يحدده جين واحد، فقد يكون هناك أكثر
من جين واحد يحدد السلوك الجنسي)
وأكثر دلالة من
هذا، فقد درس الدكتور هامر أربعين جوزاً من الأخوان المثليين ووجد أن ثلاثة
وثلاثين من هؤلاء الأجواز يملكون نفس مادة ال DNA
في نفس المكان من الذراع الأسفل من كروموسوم اكس.
وقد رد السيد
حسين فضل الله على هذا المبرر ردا واعيا جميلا[112]،
فقال:(ربما نتفهم قول بعض الاوساط العلمية ان الارتباط بالمثل لا يكون بناء على
حالة مزاجية فحسب، بل ثمة اسباب جينية بيولوجية او هرمونية او نفسية ضاغطة خارجة
عن ارادته، وليس له الطاقة على مواجهتها، لكننا مع تأكيدنا دور الجينات في كثير من
عناصر شخصية الانسان او في بعض جوانب حركيته، لكننا نعتقد انها لا تمثل الحتمية
التي تشل الانسان عن تغييرها بطريقة وبأخرى، نحن نعرف ان الانسان يمكن ان يتدخل في
بعض شؤون هذه الجينات وغيرها من الحالات الهرمونية او النفسية، ويتصرف فيها بطريقة
علمية موضوعية، وذلك بما يؤدي الى علاج الحالات المرضية.
لهذا فاننا لا
نعتقد ان بعض تأثيرات هذه الجينات وغيرها من الاسباب المرضية يمكن ان تشل قدرة
الانسان عن عملية السيطرة على هذا الفعل وذاك، واذا كانت المسألة تواجه جهدا فاننا
نعرف ان الكثير من علاج الامراض النفسية
او علاج الامراض الجسدية تمثل جهدا كبيرا قد يستوعب الكثير من اوضاع الانسان في حياته.
ان القضية هي
ان الارادة الانسانية تتحدى حالة الاستسلام لما يمكن ان يقتل في الانسان ذاته او
يقتل في الانسان قيمه او يفسد على الانسان مبادئه واوضاعه، لذلك ان الجينات قد
تهيىء المناخ لبعض الامور السلبية في عمل الانسان، لكنها لا تصادر المناخ كله،
وتبقى الارادة الانسانية المتحركة في خط العقل الانساني وفي الوسائل التي يمكن
للانسان ان يستخدمها من اجل تغيير نفسه او تغيير بعض اوضاعه.
واخيرا، قد
يكون التحريم او المنع هو خطوة اولى في طريق مساعدة هذا الانسان للعمل على معالجة
نفسه، حيث من الطبيعي ان الممنوعات الشرعية تمثل عملية ايحائية للانسان بأن
انسانيتك هي اقوى من كثير من المؤثرات الكامنة في بعض عناصر ذاتياتك الوراثية او
الجينية، لان الانسان الذي جعل الله سبحانه وتعالى له المسؤولية في ان يحكم الكون،
كيف لا يتمكن من ان يحكم نفسه؟)
صدق رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -، فإنه (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا
فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)[113]
وهذا ما ينطبق
انطباقا كليا على هذا النوع من الانحراف، وسنذكر هنا بعض ما يقوله الأطباء عن المخاطر
التي يحملها هذا الذي يتصورونه شيئا طبيعيا متوافقا مع جسد الإنسان وفطرته.
في دراسة نشرت عام 1990 في مجلة أمراض القولون
والمستقيم Diseases
of the Colon and Rectum
يقول الدكتور ستيفن وكسنر: إن 55% من الشواذ من الرجال الذين لديهم شكاوى من منطقة
المستقيم والشرج مصابون بالسيلانgonorrhea،
كما أن 80% من مرضى الزهري syphilis
من الشواذ جنسيا، هذا بالإضافة إلى إصابة 15% من الشواذ الذين لا يشتكون من وجود
أعراض مرضية بالمندثرة chlamydia،
كما أن ثلث الشواذ جنسيا مصابون بفيروس الهربس البسيط النشط herpes simplex virus
في منطقة المستقيم والشرج.
وقد ذكرت دراسة
أخرى أن الشواذ من الرجال مصابون بالسيلان في منطقة الحلق بنسبة 15.2%، بالمقارنة
بإصابة 4.1% من أسوياء الرجال بالمرض نفسه.
هناك عدة
نظريات تعلل انتشار سرطان الشرج بين الشواذ جنسيا وبين الأسوياء الذين يمارسون
الجنس عن طريق الشرج. إحداها بسبب استخدام بعض المزلّقات lubricants
من أجل تسهيل تلك الممارسة. نظرية أخرى تقول بأن دخول الحيوانات المنوية والسائل
المنوي إلى تلك المنطقة قد يكون سببا آخر للإصابة بسرطان الشرج. وآخر النظريات هي
الإصابة بالسرطان تبعا للإصابة بالالتهاب بفيروس الورم الحليمي الإنساني human papillomavirus.
أو ما يطلق
عليه: Kaposi sarcoma،
والذي يعتقد أن للمخدرات التي يستخدمها الشواذ جنسيا من أجل استرخاء عضلة الشرج
والمعروفة بـ poppers
علاقة بالإصابة بهذا المرض بين مصابي مرض الإيدز منهم.
وهو خلل
بالجهاز المناعي، وذلك قد يكون بسبب امتصاص المستقيم للسائل المنوي ليصل إلى
الدورة الدموية، وهو ما يعتقد العلماء أنه يصيب الجهاز المناعي بالضعف.
مشاكل جراحية
بمنطقة الشرج:
وذلك بسبب
ممارسة الشذوذ: كالجروح الشرجية واحتباس جسم غريب داخل المستقيم، وتكوين أوعية
دموية جديدة بالمنطقة وتليّف المستقيم.
وهكذا كل
الأمراض الجنسية الهربس، القرحة، الرخوة، الورم البلغمي الحبيبي التناسلي، الورم
الحبيبي المغبني، ثآليل التناسل، المليساء المعدية، التهاب الكبد الفيروسي، إلي
غير ذلك من فطريات وطفيليات الجهاز التناسلي التي تصيب ملايين الناس.
وهو ليس مرضا
واحدا ولكنه عدة أعراض متزامنة وأمراض مختلفة وسرطانات عديدة لذلك يسمي بمتلازمة
العوز المناعي أو الإيدز.
وسببه فيروس
ضئيل لا يري إلا بعد تكبيره مئات الآلاف من المرات بالمجهر الإلكتروني، وهو من
مجموعة الفيروسات المنعكسة Retroviruses
والتي هي من أصغر الكائنات الدقيقة المعروفة لدينا ولها قدرة عجيبة في استعمار
الخلايا الحية والتكاثر فيها بواسطة التحكم في أسرار الجينات الموجودة في الخلايا.
ويهاجم فيروس
الإيدز الخلايا اللمفاوية المساعدة التي تمثل العمود الفقري والعقل المدبر لجهاز
المناعة عند الإنسان فيتكاثر فيها ويدمرها ومن ثم يدمر هذا الإنسان ويهلكه.
ويتركز هجوم
فيروس الإيدز علي الخلايا المساعدة فيشل حركتها ويتكاثر فيها بعد فك رموز أسرار
جيناتها ثم يدمرها، وتخرج منها أعداد هائلة من الفيروسات تهاجم خلايا جديدة، كما
تقوم أعداد هائلة من الخلايا المساعدة السليمة بالانتحار حينما يأتيها الخبر بأن
هذا الفيروس دخل إلي واحدة منهن ويتوالى تثبيط آليات الدفاع في جهاز المناعة، حتي
تنهار وسائل الدفاع تماما.
وعندئذ تشن
الكائنات الدقيقة من الميكروبات المختلفة المتطفلة علي الإنسان، والغازية له من
الخارج - القوي منها والضعيف- هجوما كاسحا علي الجسم فتقضي عليه بعد أن يصاب
بالتهابات رئوية طفيلية وفطرية حادة، مع إسهال شديد شبيه بالكوليرا، وبعدما يفقد
وزنه ويتحول إلي هيكل عظمي مع تضخم كبير في الطحال والغدد اللمفاوية وبعد إصابته
بأورام سرطانية وأمراض جلدية عديدة، ولا يترك هذا الفيروس أي مكان في الجسد إلا
أصابه حتى الجهاز العصبي والمخ فيصاب المريض بالتشتت العقلي والإحباط والكآبة ثم
الاختلال العقلي والجنون في المراحل المتأخرة، بالإضافة إلي التهابات الدماغ
والنخاع الشوكي والسحائي والذي يؤدي إلي الشلل وأحيانا إلي العمي ثم ينتهي المريض
إلي الموت والهلاك.
وهذا المرض ـ
كما هو معروف ـ ينتشر بصورة أكبر بين الشواذ اللوطيين والزناة المحترفين
والمتعاطين للخمور والمخدرات وكل من وقع في حمأة الرذيلة.
وقد وقف
الأطباء والباحثون عاجزين أمام هذا المرض المدمر لا يجدون له دواء أو علاجا، لأنه
يغير من خواصه باستمرار، وقد صنف الفيروس الموجود حاليا وفق ثماني أو تسع مجموعات
كبيرة نتيجة للتحول الوراثي، وهو في ازدياد وانتشار كل يوم.
وقد وصلت حالات
الإصابة بفيروس المرض في العالم اليوم إلي أكثر من ستين مليونا وقد قدرت منظمة
الصحة العالمية عدد الذين لاقوا حتفهم بسبب فيروس الإيدز منذ ظهوره عام1981م وحتي
نهاية عام2001 م أكثر من عشرين مليونا من البشر.
والشديد في هذا
المرض أن المريض يعاني فيه من الآلام والأوجاع لعدة سنوات قبل أن يقضي نحبه، هذا
علاوة علي الآلام النفسية المدمرة للمريض بعد نبذه من أقرب الناس إليه ،بل والهروب
منه والهلع حتى من جثته بعد موته.
انطلاقا مما
سبق، فإنه لا شك في رفض الاسلام لهذا النوع من الزواج رفضا شديدا، بل إنه لا شك في
كفر مستحله، سواء كان هذا الزواج ضمن دائرة الشذوذ الجنسي الذي يسمى اللواط، أو
ضمن الدائرة الثانية دائرة الشذوذ الجنسي المؤنث والذي يسمى السحاق.
وقد نص القرآن
الكريم على اعتبار النوع الأول سببا من أسباب هلاك حضارة كاملة جعلها تعالى في
القرآن الكريم نموذجا لحضارة الشواذ، قال تعالى على لسان
لوط - عليه السلام -، وهو يخاطبهم:﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ
الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾
(لأعراف:81)
وقد نعت القرآن
الكريم قوم لوط الذين اشتهروا بهذا الإجرام وانفردوا به عن العالمين حينا
بالظالمين حيث قال تعالى:﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا
جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ
مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾
(هود:82 ـ 83)، وحينا بالعادين قال تعالى:﴿ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ
لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾
(الشعراء:166)وحينا بالفاسقين، قال تعالى:﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ
حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ
الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ (الانبياء:74)
وقد بين الرسول
- صلى الله عليه وسلم - بشاعة هذا الانحراف، فقال - صلى
الله عليه وسلم -:(أخوف ما أخاف عليكم عمل قوم لوط)[114]، وقال - صلى الله عليه وسلم -:(لا
ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها)[115]
ونرى لهذا أن
يحكم بأشد العقوبات على من يقع في هذه الفواحش ـ استدلالا بما قصه الله تعالى في
قصة لوط - عليه السلام - ـ سدا لذرائعها، وقمعا للانحراف، فلا يقمع الانحراف مثل
الردع.
أما النوع
الثاني، وهو علاقة الانثى بالانثى جنسياً، فهو لا يختلف عن اللواط في أسبابه
ونتائجه، وإن كان يختلف في العقوبة المرتبطة به.
انطلاقا من هذا
الحكم الشرعي الذي لا خلاف فيه، ما حكم من امتزجت هذه الفاحشة بكيانه، بحيث لا
يستطيع منها خلاصا؟
هل نعذره كما
عذره الغرب، أم يشتد عليه ويبالغ في الإنكار والعقوبة؟
أما الإسلام،
فإنه ـ كما يتعامل بالشدة مع هذه الظاهرة ـ باعتبارها انحرافا خطيرا إلا أنه يجعل
من ذلك التشديد وسيلة من وسائل الردع وأسلوبا من أساليبه، ولا يمنع أي علاج آخر،
بل إنه يحث على البحث فيه.
وقد أثارت هذه
القضية جدلاً واسعًا بين علماء الغرب. هل الشذوذ الجنسي قابل للعلاج؟
يعتقد فريق من
العلماء في الغرب أن محاولة علاج الشاذ جنسيا ـ باعتباره في اعتقادهم تنوّعا
طبيعيا للممارسة الجنسية ـ لن ينجم عنه إلا إصابة الشاذ بألم نفسي أكبر، والأصل
عند هؤلاء هو إقناع الشاذ بأنه طبيعي، وجعل الشاذ يتصالح مع اتجاهاته الجنسية.
ويذكر أنه حتى
الآن في مكان مثل الولايات المتحدة الأمريكية غير مسموح للطبيب النفسي محاولة علاج
الشاذ جنسيا، بما أن الشذوذ الجنسي غير مدرج بكتيّب تشخيص وإحصاء الاضطرابات
النفسية
إلا أن هناك
فريقا آخر يدافع عن حق الشاذ في العلاج من حالته تلك إذا رغب في ذلك.
وفي بحث علمي
أثار دهشة علماء النفس الغربيين، قام فريق من العلماء بدراسة مجموعة من الشواذ
السابقين لمعرفة مدى تغيّر اتجاهاتهم الجنسية.. اكتشف البحث أن 67% من هؤلاء
الشواذ السابقين قد أصبحوا طبيعيين تماما من حيث الممارسة الجنسية السوية والرغبة
فيها، كما أن 75% من الرجال منهم و50% من النساء قد تزوجوا زيجات طبيعية، بالإضافة
إلى أن كل هؤلاء قد اعترف بأنه يحس بأنه أكثر ذكورة (بالنسبة للرجال)أو أكثر أنوثة
(بالنسبة للنساء)مما كانوا عليه قبل أن يغيروا اتجاهاتهم.
وقد قالوا بأن
عملية التحويل قد استغرقت في الغالب أكثر من عامين، وأنهم قد لجئوا إلى محاولة
تغيير اتجاههم الجنسية بسبب أولوية اعتقاداتهم الدينية بالنسبة إليهم، بالإضافة
إلى إحساسهم بعدم الاستقرار النفسي في تلك النوعية الشاذة من العلاقات.
وقد أخبر
الشواذ السابقون فريق الأطباء بأن الطرق التي نجحت معهم لتحويل ميولهم الجنسية
تركزت على تحليل مرحلة الطفولة وعلاقاتهم الأسرية، ومعرفة كيفية تأثير تلك المرحلة
على إصابتهم بالشذوذ الجنسي أو بعدم الإحساس بالانتماء إلى جنسهم.
ومن الوصفات
العلاجية التي ذكرت لهذا:
· إذا
شعر الفرد بميل نحو نفس الجنس عليه السيطرة وتحويله للجنس الآخر.
· ممارسة
رياضة اليوجا التي تعمل على تنقية النفس من التفكير بهذه الممارسة.
· الاهتمام
بالتعاليم الدينية وان هذه الظاهرة مخجلة.
· الاهتمام
بالأعراف والتقاليد الاجتماعية التي يسير عليها المجتمع.
· الإسراع
باستشارة الطبيب المختص والطبيب النفسي المختص.
· التخلص
من المسكرات والمخدرات لأنها سبب في ظهور تلك الحالة.
· استعمال
التحليل النفسي لعلاج تلك الحالة بمختلف الطرق النفسية.
· استشارة
ذوي الرأي للسيطرة على تلك الحالة.
· الابتعاد
عن المنحرفين مهما كلف الأمر.
· ينبغي
تعميم التوعية على الأفراد لمختلف الأعمار.
· ينبغي
على الوالدين توجيه الأبناء ونصحهم قبل حدوث الحالة
· ينبغي
الابتعاد عن التكتم على هذه الظاهرة وأن تعم الصراحة العلمية بين الآباء والأبناء.
2 ـ كون المرأة محلا
أصليا للزوج:
وهو[116] ألا تكون المرأة محرمة عليه تحريماً قطعياً، سواء كان التحريم
مؤبداً كالأم والبنت والأخت وباقي المحرمات، أو مؤقتاً كزوجة الغير والمسلمة
بالنسبة لغير المسلم، والوثنية بالنسبة للمسلم ،فإن عقد على واحدة من هؤلاء كان
العقد باطلاً، لأن هذه المرأة ليست محلاً أصلاً للزواج فيكون العقد خالياً من
المحل والعقد لا يوجد بدون محله.
ولذلك يشترط التحقق من العلاقة
الرابطة بين الزوجين قبل إيقاع العقد بله الدخول لما يترتب من عدم التحقق من مفاسد
نرى الكثير منها يحدث بسبب التساهل خاصة في الحرمة الناشئة عن الرضاع ،ولذلك ذكر
الفقهاء أنه لو (اشتبهت أخته بعدد محصور من الأجنبيات منع من التزوج بكل واحدة
منهن حتى يعلم أخته من غيرها)[117]،وللمسألة
تفاصيل كثيرة ،وقد خصصنا لها فصلين في هذا الجزء يشملان موانع الزواج المؤبدة
والمؤقتة.
وقد فرق الحنفية بين المرأة المحرمة
بدليل قطعي فجعلوها من شروط الانعقاد بينما جعلوا المرأة المحرمة تحريماً ظنياً من
شروط الصحة، فمن كانت حرمتها ثابتة بدليل ظني أو مما يخفى تحريمها للاشتباه في
أمره،كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها، وتزوج المعتدة من طلاق بائن، وتزوج أخت
زوجته التي طلقها في أثناء عدتها لخفاء كل منهما والاشتباه فيه، فمثل هذا الزواج عندهم
يكون منعقداً، لأن المرأة محل للزواج في الجملة حيث يرى بعض الفقهاء صحته لكنه
يكون فاسداً لعدم صلاحيته في ذاته لترتب الآثار عليه، وما يترتب عليه من بعض
الآثار جاء نتيجة الدخول بتلك المرأة بعد العقد.
فإن وقع العقد وجب التفريق بينهما إن
لم يتفرقا باختيارهما، ولا يجب به شيء إن وقع التفريق قبل الدخول، فان أعقبه دخول
ترتب عليه بعض الآثار من وجوب المهر والعدة وثبوت النسب إن أثمر هذا الزواج.
والخلاصة أن الزواج بالمرأة المحرمة
عند الحنفية يختلف حكمه باختلاف نوع التحريم، فإن كان قطعياً متفقاً عليه جعل
العقد باطلاً، وكان انتفاء هذه الحرمة شرطاً لانعقاد العقد.
وإن كان ظنياً أو مختلفاً فيه كان
للعقد وجود، غير أنه لا يصلح في ذاته لترتب الآثار عليه، فان أعقبه دخول ترتب على
هذا الدخول بعض آثار الزواج لوجود العقد صورة، وكان انتفاء هذه الحرمة شرطاً لصحة
العقد بحيث إذا تخلف هذا الشرط كان العقد فاسداً.
وهذه التفرقة مبنية على التفرقة بين
الباطل والفاسد في الزواج كما هو مذهب الحنفية، أما من لا يفرق بين الزواج الباطل
والفاسد فقد سوى بين المحرمات كلها وجعل انتفاء المحرمية شرطاً لصحة العقد سواء
كانت قطعية أو ظنية مختلفاً فيها أو مما يخفى أمرها للاشتباه فيها[118].
كل الشروط التي ذكرها الفقهاء للزوج
تصب في الأهلية
لإجراء العقد، وذلك بأن يكون أهلاً لمباشرة العقد
بأن يكون مميزاً، فان كان فاقد التميز كالمجنون والصبي غير المميز لا ينعقد الزواج،
لأن فاقد التميز لا إرادة له، ومتى انعدمت الإرادة انعدم العقد.
وتنقسم أهلية العاقدين بحسب نفاذها
وعدمه إلى قسمين:
· نفاذ العقد: وهو ما كان من كامل الأهلية كالبالغ الرشيد.
· عدم نفاذ العقد: وهو ما كان من ناقص الأهلية كالصبي المميز.
وسنتحدث هنا عن
بعض المسائل المتربطة بفقد الأهلية:
مع عدم إجازة الفقهاء لعقد الصبي
لعدم تمييزه إلا أنهم أجازوا تزويجه، فقد اتفق الأئمة الأربعة على جواز تزويج
الصغار، وعدم اشتراط البلوغ في صحة الزواج،ولا العقل، بل ذهب الفقهاء إلى أنه (إن
احتاج الصغير العاقل والمجنون المطبق البالغ إلى النكاح زوجهما الحاكم بعد الأب
والوصي)
بل ذهبوا إلى أن للولي تزويج ابنه
الصغير بأربع لأنه قد يرى المصلحة فيه (وليس له تزويجه بمعيبة عيبا يرد به في
النكاح لأن فيه ضررا به وتفويتا لما له فيما لا مصلحة له فيه)أما المجنون فلا يجوز
تزويجه أكثر من واحدة لاندفاع الحاجة بها[119].
وقد لخص اللخمي من المالكية أحكام
الصبي بقوله:(والصواب إن أمن طلاقه وخشي فساده إن لم يزوج ولا وجه لتسريه وجب
تزويجه، ولو لم يطلبه ومقابله يمنع ولو
طلب إلا أن يقل المهر، وإن أمن طلاقه ولم يخش فساده أبيح إلا أن يطلبه فيلزم،
ومقابله إن قدر على صونه منع وإلا زوج بعد
التربص)[120]
ومن أدلة جواز ذلك:
· قوله
تعالى:﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾(الطلاق:4)
فجعل على اللائي لم يحضن عدة ولا يكون إلا عن نكاح.
· ما
روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهي بنت ست
سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع ومكثت عنده تسعا.
· ما
قد يكون فيه من تحقيق مصلحة في بعض الحالات، فقد يجيء الكفء يطلب زواج الصغيرة،
والولي حريص على مصلحة ابنته الصغيرة، فيزوجها حتى لا يفوت الكفء إذا ما انتظر
بلوغها حيث لا يوجد في كل وقت[121].
وقد أباحت الشريعة الإسلامية كذلك
زواج المجنون، بل قال بعض الشافعية بوجوب تزويج المجنونة في حالتين:
· حالة
توقها للزواج ،بأن فهم منها ذلك.
· توقع
الشفاء بالزواج بقول عدلين من الأطباء[122].
وكذلك المجنون فقد تظهر رغبته في
النساء أو يتوقع شفاؤه بالزواج أو يحتاج إلى متعهدة، ولا يوجد في محارمه من يقوم
بذلك.
وجعل المالكية العلة في تزويج المجنون
ما لوخشي منه الفساد أما إن لم يخش منه ذلك فلا يزوج كما عبر خليل عن ذلك
بقوله:(مجنونا احتاج)[123]
أما من من كان جنونه متقطعا فلا يجوز
تزويجه إلا بإذنه إن كان بالغا ; لأنه يمكن أن يتزوج لنفسه فلم تثبت ولاية تزويجه
لغيره كالعاقل، ومثله من زال عقله بمرض مرجو للزوال , فإن حكمه حكم العاقل , فإن
دام به صار كالمجنون)[124]
ويلحق الإباضية الشيخ الخرف بالمجنون
في الحكم[125]، ويلحق به كذلك السكران ،وعن مالك أنه لا يجوز نكاح السكران
ويلزمه طلاقه، وروى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ سبيل السكران في نكاحه
وإنكاحه سبيل المعتوه ولا يلزمه منه شيء[126].
ويفهم من قول الفقهاء في هذه المسائل
جميعا أن العبرة بالحاجة سواء للصبي أو المجنون (أما تزويجه بغير حاجة، فلا يلزم
بل لا يجوز)[127]
ويزوج المجنونة أبوها أو جدها في حال
صغرها أما إن بلغت فيمكن أن يزوجها ولو ثيبا القاضي ويسن له مراجعة أقاربها وأقارب
المجنون تطييبا لقلوبهم، ولأنهم أعرف بمصلحتها فيراجع الجميع حتى الأخ والعم
والخال[128].
لغة: السفه
والسفاه والسفاهة: ضد الحلم , وهي مصادر سفه يسفه من باب تعب , وهو نقص في العقل
أصله الخفة والحركة. يقال: تسفهت الريح الشجر - أي: مالت به , وسفه بالضم وسفه
بالكسر , أي: صار سفيها , والجمع سفهاء وسفه وسفاه. والمؤنث منه سفيهة, والجمع
سفائه.
اصطلاحا: هو التبذير في
المال والإسراف فيه ولا أثر للفسق والعدالة فيه. ويقابله الرشد: وهو إصلاح المال
وتنميته وعدم تبذيره[129].
اتفق الفقهاء على صحة نكاح السفيه
المحجور عليه، لكنهم اختلفوا في اشتراط إذن الولي لصحته على الأقوال التالية[130]:
القول الأول:صحة نكاحه أذن
الولي أو لم يأذن، وهو مذهب الحنفية ،ومن أدلتهم على ذلك:
· أن
السفيه كالبالغ الرشيد في وجوب العبادات والعقوبات كالحدود والقصاص وغيرها.
· أنه
عقد غير مالي ولزوم المال فيه ضمني.
· أن
عقد الزواج يصح مع الهزل.
· أن
الزواج من الحوائج الأصلية للإنسان.
القول الثاني: عدم صحته إلا
بإذن الولي ،وقد جعلوا الخيار للولي: إن شاء زوجه بنفسه وإن شاء أذن له ليعقد بنفسه،
وهو مذهب الشافعية وأبي ثور، ومن أدلتهم على ذلك أنه تصرف يجب به المال فلم يصح
بغير إذن وليه كالشراء.
فإذا تزوج بغير إذن وليه فلا شيء
للزوجة إن لم يدخل بها عند الشافعية , فإن دخل بها فلا حد للشبهة. ولا يلزمه شيء -
كما لو اشترى شيئا بغير إذن وليه وأتلفه[131]، والقول الثاني يلزمه مهر المثل - كما لو جنى على غيره , والثالث:
يلزمه أقل شيء يتمول[132].
القول الثالث: صحة نكاح
المحجور عليه بسفه , ويكون النكاح موقوفا على إجازة الولي, فإن أجازه نفذ , وإن
رده بطل ،وهو مذهب المالكية ،ومن آثار البطلان عندهم:
إن كان قبل البناء: لا شيء عليه
من مهر ولا غيره وكانت طلقة واحدة.
إن كان بعد البناء: فقد اختلف
فيه قول المالكية حول حق المرأة في المهر على الآراء التالية:
· ترد
الزوجة ما قبضت أو قبض ولا يترك لها شيئا، وهو قول عبد الملك، لأن ما سلم إلى
السفيه على وجه المعاوضة بطل جميع عوضه كالبيع، فقاس ابن ماجشون ذلك على البيع.
· يترك
لها، وهو قول مالك وأكثر أصحابه، ودليله الاستحسان، لأن البضع لا يحل بذله بغير
عوض، فيلزم المحجور فيستوفيه على وجه مباح أقل ما يكون عوضا له، لأنه بذلك يتميز
من السفاح وما زاد على ذلك فلا تأثير له في الإباحة فيرد عليه.
· أن
السفيه إذا انتفع بما اشترى بغير إذن وليه لزمه قيمته فكذلك يلزمه ما يستباح به
البضع إذا استوفاه[133].
القول الرابع: يصح زواجه
بشرط احتياجه إليه، سواء كانت الحاجة للمتعة أم للخدمة، وهو قول للحنابلة
والشافعية، بل يحق للولي عندهم إجبار السفيه على النكاح إن كان السفيه محتاجا
إليه بأن كان زمنا أو ضعيفا يحتاج إلى
امرأة تخدمه , فإن لم يكن محتاجا إليه فليس للولي ذلك، ومن أدلتهم على ذلك: أنه
مصلحة محضة والنكاح لم يشرع لقصد المال[134].
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة جواز
زواجه، أذن وليه أو لم يأذن بشرط أن يحتاط في مهره، لأنه بسبب تصرفاته في ماله حجر
عليه ،وقد نصت على طريقة التعامل مع ماله مجلة الأحكام العدلية في المادة 993
بقولها:(صح نكاح السفيه المحجور وطلاقه …وعليه فيجوز تزوج السفيه المحجور بامرأة
مع تسمية مهر معين , فإذا كان المهر المسمى مهر المثل أو أنقص من مهر المثل فبها ,
وإذا زاد فالزيادة باطلة، وإذا طلق المحجور بالسفه زوجته قبل الدخول لزمه نصف
المهر المسمى، وكذلك الحكم فيما لو تزوج
أربع نسوة)[135].
وبهذا يمكن تفادي علة السفه مع بقاء
أصل حل الزواج، والمرأة المحجورة في ذلك لها نفس حكم الرجل، فتزويج المرأة
المحجورة نفسها من رجل كفؤ بمهر المثل جائزة، ولو تزوجت امرأة سفيهة من رجل كفؤ
بمهر مثلها أو بأقل مما يتغابن فيه جاز ; لأن النكاح يصح مع الحجر , وإن كان المهر
أقل من مهر مثلها بما لا يتغابن فيه , فإن كان لم يدخل بها يقال له: إن شئت الدخول
بها فتمم لها مهر مثلها , وإلا يفرق بينكما , وإن كان قد دخل بها فعليه أن يتمم
لها مهر مثلها , فإن كان زوجها محجورا مثلها وسمي أكثر من مهر مثلها بطل الفضل ,
وإن كان أقل خوطب بالإتمام أو الفرقة.
وبمثل هذا التشريع وغيره من
الإجراءات التي قد يضعها ولي الأمر يمكن زواج السفيه مع بقاء الحجر على تصرفاته
المالية، لأن الحجر لا يتعلق إلا بالمال.
4 ـ أحكام فساد العقد وبطلانه
اختلف الحنفية مع الجمهور في اصطلاحي
الفساد والبطلان، ومايترتب عن كليهما من آثار، ولأهمية معرفة هذا الاختلاف فسنرى
تعريف الجمهور والحنفية للفساد والبطلان، والفرق بينهما فيما يلي:
البطلان: يقال: بَطَل
الشيءُ يَبْطُل بُطْلاً وبُطُولاً وبُطْلاناً:
ذهب ضَياعاً وخُسْراً، فهو باطل، وأَبْطَله هو، ويقال: ذهب دَمُه بُطْلاً
أَي هِدَراً، وبَطِل فـي حديثه بَطَالة وأَبطل: هَزَل، والاسم البَطَل، والباطل:
نقـيض الـحق، والـجمع أَباطيل، علـى غير قـياس، ويجمع الباطل بواطل؛ وواحدة
الأَباطيل أُبْطُولة؛ وإِبْطالة. ودَعْوى باطِلٌ وبَاطِلة؛ وأَبْطل: جاء بالباطل؛
والبَطَلَة: السَّحَرَة، مأْخوذ منه، ورجل بَطَّال ذو باطل. وقالوا: باطل بَـيِّن
البُطُولُ. وتَبَطَّلوا بـينهم: تداولوا الباطل؛ عن اللـحيانـي. والتَّبَطُّل: فعل
البَطَالة وهو اتباع اللهو والـجَهالة. وقالوا: بـينهم أُبْطُولة يَتَبَطَّلون بها
أَي يقولونها ويتداولونها. وأَبْطَلت الشيءَ: جعلته باطلاً. وأَبْطل فلان: جاء
بكذب وادَّعى باطلاً[136].
الفساد: نقـيض
الصلاح، فَسَدَ يَفْسُدُ ويَفْسِدُ وفَسُدَ
فَساداً وفُسُوداً، فهو فاسدٌ وفَسِيدٌ فـيهما، ولا يقال انْفَسَد وأَفْسَدْتُه
أَنا، وقوم فَسْدَى كما قالوا: ساقِطٌ وسَقْطَى، وتَفَاسَدَ القومُ: تدابَرُوا
وقطعوا الأَرحام؛ واستفسد السلطانُ قائدَه إِذا أَساء إِلـيه حتـى استعصى علـيه،
والـمَفْسَدَةُ: خلاف الـمصْلَـحة. والاستفسادُ: خلاف الاستصلاح، وقالوا: هذا
الأَمر مَفْسَدَةٌ لكذا أَي فـيه فساد[137].
الحكم الشرعي إما أن يكون صفة لفعل
المكلف , أو أثرا له , فإن كان أثرا له كالملك مثلا, فلا بحث له هنا, وإن كان صفة
فالمعتبر فيه اعتبارا أوليا المقاصد الشرعية سواء كانت المقاصد دنيوية , أو
أخروية:
فالفعل المتعلق بمقصود دنيوي إن وقع
بحيث يوصل إليه فصحيح، وإلا فإن كان عدم إيصاله إليه من جهة خلل في أركانه وشرائطه
فباطل أو فاسد فالمتصف بالصحة والفساد
حقيقة هو الفعل لا نفس الحكم، لأن معنى صحة البيع مثلا إباحة الانتفاع بالمبيع،
ومعنى بطلانه حرمة الانتفاع به.
وقد اعتبر بعضهم هذه الأحكام من خطاب
الوضع، لأنه حكم بتعلق شيء بشيء تعلقا زائدا على التعلق الذي لا بد منه في كل حكم
, وهو تعلقه بالمحكوم عليه وبه , وذلك أن الشارع حكم بتعلق الصحة بهذا الفعل وتعلق
البطلان أو الفساد بذلك، واعتبرها آخرون أحكاما عقلية لا شرعية , لأن الشارع إذا شرع
البيع مثلا لحصول الملك وبنى شرائطه وأركانه، فالعقل يحكم بكونه موصلا إليه عند
تحققها وغير موصل عند عدم تحققها بمنزلة الحكم بكون الشخص مصليا , أو غير مصل[138].
وعلى هذا فإن الصحة والبطلان والفساد
معان متقابل،ة حاصلها أن الصحيح هو ما استجمع أركانه وشرائطه بحيث يكون معتبرا
شرعا في حق الحكم، والباطل والفاسد نقيض الصلاح في عدم الشرعية.
بناء على هذا التمهيد للمفهوم العام
للفساد والبطلان وعلاقتهما بالأحكام الشرعية، فقد اختلف الفقهاء اختلافا اصطلاحيا
في الفرق بين مصطلحي الفساد والبطلان، وهو تفريق اصطلاحي لا يحتاج إلى استدلال،
قال التفتازاني:(وهذا اصطلاح لا معنى للاحتجاج عليه نفيا وإثباتا)[139]، وخلاصة
الاختلاف كما يلي:
الفساد: عرف الجمهور الفساد بأنه
مخالفة الفعل الشرع بحيث لا تترتب عليه الآثار، بينما عرفه الحنفية بأنه ما شرع
بأصله دون وصفه[140].
البطلان: عرف الجمهور
الباطل بأنه ما تقع المعاملة فيه على وجه غير مشروع بأصله أو بوصفه أو
بهما، بينما عرفه الحنفية بأنه ما يقع العقد فيه على وجه غير مشروع بأصله لا
بوصفه, وينشأ عن البطلان تخلف الأحكام كلها عن التصرفات , وخروجها عن كونها أسبابا
مفيدة لتلك الأحكام التي تترتب عليها , فبطلان المعاملة لا يوصل إلى المقصود
الدنيوي أصلا لأن آثارها لا تترتب عليها.
و يتفق الحنفية بذلك مع الجمهور في
البطلان، ويختلفان في الفساد، بحيث يمكن للفاسد عند الحنفية أن تترتب عليه آثاره
إذا أمكن تصحيحه بإزالة ما عرض له من فساد[141].
وسر تفريق الحنفية بين الفساد والبطلان
من حيث اللغة)حاصله أنه ما تغير وصفه , ويمكن الانتفاع به كما يقال: فسد اللحم إذا
نتن مع بقاء الانتفاع به، بينما يقال للحم إذا صار بحيث لا ينتفع به للدود أو
للسوس بطل..ولا يخفى مناسبته للمعنى اللغوي , ومرادهم من مشروعية أصل الفاسد كونه
مالا متقوما لا جوازه , وصحته فإن كونه فاسدا يمنع صحته)[142]
وسر تفريقهم من حيث الشرع أنهم
أطلقوا المشروعية على الأصل نظرا إلى أنه لو خلا عن الوصف لكان مشروعا , وإلا فمع
اتصافه بالوصف المنهي عنه لا يبقى مشروعا
أصلا.
وما ذكره الحنفية من هذا التفريق ضروري
للتمييز بين أصل الفساد الداخل على العقد، هل هو فساد ذاتي أم فساد عرضي يمكن
إصلاحه، ولهذا نجد جمهور العلماء يضطرون، خلافا لأصولهم،للتفريق بين الباطل
والفاسد في الفقه في مسائل كثيرة، فيعبرون بالفاسد على ما كان مختلفا في فساده بين
المذاهب , والتي حكموا عليها بالبطلان هي المسائل المجمع عليها , أو الخلاف فيها
شاذ، ومن أمثلة ذلك النكاح بدون شهود , حيث يجيز المالكية العقد بدونه , وإن كانوا
يشترطون الإشهاد قبل الدخول , ويجيزه أيضا أبو ثور وجماعة من الفقهاء، وكنكاح
المحرم بالحج , والنكاح بدون ولي , حيث يجيزهما الحنفية، وكنكاح الشغار يصححه
الحنفية ويلغون الشرط , ويوجبون مهر المثل لكل من المرأتي، ويقصدون بالباطل ما كان
مجمعا على فساده بين المذاهب , كنكاح الخامسة , أو المتزوجة من الغير , أو المطلقة
ثلاثا , أو نكاح المحارم[143].
أنواع
العقود وعلاقتها بالفساد والبطلان[144]:
بناء عل ما سبق من المصطلحات الخاصة
بالعقود، تنقسم العقود عموما وعقد الزواج خصوصا بحسب مصطلحات الحنفية، ويشاركهم
فيها كثير من متأخري المذاهب الأربعة إلى الأقسام التالية:
وهو المستوفي لأركانه وشروطه كلها
بحيث لا يبقى لأحد حق الاعتراض عليه وطلب فسخه، وتترتب عليه الآثار التي رتبها
الشارع عليه بلا استثناء، فهوأقوى أنواع العقود لأنه ليس لأحد حق الاعتراض عليه
كما لا يملك أحد العاقدين فسخه.
وهو الذي اختل فيه ركن أو فقد شرطاً
من شروط الانعقاد، كزواج فاقد الأهلية إذا باشر العقد بنفسه، وتزوج غير المسلم
بالمسلمة لعدم محلية المرأة فيها، ولا يترتب على هذا العقد أي أثر من آثار الزواج،
لأن وجوده كعدمه، فلا يحل به الدخول، ولا يجب به مهر ولا نفقة ولا طاعة، ولا يرد
عليه طلاق، ولا عدة فيه بعد المفارقة، ولا يثبت به توارث ولا حرمة المصاهرة إلا
عند من يثبتها بالزنى.
وهو الذي تخلف فيه شرط من شروط الصحة
بعد استيفائه لأركانه وشروط انعقاده، كالزواج بغير شهود عند من يشترط الشهادة
،والزواج المؤقت، وكتزوجه بامرأة محرمة عليه بسبب الرضاع وهو لا يعلم بحرمتها بناء
على إخبار الناس بأنه لا يوجد بينهما صلة محرمة، ثم ظهر بعد الدخول أنها محرمة
عليه.
ولا يحل بهذا العقد الدخول بالمرأة
ولا يترتب عليه أي أثر من آثار الزوجية، فإن حصل بعده دخول حقيقي بالمرأة كان
معصية يجب رفعها بالتفريق بينهما جبراً إن لم يفترقا باختيارهما.
وهو ما فقد فيه شرط النفاد بأن باشره
من ليست له ولاية شرعية على إنشائه، ولم تكن له صفة تجيز له إنشاء العقد من أصالة
أو ولاية أو وكالة،كتزوج الصغير المميز بدون إذن وليه، فإنه صحيح موقوف على إجازة
من له الولاية عليه إلا إذا استمر العقد بدون إجازة أو رد إلى حين بلوغه، فإن
الإجازة تنتقل إليه إن أجازة نفذ وإن لم يجزه بطل، وكعقد الفضولي وهو من يعقد
لغيره بدون ولاية أو وكالة، ولا يترتب عليه ـ رغم صحته ـ أي أثر مع آثار الزواج
إلا بعد إجازته أو الدخول الحقيقي بعده.
فإذا أجيز ترتبت عليه جميع الآثار
التي رتبها الشارع عليه، وإذا دخل بالمرأة قبل الإجازة ترتبت عليه آثار العقد
الفاسد السابقة ،فحكم الزواج الموقوف قبل إجازته كحكم الزواج الفاسد في أن كلاً
منهما لا يترتب عليه أي أثر قبل الدخول، وأما بعده فيترتب عليهما بعض الآثار.
والفرق الوحيد بينهما أن الفاسد لا
يقر بحال من الأحوال ولا يلحقه تصحيح، أما الموقوف فتلحقه الإجازة ولو بعد الدخول
فيصير نافذاً تترتب عليه كل آثار الزوجية من وقت ابتداء العقد، لأن الإجازة
اللاحقة تنسحب على العقد من وقت إنشائه فينقلب نافذاً من وقت إنشائه، وإن لم يجزه
من له الولاية كان ذلك إبطالاً له من مبدئه.
فإذا دخل الرجل بالمرأة في العقد
الموقوف بعد رده وبعد علمه بالرد يكون فعله زنى لا شبهة فيه فيترتب عليه ما يترتب
على العقد الباطل.
الأنكحة
الفاسدة عند المذاهب الفقهية
النكاح
الباطل: ومن أمثلته
ما لو تزوج محرماً من محارمه، فإن العقد على واحدة منهن وجوده كعدمه، ومثله العقد
على متزوجة. أو معتدة إن علم أنها للغير، فهذا العقد كعدمه، وهو عقد باطل يوجب
الوطء به الحد إن كان عالماً بالحرمة، وإلا رفع عنه الحد لشبهة، ومثله أيضاً إذا
أرغمته على أن ينكحها مكرهاً، فإن النكاح في هذه الحالة لا يوجب مهراً، ولكن بعد
الوطء يثبت به النسب وتجب العدة.
النكاح
الفاسد: وهو فيما إذا
فقد شرطاً من شرائط الصحة، مع وجود الخلاف فيه، ومثاله النكاح بدون شهود، فإن
المالكية قالوا: بصحة العقد من غير شهود، ونكاح أم المزني بها، والمنظور إليها بشهوة،
ونكاح البنت من الزنا، فإن العقد عليها صحيح عند الشافعية، وكذلك العقد على من
طلقت بعد الخلوة الصحيحة بدون عدة، فإنه صحيح عند الشافعية لأن العدة لا تثبت إلا
بالوطء، فالعقد في هذه الأمثلة وإن كان فاسداً عند الحنفية ،ولكنه صحيح عند غيرهم،
فيجب به المهر، وتثبت به العدة، والنسب.
والنكاح
الفاسد، أو الباطل لا يتوقف فسخه على القاضي، بل لكل واحد منهما فسخه ولو بغير
حضور صاحبه، سواء دخل بها، أو لا، وتجب العدة من وقت التفريق، ويثبت النسب له كما
تقدم، وتعتبر مدة ثبوت النسب، وأقلها ستة أشهر من وقت الوطء، فإذا وطئها أول يوم
من الشهر، ثم جاءت بولد بعد نهاية ستة أشهر ثبت نسبه منه، وإلا فلا[145].
النكاح الفاسد
عندهم نوعان3:
المجمع
على فساده: ومن أمثلته
نكاح المحارم بنسب، أو رضاع، والجمع بين ما لا يحل الجمع بينهما، وتزوج خامسة في
عدة الرابعة، وهذا لو وقع يفسخ قبل الدخول وبعده بلا طلاق، فإن فسخ قبل الدخول فلا
شيء فيه، لأن القاعدة أن كل عقد فسخ قبل الدخول لا صداق فيه، كان متفقاً على فساده
أو مختلفاً فيه، سواء كان الفساد بسبب العقد أو بسبب الصداق، فإذا جمع بين البنت
وعمتها، أو خالتها في عقد واحد أو عقدين، ولم يعرف السابق منهما، ووطئهما كان لهما
الصداق وعليهما الاستبراء بثلاث حيضات، ثم إن كان قد سمى لهما مهراً حلالاً كان
لهما المسمى أما أن سمى لهما مهراً حراماً - كخمر، ونحوه - كان لهما صداق المثل،
ولا يحدان إلا إذا كانا عالمين بالتحريم والقرابة، فإن كانا عالمين ،بذلك وجب
عليهما الحد لكونه زنا في هذه الحالة.
ومن المجمع على
فساده النكاح المؤقت، وفيه المهر المسمى على المعتدة، وأن لا حد فيه، ولكن فيه
العقاب والتأديب بالوطء، ويفسخ بلا طلاق، ومنه نكاح المتعة إذا كان غير عالم،
ويفسخ بلا طلاق قبل الوطء، وبعد، أما إن كانا عالمين فإنهما يكونان زانيين يجب
عليهما الحد.
غبر
المجمع على فساده: ومن أمثلته
النكاح حال الإحرام بالنسك، فإنه فاسد عند المالكية. صحيح عند الحنفية، وفيه
المسمى إن كان حلالاً بعد الوطء، ومهر المثل إن كان المهر حراماً، كخمر، وخنزير،
ولا شيء فيه إن فسخ قبل الوطء كما عرفت، ومنه نكاح الشغار، فإنه وإن كان لا يجوز
الإقدام عليه بالإجماع، ولكن الحنفية يقولون بصحته بعد الوقوع والمالكية يقولون
بفساده، وفيه مهر المثل بالوطء، ومنه أن تتولى المرأة زواج نفسها بدون ولي، فإنه
جائز عند الحنفية، وفيه المسمى إن كان حلالاً، ومنه نكاح السر ويفسخ قبل الدخول لا
بعده، ومنه النكاح بصداق فاسد، والنكاح على شرط يناقض العقد.
والنكاح الفاسد
عندهم[146]
هو اختل فيه شرط، ومنه نكاح المتعة ويجب فيه المسمى، ومنه نكاح المحلل، ويلحق به
النسب ولا يحصل به الإحصان. ولا الحل للمطلق، ولها بالوطء المسمى، ومنه نكاح
الشغار، ومنه أن يشترط ما ينافي العقد، كأن يتزوجها بشرط أن لا يحل له وطؤها، ومنه
غير ذلك مما سيأتي.
النكاح الفاسد
عندهم[147]
هو ما اختل فيه شرط من الشروط المتقدمة، أما النكاح الباطل فهو ما اختل فيه ركن،
وحكم الفاسد والباطل واحد في الغالب، فمن الأنكحة الباطلة نكاح الشغار، ومنها نكاح
المتعة، والأول باطل لاختلال ركنه، وهو الزوجة، فإن جعلها محلاً للعقد هي وصداقها
للأخرى فمورد النكاح الذي يرد عليه: امرأة، وصداق، فقد جعل المرأة عوضاً. ومعوضاً،
والثاني باطل لاختلال الصيغة، وهي من أركان النكاح، لأنه يشترط فيها أن لا تكون
مؤقتة بوقت، ومنها نكاح المحرم بالنسك، وهو باطل لاختلال المحل، وهو الزوج أو
الزوجة، وهما ركنا النكاح إذ الشرط خلوهما من الموانع، والاحرام من الموانع عند
الشافعية، ومنها أن ينكح الولي من له عليها الولاية لرجلين، ولا يعرف العقد
السابق، فإن العقدين يبطلان كما تقدم، وبطلانهما لاختلال المحل، وهو المرأة، فإنها
ليست محلاً لتزوج اثنين.
هذا، والوطء
بنكاح الشغار، والنكاح المؤقت، ونكاح المحرم بالنسك، ونكاح المرأة التي عقد عليها
الولي لاثنين، لا حد فيه وتجب به العدة، ويثبت به النسب ومهر المثل.
وقد نص عليه ابن حزم في قوله:(كل نكاح عقد على صداق فاسد ,
أو على شرط فاسد , مثل أن يؤجل إلى أجل مسمى أو غير مسمى , أو بعضه إلى أجل كذلك ,
أو على خمر , أو على خنزير , أو على ما يحل ملكه , أو على شيء بعينه في ملك غيره ,
أو على أن لا ينكح عليها , أو أن لا يتسرى عليها , أو أن لا يرحلها عن بلدها , أو
عن دارها , أو أن لا يغيب مدة أكثر من كذا , أو على أن يعتق أم ولده فلانة , أو
على أن ينفق على ولدها , أو نحو ذلك - فهو نكاح فاسد مفسوخ أبدا وإن ولدت له
الأولاد , ولا يتوارثان ولا يجب فيه نفقة , ولا صداق ولا عدة. وهكذا كل نكاح فاسد
, حاشا التي تزوجت بغير إذن وليها جاهلة فوطئها , فإن كان سمى لها مهرا فلها الذي
سمي لها , وإن كان لم يسم لها مهرا فلها عليه مهر مثلها , فإن لم يكن وطئها فلا
شيء لها. فإن كان الصداق الفاسد , والشروط الفاسدة إنما تعاقداها بعد صحة عقد
النكاح خاليا من كل ذلك فالنكاح صحيح تام , ويفسخ الصداق , ويقضى لها بمهر مثلها ,
إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر , فذلك جائز , وتبطل الشروط كلها([148]
ونص على أن كل نكاح انعقد سالما مما يفسده , ولم يشترط فيه التحليل
والطلاق فهو نكاح صحيح تام لا يفسخ - وسواء اشترط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشترط
- لأن كل ناكح لمطلقة ثلاثا فهو محلل ولا بد , فالتحليل المحرم هنا: هو ما انعقد
عقدا غير صحيح. وأما إذا عقد النكاح على شرط التحليل ثم الطلاق فهو عقد فاسد ,
ونكاح فاسد , فإن وطئ فيه , فإن كان عالما أن ذلك لا يحل فعليه الرجم والحد , لأنه
زنا , وعليها إن كانت عالمة مثل ذلك, ولا يلحق الولد - فإن كان جاهلا فلا حد عليه
, ولا صداق , والولد لاحق - وبالله تعالى التوفيق. وهكذا القول في كل عقد فاسد
بالشغار , والمتعة والعقد بشرط ليس في كتاب الله تعالى , أي شرط كان[149].
النكاح الباطل عندهم[150] هو ما لم يصح إجماعا، كالنكاح قبل انقضاء العدة المجمع عليها ونحو
ذلك , خلاصة ما نصوا عليه في ذلك أنه لا يخلو الزوجان إما أن يكون مذهبهما الجواز
أو التحريم أو يختلفان:
فإن كان مذهبهما جواز النكاح من غير
إشهاد ونحوه فلا إشكال في صحة نكاحهما. وإن كان مذهبهما التحريم فإن دخلا فيه
عالمين كان باطلا وهما زانيان يحدان ولا مهر , وإن كانا جاهلين وقت العقد كان
فاسدا ولم يعترضا, فإن علم أحدهما وجهل الآخر مع اتفاق المذهب فهو باطل لا يحتاج
إلى فسخ حاكم إلا أنه يلحق النسب بالزوج إن كان جاهلا , وإن كان عالما كان زنى ولم
يلحقه الولد.
أما إذا اختلف مذهبهما فكان مذهب
أحدهما الجواز والثاني التحريم فإنهما يتحاكمان , فما حكم به الحاكم لزم الآخر
ظاهرا وباطنا , فإن وقع دخول قبل الحكم حد من لا يستجيزه إذا علم مع فسخ النكاح لا
مع الحكم بصحته فلا حد. وأما من يستجيزه فمع الجهل لا شيء عليه ومع العلم يحد.
نص الفقهاء على أنه لا حكم للنكاح
الباطل أو الفاسد قبل الدخول، لأنه ليس بنكاح حقيقة ; أما بعد الدخول فيتعلق
بالفاسد بعض الآثار، وقد علل الكاساني سر التفريق الشرعي بين آثار النكاح قبل
الدخول وبعده بقوله:( الأصل فيه أن النكاح الفاسد ليس بنكاح حقيقة لانعدام محله
أعني محل حكمه , وهو الملك ; لأن الملك يثبت في المنافع , ومنافع البضع ملحقة
بالأجزاء , والحر بجميع أجزائه ليس محلا للملك ; لأن الحرية خلوص , والملك ينافي
الخلوص ; ولأن الملك في الآدمي لا يثبت إلا بالرق , والحرية تنافي الرق إلا أن
الشرع أسقط اعتبار المنافي في النكاح الصحيح لحاجة الناس إلى ذلك , وفي النكاح
الفاسد بعد الدخول لحاجة الناكح إلى درء الحد وصيانة مائه عن الضياع بثبات النسب
ووجوب العدة وصيانة البضع المحترم عن الاستعمال من غير غرامة , ولا عقوبة توجب
المهر , فجعل منعقدا في حق المنافع المستوفاة لهذه الضرورة , ولا ضرورة قبل
استيفاء المنافع , وهو ما قبل الدخول , فلا يجعل منعقدا قبله([151]
وسنذكر الآثار المتعلقة بالعقد الفاسد
في محالها من الفصول المختلفة، فنذكر المهر في فصل المهر، والنسب في المبحث الخاص
به، والعدة في الفصل الخاص بالعدة، وغيرها، وسنذكر هنا بعض هذه الآثار كأمثلة
للتفريق بين النكاح الفاسد والباطل دون ذكر التفاصيل التي نجد الكلام عنها في
محالها الخاصة بها:
لا يترتب على هذا العقد أي أثر من
آثار الزواج، لأن وجوده كعدمه، فلا يحل به الدخول، ولا يجب به مهر ولا نفقة ولا
طاعة، ولا يرد عليه طلاق، ولا عدة فيه بعد المفارقة، ولا يثبت به توارث ولا حرمة
المصاهرة إلا عند من يثبتها بالزنى.
وإذا دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا
العقد كانت المخالطة بينهما حراماً، ويجب عليهما الافتراق، فإن لم يفترقا فرق
القاضي بينهما، وعلى كل من يعلم بذلك الدخول أن يرفع الأمر إلى القاضي، وعلى
القاضي أن يفرق بينهما لأن هذا الدخول زنى وهو معصية كبيرة يجب رفعها.
يترتب على الدخول في النكاح الفاسد
ما يلي:
· لا
يقام على الرجل والمرأة حد الزنى بالاتفاق لوجود الشبهة الدارئة للحد عنهما.
· يجب
على الرجل مهر المثل إن لم يكن سمى لها مهراً عند العقد أو بعده، فإن كان سمى لها
مهراً وجب عليه المهر المسمى على خلاف بين الفقهاء في ذلك سنعرفه في محله.
· تثبت
بهذا الدخول حرمة المصاهرة.
· تجب
به العدة على المرأة من وقت افتراقهما أو وقت تفريق القاضي، ولا تجب لها نفقة في
هذه العدة.
· يثبت
نسب الولد.
· لا
توارث فيه إذا مات أحدهما ولو قبل التفريق بينهما، ولا تجب به على الرجل نفقة ولا
سكنى، كما لا تجب عليها الطاعة للزوج، ولا يقع به طلاق على المرأة.
حكم إقامة الحد على من تزوج زواجا
فاسدا:
اتفق الفقهاء على أنه لا حد في الدخول من النكاح الفاسد
المختلف فيه, سواء اعتقدا حله أو حرمته، وقد رويت بعض الخلافات في هذا المجال،
منها ما روي عن أحمد مما يدل على أنه يجب
الحد بالوطء في النكاح بلا ولي, إذا اعتقدا حرمته، وهو اختيار الصيرفي من أصحاب
الشافعي, وقد ذكر ابن تيمية هذا القيد بقوله:لا يجب
في هذا النكاح حد إذا اعتقد صحته[152]، ومفهومه وجوب الحد فيما لم يعتقد صحته، وقد استدلوا على ذلك
بقوله - صلى الله عليه وسلم -:( لا تزوج المرأة المرأة , ولا تزوج المرأة نفسها ,
إن الزانية هي التي تزوج نفسها ([153]
وعن الشعبي قال: ما كان أحد من أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد في النكاح بغير ولي من علي - رضي الله عنه
- كان يضرب فيه، وعن عكرمة بن خالد , أن
الطريق جمعت ركبا فيه امرأة ثيب , فخطبها رجل , فأنكحها رجل وهو غير ولي بصداق
وشهود , فلما قدموا على عمر - رضي الله عنه -
رفع إليه أمرهما , ففرق بينهما , وجلد الناكح والمنكح.
وقد استدل الجمهور المخالفون بما
يلي:
· أن
هذا مختلف في إباحته , فلم يجب به الحد , كالنكاح بغير شهود.
· أن
الحد يدرأ بالشبهات , والاختلاف فيه أقوى الشبهات , وتسميتها زانية يجوز , بدليل
أنه سماها بذلك بمجرد العقد.
· أن
عمر جلدهما أدبا وتعزيرا , ولذلك جلد المنكح ولم يجلد المرأة , وجلدهما بمجرد
العقد مع اعتقادهما حله.
· أن
حديث علي حجة على من أوجب الحد فيه , فإن عليا أشد الناس فيه , وقد انتهى الأمر
إلى الجلد , فدل على أن سائر الناس والصحابة لم يروا فيه جلدا.
أما الأنكحة الباطلة , كنكاح المرأة
المزوجة أو المعتدة , أو شبهه , فإذا علما الحل والتحريم, فهما زانيان , وعليهما
الحد[154] , ولا يلحق النسب فيه[155]، وقد اختلفوا في نوع الحد على قولين:
القول الأول: أنه موجب لحد
الزنى متى كان الفاعل عاقلاً عالماً بالتحريم، وهو مذهب مالك والشافعي وابن حنبل.
القول الثاني: أنه لا يوجب
الحد، ولكن يعزر عاقده أشد أنواع التعزير لقبح فعله، ويجب عليه مهر المثل، لأن
الدخول بالمرأة لا يخلو من حد أو مهر، ولا تجب العدة بعد التفريق، لأنه لا عدة في
الزنى حيث إنها تجب محافظة على الأنساب من الاختلاط، ولا يثبت بهذا العقد نسب
يحافظ عليه، وهو مذهب أبي حنيفة ،واستدل على ذلك بأن صورة العقد شبهة تكفي لأن
يدرأ بها الحد عنه.
لترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول
الأول إذا دخل بها في زواج مجمع على بطلانه مع العلم بالبطلان، لأنه لا فرق بينه
وبين الزنا، وليست هناك أي شبهة تدرؤ عنه الحد.
([2])
صحيح ابن خزيمة:4/251، المنتقى لابن الجارود:1/125، المسند المستخرج على
صحيح مسلم:3/318، سنن الدارمي:2/69.
([32]) المجموع:9/190، المنثور
في القواعد الفقهية:1/283، تحفة المحتاج:7/221، مغني المحتاج:4/229، المحلى: 9/47،
شرائع الإسلام: 2/217.
([39]) صحيح ابن خزيمة:4/251،
المنتقى لابن الجارود:1/125، المسند المستخرج على صحيح مسلم:3/318، سنن
الدارمي:2/69.
([63]) بدائع الصنائع:2/231، المبسوط:
5/16، فتح القدير: 3/197، تبيين الحقائق:2/96، كشف الأسرار:3/41، البحر الرائق:
4/272، رد المحتار:6/415.
([64]) قال الحاكم: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،المستدرك:2/198، وانظر:صحيح ابن حبان:13/386،
المنتقى لابن الجارود:179، سنن أبي داود:2/235، سنن النسائي:3/315.
([78]) درر الحكام:1/334،فتوحات
الوهاب:4/133،حاشية البجيرمي:3/333، مطالب أولي النهى:5/129، منح الجليل:3/304.
([80]) البحر الزخار:4/19،
الخرشي:5/184، المغني:7/70، الفواكه الدواني:2/4، الجوهرة النيرة:2/8، رد
المحتار:3/53.
([81]) الإنصاف:8/47، أسنى
المطالب:3/120، تحفة المحتاج:7/323،مغني المحتاج:4/231، نهاية المحتاج:6/214.
([82]) سنن النسائي: 3/284 ،سنن
ابن ماجة:1/602، أحمد: 6/136، قال الزيلعي: قال البيهقي هذا مرسل ابن بريدة لم
يسمع من عائشة، نصب الراية:3/192.
([85])
المحلى:9/481،المنثور:373،فتح القدير:3/193،البحر الرائق:3/83،الفتاوى الهندية:1/273،مجمع
الأنهر:2/405،حاشية الدسوقي:2/4222.
([108]) إذا كانت الجنسية المثلية
بين النساء أطلق عليه بالسحاق lesbianism وتعني الكلمة اشتهاء المماثل بين الجنس الأنثوي. هناك من يذكر بان
الاسم مشتق من جزيرة لسبوس اليونانية، والتي كانت تعيش فيها الشاعرة سافوا وقد
كانت تمارس علاقات الحب مع مثيلاتها من النساء اليونانيات. تتضمن العلاقة الجنسية
مع نفس الجنس من النساء وذلك باختيار المرأة امرأة أخرى تمارس معها الحياة الجنسية
ولا يهم فرق السن في ذلك الاختيار وإنما المهم هو اشتهاء المرأة التي ترغب في
الممارسة معها تلك العلاقة الجنسية.
وهناك
اللواط بالأطفال الأبرياء والذي يطلق عليه Pederasty الذي يعاقب عليه
القانون في بعض الدول بالإعدام.
([113]) ابن ماجه كتاب الفتن رقم
4019 وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. ورواه الحاكم عن ابن عمر.
([129]) هذا عند الجمهور (أبي
حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد , ومالك , وهو المذهب عند الحنابلة , والمرجوح عند
الشافعية , وهو قول الحسن , وقتادة , وابن
عباس , والثوري , والسدي , والضحاك)، والراجح عند الشافعية أنه: التبذير في المال
والفساد فيه وفي الدين معا. وهو قول لأحمد.
([130]) انظر: تبيين
الحقائق:5/193، العناية شرح الهداية:9/259،الموسوعة الفقهية:11/252،درر
الحكام:2/110.
([132]) الأشباه والنظائر:113،
أسنى المطالب:3/145، شرح البهجة:4/121 حاشيتا قليوبي وعميرة:2/377، فتاوى
الرملي:3/157.
([138]) ونرى أنه لا مانع من
اعتبار كلا الأمرين، فهي شرعية من حيث إخبار الشارع بتعلقها، وعقلية من حيث إدراك
العقل لأثر ذلك.
([144]) انظر تفاصيل وأمثلة على
ذلك في: البحر الزخار:4/329، حاشية البجيرمي:4/209، إعانة الطالبين:4/146،فتح
الوهاب:2/98، نهاية الزين:1/347، لسان الحكيم:399، البحر الرائق:3/181، حاشية ابن
عابدين:3/47، الموسوعة الفقهية: 30/228، وغيرها.
([145]) انظر: حاشية ابن عابدين:
3/21، المبسوط: 6/167، الهداية:1/216، 230، البحر الرائق:3/166، وغيرها.
([146]) المبدع: 7/172، دليل
الطالب: 232، الفروع: 5/169، المحرر في الفقه: 2/107 الإنصاف للمرداوي: 8/304،
الروض المربع: 3/117.
([147]) المهذب: 2/61، الأم:
5/17، إعانة الطالبين: 3/351، الوسيط: 5/399، روضة الطالبين: 8/396، وغيرها.
([153]) قال ابن حجر: رواه ابن
ماجة والدارقطني من طريق بن سيرين عن أبي هريرة، وفي لفظ: وكنا نقول: إن التي
تزوج نفسها هي الزانية، ورواه الدارقطني أيضا من طريق أخرى
إلى ابن سيرين فبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة، ورواه البيهقي من طريق عبد
السلام بن حرب عن هشام عنه بها، تلخيص الحبير:3/157، وانظر: التحقيق في أحاديث
الخلاف: 2/259، الدراية في تخريج أحاديث الهداية:2/80.