الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: عقد الزواج وشروطه

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثانيا ـ الشروط المقيدة للعقد وأحكامها

1 ـ أنواع الشروط المقيدة للعقد وأحكامها

أولا: اشتراط ما يقتضيه العقد

حكمه:

ثانيا: ما يكون مناقضا  لمقتضى العقد

صوره:

حكمه:

مذهب المالكية:

مذهب الحنابلة:

مذهب الحنفية:

مذهب الظاهرية:

الإباضية:

الزيدية:

الإمامية:

الأدلة على صحة العقد وبطلان الشرط وعدم لزومه:

 

ثالثا: ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه وللزوجة فيه مصلحة

القول الأول: صحة العقد وعدم لزوم الشرط

عند المالكية:

أثر هذه الشروط على الزواج:

حكمه وأثره عند الشافعية:

حكمه وأثره عند الحنفية:

حكمه وأثره عند الظاهرية:

أدلة القول الأول:

القول الثاني: صحة العقد ولزومه

أدلة القول الثاني:

الترجيح:

حكم الشروط المتفق عليها قبل العقد وغير المذكورة في العقد

2 ـ نماذج عن مواقف العلماء من الشروط المقيدة للعقد

1 ـ اشتراط المرأة أن لا يخرجها من دراها:

اشتراطها عليه أن يطلق ضرتها:

من تزوج امرأة بكرا فوجدها ثيبا:

اشتراط المرأة أن لا يتزوج عليها:

اشتراط طلاق كل امرأة يتزوج بها عليها:

دفع المرأة الصداق للرجل:

 

 

ثانيا ـ الشروط المقيدة للعقد وأحكامها

بعد أن تبين لنا في الفصل السابق أهمية صيغة العقد باعتبارها الركن الدال على تراضي الطرفين، فقد بحث الفقهاء فيها ـ زيادة على ما سبق ذكره ـ ما يشترطه العاقدان من شروط، أو الشروط المقيدة للعقد، أو الشروط الجعلية، وقد رأينا أن نخصها بفصل خاص لأهميتها ولارتباط كثير من مصالح الزوجين بها، وقد قسمنا الحديث عنها إلى المبحثين التاليين:

1.       أنواع الشروط المقيدة للعقد بحسب علاقتها بما يقتضيه العقد وعدمه، وأقوال العلماء في ذلك.

2.       نماذج من مواقف العلماء من الشروط المقيدة للعقد، وقد ذكرنا فيه بعض المواقف التفصيلية في آحاد القضايا التي تتعلق بالشروط، خاصة ما يتعلق منها بواقعنا، لأن الكلام في المبحث الأول يحتاج لبعض الأمثلة الموضحة.

 

1 ـ أنواع الشروط المقيدة للعقد وأحكامها

قسم الفقهاء الشروط المقيدة للعقد بحسب علاقتها بما يقتضيه العقد إلى ثلاثة أقسام هي:

أولا: اشتراط ما يقتضيه العقد

ومن أمثلته[1]  شرطه أن ينفق على الزوجة  أو يكسوها، أو يبيت عندها أو يقسم لها، أو لا يؤثر عليها، أو لا يضر بها في نفقة ولا كسوة ولا في عشرة، وأمثال هذه الشروط التي لاتزيد على مقتضى العقد.

وقد كان من سنة السلف الصالح w الاقتصار على مثل هذه الشروط، وروي عنهم من ذلك خصوصا قولهم حين العقد:﴿ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(البقرة:229)، فعن أنس - رضي الله عنه -  أنه كان إذا زوج امرأة من بناته أو امرأة من بعض أهله قال لزوجها:(أزوجك على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وكان ابن عباس إذا زوج اشترط::﴿ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(البقرة:229)، وكان ابن عمر إذا أنكح قال: أنكحك على ما قال الله تعالى:﴿ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(البقرة:229)

ومما يدل على أن هذا كان منتشرا بين السلف الصالح - رضي الله عنهم -  ما رواه إبراهيم، قال: سألته فقلت: أكانوا يشترطون عند عقدة النكاح::﴿ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ(البقرة:229)، قال فقال: ذلك لهم، وإن لم يشترطوا ما كان أصحابنا يشترطون[2].

حكمه:

اتفق الفقهاء على  أن كل الشروط الموافقة لمقتضى العقد لا توقع في العقد خللا، ولا يكره اشتراطها، ويحكم بها سواء شرطت أو لم تشرط، ولكن لاشتراطها عند المالكية تأثير فيما إذا أثبتت الزوجة الضرر، فإنه إن كان شرطا في العقد فلها تطليق نفسها من غير رفع للحاكم، أما إن لم تشترط ذلك في العقد ففي افتقار تطليقها نفسها للرفع للحاكم وعدم افتقاره قولان:

القول الأول: أن ذلك لها من غير رفع كما لو اشترطته في عقد نكاحها.

القول الثاني: أنها لا تطلق نفسها إلا بعد الرفع للحاكم.

وقد ذكر ناظم من المالكية هذا التفصيل في قوله:

وحيثما الزوجة تثبت الضرر      ولم يكن لها به شرط صدر

قــيل لها الطلاق كالملتزم         وقيل بعـد رفعه للحكم

وقد اقتصر ابن حزم من الشروط في الزواج على هذا الشرط، يقول في المحلى: (ولا يصح نكاح على شرط أصلا، حاشا الصداق الموصوف في الذمة أو المدفوع، أو المعين، وعلى أن لا يضر بها في نفسها ومالها: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)[3]

ثانيا: ما يكون مناقضا  لمقتضى العقد

صوره:

اختلف الفقهاء في صور هذه الشروط بناء على اختلافهم في اعتبارها مناقضة لمقتضى العقد أو عدم مناقضتها له، وسنذكر بعض صور هذه الشروط على المذاهب المختلفة، مع بيان أنها قد تكون متفقة مع غيرها من المذاهب، وذلك قبل بيان حكمها عندهم:

المالكية: ذكروا من الشروط المناقضة للعقد، شرطه على المرأة أن لا يقسم لها، أو وأن يؤثر عليها، أو أن لا ينفق عليها، أو لا يكسوها، أو لا يعطيها ولدها، أو لا يأتيها إلا ليلا، أو لا يطأها نهارا، أو أن لا إرث بينهما، أو على أن أحد الزوجين بالخيار، أو على أن الخيار لغيرهما، أو على أنه إن لم يأت بالصداق لكذا فلا نكاح بينهما، أو على أن أمرها بيدها متى شاءت، أو على أن الطلاق بيد غير الزوج[4].

الشافعية: من الشروط التي ذكرها الشافعية لهذا النوع أن أمر طلاقها إليها أو على أن لا مهر لها أو على أن لا يخرجها من جهة أهلها أو على أن نفقتها عليها أو نفقته أو أن أمر الجماع إليها[5].

الحنابلة: من الشروط التي ذكرها الحنابلة لهذا النوع أن يشترط أن لا مهر لها، أو أن لا ينفق عليها أو إن أصدقها رجع عليها، أو تشترط عليه أن لا يطأها، أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا[6].

الحنفية: من الشروط التي ذكرها الحنفية لهذا النوع أنه إذا تزوج امرأة على طلاق امرأة أخرى أو على العفو عن القصاص أو تزوجها على أن لا يخرجها من بلدها أو على أن لا يتزوج عليها[7].

الظاهرية: ذكر ابن حزم من الشروط المناقضة للعقد: شرط هبة أو بيع أو أن لا يتسرى عليها، أو أن لا يرحلها أو أنه إن تزوجها فعلى حكمه، أو على حكمها، أو على حكم فلان[8].

الإباضية: ومن أمثلتها عندهم أن يشترط عند العقد أن تنفق عليه وتكسوه وتسكنه أو لا تلزمه الإنفاق والكسوة والإسكان أو لا يعدل، أو شرطت عليه أن لا يملك طلاقها أو لا يجامعها مطلقا , أو إلا في ليل أو نهار , أو اشترط أن تلد أو أن لا تلد , أو أنها بكر أو ثيب , أو غنية أو فقيرة , أو من قبيلة كذا أو معروفة النسب , أو أن لا ترثه أو أن يعزل عند الجماع , أو أن لا صداق لها , أو اشترطت متى شاءت فارقته , أو متى ادعت الطلاق صدقت , أو أن كل امرأة تزوج عليها فطلاقها بيدها , أو إذا تزوجها فهي طالق , أو إذا تسرى فهي حرة أو أن رأيها مقدم في الجماع , أو خروج منزله أو غير ذلك مما له عليها[9].

الزيدية: ومن الأمثلة التي ذكروها أن يقول على أن أمر طلاقها إليها أو على أن لا مهر لها أو على أن لا يخرجها من جهة أهلها أو على أن نفقتها عليها أو نفقته أو أن أمر الجماع إليها[10].

حكمه:

اتفق الفقهاء على إلغاء مثل هذه الشروط مع الحكم بصحة العقد، ولكل مذهب تفاصيل خاصة سنذكرها فيما يلي:

مذهب المالكية:

اتفق المالكية[11] على أن هذا القسم لا يجوز اشتراطه في عقد النكاح ويفسد به النكاح إن شرط فيه، ولكنهم اختلفوا في صلاحية استمراره على ثلاثة أقوال:

·      يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده.

·       يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويسقط الشرط، وهذا هو المشهور.

·      إن أسقط مشترط الشرط شرطه صح النكاح، وإن تمسك به فسخ.

وقد أجاز المالكية من الشروط هنا اشتراط تأجيل البناء سنة لا أكثر، وهو ما نص عليه في مختصر خليل بقوله:(وتمهل سنة إن اشترطت لتغربة أو صغر، وإلا بطل لا أكثر)

وقد أجاب المالكية على هذه المخالفة لقواعدهم في أمثال هذه الشروط بأن البناء قد يحكم بتأخيره إذا دعت الزوجة إليه وإن لم يشترط، وتحديد المدة بالسنة لأنها حد في أنواع من العلم كالعيب والخراج والعهدة، أما ما زاد على السنة فقد سئل الإمام مالك:(عمن تزوج بشرط أن لا يدخل خمس سنين، فقال: بئسما صنعوا والنكاح ثابت وله البناء بها قبل ذلك)[12]

مذهب الحنابلة: 

اعتبر الحنابلة هذه الشروط من الشروط الباطلة في نفسها، لأنها تنافي مقتضى العقد، وتتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، ومع ذلك يصح العقد بوجودها، وسنذكر هنا بعض ما روي عن الإمام أحمد فيما يتعلق بهذا النوع من الشروط، وذلك في نوعين من الشروط:

الشروط المالية: مثل أن يشترط الزوج أن لا مهر لها، أو أن لا ينفق عليها أو إن أصدقها رجع عليها، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا.

قال أحمد في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم، أو عشرة دراهم:(النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط.)[13]

حق التمتع: مثل اشتراطها عليه أن لا يقربها، أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو شرط لها النهار دون الليل ،وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة، وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة، ثم رجعت، وقالت: لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال: لها أن تنزل بطيب نفس منها، فإن ذلك جائز، وإن قالت: لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها، تطالبه إن شاءت، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط، فإن شاءت رجعت[14].

مذهب الحنفية:

نص الحنفية على أنه يصح الزواج ويفسد الشرط[15].

مذهب الظاهرية:

إن اشترط ذلك في نفس العقد فهو عقد مفسوخ، وإن اشترط ذلك بعد العقد فالعقد صحيح والشروط كلها باطلة سواء علقها بطلاق أو بأن أمرها بيدها أو أنها بالخيار أو إن تزوجها على حكمه، أو على حكمها، أو على حكم فلان، فكل ذلك عندهم عقد فاسد[16].

الإباضية:

نصوا[17] على أنه يبطل الشرط عند الله , وفي الحكم فيلزمه أن يعطيها ما لم يعطها من حقوقها, ويرد إليها ما صرفت عليه لذلك الشرط , أما إن وقع الشرط عليها ثم ناب فأبطلته والتزمته باختيارها فلا بأس عليه أن يقبله , وإن حاكمته على ما صرفت عليه لذلك الشرط حكم لها، ولزم النكاح وعليه نفقتها وكسوتها وسكناها والعدالة مع شرطه أن لا يكن عليه، ولهم قول آخر هو أنهما على شرطهما فيهن , فلا يكن عليه , والصحيح عندهم ما ذكرناه.

وإنما لم يصح الشرط على المشهور ; لأن النفقة والقيام فرضهما الله - سبحانه وتعالى - لها عليه , لا عليها له , وكذا الطلاق بيد الرجل , ففي نقل ذلك بالكلية مناقضة لكلامه تعالى , ومصادرة عن المصلحة التي رآها لنا , ومجيء بأمر ليس عليه الشرع ; فهو رد فكان ذلك شرطا أحل حراما , فلم يرد عليه حديث)المؤمنون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو شرطا حرم حلالا (بخلاف ما إذا تفضلت عليه بشيء من حقوقها فإنه لا مناقضة في ذلك بل تسامح وعفو , وأما إذا علق لها الطلاق إلى وقوع شيء فإنه إذا وقع الشيء فكأنه المطلق , وكذا إذا جعله بيدها معلقا إلى شيء فوقع الشيء فطلقت نفسها فكأنه هو المطلق لها , إذ علقه هو وأجازه منها.

الزيدية:

وقد نصوا[18] على أن كل شرط مستقبل إن جيء به على جهة لفظ العقد نحو: على أن تطلق فلانة أو على أن لا تسكن بلد كذا، صح العقد ولغا الشرط إن لم يكن غرضا، فإن كان غرضا ولم يف به وفيت مهر المثل , وإن جيء به بلفظ الشرط نحو إن طلقت فلانة أو إن لم تفعل كذا فقد زوجتك فسد به العقد إلا أن يكون حاليا نحو إن كنت ابن فلان فقد زوجتك فلا يفسد به العقد.

ويلغو شرط أي عقد يقتضي  خلاف ما يوجبه العقد كان الشرط - إذا أتي به على صفة العقد، ويصح العقد ويبطل الشرط.

لكن إذا نقصت له شيئا من المهر لأجل أحد هذه الشروط فإن وفى بذلك الشرط صح النقصان، وإن لم يف رجعت عليه بما نقص من مهرها، غالبا، وذلك احترازا من أن تشرط هي أو وليها أو الزوج أن لا يطأها رأسا فإن هذا الشرط يخالف موجب العقد ولا يلغو بل يفسد به العقد.

أما إذا كان الشرط على أن يطأها مدة معلومة حتى تصلح مثلا، فيصح العقد ويلغو الشرط، ومثله أن شرط الخيار في النكاح لا يفسده فيصح العقد ويلغو الشرط.

ومن قال زوجتك ابنتي على زواج ابنتك مني فقال: زوجتك أو زوجت أو قبلت أو تزوجت صح العقدان معا. وكذا لو قال زوجني ابنتك على زواج ابنتي منك فقال زوجت أو تزوجت أو قبلت صح العقدان أيضا لأن المعنى قبلت زواج ابنتك على زواج ابنتي منك , فالقبول وقع لما شمله العقد. فأما لو قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك فقال تزوجت أو قبلت فإنه يصح الأول لا الثاني , فإن قال المجيب زوجت لم يصح أيهما لأنه لم يجب على الأول بجواب قبلت أو تزوجت , وكذا إن قال زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي صح الأول فقط لأنه قد حصل فيه الإيجاب والقبول فإن قال تزوجت لم يصح أيهما.

الإمامية:

وقد نصوا على أنه إذا تزوجت المطلقة ثلاثا , فلو شرطت في العقد , أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما , بطل العقد , وربما قيل: يلغى الشرط , ولو شرطت الطلاق قيل: يصح النكاح ويبطل الشرط , وإن دخل بها فلها مهر المثل، أما لو لم يصرح بالشرط في العقد , وكان ذلك في نيته أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد وكل موضع قيل: يصح العقد , فمع الدخول , تحل للمطلق مع الفرقة وانقضاء العدة وكل موضع قيل: يفسد , لا يحل له ; لأنه لا يكفي الوطء , ما لم يكن عن عقد صحيح[19].

الأدلة على صحة العقد وبطلان الشرط وعدم لزومه:

من الأدلة التي ذكرها الفقهاء لبطلان الشرط مع صحة العقد الدليلين التاليين[20]:

·      أن الشروط باطلة لأنها تنافي مقتضى العقد، فهي تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده.

·  أن العقد صحيح لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به، فلم يبطله، كما لو شرط في العقد صداقا محرما، لأن الزواج يصح مع الجهل بالعوض، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد.

ثالثا: ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه وللزوجة فيه مصلحة

وصوره كثيرة غير منحصرة، ومنها أن لا يتزوج عليها، أو أن لا يخرجها من بلدها، أو من بيتها، أو أن لا يغيب عنها[21]، وقد اختلف فيه العلماء على قولين:

القول الأول: صحة العقد وعدم لزوم الشرط

وهو قول الزهري، وقتادة وهشام بن عروة ومالك، والليث، والثوري، والشافعي، وابن المنذر، والحنفية، ولهم تفاصيل مختلفة في آحاد تلك الشروط مع اتفاقهم على بطلانها وصحة العقد بدونها واستحباب الوفاء بها، ولبعض هذه المذاهب تفاصيل خاصة تقربهم أحيانا من القول الثاني سنعرض لها فيما يلي:

عند المالكية:

اتفق المالكية[22] على كراهة مثل هذه الشروط،  قال ابن حبيب: يكره أهل العلم الشروط في الزواج وإيقاع شهادتهم عليها، وروى أشهب عن مالك:(إني لأكره أن ينكح على مثل هذا أحد لا يخرجها من بلدها، ولا يمنعها من داخل يدخل عليها، ولا يمنعها من حج ولا عمرة)، وحجة المالكية في كراهة مثل هذه الشروط:

1.      أن الزواج لا يملك زوجته ملكا تاما، ولا يستباح البضع إلا بملك تام.

2.  منافاة ذلك لسنة السلف الصالح في الزواج ،قال مالك: (ولقد أشرت منذ زمان أن أنهى الناس أن يتزوجوا بالشروط وأن لا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته وأنه كتب بذلك كتابا وصيح به في الأسواق)

ولكن هذه الكراهة تنتفي إذا ما كان ذلك طوعا من الزوج بعد العقد، ولهذا كان  الموثقون يكتبون:(شرط فلان لزوجته فلانة شروطا طاع بها بعد أن ملك عصمة نكاحها)[23]

أثر هذه الشروط على الزواج:

اتفق المالكية[24] على أن هذا النوع لا يفسد به الزواج ولا يقتضي فسخه لا قبل الدخول ولا بعده، ولكنهم يذكرون هنا قيدا يقربهم من القائلين بلزوم الوفاء بهذه الشروط وهو: أن يعلق المتعاقدان ذلك الشرط بطلاق ونحوه كقوله إن تزوجت عليها فهي طالق، أو فالزوجة طالق، أو فأمرها بيدها، أو بيد أبيها، أو غيره، أو أمر الداخلة بيد الزوجة الأولى أو بيد أبيها، أو نحو ذلك، ولهم في هذه المسألة صورتان:

الصورة الأولى: لو أسقطت من صداقها لأجل اشتراط هذا الشرط شيئا في مقابل شرطها، كما لو قالت أسقطت عنك مائة من صداقي على أنك إن تزوجت علي فأنا طالق، أو فالزوجة طالق.

الصورة الثانية: لم تسقط شيئا من صداقها ،بأن كان هذا الأمر بطلب منها، أو تطوع به الزوج من غير علاقة لذلك بالصداق.

وفي كلتا الصورتين يلزمه ما شرط ولا ترجع عليه بما أسقطته من صداقها،لأن مقصودها قد حصل، فإن تزوج عليها لزمه الطلاق ولا يجب عليها الوفاء بما أسقطت من صداقها، وفي قول علي بن زياد اعتبار مقدار الصداق فإن كانت سمت صداق مثلها ثم حطت منه في عقدة زواجها على ما شرطت عليه فإن ذلك إذا فعله الزوج لا يسقط ما وضعت عنه، وأما إذا زادت على صداق مثلها فوضعت الزيادة على ما شرطت عليه فتلك الزيادة التي وضعت للشرط باطل[25].

وقد اختلف قول المالكية في حكم تعليق العقد بأمثال هذه الشروط على الأقوال التالية:

·      حرمة الابتداء بالشرط، فإن وقع جاز الزواج ولزم الشرط، وهو قول في الموازية.

·      يكره العقد على ذلك، وهو قول ابن القاسم.

·  الجواز ،وهو قول سحنون أو بالأحرى فعله، فقد زوج غلامه أمته على أنه إن سرق زيتونه كان أمر امرأته بيده[26].

والحالة الوحيدة التي يستحق بها الزوج شيئا من صداقها هي ما لو شرطت عليه هذه الشروط بعد العقد ووضعت لذلك بعض صداقها فإنه يلزمه ذلك، فإن أتى شيئا من ذلك رجعت عليه بما وضعت لذلك، وإن أعطته مالا على أن لا يتزوج عليها، فإن فعل فهي طالق ثلاثا، فإن تزوج وقع الطلاق وبانت منه، ولم ترجع عليه بشيء إذا تم لها شرطها.

 

حكمه وأثره عند الشافعية:

نص الشافعية[27] على صحة العقد وبطلان كل الشروط ما عدا الشروط المرتبطة بالمهر، قال الشافعي:(الناكحة المشترطة دارها نكحت على الأبد، فليس في عقدها النكاح على الأبد شيء يفسد النكاح وشرطت أن لا يخرج بها من دارها نكحت على الأبد، والشرط فهي وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهي حلال الفرج في دارها وغير دارها، والشرط زيادة في مهرها)[28]

حكمه وأثره عند الحنفية:

نص الحنفية[29] على صحة العقد وبطلان كل الشروط حتى ما كان منها يتناقض مع مقتضى العقد، وقد اختلفوا في صورة من صور هذه الشروط، وهي من الصور التي تعم بها البلوى، وهي في اشتراط خروجها من بلدها، فقد اختلف الحنفية في ذلك على قولين، فقيل: لا يخرجها  من بلدها لأن الغريب يؤذى، واختاره الفقيه أبو الليث، ورد عليه ظهير الدين المرغينانى بالقول الأصلي للحنفية بقوله: الأخذ بكتاب الله أولى من الأخذ بقول الفقيه، يعني قوله تعالى:﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾(الطلاق:6)، ومع ذلك فقد أفتى كثير من الحنفية بقول الفقيه بجحة أن النص مقيد بعدم المضارة بقوله تعالى:﴿ولا تضاروهن﴾ بعد أسكنوهن، والنقل بلدها مضارة، فيكون قوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾(الطلاق:6)مما لا مضارة فيه، وهو ما يكون من جوانب مصرها وأطرافه والقرى القريبة التي لا تبلغ مدة سفر، فيجوز نقلها من المصر إلى القرية، ومن القرية إلى المصر، وقال بعض الحنفية: إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان رجلا مأمونا فله نقلها[30].

حكمه وأثره عند الظاهرية:

وقد نص عليه ابن حزم بقوله: (لا يصح نكاح على شرط أصلا، حاشا الصداق الموصوف في الذمة أو المدفوع، أو المعين، وعلى أن لا يضر بها في نفسها ومالها: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وأما بشرط هبة أو بيع أو أن لا يتسرى عليها، أو أن لا يرحلها، أو غير ذلك كله، فإن اشترط ذلك في نفس العقد فهو عقد مفسوخ)[31]

ويرى ابن حزم أنه إن اشترطا ذلك بعد عقد الزواج فالعقد صحيح، ولها مهر مثلها، إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر.

وعلق على قوله - صلى الله عليه وسلم -:(إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج([32]بقوله: (هذا خبر صحيح، ولا متعلق لهم به، لأنهم لا يختلفون معنا، ولا مسلم على ظهر الأرض في أنه إن شرط لها أن تشرب الخمر، أو أن تأكل لحم  الخنزير، أو أن تدع الصلاة، أو أن تدع صوم رمضان، أو أن يغني لها، أو أن يزفن لها، ونحو ذلك أن كل ذلك كله باطل لا يلزمه. فقد صح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لم يرد قط في هذا الخبر شرطا فيه تحريم حلال، أو تحليل حرام، أو إسقاط فرض، أو إيجاب غير فرض، لأن كل ذلك خلاف لأوامر الله I، ولأوامره - صلى الله عليه وسلم -، واشتراط المرأة أن لا يتزوج، أو أن لا يتسرى، أو أن لا يغيب عنها أو أن لا يرحلها عن دارها - كل ذلك تحريم حلال، وهو وتحليل الخنزير والميتة سواء، في أن كل ذلك خلاف لحكم الله تعالى)[33]

وقد حمل الحديث على شرط الصداق الجائز الذي أمرنا الله تعالى به والذي استحل به الفرج لا ما سواه.

وقد رد على تعليق المالكية والحنفية صحة تلك الشروط ووجوب الوفاء بها إن علقت على طلاق أو تخيير بحرمة الحلف بغير الله ،قال في ذلك:(فصح أن من حلف بغير الله تعالى  فليس حالفا، ولا هي يمينا، وهو باطل ليس فيه إلا استغفار الله  I والتوبة فقط)

وأكبر ما يعتمد عليه ابن حزم في موقفه هذا هو بدعية هذه الشروط وعدم ورود النصوص بها يقول ابن حزم:(كل ذلك باطل، لأن الله I لم يوجب قط شيئا من ذلك، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)[34] فكل ذلك باطل)[35] هذا ما استدل به ابن حزم خصوصا،وسنعرض فيما يلي لأدلة الجمهور.

أدلة القول الأول:

الأدلة النقلية:استدل  أصحاب هذا القول بالأدلة التالية:

1. عن عائشة - رضي الله عنه -  قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم: فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي  - صلى الله عليه وسلم -فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:(أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ([36]، وفي رواية للبخاري:( اشتريها فاعتقيها وليشترطوا ما شاءوا (. فاشترتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:( الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط (. وفي رواية لمسلم:( شرط الله أحق وأوثق (، ولأصحاب هذا القول في الاستدلال بهذا الحديث برواياته المختلفة وجهان:

الوجه الأول:أن قوله - صلى الله عليه وسلم -:(ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)، يفيد بأن كل شرط ليس في القرآن، ولا في الحديث، ولا في الإجماع فليس في كتاب الله، بخلاف ما ورد فيها فإنه في كتاب الله بواسطة دلالته على اتباع السنة والإجماع، وهو استدلال الظاهرية.

أما الجمهور ـ القائلين بالقياس ـ  فقالوا: إذا دل على صحته القياس المدلول عليه بالسنة أو بالإجماع المدلول عليه بكتاب الله فهو في كتاب الله.

الوجه الثاني: أنهم يقيسون جميع الشروط التي تنافي مقتضى العقد على اشتراط الولاء، لأن العلة فيه كونه مخالفا لمقتضى العقد، لأن العقود في الأصل توجب مقتضياتها بالشرع فإرادة تغييرها تغيير لما أوجبه الشرع كالتغيير في العبادات، ولهذ استندوا للاستدلال على قولهم بالنصوص الدالة على كمال الدين وحرمة تعدي حدود الله كقوله I: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾(المائدة:3)، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾(الطلاق:1)، وقوله: ] تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾(البقرة:229)

2. عن عبد الله بن عمر، أن عائشة أم المؤمنين، أرادت أن تشتري جارية فتعتقها، فقال أهلها: نبيعها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال:( لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق)[37]

 3. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وشرط[38].

4. أن هذه الشروط إما أن تبيح حراما أو تحرم حلالا أو توجب ساقطا أو تسقط واجبا، وكل ذلك لا يجوز إلا بإذن الشارع.

القول الثاني: صحة العقد ولزومه 

وقد نص أصحاب هذا القول[39] على أن العقد صحيح لازم إن وفى به، وإلا فلها الفسخ، ويروى هذا القول عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية وعمرو بن العاص w، وبه قال شريح، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وطاوس، والأوزاعي، وإسحاق،  وهو مذهب الحنابلة ،وقد ذكروا فروعا هنا لا بأس من الإشارة إليها للتعرف على المدى الذي وصلوا إليه في تقييد العقد بالشروط، فمن تلك الفروع:

·  أن هذه الشروط صحيحة، لكنها لا تلزم إلا في الزواج الذي شرطت فيه، أما إن بانت منه، ثم تزوجها ثانيا لم تعد هذه الشروط في هذا العقد الثاني، بل يبطل حكمها إذا لم يذكرها فيه.

·  أن خيار الشرط على التراخي، فلا يسقط إلا بما يدل على الرضى، من قول أو تمكين منها مع العلم.

·  يجوز عندهم دفع كل واحد من الزوجين إلى الآخر مالا على أن لا يتزوج، أما الزوج  فمطلقا، أما الزوجة، فبعد موت زوجها، ومن لم يف بالشرط لم يستحق العوض، لأنها هبة مشروطة بشرط، فتنتفي بانتفائه ،وقيل:إن الشرط باطل لأنه ليس في ذلك غرض صحيح، بخلاف حال الحياة.

·  لو شرط أن لا يخرجها من منزل أبويها فمات الأب ،وقد ذكروا في هذه المسألة وجوها منها: أن الشرط يبطل، أو أنه لا يخرجها من منزل أمها إلا أن تتزوج الأم.

·  لو تعذر سكنى المنزل الذي اشترطته لخراب أو غيره يجوز نقلها إلى منزل ترتضيه هي، فإن نقلها إلى منزل لا ترتضيه فسخ، وفي قول آخر: أن له أن يسكن بها حيث أراد، سواء رضيت أو لا. لأنه الأصل، والشرط عارض، وقد زال. فرجعنا إلى الأصل، وهو محض حقه.

·  لو شرط لها أن يسكنها بمنزل أبيه، فسكنت، ثم طلبت سكنى منفردة، وهو عاجز: لا يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادرا ليس لها.

·  لو شرطت أن لا تسلم نفسها إلا بعد مدة معينة، اختلفوا في ذلك فقيل: لا يصح  ،وقيل بصحته كاشتراط تأخير التسليم في البيع والإجارة.

·  إذا شرط أن لا يفرق بينهما وبين أبويها، وأولادها، أو ابنها الصغير، وأن ترضعه  أو شرطت عليه نفقة ولدها وكسوته صحت جميع هذه الشروط ولزمه الوفاء بها.

أدلة القول الثاني:

استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة، بعضها يتعلق بعين المسألة، وبعضها يتعلق بالقواعد الكلية للشرع، وسنحاول إيراد ما أمكن منها في ما يلي[40]:

·  قال - صلى الله عليه وسلم -:( إن أحق الشروط أن توفوا بعد ما استحللتم به الفروج ([41]، فدل على استحقاق الشروط الوفاء، وأن شروط الزواج أحق بالوفاء من غيرها.

·  ذكر - صلى الله عليه وسلم - صهرا له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، فقال:(حدثني وصدقني ووعدني فوفى لي)[42]

·      في الحديث القدسي:( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر،  ورجل باع حرا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ([43]، فذم الغادر وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر.

·  أنه إذا كان حسن الوفاء ورعاية العهد مأمورا به، علم أن الأصل صحة العقود والشروط، إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده، ومقصوده هو الوفاء به، وإذا كان الشرع قد أمر بمقصود العهود دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، والمسلمون على شروطهم ([44].

·  الاستصحاب، لأن العقود والشروط من باب الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم، فيستصحب عدم التحريم فيها حتى يدل دليل على التحريم، كما أن الأعيان الأصل فيها عدم التحريم، وقوله I: ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾(الأنعام:119)عام في جميع الأشياء من الأعيان والأفعال.

·  أنه لم يرد في الشرع ما يدل على تحريم جنس العقود والشروط إلا ما ثبت حكمه بعينه، وانتفاء دليل التحريم دليل على عدم التحريم مثل الأعيان التي لم تحرم.

·  معظم ما يدل على أن الأصل في الأشياء عدم التحريم من الأدلة النقلية والعقلية، فإنه يستدل به أيضا على عدم تحريم العقود والشروط فيها سواء سمي ذلك حلالا أو عفوا على الخلاف بين الفقهاء في تسمية ذلك. 

·  أنه إذا حرمنا العقود والشروط التي تجري بين الناس في معاملاتهم العادية بغير دليل شرعي كنا محرمين ما لم يحرمه الله.

·  أن العقود في المعاملات من العادات التي يشترك في فعلها المسلم والكافر، وليست من العبادات التي يفتقر فيها إلى شرع.

·  أن الأحكام الجزئية الناتجة عن تصرفاتنا وعقودنا لم يشرعها الشارع شرعا جزئيا وإنما شرعها شرعا كليا بمثل قوله تعالى: ] وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ (البقرة:275)، وقوله:﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ (النساء:24)، وقوله: ﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ (النساء:3). وهذا الحكم الكلي ثابت سواء وجد هذا البيع المعين أو لم يوجد، والشارع لم يحكم عليه في المعين بحكم أبدا مثل أن يقول هذا الثوب بعه أو لا تبعه أو هبه أو لا تهبه، وإنما حكم على المطلق الذي إذا دخل فيه المعين حكم على المعين.

·   إذا ظهر أن العقود لا يحرم فيها إلا ما حرمه الشارع، فإنما وجب الوفاء بها لإيجاب الشارع الوفاء بها مطلقا إلا ما خصه الدليل على أن الوفاء بها من الواجبات التي اتفقت عليها الملل.

·  أن الأصل في العقود رضى المتعاقدين ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد لأن الله تعالى قال في كتابه: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾(النساء:29)، وقال: ] وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ (النساء:4)، فعلق جواز الأكل بطيب النفس تعليق الجزاء بشرطه، فدل على أنه سبب له وهو حكم معلق على وصف مناسب، فدل على أن ذلك الوصف سبب لذلك الحكم، وإذا كان طيب النفس هو المبيح للصداق فكذلك سائر التبرعات قياسا بالعلة المنصوصة التي دل عليها القرآن.

·  قوله تعالى:] لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾(النساء:29)،لم يشترط في التجارة إلا التراضي، وذلك يقتضي أن التراضي هو المبيح للتجارة، وإذا كان كذلك فإذا تراضى المتعاقدان أو طابت نفس المتبرع بتبرع ثبت حله بدلالة القرآن إلا أن يتضمن ما حرمه الله ورسوله كالتجارة في الخمر ونحو ذلك.

·  أن الشرط إذا كان منافيا لمقصود العقد كان العقد لغوا، وإذا كان منافيا لمقصود الشارع كان مخالفا لله ورسوله، فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما إذا لم يكن لغوا ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله فلا وجه لتحريمه.

·  أن الواجب حله، لأنه لولا حاجة الناس إليه لما فعلوه، فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه ولم يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على رفع الحرج.

·  أن العهد بنص القرآن الكريم قد يعقده المرء على نفسه، وقد أمر سبحانه بالوفاء به كما قال تعالى: ] وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا﴾(الأحزاب:15). فدل على أن عهد الله يدخل فيه ما عقده المرء على نفسه، وإن لم يكن قد أمر بنفس تلك العهود من قبل.

·  أن القول الأول يتنافى مع الأدلة النقلية الدالة على صحة العقود  التي وقعت في حال الكفر، بل إن الله أمر بالوفاء بها إذا لم يكن فيها بعد الإسلام شيء محرم، فقال سبحانه في آية الربا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِين﴾(البقرة:278)، فأمرهم بترك ما بقي لهم من الربا في الذمم، ولم يأمرهم برد ما قبضوه بعقد الربا، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط عام حجة الوداع الربا الذي في الذمم، فقال - صلى الله عليه وسلم -:( أيما قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وأيما قسم أدركه الإسلام فهو قسم الإسلام ([45]، وأقر الناس على أنكحتهم التي عقدوها في الجاهلية، ولم يأمر أحدا بتجديد زواج ولا بفراق امرأة إلا أن يكون السبب المحرم موجودا حين الإسلام، كأمره غيلان بن سلمة الثقفي الذي أسلم وتحته عشر نسوة أن يمسك أربعا ويفارق سائرهن، ولهذا اتفق المسلمون على أن العقود التي عقدها الكفار يحكم بصحتها بعد الإسلام إذ لم تكن محرمة على المسلمين، وإن كان الكفار لم يعقدوها بإذن شرعي.

·  عهود النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين، ووفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يها مع كونهم مشركين، أما قوله تعالى: ] بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾(التوبة:1)فتلك عهود جائزة لا لازمة، لأنها كانت مطلقة، وكان مخيرا بين إمضائها ونقضها، فأما من كان عهده مؤقتا فإنه لم يبح له نقضه بدليل قوله تعالى: ] إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾(التوبة:4)، وقال: ] كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾(التوبة:7)فإنما أباح النبذة عند ظهور أمارات الخيانة، لأنه المحذور من جهتهم.

·  أن المراد بالشرط في قوله:( من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق[46] (، أن المشروط لا نفس التكلم بالشرط، ولهذا قال:( وإن كان مائة شرط (أي وإن كان مائة مشروط، وليس المراد تعديد التكلم بالشرط، وإنما المراد تعديد المشروط، والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:( كتاب الله أحق وشرط الله أوثق (أي: كتاب الله أحق من هذا الشرط وشرط الله أوثق منه، وهذا إنما يكون إذا خالف ذلك الشرط كتاب الله وشرطه بأن يكون المشروط مما حرم الله تعالى.

·  أنه إذا لم يكن المشروط مما حرمه الله، فإنه لا يخالف كتاب الله وشرطه حتى يقال:(كتاب الله أحق وشرط الله أوثق)، فيكون المعنى من اشترط أمرا ليس في حكم الله أو في كتابه بواسطة أو بغير واسطة فهو باطل، لأن المشروط إن كان فعلا أو حكما مباحا جاز اشتراطه ووجب الوفاء به، وإن كان محرما لم يجز اشتراطه، فإذا اشترط الرجل مثلا أن لا يسافر بزوجته فهذا المشروط في كتاب الله لأن الشرع ورد بجواز عدم السفر بها، وإذا شرط عدم السفر فقد شرط أمرا مباحا في الشرع.

·  أن العقود والشروط المحرمة قد يلزم عنها أحكام وتنتج عنها آثار، فالله حرم عقد الظهار وسماه منكرا من القول وزورا، ثم إنه أوجب به على من عاد الكفارة ومن لم يعد جعل في حقه مقصود التحريم من ترك الوطء وترك العقد، فالعقد المحرم قد يكون سببا لإيجاب أو تحريم.

·  أن مقصود الشروط وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما، وعدم الإيجاب ليس نفيا للإيجاب حتى يكون المشترط مناقضا للشرع، وكل شرط صحيح فلا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبا، ويباح لكل منهما ما لم يكن مباحا، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حراما.

·  انتفاء المفسدة، بدليل عدم حرمتها لأن الفساد إنما ينشأ من التحريم، وإذا لم تكن فاسدة كانت صحيحة.

·  الأوامر الكثيرة الواردة في القرآن والسنة الحاثة عل الوفاء بالعقود والعهود، كقوله I: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(المائدة:1)، والعقود هي العهود، وقال I: ] وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾(الأنعام:152)، وقال I: ] وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾(الإسراء:34)وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ضد ذلك صفة المنافق في قوله:(أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كانت  فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)[47] ،وقال - صلى الله عليه وسلم -:( ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة([48]وعن بريدة بن الحصيب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال:( اغزوا فيه بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم ([49]فنهاهم عن الغدر وهو عام في كل الأحوال، ومنها شروط الزواج.

·   قالتعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾(النساء:1)،ووجه الاستدلال بالآية هو على ما قال المفسرون كالضحاك وغيره ﴿ تَسَاءَلُونَ بِهِ ﴾ تتعاهدون وتتعاقدون، لأن كل واحد من المتعاقدين يطلب من الآخر ما أوجبه العقد من فعل أو ترك أو مال أو نفع  ونحو ذلك.

الترجيح:

قبل أن نذكر القول الذي نراه راجحا في المسألة نحب أن نبين أن الاختلاف في هذه المسائل وفي الفقه جميعا مبني على الفهوم المختلفة للنصوص الشرعية، وليس مبنيا على الأهواء أو الأعراف والتقاليد حسب ما يتوهم البعض، والنص التالي يجلي هذه الحقيقة التي قد يرمي بها البعض الفقهاء والدافع لما ذهبوا إليه من أقوال، وهو مرتبط بالوجوه المحتملة لهذه المسألة.

قال عبد الوارث بن سعيد: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعا وشرط شرطا، فقال: البيع باطل والشرط باطل ،ثم أتيت بن أبي ليلى فسألته، فقال: البيع جائز والشرط باطل ،ثم أتيت ابن شبرمة فسألته: فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت: يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي  - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع وشرط، البيع باطل والشرط باطل، ثم أتيت بن أبي ليلى فأخبرته، فقال ما أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أمرني النبي  - صلى الله عليه وسلم - أن اشترى بريرة فأعتقها، البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت بن شبرمة فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال بعت النبي  - صلى الله عليه وسلم -   ناقة وشرط لي حملانها إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز)[50]

وهذا النص يبين أن الأدلة تكاد تكون متكافئة بين الطرفين إلا أنا مع ذلك نرى ترجيح القول الثاني بناء على ما ذكروه من القواعد الشرعية الكلية التي ترجع إليها جزئيات الأحكام الشرعية، وبناء على المصلحة التي تعود للزوجة والتي قد يحتاج إليها في المجتمعات التي تهضم حق المرأة، وقد تتخذ من بعض أقوال الفقهاء وسيلة لهذا الهضم.

ولهذا نرى عالما محققا كابن القيم يتخذ من هذا القول وسيلة لحيلة تحفظ بها حقوق المرأة في وجه الاستغلال السيئ من الرجل ،مع تشدده في تحريم الحيل، قال ابن القيم تحت عنوان:(حيلة في تخلص المرأة من الزوج الذي لا ترضى به): (إذا تزوجت المرأة وخافت أن يسافر عنها الزوج ويدعها، أو يسافر بها، ولا تريد الخروج من دارها، أو أن يتزوج عليها، أو يتسرى، أو يشرب المسكر، أو يضربها من غير جرم، أو يتبين فقيرا وقد ظنته غنيا، أو معيبا وقد ظنته سليما، أو أميا وقد ظنته قارئا، أو جاهلا وقد ظنته عالما، أو نحو ذلك، فلا يمكنها التخلص، فالحيلة لها في ذلك كله أن تشترط عليه أنه متى وجد شيء من ذلك فأمرها بيدها، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته، وتشهد عليه بذلك، فإن خافت أن لا تشترط ذلك بعد لزوم العقد، فلا يمكنها إلزامه بالشرط فلا تأذن لوليها أن يزوجها منه إلا على هذا الشرط، فيقول: زوجتكما على أن أمرها بيدها إن كان الأمر كيت وكيت ; فمتى كان الأمر كذلك ملكت تطليق نفسها)[51]

ثم عقب على هذه الحيلة بقوله:(ولا بأس بهذه الحيلة، فإن المرأة تتخلص بها من نكاح من لم ترض بنكاحه، وتستغني بها عن رفع أمرها إلى الحاكم ليفسخ نكاحها بالغيبة والإعسار ونحوهما)

ونحب أن نبين هنا أن الأرجح كذلك فيما نراه في مجتمعانتا من شروط متعارف عليها ـ مع عدم ذكرها في العقد ـ بأن حكمها حكم الشروط المذكورة في العقد، والدليل على ذلك ما روي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -  خطب بنت أبي جهل وعنده فاطمة بنت النبي  - صلى الله عليه وسلم -، فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -  ،فقالت: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكحا ابنة أبي جهل، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -  فخطب فقال: أما بعد، فإني قد أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني فصدقني ،وإن فاطمة بنت محمد بضعة مني، وأنا أكره أن تفتنوها، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا، فنزل علي - رضي الله عنه -  عن الخطبة[52].

قال ابن مفلح بعد روايته للحديث نقلا عن ابن القيم:(يؤخذ من هذا أن المشروط عرفا كالمشروط لفظا، وإن عدمه يملك به الفسخ، فقوم لا يخرجون نساءهم من ديارهم أو المرأة من بيت لا يزوج الرجل على نسائهم ضرة، ويمنعون الأزواج منه، أو يعلم عادة أن المرأة لا تمكن من إدخال الضرة عليها، كان ذلك كالمشروط لفظا، وهذا مطرد على قواعد أهل المدينة وأحمد أن الشرط العرفي كاللفظي، ولهذا أوجبوا الأجرة على من دفع ثوبه إلى قصار)[53]

حكم الشروط المتفق عليها قبل العقد وغير المذكورة في العقد

اختلف الفقهاء في الشروط التي يتفق عليها الزوج والزوجة، ويخلو العقد عن ذكرها على قولين:

القول الأول: تكون صحيحة لازمة يجب العمل بها كالمقارنة إذا لم يبطلاها، حتى لو قارنت عقد العقد، وهو ظاهر مذهب أبي حنيفة  ومالك وأحمد في قول، وهو وجه في مذهب الشافعي.

القول الثاني: أن الشروط المتقدمة لا تؤثر، وهو قول ثان في مذهب أحمد.

القول الثالث: التفريق  بين الشرط الذي يجعل العقد غير مقصود، والشرط الذي لا يخرجه عن أن يكون مقصودا، كاشتراط الخيار ونحوه، وهو قول ثالث في مذهب أحمد.

الترجيح:

نرى رجحان القول الأول، لما سبق بيانه في المسألة السابقة، وقد رجح ابن تيمية هذا القول واستدل له بالعقود التي كانت تجري بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره، مثل عقد البيعة التي كانت بينه وبين الأنصار ليلة العقبة، وعقد الهدنة الذي كان بينه وبين قريش عام الحديبية، وغير ذلك، فقد اتفقوا على الشروط، ثم عقدوا العقد بلفظ مطلق، (وكذلك عامة نصوص الكتاب والسنة في الأمر بالوفاء بالعقود والعهود والشروط، والنهي عن الغدر، والثلاث تتناول ذلك تناولا واحدا، فإن أهل اللغة والعرف متفقون على التسمية، والمعاني الشرعية توافق ذلك.)[54]

2 ـ نماذج عن مواقف العلماء من الشروط المقيدة للعقد

نتناول في هذا المبحث بعض المواقف التفصيلية في آحاد القضايا التي تتعلق بالشروط، خاصة ما يتعلق منها بواقعنا، لأن الكلام العام السابق قد يحتاج لبعض الأمثلة الموضحة:

1 ـ اشتراط المرأة أن لا يخرجها من دراها:

كأن يتزوج رجل امرأة وتشترط  عليه أن لا ينقلها من منزلها، أو أن تكون عند أمها، فهل الشرط صحيح، وهل يلزمه الوفاء وإذا خالف هذه الشروط؟ اختلف العلماء في ذلك عل قولين[55]:

القول الأول: أن الشرط صحيح يجب الوفاء به، وهومروي عن عمر ابن الخطاب وعمر ابن عبد العزيز، وهو قول القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وجابر بن زيد وروي عن شريح وغيرهم ،وهذا بعض ما روي عنهم:

·   عن عبد الرحمن بن غنم، أنه شهد عند عمر - رضي الله عنه -  رجل أتاه، فأخبره أنه تزوج امرأة وشرط لها دارها؟ فقال له عمر: لها شرطها، فقال له رجل عنده: هلكت الرجال إذ لا تشاء امرأة تطلق زوجها إلا طلقته؟ فقال عمر: المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.

·      عن أبي عبيد، أن معاوية أتي في ذلك فاستشار عمرو بن العاص؟ فقال: لها شرطها.

·  أن امرأة خاصمت زوجها إلى عمر بن عبد العزيز قد شرط لها دارها حين تزوجها فأراد أن يخرجها منها فقضى عمر أن لها دارا، لا يخرجها منها وقال: والذي نفس عمر بيده لو استحللت فرجها بزنة أحد ذهبا لأخذت ما به لها[56].

القول الثاني: أن الشرط غير صحيح ولا يجب الوفاء به، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك إلا أن يكون معلقا بطلاق أو بعتاق، أو بأن يكون أمرها بيدها أو بتخييرها، قال أبو عمران: إن ملكها بشرط فوجد الشرط ملكت أمرها وإلا لم تملكه، وإن ملكها بصفة قد توجد وقد تفقد لم تملك نفسها في الحال حتى توجد الصفة، وأول مسألة من سماع أشهب إذا ملكها فقالت: أشهدكم إن تزوج علي فقد اخترت نفسي أن ذلك لازم)[57]، وهو مروي عن بعض السلف منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ،والحسن وإبراهيم وغيرهم:

·   عن سعيد بن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فشرط لها أن لا يخرجها، فوضع عمر عنه الشرط وقال: المرأة مع زوجها.

·  عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -  في الرجل يتزوج المرأة يشترط لها دارها؟ فقال: شرط الله قبل شرطها.

·      عن علي - رضي الله عنه -  في التي شرط لها دارها قال: شرط الله قبل شرطها.

·      عن سعيد بن المسيب في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها قال: يخرجها إن شاء. 

·  عن محمد بن سيرين عن شريح أن امرأة جاءت فقالت: شرط لها دارها، فقال: شرط الله قبل شرطها.

·      عن الحسن قالا: يخرجها إن شاء.

·      عن الشعبي قال: يذهب بها حيث شاء والشرط باطل[58].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الشرط صحيح يجب الوفاء به ما داما قد تزوجا على ذلك لما سبق من الأدلة الموجبة للوفاء بالعهد إلا إذا حصل ما يصيب الحياة الزوجية بالحرج الشديد، والذي قد يحتاج في تقديره إلى حكم عدل من الجهتين، وحينذاك يمكنه إخراجها إلى المحل الذي يكون بديلا عن البيت الذي شرطته، وبذلك يمكن الجمع بين النصوص المختلفة عن السلف الصالح في ذلك، فالحكم العدل جعله الله فيصلا عند النزاع.

اشتراطها عليه أن يطلق ضرتها:

اتفق الفقهاء على أنه لا يصح هذا الشرط، ولم يخالف في ذلك أحد إلا ما روي عن أبي الخطاب من قوله بلزوم الشرط لأنه لا ينافي العقد، ولها فيه فائدة وشبه ذلك باشتراطها عليه أن لا يتزوج عليها  ولكن الأدلة الصحيحة الصريحة تخالفه ،ومنها ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه -  قال:( نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تشترط المرأة طلاق أختها (، وفي لفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال:( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها[59] ولتنكح فإن لها ما قدر لها([60]والنهي يقتضي فساد المنهي عنه.

وقد قيد ذلك ابن حجر بأن لا يكون هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة، أو لضرر يحصل لها من الزوج، أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك، فيكون كالخلع مع الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة.

ونقل عن ابن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب، فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح، وتعقب بأن نفي الحل صريح في التحريم، ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق أخرى، ولترض بما قسم الله لها قوله أختها[61].

أما عن أثر هذا الشرط في العقد، فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:

القول الأول: إن شرط المرأة على الرجل عند عقد نكاحها أنها إنما تنكحه على أن كل من يتزوجها عليها من النساء فهي طالق، شرط باطل وعقد نكاحها على ذلك فاسد يفسخ قبل الدخول، لأنه شرط فاسد دخل في الصداق المستحل به الفرج ففسد لأنه طابق النهي.

القول الثاني: أن الشرط باطل والنكاح ثابت صحيح.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو صحة العقد وبطلان الشرط لأنه من الشروط المناقضة للعقد، وقد مر ذكر أدلة ذلك سابقا، قال ابن عبد البر: (وهذا هو الوجه المختار وعليه أكثر علماء الحجاز وهم مع ذلك يكرهونها ويكرهون عقد النكاح عليها وحجتهم حديث هذا الباب)[62]، ثم عبر عن رأي المالكية الذي يقربهم من قول الحنابلة بقوله:(ومن أراد أن يصح له هذا الشرط المكروه عند أصحابنا عقده بيمين فيلزمه الحنث)[63]

من تزوج امرأة بكرا فوجدها ثيبا:

ومثل هذه المسألة ما لو شرط المرأة بصفة فوجدها بصفة أخرى كأن شرطها ذات نسب، فبانت دونه، أو شرطها بيضاء، فبانت سوداء، أو شرطها طويلة، فبانت قصيرة، أو حسناء فبانت شوهاء، وقد اختلف العلماء في أمثال هذه المسائل على قولين:

القول الأول: لا خيار له، لأن الزواج لا يرد فيه بعيب سوى ثمانية عيوب[64]، فلا يرد منه بمخالفة الشرط ،وممن ألزم الزوج من هذه صفتها الثوري والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والحنفية ،وهو مذهب أكثر المالكية ،ومن آراء السلف في هذه المسألة:

·   روى الزهري أن رجلا تزوج امرأة، فلم يجدها عذراء، كانت الحيضة خرقت عذرتها، فأرسلت إليه عائشة: إن الحيضة تذهب العذرة يقينا.

·  عن الحسن، والشعبي، وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء: ليس عليه شيء، العذرة تذهبها الوثبة، وكثرة الحيض، والتعنس، والحمل الثقيل.

القول الثاني: له الخيار، لأنه شرط صفة مقصودة، فبان خلافها، فيثبت له الخيار، وهو قول للشافعية.

القول الثالث: أن له الرد إن كان فيه اختلاف ،وهو قول أبي ثور. قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا وافق أبا ثور على مقالته[65].

الترجيح: نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول، وهومذهب أكثر المالكية كما نقل عنهم في التاج والإكليل[66] ،وهذا ملخص رأيهم في هذه المسألة المهمة والواقعية والتي كثيرا ما تحدث بسببهاالخلافات، ويتعصب فيها بعض الناس بحجة الغيرة من غير إدراك للحكم الشرعي، ففي نوازل البرزلي سئل القابسي عمن شرط عذراء فوجدها ثيبا قال: هذا شيء لا يمنع الزوج الوطء، وشيء يدخل على المرأة وهي لا تشعر، إما في الصغر من قفزة ولعب، وإما في الكبر من تكرر الحيض فتأكله الحيضة ويزول الحجاب وليس بعيب على كل حال.

وقالوا بأنه لا ينبغي أن ينظر إليها النساء للتأكد من حالتها، وبهذا أفتى شيخ الشيوخ ابن لب فقال:(لا يعتبر نظر القوابل على ما فيه من الخلاف إلا إذا نظرن عن قرب، والصحيح مع ذلك عند الفقهاء المتأخرين أن لا ينظر إلى البنت في دعوى الزوج الثيوبة لما فيه من الصعوبة من حصول الكشف الذي أصله الحظر لا سيما في هذه الأزمنة التي قلت فيها أمانة القوابل)

ولم يقفوا عند هذا بل رتبوا على ذلك الآثار التالية:

الأثر الأول: وجوب حد القذف إذا قال: وجدتها مفتضة، وإن ثبت قوله بخلاف ما إذا قال: لم أجدها بكرا، لأن العذرة تذهب بغير جماع، قال ابن الحاج: إن قال وجدتها مفتضة جلد الحد، وإن قال لم أجدها بكرا فلا حد عليه، لأن العذرة تسقط من الوثبة وما أشبهها.

الأثر الثاني: لزوم الصداق كاملا: يلزم الزوج جميع الصداق أولا لاعترافه بموجبه وهو الوطء، وبذلك أفتى الشيوخ في النوازل كنوازل ابن الحاج وغيرها.

وقد نصوا كذلك على أنه ينبغي لأولياء المرأة التي تذهب عذرتها بغير جماع أن يشيعوا ذلك ويشهدوا به ليرتفع عنها العار عند زواجها، وينبغي كذلك للولي أن يعلم الزوج عند تزويجها بما جرى عليها، فإن لم يعلمه، فقد قال أشهب: لا مقال للزوج. وقال أصبغ: للزوج الرد والرجوع على الأب. قال ابن العطار: وهذا هو الصواب عندي وإن أتى بامرأتين تشهدان له قبلتا ،وقال ابن حبيب: إن أتى الزوج بامرأتين تشهدان برؤية داء الفرج ولم يكن عن إذن القاضي قضى بشهادتهما بخلاف إذا شهدتا بأنها عذراء لأنه يئول إلى الفراق بخلاف الأول يعني إذا بنى بها وادعى المسيس[67].

اشتراط المرأة أن لا يتزوج عليها:

وهي من المسائل المهمة والواقعية[68]، وقد اختلف الفقهاء في اعتبار هذا الشرط وعدمه على قولين:

القول الأول: تصح هذه الشروط وما في معناها، وهو مذهب الإمام أحمد وغيره من الصحابة والتابعين ; كعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وشريح القاضي، والأوزاعي، وإسحاق، وعند المالكية:إذا شرط لها إذا تزوج عليها أن يكون أمرها بيدها، أو رأيها ونحو ذلك صح هذا الشرط أيضا، وملكت المرأة الفرقة به ،وهو مذهب مالك[69] ،قال ابن تيمية:(وهو في المعنى نحو مذهب أحمد)

القول الثاني: عدم صحة هذه الشروط وعدم وجوب الوفاء بها مع صحة الزواج، وهو مذهب الجمهور، لأنها من الشروط المناقضة لمقتضى العقد، وقد سبق ذكر أدلتهم عليها.

الترجيح:

نرى صحة القول الأول للأدلة السابقة، وقد يستدل على ذلك بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضي الله عنه -  على الزواج على فاطمة، رضي الله عنها، فلا دليل على خصوصية ذلك بها، ويكون ذلك من باب المعروف عرفا كالمشروط شرطا.

وقد أنكر ابن القيم مبالغة الجمهور في قبول الشروط المرتبطة بالمهر مع تقصيرهم في قبول مثل هذا النوع من الشروط بقوله: (وقالت الحنفية والمالكية والشافعية: إذا شرطت الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بلدها أو دارها أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فهو شرط باطل، فتركوا محض القياس، بل قياس الأولى، فإنهم قالوا: لو شرطت في المهر تأجيلا أو زيادة على مهر المثل لزم الوفاء بالشرط، فأين المقصود لها في الشرط الأول إلى المقصود الذي في هذا الشرط؟ وأين فواته إلى فواته؟ وكذلك من قال منهم: لو شرط أن تكون جميلة شابة سوية فبانت عجوزا شمطاء قبيحة المنظر أنه لا فسخ لأحدهما بفوات شرطه، حتى إذا فات درهم واحد من الصداق، فلها الفسخ بفواته قبل الدخول، فإن استوفى المعقود عليه ودخل بها، وقضى وطره منها ثم فات الصداق جميعه ولم تظفر منه بحبة واحدة فلا فسخ لها؟)[70]

وقد أنكر عليهم قياس مثل هذا النوع من الشروط بالشروط الفاسدة، فقال:(وقسم الشرط الذي دخلت عليه على شرط أن لا يؤويها، ولا ينفق عليها، ولا يطأها، أو لا ينفق على أولاده منها، ونحو ذلك مما هو من أفسد القياس الذي فرقت الشريعة بين ما هو أحق بالوفاء منه، وبين ما لا يجوز الوفاء به)

وأنكر عليهم كذلك جعل شروط الزواج ـ مع أهميتها ـ أحقر الشروط وأحقها بعدم الوفاء، فقال:(وقد جعل النبي  - صلى الله عليه وسلم - الوفاء بشروط النكاح التي يستحل بها الزوج فرج امرأته أولى من الوفاء بسائر الشروط على الإطلاق، فجعلتموها أنتم دون سائر الشروط وأحقها بعدم الوفاء) 

وسنرى السبب في تشدد الفقهاء في شروط المهر دون غيرها من الشروط في الفصل الخاص بأحكام المهر.

اشتراط طلاق كل امرأة يتزوج بها عليها:

وهو يختلف عن الشرط السابق، كما هو واضح، وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا الشرط على الأقوال التالية:

القول الأول: الشرط غير لازم، وهو مذهب الشافعي.

القول الثاني: الشرط لازم له، فمتى تزوج وقع به الطلاق، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.

القول الثالث: لا يقع به الطلاق، لكن إذا تزوج كان الأمر بيدها، إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته، وهو مذهب أحمد، واستدل على ذلك زيادة على الأدلة السابقة بأن رجلا زوج امرأة بشرط أن لا يتزوج عليها، فرفع ذلك إلى عمر، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط.

الترجيح:

نرى رجحان القول الثالث للأدلة السابقة، أما القول الأول فتترتب عنه مضرة للمرأة الأولى بسبب عدم الوفاء لها بما طلبته، وعلى القول الثاني تحصل المضرة للمرأة الثانية التي تطلق من غير رغبة من زوجها، وفي القول الثالث تنتفي كلتا المفسدتين، وقد اختار ابن تيمية القول الثالث وانتصر له[71]، وسنفصل الأدلة على رجحان هذا القول عند الحديث عن حكم طلاق الأجنبية.

دفع المرأة الصداق للرجل:

وهو من الشروط الفاسدة، وقد روي أن عليا - رضي الله عنه -  أفتى في امرأة تزوجت رجلا على أن عليها الصداق وبيدها الفرقة والجماع فقال علي - رضي الله عنه -: خالفت السنة ووليت الأمر غير أهله، عليك الصداق وبيدك الجماع والفرقة، وذلك السنة، وعن الحسن قال: ليس للنساء أن يصدقن الرجال[72].

 

 



([1])  الشرح الكبير: 2/283، الفواكه الدواني: 2/14، المبدع: 7/80، الكافي في فقه ابن حنبل: 3/55، كشاف القناع: 5/91.

([2])  المصنف:3/283.

([3])  المحلى:9/123.

([4])  المدونة:2/129، 2/75، فتح العلي المالك:1/332.

([5])  التاج المذهب:2/30.

([6])  المغني: 7/72، الفتاوى الكبرى: 6/67، الفروع لابن مفلح:5/216.

([7])  بدائع الصنائع:2/277.

([8])  المحلى: 9/123.

([9])  شرح النيل:6/282.

([10])  التاج المذهب: 2/30.

([11])  فتح العلي المالك: 1/333.

([12])  منح الجليل:3/426.

([13])  المغني:7/72.

([14])  المغني:7/72.

([15])  رد المحتار:3/131.

([16])  المحلى: 9/123.

([17])  شرح النيل:6/282.

([18])  التاج المذهب: 2/30، البحر الزخار:4/31.

([19])  شرائع الإسلام:2/245.

([20])  انظر: كشاف القناع: 5/98، كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: 32/162، المغني:7/72، الهداية شرح البداية: 210، حاشية ابن عابدين:4/569.

([21])  المنتقى: 3/296، الإنصاف: :8/155.

([22])  المدونة الكبرى:4/219، المنتقى:3/296، التاج والإكليل:3/446، الفواكه الدواني:2/14، الشرح الكبير:2/306.

([23])  شرح ميارة: 1/175.

([24])  المدونة:2/76، المنتقى: 3/296،297.

([25])  المدونة: 2/149.

([26])  ولهذا أنكر ابن بشير على اللخمي حكاية مثل هذا القول، وقال فعل سحنون لا يدل على أن مذهبه الجواز، لأنه قد يستخف مثل هذا للضرورة أيضا، فإن فعل أحد لا يدل على الجواز إلا من وجبت له العصمة.

([27])  شرح البهجة:4/186، حاشيتا قليوبي وعميرة:3/281.

([28])  الأم: 5/188.

([29])  المبسوط:5/105، تبيين الحقائق:2/115، الهداية شرح البداية: 212، حاشية ابن عابدين: 3/104، شرح فتح القدير: 3/373، بدائع الصنائع: 2/278.

([30])  شرح فتح القدير: 3/373، جواهر العقود:2/36.

([31])  المحلى:9/123.

([32])  البخاري: 2/970، 5/1978، أبو داود: 2/244، النسائي: 3/322، أحمد: 4/150.

([33])  المحلى:9/123.

([34])  البخاري:6/2675.

([35])  المحلى:9/126.

([36])  البخاري:2/759، 2/903، مسلم:2/1141، ابوداود:4/21، النسائي:3/194، ابن ماجة:2/842، الموطأ:2/780، أحمد:6/81، وقد استنبط العلماء من هذا الحديث فوائد كثيرة حتى خصوه بالمصنفات ،قال النووي:«صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثر فيهما من استنباط الفوائد منها فذكر أشياء »،  وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة  إلى أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف ،كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وفائدة، انظر: شرح النووي على صحيح مسلم:10/42، تحفة الأحوذي:6/266.

([37])  مسلم: 2/1141، وغيره.

([38])  قال ابن تيمية: «وقد ذكره جماعات من المصنفين في الفقه، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث، وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء، وذكروا أنه لا يعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه »، قال في نصب الراية:« رواه الطبراني في معجمه الوسط ،ورواه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتاب علوم الحديث في باب الأحاديث المتعارضة، قال بن القطان وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث »نصب الراية: 4/17.

([39])  الإنصاف:8/155 فما بعدها، الفروع: 5/318، مطالب أولي النهى:5/115، المبدع: 7/80، دليل الطالب: 231، مختصر الخرقي: 94، المحرر في الفقه: 2/23، زاد المستقنع:170، المغني: 7/71.

([40])  انظر: الفتاوى الكبرى:4/77 وما بعدها.

([41])  البخاري: 2/970، أبو داود:2/244، النسائي: 3/322، أحمد: 4/150.

([42])  البخاري: 2/970.

([43])  البخاري:2/776، ابن ماجة:2/816، أحمد:2/358، سنن البيهقي الكبرى: 6/121.

([44])  قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، المستدرك:2/58، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، الترمذي: 3/634.

([45])  أبو داود: 3/126، ابن ماجة:2/831، سنن البيهقي الكبرى: 9/122، التمهيد: 2/49.

([46])  سبق تخريجه.

([47])  البخاري:1/21، مسلم:1/78، الترمذي: 5/19، النسائي:6/35، أحمد:2/357.

([48])  البخاري: 3/1164، مسلم: 3/1360، الترمذي: 4/144، النسائي:5/224، ابن ماجة: 2/959.

([49])  مسلم:3/1357، الترمذي:4/162، النسائي: 5/172، ابن ماجة: 2/953، أحمد:5/352، الدارمي: 2/284.

([50])  نصب الراية: 4/17.

([51])  إعلام الموقعين:3/298.

([52])  البخاري: 3/1361، مسلم: 4/1902، الترمذي: 5/698، ابن حبان: 15/408، المستدرك: 3/173، وقد علل نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا عن الزواج على فاطمة بعلل مختلفة منها أن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالاتفاق، أو أن السياق يشعر بأن ذلك مباح لعلي لكنه منعه النبي - صلى الله عليه وسلم -   رعاية لخاطر فاطمة، وقبل هو ذلك امتثالا لأمر النبي  - صلى الله عليه وسلم -، أو لأنها قد لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين، أو أن يعد ذلك في خصائص النبي  - صلى الله عليه وسلم -  أن لا يتزوج على بناته، وقد أشار إلى هذا الوجه الأخير ابن عبد البر، انظر: فتح الباري:9/328.

([53])  المبدع:7/82.

([54])  الفتاوى الكبرى:3/78.

([55])  المحلى:9/123، الفتاوى الكبرى:3/90.

([56])  المصنف:3/73.

([57])  التاج والإكليل:5/397.

([58])  المصنف:3/73.

([59])  قال النووي: في الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل الزوج طلاق زوجته وأن ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفة ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازا، قال الكسائي وأكفأت الاناء كببته وكفأته وأكفأته أملته والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو أختها في الاسلام أو كافرة»شرح النووي على مسلم: 9/193..

([60])  البخاري:2/752، مسلم:2/1029، الترمذي:3/495، النسائي:3/276، الموطأ:2/900، أحمد:2/238.

([61])  فتح الباري: 9/220.

([62])  التمهيد: 18/166.

([63])  التمهيد: 18/166.

([64])  انظر تفصيل هذه العيوب في الأجزاء التالية لهذا الجزء.

([65])  المغني:7/56.

([66])  انظر: التاج والإكليل:5/157.

([67])  التاج والإكليل:5/157.

([68])  انظر في المسألة: الجواهر العقود: 2/23، المبدع: 7/81، دليل الطالب:231، الفروع:5/162، مختصر الخرقي:94، المحرر في الفقه:2/76، عمدة الفقه:95، الإنصاف للمرداوي: 8/155، كشاف القناع:5/38، كتب ورسائل ابن تيمية في الفقه:29/135، المغني:7/72، المهذب:2/57، روضة الطالبين:7/265، الهداية شرح البداية:1/208، حاشية ابن عابدين: 3/129، الحجة:3/211، التاج والإكليل:3/512، الفواكه الدواني:2/14، الشرح الكبير:2/306، مواهب الجليل:3/530، وغيرها من المراجع، وهي من المسائل التي تحتاج إلى مزيد بحث ونظر.

([69])  قال في التاج والإكليل:«وهذا النوع من الشروط مكروه، لكنه لا يفسد النكاح، ولا يلزم إلا أن يكون فيه تمليك أو يمين ،فإن شرط شيئا من هذا النوع ثم خالفه، فإن لم يكن علقه بيمين ولا وضعت لأجله شيئا من صداقها، فله مخالفة الشرط بفعل ما شرط أن لا يفعله، وترك ما شرطت فعله، وإن كان علق الشرط بيمين لزمه» التاج والإكليل:3/512.

([70])  إعلام الموقعين: 1/312.

([71])  الفتاوى الكبرى:3/124.

([72])  المصنف:3/427.