الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: أنبياء يبشرون بمحمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

 عاشرا ـ بشارات من أسفار العالم

الخاتمة

عاشرا ـ بشارات من أسفار العالم

في اليوم العاشر، وهو اليوم الأخير من رحلتي إلى تلك البلاد المقدسة خرجت من بيتي، وقد قررت أن لا أرى أحدا، ولا أجالس أحدا .. لقد أرسلني أخي إلى هذه البلاد لأتزود من نسمات المسيح، فلم أشم فيها إلا عطر محمد.

كنت أفكر فيما سأقول له، وكيف أقابله .. وبينما أنا في هذا التفكير إذ رأيت مقهى هندية لم أشك في كونها كذلك .. فقد كانت روائح الهنود بلباسهم وموسيقاهم تفوح منها.

لست أدري كيف خطر على بالي في تلك اللحظة أن أجلس فيها، وكأني أفر من شيء يطاردني، لم أعرف في تلك اللحظة ما هو .. لكني بعد ذلك علمت أنه صار لي خوف من كل قارئ للكتاب المقدس سواء كان مسلما أو مسيحيا .. لقد حولت الأيام السابقة الكتاب المقدس بالنسبة لي كتابا للتبشير بمحمد، لا كتابنا الذي نفخر به، ونعبد الله بتلاوته.

لكني لم أنج في هذه المقهى مما لم أنج منه في غيرها.

لقد رأيت أربعة نفر من الهنود يتحدثون، ورحت كعادتي ـ من غير شعور ـ أسترق الاستماع لهم .. وهذا نص ما سمعت:

قال أحدهم: سأحدثكم بما ينقضي دون العجب.

قالوا: وما ذاك؟

قال: لقد كنت أقرأ البارحة في كتابنا المقدس (السامافيدا).. فرأيت فيه شيئا شدني.. وكأني كنت أعمى لم أره من قبل.

قالوا: وما رأيت؟

قال: لقد رأيت اسم محمد .. اسم نبي المسلمين في كتابنا .. وقد نقلت لكم النص الذي ورد فيه .. وهو من في الفقرتين 6 وَ 8 من الجزء الثاني.

أخرج ورقة من جيبه، وقال: ها هو النص .. لقد كتبته بحروفه.

راح يقرأ :( أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس )

قال الثاني: أنت تذكرني بنص قرأته قبل سنوات في كتاب (أدروافيدم أدهروويدم ) وهو ـ كما تعلمون ـ كتاب مقدس عندنا معشر الهندوس .. لقد قرأت في الجزء العشرين منه ، الفصل 127، الفقرة 1-3 هذا النص ( أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس .. وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد )

قال الثالث: لقد ذكرني قولكما بنص ورد في (بفوشيا برانم ) بهوشى برانم .. لقد قرأت في الجزء3، الفصل3، العبارة 5 وما بعدها هذا النص:( في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم، والملك يطهره بالخمس المطهرات) .. فهذا نص صريح لا يمكن انطباقه إلا على محمد.

بل إن في قوله (الخمس المطهرات) إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم[1].

قال الرابع: وأنا مثلكم جميعا .. لقد رأيت بعض شعائر دينه في كتاب (بفوشيا برانم)، فقد ورد فيه وصف لأصحاب محمد .. فذكر أنهم ( الذين يختتنون، ولا يربون القزع، ويربون اللحى، وهم مجاهدون، وينادون الناس للدعاء بصوت عال، ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء[2] للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويسمون بمسلي[3] بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ، ودينهم هذا يخرج منا، وأنا الخالق )

كان هناك رجل بعيد عنهم، وكان يتصنت لحديثهم، كما كنت أتصنت أنا، فجأة رأيته نهض، وقال: أحقا ما كنتم تتحدثون عنه؟

قالوا: ما بالك؟

قال: أنا زرادشتي ..

قالوا: وما علاقة ذلك بالهندوس؟

قال: لقد وجدت في كتبنا القديمة التي سبقت محمد بقرون طوريلة مثلما وجدتم في كتبكم، لقد ورد فيها :( إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النارفي هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين، وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ[4]..وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات)[5] 

نظروا إلى بعضهم، وفي عيونهم حيرة شديدة، قال أحدهم: ما الذي ننتظر.. إن شمس محمد تشرق علينا .. فلم نرغب عنها؟

قالوا: صدقت .. هيا بنا نستنير بأشعتها، وننعم بدفئها ..

ساروا فرحين .. وسرت خلفهم بحيرة جديد .. وببصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

الخاتمة

ختمت الأيام العشرة التي كانت مقررة لي في هذه الرحلة الأولى في حياتي إلى تلك البلاد المقدسة.

لا أخفيك أني قد رجعت بمشاعر متباينة لا أستطيع تمييزها ..

هل كنت فرحا لأني اكتشفت أشياء جديدة لم أكن أعرفها .. أو لأني سمعت حوارا عقليا، كان أخي، وكان الكثير ممن لاقيتهم يحرص على أن لا أخوضه؟

أو كنت حزينا .. لأن معارفي التي كنت أبشر بها، وأحرص عليها بدأت تتسرب إليها تلك الأشعة التي أخمدت نار فارس، وحطمت أبراج قيصر.

لست أدري أي المشاعر تغلب في تلك اللحظات التي امتطيت فيها الطائرة، وجلست فيها مسترخيا على كرسيها.

في تلك اللحظات خطر على بالي ذلك الرجل العجيبب الذي جلس بجانبي.. كم تمنيت أن يعود ليجلس بجانبي من جديد .. لأسمع منه كلام العقل والحكمة.

ما خطر هذا الخاطر على خاطري حتى التفت، فوجدته أمامي يقرأ الجريدة، ففرحت كثيرا، وقلت: مرحبا بك .. ها نحن نعود جميعا .. كما سرنا جميعا.

ابتسم بهدوء، ثم عاد ليغوص في قراءة جريدته، سألته: ما تقرأ؟

قال: أقرأ هذه الجريدة.

قلت: أرى ذلك .. ولكني أقصد أي موضوع هذا الذي ملأ فكرك انشغالا به؟

قال: لقد أوردت هذه الصحيفة خبرا مهما، فأنا أفكر في مدى صدقه.

قلت: وما أوردت؟

قال: لقد نقلت عن وكالات الفضاء الأمريكية والأوروبية والروسية .. بل عن جميع وكالات الفضاء العالمية أخبارا مؤكدة بأن الشمس ستنكسف بعد أسبوع في أجزاء كثيرة من أرض اليونان.

قلت: هذا خبر أكيد .. فهذه جريدة محترمة .. والذين نقلت عنهم لا يقلون عنها احتراما .. ثم كيف اجتمعوا على إيراد مثل هذا الخبر؟

قال: ولكن ألا يمكن أن يكونوا قد اجتمعوا على الكذب علي وعلى الناس؟

قلت: وما يجديهم الكذب .. إن هؤلاء خبراء علماء .. لا يشك في صدقهم ولا علمهم إلا معاند ، ثم إن سائر الأنباء التي ذكروها، والتي أثبتت الأيام صدقها تدل على صدقهم الدائم.

قال: ألا يمكن أن يكونوا قد اجتمعوا على الكذب في هذا الخبر خاصة؟

قلت: يستحيل ذلك .. فالجرائد الكثيرة نقلت ذلك .. ووكالات الفضاء كلها اتفقت على ذلك .. ولا عليك .. اصبر أسبوعا واحدا، وسيأتيك بالأخبار من لم تزود.

قال: ألوكالات الفضاء الأرضية كل هذه المصداقية؟

قلت: ألست من الأرض حتى تعبر عنها بوكالات الفضاء الأرضية؟

قال: نعم أنا من الأرض .. ولكني منشغل بالسماء .. أقول لنفسي: ما بال البشر يطبقون على تصديق وكالات الفضاء الأرضية .. ثم هم أنفسهم يطبقون على تكذيب وكالات الفضاء السماوية.

قلت: ما تقصد؟ .. وهل هناك وكالات فضاء سماوية؟

لم تمهله المضيفة حتى يجيبني .. لقد جاءت وطلبت منه أوراقه، فسار معها .. أسرعت لأدركه، لأسأله عنه وعن سره، وعن وكالات الفضاء السماوية .. فلم أجده.. سألت المضيفة .. فابتسمت .. ولم تقل شيئا ..

رجعت إلى مكاني .. وأنا أفكر في هذه الوكالات السماوية، وعن الأخبار التي جاءت بها .. فلم يخطر على بالي إلا ما استفدته من رحلتي من البشارات بمحمد r.

قلت في نفسي: نعم .. نحن نرمي بالجنون كل من كذب نبأ نطق به الخبراء في شأن من الشؤون الأرضية التي قد لا يضرنا الجهل بها كثيرا .. ولكنا في شؤون السماء.. بل في شؤون الحقائق الأزلية التي ينبني عليها الكون، وتنبني عليها حياتنا نمتلئ جهلا وغفلة وكبرياء .. ثم لا نضحك على أنفسنا، ولا نعود لنراجعها لنعرف ما وقعنا فيه من أخطاء.

عدت لأراجع كل ما سمعته من بشارات .. وقلت في نفسي: نعم .. قد يكون بعضها متكلفا .. وقد يكون بعض القائلين بها متكلفين .. ولكن كيف يجتمع كل أولئك .. وتجتمع معهم كل تلك الوكالات السماوية على شيء واحد هو التبشير بمحمد ..

ألا يستدعي ذلك بحثا جادا عن محمد؟

ألا يستدعي بحثا في حياته، وفيما جاء به؟

نحن نبحث عن المجرمين، وتفاصيل حياتهم ومنجزاتهم .. فلم لا نتعامل مع محمد، ولو من هذا المنطلق، لنرى حقيقته من خلال المصادر الصحيحة، لا المصادر التي لا تريد إلا تشويهه ..

سرني هذا الخاطر .. وما وصلت إلى بلدي، حيث استقبلني أخي التوأم، حتى رحت أسرد عليه هذا الخاطر، وأقول له: لم لا نبحث في حياتي محمد، كما نبحث في حياة غيره .. لنرى حقيقته .. فلا أرى شيئا ينفر من المجرم غير حياته الممتلئة بالإجرام.

انتفض أخي غاضبا، وقال: إياك أن تقترب من محمد .. إن شمسه حارقة.. لم يقترب منها أحد إلا أحرقته .. فإن شئت أن تعيش مسيحيا، وتموت مسيحيا، وتنعم بالخلاص الذي جاء به المسيح، فسد هذا الباب، ولا تأكل من شجرة محمد .. فمن أكل منها هبط من جنة المسيح، كما هبط آدم من جنة الخلد.

قلت: ولكن .. ما الذي يمنعنا من دراسته؟ .. نحن ندرس الكثير من الفلاسفة والأباطرة .. بل والمجرمين ..

قال: محمد مختلف .. إنه شيء مختلف تماما .. ولن أستطيع أن أقول لك غير هذا.

لم يجبني أخي التوأم بغير هذا .. لكنه لما رأى ما أصابني من حزن وألم لما أجابني به، قال: أنسيت الهمة العظيمة التي كنت تحملها .. وكنت أحملها معك.. أنسيت همتنا للترقي .. أنسيت البابا ..

قلت: لا .. لم أنس .. فهل ترى محمدا يحول بيني وبين البابا؟

قال: ليس في العالم من يحول بينك وبين البابا غير محمد ..

طأطأت رأسي .. ولم أجد ما أجيبه به، فقال: ارفع رأسك .. وهنئنا على أول نجاح حصل لنا ..

قلت: أي نجاح؟

قال: لقد رقيت أنا وأنت درجة جديدة في سلم الكنيسة .. ونحن الآن سائران في السلم الذي نصعد به إلى كرسي البابا.

قلت: ما الذي تقصد؟

قال: نتيجة لنجاحك في المهمة التي كلفت بها .. فقد أرسلوا لي هذه الترقية، وقد كلفونا برعاية كنيستنا في الإسكندرية هذا الصيف .. نعم هي مهمة بسيطة .. ولكنها درجة في السلم الذي نصعد به على كرسي البابا.

قلت: ولكني لم أنجح في مهمتي التي وكلت بها.

قال: ألم تعد إلينا والصليب في رقبتك، والمسيح على شفتيك؟

قلت: بلى ..

قال: فهذا نجاح لا يعدله نجاح .. لم يذهب إلى تلك البلاد أحد إلا رمى صليبه، واحترق بشمس محمد .. فهنئ نفسك بنجاتك.

***

التفت إلي البابا، وقال: كانت هذه هي رحلتي الأولى إلى شمس محمد r.. وقد كانت تنبيها مهما انطلقت منه سائر الرحلات، أو كانت بذرة نبتت منها شجرة اهتمامي بالبحث عن حقيقة محمد .. فهل ترغب في أن أذكر لك رحلتي الثانية التي بدأت من الإسكندرية، لتتعرف على كتاب محمد المقدس؟

قلت: أجل .. فإن لحديثك متعة لا تدانيها متعة.

قال: فهلم معي .. لتسمع رحلتنا إلى (الكلمات المقدسة)[6]

 

 



([1]) انظر:كتاب التيارات الخفية في الديانات الهندية القديمة لمؤلفه: تى محمد.

([2]) الدرباء نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان ويعدون هذا العمل تطهيراً من الخطايا.

([3])أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شئ من التحريف.

([4])وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم.

([5])محمد في الأسفار العالمية: 47.

([6]) هي الجزء الثاني من هذه السلسلة.