الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: أنبياء يبشرون بمحمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

تاسعا ـ بشارات من أسفار الأنبياء

بشارة ميخا:

بشارة دانيال:

بشارة حبقوق:

بشارة حجي:

بشارة زكريا

بشارة ملاخي:

بشارة يوحنا:

بشارة صفتيا:

بشارة حزقيال:

تاسعا ـ بشارات من أسفار الأنبياء

في اليوم التاسع خرجت من بيتي .. وأنا مستغرب مما حصل لي في هذه الرحلة التي اتفق الكل على أن يلقنني فيها تعاليم واحدة، لقد كنت أقول لنفسي: لو أن هؤلاء جميعا اجتمعوا ودبروا وخططوا ما كان لخططهم أن تكون بهذه الدقة التي أراها ..

لست أدري هل كان ذلك مجرد مصادفة، أو أن الله تعالى وفر لي ذلك الجو ليجذبني إلى الحقيقة التي كنت أفر منها بكل ما أوتيت من قوة، أو هي شمس محمد تأبى إلا أن تسطع، لتغمر كل ما تحتها بأشعتها المنيرة الدافئة !؟

سرت بهذه الحال، فصادفني ناد لم أشك في كونه ناديا مسيحيا، فقد كان الصليب على بابه ، وبجانبه كثير من الشعارات والصور المسيحية.

دخلت إليه، لأمسح بعض آثار الشبهات التي امتلأت بها نفسي في الأيام السابقة التي قضيتها في تلك القرية.

رأيت داخل القاعة مجموعة رجال تجتمع على مائدة واحدة، لست أدري كيف ملت إلى الجلوس بجانبهم، ولست أدري كيف حنت نفسي إلى الاستماع لهم .. لقد كان هناك مغناطيس يجذبني إليهم، ولكني لا أراه، ولا أستطيع أن أفر منه.

لم أتكلم في ذلك المجلس كلمة واحدة، لقد كنت أكتفي بالنظر وباستراق السمع، وقد كان لهم من أدب الحديث ما جعلني أنجذب إليهم انجذابا تاما.

وسأقص عليك حديثهم من أوله إلى أن فارقت ذلك المجلس.

بشارة ميخا:

قال أحدهم، واسمه دانيال ـ على حسب ما علمت بعد ذلك ـ: ماذا تقول يا ميخا؟ .. هل رأيت ذلك حقيقة؟

قال ميخا: أجل يا دانيال.. رأيته كما أراك الآن، وأنا الآن أعرفه كما أعرف أبنائي.. لقد صدق كتاب المسلمين المقدس حين قال :) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ( (البقرة: من الآية146)

قال دانيال: وقد قال تتمة للآية :) وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (البقرة: من الآية146)

قال ميخا: صدق كتاب محمد .. إن كثيرا من التحريفات واضحة في الكتاب المقدس .. وأخطر تلك التحريفات تلك النصوص الممحوة .. ولكن مع ذلك يمكن للبيب العاقل أن ينتبه لها .. بل يراها من حجب الكتمان الكثيرة التي رانت عليها.

قال دانيال: حدثني عما رأيت، وعما ملأك بهذه القناعة.

قال ميخا: لقد رأيت النبي ميخا يخبر عن الوقوف بجبل عرفة الذي لا يقف عليه إلا المسلمون.

قالوا: أصحيح ذلك؟

قال ميخا: أجل .. أنتم تعرفون أن النبي ميخا شاهد الهيكل .. هيكل سليمان .. ولكنه في البشارة التي هداني الله إليها يتحدث عن أمم كثيرة، وشعوب من كل بقاع الأرض متوحدة على دين واحد، وهي تسعى .. يستحيل أن يكون ذلك غير جبل عرفات.

سأقرأ لكم البشارة لتسمعوها بعقولكم، وتسمعوا معها ميخا، وهو يبشر بمحمد.

أنصت الجميع بخشوع إليه، فراح يقرأ :( ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا فى رأس الجبال، و يرتفع فوق التلال، وتجرى إليه شعوب، وتسير أمم كثيرة. ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب، وإلى بيت إله يعقوب. فيعلمنا من طرقه، ونسلك فى سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب )( ميخا: 4/1)

قالوا: ولكنا نرى النص يتحدث عن أورشليم .. وعن صهيون.

قال: هذا من التحريف .. تأملوا الأوصاف التي ذكرها .. هل تنطبق على جبل صهيون .. أم ترونها تنطبق على جبل عرفات؟

قالوا: ولكن كيف نترك الاسم الواضح إلى الوصف المحتمل؟

قال: أنتم تعلمون أن إسماعيل كان بكرا لإبراهيم.

قالوا: ومن يشك في ذلك .. وما علاقة ذلك بنبوءة ميخا؟

قال: لقد أثبتوا في الكتاب المقدس .. أولئك المحرفون الذين لا يتورعون .. ما يبين تناقضهم .. ألم يضيفوا إسحق إلى النبوءة .. فذكروا أن الله قال لإبراهيم :( اذبح ابنك بكرك إسحاق )، وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله، فقد جمعوا بين النقيضين ، فإن بكره هو اسماعيل فإنه بكر أولاده ، واسحاق انما بشر به على الكبر بعد قصة الذبح.

قال ملاخي: لقد ذكرتني يا ميخا بنص قرأته في إنجيل برنابا .. ذلك الإنجيل الذي نطبق على تكذيبه .. ومع ذلك نشعر بأن له من الصدق ما تفتقر إليه سائر الأناجيل.

هاهو الإنجيل معي .. وسأفتحه على الموضع الذي يؤكد فيه أن الذبيح هو إسماعيل.. ويذكر تلاعب قومنا بالكتاب المقدس.

اسمعوا ما يقول.

أخذ يقرأ عليهم بخشوع من إنجيل برنابا :( الحق أقول لكم إن كل نبي متى جاء فإنه يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده، فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه، وسيأتي بقوة على الظالمين ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان.. لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا :( انظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض، وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك )

أجاب يعقوب: يا معلم، قل لنا من صنع هذا العهد؟ فإن اليهود يقولون بإسحق والإسماعيليون يقولون بإسماعيل.

أجاب يسوع: ابن من كان داود، ومن أي ذرية؟

أجاب يعقوب: من إسحق لأن إسحق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود.

أجاب التلاميذ: من داود؟!

فأجاب يسوع: لا تغشوا أنفسكم، لأن داود يدعوه في الروح ربا قائلا هكذا: قال الله لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك.. فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا ابن داود فكيف يسميه داود ربا.. صدقوني لأني أقول لكم الحق، إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق..

حينئذ قال التلاميذ: يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحق..

أجاب يسوع متأوها: هذا هو المكتوب ولكن موسى لم يكتبه ولا يسوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله.. الحق أقول لكم إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون حيث كتبتنا وفقهائنا لأن الملاك قال:( يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله ).. أجاب إبراهيم :( ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كلم ما يريد الله )

فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا :( خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة )، فكيف يكون إسحق البكر وهو لما ولد وكان إسماعيل ابن سبع سنين؟

أغلق الكتاب، وقال: إني أشم روائح الصدق من هذا الإنجيل أكثر من أي إنجيل آخر.

التفتوا إلى ميخا، وقالوا: عد بنا إلى بشارة ميخا.

قال: كما أن قومنا حرفوا اسم الذبيح، فإنهم حرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة، فسمتها التوراة السامرية (الأرض المرشدة)، فيما سمته التوراة العبرانية (المريا )، ولعله تحريف لكلمة (المروة)، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة ، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل، وهو المكان الذي يوجد فيه جبل عرفات.

وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع (جبل الله)، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك، لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً، فقال السامريون: هو جبل جرزيم، وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون كما في (الأيام (2) 3/1).

وقد أكد الباحثون هذا الاختلاف، فهذا الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس، يقول :( يظن الأكثرون أن موضع الهيكل هو نفس الموضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقديم إسحاق، غير أن التقليد السامري يقول: إن موضع الذبح لإسحاق كان على جبل جرزيم، وبعض العلماء يوافقونهم )

ويقول محققو نسخة الرهبانية اليسوعية :( يطابق سفر الأخبار الثاني (3/1)  بين موريّا وبين الرابية التي سيشاد عليها هيكل أورشليم .. غير أن النص يشير إلى أرض باسم موريّا لا يأتي ذكرها في مكان آخر، ويبقى مكان الذبيحة مجهولاً )

والحق الذي توصلت إليه هو أن المكان معروف غير مجهول، لأن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة، وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران.

وقد رأيت أن اختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده لرجمهم بالظنون، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله، كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله.

وقد بقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد أدرك المسيح هذا الخلاف، فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل.

لقد قرأتم ذلك بلا شك .. فقد جاء في إنجيل متى :( قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود.

ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا )(يوحنا 4/19-24)

فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة.

وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين (ولكن تأتي ساعة وهي الآن) يفيد اقترابها لا حلولها، كما في متى :( أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء ) (متى 26/64)، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء.

ومثله قول المسيح :( وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان)(يوحنا 1/51) ، (وانظر صموئيل (1) 15/28).

قال حجي: بورك فيك يا ميخا .. لقد فهمت الآن نصا من سفر إشعيا طالما احترت في تفسره .. لقد رمز النبي إشعيا لمكة بالعاقر، وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها، ويعدها بالأمان والبركة والعز، فقال:( ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب: أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين والى اليسار، ويرث نسلك أمماً، ويعمر مدناً خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد..

قال راحمك الرب: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هانذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتاً، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيك تلاميذ الرب، وسلام بنيك كثيراً، بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين، وعن الارتعاب فلا يدنو منك، ها إنهم يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط، هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله، وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي )(إشعيا 54/1-17)

ففي النص مقارنة لمكة بأورشليم، فسمى مكة بالعاقر لأنها لم تلد قبل محمد، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس، لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة، فلا تسمى حينذاك عاقراً، لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.

قال حبقوق: لقد تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص، المدينة المباركة التي فيها بيت الله، والتي تتضاعف فيها الحسنات، فالعمل فيها يعدل الألوف في سواها، وقد سماها باسمها (بكة)، فجاء فيها:( طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صهيون، يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب، سلاه، يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك، لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار) (المزمور 84/4-10).. فقد ورد في الترجمة الإنجليزية هكذا (through the valley of Ba'ca make it a well ) فذكر أن اسمها بكة، وترجمته إلى وادي البكاء صورة من التحريف.

وقد سماها النص العبري بكة، فقال: [בְּעֵמֶק הַבָּכָא]، وتقرأ : (بعيمق هبكا)، أي وادي بكة.

والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك هكذا :( يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأن المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلى لهم إله الآلهة في صهيون )(83/7-8)

قال حجي: هذا الاسم (بكة) هو اسم بلد محمد، وهو الاسم الذي سمّى القرآن الكريم به مكة البلد الحرام، كما في القرآن :) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ( (آل عمران:96)، وبركة هذا البيت بما جعل الله لقاطنيه وقاصديه من مضاعفة الحسنات عنده، فصلاة فيه كما يخبر محمد تعدل أكثر من ألف صلاة فيما سواه، فصدق فيه قول المزمور :( لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف )

بشارة دانيال:

التفت ميخا إلى دانيال، وقال له: لقد ذكرت البشارة العظيمة التي وجدتها.. فهل وجدت أنت شيئا؟

قال دانيال: أنتم تعلمون أن الكتاب المقدس نقل بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت.

قالوا: أجل .. لا شك في ذلك.

قال: ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها، ففسرها له النبي دانيال فقال:( أنت أيها الملك كنت تنظر، وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك، ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد، والبعض من خزف.

كنت تنظر إليه إلى أن قطع حجر بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان.

أنت أيها الملك ملك ملوك، لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء.. فأنت هذا الرأس من ذهب.

وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء، وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد، فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس....

وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين )(دانيال 2/21 - 45)

قالوا: فأي دلالة على محمد يشير إليها هذا التفسير الذي فسره دانيال؟

قال: أنتم تعلمون أن هذه الرؤيا وتفسيرها يشير إلى الممالك التي ستقوم بين يدي بني الملكوت.

قالوا: أجل .. ذلك واضح.

قال: ولهذا حاولت أن أطبق تفسير هذه الرؤيا على الأحداث التاريخية لأرى من تنطبق عليه.

قالوا: هذا جيد .. وهو منهج علمي صحيح.

قال: لقد رأيت أن أولها هي مملكة بابل التي يرأسها بختنصر، والتي يرمز لها في الحلم بالرأس الذهبي.

ثم مملكة فارس التي أقامها خسرو، وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (593 ق.م)، ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين من فضة.

ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وأسسها الاسكندر المقدوني (336 ق.م)، ويرمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس.

ثم تلتها امبراطورية الرومان والتي أسسها الأمبرطور بوفبيوس (63 ق.م)، ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين إحداهما من خزف وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أو انقسام الأمبراطورية الرومانية .

وفي أيام هذه الامبراطورية نصت النبوءة على أن الله يقيم المملكة التي لن تنقرض أبدا .. كما جاء في سفر دانيال :( وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً )

وقد جاء بقيامها الحجر الذي رذله البناؤون، وقد قطع بغير يدين، إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم، وأقام الملكوت الموعود في الدنيا قروناً طويلة، ولم ينقطع بأس هذه الأمة إلا في هذا القرن الأخير.

ولعل في هذه النبوءة ما يبشر بكون هذا الكسوف عرضاً زائلاً ما يلبث أن يزول، فتشرق شمس أمة محمد من جديد.

وقد أقر هودجكن في كتابه (المسيح في كل الكتب) بأن الحجر الذي قطع بغير يدين، ويسحق التمثال العظيم كناية عن مملكة (المسيا) أي المسيح المنتظر .. وليس المسيح المنتظر إلا محمد.

وفي التفسير التطبيقي: وأما الحجر المقطوع من الجبل، فيشير إلى ملكوت الله الذي يحكمه المسِيّا ملك الملوك إلى الأبد.

قال زكريا: لقد فهمنا هذه الرؤيا .. ودلالتها التاريخية صريحة جدا .. وقد قرأت رؤيا دانيال للحيوانات الأربع .. فهل لديك شيء في تفسيرها؟

قال دانيال: أجل .. وسأقص عليكم الرؤيا قبل أن أفسرها لكم .. قال دانيال: كنت أرى في رؤياي ليلاً، وإذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير، وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك، الأول كالأسد.. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب .. وإذا بآخر مثل النمر.. وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداً، وله أسنان من حديد كبيرة، أكل وسحق وداس الباقي برجليه، وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون .. كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً، لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض )(دانيال 7/3-18)

قال زكريا: لقد رأيت قومي يفسرون الممالك الأربعة بالمملكة البابلية ثم الفارسية ثم اليونانية ثم الرومانية، ويرون الملكوت متحققاً في ظهور دين المسيح وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم.

قال دانيال: كنت أقول ذلك مثلهم .. لكني لما تخلصت من القيود التي كانت تحول بين عقلي وبين التفكير السليم وجدت أن المملكة الروحية التي أسسها الحواريون لا يمكن أن تكون الملكوت الموعود، لأن دانيال يتحدث عن أربع ممالك حقيقية، سحق آخرَها ملكٌ حقيقي، لا روحي، كما جاء فيها :( وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك )(دانيال 2/44)

وقال عن المملكة ونبيها :( لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة)(دانيال 7/14)

وقد فهم التلاميذ من المسيح أن هذه المملكة القادمة زمنية لا روحية، فسألوه، وهم يظنون أنها تقوم على يديه :( هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟)(أعمال 1/6)، وقد اجتهد المسيح في إفهامهم أن مملكته روحية، بينما المملكة القادمة مملكة حقيقية.

ثم إن مملكة التلاميذ لم تقهر الدولة الرومانية، بل إن الرومان قهروا المسيحية بعد حين، حين أدخلوا وثنياتهم فيها.

وكيف لنا أن نقول بأننا قهرنا الرومان، ونحن نزعم أن المسيح مات على أعواد صليب روماني؟

أما المسلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية، واقتلعوها من أرض فلسطين، ثم بقية بلاد الشام ومصر، ثم أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للإسلام.

 بشارة حبقوق:

التفتوا إلى رجل منهم، اسمه حبقوق، فقالوا: مالنا نراك واجما يا حبقوق؟

قال: أنا محتار من نفسي، ومن قومي .. لطالما قرأت في سفر حبقوق قوله:( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت : الله جاء من تيمان. والقدوس من جبل فاران ) (حبقوق 3/2 ) فلم نلق له بالا على الرغم من أن فيه تبشيرا صريحا بمحمد.

قالوا: كيف؟

قال: أتعلمون سبب جزع النبى حبقوق؟

قالوا: لا .. لقد علم أن النبي الخاتم الموعود سيكون من بني إسماعيل ..

إن كل النبوءة تشير إليه .. سأقرأها عليكم كاملة .. اسمعوا.

فتح الكتاب المقدس على سفر حبقوق، ثم راح يقرأ بخشوع :( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت، يا رب عملك في وسط السنين أحيه، في وسط السنين عرّف.في الغضب اذكر الرحمة الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران.سلاه.جلاله غطى السموات والارض امتلأت من تسبيحه. وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. قدامه ذهب الوباء، وعند رجليه خرجت الحمّى. وقف وقاس الارض.نظر فرجف الامم ودكّت الجبال الدهرية وخسفت اكام القدم.مسالك الازل له. رأيت خيام كوشان تحت بلية.رجفت شقق ارض مديان. هل على الانهار حمي يا رب هل على الانهار غضبك او على البحر سخطك حتى انك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص. عرّيت قوسك تعرية.سباعيّات سهام كلمتك.سلاه.شققت الارض انهارا. ابصرتك ففزعت الجبال.سيل المياه طما.اعطت اللجّة صوتها.رفعت يديها الى العلاء. الشمس والقمر وقفا في بروجهما لنور سهامك الطائرة للمعان برق مجدك. بغضب خطرت في الارض.بسخط دست الامم. خرجت لخلاص شعبك لخلاص من مسحته ملكا.سحقت راس بيت الشرير معرّيا الاساس )( حبقوق 3: 2-14)

قالوا: فاشرح لنا منها ما هداك إلى محمد.

قال: ألا ترون في النص ذكرا لأماكن محددة لا يمكن التلاعب بتأويلها؟

قال يوحنا: أجل .. أرى جهتين مذكورتين فى مطلع هذا المقطع، وهما: تيمان، والتي تعنى اليمن، وجبل فاران، وهو يعنى جبل النور الذى بمكة التى هى فاران.

قال حبقوق: هاتان الجهتان عربيتان، وهما ترمزان لشبه الجزيرة العربية التى كانت مسرحاً لرسالة محمد .. فالحديث إن ليس عن نبي من بنى إسرائيل ؛ لأن رسل بنى إسرائيل كانوا من جهة الشام شمالاً، لا من جهة بلاد العرب.

بالإضافة إلى أن هذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة لتى وردت في سفر التثنية ، والتي نصت على أن الله تلألأ أو استعلن من جبل فاران.

قال حجي: ولكن .. نحن نعلم أن هناك بجوار سيناء بلدة اسمها فاران.

قال حبقوق: نعم .. لقد بحثت في هذا .. وهو  لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم، واللاهوتي يوسبيوس، فقالا بأن فاران هي مكة.

بل قد ورد في الكتاب المقدس أن إسماعيل وأبناءه قد انتشروا في هذه المنطقة حيث تقول التوراة :( هؤلاء هم بنو إسماعيل.... وسكنوا من حويلة إلى شور) (التكوين 25/16 – 18)، وحويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس منطقة في أرض اليمن، وشور في جنوب فلسطين.

وعلى هذا، فإن إسماعيل وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل، والتي نصت عليها التوراة التي تقول :( كان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر )(التكوين 21/20-21)

صمتوا، فقال: ومع ذلك .. فأنا لا أرى في النبوءة إلا هذه البشارة وحدها .. إن في البشارة ناحية مهمة جديرة بالاهتمام، إن فيها حديثا عن الخيل والسهام والسيوف، وذلك لا ينطبق إلا على جيوش محمد، وقد قال أحد المرتدين عن المسيحية إلى الإسلام وهو علي بن ربن الطبري بعد أن أورد تطابق هذه النبوة مع حاله :( فإن لم يكن هو الذي وصفتا ـ أي محمد ـ فمن إذاً؟ لعلهم بنو إسرائيل المأسورون المسببون، أو النصارى الخاضعون المستسلمون. وكيف يكون ذلك وقد سمي فيها النبي مرتين ووصف عساكره وحروبه )

ألا ترون النبوءة ماذا تقول .. إنها تقول :( قاس الأرض كقائد يقف وينظر إلى ميدان الحرب، ويعين لفرق جيشه مراكزهم وأعمالهم فيعملون كما رسم القائد ) 

ترى أى نبى ذلك ؟ إنه نبى محارب ، لقد كان حبقوق حوالى 605 ق.م. أى بعد داود وسليمان بقرون عديدة؟

ومع ذلك .. فإن هناك الكثير مما يستوقف الناظر الصادق:

لقد ورد في البشارة :( قام فمسح الأرض )، وهذه العبارة تحاكي ما جاء في حديث نبي المسلمين الذي يقول :( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها .. )[1] 

وقد ورد في البشارة :( لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ تراث آبائك).. فمن أباؤه؟ إنهم إبراهيم وإسماعيل، وما هو إرثهم ؟ هل هو الملك أم الأموال أم ماذا ؟ إنه التوحيد والرسالة كما ورد في كتاب المسلمين المقدس :) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( (آل عمران:68)، وقال تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( (الممتحنة:4)

وقد ورد في البشارة الإشارة إلى كثرة التسبيح التي ملأت الأرض .. فأنبئوني عن الأمة التي تفرد الله بالتسبيح، وتكثر منها بقدر ما تفعل أمة محمد.

وقد ورد فيها دكه لعروش الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة، وذلك لم يتحقق إلا في رسالة محمد.

وقد ورد أن خيل جيوشه ركبت البحر، وهذا لم يحدث إلا فى ظل رسالة الإسلام.

زيادة على هذا كله، فقد حصلت تحريفات كثيرة للنص بفعل الترجمة، وقد حفظ لنا علي بن ربن الطبري النص كما كان مترجما في عهده، وهو ( التيمن، والقدوس من جبل فاران. لقد انكسفت السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده، ويكون شعاع منظره مثل النور، يحوط بلده بعزه، وتسير المنايا أمامه، وتصحب الطير أجناده. قام فمسح الأرض، ثم تأمل الأمم وبحث عنها، فتضعضعت الجبال القديمة، واتضعت الروابي الدهرية، وتزعزعت ستور أهل مدين، ولقد حاز المساعي القديمة، وغضب الرب على الأنهار. فرجزك في الأنهار، واحتدام صولتك في البحار، ركبت الخيول، وعلوت مراكب الإنقاذ والغوث، وستترع في قسيك إغراقاً وترعاً، وترتوي السهم بأمرك يا محمد ارتواءً، وتحرث الأرض بالأنهار. ولقد رأتك الجبال فارتاعت، وانحرف عنك شئويوب السيل، ونعرت المهاوي نعيراً ورعياً، ورفعت أيديها وجلاً وخوفاً، وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك، تدوخ الأرض غضباً، وتدوس الأمم رجزاً، لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ شريعة آبائك )[2]

بشارة حجي:

قال ملاخي: وأنت يا حجي ما الذي وجدت في أسفار الأنبياء؟

قال حجي: لقد بحثت في سفر حجي في النصوص القديمة، فوجدته يصرح باسم محمد الذي يطلق عليه (محماد) مشتهى الأمم.

قالوا: أهذا صحيح؟

قال: لا أشك في ذلك .. كما لا أشك فيكم .. وسأبدأ القصة من أولها:

بعد عودة بني إسرائيل من السبي، وتخفيفاً لأحزانهم، ساق لهم النبي حجي بشارة من الله فيها:( لا تخافوا، لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود )(حجي 2/6 - 9)

هذه النبوءة تتحدث عن القادم الذي وعد به إبراهيم، وبشر به يعقوب وموسى ثم داود.

لقد حاولت التأكد من النص من لغاته الأصلية، فوجدته يصرح باسم محمد.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: أنتم تعلمون خبرتي باللغات القديمة .. وقد وجدت النص بالعبرانية هكذا :( لسوف أزلزل كل الأرض، وسوف يأتي (محماد) لكل الأمم .. وفي هذا المكان أعطي السلام )

فقد جاء في العبرية لفظة (محماد) أو (حمدت) كما في قراءة أخرى حديثة، ولفظة (محِمْادْ) في العبرانية تستعمل عادة لتعني (الأمنية الكبيرة) أو (المشتهى)، والنص حسب الترجمة العبرانية المتداولة : (فباؤا حمدات كول هاجوييم).

لكن لو أبقينا الاسم على حاله دون ترجمة، كما ينبغي أن يكون في الأسماء، فإنا واجدون لفظة (محماد) هي الصيغة العبرية لاسم أحمد، والذي أضاعها المترجمون عندما ترجموا الأسماء أيضاً.

وجاء في تمام النبوءة الحديث عن البيت الأخير لله، والذي هو أعظم مجداً من البيت الأول، ثم يقول :( في هذا المكان أعطي السلام )، وقد استخدمت الترجمة العبرية لفظة (شالوم)، والتي من الممكن أن تعني الإسلام، فالسلام والإسلام مشتقان من لفظة واحدة.

وقوله :( في هذا المكان أعطي السلام )، قد تتحدث عن عقد الأمان الذي عم تلك الأرض والذي أعطاه عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما فتحها، فتكون النبوءة عن إعطاء السلام، ولم تنسبه إلى المشتهى، ذلك أن الأمر تم بعد وفاته في أتباعه وأصحابه.

ولا ريب أن النبوءة لا تتحدث عن المسيح، إذ لا تقارب بين ألفاظ النبوءة واسمه، أو بين معانيه وما عهد عنه، إذ لم يستتب الأمن في القدس حال بعثته، بل بشر اليهود بخراب هيكلهم بعد حين، كما كان رسولاً إلى بني إسرائيل فحسب، وليس لكل الأمم، والقادم هو مشتهى الأمم جميعاً، وليس خاصاً ببيت يعقوب كما جاء في وصف المسيح مراراً.

بشارة زكريا

قال ملاخي: وأنت يا زكريا .. هل ظفرت بأي نبوءة تبشر بمحمد؟

قال: أجل .. لقد شدني في سفر زكريا هذا النص :( ويكون فى ذلك اليوم، يقول رب الجنود : أنى أقطع أسمـاء الأصنام من الأرض فلا تذكر بعد.  وأزيل الأنبـياء أيضاً و الروح النجس من الأرض، ويكون إذا تنبأ أحد بعد، أن أباه وأمه والديه يقولان له: لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب، فيطعنه أبوه وأمه والداه عندما يتنبأ )(زكريا: 13 : 2-3 )

قالوا: أهذه النبوءة تتحدث عن محمد؟

قال: أجل .. ويمكنكم إدراكها بسهولة إذا علمتم أن محمدا دخل مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام، ويقول :) جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً( (الاسراء: من الآية81)، فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقى منها صنم إلا وقع، كما صعد بلال إلى ظهر الكعبة، فكسر ما عليها من الأصنام وهو يقول : الله أكبر، الله أكبر.

إن النبوءة تتحدث عن هذا كله .. وتتحدث عن مدعين للنبوة قتلا هما الأسود العنسي، ومسيلمة  الكذاب.

صمتوا، فقال: إن هناك نبوءة أخرى في سفر زكريا تقول :( هكذا قال رب الجنود قائلا: هوذا الرجل (الغصن) اسمه، ومن مكانه ينبت ويبنى هيكل الرب فهو يبنى هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه، ويكون كاهنا على كرسيه ) (زكريا 6/12-13)

إن هذه النبوءة تتحدث عن مشاركة محمد فى بناء الكعبة ونقل الأحجار إليها على كتفه بعد أن هدمها السيل، لقد بُنى بيت الله فى مكة منشأ ومنبت الرسول ، لقد كان كل مؤمن يحتمي به لأنه كان أشجع الناس ..

زيادة على هذا كله ، فقد ورد في الإصحاح الثامن ـ حسب النسخة العبرية ـ هذه البشارة الصريحة :( هكذا يقول رب الجنود: في تلك الأيام يجتمع عشرة رجال من كل لسانات الشعوب ويتمسكون بذيل رجل حميد، أعني أبو حيد، ويقولون: لنذهب معك، لأننا سمعنا أن الله معك )

لقد ذكر الشيخ زيادة الذي اختار طريق محمد هذه البشارة بلفظها العبري ثم ترجمها إلى اللغة العربية، وأطال الكلام حول هذه البشارة، واشتقاقات اسم حميد وأحمد، وبين أنه ظل سنين طويلة، وهو يقرأ هذه النبوة ويفهمها على وفق الترجمة اليهودية، حتى يسر الله له كتب أصول اللغة العبرية ـ وكانت شبه معدومة ـ فوقف من خلالها على حقيقة هذا اللفظ (يا أودي)، وأنه إذا ترجم إلى اللغة العربية صار (حميد)

بشارة ملاخي:

قالوا: وأنت يا ملاخي .. نراك تسألنا، ولا تفيدنا.

قال ملاخي: لقد رأيت في آخر أسفار التوراة العبرانية النبي ملاخي يتحدث في سفره القصير عن عصيان بني إسرائيل، وعن إيليا، أو إيلياء القادم الجديد، وهو غير إلياس الذي كان قد توفي منذ سبعة قرون.

يقول ملاخي حاكيا عن الله :( هأنذا أرسل ملاكي، فيهيء الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود من يحتمل يوم مجيئه، ومن يثبت عند ظهوره، لأنه مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار )(ملاخي 3/1 - 2)

فالنص في سفر النبي ملاخي يتحدث عن اثنين، أحدهما الذي يهيئ الطريق أمام القادم من عند الرب.

والثاني هو الذي يأتي بغتة إلى الهيكل، ويسميه: السيد، وملاك العهد، وهو الذي يطلبه بنو إسرائيل وينتظرونه.

وفي آخر سفره يقول ملاخي، وحديثه مازال متصلاً عن هذا القادم، وعن تبديل بني إسرائيل وكفرهم، فيقول :( اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام، هأنذا أرسل إليكم إيّليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن )(ملاخي 4/4 - 5)

فقد سمى ملاخي النبي القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوريب والتي ذكر فيها موسى النبي القادم مثله من بين إخوة بني إسرائيل.

قال صفتيا: ولكن قومنا يعتقدون أن أن النبي الذي يمهد الطريق هو يوحنا المعمدان المسمى بإيليا، كما قال مرقس :( كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك .. كان يوحنا المعمدان يعمد في البرية .. وكان يكرز قائلاً: يأتي بعدي من أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه، أنا عمدتكم بالماء، وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس، وفي تلك الأيام جاء يسوع )(مرقس 1/2 - 9)، وهو نفس ما نقله لوقا عن لسان المسيح :( بل ماذا خرجتم لتنظروا، أنبياً؟ نعم أقول لكم: وأفضل من نبي، هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك، لأني أقول لكم: إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه )(لوقا 7/26)

فالممهِد للطريق على حسب هذه النصوص هو يوحنا المعمدان، والممهد له المنتظر هو المسيح.

وهم يعتبرون الأول (إيليا) لقول متى على لسان المسيح في سياق حديثه عن يوحنا المعمدان :( ماذا خرجتم لتنظروا: أنبياً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي، فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه .. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبئوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع )(متى 11/9 - 15)

ويذكر متى أيضاً بأن المسيح قال:( إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه .. حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان )(متى 17/10 - 13)

قال ملاخي: لقد كنت أقول هذا .. لكني عندما نزعت حجب الوهم، ودرست الكتاب المقدس دراسة فاحصة اكتشفت الحقيقة التي ذكرتها لكم.

قالوا: فسرها لنا .. فنحن لا نزال على مذهب قومنا.

قال: قبل أن أشرح لكم ما توصلت إليه، أحب أن أنبه إلى بعض ما تعرضت له هذه النصوص من تحريف، ففي ملاخي (ملاك العهد)، وهو في الترجمات القديمة (رسول الختان) .. وفي الترجمة الحديثة (أرسل ملاكي)، وفي القديمة (أرسل رسولي).. وفي بعض الطبعات (يأتي السيد)، وفي بعضها ( الولي)، وفي أخرى ( إيليا)

زيادة على ذلك .. فإن في نصوص الأناجيل تحريف للاقتباس من ملاخي الذي استعمل ضمير المتكلم (الطريق أمامي)، وفي الأناجيل أصبح الضمير راجعاً على المسيح (يهيئ طريقك قدامك)

كما أن التحريف قد طال كلام المسيح والمعمدان حين زعم الإنجيليون أن المسيح اعتبر المعمدان هو الممهد لدعوته :( هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك )(لوقا 7/26)، وأنه سماه إيليا المنتظر :( ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه .. حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان )(متى 17/12 - 13)

ومن التحريف قولهم أن المعمدان أخبر أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو المسيح:( ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه .. وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم، هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي )(يوحنا 1/26-40)

قالوا: ما بالك تجازف فتتهم الإنجيليين بالتحريف؟

قال: أنا لا أتهمهم .. ولكن مقارنة النصوص أوصلتني إلى هذه النتيجة .. زيادة على أن يوحنا المعمدان أنكر أن يكون هو النبي إيليا الممهد بين يدي السيد القادم، فقد نفى هو ذلك عن نفسه لما جاءه رسل اليهود من الكهنة واللاويين (  ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح .. فسألوه إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا .. النبي أنت؟ فأجاب: لا )(يوحنا 1/19 - 21)، فهذا نص صريح ينكر فيه يوحنا أنه إيليا الممهد للطريق ، كما أنه ليس المسيح المنتظر أو النبي القادم.

ويلزم من هذا تكذيب المسيح في قوله بأن إيليا قد جاء، أو أن يكون المعمدان كاذباً حين أنكر أنه إيليا، أو يلزم القول بأن التلاميذ لم يفهموا كلام المسيح، وهذا الأخير هو الأولى، فقد أخطأ متى حين قال :( حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان )، لقد ظنوا أنهم فهموا، بينما الحقيقة أنهم لم يفهموا، لقد كان يحدثهم عن نفسه، فهو النبي القادم الذي يهيئ الطريق للقادم المنتظر :( هأنذا أرسل ملاكي، فيهيء الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود )

زيادة على هذا، فإن صفات إيليا لا تنطبق على المعمدان، لأنه يأتي بعد المسيح، فقد قال المسيح عنه:( إيليا المزمع أن يأتي )، والمسيح والمعمدان متعاصران.

وعندما يأتي إيليا فإنه (يرد كل شيء)، و (فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم)، ومثل هذا لم ينقل عن المعمدان الذي عاش في الصحراء، طعامه الجراد والعسل، ولباسه وبر الإبل، وغاية ما صنعه تعميد من جاءه تائباً كما في (متى 3/1 - 5)

ولا يمكن التسليم بأن المعمدان كان تمهيداً للمسيح، إذ كيف يقال ذلك، والمعمدان قبيل مقتله ـ حسب الأناجيل ـ لا يعرف حقيقة المسيح، ويرسل تلاميذه ليسألوا المسيح :( أنت هو الآتي أم ننتظر غيرك؟ )(متى 11/3)

فكيف يقال بأنه أرسل بين يديه، وهو لم يعرف حقيقته؟ ثم ماذا صنع يوحنا بين يدي مقدم المسيح؟ هل صنع شيئاً يتعلق بالمهمة التي تزعمها الأناجيل له؟

بشارة يوحنا:

قال يوحنا: صدقت يا ملاخي .. لقد كان لي اهتمام خاص بيوحنا .. وقد عرفت أن حقيقته هي ما ذكرته .. لقد كان يوحنا مثل المسيح كلاهما يبشران بمحمد.

اسمعوا إلى هذه البشارة التي نطق بها يوحنا، وهو يحذر بني إسرائيل من الغضب الآتي الذي سيسلطه الله عليهم :( والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار )(متى 3/10-11)

قال صفتيا: نحن نقرأ في هذه البشارة تبشيرا بالمسيح.

قال يوحنا: لا .. لقد كنت أقول ذلك، ولكني عرفت بعد ذلك أن المقصود هنا هو محمد.

قال صفتيا: فسر لنا ذلك.

قال يوحنا: أنتم تعلمون أن يوحنا المعمدان، وهو الذي يطلق عليه المسلمون اسم يحيى، كان نبياً معاصراً للمسيح، بل كان ابن خالته.

وقد كان المسيح يعظم يوحنا كثيرا، وكان يقول عنه :( الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان )( متى 11 : 11 )

والكتاب المقدس ـ مع هذا الثناء الذي يصبه على يوحنا ـ لم يذكر ليوحنا أي معجزات، ولا أي تعاليم خاصة به، لأنه لم يأت بأي  شرائع أو قوانين جديدة.

فمصدر العظمة فيه هو أنه كان المبشر بالبشارة السارة عن قدوم الملكوت الذي اتفقت الأنبياء على البشارة به، كما جاء في لوقا :( كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا، ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله )(لوقا 16/16-17)

ولهذا كان يوحنا يصيح في البرية بما صاح به جميع الأنبياء، كما في متى :( جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات )( (متى 3/1 - 2)

وقد حفظ لنا الإنجيليون بعض ما كان يتحدث به يوحنا عن الملكوت القادم، ومن ذلك قوله لليهود، وهو يتوعدهم :( يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي .. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ )(متى 3/1 - 12)

وقد ذكر هذا الإنجيل أنه بينما يوحنا يلقي بهذه البشارة ( حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه )(متى 3/13)

قال صفتيا: فأنت ترى أن هذه البشارة تختص بمحمد.

قال يوحنا: لا أشك في ذلك .. فالنص يدل على أن هذا الملكوت سينزع من بني إسرائيل ، أو كما قال يوحنا :( فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار ).. بل كما أنبأ المسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إلى أمة أخرى، فقال :( إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره )(متى 21/43)

زيادة على هذا، فإن يوحنا كان يتحدث عن نبي يأتي بعده، ولا يمكن أن يكون هذا الآتي بعده هو المسيح الذي أتى في أيام يوحنا المعمدان.

زيادة على هذا .. فقد ذكر يوحنا أنه قوي، بل إن قوته تفوق قوة يوحنا المعمدان، ومثل هذا الوصف لا ينطبق على المسيح الذي نزعم مصرعه على الصليب قريباً مما جرى ليوحنا المعمدان، وأنى هذا من غلبة محمد على سائر أعدائه .. ثم إنه بلغ من القوة بحيث طهر الأرض من رجس الوثنية بالروح والنار أي بدعوته العظيمة وقوته القاهرة، وكل ذلك لا ينطبق على أحد سوى محمد.

زيادة على هذا .. فإن يوحنا ذكر أن الآتي بعده يعمد بالروح والنار، أي يملك سلطان الدين والدنيا لتغيير المنكر والحفز على التوبة، فهو لا يتوقف عن حدود الطهارة الظاهرية للجسد بالاغتسال بالماء، بل يهتم بطهارة الباطن، ووسيلته ما يأتي به روح القدس من وحي وبلاغ وبيان، كما قام بتطهير كثير من الأرض من الوثنية بالنار، ومثل هذه المعمودية لم يفعلها المسيح الذي عمد تلاميذه بالماء، فلم تختلف معموديته عن المعمدان في شيء، كما في (يوحنا 3/22 – 23).

واستمر تلاميذه بعده يعمدون بالماء كما كان المعمدان يعمد، ولما جاء بولس أفسس، ( فإذ وجد تلاميذ قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم. قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم: فبماذا اعتمدتم؟ فقالوا: بمعمودية يوحنا. فقال بولس: إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي بالمسيح يسوع، فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع )(أعمال 19/1-5)، ولو كان للمسيح تعميد يخالف ما عليه تعميد المعمدان لعرف بين التلاميذ وشاع.

زيادة على هذا .. فإن المسيح لم يحقق قول المعمدان عن النبي الآتي :( رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ )، وهذه كناية يفسرها الدكتور وليم أدي بقوله :( كناية عن نهاية العمل كله، ويمكن أن يكون القصد من هذا التشبيه: الإشارة إلى تأديب الله للناس وقصاصه لهم في هذه الحياة )، بل هو كناية أبعد من ذلك، إذ تبين سلطانه الذي ينقي الأصل الذي أنـزله الله على أنبيائه مما علق فيه، فيحذف الترهات الدخيلة ويزيفها.

وعلى هذا، فالآتي المبشر به هو محمد، فهو وحده الذي أتى إلى أرض القدس والهيكل بغتة يوم أسري به إلى بيت المقدس، بينما نشأ المسيح ويوحنا في ربوع الهيكل.

قال حزقيال: ومما يؤكد كل ذلك أنه بعد وفاة يوحنا المعمدان جدد المسيح البشارة باقتراب الملكوت، ففي متى :( ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات )(متى 4/17)

وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت ( (متى 4/23) ( كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الإثنا عشر )(لوقا 8/1)

قال يوحنا: لقد اعتبر المسيح البشارة بالملكوت مهمته الأولى، بل الوحيدة، فقد كان يقول لهم :( إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت )(لوقا 4/34)

وأمر تلاميذه بأن يبشروا باقتراب الملكوت فقال :( اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات )(متى 10/7)

ثم علم المسيح تلاميذه أن يقولوا في صلاتهم تلك العبارة التي ما زلنا نرددها إلى اليوم ( أبانا الذي في السماوات.. ليأت ملكوتك ( (لوقا 10/2)

قال صفتيا: لا شك في أن دعوة المسيح كدعوة يوحنا كدعوة كل الرسل كانت تطوف حول الملكوت .. لكن ما الملكوت؟

إن قومنا يقولون بأنه شيوع الملة المسيحية في جميع العالم وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول المسيح .. وقال آخرون بأنه انتصار الكنيسة على الملحدين ..  وفسره آخرون بأنه البشارة بالخلاص بدم المسيح، كما قال القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى:( فإن الملكوت الذي أعلنه السيد المسيح هو بشارة الملكوت أو إنجيل الملكوت.. تعبر عن أخبار الخلاص المفرحة التي قدمها لنا الله في ابنه يسوع )

قال يوحنا: إن هذا التفسير بعيد تماما عن الحقائق المنطقية:

لقد انتصرت الكنيسة، وحكمت أوربا قروناً عدة، ولم نر ما يستحق أن يكون أمراً يبشر به المعمدان والمسيح والتلاميذ.

وأخبار الخلاص لا يمكن أن تكون هي البشارة التي كان المسيح يطوف مبشراً بها في المدن والقرى، ذلك أن أقرب تلاميذه لم يفهموا هذا المعنى.. فالتلميذان المنطلقان لعمواس بعد حادثة الصلب كانا يبكيان لفوات الخلاص بموت المسيح ( فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين...كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه، ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل، ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك )( لوقا 24/17-21 ) لقد جهل التلميذان موضوع الخلاص بموت المسيح، فهما يبحثان عن خلاص آخر، وهو الخلاص الدنيوي الذي ينتظره بنو إسرائيل.

ليس ذلك فقط .. بل إن الجموع المؤمنة التي شهدت الصلب جهلت أن الصلب هو البشارة المفرحة التي كان يبشر بها المسيح، فرجعوا وهم يبكون وينوحون:( وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان، رجعوا وهم يقرعون صدورهم )( لوقا 23/48 - 49 )

أنتم ترون أنه لا يمكن أن يكون الملكوت الموعود هو الخلاص بدم المسيح، لأن النصوص ذكرت أموراً تحدث قبل مجيء الملكوت، فهي علامات تتحقق قبل حلول الملكوت، ومن بينها قيام أمة جديدة ومملكة جديدة، وهو ما لم يتحقق قبل انتشار المسيحية في العالم، ولا حين صلب المسيح ، يقول متى :( فسألوه قائلين: يا معلّم متى يكون هذا؟ وما هي العلامة عندما يصير هذا؟

فقال: انظروا لا تضلوا، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو، والزمان قد قرب، فلا تذهبوا وراءهم، فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا، لأنه لا بد أن يكون هذا أولاً، ولكن لا يكون المنتهى سريعاً.

ثم قال لهم: تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء ..

وقال لهم مثلاً: انظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار، متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب، هكذا أنتم أيضاً، متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أن ملكوت الله قريب ..

الحق أقول لكم: إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل، السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول، فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم بغتة، لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض، اسهروا إذاً وتضرعوا في كل حين، لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان )(لوقا 21/6-36)

قال يوحنا: إن في قوله :( وتقفوا قدام ابن الإنسان ) ما يربط الملكوت بشخص ابن الإنسان القادم، فالمسيح لا يتحدث عن انتشار المسيحية، بل يتحدث عن ظهور النبي الخاتم ابن الإنسان، ويدعوهم للاستعداد للقائه.

قال ميخا: الملكوت ـ على حسب ما تدل عليه نصوصنا المقدسة ـ هو أمة تعمل وفق إرادة ورضاء صاحب الملكوت ، وقد قال وليم باركلي في تفسيره لسفر الأعمال:( الملكوت هو مجتمع على الأرض، تُنفَّذُ فيه إرادة الله تماماً كما في السماء )

قال يوحنا: ولم يتحقق ذلك إلا لمحمد .. ولهذا كان يوحنا كالمسيح .. كلاهما يبشران بهذا النبي الجديد الذي يخرج الله على يديه الأمة الخاتمة.

لقد اختصر المسيح رسالته ـ كما في لوقا ـ بقوله :(  إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت ) (لوقا 4/34)، فقد أرسل للبشارة بالملكوت القادم، فهو ممهد ومبشر بين يديه.

ومثل ذلك يوحنا المعمدان ( جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 3/1 - 2)

بشارة صفتيا:

التفتوا إلى صفتيا، وقالوا: وأنت يا صفتيا هل وجدت بشارة ترتبط بمحمد.. لقد سمعنا أنك تبحث عن ذلك.

قال: أجل .. وقد كان دافعي ما ذكرتم من أن كل الأنبياء بشروا بالملكوت .. وقد رأيت صفتيا يقول في سفره :( يقول الرب: أيها الناس ترجوا اليوم الذي أقوم فيه للشهادة، فقد حان أن أظهر حكمي بحشر الأمم كلها وجميع الملوك، لأصب عليهم رجزي، وأليم سخطي، فستحترق الأرض كلها احتراقاً بسخطي ونكيري. هناك أجدد للأمم اللغة المختارة، ليذوقوا اسم الرب جميعاً، ويعبدوه في ربقة واحدة معاً ويأتون بالذبائح في تلك الأيام من معابر أنهار كوش)

وقد رأيت علي الطبري الذي تحول إلى الإسلام يسوق هذه البشارة، ويعلق عليها بقوله :( وهذا صفنيا قد نطق بالوحي وأخبر عن الله بمثل ما أدى أصحابه، ووصف الأمة التي تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتجتمع على عبادته، وتأتيه بالذبائح من سواحل السودان ومعابر الأنهار واللغة المختارة هي اللسان العربي المبين .. وهي التي قد شاعت في الأمم فنطقوا بها )

بشارة حزقيال:

التفتوا إلى حزقيال، وقالوا: لم يبق إلا أنت يا حزقيال .. فهل وجدت شيئا من البشارات؟

قال: لقد رأيت في سفر حزقيال، وفي الفصل التاسع منه :( إن أمّك مغروسة على الماء بدمك، فهي كالكرمة التي أخرجت ثمارها وأغصانها من مياه كثيرة، وتفرعت منها أغصان كالعصى قوية مشرفة على أغصان الأكابر والسادات، وارتفعت وبسقت أفنانهن على غيرهن، وحسنت أقدارهن بارتفاعهن والتفاف سعفهن، فلم تلبث الكرمة أن قلعت بالسخط، ورمى بها على الأرض، وأحرقت السمائم ثمارها، وتفرق قواها، ويبس عصي عزها، وأتت عليها النار فأكلتها، فعند ذلك غرس في البدو وفي الأرض المهملة العطشى، وخرجت من أغصانه الفاضلة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصا قوية بعدها ولا قضيب ينهض بأمر السلطان )

لقد رأيت هذه النبوءة مرات كثيرة .. إنها تشبه الأمة اليهودية إبان عزها وسؤددها عندما كانت تعيش تحت مظلة الأنبياء بالكرمة الحسنة، وبعد أن نزعت منها النبوة، وأغضبت ربها استأصل شأفتها، واقتلع جذورها، فذرتها الرياح، وأكلتها النار، وانتهى مجدها. واستبدل الله بها أمة هي خير أمة أخرجت للناس، وشبهها بشجرة قد غرست في أرض البادية العطشى من الماء المعنوي والحسي، فأثمرت هذه الشجرة الأغصان الفاضلة التي قضت على تلك الشجرة الأولى ولم تبق فيها عصا ولا قضيباً. وهذا حال الأمة اليهودية والأمة الإسلامية التي أشرق عزها، وتوسع نفوذها، حتى شمل العالم أجمع.

***

بعد أن انتهى بهم الحديث إلى هذا المحل، دب صمت موحش بينهم، قطعه يوحنا بقوله: ها قد رأيتم الحقائق أمام أعينكم .. فهل ترغبون عنها، أم ترغبون فيها؟

قال ملاخي: ومن يرغب عن الحقائق؟

قال ميخا: لقد فعل اليهود ذلك .. وفعل قومنا مثل فعلهم .. لقد صموا عن كل الحقائق التي تنطق بها كتبنا المقدسة، والتي يدل عليها العقل السليم.

قال زكريا: بل حاولوا أن يطمسوا الحقائق بكل ما أوتوا من صنوف الكيد.. فراحوا يتلاعبون بالترجمات .. ويتلاعبون بالنسخ.

قال حبقوق: اسمحوا لي أن أذكر لكم سرا لم أبح به لغيركم.

قالوا: ما هو؟

قال حبقوق: لقد كان الحائل الأكبر بيني وبين دين محمد هو ما أرى أمته عليه في هذا العصر من انحطاط وتخلف .. كنت أعلم بعدهم عن محمد وعن دين محمد .. ولكن نفسي .. وأخي الذي تعرفونه .. كانا يحولان بيني وبين أن أشهد له بالشهادة التي أوقن تماما أنه يستحقها ..

ولكني مع ذلك كنت أنفرد مع قرآن محمد أقرؤه وأبكي وأتألم في نفس الوقت، لأنه ليس لي من القوة ما أخرج به عن دين قومي لأدخل دين محمد.

ولكن الله من علي منذ سنة، فرأيت العذراء .. وهي تشير لي إلى شمس محمد .. وتدعوني إلى الاستنارة بأشعتها .. ومنذ ذلك الحين قتلت نفسي التي حجبتني عن محمد.. وقاطعت أخي الذي كان حجابا بيني وبين شمس محمد العظيمة .. وعانقت محمدا .. ودخلت دينه.

نظروا إليه مشدوهين، وقالوا: أحقيقة ما تقول؟

قال صفتيا: ولكن ما بالك لم تخبرنا؟

قال حبقوق: لقد كنت أود أن تصلوا إلى الحقائق بأنفسكم .. وقد خشيت أن تنشغلوا بعداوتي إن سمعتم بإيماني عن محمد .. فرحت أكتم إيماني.

قال صفتيا: أتعلم يا حبقوق، أن ما خطر ببالك هو نفس ما خطر ببالي، وما فعلته أنت قبل سنة، فعلته قبلك بسنوات.

قال ميخا: يا لله .. ما الذي يحصل .. لقد حصل لي ما حصل لكما.

قال زكريا: وأنا أيضا ..

قال يوحنا: وأنا أيضا ..

قال دانيال: وأنا أيضا ..

قال حجي: وأنا أيضا ..

قال ملاخي: وأنا أيضا ..

قال حزقيال: وأنا أيضا ..

نهضوا جميعا يعانق بعضهم بعضا، والفرحة تملأ عيونهم، وتنتشر من أرواحهم.

لم أتمالك نفسي في ذلك الموقف ..

لقد خرجت بحيرة جديدة .. وخرجت معها ببصيص من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

 

 

 



([1]) رواه أحمد.

([2]) هذا النص أورده الطبري بهذه الصيغة، وورد لدى كل من الشيخ زيادة، والترجمان، وإبراهيم خليل أحمد الذين اهتدوا إلى دين محمد بصور مختلفة طولاً وقصراً، مع اختلاف يسير في العبارات، واتفاقهم على محتوى السطر الأول. واتفق أيضاً كل من الترجمان والشيخ زيادة وإبراهيم خليل على أن المراد بجبال فاران هي جبال مكة.