المؤلف: نور الدين أبو لحية |
العودة
للكتاب: معجزات حسية |
الناشر: دار الكتاب الحديث |
الفهرس
ذهبنا إلى تلك
الوجبة التي أقيمت في ساحة عامة، وقد حضرها جمع كبير من فقراء المسلمين.. وقد لمحت
من بينهم عبد القادر وعبد الحكيم، وكأنهما علما بالدعوة الموجهة إلينا، وبما عزم
بولس أن يقوله ذلك اليوم.
بعد انتهاء
الغذاء، وقف أجير بولس، والذي حفظ كل ما يقوله في هذه المواقف، وقال: أيها الجمع
المبارك.. لقد شرفنا اليوم رجل تقي من رجال الله بالجلوس معنا، وبالأكل من الطعام
الذي أكلنا منه.. ولذلك فإنه من دواعي سرورنا أن يحدثنا ـ في هذه المناسبة ـ عن
البركات التي ارتبطت بأعظم المباركين في الأرض، وما فتح عليهم من خزائن البركات..
ليكون ذلك مفتاحا لنا نفتح به أبواب بركات الله.
وقف بولس، وقال:
أيها الجمع المبارك، لقد طلب مني هذا الرجل الفاضل أن أحدثكم عن البركات.. وما كان
لهذا العبد الضعيف أن يتأخر عن هذا الطلب..
ولذلك أبادر،
فأقول لكم: هيا نبحث جميعا عن هذا المبارك العظيم الذي امتلأ بالبركات، وملأ ما
حوله بالبركات..
ولنيسر البحث
عنه أسألكم: ما تقولون فيمن يشبع أكثر من خمسة آلاف رجلٍ مع من معهم من أطفال
ونساء بخمسة خبزات وسمكتين؟
تعجب الجميع،
وقال بعضهم لبعض: هل يمكن هذا.. إن هذا لغريب!؟
قال بولس: نعم
هو غريب.. هو في غاية الغرابة.. ولكنه عند المسيح بسيط غاية البساطة.
قال أجير بولس:
حدثنا عن قصة ذلك.. كيف حصل ذلك؟
قال بولس: لقد
نص على هذه الحادثة الكتاب المقدس.. لقد ورد فيه هذا النص الذي يثبت لكم ما
ذكرته:( ثُمَّ أَخَذَ الأَرْغِفَةَ لْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ وَرَفَعَ
نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ
لِلتَّلاَمِيذِ وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ، فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا،
ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً
مَمْلُوءةً، وَالآكِلُونَ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُلٍ مَا عَدَا
النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ )( متى:14/19-21)[1]
قال أجير بولس:
حدثنا عن القصة من مبدئها.
استغل بولس هذا
السؤال ليجعل من القصة موعظة يكسب بها جمهور الحاضرين، فقال: في ذلك المساء الذي
حصلت فيه تلك المعجزة، تقدم التلاميذ الاثنا عشر إلى المسيح الذي كان يعظ الجموع
الكثيرة، وقالوا له:( الموضع خلاء والوقت مضى، اصرف الجموع لكي يمضوا إلى الضياع
والقرى حوالينا، فيبيتوا ويبتاعوا لهم طعاماً، لأننا ههنا في موضع خلاء، وليس
عندهم ما يأكلون )
لقد خاف
التلاميذ أن يطالبهم الجمهور بحقوق الضيافة، وحسبوا أن هؤلاء الرجال والنساء
والأطفال مع مرضاهم يتضّررون إذا دخل الليل عليهم في هذا الخلاء.
وهنا وجّه
المسيح لفيلبس جوابه على هذا الكلام، وكان في صيغة سؤال عن مكان يوجد فيه طعام،
وكأنه يكلّف فيلبس بتدبير ما يلزم لهؤلاء الضيوف، سأله المسيح:( من أين نبتاع
خبزاً ليأكل هؤلاء؟)
لم يقل المسيح
ذلك ليستفهم، بل ليمتحن ويعلّم، لأنه كان يعلم جيداً ما سيفعل، لكنه أراد أن ينبّه
تلاميذه إلى عجزهم وضعف إيمانهم، لأن درس التواضع درس أوّلي يجب أن يتعلموه.
كان فيلبس
متنبّهاً إلى صعوبة الأمر من وجوه عديدة، فعمل حساباً بأن الخبز وحده يكلّف أكثر
من مئتي دينار، فأين الدنانير؟ هل هي عند المسيح الذي ليس له ما يسند رأسه؟..
وفضلاً عن ذلك: لو وجدوا الدنانير، فأين الوقت للذهاب إلى قرى عديدة لجَمع كمية
كهذه، ولو من الخبز وحده والإتيان به، والشمس أوشكت أن تغرب؟.. وفوق هذا كله: أين
وسائل النقل لإحضار طعام يكفي الألوف؟ ويُلاحظ أيضاً أن حصة يسيرة من الخبز الحاف
لا تقوم بضيافة يليق أن يقدمها شخص كالمسيح لضيوفه.
بناء على هذا
كله أجاب فيلبس المسيح:( لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً
يسيراً )، وظن أن جوابه يقنع، المسيح فيتبع نصيحة الرسل ويصرف الجمع، لكن عجبه
اشتد لما أجابه المسيح:( لا حاجة لهم أن يمضوا، أعطوهم أنتم ليأكلوا)
لقد قال المسيح
ذلك، وهو يعلم أنه ليس لديهم طعام، ليعلّمهم أن الذين يقصدون إفادة الآخرين
يحتاجون إليه، إذ ليس لديهم ما يطعمون به نفوساً جائعة، وفي الوقت ذاته يشير إلى
أن الله يختار الوسائط البشرية ليُجري مقاصده في العالم، لأنه لا يوزّع خيراته
الروحية والزمنية رأساً، أو بواسطة الملائكة إلا نادراً - وذلك عندما لا توجد
وسائط بشرية، وهذا القانون هو لخير الذين يقدمون والذين يأخذون معاً، إذ تنشأ بذلك
رُبط المحبة بين المحسِن والمحسَن إليه، ويتنشط الذي يوزّع في ممارسة إنكار الذات
وخدمة الآخرين.
لكن التلاميذ
اعترضوا على أمر المسيح قائلين:( أنمضي ونبتاع خبزاً بمئتي دينار ونعطيهم
ليأكلوا؟)، فسأل: (كم رغيفاً عندكم؟ اذهبوا وانظروا)
لقد نبّههم
المسيح بهذا الكلام إلى أن العمل الإلهي لا يُغني عن العمل البشري المستطاع، ولم
يُرد أن يوجِد خبزاً من لا شيء، طالما يوجد شيء، فاستخدم أولاً الموجود بين أيديهم
ليعلّمهم أن لا يطلبوا من الناس عملاً يستطيعونه بالوسائط الطبيعية، لأن هذه دبرها
لهم الله، فلا حق لهم في غيرها، إلا بعد الفراغ من استعمالها.
فاعتماد
الإنسان على غيره في ما يستطيعه يُحسب دناءة، وانتظارُه أن الله يعمل ما يطلب منه
هو يُعَدّ كسلاً وتواكلاً، فمتى عجز العمل الإنساني أو انتهى، يحقُّ طلب العمل
الإلهي.
وكان أندراوس
تلميذ المسيح الأول قد لاحظ غلاماً بين الجمهور معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،
فأخبر المسيح عنه مع التحفُّظ قائلاً: (لكن ما هذا لمثل هؤلاء؟)
ولم يقل المسيح
بعد أن سمع بوجود هذا القليل: (اتركوه لأنه لا يستحق الذِّكر)، ولا قال: (قدموها
للجمع)، بل قال: (إيتوني بها إلى هنا) ليعلمهم أنه هو مصدر الخير والبركة، هو
الملك وصاحب الحق.. وكل ما عندنا هو له، يتصرف فيه كما يشاء دون مُعارض.
ولما كان
الترتيب من أبواب الرقي في الدين والدنيا، فلا نعجب من اهتمام المسيح به، فأمر أن
يجعلوا الناس يتكئون فرقاً خمسين خمسين على العشب الأخضر، فلو توزَّع الطعام على
هذه الألوف دون ترتيب، لداس بعضهم بعضاً، وتغلَّب القوي على الضعيف. وأخذ البعض
كثيراً والبعض لم يأخذوا شيئاً، لكن بواسطة الترتيب يتمّ التوزيع بسرعة ولياقة
وإنصاف، ويرى كل مفكرٍ في أمور الطبيعة، اهتمام الخالق بأمر الترتيب.
استلم المسيح
الأرغفة الخمسة والسمكتين، ثم رفع نظره نحو السماء وشكر، فعلَّم تلاميذه أن كل خير
ـ حتى الطعام الذي نشتريه ـ هو عطية إلهية، وأننا يجب دائماً أن نقدم الشكر للمعطي
الجواد عندما نتناول الطعام، ولا يجب أن نشكر في وقت الطعام فقط، بل نشكر عندما
ننال أي نوع من الخيرات. لأن (كُلَّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلَّ مَوْهِبَةٍ
تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي اٰلأَنْوَارِ)(يعقوب
1: 17)
وبعد أن شكر
المسيح بارك وكسر الأرغفة والسمكتين، ثم ناول الكسر التي باركها للرسل ليقدموها
للمصطفّين فرقاً على البساط الأخضر، وفي هذا العمل علّمهم أن يطعموا غيرهم أولاً،
ثم يأكلوا هم بعدهم، كما يجدر بالمؤمنين الأفاضل.
وفي أثناء التوزيع
على هذا العدد الغفير حدثت معجزة الإكثار، فقد قسم السمكتين على الجميع بقدر ما
شاءوا فأكلوا وشبعوا جميعاً، وليس ذلك فقط بل إن القطع التي لم تؤكل كانت أضعاف
الموجود أصلاً.
بهذه المعجزة
المؤثرة الغنية بالفوائد، علّم المسيح أتباعه أنه مستعد أن يأخذ خدمتهم الدينية
الضعيفة، وكلامهم البسيط، ويضع فيها قوة وتأثيراً ليزيد فعلهما أضعاف فعلهما
الطبيعي، لأنه يأخذ ما يقدَّم له ويزيده، ثم يعيده لمقدَّمه زائداً.
بعد أن أطعم
المسيح الجموع هتفوا له، وأرادوا أن يملّكوه عليهم، وكان ردُّ فعله الأول هو أنه
فصل تلاميذه عن الجمهور المتحمّس لهذا العمل، وألزمهم أن يدخلوا السفينة، ويسبقوه
إلى العبر، حتى يكون قد صرف الجموع.
لم يسهُلْ
عليهم ترك سيدهم أثناء نجاحه الباهر، وانتشار صيته، خصوصاً بعد أن ظهر لهم أن باب العظمة
العالمية، والثروة الزمنية، قد فُتح أمامهم، وإن كان المسيح قد صرفهم بشيء من
العنف، لأنهم رفضوا فكره، نراه يُتبع العنف باللطف، لأن البشير يذكر صريحاً أنه
ودّعهم. ومع أنه سيفترق عنهم ساعات قليلة فإنه يودّعهم وداعاً حبياً يحقق لهم به
عواطفه الحارة نحوهم.
وكان رد فعل
المسيح الثاني أنه صرف الجمهور.
وكانت خطوته
الثالثة انصرافه هو، وصعوده منفرداً إلى الجبل ليصلي، وما أكثر المرات التي كان
فيها يختلي للصلاة.
ليس
هذا فقط ما روي من بركات المسيح..
لقد ورد في محل آخر من الكتاب المقدس
أنه قام بإطعام أربعة آلاف وثني.. اسمعوا ما جاء في الكتاب المقدس.
فتح الكتاب المقدس وراح يقرأ:( فِي تِلْكَ اٰلأَيَّامِ
إِذْ كَانَ اٰلْجَمْعُ كَثِيراً جِدّاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا
يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ:( إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى اٰلْجَمْعِ،
لأَنَّ اٰلآنَ لَهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي، وَلَيْسَ لَهُمْ
مَا يَأْكُلُونَ، وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ
فِي اٰلطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْماً مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ).
فَأَجَابَهُ تَلامِيذُهُ: (مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هٰؤُلاءِ
خُبْزاً هُنَا فِي اٰلْبَرِّيَّةِ؟ ) فَسَأَلَهُمْ:( كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ اٰلْخُبْزِ؟)
فَقَالُوا: (سَبْعَةٌ). فَأَمَرَ اٰلْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى اٰلأَرْضِ،
وَأَخَذَ اٰلسَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلامِيذَهُ
لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى اٰلْجَمْعِ. وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ
مِنْ صِغَارِ اٰلسَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هٰذِهِ
أَيْضاً. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاتِ اٰلْكِسَرِ:
سَبْعَةَ سِلالٍ. وَكَانَ اٰلآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلافٍ. ثُمَّ
صَرَفَهُمْ) (مرقس 8: 1-9).
أغلق الكتاب
المقدس، وقال: لقد أجرى المسيح معجزة
إشباع خمسة آلاف نفس في الجليل، وأجرى معجزة إشباع أربعة آلاف نفس في دائرة
ديكابوليس، أي (المدن العشر)، وهي من البلاد الوثنية.
لقد اجتمع
الناس هناك من حول المسيح في البرية، وطال اجتماعهم به ثلاثة أيام حتى نفد الزاد،
لأن قوماً جاءوا من بعيد، فحمله إشفاقه على تكرار إشباع الجمهور بمعجزة.
وإشفاق المسيح
هذا يرافق كل فرد من البشر من مهده إلى لحده. كان كلامه الحنون:( لست أريد أن
أصرفهم إلى بيوتهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق) لا يسعنا إلا أن نستغرب تكرار
التلاميذ اعتذارهم بالعجز في صيف ذات السنة التي في ربيعها أشبع المسيح جَمْعاً
أكثر بشيء زهيد من الطعام، غير أن المسيح بكّتهم بعد قليل على نسيان المعجزتين
معاً وعدم استفادتهم منهما، فالشكوك الحاضرة تولّد نسيان المراحم الماضية.
ازداد استغراب
الجمهور الحاضر، فقال أجير بولس: إن هذه عجائب عظيمة تدل على أن الذي فعلها لا يقل
عن الرب في قدراته وتصرفاته وبركاته.
سر بولس لهذا
الكلام، وقال: صدقت.. ففي المعجزة الأولى التي حوَّل المسيح فيها من الرغيف الواحد
طعاما يُشبع أكثر من ألف رجل غير النساء والأطفال، بل وفَضُلَ عنه حوالي قفَّتَين
ونصف، كما حوَّل من أقل نصف سمكة صغيرة إلى سمكٍ كثيرٍ أشبع أكثر من ألف شخص.
وفي المعجزة
الثانية فعل تقريبًا نفس ما فعله في الأولى.
إن هذا كله
يعني أنَّ ما حدث علي يَدَيْه هو عمليَّة خلق، خلق من الرغيف الواحد كمًا كبيرًا
من الأرغفة، وخلق من أقل من نصف سمكة صغيرة كميةً كبيرةً من السمك.
قال ذلك، ثم
توجه للحاضرين قائلا: هل يمكن أنْ يكون الذي فعل هذا مجرَّد إنسان!؟
سكت الجميع،
فقال بولس: لا.. إن الذي فعل هذا لا يمكن إلا أن يكون إلها، أو أقنوما من إله[2]!؟
هنا قام عبد
الحكيم، وقال: بناء على قولك هذا.. فإنه ليس
المسيح وحده من نال هذه المرتبة العظيمة.. فاستحق أن يصير إلها، أو أقنوما
من إله.
قال أجير بولس:
لا.. ليس هناك غير المسيح.
قال عبد
الحكيم: لقد ذكر الكتاب المقدس تكثير الطعام ومباركته عن غير المسيح، فقد ذكر عن إيلياء
تكثير الدقيق والزيت في بيت امرأة أرملة.. كما جاء في الكتاب المقدس.
فتح الكتاب
المقدس، وراح يقرأ:( وَقَالَ إِيلِيَّا التَّشْبِيُّ مِنْ أَهْلِ جِلْعَادَ
لأَخْآبَ: ( حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي أَخْدُمُهُ، إِنَّهُ
لَنْ يَهْطِلَ نَدًى وَلاَ مَطَرٌ فِي هَذِهِ السِّنِينَ، إِلاَّ حِينَ أُعْلِنُ
ذَلِكَ)، وَأَمَرَ الرَّبُّ إِيلِيَّا: (امْضِ مِنْ هُنَا وَاتَّجِهْ نَحْوَ
الْمَشْرِقِ، وَاخْتَبِىءْ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ الْمُقَابِلِ لِنَهْرِ
الأُرْدُنِّ، فَتَشْرَبَ مِنْ مِيَاهِهِ وَتَقْتَاتَ مِمَّا تُحْضِرُهُ لَكَ
الْغِرْبَانُ الَّتِي أَمَرْتُهَا أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ )، فَانْطَلَقَ
وَنَفَّذَ أَمْرَ الرَّبِّ، وَأَقَامَ عِنْدَ نَهْرِ كَرِيثَ مُقَابِلَ نَهْرِ
الأُرْدُنِّ، فَكَانَتِ الْغِرْبَانُ تُحْضِرُ إِلَيْهِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ
صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ. وَمَا لَبِثَ أَنْ
جَفَّ النَّهْرُ بَعْدَ زَمَنٍ، لأَنَّهُ لَمْ يَهْطِلْ مَطَرٌ عَلَى الأَرْضِ.
فَخَاطَبَ الرَّبُّ إِيلِيَّا: ( قُمْ وَتَوَجَّهْ إِلَى صِرْفَةَ
التَّابِعَةِ لِصِيدُونَ، وَامْكُثْ هُنَاكَ، فَقَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً
أَنْ تَتَكَفَّلَ بِإِعَالَتِكَ ) فَذَهَبَ إِلَى صِرْفَةَ. وَعِنْدَمَا وَصَلَ
إِلَى بَوَّابَةِ الْمَدِينَةِ شَاهَدَ امْرَأَةً تَجْمَعُ حَطَباً، فَقَالَ
لَهَا: (هَاتِي لِي بَعْضَ الْمَاءِ فِي إِنَاءٍ لأَشْرَبَ). وَفِيمَا هِيَ ذَاهِبَةٌ
لِتُحْضِرَهُ نَادَاهَا ثَانِيَةً وَقَالَ: (هَاتِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ مَعَكِ)،
فَأَجَابَتْهُ: (حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلَهُكَ إِنَّهُ لَيْسَ لَدَيَّ كَعْكَةٌ،
إِنَّمَا حَفْنَةُ دَقِيقٍ فِي الْجَرَّةِ، وَقَلِيلٌ مِنَ الزَّيْتِ فِي
قَارُورَةٍ. وَهَا أَنَا أَجْمَعُ بَعْضَ عِيدَانِ الْحَطَبِ لِآخُذَهَا وَأُعِدَّ
لِي ولاِبْنِي طَعَاماً نَأْكُلُهُ ثُمَّ نَمُوتُ)، فَقَالَ لَهَا إِيلِيَّا: (لاَ
تَخَافِي. امْضِي وَاصْنَعِي كَمَا قُلْتِ، وَلَكِنْ أَعِدِّي لِي مِنْهُ كَعْكَةً
صَغِيرَةً أَوَّلاً وَأَحْضِرِيهَا لِي، ثُمَّ اعْمَلِي لَكِ ولاِبْنِكِ أَخِيراً،
لأَنَّ هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ جَرَّةَ
الدَّقِيقِ لَنْ تَفْرُغَ، وَقَارُورَةَ الزَّيْتِ لَنْ تَنْقُصَ، إِلَى الْيَوْمِ
الَّذِي يُرْسِلُ فِيهِ الرَّبُّ مَطَراً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ)، فَرَاحَتْ إِلَى
مَنْزِلِهَا وَنَفَّذَتْ كَلاَمَ إِيلِيَّا، فَتَوَافَرَ لَهَا طَعَامٌ لِتَأْكُلَ
هِيَ وَابْنُهَا وَإِيلِيَّا لِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. جَرَّةُ الدَّقِيقِ لَمْ
تَفْرُغْ، وَقَارُورَةُ الزَّيْتِ لَمْ تَنْقُصْ، تَمَاماً كَمَا قَالَ الرَّبُّ
عَلَى لِسَانِ إِيلِيَّا )(الملوك الأول:17/1-16)
فهل تعتبرون إليا أيضا إلها.. أو تعتبرونه أقنوما من إله؟
سكت بولس، فقال عبد الحكيم: ليس إيليا وحده من فعل هذا.. لقد ورد في الكتاب
المقدس أن اليشع ـ أيضا ـ فعل هذا.
فتح الكتاب المقدس، وراح يقرأ من (سفر الملوك الثاني: 4 / 1 - 7 ):(
وَاسْتَغَاثَتْ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي الأَنْبِيَاءِ بِأَلِيشَعَ قَائِلَةً:
(عَبْدُكَ زَوْجِي تُوُفِّيَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَتَّقِي الرَّبَّ،
وَقَدْ أَقْبَلَ مُدِينُهُ الْمُرَابِي لِيَسْتَرِقَّ وَلَدَيَّ (لِقَاءَ
دُيُونِهِ)). فَسَأَلَهَا أَلِيشَعُ: مَاذَا يُمْكِنُ أَنْ أَصْنَعَ لَكِ؟
أَخْبِرِينِي مَاذَا عِنْدَكِ فِي الْبَيْتِ؟) فَقَالَتْ: (لاَ أَمْلِكُ فِي
الْبَيْتِ شَيْئاً سِوَى قَلِيلٍ مِنَ الزَّيْتِ). فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ:
(اذْهَبِي اسْتَعِيرِي أَوَانِيَ فَاِرغَةً مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ
وَأَكْثِرِي مِنْهَا. ثُمَّ ادْخُلِي بَيْتَكِ وَأَغْلِقِي الْبَابَ عَلَى
نَفْسِكِ وَعَلَى بَنِيكِ، وَصُبِّي زَيْتاً فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوَانِي،
وَانْقُلِي مَا يَمْتَلِيءُ مِنْهَا إِلَى جَانِبٍ). فَمَضَتْ مِنْ عِنْدِهِ
وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى أَبْنَائِهَا، الَّذِينَ رَاحُوا
يُحْضِرُونَ لَهَا الأَوَانِيَ الْفَارِغَةَ فَتَصُبُّ فِيهَا. وَحِينَ امْتَلأَتْ
جَمِيعُ الأَوَانِي قَالَتْ لاِبْنِهَا: (هَاتِ إِنَاءً آخَرَ). فَأَجَابَهَا:
(لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ إِنَاءٌ). عِنْدَئِذٍ تَوَقَّفَ تَدَفُّقُ الزَّيْتِ.
فَجَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ وَأَخْبَرَتْهُ. فَقَالَ لَهَا: (اذْهَبِي وَبِيعِي
الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَأَبْنَاؤُكِ بِمَا يَتَبَقَّى
مِنْ مَالٍ).
فأنتم ترون أن
أليشع صنع معجزة تكثير الزيت، بل إن أليشع لم يرفع نظره نحو السماء كما فعل
المسيح، ولا بارك ولا شكر الله كما فعل
المسيح، ومع ذلك لم يقل أحد أن في أليشع طبيعة لاهوتية مع أن هذه الأعجوبة أبلغ
مما وقع للمسيح.
هنا نطق أجير بولس، كعادته في إفساد خطط بولس من غير أن يقصد: نعم.. لقد
روي عن هذين النبيين هذه البركات.. ولكن نبيكم الذي تزعمون كونه نبيا خلت سيرته من
أي بركة.. حتى أنه كما تروون كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، وكانت الأهلة تمر
وتمر، ولا يوقد في بيته نار.
نظر عبد القادر إليه بابتسامة، وقال: لكأني بك تريد أن تستفزني لأحدثك عن
بركات النبوة المرتبطة بهذا الجانب.
قال الأجير: وهل هناك شيء مرتبط بهذا الجانب حتى تحدثني عنه؟
ود بولس في تلك اللحظة لو يلقم أجيره حجرا يسكته به، ولكن وقاره وسمته منعه
من ذلك، كما كان يمنعه كل مرة.
فقال عبد القادر: نعم.. لقد روي ذلك مرات كثيرة.. وسأذكر لك بعض ذلك ما دمت
مصرا على أن أذكره.
قال بعض الجمع: كلنا نحب أن نسمع ذلك.. لقد سمعنا بركات المسيح.. وبركات
الأنبياء، فحدثنا عن بركات محمد.
قال عبد القادر: ما دمتم قد طلبتم ذلك، فسأحدثكم عن خمس نواح من البركات
ارتبطت به r.
أما الأولى، فبركاته r على كل من صاحبه، أو لقيه، أو عاش
معه.
وأما الثانية، فبركاته r على كل من لمسه.
وأما الثالثة، فبركاته r في بعض الولائم التي أقامها هو أو
أقامها أصحابه.
وأما الرابعة، فبركاته r على بعض الأطعمة.
وأما الخامسة، فبركاته r في المياه.
وكل هذا بعض بركاته r المرتبطة بما نحن فيه.. أما
بركاته المرتبطة بالجوانب الأخرى، فلا عد لها ولا حصر.
قال رجل من الجمع: فابدأ حديثك البركات التي تنزلت على من صاحب محمد، أو
لقيه، أو عاش معه.
قال عبد القادر: لقد كان أعظم من تشرف ببركاته r من عاش r في كفالتهم، أو عاشوا في كفالته، وسأحدثكم عن بعض ما
روي من ذلك..
أول ما ظهر من بركاته r في هذا الباب ـ على حسب ما ذكرت الروايات الكثيرة
التي لا تقل عن الروايات التي نقل بها الكتاب المقدس ـ هو ما ذكرته مرضعته حليمة
السعدية.
والتي نقل عنها الرواة ذكرها لخبرها مع رسول الله r، وبركاته عليها وعلى أهلها، فقد ذكرت أنها خرجت من
بلدها مع زوجها، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء
قالت: وذلك في سنة شهباء، لم تبق لنا شيئا.
فخرجت على أتان لي قمراء معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة، وما ننام
ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع ما في ثديي ما يغنيه، وما في
شارفنا ما يغديه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.
فخرجت على أتاني تلك، فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا، حتى
قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله r، قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا
إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده
فكنا نكرهه لذلك.
فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري، فلما أجمعنا الانطلاق قلت
لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى
ذلك اليتيم، فلآخذنه، قال: لا عليك أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره.
وهنا بدأ حليمة تستشعر بركات رسول الله r.. قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في
حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي، ثم
ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك.. وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل فحلب
منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت يقول صاحبي
حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إني
لأرجو ذلك.
قالت: ثم خرجنا وركبت أتاني، وحملته عليها معي، فوالله لقطعت بالركب ما
يقدر عليها أبي ذؤيب، حتى قال الذين معي: ويحك أربعي علينا، أليست هذه أتانك التي
كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها لشأنا.
قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب
منها، فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا، فنحلب ونشرب وما يحلب
إنسان قطرة لبن ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم:
ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن
وتروح غنمي شباعا لبنا.
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب
شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا.
قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما كنا نرى من
بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت بني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وبأ مكة،
قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا[3].
قال رجل من
الجمع: لقد بقي محمد مدة في كفالة عمه أبي طالب، فهل ظهرت بعض بركاته عليه.
قال عبد
القادر: أجل.. لقد رويت في ذلك روايات كثيرة.
فعن ابن عباس t
وغيره قالوا: لما توفي عبد المطلب كفل أبو طالب رسول الله r فكان يكون معه، وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام
إلا إلى جنبه، وصب به صبابة لم يصب مثلها قط، وكان يخصه بالطعام، وكان عيال أبي
طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله r
شبعوا.
وكان أبو طالب
إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم، يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني،
فيأتي رسول الله r فيأكل معهم، فيفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعهم، وإن كان
لبنا شرب أولهم، ثم يتناول العيال القعب، فيشربون منه، فيروون عن آخرهم من القعب
الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.
وكان الصبيان
يصبحون رمصا شعثا، ويصبح رسول الله r دهينا كحيلا[4].
وفي حديث آخر
عن ابن عباس t قال: كان أبو طالب يقرب للصبيان تصبيحهم، فيضعون أيديهم،
فينتهبون، ويكف رسول الله r يده، فلما رأى ذلك أبو طالب عزل له طعامه.
وقد ذكرت
حاضنته أم أيمن ـ رضي الله عنها ـ سيرته في طعامه، فقالت: ما رأيت رسول الله r
شكا جوعا ولا عطشا لا في كبره ولا في صغره، وكان يغدو إذ أصبح، فيشرب من ماء زمزم
شربة، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول: أنا شبعان[5].
ومن بركاته على
عمه أبي طالب ما ورد من استسقائه به، فعن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكة وقريش في
قحط، فقائل منهم يقول: اعتمدوا واللات والعزى، وقائل منهم يقول: اعتمدوا مناة
الثالثة الأخرى، فقال شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي: أنى تؤفكون، وفيكم بقية
إبراهيم وسلالة إسماعيل، قالوا: كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إيها.
فقاموا
بأجمعهم، وقمت معهم، فدققناه عليه بابه، فخرج إلينا رجل حسن الوجه، عليه إزار قد
اتشح به، فثاروا إليه، فقالوا: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم
فاستسق لنا.
فخرج أبو طالب،
ومعه غلام كأنه شمس دجنة، تجلت عليه سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب،
فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من
هاهنا وهاهنا أغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي.
وفي ذلك يقول
أبو طالب:
وأبيض يستسقي
الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك
من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل
ومن البركات
المرتبطة بصحبة رسول الله r لعمه أبي طالب ما حدث به عمرو بن سعيد من أن أبا طالب قال: كنت
بذي المجاز مع ابن أخي ـ يعني النبي r ـ فأدركني العطش، فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخي قد عطشت.
وما قلت له
ذلك، وأنا أرى عنده شيئا إلا الجزع قال: فثنى وركه، ثم قال: يا عم عطشت؟ قلت: نعم.
فأهوى بعقبه
إلى الأرض، فإذا أنا بالماء، فقال: اشرب، فشربت[6].
كت عبد القادر
قليلا، ثم قال: ومن بركاته r على أهل بيته، ما روي في الحديث عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال:
قام رسول الله r أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم
يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة، فقال:( يا بنية، هل عندك شئ آكله، فإني جائع
) فقالت: لا والله.
فلما خرج من عندها رسول الله r
بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها، فوضعته في جفنة لها وغطت
عليها، وقالت: والله، لاوثرن بهذا رسول الله r على نفسي ومن عندي، فكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت
حسنا أو حسينا إلى رسول الله r فرجع إليها فقالت له: قد أتى الله بشئ فخبأته لك، قال:( هلمي يا
بنية )
فشكفت عن الجفنة، فإذا هي مملؤة خبزا
ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله عز وجل، فحمدت الله عز وجل
وصلت على نبيه r وقدمته إلى رسول الله r فلما رآه حمد الله عز وجل، وقال:( من أين لك هذا يا بنية؟ ) قالت:
يا أبت، هذا من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال:( الحمد لله الذي
جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله عز وجل شيئا فسئلت
عنه قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، ) فبعث رسول الله r
إلى علي، ثم أكل رسول الله r وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي r وأهل بيته حتى شبعوا وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت بقيتها على جميع
جيرانها، وجعل الله عز وجل فيها بركة وخيرا كثيرا [7].
ومما يروى في
هذا ما حدث به علي t قال: نمنا ليلة بغير عشاء فأصبحت فالتمست فأصبت ما أشتري به طعاما
ولحما بدرهم، ثم أتيت به فاطمة فخبزت وطبخت، فلما فرغت، قالت: لو أتيت أبي،
فدعوته، فجئت إلى رسول الله r وهو يقول:( أعوذ بالله من الجوع ضجيعا )، فقلت: يا رسول الله،
عندنا طعام فهلم، فجاءوا والقدر تفور، فقال:( اغرفي لعائشة في صحفة) حتى غرفت
لجميع نسائه، ثم قال:( اغرفي لابيك وزوجك )، فغرفت، فقال:( اغرفي فكلي، )، فغرفت
ثم رفعت القدر، وإنها لتفيض فأكلنا منها ما شاء الله عز وجل[8].
قال عبد
القادر: بالإضافة إلى أهل بيته، فقد نال الكثير من بركاته ـ المرتبطة بهذا الباب ـ
كل من لقيه r أو صاحبه من النساء والرجال.
وسأحدثكم عن
بعض ما وردت به الأسانيد من ذلك:
فممن نالتهم
بركات النبي r في هذا الجانب جابر بن عبد الله t،
فقد حدث عن بعض بركاته r عليه، فذكر أن أباه توفي، وترك عليه ثلاثين وسقا[9] لرجل من اليهود، فاستنظره جابر[10]، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله r ليشفع إليه، فجاءه رسول الله r، فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له، فأبى، فدخل رسول الله r،
فمشى فيها، ثم قال: يا جابر، جد له[11]، فأوفه الذي له فجد بعدما رجع رسول الله r، فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا.
فجاء جابر رسول
الله r ليخبره بالذي فعل، فوجد رسول الله r يصلي العصر، فلما انصرف رسول الله r جاءه فأخبره أنه قد وفاه، وأخبره بالفضل الذي فضل، فقال رسول الله
r:( أخبر ذلك ابن الخطاب )، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال عمر رضي
الله عنه: لقد علمت حيث مشى فيها رسول الله r ليباركن الله عز وجل فيها[12].
وقد ذكر هذا
الصحابي بركة أخرى حصلت لجمله ببركة رسول الله r، فقد ذكر أنه كان يسير
على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه[13]، فقال: فلحقني رسول الله r، فضربه ودعا له، فسار سيرا لم يسر مثله، ثم قال: ( بعنيه بأوقية
)، قلت: لا قال: ( بعنيه بأوقيتين ) فبعته، واشترطت حملانه[14] إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم انصرفت،
فأرسل على أثري، وقال:( أترى أني ماكستك[15] لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك وهما لك )[16]
وقريب من هذا الحديث ما حدث به أنس بن مالك t، قال: فزع الناس، فركب النبي r فرسا لأبي طلحة بطيئا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس
يركضون خلفه، فقال:( لن تراعوا إنه لبحر )، قال: فوالله ما سبق بعد ذلك اليوم[17].
ومن تلك البركات ما حصل لأبي
هريرة t، قال: أتيت رسول الله r بتمرات فقلت: ادع لي فيهن بالبركة، قال: فقبضهن، ثم دعا
فيهن بالبركة، ثم قال: ( خذهن فاجعلهن في مزود[18]، فإذا أردت أن تأخذ منهن، فأدخل
يدك فخذ ولا تنثرهن نثرا)، قال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله،
وكنا نأكل ونطعم، وكان المزود معلقا بحقوي لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان انقطع[19].
وفي حديث آخر عن أبي هريرة t قال: أتت علي ثلاثة أيام لم أطعم، فجئت أريد الصفة،
فجعلت أسقط فجعل الصبيان يقولون: جن أبو هريرة، فجعلت أناديهم، وأقول: بل أنتم
المجانين، حتى انتهينا إلى الصفة، فوافقت رسول الله r أتى بقصعة من ثريد، فدعا عليها أهل الصفة وهم يأكلون
منها، فجعلت أتطاول كي يدعوني حتى قام القوم وليس في القصعة إلا شئ في نواحي
القصعة، فجمعه رسول الله r فصارت لقمة فوضعه على أصابعه، فقال لي:( كل باسم
الله )، فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت[20].
وفي حديث آخر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن: موت
رسول الله r، وقتل عثمان، والمزود، قال زيد بن أبي منصور عن أبيه: فقلت: وما
المزود يا أبا هريرة؟ قال: كان رسول الله r في غزاة، فأصابهم عوز من الطعام فقال:( يا أبا هريرة عندك شئ؟ )
قلت: شئ من تمر في مزود لي، قال:( جئ به)، قال: فجئت بالمزود، قال:( هات نطعا )،
فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده، فقبض على التمر، فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، فجعل
يضع كل تمرة، ويسمي الله عز وجل حتى أتى على التمر، فقال به هكذا، فجمعه، فقال:(
ادع عشرة)
فدعوت عشرة،
فأكلوا حتى شبعوا وكذلك حتى أكل الجيش كله وفضل تمرات، فقلت: يا رسول الله، ادع لي
فيهن بالبركة فقال: فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال:( خذهن فاجعلهن في المزود،
وإذا أردت أن تأخذ منهن شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفأ فيكفأ عليك ) قال: فما كنت
أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه، ولقد حملت منه خمسين وسقا في سبيل الله، ونأكل
ونطعم منه حياة رسول الله r وأبي بكر وعمر وحياة عثمان.
وكان معلقا خلف
رحلي، فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود وفي رواية فلم نزل نأكل منه
حتى كان آخر إصابة أهل الشام حين غاروا بالمدينة ألا أخبركم كم أكلت منه أكثر من
مائتي وسق [21].
ومن
تلك البركات ما حصل لخباب
بن الأرت ـ رضي الله
عنه ـ فعن
ابنة خباب بن الارث قالت: خرج خباب في سرية، فكان رسول الله r يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزا لنا، فكان يحلبها في جفنة لنا فتمتلئ
فلما قدم خباب حلبها، فعاد حلابها كما كان، فقالت أمي: أفسدت علينا شاتنا، قال:
وما ذاك؟ قالت: إن كانت لتحلب مل ء هذه الجفنة، قال: ومن كان يحلبها؟ قالت: رسول
الله r قال: وقد عدلتيني به؟ هو والله أعظم بركة [22].
ومن
تلك البركات ما حصل لنضلة
بن عمرو الغفاري، فقد حدث أنه حلب لرسول
الله r إناء، فشرب، ثم شرب نضلة، فامتلا، فقال: يا رسول الله، إني كنت
لاشرب السقية فما أمتلئ، فقال رسول الله r:( إن المؤمن ليشرب في معاء واحد، وإن الكافر ليشرب في سبعة أمعاء
)[23]
ومن تلك
البركات ما حصل لنوفل بن الحارث ـ رضي الله
عنه ـ فقد روي عنه أنه استعان رسول الله r في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله r
أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناه عند يهودي بثلاثين صاعا من
شعير، فدفعه رسول الله r إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه، كما أدخلناه،
قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله r فقال:( لو لم تكله لاكلت منه ما عشت )[24]
ومن
تلك البركات ما حصل لحمزة
الاسلمي ـ رضي الله
عنه ـ فقد روي عنه أنه قال: عملت طعاما للنبي r
ثم ذهبت به، فتحرك به النحي فأهريق ما فيه، فقلت: على يدي أهريق طعام رسول الله r،
فقال رسول الله r:(
ادنه ) فقلت: يا رسول الله لا أستطيع، فرجعت مكاني، فإذا النحي يقول قب قب، فقلت:
مه قد أهريق فضلة فضلت فيه، فاجتذبته، فإذا هو قد ملي إلى يديه، فأوكيته، ثم جئت
إلى رسول الله r
فذكرت له ذلك، فقال:( أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه، ثم أوكى)[25]
وفي رواية:
فقال رسول الله r:( لو تركته لسال واديا سمنا )[26]
ومن تلك
البركات ما حصل لمسعود بن خالد ـ رضي الله
عنه ـ فقد روي عنه أنه قال: بعثت إلى رسول الله r شاة، ثم ذهبت في حاجة، فرد رسول الله r شطرها، فرجعت، فإذا لحم، فقلت: يا أم خناس ما هذا اللحم؟ قالت: رد
رسول الله r من الشاة التي بعثت بها إليه شطرها، قلت: مالك لا تطعمينه عيالك،
قالت: هذا سؤرهم، وكلهم قد أطعمت، وكانوا يذبحون الشاتين والثلاثة فلا تجزئهم[27].
ومن
تلك البركات ما حصل لخالد
بن عبد العزى ـ رضي الله
عنه ـ فقد روي أن النبي r أجزره شاة، وكان عيال خالد كثيرا يذبح الشاة، فلا يبد عياله عظما
عظما، وإن النبي r أكل منها، ثم قال:( أرني دلوك يا أبا حباش)، فوضع فيه فضلة الشاة،
ثم قال:( اللهم بارك لأبي حباش)، فانقلب به، فنثره لهم، وقال:( تواسوا فيه فأكل
منه عياله وأفضلوا[28])
ومن تلك
البركات ما حصل لعبد الله بن طهفة ـ رضي الله
عنه ـ فقد روي عنه أنه قال: كان رسول الله r إذا اجتمع الضيفان قال:( لينقلب كل رجل مع جليسه )، فكنت أنا ممن
انقلب مع رسول الله r فقال:( يا عائشة، هل من شئ ) قالت: حويسة كنت أعددتها لافطارك،
فأتي بها في قعبة فأكل منها رسول الله r شيئا ثم قدمها إلينا ثم قال:( بسم الله كلوا ) فأكلنا منها حتى
والله ما ننظر إليها، ثم قال:( هل من شراب؟) فقالت لبينة: أعددتها لافطارك، فجاءت
بها فشرب منها شيئا، ثم قال:( باسم الله اشربوا )، فشربنا حتى والله ما ننظر إليها[29].
ومن تلك
البركات ما حصل لرجل أنه أتى النبي r يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير فما زال يأكل منه هو وامرأته ومن
ضيفهما حتى كالوه فأخبر النبي r فقال رسول الله r:( لو لم تكله لاكلتم منه ولقام لكم )[30]
ومن
تلك البركات ما حصل لأم
سليم ـ رضي الله عنهما ـ فقد حدثت عن ذلك، فقالت:
كانت لنا شاة فجمعت من سمنها في عكة فملاتها العكة وبعثت بها مع الجارية فقالت:
أبلغي هذه العكة رسول الله r فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك
أم سليم، قال:( فرغوا لها عكتها ) ففرغت العكة فدفعت إليها فانطلقت وجاءت أم سليم،
فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم: أليس قد أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله
r فقالت: قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله r
فانطلقت أم سليم، فقالت: يا رسول الله إني بعثت إليك بعكة سمن قال:( قد فعلت جاءت
بها )، قالت: والذي بعثك بالهدى ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا فقال لها رسول
الله r:( يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه كلي
وأطعمي )، فجاءت إلى البيت، ففتت لنا كذا وكذا وتركت فيها ما ائتدمنا شهرا أو
شهرين[31].
ومن
تلك البركات ما حصل لأم
أوس البهزية ـ رضي الله عنها
ـ فقد حدثت عن ذلك، فقالت: سليت سمنا لي فجعلته في عكة فأهديته إلى رسول الله r
فقبله، وترك في العكة قليلا ونفخ فيه، ودعا بالبركة، ثم قال:( ردوا عليها عكتها )
فردوها عليها وهي ممتلئة سمنا، قالت: فظننت أن رسول الله r لم يقبلها فجاءت ولها صراخ فقالت: يا رسول الله إنما سليته لك
لتأكله فعلم أنه قد استجيب له، فقال:( اذهبوا فقولوا لها لتأكل سمنها وتدعو
بالبركة )، فأكلت بقية عمر رسول الله r وولاية أبي بكر وولاية عمر وولاية عثمان حتى كان من أمر علي
ومعاوية ما كان[32].
ومن
تلك البركات ما حصل لأم
شريك الدوسية ـ رضي الله
عنها ـ فقد حدث عن ذلك أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ فقال:
كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله r
فلقيت رجلا من اليهود، فقال: تعالي أنا أصحبك، قالت: انظرني حتى
أملا سقائي ماء، قال: معي ماء فانطلقت معه، فساروا حتى أمسوا، فنزل اليهودي ووضع
سفرته وتعشى، وقال: يا أم شريك، تعالي إلى العشاء، قالت: اسقني، فإني عطشى ولا
أستطيع أن آكل حتى أشرب، قال: لا أسقيك قطرة حتى تهودي، قالت: والله لا أتهود أبدا
فأقبلت إلى بعيرها فعقلته ووضعت رأسها على ركبته، قالت: فما أيقظني إلا برد دلو قد
وقع على جبيني فرفعت رأسي فنظرت إلى الماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل
فشربت حتى رويت ثم نضحت على سقائي حتى ابتل ثم ملاته ثم رفع بين يدي وأنا أنظر حتى
توارى مني في السماء فلما أصبحت جاء اليهودي، فقال: يا أم شريك قلت: والله قد
سقاني الله، قال: من أين؟ أنزل عليك من السماء ماء؟ قالت: نعم، والله لقد أنزل علي
من السماء ماء ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء ثم أقبلت حتى دخلت على رسول
الله r فوهبت نفسها له فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا وقال:( كلوا
ولا تكيلوا )، وكان معها عكة سمن هدية لرسول الله r فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله r فانطلقت فأخذوها، فأفرغوها، وأمرها رسول الله r
إذا ردتها أن تعلقها ولا توكئها فدخلت أم شريك فوجدتها ملاى، فقالت للجارية: ألم
آمرك أن تذهبي إلى رسول الله r؟ قالت: قد فعلت ثم أقبلت بها ما ينظر منها شئ، ولكنه قال:( علقوها
ولا توكئوها )، فذكروا ذلك لرسول الله r فأمرهم أن لا يوكئوها، فلم تزل حتى أوكأتها أم شريك، ثم كالوا
الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شئ[33].
ومن تلك
البركات ما حصل لعائشة ـ رضي الله
عنها ـ فقد حدثت عن ذلك، فقالت: لقد توفي رسول الله r وما في بيتي من شئ يأكله ذو كبد إلا شطر وسق من شعير في رف، فأكلت
منه حتى طال علي، فكلته ففني )[34]
قال رجل من الجمع: لقد حدثتنا عن الصحبة المباركة، فحدثنا عن اللمسات
المباركة.
قال عبد القادر: لقد كانت البركات تتبع كل ما مسه النبي r، كما كانت تتبع كل من لقيه،
وسأحدثكم عن بعض أحاديث تلك البركات:
فمن الذين أصابتهم لمساته r المباركة ما حدث به أبو الطفيل من أن رجلا ولد له
غلام على عهد رسول الله r فأتى به، فدعا له بالبركة، وأخذ
بجبهته، فنبت شعره في جبهته كأنها هلبة فرس، فشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج
أجابهم فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه، فسقطت تلك الشعرة، فشق عليه سقوطها، فقيل له: هذا
مما هممت به، ألم تر بركة رسول الله r وقعت، فلم نزل به حتى تاب، فرد الله تعالى عليه
الشعرة بعد في وجهه، قال أبو الفضل: فرأيتها بعد ما نبتت قد سقطت، ثم رأيتها قد
نبتت[35].
ومن
ذلك
ما حدث به أبو عطية البكري، قال: انطلق بي أهلي الى رسول الله r
وأنا شاب، فمسح رأسي، قال الراوي: فرأيت أبا عطية أسود الرأس واللحية، وكانت قد
أتت عليه مائة سنة[36].
ومن
ذلك
ما حدث به عبد الله بن هلال الأنصاري، قال: ذهب بي أبي إلى رسول الله r
فقال: يا رسول الله ادع الله له فما أنسى وضع رسول الله r يده على رأسي حتى وجدت بردها فدعا لي، وبارك علي، فرأيته أبيض
الرأس واللحية ما يستطيع أن يفرق رأسه من الكبر، وكان يصوم النهار ويقوم الليل[37].
ومن ذلك ما حدث
به عمرو بن ثعلبة الجهني ـ رضي الله عنه ـ
قال: لقيت رسول الله r بالسالة، فأسلمت، فمسح رأسي، قال الراوي: فأتت على عمرو مائة سنة،
وما شاب موضع يد رسول الله r من رأسه[38].
وقد حدث الرواة
[39] أن وسط رأس السائب كان أسود، وبقيته أبيض، وحدثوا
عن عطاء مولى السائب بن يزيد قال: رأيت السائب لحيته بيضاء، ورأسه أسود، فقلت: يا
مولاي، ما لرأسك لا تبيض؟ فقال: لا تبيض رأسي أبدا!، وذلك أن رسول الله r
مضى وأنا غلام ألعب مع الغلمان، فسلم عليهم وأنا فيهم، فرددت عليه السلام، من بين
الغلمان، فدعاني، فقال: (ما اسمك؟) فقلت: السائب بن يزيد بن أخت النمر فوضع يده
على رأسي، وقال: (بارك الله فيك)، فلا يبيض موضع يد رسول الله r.
ومن ذلك ما
حديث به مدلوك أبي سفيان قال: أتيت رسول الله r مع موالي فأسلمت فمسح رسول الله r يده على رأسي قال: فرأينا مسح رسول الله r من رأسه أسود وقد شاب ما سوى ذلك [40].
ومن ذلك ما
محمد بن أنس الظفري قال: قدم النبي r المدينة وأنا ابن اسبوعين، فأتي بي فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة
وحج حجة الوداع، وأنا ابن عشرين سنة.
قال يونس: ولقد
عمر أبي حتى شاب كل شئ منه، وما شاب موضع يد النبي r من رأسه، ولا من لحيته[41].
ومن ذلك أن
رسول الله r مسح رأس عبادة بن سعد بن عثمان الزرقي، ودعا له، فمات وهو ابن
ثمانين سنة، وما شاب.
ومن ذلك ما حدث
به بشير بن عقربة الجهني أن رسول الله r مسح رأسه، فكان أثر يده من رأسه أسود، وسائره أبيض[42].
ومن ذلك ما حدث
به أبو زيد الانصاري قال: مسح رسول الله r بيده على رأسي وقال:( اللهم جمله وأدم جماله ) قال: فبلغ بضعا
ومائة سنة وما في لحيته بياض، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات[43].
ومن ذلك ما حدث
به أنس أن يهوديا أخذ من لحية النبي r فقال:( اللهم جمله)، فاسودت لحيته بعدما كانت
بيضاء[44].
ومن ذلك ما حدث
به قتادة، قال: حلب يهودي للنبي r ناقة، فقال:( اللهم جمله )، فاسود شعره، حتى صار أشد سوادا من كذا
وكذا، قال معمر: وسمعت قتادة يذكر أنه عاش تسعين سنة فلم يشب[45].
ومن ذلك ما حدث
به حنظلة بن جذيم بن حنيفة التميمي أن أباه قدم على رسول الله r
فقال: يا رسول الله، ان لي بنين ذوي لحى، وإن هذا أصغرهم، فادع الله له، فمسح
رأسه، وقال:( بارك الله فيك ) أو قال:( بورك فيك )، قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة
يؤتى بالانسان الوارم وجهه فيتفل على يديه ويقول: باسم الله، ويضع يده على رأسه
موضع كف رسول الله r ثم يمسح موضع الورم، فيذهب الورم[46].
ومن ذلك ما حدث
به بشر بن معاوية بن ثور أنه وفد من بني البكاء على رسول الله r
ثلاثة نفر، معاوية بن ثور، وابنه بشر، والفجيع بن عبد الله، ومعهم عبد عمرو
البكائي، فقال معاوية: يا رسول الله، اني أتبرك بمسك، فامسح وجه ابني بشر، فمسح
وجهه، ودعا له، فكانت في وجهه مسحة النبي r كالغرة، وكان لا يمسح شيئا الا برأ وأعطاه أعنزا عفرا، قال الجعد:
فالسنة ربما أصابت بني البكاء ولا تصيبهم[47].
وقد قال يذكر
ذلك محمد بن بشر بن معاوية، ويفخر به:
وأبي الذي مسح
الرسول برأسه ودعا له بالخير والبركات
أعطاه أحمد إذ
أتاه أعنزا عفرا نواجل ليس باللجبات
يملأن وفد الحي
كل عشية ويعود ذاك الملء بالغدوات
بورك في منح
وبورك مانحا وعليه مني ما حييت صلاتي
ومن ذلك ما حدث
به أبو وجزة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر منهم
سواء بن الحارث، وابنه خزيمة، فمسح رسول الله r وجه خزيمة، فصارت له غرة بيضاء[48].
ومن ذلك ما حدث
به خزيمة بن عاصم البكائي أنه قدم على رسول الله r فمسح رسول الله r وجهه فما زال جديدا حتى مات[49].
ومن ذلك ما حدث
به أبو العلاء بن عمير قال: كنت عند قتادة بن ملحان حيث حضر، فمر رجل من أقصى
الدار، فأبصرته في وجه قتادة، قال: وكنت إذا رأيته كأن على وجهه الدهان، كان رسول
الله r يمسح وجهه[50].
ومن ذلك ما حدث
به عائذ بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال:
أصابتني رمية - وأنا أقاتل بين يدي رسول الله r يوم خيبر، فلما سالت الدماء على وجهي وجبيني وصدري، فوضع رسول
الله r يده، فسلت الدم عن وجهي وصدري الى ثندوتي ثم دعا لي.
قال حشرج: فكان
عائذ يخبرنا بذلك حياته، فلما هلك وغسلناه نظرنا الى ما كان يصف لنا من أثر يد
رسول الله r التي مسها ما كان يقول لنا من صدره، فإذا غرة سائلة كغرة الفرس[51].
ومن ذلك ما حدث
به أبو العلاء قال: عدت قتادة بن ملحان في مرضه، فمر رجل في مؤخرة الدار، فرأيته
في وجه قتادة، وكان رسول الله r مسح وجهه، وكنت قلما رأيته الا رأيت كأن على وجهه الدهان[52].
ومن ذلك ما حدث
به المدائني عن خاله أن أسيد بن أبي اياس ـ رضي الله عنه ـ مسح رسول الله r وجهه وألقى يده على صدره فكان أسيد يدخل البيت المظلم فيضئ.
ومن ذلك ما حدث
به وائل بن حجر ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أصافح النبي r أو يمس جلدي جلدة فأعرف في يدي بعد ثالثة أصيب من ريح المسك [53].
ومن لك آثار يده الشريفة في إدرار اللبن في المواشي التي يحلبها، وقد رويت
في ذلك روايات كثيرة:
منها أنه لما هاجر النبي r من مكة إلى المدينة، مر في هجرته ببعض الناس، وكان
منهم عبد كان يرعى غنما، فاستسقاه اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب غير أن ههنا
عناقا[54] حملت أول الشتاء، وقد أخرجت وما
بقي لها لبن، فقال r:( ادع بها )، فجاء بها الرجل،
فمسح النبي r ضرعها، ودعا حتى أنزلت.
ثم جاء أبو بكر بمجن، فحلب وسقى أبا بكر، ثم حلب، فسقى الراعي، ثم حلب
فشرب، فقال الراعي: بالله من أنت؟ فوالله ما رأيت مثلك قط. قال: ( أوتراك تكتم علي
حتى أخبرك؟ ) قال: نعم، قال: ( فإني محمد رسول الله )، فقال: أنت الذي تزعم قريش
أنه صابئ[55]؟ قال: ( إنهم ليقولون ذلك ) قال:
فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك،
فقال r:( إنك لن تستطيع ذلك يومك، فإذا
بلغك أني قد ظهرت فأتنا[56])[57]
وحدثت له حادثة أخرى في طريقه هذه حدث بها أبو بكر الصديق t، فقال: خرجت مع رسول الله r من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء
العرب، فنظر رسول الله r إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا
لم يكن فيه إلا امرأة، فقالت: يا عبد الله إنما أنا امرأة، وليس معي أحد، فعليكما
بعظيم الحي إذا أردتم القرى قال: فلم يجبها، وذلك عند المساء، فجاء ابن لها بأعنز
له يسوقها، فقالت له: يا بني انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين، فقل
لهما: تقول لكما أمي: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا، فلما جاء قال له النبي r:( انطلق بالشفرة، وجئني بالقدح)،
قال: إنها قد عزبت، وليس لها لبن قال: انطلق، فانطلق فجاء بقدح فمسح النبي r ضرعها، ثم حلب حتى ملأ القدح، ثم
قال: انطلق به إلى أمك، فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال:( انطلق بهذه وجئني بأخرى
)، ففعل بها كذلك، ثم سقى أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي r، قال: فبتنا ليلتنا.
ثم انطلقنا، فكانت تسميه المبارك، وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة،
فمر أبو بكر الصديق t، فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه،
إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك، فقامت إليه، فقالت: يا عبد الله، من الرجل الذي
كان معك؟ قال: وما تدرين من هو؟ قالت: لا قال: هو النبي r، قالت: فأدخلني عليه، قال: فأدخلها عليه، فأطعمها
وأعطاها، وأسلمت.
وفي طريقهما ـ أيضا ـ لقيا المرأة المشهورة أم معبد، وهذا حديثها، كما رواه
علماء السيرة:
فقد ذكروا أن رسول الله r حين أخرج من مكة مهاجرا إلى المدينة، هو ومن معه،
مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة[58] تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي
وتطعم، فسألوها لحما، وتمرا، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان
القوم مرملين مسنتين، فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزناكم نحرها.
فنظر رسول الله r إلى شاة في كسر الخيمة، فقال:( ما
هذه الشاة يا أم معبد؟)، قالت: شاة خلفها الجهد[59] عن الغنم، قال:( أبها من لبن؟)،
قالت: هي أجهد من ذلك، قال:( أتأذنين لي أن أحلبها )، قالت: بأبي أنت وأمي إن رأيت
بها حلبا، فاحلبها.
فدعا بها رسول الله r، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله تعالى، ودعا لها في
شاتها، فتفاجت عليه ودرت واجترت،ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا حتى علاه
البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم رسول الله r، ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانيا بعد
بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحل عنها.
فلم تلبث إلا قليلا حتى جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا، فلما رأى
اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاء عازب حيال ولا حلوب في
البيت؟ فقالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا،قال: صفيه لي
يا أم معبد. قالت:( رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه[60]، حسن الخلق، لم تعبه نحلة، ولم
تزر به صعلة، وسيم قسيم [61] إن صمت فعليه
الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من
قريب. حلو المنطق، فصل، لا نذر ولا هذر. كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن. ربعة لا بائن
من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصنا بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم
قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود
محشود، لا عابس ولا مفند.
فقال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد
هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا.
فأصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزاية
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد
فاز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم به من
فعال لا تجارى وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت له بصريح
ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها بحالب
يرددها في مصدر ثم مورد [62]
ومن ذلك بركة
يده r في شاة أبي قرصافة، فعنه ـ رضي الله عنه ـ قال: كان بدء اسلامي
أني كنت يتيما بين أمي وخالتي، وكان أكثر ميلي لخالتي، وكنت أرعى شويهات لي، وكانت
خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بني، لا تمر على هذا الرجل، فيغويك ويضلك، فكنت أخرج
حتى آتي المرعى، وأترك شويهاتي وآتي رسول الله r فلا أزال أسمع منه ثم أروح غنمي ضمرا يابسات الضروع، فقالت لي
خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: لا أدري، ثم عدت إليه اليوم الثاني، ففعل كما
فعل اليوم الاول، ثم إني رحت بغنمي كما رحت في اليوم الاول، ثم عدت إليه في اليوم
الثالث، فلم أزل عنده أسمع منه حتى أسلمت وبايعته وصافحته، وشكوت إليه أمر خالتي،
وأمر غنمي، فقال لي رسول الله r:( جئني بالشياه )، فجئته بهن، فمسح ظهورهن وضروعهن ودعا فيهن
بالبركة، فامتلات لحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بني هكذا فارع،
قلت: يا خالة، ما رعيت الا حيث أرعى كل يوم، ولكن أخبرك بقصتي، وأخبرتها بالقصة،
وإتياني رسول الله r وأخبرتها بسيرته وبكلامه، فقالت أمي وخالتي: اذهب بنا إليه، فذهبت
أنا وأمي وخالتي فأسلمنا، وبايعنا رسول الله r وصافحهن[63].
ومثلما رويت
الآثار في بركات يده r، رويت الآثار في بركات ريقه الشريف:
ومن ذلك ما حدث
به أبو عقيل الديلي ـ رضي الله عنه ـ قال:
أتيت رسول الله r فآمنت به، وصدقت وسقاني رسول الله r - شربة سويق، شرب رسول الله r أولها، وشربت آخرها، فما زلت أجد بلتها على فؤادي إذا ظمئت،
وبردها إذا أضحيت[64].
وفي حديث آخر
عن حنش بن عقيل، قال: دعاني النبي r الى الاسلام، فأسلمت، فسقاني فضلة سويق، فما زلت أجد ريها إذا
عطشت، وشبعتها إذا جعت[65].
ومما يروى في
هذا ما حدث به جمع من أصحاب النبي r ـ فيهم أبو أسيد وأبو حميد وأبو سهل بن سعد ـ
فقالوا: أتى رسول الله r بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، ورده في البئر، ومج مرة أخرى في
الدلو، وبصق فيها وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض في عهده يقول:( اغسلوه من
ماء بضاعة )، فيغسل، فكأنما حل من عقال[66].
ومن ذلك ما يروى
عن حنظلة بن قيس أن عبد الله بن عامر بن كريز أتي به رسول الله r
فتفل عليه وعوده، فجعل يتسرع ريق النبي r فقال:( إنه ليشفى )، وكان لا يعالج أرضا الا ظهر له فيها الماء[67].
ومن ذلك ما روي
عن ثابت بن قيس بن شماس أنه فارق جميلة بنت عبد الله بن أبي، وهي حامل بمحمد، فلما
ولدته حلفت لا تلبنه من لبنها، فدعا به رسول الله r فبزق في فيه، وحنكه بتمرة عجوة، وسماه محمدا، وقال: اختلف به، فان
الله رازقه، فأتيته في اليوم الأول والثاني والثالث، فإذا أنا بامرأة من العرب،
تسأل عن ثابت بن قيس بن شماس، فقلت: ما تريدين منه؟ فقالت: رأيت أني أرضع ابنا له،
يقال له: محمد، قال: فأنا ثابت، وهذا ابني محمد، قال: وإذا درعها ينعصر من لبنها[68].
ومن ذلك ما روي
عن أبي قتادة أن رسول الله r بصق على أثر سهم في وجهه في يوم ذي قرد، قال: فما ضرب علي قط ولا
قاح[69].
ومن ذلك ما روي
عن عكرمة أن رسول الله r تفل على رجل زيد بن معاذ حين أصابها السيف ـ أي العلب ـ حين قتل
ابن الاشرف فبرأت[70].
ومن ذلك ما روي
عن بشير بن عقربة، قال: لما قتل ابي يوم أحد، أتيت رسول الله r
وأنا أبكي، فقال:( أما ترضى أن أكون أبوك[71]، وعائشة أمك)، فمسح رأسي فكان أثر يده من رأسي أسود وسائره أبيض،
وكانت بي رثة فتفل فيها فانحلت[72].
ومن ذلك ما حدث
به جرهد ـ رضي الله عنه ـ عن نفسه أنه أتى
رسول الله r وبين يديه طعام، فأدنى (جرهد) يده الشمال وكانت يده اليمنى مصابة،
فنفث عليها رسول الله r، فما شكى حتى مات[73].
ومن ذلك ما روي
عن وائل بن حجر ـ رضي الله عنه ـ قال: أتي
رسول الله r بدلوا من ماء زمزم، فشرب، ثم توضأ، ثم مجه في الدلو مسكا، أو أطيب
من المسك، واستنثر خارجا من الدلو[74].
ومن ذلك ما حدث
به أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: خرجنا
مع رسول الله r حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، فقال
لفاطمة:( ما شأن ابني؟ ) قالت: العطش، فنادى في الناس:( هل أحد منكم معه ماء؟) فلم
يجد أحد منهم قطرة، فقال:( ناوليني أحدهما )، فناولته اياه من تحت الخدر، فأخذه
فضمه الى صدره وهو يضغو لم يسكت، فأدلع لسانه فجعل يمصه حتى هدأ، وسكن، فلم أسمع
له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت، فقال:( ناوليني الآخر)، فناولته إياه ففعل
به كذلك، فسكتا فما سمع لهما صوتا[75].
***
قال رجل من الجمع: فكيف لم يعرف الناس قيمة
لمساته المباركة وريقه المبارك مع كثرة هذه الروايات؟
قال عبد
القادر: أما أعداؤه، فقد طمس الله على قلوبهم بحسدهم وكبرهم، فمنعوا من بركات
الدنيا، كما منعوا قبلها من بركات الآخرة.
وأما أصحابه،
فقد كانوا أكثر الناس التماسا لبركاته وتعظيما لها، وسأذكر لك بعض الروايات التي
تبين ذلك، والتي تدل على أنه لولا يقينهم ببركاته r ما فعلوا ذلك:
فمن ذلك ما روي
عن أبي جحيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: خرج
رسول الله r بالهاجرة، فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه
فيتمسحون به[76].
ومن ذلك ما روي
عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت
عند رسول الله r وهو نازل بالجعرانة، فذكر حديثا وفيه: ثم دعا رسول الله r
بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه ومج فيه، ثم قال لهما:( اشربا منه، وأفرغا على
وجوهكما ونحوركما..)[77]
ومن ذلك ما روي
عن مروان والمسور بن مخرمة ـ يصدق كل واحد منهما صاحبه ـ أن النبي r
كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه [78].
ومن ذلك ما روي
عن المسور بن مخرمة قال: خرج رسول الله r عام الحديبية يريد زيارة البيت، ولا يريد قتالا،
فذكر الحديث، وفيه: أن قريشا بعثت إليه عروة بن مسعود الثقفي ـ رضي الله عنه
ـ فجعل عروة يرمق أصحاب رسول الله r
بعينيه قال: فوالله ما بصق رسول الله r الا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا
أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ما يحدون
النظر إليه تعظيما له، فرجع الى أصحابه، وقد رأى ما يصنع برسول الله r
فرجع الى قريش فقال: يا معشر قريش، اني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في
ملكهما، فوالله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا، والله ان
بصق الا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وكفه، وان أمرهم ابتدروا أمره، وإذا
توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر
إليه تعظيما له ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشئ أبدا، فروا رأيكم فيه[79].
ومن ذلك ما روي
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول
الله r إذا صلى الغداة جاء خدم أهل المدينة بآنيتهم فيها الماء، فلم يؤت
باناء الا غمس يده فيه، فربما في الغداة جاؤوا الباردة، فيغمس يده فيها[80].
ومن ذلك ما روي
أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدم رأسه يرسلها، فتبلغ الارض إذا جلس فقيل له: ألا
تحلقها؟ فقال: ان رسول الله r مسح عليها بيده، فلم أكن لأحلقها حتى أموت، فما حلقها حتى مات[81].
ومن ذلك ما روي
عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال:
كنت يوما عند رسول الله r فأتى بتمر يفرقه علينا، وكنا ندنيه منه ليمسه لما نرجو من بركة
يده، فإذا رآه قد اجتمع فرقه بيننا[82].
ومن ذلك ما روي
عن السائب بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ قال:
ذهبت بي خالتي الى رسول الله r فقالت: يا رسول الله، ان ابن أختي وقع فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة
ثم توضأ فشربت من وضوئه..الحديث[83].
ومن ذلك ما روي
عن الاسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة رسول الله r فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله r
الرحلة، وكرهت أن أرحل ناقته، وأنا جنب وخشيت أن اغتسل بالماء البارد، فأمرض،
فأموت فأمرت رجلا من الانصار فرحلها ووضعت احجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت ثم لحقت
برسول الله r واصحابه، فقال لي:( يا أسلع مالي أرى راحلتك قد تغيرت؟) فقلت: يا
رسول الله، لم أرحلها، رحلها رجل من الانصار[84].
ومن ذلك ما روي
عن أم اسحاق، قالت: هاجرت مع أخي الى رسول الله r فقال لي: نسيت نفقتي بمكة، فرجع ليأخذها، فقتله زوجي، فقدمت على
رسول الله r فقلت له: أخي قتل، فأخذ كفا من ماء، فنفخه في وجهي، فكانت تصيبها
المصيبة، فترى الدموع في عينيها ولا تسيل على خدها[85].
ومن ذلك ما روي
عن الزهري، قال: حدثني من لا أتهم من الانصار أن رسول الله r كان إذا توضأ أو بصق ابتدروا بصاقه، فمسحوا به وجوههم وجلودهم،
فقال رسول الله r:( لم تفعلون هذا؟) فقالوا: نلتمس البركة[86].
ومن ذلك ما روي
عن أبي العشراء عن أبيه قال: لما مرض أبي أتاه رسول الله r فتفل عليه رسول الله r من قرنه الى قدمه ثلاث مرات بريقه الى جسده[87].
ومن ذلك ما روي
عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: رأيت
رسول الله r كحل علي ببزاقه [88].
ومن ذلك ما روي
أن زينب بنت أبي سلمة دخلت وهي صغيرة على رسول الله r في مغتسله فنضح في وجهها الماء وقال:( ارجعي )، قال عطاف: قالت
أمي: ورأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شئ[89].
ومن ذلك ما روي
عن خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ قال:
اعتمرنا مع رسول الله r فعلق شعره فاستبق الناس الى شعره، فسبقت الى الناصية فأخذتها
فاتخذت قلنسوة فجعلتها في مقدمة القلنسوة فما وجهت في وجه إلا فتح لي[90].
ومن ذلك ما روي
عن أبي سعيد الخدري أن أباه مالك بن سنان لما أصيب رسول الله r
في وجهه يوم أحد مص دم رسول الله r وازدرده فقال له:( أتشرب الدم؟)
قال: أشرب دم رسول الله r فقال النبي r:( من خالط دمي دمه لا يضره الله)[91]
ومن ذلك ما حدث
به سفينة قال: احتجم رسول الله r وقال:( وغيب عني الدم)، فذهبت فشربته، ثم جئته فقال:( ما صنعت؟)،
قلت: غيبته، قال:( أشربته؟) قلت: نعم[92].
وفي حديث آخر
عن سفينة، قال: حجم رسول الله r حجاما فأمر أن يوارى الدم من الطير والدواب، فذهبت فشربته، ثم
أتيت النبي r فذكرت له ذلك فضحك ولم يقل لي شيئا[93].
ومن ذلك ما روي
عن عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ أنه أتى النبي r وهو يحتجم، فلما فرغ قال:( يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث
لا يراه أحد)، فلما برزت عن رسول الله r عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت إلى النبي r قال:( ما صنعت يا عبد الله؟) قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف عن
الناس، قال:( فلعلك شربته؟) قال: نعم. قال:( ومن أمرك أن تشرب الدم، ويل لك من
الناس، وويل للناس منك )[94]
قال عبد
القادر: محمد والمسيح كلاهما رسولان لله، وكلاهما مباركان، ونحن لا نقيم هنا
مسابقة بينهما، ولكنا نريد أن نثبت نبوة كليهما.. فمثل هذه البركات العظيمة لا
يجريها الله إلا على أيدي أنبيائه، أو من هم سائرون على أقدام أنبيائه.
وبما أنك
رغبت إلي في أن أحدثك في هذا، فسأذكر لك بعض ما وردت به أسانيدنا الثابتة التي
تفيد بمجموعها تواتر ذلك عن نبينا r:
فمن ذلك ما ما حصل يوم الخندق،
حيث أطعم رسول الله r جيش المسلمين الذي كان يحفر يوم الخندق من طعام فئة قليلة من
الناس.
وقد حدث صاحب
الوليمة جابر بن عبد الله t عن ذلك، فقال: كنا يوم الخندق نحفر الخندق، فعرضت فيه كذانة، وهي
الجبل، فقلنا: يا رسول الله، إن كذانة قد عرضت فيه، فقال رسول الله r:(
رشوا عليها)، ثم قام رسول الله r، فأتاها، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول أو المسحاة،
فسمى ثلاثا ثم ضرب، فعادت كثيبا أهيل، فقلت له: ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل،
ففعل، فقلت للمرأة: هل عندك من شيء؟ فقالت: عندي صاع[95] من شعير وعناق[96]، فطحنت الشعير وعجنته، وذكت العناق وسلختها، وخليت من المرأة،
وبين ذلك.
ثم أتيت رسول
الله r، فجلست عنده ساعة ثم قلت: ائذن لي يا رسول الله، ففعل، فأتيت
المرأة فإذا العجين واللحم قد أمكنا، فرجعت إلى رسول الله r، فقلت: إن عندي طعيما[97] لنا، فقم يا رسول الله أنت ورجلان من أصحابك، فقال: ( وكم هو؟ )
فقلت: صاع من شعير، وعناق، فقال للمسلمين جميعا:( قوموا إلى جابر)، فقاموا، فلقيت
من الحياء ما لا يعلمه إلا الله، فقلت: جاء بالخلق على صاع شعير وعناق، فدخلت على
امرأتي أقول: افتضحت، جاءك رسول الله r بالجند أجمعين، فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم، فقالت:
الله ورسوله أعلم، قد أخبرناه ما عندنا، فكشفت عني غما شديدا.
فدخل رسول الله
r فقال: خذي ودعيني من اللحم، فجعل رسول الله r يثرد، ويغرف اللحم، ثم يخمر هذا، ويخمر هذا، فما زال يقرب إلى
الناس حتى شبعوا أجمعين، ويعود التنور[98]والقدر أملأ ما
كانا، ثم قال رسول الله r:( كلي وأهدي)
قال جابر: فلم
نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع[99].
وفي رواية ذكر
العدد الذي أكل من هذه الوليمة، فقال:( وجعل رسول الله r يبرد، ويغرف اللحم، ويخمر هذا ويخمر هذا، فما زال يقرب إلى الناس
حتى شبعوا أجمعين، ويعود التنور والقدر أملأ ما كانا، فكلما فرغ قوم جاء قوم حتى
صدر أهل الخندق، وهم ألف حتى تركوه، وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا
ليختبز كما هو، ثم قال رسول الله r:( كلي وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة ) فلم نزل نأكل ونهدي يومنا.
وفي حديث آخر
عن جابر بن عبد الله t قال: صنعت أمي طعاما إلى رسول الله r قالت: ادعه، فجئت فساررته، فقال لاصحابه:( قوموا )، فقام معه
خمسون رجلا، فقال:( ادخلوا عشرة عشرة ) فأكلوا حتى شبعوا وفضل نحو ما كان[100].
ومن ذلك وليمة حصلت في نفس
الغزوة، ذكرتها ابنة بشير بن سعد، فقالت: دعتني أمي فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي، ثم
قالت: يا بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما، قالت: فأخذته ثم انطلقت
بها، فمررت برسول الله r فقال:( تعالي ما معك؟ ) فقلت: يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي
إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه فقال:( هاتيه )، فصببته في
كفي رسول الله r فما ملاها ثم أمر بثوب فبسط ثم دعا بالتمر فصبه فوق الثوب ثم قال
لانسان عنده:( اخرج في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه،
فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب [101].
ومن
ذلك
ما حدث به أنس t، فقال: جئت رسول الله r فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم قد عصب بطنه بعصابة، فقلت لبعض
أصحابه: لم عصب رسول الله r بطنه؟ فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أمي
فقال: هل من شئ؟ قالت: نعم عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله r
وحده أشبعناه وإن جاء معه بأحد قل عنهم، فقال لي أبو طلحة: قم قريبا من رسول الله r
فإذا قام فدعه حتى يتفرق عنه أصحابه ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه، فقل: أبي
يدعوك، ففعلت ذلك، فلما قلت: أبي يدعوك، قال لاصحابه:( يا هؤلاء تعالوا ) ثم أخذ
بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي فدخلت وأنا حزين
لكثرة من جاء به، فقلت: يا أبتاه، قد قلت لرسول الله r الذي قلت لي فدعا أصحابه، وقد جاء بهم، فخرج أبو طلحة، فقال: يا
رسول الله، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندي ما يشبع من أرى، فقال: رسول
الله r ادخل، فإن الله سيبارك فيما عندك، فدخلت فقال:( اجمعوا ما عندكم
ثم قربوه ) فقربنا ما كان عندنا من خبز وتمر، فجعلناه على حصير فدعا فيه بالبركة،
فقال:( يدخل علي ثمانية ) فأدخلت عليه ثمانية، فجعل كفه فوق الطعام، فقال:( كلوا
وسموا الله عز وجل ) فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا، ثم أمرني أن أدخل عليه
ثمانية فما زال ذلك أمره حتى دخل عليه ثمانون رجلا كلهم يأكل حتى يشبع، ثم دعاني
وأمي وأبا طلحة، فقال:( كلوا )، فأكلنا حتى شبعنا، ثم رفع يده، فقال: يا أم سليم،
أين هذا من طعامك حين قدمتيه؟ فقالت: بأبي أنت وأمي، لولا أني رأيتهم يأكلون لقلت:
ما نقص من طعامنا شئ[102].
ومن
ذلك ما
حدث به علي والبراء ـ رضي الله عنهما ـ أن الله تعالى لما أنزل:﴿
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء:214) جمع رسول الله r
بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلا يأكلون المسنة، ويشربون العس، فأمر عليا أن
يصنع لهم طعاما، وأن يجعل عليه رجل شاة، فصنعها، ثم قربها إلى رسول الله r،
فأخذ منها بضعة، فأكل منها، ثم تتبع بها جوانب القصعة، ثم قال:( ادنوا باسم الله
)، فدنا القوم فأكلوا عشرة عشرة، فأكلوا حتى صدروا ما نرى إلا أثر أصابعهم، والله
إن كان الرجل ليأكل مثل ما قدم لجميعهم، ثم قال:( يا علي، اسق القوم ) فجاءهم بذلك
العس، فشرب منه ثم ناولهم، وقال:( اشربوا باسم الله ) فشربوا حتى رووا عن آخرهم،
وأيم الله، إن كان الرجل منهم ليشرب مثله فذكر الحديث[103].
ومن ذلك ما حدث به أبو أيوب الأنصاري t قال: صنعت لرسول الله r وأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما، فأتيتهما به، فقال رسول الله r:(
اذهب فادع ثلاثين من أشراف الانصار) قال: فشق ذلك علي، وقلت: ما عندي شئ أزيده،
قال: فكأني تثاقلت، فقال:( اذهب فأدع لي ثلاثين من أشراف الانصار)، فدعوتهم
فجاؤوا، فقال: اطعموا، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله r
وبايعوه قبل أن يخرجوا.
ثم قال: اذهب
فادع لي ستين من أشراف الانصار، قال أبو أيوب: فوالله لأنا بالستين أجود مني
بالثلاثين، قال: فدعوتهم فقال رسول الله r:( اطعموا فأكلوا حتى صدروا ) ثم شهدوا أنه رسول الله r
وبايعوه قبل أن يخرجوا.
ثم قال:( اذهب فادع لي تسعين من
الانصار ) فلأنا أجود بالتسعين مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا، ثم
شهدوا أنه رسول الله r وبايعوه قبل أن يخرجوا فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم
من الانصار[104].
ومن
ذلك ما
حدث به صهيب t قال: صنعت لرسول الله r طعاما فأتيته وهو في نفر من أصحابه فقمت حياله، فلما نظر إلي
أومأت إليه، فقال:( وهؤلاء ) قلت لا مرتين يفعل ذلك أو ثلاثا فقلت: نعم، وهؤلاء
وإنما كان شيئا يسيرا صنعته لك فأكلوا وفضل منهم[105].
ومن ذلك ما ما حدثت به أم عامر أسماء
بنت يزيد بن السكن قالت: رأيت رسول الله r صلى في مسجدنا المغرب، فجئت إلى منزلي فجئته بعرق وأرغفة فقلت:
بأبي وأمي تعش، فقال لأصحابه:( كلوا بإسم الله )، فأكل هو وأصحابه الذين جاؤوا
معه، ومن كان حاضرا من أهل الدار، فو الذي نفسي بيده لرأيت بعض العرق لم يتعرقه
وعامة الخبز وإن القوم أربعون رجلا[106].
ومن
ذلك ما
حصل في غزوة تبوك، حيث أطعم رسول الله r جيش المسلمين من طعام فئة قليلة من الناس:
فعن ابن عباس ـ
رضي الله عنهما ـ قال: لما نزل رسول الله r مر الظهران في عمرته بلغ أصحابه أن قريشا تقول: ما يتباعثون من
العجف، فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهورنا، فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقة لأصبحنا
غدا ندخل على القوم وبنا جمامة فقال:( لا تفعلوا، ولكن إجمعوا لي من أزوادكم )،
فجمعوا له، وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تولوا، وحثا كل واحد منهم في جرابه [107].
وقد حدث جمع من الصحابة y، ومنهم أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري.. قالوا: لما
كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا
نواضحنا[108] فأكلنا وادهنا، فقال رسول الله
صلى r:( افعلوا )، فجاء عمر t، فقال: يا رسول الله إن فعلت قل
الظهر[109]، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم[110] وادع الله لهم فيها بالبركة لعل
الله عز وجل أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله r:( نعم )، فدعا بنطع[111] فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل
الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع
من ذلك شيء يسير.
فدعا رسول الله r بالبركة، ثم قال لهم:( خذوا في
أوعيتكم )، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، فأكلوا حتى
شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله r:( أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى
الله بهما عبد غير شاك فحجب عن الجنة )[112]
هذا ما حدث من بركات الطعام في هذه الغزوة التي سميت غزوة العسرة لشدتها
على المسلمين، أما الشراب، فقد حدث عمر t عن البركات التي ارتبطت به، فقال: خرجنا إلى تبوك في
قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان
الرجل ليذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل
لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق t: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد
عودك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا، قال:( أتحب ذلك؟)، قال: نعم، فرفع يديه فلم
يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها
جاوزت العسكر )[113]
قال أجير بولس: وما في هذا.. لقد مرت سحابة كما يمر السحاب، فأمطرتهم.
نظر إليه عبد القادر، وابتسم، وقال: أنت تذكرني بقولك هذا بأحد المنافقين
الذين كانوا مع رسول الله r في هذه الغزوة، ورأى عطش الناس، ثم ما كان من دعاء
رسول الله r حين دعا، فأرسل الله السحابة، فأمطرت
حتى ارتوى الناس، فأقبل عليه بعض أصحابه من المؤمنين، فقالوا: ويحك، هل بعد هذا من
شيء، فقال: سحابة مارة.
ثم إن رسول الله r سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت
ناقته، فخرج بعض أصحابه في طلبها، وعند رسول الله r عمارة بن حزم الأنصاري، وكان في رحله زيد، وكان منافقا،
فقال زيد: أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم خبر السماء، وهو لا يدري أمر ناقته،
فقال رسول الله r وعمارة بن حزم عنده:( إن رجلا
قال: هذا محمد يخبركم أنه نبي ويخبركم بأمر السماء، وهو لا يدري أين ناقته، وإني
والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، هي في الوادي قد حبستها
الشجرة بزمامها[114]، فانطلقوا فجاءوا بها، فرجع عمارة
إلى رحله، فحدثهم عما جاء رسول الله r من خبر الرجل، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة: إنما
قال زيد والله هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول:
إن في رحلي لداهية وما أدري، اخرج عني يا عدو الله فلا تصحبني.
قال رجل من الجمع: إن ما ذكرته من
بركات محمد لا يقل عما ذكر هذا القس عن بركات المسيح، فكيف لا تزعمون لنبيكم ما
يزعمون للمسيح؟
قال عبد القادر: نحن نعلم أن هذه البركات
فضل من فضل الله يهبه الله لمن يشاء من عباده، ولذلك نحن لا نجاوز بنبينا قدره
العظيم الذي أعطاه الله له، وهو قدر العبودية، فالعبودية أشرف مقام يصل إليه
العبد.
ولهذا، فنحن لا نرى فيما حصل لنبينا
من بركات إلا فيضا من فيوضات تمام تحققه بذلك المقام العظيم مقام العبودية لله.
قال آخر: إن العجب يأخذ منا كل مأخذ
عندما تذكر البركة، فهل أعيان الطعام تزاد، فيتحول القليل كثيرا، أم أن شهوات
الناس تسد، فيشبعون من حيث هم جائعون!؟
قال عبد القادر: لقد ورد في النصوص
الكثير ما يؤكد إلى أن أعيان الطعام نفسها يحصل فيها من الزيادة ما يجعلها أضعاف
ما كانت عليه.
وقد روي في ذلك بعض النصوص الدالة
على هذا، فعن أنس عن أبي رافع مولى رسول الله r
قال: أهديت لنا شاة، فجعلتها في قدر، فدخل رسول الله r
فقال:( ما هذا يا أبا رافع؟ فقلت: شاة أهديت لنا، فطبختها في القدر، فقال:( ناولني
الذراع ) فناولته ثم قال:( ناولني الذراع يا أبا رافع )، فناولته ثم قال:( ناولني
الذراع الآخر ) فقلت: يا رسول الله، إنما للشاة ذراعان، فقال رسول الله r:(
أما إنك لو مسكت لناولتني ذراعا ما دعوت به)[115]
وفي حديث آخر عن أبي هريرة t
أن شاة طبخت، فقال رسول الله r:(
أعطني الذراع )، فناولته إياه، ثم قال:( الذراع ) وفي رواية أخرى، قال r:(
أما إنك لو التمستها لوجدتها )[116]
وفي حديث آخر عن أسامة بن زيد ـ رضي
الله عنه ـ أن امرأة جاءت بابن لها فذكر الحديث، وفيه: فأهدت للنبي r
شاة مشوية، فقال:( خذ الشاة منها )، ثم قال:( ناولني ذراعها )، فناولته ثم قال:(
ناولني ذراعها )، فقلت يا رسول الله إنما هما ذراعان، وقد ناولتك فقال:( والذي
نفسي بيده، لو سكت ما زلت تناولني ذراعا، ما قلت لك ناولني ذراعا)[117]
وفي حديث آخر عن أبي عبيد مولى رسول
الله r
أنه طبخ للنبي r
قدرا فيه لحم، فقال:( ناولني ذراعها ) فناوله ثم قال:( ناولني ذراعها ) فناوله، ثم
قال: ناولني ذراعها)، فقلت: يا رسول الله، كم للشاة من ذراع، فقال: والذي نفسي
بيده، لو سكت لاعطتك ذراعا ما دعوت به )[118]
وفي حديث آخر عن سمرة بن جندب t
أن رسول الله r
أتى بقصعة فيها ثريد، فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر،
يأكل قوم ثم يقومون، ويجئ قوم فيتعاقبونه. فقال له رجل: هل كانت تمد بطعام؟ قال:
أما من الارض فلا، إلا أن تكون كانت تمد من السماء [119].
قال رجل من الجمع: كيف ذلك.. إن ذلك
لعجيب؟
قال عبد القادر: إن الله الخالق لكل
شيء لا يعجز عن مثل هذا.. وعدم إدراكنا للكيفية لا ينبغي أن يجرنا لإنكار
الإمكانية.
قال رجل آخر: أفتريدنا أن نلغي
عقولنا؟
قال عبد القادر: إنا في حياتنا
نستعمل أشياء كثيرة، ومع ذلك لا نعرف كيفيتها.. إن أكثر الناس يتفرجون على
التلفزيون، فيرون العالم جميعا بين أيديهم، ثم هم لا يعرفون عن الكيفية التي يشتغل
بها، ولا يكادون يبحثون عنها، مع أنك لو ذكرت هذا لمن سبقنا بقرون قليلة لاعتبره
خرافة ومستحيلا.
وانطلاقا من هذا.. سأحدثكم عن بعض
الأطعمة التي ربت وزادت ببركة رسول الله r،
فقد روي في ذلك نصوص كثيرة يفيد مجموعها التواتر:
ومما روي في
ذلك ما ورد من عن أنس t أنه كان شاهد أبا طلحة قال لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله r
ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عنك من شئ؟ فقالت: ما عندنا إلا نحو من مد شعير، قال:
فاعجنيه وأصلحيه، عسى أن ندعو رسول الله r فيأكل عندنا، قالت: فعجنته وخبزته، فجاء قرصا، فقال: ادع لي رسول
الله r.
قال أنس: فذهبت
فوجدت رسول الله r في المسجد ومعه الناس ـ قال مبارك بن فضالة، فأحسبه قال: بضعة
وثمانون ـ فقمت عليهم، فقال رسول الله r:( أرسلك أبو طلحة؟)، فقلت: نعم، فقال رسول الله r
لمن معه:( قوموا )، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة،
فأخبرته، فقال أبو طلحة: فضحتنا، قلت: إني لم أستطيع أن أرد على رسول الله r
أمرا.
فتلقاه أبو
طلحة، فدهش لمن أقبل مع رسول الله r فمشى جنبه، فقال: يا رسول الله، إنما هو قرص، فقال:( إن الله عز
وجلل سيبارك فيه )، فلما انتهى رسول الله r إلى الباب قال لهم:( اقعدوا )، ودخل رسول الله r
فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله r والناس ليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم.
فدعا رسول الله
r بالقرص، ودعا بجفنة فوضعه فيها، وقال:( هل من سمن ) قال أبو طلحة:
قد كان في العكة شئ، قال: فجاء بها، فجعل هو ورسول الله r يعصرانها حتى خرج شئ مسح رسول الله r به سبابته، ثم مسح القرص، فانتفخ، وقال:( باسم الله )، فانتفخ فلم
يزل يصنع كذلك، والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة.
ثم قال:( ادع
عشرة من أصحابي )، فدعوت له عشرة، قال: فوضع رسول الله r يده وسط القرص، وقال:( كلوا باسم الله )، فأكلوا من حوالي القرص
حتى شبعوا، فلم يزل يدعو عشرة بعشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون
من حوالي القرص حتى شبعوا، وإن وسط القرص حيث وضع رسول الله r يده كما هو، وأكل رسول الله r وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديناها لجيران
لنا[120].
وفي حديث آخر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله r:( ادع لي أصحابك، فجعلت أتتبعهم رجلا رجلا )، فجئنا باب النبي r
فاستأذنا فأذن لنا، قال أبو هريرة فوضعت بين أيدينا صحفة صنيع قدر مد من شعير،
فوضع رسول الله r عليها يده وقال:( كلوا بإسم الله ) فأكلنا ما شئنا وكنا ما بين
السبعين إلى الثمانين، ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول الله r حين وضعت الصحفة:( والذي نفسي بيده ما أمسى لآل محمد طعام )
قيل لأنس: كم
كانت حين فرغتم منها؟ قال: مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الأصابع[121].
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على لبن قليل كفى جماعة كبيرة من الناس، فعن أبي هريرة t
قال: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لاعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإني كنت
لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون فيه، فمر بي
أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني، فمر، ولم
يفعل، ثم مر عمر، فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني فمر
ولم يفعل.
فمر أبو القاسم
r فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال:( يا أبا هر
) فقلت: لبيك يا رسول الله، فقال:( إلحق ) ومضى فتبعته، فدخل واستأذنت فأذن لي،
فدخلت فوجدت لبنا في قدح، فقال:( من أين هذا اللبن؟ ) فقالوا: أهدى ذلك فلان أو
فلانة، فقال:( يا أبا هر )، قلت: لبيك يا رسول الله، قال:( إلحق بأهل الصفة فادعهم
لي)
قال أبو هريرة:
وأهل الصفة أضياف الاسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم،
ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها،
فساءني ذلك، فقلت[122]: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة
أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وإني لرسول، فإذا جاءوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن
يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم، فدعوتهم،
فأقبلوا وأخذوا مجالسهم من البيت، فقال:( يا أبا هر )، قلت: لبيك يا رسول الله،
قال:( خذ فأعطهم )، فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي
القدح أعطيه الآخر، فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى رسول الله r
وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح، فوضعه على يده فنظر إلي وتبسم، وقال:( يا أبا هر
)، قلت: لبيك يا رسول الله، قال:( بقيت أنا وأنت)، قلت: صدقت يا رسول الله، قال:(
اقعد فاشرب ) فشربت فقال:( اشرب )، فشربت حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له
مسلكا، فأعطيته القدح، فحمد الله عز وجل وشرب الفضلة[123].
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على حيس[124] قليل كفى جماعة كبيرة من الناس، عن أنس t قال: لما تزوج رسول الله r زينب بنت حجش قالت لي أمي: يا أنس إن رسول الله r
أصبح عروسا، ولا أدري أصح له (غذاء) فهلم تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر، فجعلت
منه حيسا فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى النبي r وامرأته، فلما أتيت رسول الله r بتور من حجارة فيه ذلك الحيس، قال:( دعه ناحية البيت وادع أبا
بكر، وعمر وعليا وعثمان ونفرا من أصحابه ثم ادع لي أهل المسجد، ومن رأيت في
الطريق)
قال أنس: فجعلت
أتعجب من قلة الطعام وكثرة ما يأمرني أن أدعو الناس، وكرهت أن أعصيه، حتى امتلأ
البيت والحجرة، فقال:( هات ذلك التور[125])، فجئت به، فوضعه قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور، فجعل التمر
يربو، فجعلوا يتغدون، ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون، وبقي في التور نحو ما جئت به،
فقال:( ضعه قدام زينب )
قال ثابت[126]: يا حمزة، كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور؟ قال: واحدا
وسبعين أو اثنين وسبعين[127].
وفي حديث آخر
عن عبد الله بن مغيث أبي بردة الانصاري قال: أرسلت أم عامر الاشهلية بقصعة فيها
حيس إلى رسول الله r وهو في قبته، وعنده أم سلمة، فأكلت أم سلمة حاجتها، ثم خرجت
بالقعبة، فنادى منادي رسول الله r إلى عشائه، فأكل أهل الخندق وهي كما هي[128].
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على التمر، فعن دلين بن سعيد الخثعمي، والنعمان بن مقرن قالا:
أتينا رسول الله r ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام، فقال النبي r
لعمر:( قم فأعطهم )، فقال: يا رسول الله، ما عندي إلا ما يقيظني والصبية، قال:( قم
فأعطهم )، قال: يا رسول الله، سمعا وطاعة، فقام عمر وقمنا معه وصعد بنا إلى غرفة
له فإذا فيها من التمر مثل الفصيل الرابض قال: شأنكم، فأخذ كل رجل منا حاجته ما
شاء قال: وإني لمن آخرهم فكأنا لم نرزأ منه تمرة[129].
وفي حديث آخر
عن أبي رجاء قال: خرج رسول الله r حتى دخل حائطا لبعض الأنصار، فإذا هو يسنو فيه، فقال:( ما تجعل لي
إن أرويت حائطك هذا )، قال: إني أجهد أن أرويه، فلا أطيق ذلك فقال له رسول الله r:(
تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك ) قال: نعم، فأخذ رسول الله r
الترب فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل: غرقت على حائطي فاختار رسول الله r
من تمره مائة تمرة، قال: فأكل رسول الله r وأصحابه حتى شبعوا، ثم رد عليه مائة تمرة كما أخذها [130].
وفي حديث آخر
عن رجل من بني سعد، قال: جئت مع رسول الله r وهو في نفر من أصحابه وهو سابعهم، فأسلمت، فقال:( يا بلال، أطعمنا
)، فبسط نطعا ثم جعل يخرج شيئا له، فأخرج شيئا من تمر معجون بالسمن والأقط، فقال
رسول الله r:(كلوا)، فأكلنا حتى شبعنا، فقلت: يا رسول الله، إني كنت آكل هذا
وحدي.
ثم جئته من
الغد، فإذا عشرة نفر حوله، فقال:( أطعمنا يا بلال )، فجل يخرج من جراب تمرا بكفه
قبضه قبضة، فقال:( أخرج، ولا تخف من ذي العرش إقلالا )، فجاء بالجراب، فنثره
فحزرته مدين، فوضع النبي r يده على التمر، ثم قال:( كلوا باسم الله)، فأكل القوم، وأكلت معهم
حتى ما أجد له مسلكا، وبقي على النطع مثل الذي جاء به كأنا لم نأكل منه تمرة
واحدة.
ثم غدونا من
الغد، وعاد نفر عشرة يزيدون رجلا أو رجلين، فقال:( يا بلال، أطعمنا)، فجاء بذلك
الجراب بعينه، فنثره فوضع يده عليه، وقال:( كلوا باسم الله ) فأكلنا، ثم رفع مثل
الذي صب ففعل ذلك ثلاثة أيام[131].
وفي حديث آخر
عن أبي هريرة t قال: دعاني رسول الله r ليلة، فانطلق إلى المنزل فقال:( هلموا إلى الطعام الذي عندكم )،
فأعطوني صحفة فيها عصيدة بتمر، فأتيته بها، فقال:( ادع أهل المسجد ) فقلت في نفسي:
الويل لي مما أرى من قلة الطعام، والويل لي من المعصية، فدعوتهم، فاجتمعوا، فوضع
النبي r أصابعه فيها وغمز نواحيها وقال:( كلوا بسم الله ) فأكلوا حتى
شبعوا، وأكلت حتى شبعت، ورفعتها، فإذا هي كهيئتها حين وضعتها إلا أن فيها أثر
الاصابع [132].
وفي حديث آخر
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله r بتبوك، فقال ليلة لبلال:( هل من عشاء؟ ) فقال: والذي بعثك بالحق
لقد نفضنا جرابنا، قال:( انظر عسى تجد شيئا )، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا،
فتقع التمرة والتمرتان حتى رأيت في يده سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم
وضع يده على التمرات وقال:( كلوا باسم الله ) فأكلنا ثلاثة أنفس فأحصيته أربعا
وخمسين تمرة أعدها عدا ونواها في يدي الاخرى وصاحبي يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا
أيدينا فإذا التمرات السبع كما هن فقال:( يا بلال ارفعهن، فإنه لا يأكل منها أحد
إلا نهل منها شبعا ) فلما كان من الغد دعا بلالا بالتمرات فوضع يده عليها ثم قال )
كلوا باسم الله )، فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا، وإذا التمرات كما
هي، فقال رسول الله r:( لولا أني مستح من ربي لاكلنا من هذه التمرات حتى نرد إلى
المدينة عن آخرنا ) فأعطاهن غلاما فولى يلوكهن[133].
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على بيض قليل كفى جماعة كبيرة من الناس، فعن أنس عن جابر t
قال: لما أراد رسول الله r غزو ذات الرقاع جاء له حبه زيد بثلاث بيضات أداحي، فقال: يا رسول
الله، وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال:( دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات)
فعملتهن ثم جئت بهن في قصعة، فجعلت أطلب خبزا،
فلا أجده، فجعل رسول الله r وأصحابه، يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى إلى حاجته،
والبيض في القصعة كما هو ثم قام، فأكل منه عامة أصحابه، ثم رحلنا مبردين [134].
قال ابن سعد:
وكانوا أربعمائة ويقال: سبعمائة.
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على ثريد قليل كفى جماعة كبيرة من الناس، فعن أنس عن واثلة بن
الاسقع، قال: بعثني أهل الصفة إلى رسول الله r يشكون الجوع فالتفت في بيته، فقال:( هل من شئ؟ )
قالوا: نعم، كسرة أو كسرتين وشئ من لبن فأتي به، ففتوه فتا دقيقا، ثم صب عليه
اللبن ثم حلبه بيده حتى جعله كالثريد ثم قال:( يا واثلة، إدع عشرة من أصحابك )
ففعلت، فقال رسول الله r:( كلوا باسم الله من حواليها، وأبقوا رأسها فإن البركة تأتيها من
فوقها وإنها تمد ) فرأيتهم يأكلون ويتخللون أصابعه حتى تمثلوا شبعا ثم ذهبوا،
فقال:( جئ بعشرة )، فقال لهم مثل ذلك، فأكلوا حتى شبعوا ثم قال:( هل بقي أحد )،
قلت: نعم، عشرة، قال:( جئ بهم )، فقال لهم مثل ما قال لمن قبلهم فأكلوا حتى شبعوا،
وحتى انتهوا وإن فيها فضلة، فقمت متعجبا مما رأيت[135].
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على طحين قليل كفى جماعة كبيرة من الناس، فعن أنس عن صفية أم
المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاءني رسول الله r يوما، فقال:( هل عندك شئ فإني جائع )، قلت: لا، إلا مدين من طحين
قال:( فاسخنيه ) فجعلته في القدر وأنضجته، فقلت: قد نضج، ثم دعا ينحي لس فيه إلا
القليل، فعصر حافتيه في القدر موضع يده، فقال:( بسم الله ادعي أخواتك، فإني أعلم
أنهن يجدن مثل ما أجد ) فدعوتهن فأكلنا حتى شبعنا، ثم جاء أبو بكر، فدخل، ثم عمر،
ثم جاء رجل فأكلوا حتى شبعوا وفضل عنهم[136].
ومن ذلك ما ورد
من بركاته r على أحشاء شاة أطعم بها جمعا كبيرا من الناس، فعن عبد الرحمن بن
أبي بكر t قال: كنا مع رسول الله r ثلاثين ومائة فقال:( هل مع أحد منكم من طعام؟ ) فإذا مع رجل صاع
من طعام أو نحوه، فعجن ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فاشترى منه رسول
الله r شاة فصنعت، وأمر رسول الله r بسواد البطن [137] أن يشوى، قال:
وايم الله، ما من الثلاثين ومائة إلا وقد حز له رسول الله r حزة حزة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه، وإن كان غائبا خبأ
له، وجعل منها قصعتين فأكلنا منها أجمعون، وشبعنا وفضل في القصعتين، فحملته على
البعير[138].
بالإضافة إلى
هذا كله، فقد روي نزول الطعام من السماء، كما حدث عن ذلك أبو سلمة بن نفيل السكوني
t قال: كنا جلوسا عند رسول الله r إذ قال له قائل: يا رسول الله، هل أتيت بطعام من
السماء، وفي لفظ: من الجنة [139]؟ قال:( نعم )،
قال: وبماذا؟ قال:( بطعام مسخنة [140] )، قالوا: فهل
كان فيها فضل عنك؟ قال:( نعم )، قال: فما فعل به؟ قال:( رفع إلى السماء )[141]
وفي حديث آخر
عن الحراث بن عجد حدثني يقال له أبو سعيد، قال: قدمت المدينة، فسمعت رجلا يقول
لصاحبه: إن رسول الله r قرى الليلة، فأتيت رسول الله r فقلت: يا رسول الله بلغني أنك قريت الليلة، قال:( أجل )، قلت: وما
ذاك؟ قال:( طعام فيه مسخنة )، قلت: فما جعل في فضله؟ قال:( رفع )[142]
وبذلك حصل في
هذه الأمة ما أخبر عنه القرآن الكريم من تنزل المائدة على الحواريين بعد أن طلبوا
تنزلها من المسيح كما قال تعالى:﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى
ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ
السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا
نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ
صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ
تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا
وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا
عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا
أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ (115)﴾(المائدة)
قال
رجل من الجمع: لم يبق إلا أن تحدثنا عن بركات محمد في المياه، فحدثنا عنها.
قال عبد القادر: لقد وردت النصوص
الكثيرة التي تدل على ما حصل من بركاته r
على المياه سواء كانت آبارا جافة، فتتحول إلى آبار مملوءة ماء، أو مياه مالحة،
فتتحول إلى مياه عذبة، أو يحتاجون إلى الماء، فيبارك الله ببركة نبيه r
فيما عندهم من الماء، فيتحول القليل كثيرا.
وسأذكر لكم من النصوص الدالة على ذلك
ما تقر به أعينكم، وتعلمون أن من حصل منه كل هذا، وأمام كل تلك الجموع، وبكل تلك
الأسانيد، يستحيل أن يكون كاذبا:
فمن بركاته r
على الآبار والعيون بركاته r على بئر بتبوك، وذلك فيما
حدث به معاذ بن جبل t، حيث ذكر أن رسول الله r قال في غزوة تبوك:( إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن
تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي )
قال معاذا:
فجئنا، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشئ من ماء، فسألهما رسول الله
r:( هل مسيتما من مائها شيئا؟) قالا: نعم، فاشتد عليهما رسول الله r،
وقال لهما ما شاء الله أن يقول.
ثم غرفوا من
العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شئ، ثم غسل رسول الله r وجهه ويديه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس،
ثم قال رسول الله r:( يا معاذ، يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ماء ههنا قد ملئ جنانا)[143]
ومن
ذلك ما ورد من بركاته r
على بئر
بقباء، فعن يحيى بن
سعيد أن أنس بن مالك آتاهم بقباء، فسأله عن بئر هناك، قال: فدللته عليها فقال: لقد
كانت هذه، وإن الرجل لينضح على حماره فتنزح، فجاء رسول الله r وأمر بذنوب، فسقى، فإما أن يكون توضأ منه، وإما أن يكون تفل فيه،
ثم أمر به، فأعيد في البئر، فما نزحت بعد[144].
ومن
ذلك ما ورد من بركاته r
على بئر
باليمن، فعن زياد بن
الحارث الصدائي قال: قلت: يا رسول الله، إن بئرنا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها
واجتمعنا عليها، وإذا كان في الصيف قل ماؤها وتفرقنا عن مياه حولنا، وقد أسلمنا
وكل من حولنا لنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا، فيسقينا ماؤها، فنجتمع عليها، ولا
نتفرق.
فدعا رسول الله
r بسبع حصيات، فعركهن بيده، ودعا فيهن، ثم قال:( اذهبوا بهذه
الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة، واذكروا اسم الله عز وجل)، قال:
ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا أن ننظر إلى قعرها (يعني البئر)[145].
ومن
ذلك ما ورد من بركاته r
على قطيعة
برهاط، فعن راشد بن
عبد ربه السلمي قال: كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلاة، قال: فأرسلتني بنو ظفر
بهدية إليه، فألفيت مع الفجر إلى صنم قبل صنم سواع، وإذا صارخ يصرخ من جوفه:(
العجب كل العجب من خروج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا والربا والذبح للاصنام،
وحرست السماء ورمينا بالشهب )، ثم هتف هاتف من جوف صنم آخر:( ترك الضماد، وكان
يعبد، خرج أحمد نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام والبر والصلة للارحام )، ثم
هتف من جوف صنم آخر هاتف:( إن الذي ورث النبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدي
نبي يخبر بما سبق، وما يكون في غد)
قال راشد:
فألقيت سواعا مع الفجر، وثعلبان يلحسان ما حوله، ويأكلان ما يهدى له ثم يعرجان
عليه ببولهما، فعند ذلك أقول في ذلك:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
وذلك عند مخرج
رسول الله r إلى المدينة، فخرج راشد حتى أتى إلى رسول الله r
بالمدينة، فأسلم وبايعه، ثم طلب منه قطيعة برهاط، فأقطعه إياها، وأعطاة إداوة
مملوءة من ماء، وتفل فيها، وقال له:( أفرغها في أعلى القطيعة ولا تمنع الناس
فضولها )، ففعل فجاء الماء عينا جمة إلى اليوم، فغرس عليها النخل.
وقد روي: إن
رهاط كلها تشرب منه وسماه الناس: ماء الرسول، وأهل رهاط يغتسلون منه ويستقون به[146].
ومن
ذلك ما ورد من بركاته r
على بئر
أنس، فعن أنس t
قال: أتى رسول الله r منزلنا، فسقيناه من بئر كانت لنا في دارنا، وكانت تسمى في
الجاهلية (النزور) فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد.
ومن
ذلك ما ورد من بركاته r
على بئر
الحديبية، فعن البراء
وسلمة بن الاكوع ـ رضي الله عنهما ـ قالا: قدمنا مع رسول الله r
الحديبية، ونحن أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة،
فقعد رسول الله r على شفيرها، قال البراء: وأتي بدلو فيه ماء فبصق
ودعا، ثم قال:(دعوها ساعة ) وقال سلمة: فجاشت، فأرووا أنفسهم وركابهم بالماء،
فسقينا واستقينا )[147]
ومن
ذلك ما ورد من بركاته r
على بئر
غرس[148]، فعن أنس t
قال: جئنا مع رسول الله r إلى قباء، فانتهى إلى بئر غرس، وإنه ليستقى منه على حمار، ثم نقوم
عامة النهار ما نجد فيها ماء، فمضمض في الدلو ورده، فجاشت بالرواء[149].
ومن بركاته r
المرتبطة بالمياه تكثيره الماء القليل، فيكفي الجمع الكثير، وقد حصل ذلك مرات
كثيرة:
ومنها ما حدث
به أنس t فذكر أن رسول الله r كان في سفر، فقال لابي قتادة:( أمعكم ماء؟)، قلت: نعم، في ميضاة
فيها شئ من ماء، قال:( ائت بها )، قال: فأتيته بها، فقال لأصحابه:( تعالوا مسوا
منها فتوضئوا )، وجعل يصب عليهم، فتوضأ القوم، وبقيت جرعة، فقال:( يا أبا قتادة،
احفظها، فإنها ستكون لها نبأ )
فذكر الحديث
إلى أن قال: فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشنا، انقطعت الاعناق، فقال:( لا هلك
عليكم )، ثم قال:( يا أبا قتادة، ائت بالميضاة )، فأتيته بها، فقال:(أطلقوا لي
غمري ) - يعني قدحي - فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فازدحم الناس،
فقال رسول الله r:(أيها الناس أحسنوا الملا، فكلكم سيروى)
فشرب القوم،
وسقوا دوابهم وركابهم وملئوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة حتى لم يبق غيري
وغيره، قال:( اشرب يا أبا قتادة )، قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال:( ساقي القوم
آخرهم شربا )، فشربت، وشرب بعدي، وبقي في الميضاة نحو مما كان فيها وهم يومئذ
ثلاثمائة[150].
ومنها
ما حصل في غزوة هوازن، وذلك فيما حدث به سلمة بن الاكوع t،
فقال: غزونا مع رسول الله r هوازن فأصابنا جهد شديد فأتى بشئ من ماء في إداوة، فأمر بها فصبت
في قدح، فجعلنا نتطهر حتى تطهرنا جميعا.
وفي لفظ:
فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة[151] وكنا أربع عشرة مائة[152].
ومنها ما حدث
به عمران بن حصين t قال: كنا مع رسول الله r في سفر، فاشتكى إليه الناس العطش، فنزل ثم دعا عليا، ورجلا آخر[153]، فقال:( اذهبا فابغيا الماء فإنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا
معها بعير عليه مزادتان [154] فأتيا بها)،
فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟
قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، فقالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا:
إلى رسول الله r قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين [155]، فانطلقا
فجاءا بها إلى النبي r وحدثاه بالحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها ودعا النبي r
بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين، فمضمض في الماء، وأعاده في أفواه المزادتين،
وأوكأ أفواههما، وأطلق الغرارتين، ونودي في الناس: ( اسقوا، واستقوا )، فسقى من
شاء، واستقى من شاء، وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها
وأيم الله، لقد أقلع عنها، وإنها ليخيل إليها أنها أشد ملئة منها حيث ابتدأ فيها
فقال النبي r:( اجمعوا لها طعاما)، فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى
جمعوا لها طعاما، فجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها،
وقالوا لها: تعلمين ما رزأنا من مائك شيئا، ولكن الله هو الذي أسقانا.
فجاءت المرأة أهلها فأخبرتهم، فقالت: جئتكم من أسحر الناس، أو إنه لرسول
الله حقا، قال: فجاء أهل ذلك الحواء [156] حتى أسلموا
كلهم[157].
ومن بركاته r المرتبطة بالمياه ما وردت به النصوص الكثيرة المتواترة من نبع الماء
على يده الشريفة إما من الأرض، أو من بين أصابعه الشريفة:
أما من الأرض، فمما ورد في ذلك من الروايات ما
حدث به خديج بن سدرة بن علي السلمي من أهل قباء عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول
الله r حتى نزلنا القاحة وهي التي تسمى اليوم السقيا، لم يكن بها ماء،
فبعث رسول الله r إلى مياه بني غفار على ميل من القاحة، ونزل رسول الله r
في صدر الوادي، واضطجع بعض أصحابه ببطن الوادي، فبحث بيده في البطحاء فنديت فجلس
ففحص، فانبعث عليه الماء، فأخبر النبي r فسقى واستقى جميع من معه حتى اكتفوا فقال رسول الله r:(هذه
سقيا سقاكموها الله عز وجل ) فسميت السقيا[158].
وأما من بين
أصابعه الشريفة، فقد بلغ من الكثرة ما وصل به حد التواتر [159]، وسأذكر لكم
منه ما تقر به أعنيكم، وتعلمون أن من هذا يستحيل أن يكون مدعيا، فبركات الله لا
تتنزل إلا على الصادقين من عباد الله:
فمما روي من
ذلك
ما حدث به أنس، قال: كان رسول الله r بالزوراء، وحانت صلاة العصر، والتمس الناس الوضوء فلم يجدوا ماء،
فأتى رسول الله r بوضوء، فوضع رسول الله r يده في ذلك الاناء، فحين بسط يده فيه فضم أصابعه فأمر الناس أن
يتوضأوا منه، فرأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي r فتوضأوا من عند آخرهم.
قال قتادة: قلت
لانس: كم كنتم؟ قال: كنا زهاء ثلثمائة[160].
ومن ذلك ما حدث به عبد
الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن عند رسول الله r ليس معنا ماء، فقال: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتى بماء فوضعه في إناء،
فوضع يده فيه، فجعل الماء يجري ـ وفي لفظ يخرج من بين أصابعه ـ ثم قال:( حي على
الطهور المبارك، البركة من الله ) فتوضأوا وشربوا، قال عبد الله: كنا نسمع تسبيح
الطعام وهو يؤكل)[161]
ومن ذلك ما رواه الحسن
البصري، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول
الله r
خرج ذات يوم لبعض مخارجه، معه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون، فحضرت الصلاة فلم
يجد القوم ماء يتوضئون به، فقالوا: يا رسول الله، والله ما نجد ماء نتوضأ به، ورأى
في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم، فجاء بقدح فيه ماء يسير، فأخذ
رسول الله r
فتوضأ منه، ثم مد أصابعه الاربع في القدح، ثم قال:( هلموا فتوضأوا " فتوضأ
القوم حتى بلغوا ما يريدون، قال الحسن: سئل أنس كم بلغوا؟ قال: سبعين أو ثمانين[162].
ومن ذلك ما حدث به زياد
بن الحارث، فذكر أنه كان مع رسول الله r
في سفر، فقال له:( هل معك من ماء؟)، فقلت: لا إلا شئ قليل لا يكفيك، فقال:( اجعله
في إناء وائتني به )، ففعلت فوضع كفه في الماء، فرأيت الماء بين أصبعين من أصابعه
عينا تفور، فقال:( ناد في أصحابي من كان له حاجة في الماء )، فناديت فيهم فأخذ من
أراد منهم[163].
ومن ذلك ما حدث به جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ
قال: عطش الناس يوم الحديبية، وكان الذي بين يديه ركوة يتوضأ منها وجهش الناس
نحوه، قال:( مالكم؟) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا ماء نشربه إلا ما بين
يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا
وتوضأنا، قال سالم: قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس
عشرة مائة[164].
ومن ذلك ما حدث به أبو
قتادة، قال: بينما نحن مع رسول الله r
نسير في الجيش إذ لحقهم عطش كاد يقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا، فدعا
بركوة فيها ماء فوضع أصابعه عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، فاستقى الناس، وفاض
الماء حتى رووا خيلهم وركابهم، وكان من العسكر اثنا عشر ألف بعير، والناس ثلاثون
ألفا، والخيل اثنا عشر ألف فرس[165].
ومن ذلك ما حدث به ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: أصبح
رسول الله r
ذات يوم، وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول الله، ليس في العسكر ماء، قال: هل
عندك شئ؟ قال: نعم فأتي بإناء فيه شئ من ماء فجعل رسول الله r
أصابعه في الاناء وفتح أصابعه، قال: فرأيت العيون تنبع من بين أصابع النبي r
فأمر بلالا ينادي في الناس بالوضوء المبارك[166].
ومن ذلك ما حدث به ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أيضا، قال:
دعا رسول الله r
بلالا، فطلب الماء، فقال: لا والله ما وجدت، قال:( هل من شئ؟)، فأتاه بشئ فبسط كفه فيه، فأنبعث تحت يده عين،
فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ[167].
ومن
ذلك ما حدث به أبو ليلى الأنصاري، قال: كنا مع رسول
الله r في سفر، فأصابنا عطش، فشكونا إليه، فأمره بحفرة فوضع عليها نطعا،
ووضع يده عليها، وقال:( هل من ماء؟)، فأتي بماء، فقال لصاحب الإداوة:( صب الماء
على كفي، واذكر اسم الله)، ففعل.
قال أبو ليلى:(
فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي r حتى روى القوم وسقى ركابهم )[168]
ومن
ذلك ما حدث به جابر ـ رضي الله عنه ـ أيضا قال: غزونا
مع رسول الله r ونحن يومئذ بضع عشرة ماء، فحضرت الصلاة، فقال رسول الله r:(
وهل في القوم من ماء؟)، فجاءه ماء وعبه رسول الله r في قدح، وتوضأ رسول الله r فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح وقالوا:
تمسحوا تمسحوا، فقال رسول الله r:( على رسلكم ) حين سمعهم يقولون ذلك، قال: فوضع رسول الله r
كفه في الماء ثم قال:( سبحان الله )، ثم قال:( أسبغوا الوضوء )
قال جابر:
والذي ابتلاني ببصري، فلقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع النبي r
فما رفعهما حتى توضأوا أجمعون[169].
ومن ذلك ما حدث به جابر ـ رضي الله عنه ـ أيضا، قال: إن
رسول الله r
قال له في غزوة ذات الرقاع:( يا جابر، ناد بوضوء)، فقلت: ألا وضوء، ألا وضوء، قلت:
يا رسول الله، ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الانصار يبرد لرسول الله r
الماء، فقال لي:( انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ )، فانطلقت
إليه، فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة من عزلاء شجب منها لو أني أفرغه لشربة
يابسة، فأتيت رسول الله r فأخبرته
فقال:( إذهب فأتيني به، فذهبت فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشئ لا أدري ما هو،
ويغمزه بيده، ثم أعطانيه، فقال:( يا جابر، ناد بجفنة الركب )، فقلت: يا جفنة
الركب، فأتيته بها فوضعت بين يدي رسول الله، فقام رسول الله r
بيده في الجفنة هكذا، فبسطها في الجفنة وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة
وقال:( خذ يا جابر، فصب علي، وقل:( بسم الله )،
فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ففارت الجفنة، ودارت حتى امتلات، فقال:(
يا جابر، ناد من كانت له حاجة بماء )، فأتى الناس، فاستقوا حتى رووا ورفع رسول
الله r
يده من الجفنة، وهي ملأى[170].
ومن ذلك ما حدث به أبو رافع، حيث ذكر أنه خرج مع رسول الله
r
في سفر، فقال:( يا قوم كل رجل يلتمس من إداوته )، فلم يجدوا غير واحد في إناء، ثم
قال:( توضئوا )، فنظرت إلى الماء وهو يفور من بين أصابع النبي r
حتى توضأ الركب أجمعون، ثم جمع كفيه فما خلتها إلا النطفة التي صب أول مرة[171].
ومن ذلك ما ما حدث به أبو عمرة الانصاري ـ رضي الله عنه ـ
قال: كنا مع رسول الله r في غزوة
غزاها، وأصاب الناس مخمصة، ثم دعا بركوة، فوضعت بين يديه، ثم دعا بماء، وصبه فيها،
ثم مسح فيها بما شاء الله أن يتكلم، ثم أدخل خنصره فيها، فأقسم بالله لقد رأيت
أصابع النبي r
تفجر ماء مع الماء، ثم أمر الناس فشربوا وملأوا قربهم وإداوتهم، فضحك رسول الله r
حتى بدت نواجذه، ثم قال:( أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله لا يلقى
الله بهما أحد يوم القيامة إلا دخل الجنة )[172]
ومن ذلك ما حبان بن بح الصدائي قال: كفر قومي، فأخبرت أن
النبي r
جهز جيشا لهم، فأتيته، فقلت: إن قومي على الاسلام، قال: كذلك، قلت: نعم، واتبعته
ليلتي إلى الصباح، فأذنت بالصلاة لما أصبحت وأعطاني إناء فتوضأت منه، فجعل النبي r
أصابعه في الاناء فنبع عيون، فقال:( من أراد منكم أن يتوضأ، فليتوضأ )، فتوضأت وصليت
فأمرني عليهم وأعطاني صدقتهم، فقال رجل: يا رسول الله إن فلانا ظلمني فقال رسول
الله r:(
لا خير في الإمارة لرجل مسلم )، ثم جاء رجل يسأل الصدقة، فقال رسول الله r:(
إن الصدقة صداع في الرأس وحريق في البطن أو داء )، فأعطيته صحيفتي أو صحيفة أمرتي
وصدقني، فقال:( ما شأنك؟)، فقلت: كيف أقبلها وقد سمعت منك ما سمعت فقال:( هو ما
سمعت )[173]
ومما ورد في النصوص من عذوبة المياه المالحة ما حدث به همام بن نقيد
السعدي قال: قدمت على رسول الله r فقلت: يا رسول الله: حفرنا لنا بئرا،
فخرجت مالحة، فدفع إلي إداوة فيها ماء، فقال:( صبه)، فصببته فيها، فعذبت فهي أعذب
ماء بئر باليمن[174].
***
ما إن وصل عبد القادر من حديثه إلى هذا الموضع حتى صاح الجمع الملتفين حوله
بالتكبير، ثم تقدموا منه طالبين أن يبين لهم كيفية الاتصال بهذا النبي المبارك.
لم يجد بولس إلا أن يسير، وأسير خلفه، وقد حملت معي بصيصا جديدا من النور،
اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.
([2]) هذا ـ طبعا ـ بناء على اختلاف الطوائف المسيحية، فنحن في هذه السلسلة نتعامل
معهم ـ كطائفة واحدة ـ مهما اختلفت آراؤهم في طبيعة المسيح.
([3]) وقد بقي معها r إلى أن حدثت حادثة شق الصدر،
فخشيت حليمة عليه، فردته إلى أمه، فقالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: قلت نعم
قالت: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لبني لشأنا، أفلا أخبرك خبره قالت:
( قلت ) بلى، قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض
الشام، ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف ( علي ) ولا أيسر منه ووقع
حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك وانطلقي راشدة.
([12]) رواه البخاري، قال ابن كثير: وهذا الحديث قد روي من طرق
متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه ببركة رسول الله r، ودعائه له، ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره، وَفَى الله دين
أبيه، وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجو وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع
هذا فضل له من التمر أكثر وفوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة.( انظر:
البداية والنهاية 6/0121)
([13]) السائبة والسوائب: كان
الرجُل إذا نَذَر لِقدُوم من سَفَر، أو بُرْءٍ من مَرَض، أو غير ذلك قال ناقِتي
سائبةٌ، فلا تُمنَع من ماءِ ولا مَرْعى، ولا تُحْلَب، ولا تُرْكَب، وكان الرجُل
إذا أعْتَق عَبدا فقال هو سائبةٌ فلا عَقْل بينهما ولا ميراثَ، وأصلُه من تسيِيبِ
الدَّواب، وهو إرسالُها تذهَبُ وتجيء كيف شاءت.
وقد كان هذا قبل تحريم
السائبة، والذي نص عليه قوله تعالى:﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ
وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)
(المائدة:103)
([19]) رواه الترمذي، وأحمد 2/352، والبيهقي في الدلائل 6/109، وأبو نعيم مجموعاً
من روايتين 2/588-589، وابن حبان في صحيحه 14/467.
([31]) رواه أبو يعلى والطبراني
وأبو نعيم وابن عساكر، انظر: البداية والنهاية 6 / 120 وأبو نعيم في الدلائل 148
والكنز (ح35444).
([46]) رواه احمد
وابن سعد والحسن ويعقوب بن سفيان وابو يعلى وصححه والضياء في المختارة عن حنظلة
برجال ثقات.
([47]) رواه ابن
سعد وابن شاهين وعبد الله بن عامر البكائي عن أبيه، والبخاري في تاريخه، وابو نعيم
وأبو القاسم البغوي في معجمه.
([56]) نهاه r في هذا الحديث عن الهجرة معه في
ذلك الوقت، لا عن الإسلام، أو الهجرة مطلقا، كما قد يفهم.
([59]) الجُهْد والجَهْد: بالضم هو الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح: المَشَقَّة.
وقيل المُبَالَغة والْغَايَة. وقيل هُمَا لُغتَان في الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا
في المشَقَّة والْغَاية فالفتح لا غير.
([61]) وقد أضاف بعض الرواة هنا، وهو محمد بن موسى قولها: وسيما قسيما في عينه
دعج، وفي أشفاره غطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن.
([71]) هكذا ورد مرفوعا، وهو
مبني على رفع بعض العرب المبتدأ والخبر بكان، وقد جاء على ذلك قول الشافعي:
إذا سبني نذل تزايدت
رفعة وما العيب الا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي علي
عزيزة لمكنتها من كل نذل تحاربه.
([99]) رواه البخاري ومسلم وأحمد
والبيهقي في السنن الكبرى والدارمي في سننه وأبو عوانة وابن أبي شيبة في المصنف
والفريابي في دلائل النبوة والأصبهاني في دلائل النبوة وغيرهم.
([102]) رواه مسلم
(143 / 2040) والبيهقي في الدلائل 1 / 963 وأبو نعيم في الدلائل 148 وانظر المجمع
8 / 306.
([103]) رواه ابن
إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وأبو نعيم انظر: السيوطي في الدر المنثور
5 / 97.
([104]) رواه الطبراني في
الكبير: 4 / 221، 222 والبيهقي في الدلائل: 6 / 94 وابن عبد البر في التمهيد: 1 /
294، ونظر: ابن البداية والنهاية: 6 /
127.
([105]) رواه الطبراني في
الكبير، قال الهيثمي (في المجمع 4 / 58): ورجاله رجال الصحيح إلا أن ضريب بن نضير
لم يسمع من صهيب.
([110]) الزاد: هو الطعام والشراب وما يُتَبَلَّغُ به، ويُطْلق على كل ما يُتَوصَّل
به إلى غاية بعينها.
([112]) هذا الحديث رواه البخاري
ومسلم عن سلمة بن الاكوع والامام أحمد ومسلم عن أبي هريرة وأحمد عن أبي الحسين
الغفاري وابن سعد والحاكم وصححه عن أبي عمرة الانصاري والبزار والطبراني والبيهقي
عن أبي الحسين العبدي وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى وأبو نعيم وغيرهم.
([114]) الزمام: الخيط الذي يشد في البُرَة أو في الخِشاش ثم يشد إلى طرف المقود
(1) البعير: ما صلح للركوب والحمل من الإبل، وذلك إذا استكمل أربع سنوات، ويقال
للجمل والناقة.
([119]) رواه الدارمي
1 / 30 والترمذي 5 / 553 (3625) وقال حسن صحيح وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد
(2149) والحاكم 2 / 618.
([120]) رواه البخاري 1 / 115، 7
/ 89 ومسلم في كتاب الاشربة (142) والترمذي (3630) والبيهقي 7 / 273 وفي الدلائل 6
/ 89 وأبو نعيم في الدلائل 147 ومالك في الموطأ 927.
([123]) رواه البخاري ومسلم،
ورواه البيهقي: 7 / 83، 88، 8 / 55 والحاكم: 3 / 15 والبيهقي في الدلائل: 6 / 101.
([133]) رواه أبو
نعيم وابن عساكر، انظر: الجامع الكبير للسيوطي 2 / 566 والبداية والنهاية (6 / 122
- 123).
([138]) رواه البخاري
3 / 14، 213 ومسلم في الاشربة (175) وأحمد 1 / 197، 198 والبيهقي في الكبرى 9 /
215 وفي الدلائل 6 / 95.
([139]) وقد روي في هذا بعض الأحاديث المنكرة والموضوعة منها:
ما وري عن ابن عباس t قال: أتى جبريل إلى النبي r فقال: إن ربك يقرئك السلام،
وأرسلني إليك بهذا القطف لتأكله، فأخذه رسول الله r.
فقد رواه ابن عساكر من طريق حفص بن عمر الدمشقي عرف بصاحب القطف، قال
البخاري: لا يتابع عليه، وقال الذهبي: خبر منكر.
ومنها خبر حوط بن مرة، قيل: يا رسول اللله هل أتيت من طعام الجنة بشئ؟
قال:« نعم، أتاني جبريل بخبيصة من خبيص الجنة فأكلتها »
قال ابن حجر في الاصابة: هذا حديث موضوع.
([141]) رواه أحمد
والنسائي والدارمي والحاكم وصححه، وقال الذهبي في مختصر المستدرك: إنه من غرائب
الصحاح.
([147]) رواه البخاري ومسلم، وفي
غير روايتيهما من طريق ابن شهاب فأخرج سهما من كنانته فوضعه في قليب بئر ليس فيه
ماء فروى الناس حتى ضربوا بعطن خيامها.
([150]) مسلم: 1 / 472 (311 / 681، وأبو داود في الادب باب (130)
والنسائي 1 / 76 وأحمد 1 / 398 والدارمي 1 / 358.
([154]) المزادتان: تثنية مزادة
وهي قربة كبيرة يزاد فيه جلد من غيرها ويسمى أيضا السطيحة والمراد بها الراوية.
([155]) ذكر العلماء حسن الأدب
الذي حوى عليه قول علي t ورفيقه لها لما قالت: الصابئ: (هو الذي تعنين)، لأنه لو قالا لها:
لا، لفات المقصود، أو نعم، لما حسن بهما، إذ فيه طلب تقرير ذلك، فتخلصا أحسن تخليص.
([159]) قال القرطبي:
قصة نبع الماء من بين أصابعه r تكررت منه في عدة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت عنه من طرق كثيرة
يفيد عمومها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، قال: ولم يسمع بمثل هذه
المعجزة العظيمة من غير نبينا r حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه.
ونقل
ابن عبد البر عن المزني أنه قال: نبع الماء من بين أصابع النبي r أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى r
بالعصا فتفجرت منه المياه، لان خروج الماء من الحجارة معهود،
بخلاف خروجه من بين اللحم والدم.
([164]) رواه البخاري ومسلم، وهذا الحديث لا يتعارض مع ما
ورد في حديث البخاري عن البراء بن عازب قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة،
والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ماء فبلغ رسول الله r فأتاها فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فمضمض وبخ في البئر،
فمكث غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وصررنا ركائبنا.
لأن
كل حديث له محل خاص، بالإضافة إلى أن بركته r المرتبطة بالبئر مستمرة باقية في البئر بخلاف نبع الماء بين
أصابعه الذي غطى حاجة الصحابة للماء في ذلك المحل فقط.
وقد
جمع ابن حجر بينهما، فقال: ويحتمل أن يكون الماء لما انفجر من بين أصابعه ويده في
الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر،
فتكاثر الماء فيها.
وفي
هذا الجمع بعض التكلف، وأولى منه القول بتعدد الحوادث، وهو ما ذكره ابن حبان.