المؤلف: نور الدين أبو لحية |
العودة
للكتاب: معجزات حسية |
الناشر: دار الكتاب الحديث |
الفهرس
في اليوم الثالث..
طلب مني بولس أن نذهب إلى مستشفى موجود في حي قريب من ذلك الحي الذي نقيم يه.
قلت: كيف بدا لك أن تقطع تدريبي لتزور المرضى.. أم أن لك مريضا معينا تريد أن
تعوده؟
قال: لا.. لا أعرف أي مريض في ذلك المستشفى، اللهم إلا المتمارض الذي سيتولى
إعانتي في الوظيفة التي سأزور ذلك المستشفى من أجلها.
قلت: متمارض.. ما الذي جعله يتمارض؟
قال: لم أجعله أنا.. هو الذي اقترح علي ذلك.. وهو على العموم لا يكذب في
ادعائه، فمن الصحيح في هذه الأيام؟.. فكل الناس مرضى.. إن لم تمرض أجسادهم،
فقلوبهم ونفوسهم مملوءة مرضا.
قلت: فأنت تريد أن تذهب لتبشير المرضى إذن؟
قال: إن تبشير المرضى أسلوب قديم من أساليب التبشير.. لقد مارسه المسيح..
ومارسه كل من بعده.
بل إن المسيح أعطى لأتباعه هذه القدرة على الشفاء وإخراج الشياطين، وبذلك سار
الرسل والقديسون بين الناس يشفونهم، ويخرجون منهم الشياطين، ويدعون لهم.
وصلنا إلى المستشفى، وهناك وجدنا قاعة كبيرة تضم الكثير من المرضى، وكأنهم
حضروا لزيارتنا، وكان من بينهم ذلك الرجل المتمارض الذي كان يعمل معينا لبولس،
والذي ما إن رآنا حتى ارتمى ساقطا مصروعا يتخبط.
هرع إليه من حوله، محاولا إفاقته، ولكنه لم يستفق.
جاء بعض المسلمين، وراح يقرأ القرآن، فلم يزد حاله إلا سوءا.
أما الممرضون البسطاء الذين كانوا في مستشفى يخلو من أكثر وسائل العلاج، فلم
يجدوا ما يفعلوه، فتركوا للمحيطين به التصرف وفق ما تعودوا عليه.
وهنا، وفي ذلك الموقف الأليم الذي لم يجد الكل فيه أي حل، تدخل بولس المنقذ
الذي جاء يمثل دور المسيح.
تقدم بولس من الرجل، وشهر أمامه وجهه صليبه الصغير، وقال: أيتها الشياطين،
اخرجي باسم المسيح.
تحرك الرجل حركة عنيفة مثلها أحسن تمثيل، فقال بولس: إني آمرك أيتها الشياطين
أن تخرجي باسم الرب المسيح.
وهنا نطق الرجل بلسان غريب، وقال: سمعا وطاعة لربي المسيح.. فلا أخرج إلا
باسمه.
ما إن قال ذلك حتى ترحك حركة عنيفة، ثم قام نشيطا، وكأنه نشط من عقال.
لقد أدى دوره بإتقان عظيم، ولولا أني أعرفه، وأعرف الدور الذي كلف به،
لانبهرت مثل الجميع بما حصل منه.
استغل بولس ذلك الانبهار، وتلك الوجوه التي تنظر إليها، وكأنه المنقذ الذي
نزل عليها من السماء، فراح يقول: لا تنظروا إلي ـ أيها الإخوان الفضلاء ـ فلست سوى
عبد حقير لربه المسيح..
إن هذه السلطة سلطة ممنوحة لكل من أحب المسيح، وأخلص للمسيح.
أنتم مرضى، ولا شك أنكم تحتاجون إلى طبيب.. أتعلمون من هو الطبيب الأعظم.
سكتوا منتظرين جوابه، فقال: الطبيب الأعظم هو المسيح.. وليس هناك غير
المسيح.
لإنْ كان بعض الأنبياء استطاعوا بقوَّة اللَّه أنْ يُشفوا
أحد المرضي أو بعض المرضي من أحد الأمراض أو بعض الأمراض فقد كان المسيح يشفي كل
المرضي من جميع الأمراض مهما كانت، فهو الطبيب الشافي الأعظم الذي شفي جميع المرضي
الذين قدُموا إليه من جميع الأمراض.
لقد ذكر الكتاب المقدس أنَّه عندما
أرسل يوحنَّا المعمدان اثنين من تلاميذه يسألان الربّ يسوع المسيح إنْ كان هو المسيح
الآتي ( فَأَجَابَ يَسُوعُ: ( اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا
وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ وَالْبُرْصَ
يُطَهَّرُونَ وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ وَالْمَسَاكِينَ
يُبَشَّرُونَ ﴾ ( لوقا: 7/22 )
لقد شفي المسيح جميع المرضي الذين قُدِّموا إليه من جميع
الأمراض مهما كانت أنواع أمراضهم ومهما كان عددهم، ولأزيد من يقينكم بما ذكرت،
سأذكر لكم نماذج لبعض المرضي الذين شفاهم المسيح، والأمراض التي شفوا منها:
فمن الأمراض التي شفاها المسيح، الحمى، فقد شفى اِبن خادم الملك
الذي كان مريضًا بالحمّي، وطلب من الربّ يسوع المسيح أنْ يذهب إلي بيته ليُشفيه،
فقال له:( اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ )، فشُفي اِبنه في تلك اللحظة[1].
كما شفي حماة سمعان أيضًا:( وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ قَدْ أَخَذَتْهَا حُمَّى
شَدِيدَةٌ. فَسَأَلُوهُ مِنْ أَجْلِهَا. فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَانْتَهَرَ الْحُمَّى
فَتَرَكَتْهَا! وَفِي الْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ )( لوقا: 4/38- 39
)
ومن الأمراض الخطيرة التي شفاها داء الشلل، فقد شفى
المسيح مقعدين ومفلوجين؛ فقد شفي مريض بركة بيت حسدا الذي أقعده المرض في الفراش
مدَّة ثمانٍ وثلاثين سنة عندما قال له:( قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ).
فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى)[2]
وشفي مفلوج من مرض الفالج عندما أمره قائلاً:( قُمِ
احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!) فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ )(
متى:9/6-7 )
وشفي عبد قائد المئة من الفالج، وكان قائد المئة هذا
يُؤمن أنَّ المسيح يستطيع أنْ يُشفي عبده بكلمةٍ دون أنْ يذهب إليه:( يَا سَيِّدُ
لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي لَكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ
فَيَبْرَأَ غُلاَمِي )، فشُفي غلامه في تلك الساعة[3].
وشفي رجلاً يده يابسة فقال له:( مُدَّ يَدَكَ )،
فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى) (متى:12/13)
أما إخراج الشياطين والأرواح النجسة؛ فقد كان يُخْرِج
الشياطين بكلمة الأمر منه، وكانت الشياطين عندما تراه تصرخ مرتاعة ومرتعبة
وتتوسَّل إليه أنْ لا يُرسلها إلي الجحيم قبل الموعد، يقول الكتاب:( وَكَانَ فِي
الْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: (آهِ
مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا
أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ ). فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً:(
اخْرَسْ وَاخْرُجْ مِنْهُ )، فَصَرَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي الْوَسَطِ وَخَرَجَ
مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئاً. فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَكَانُوا
يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ:( مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ! لأَنَّهُ
بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ) (لوقا:
4/33-36)
وأخرج الشيطان من أخرسٍ مجنونٍ:( وَفِيمَا هُمَا
خَارِجَانِ إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا
أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ قَائِلِينَ:
(لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هَذَا فِي إِسْرَائِيلَ! )( متى: 9/23-33 )
وأخرج عددا كبيرا من الشياطين من مجنون كورة الجدريِّين:(
وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الأَرْضِ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ
فِيهِ شَيَاطِينُ مُنْذُ زَمَانٍ طَوِيلٍ وَكَانَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْباً وَلاَ
يُقِيمُ فِي بَيْتٍ بَلْ فِي الْقُبُورِ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ صَرَخَ وَخَرَّ
لَهُ وَقَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: ( مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللهِ
الْعَلِيِّ! أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي ) لأَنَّهُ أَمَرَ الرُّوحَ
النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإِنْسَانِ.. فَسَأَلَهُ يَسُوعُ: (مَا اسْمُكَ؟)
فَقَالَ: (لَجِئُونُ). لأَنَّ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً دَخَلَتْ فِيهِ. وَطَلَبَ
إِلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْمُرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَى الْهَاوِيَةِ.. فَخَرَجَتِ
الشَّيَاطِينُ مِنَ الإِنْسَانِ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ )( لوقا: 8/27-32 )
وشفى اِبنة امرأة فينيقيَّة سوريَّة من الجنونن كما في (
مرقس:7/24-30 )
وشفى امرأة بها روح ضعف:( وَإِذَا امْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ
ضُعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ
تَنْتَصِبَ الْبَتَّةَ. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: (يَا
امْرَأَةُ إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضُعْفِكِ). وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ فَفِي
الْحَالِ اسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ اللهَ )( لوقا: 13/11-13 )
وشفى غلامًا به روح شيطان كان الشيطان يصرعه ويمزّقه:(
فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ )( متى: 17/17- 18 )
وفوق هذا كله، فقد شفى المسيح البرصى، وطهرهم من برصهم،
وقد ذكر الكتاب المقدس حديث هذا الأبرص:( وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ
لَهُ قَائِلاً: (يَا سَيِّدُ إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي ). فَمَدَّ
يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً:( أُرِيدُ فَاطْهُرْ ). وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ
بَرَصُهُ ) ( متى: 8/2- 3 )
كما ذكر الكتاب المقدس شفاء عشرة برص آخرين:( وَفِيمَا
هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ فَوَقَفُوا
مِنْ بَعِيدٍ وَصَرَخُوا: ( يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ ارْحَمْنَا ). فَنَظَرَ
وَقَالَ لَهُمُ:( اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ ). وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ
طَهَرُوا )( لوقا: 17/12-14 )
ويذكر الكتاب المقدس أن المسيح فتح أعين العميان بمجرَّد
لمس أعينهم، كما حدث مع أعميَين:( حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً:
(بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا )( متى: 9/27-31 )، وشفى أعمي في بيت
صيدا كما في ( مرقس: 8/2-26 )
والأخطر من ذلك كله أنه شفي مولودا أعمي بعد أنْ خلق له
عينَين من طين:( تَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً وَطَلَى
بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: (اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ
سِلْوَامَ ). الَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً
)( يوحنا:9/6- 7 )، فهذا يدل على أنه خلق له عينين من طين كما خُلق آدم من تراب
الأرض.
وشفي بارتيماوس الأعمي، وأعمي آخر كان معه، وكانا يصرخان
لكي يشفيهما بلمس أعينهما، يقول الكتاب:( فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ
أَعْيُنَهُمَا فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ )[4]
وشفى ـ إلى جانب هذا كله ـ أمراضا كثيرة أخرى مثل شفاء
المرأة النازفة الدم:( وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
سَنَةً وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ
تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ ) لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: (إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ
فَقَطْ شُفِيتُ )( متى: 9/21 ). فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا. فَقَالَ
يَسُوعُ: (مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي!)000 ( قَدْ لَمَسَنِي وَاحِدٌ لأَنِّي عَلِمْتُ
أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي )( لوقا: 8/43-48)
وشفي أصمّ أعْقَد بأنْ ( وَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي
أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ
وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ:( إِفَّثَا). أَيِ انْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ
وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً )(مرقس: 7/33-35 )
وشفي مريضاً بالإستسقاء ( فَأَمْسَكَهُ وأَبْرَأَهُ
وَأَطْلَقَهُ )( لوقا: 14/1-4 )
هذه نماذج قليلة لما صنعه الربّ يسوع المسيح من كمٍّ
كبيرٍ لا يمكن حصره لم يُدَوَّن في الإنجيل تفصيلاً، وإنْ كان يُذكر بصورة
إجمالية، يقول القدِّيس يوحنَّا بالروحِ ( وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ
يَسُوعُ قُدَّامَ تلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ )( يوحنا: 20/30
)، ( وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً
وَاحِدَةً فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ
الْمَكْتُوبَةَ ) ( يوحنا:21/25 )
فقد شفي جميع المرضي الذين قدَّموهم إليه من جميع أنواع
الأمراض مهما كان عددهم ومهما كانت أنواع هذه الأمراض ( فَأَرْسَلُوا إِلَى
جَمِيعِ تِلْكَ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ الْمَرْضَى
وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ فَقَطْ. فَجَمِيعُ الَّذِينَ
لَمَسُوهُ نَالُوا الشِّفَاءَ )(متى: 14/35-36 )
وفي مرقس:( وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ إِذْ غَرَبَتِ
الشَّمْسُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ وَالْمَجَانِينَ. وَكَانَتِ
الْمَدِينَةُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى الْبَابِ. فَشَفَى كَثِيرِينَ كَانُوا
مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَخْرَجَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً وَلَمْ يَدَعِ
الشَّيَاطِينَ يَتَكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ )( مرقس:1/32-34 )
وفي متى: ( فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مَعَهُمْ
عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُلٌّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ
قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ ) ( متى: 15/30 )، وفيه:( وَلَمَّا صَارَ
الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ
بِكَلِمَةٍ وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ) (متى: 8/16 )، وفيه:( فَذَاعَ
خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ السُّقَمَاءِ
الْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْمَجَانِينَ
وَالْمَصْرُوعِينَ وَالْمَفْلُوجِينَ فَشَفَاهُمْ )( متى: 4/24 )، وفيه:(
وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعاً )( متى: 12/15)، وفيه:(
فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُلٌّ
وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ )(
متى: 30/15 )، وفيه:( وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي الْهَيْكَلِ
فَشَفَاهُمْ )(متى:21/14 )، وفيه:( لأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَفَى كَثِيرِينَ حَتَّى
وَقَعَ عَلَيْهِ لِيَلْمِسَهُ كُلُّ مَنْ فِيهِ دَاءٌ )( مرقس: 3/10)، وفيه:(
وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ شَفَى كَثِيرِينَ مِنْ أَمْرَاضٍ وَأَدْوَاءٍ وَأَرْوَاحٍ
شِرِّيرَةٍ وَوَهَبَ الْبَصَرَ لِعُمْيَانٍ كَثِيرِينَ ) ( لوقا: 7/21 )
ما إن وصل بولس
بحديثه إلى هذا الموضع حتى صاح أجيره المتمارض، وقال: شكرا لربي المسيح الذي
شفاني.. لولا ربي المسيح لكنت الآن تحت رحمة الشياطين الذين استعمروني.. آمنوا يا
جماعة بالرب المسيح، فإنه لن ينقذكم من عللكم إلا هو.
لقد رأيتم كيف
أبت الشياطين أن تخرج لسماعها القرآن، ولكنها ما إن رأت الصليب، وسمعت اسم المسيح
حتى راحت هاربة من جسدي.
لست أدري كيف
ظهر من بين الجمع عبد الحكيم الذي راح يقول لأجير بولس: أقدر لك ـ يا أخي ـ إيمانك
بالمسيح.. ولكني مع ذلك أريد أن أصحح لك خطأين أوقعك فيهما الوهم.
أما الأول، فهو
تصورك أن من سكنك هم الشياطين، وهذا خطأ عظيم، فلم يجعل الله للشيطان على الإنسان
إلا سلطانا واحدا هو سلطان الوساوس التي يبثه في النفس، فيملأها بالقنوط والكآبة
والحزن.
فالقرآن يقرر
أن المس الذي يمس به الشيطان الإنسان لا يعدو الوساوس التي يلقيها، فتملأ القلوب
هما وحزنا، وقد يمتد تأثيرها إلى الجوارح مرضا وأنينا، وقد يكون محل الوسوسة مريضا
مستعدا لحصول الصرع، فيصرع ويتخبط، لتأثير تلك الوساوس على نفسه، بل هو يتخبط لأي
وساوس من الجن أو من الإنس.
وقد ذكر القرآن
الكريم بعض هذه الوساوس التي يلقيها الشياطين، فذكر أن منها التخويف من الفقر،
والأمر لذلك بالفحشاء، قال تعالى:)
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ
يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ((البقرة:268)
ويبين القرآن
الكريم الغاية الكبرى من وساوس الشيطان، وهي الإضلال وتوابعه، فيقول:) وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً((النساء:
من الآية60)، ويقول:)
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ((الزخرف:62)
وهذا التأثير
الذي يحدثه الشيطان في القلوب والنفوس، وقد يمتد إلى الجوارح والأعضاء، لا يكون
إلا لأوليائه المقترنين به، قال تعالى:)
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((آل
عمران:175)، وقالتعالى:)
وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً( (النساء: من الآية38)، وقالتعالى:) وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً(
(النساء: من الآية119)، وقالتعالى:)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ((لأعراف:175)،
وقالتعالى:)
تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ((النحل:63)
أما المؤمنون،
فلا يضرهم الشيطان، قال تعالى:)
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ((لأعراف:201)،
وقالتعالى:)
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ
بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ((المجادلة:10)
وذلك لأن معهم
أسلحة مقاومته، قال تعالى:)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(
(صّ:83)، وقالتعالى:)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ( (لأعراف:200)
والقرآن الكريم
فوق ذلك كله يملأ النفوس بالطمأنينة والقوة حين يخبرها أن كيد الشيطان مهما اشتد
ضعيف كضعف الشياطين، فلذلك لا ينبغي الخوف منه، قال تعالى:) إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً((النساء:
من الآية76)، وقالتعالى:)
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ
نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا
تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ((لأنفال:48)
قال أجير بولس:
كيف تزعم ذلك؟ وها أنت ترى بأن القرآن لم يفعل شيئا أمام الشياطين التي حاولت أن
تستولي علي حتى جاء هذا الرجل بصليبه، فخلصني منها.
ابتسم عبد
الحكيم، وقال: إن هذا المرض الذي قد يكون أصابك مرض من الأمراض، له نوبة تعتري
صاحبها بأسباب خاصة، ولها على كل حال مدة محدودة، سواء قرأت عليها القرآن، أو قرأت
عليها الإنجيل، أو قرأت كتب الهنود والصينيين، فسوف ترتفع بعد ارتفاع سببها.
قال أجير بولس:
أراك تذهب مذاهب الملحدين لا مذاهب المؤمنين.
قال عبد
الحكيم: بل أذهب المؤمنين، لقد أخبرنا نبينا أن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء
[5].. فذلك بدل نتيه في البحث عما نقرؤه في هذه
الأحوال، ونتنازع فيما بيننا هيا نبحث عن العلاج الذي أنزله الله.
قال أجير بولس:
وهل هذا مرض حتى يكون له علاج.. إنها شياطين تستعمر الإنسان.
قال عبد الحكيم:
لا يستعمر الإنسان غير نفسه، أما الشيطان، فهو أضعف من ذلك، لقد ذكر القرآن الكريم
عنه ضعفه الشديد، فقال:)
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ
الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ
سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي
وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ( (ابراهيم:22)
فالشيطان يتجلى
في هذه الآية بمظهره الحقيقي مظهر الضعيف العاجز الذي نفخ فيه البشر وألبسوه من
ثياب العظمة والكبرياء ووهبوه من أسباب التسلط ما يزاحم به الألوهية.
سكت قليلا، ثم
قال: أتدرون ما سبب هذه النظرة التي جعلت للشيطان كل تلك السلطات؟
سكتوا، فقال: التصور
الوثني..
قالوا: التصور
الوثني؟!
قال عبد
الحكيم: أجل.. فهو الذي يجعل من الشيطان إلها قائما بذاته يتحدى الله سبحانه
وتعالى.. ولهذا اعتبر القرآن الكريم من أعطوا الجن من السلطات ما ليس لهم أو
وضعوهم كمدبرين ومؤثرين بذواتهم في الكون مشركين بذلك التعظيم، قال تعالى:) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا
لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ((الأنعام:100)
وقد أخبرت
الملائكة ـ عليهم السلام ـ أن أكثر البشر كانوا يعبدون الجن ويشركونهم بالله، ومن
أساليب العبودية التعظيم والخوف والذي لا يقتصر على المشركين من عرب الجاهلية فقط،
قال تعالى:)
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ
الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ(
(سـبأ:41)
وقد كان هذا
التصور هو فهم السلف الصالح y من حقيقة العلاقة بين الجن والبشر، قال الحسن البصري t
عن الشيطان:( والله ما ضربهم بعصا ولا أكرههم على شيء وما كان إلا غرورا وأماني
دعاهم إليها فأجابوه )
ولهذا ورد
النهي عن تعظيم الشيطان والجن بنسبة المصائب والنكبات إليها، لأن ذلك مما يعظمها
في نفس الإنسان، وكلما عظم الإنسان شيئا كلما أزال من نفسه من الشعور بعظمة الله
بحسبه فنهى النبي r عن كل مظهر ينم عن هذا
التعظيم ولو كان في صيغة سب، قال بعض الصحابة y:( كنت رديف النبي r فعثرت دابة فقلت: تعس
الشيطان، فقال: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت
ويقول: بقوتي ولكن، قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب )[6]
فالنبي r نهاه أن يعظم الشيطان ولو بنسبة تعثر الدابة
إليه، فكيف بمن يجعله متصرفا كليا وحيدا في حياة الناس.
التفت عبد الحكيم إلى أجير بولس، وقال: لا ينبغي ـ يا أخي ـ أن
تنساق وراء الخرافات في علاج دائك..
إن هذا مرض من الأمراض التي يسير الطب الحديث نحو معرفة الكثير من أسرارها،
ويوشك أن يجد لها العلاج الذي يقمع مادتها، فاتصل بالأطباء، فهذا اختصاصهم لا
اختصاص رجال الدين.
قال أجير بولس: أنت تقول هذا، لأن دينكم خال من هذا الجانب.
قال عبد الحكيم: لا.. نحن نرتبط بالله.. وإذا مرضنا علمنا نبينا أن نلجأ إلى
الله، وندعوه، وفي نفس الوقت نمارس ما أمرنا الله به من أسباب الشفاء التي قدر لها
في عالم الحكمة قوانينها.
وهنا لم يجد أجير بولس إلا أن ينطق بما تعود أن ينطق به، وهو ما يفسد الغرض
الذي جاء من أجله بولس، فقال: لكن المسيح حصلت منه معجزات الشفاء الكثيرة الدالة
على ألوهيته، أما نبيكم فلم يحصل على يديه شيء، فكيف تقبلونه نبيا.
ابتسم عبد الحكيم، وقال: النبي يأتي ليشفي أرواحنا، ويعلمنا كيف نسير إلى
ربنا.. أما الطب، فقد خلق الله له الأطباء، وخلق لهم من الأدوية في أرضه ما يمكنهم
أن يعالجوا به جميع العلل التي تعتري البشر، فلذلك نحن نحتاج إلى الهداة لا إلى
الأطباء.
قال أجير بولس، بإلحاحه المعهود: أنت تتهرب من سؤالي.. فكل من لم يطق شيئا
قال ما قلت.
هنا تدخل عبد القادر، وقال: ما دمت قد رغبت في أن نحدثك عن هذا.. فسنحدثك بما
ورد في الأسانيد الكثيرة الدالة على أن نبينا كان مستجاب الدعوة، فكان لا يدعو
لشيء أو على شيء إلا حصل ما دعا به.
وذلك ليس خاصا بالأمراض فقط.. وإنما قد عم أشياء كثيرة، لو صبرتم علي، فسأعد
لكم منها ما تقر به أعينكم، وتعلمون أن الله أقرب إليكم من أنفسكم، ويمكنكم إذا
اعتمدتم عليه، وتوجهتم إليه أن يحقق كل رغباتكم بالشفاء، وبغير الشفاء.
قال رجل من الجمع: وكيف لا نصبر.. فحدثنا، وابدأ بحديثك عن الشفاء، فلا يحب
المرضى حديثا كما يحبون من يبشرهم بالشفاء.
قال عبد القادر: لقد وردت النصوص الكثيرة الدالة على ما حصل من نبينا محمد r من شفاء المرضى ببركات دعائه، بأسانيد كثيرة، تفيد في
مجموعها حصول التواتر القطعي الذي لا يشكك فيه إلا جاحد.
وسأذكر لكم منها ما تقر به أعينكم:
ومن ذلك ما روي في إبراء الأعمى والأرمد ومن فقئت عينه، وقد رويت في ذلك الروايات الكثيرة:
فمن ذلك ما روي أنه
يوم خيبر، سأل النبي r، فقال:( أين
علي؟)، فقيل: يا رسول الله، يشتكي عينيه، قال:( فأرسلوا إليه )، فأتى به فبصق رسول
الله r
في عينيه ودعا له فبرئ، حتى كأنه لم يكن به وجع، فأعطاه الراية[7].
ومن ذلك ما روي عن حبيب
بن فديك أن أباه خرج به إلى رسول الله r
وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا، فسأله:( ما أصابك؟) فقال: وقعت رجلي على بيضة
حية فأصيب بصري، فنفث رسول الله r
في عينيه فأبصر، فرأيته وهو يدخل الخيط في الإبرة، وانه لابن الثمانين سنة، وإن
عينيه لمبيضتان[8].
ومن ذلك ما روي أن
قتادة بن النعمان أصيبت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها،
فقالوا: حتى تستأمر رسول الله r، فاستأمروه،
فقال:( لا )، فدعي به فرفع حدقته ثم غمزها براحته، وقال:( اللهم اكسبه جمالا، وبزق
فيها)، فكانت أصح عينيه وأحسنها[9].
وفي رواية: فكان لا يدري أي عينيه أصيبت، وقال السهيلي: وكانت لا ترمد إذا
رمدت الاخرى.
ومن ذلك ما روي عن رفاعة بن رافع بن مالك
قال: رميت بسهم يوم بدر، ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله r ودعا لي، فما آذاني منها شئ[10].
ومن
ذلك ما روي أنه أصيبت عين أبي ذر يوم أحد، فبزق فيها
رسول الله r فكانت أصح عينيه[11].
ومن ذلك ما روي
في إبراء الأبكم والرتة، وقد رويت في ذلك الروايات الكثيرة:
ومنها ما روي عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه أن النبي r جاءته امرأة بصبي قد
شب، فقالت: يا رسول الله ان ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال:( من أنا؟) قال: أنت
رسول الله[12].
ومن ذلك ما روي عن معرض بن معيقب اليمامي قال: حججت حجة
الوداع، فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول الله r
ورأيت منه عجبا جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، فقال له رسول الله r:(
من أنا؟) قال: أنت رسول الله، قال:( صدقت، بارك الله فيك)، ثم ان الغلام لم يتكلم
بعد ذلك حتى شب، فكنا نسميه مبارك اليمامة[13].
ومن ذلك ما روي عن بشير بن عقربة الجهني قال: أتى عقربة
رسول الله r
فقال:( من هذا معك، يا عقربة؟) قال: ابني بحير قال:( ادن ) فدنوت حتى قعدت عن
يمينه، فمسح على رأسي بيده، فقال:( ما اسمك؟) قلت: بحير يا رسول الله، قال::( لا،
ولكن اسمك بشير ) وكانت في لساني عقدة، فنفث النبي r
في في، فانحلت من لساني وأبيض كل شئ من رأسي ما خلا ما وضع يده عليه فكان أسود[14].
ومن
ذلك ما روي أن مخوس
بن معدي كرب، قال: يا رسول الله، ادع الله أن يذهب عني الرتة، فدعا له، فذهبت[15].
ومن ذلك ما روي
في إبرائه r للقرحة والسلعة والحرارة:
ومما يروى في ذلك أن رسول الله r أتي برجل في رجله قرحة قد أعيت الاطباء،
فوضع أصبعه على ريقه، ثم رفع طرف الخنصر، فوضعها على التراب، ثم رفعها، فوضعها على
القرحة، ثم قال:( باسمك اللهم ريق بعضنا بتربة أرضنا ليشفى سقيمنا باذن ربنا)[16]
ومن ذلك ما روي عن
شرحبيل الجحفي قال: أتيت رسول الله r
وبكفي سلعة[17] فقلت: يا رسول الله هذه السلعة قد آذتني
وتحول بيني وبين قائم السيف أن أقبض عليه، وعنان الدابة فنفث في كفي ووضع كفه على
السلعة، فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها، وما أرى أثرها[18].
ومن ذلك ما روي أن أبا
سبرة قال: يا رسول الله، إن بظهر كفي سلعة، قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا رسول
الله r
بقدح، فجعل يضرب به الى السلعة يمسحها فذهبت[19].
ومن ذلك ما روي عن أبيض
بن حمال أنه كان بوجهه جدرة، وفي لفظ حذارة، وهي وقد التقمت وجهه.
وفي لفظ: التقمت أنفه، فدعاه رسول الله r فمسح وجهه، فلم يمس من ذلك اليوم منها
أثر[20].
ومن
ذلك ما روي عن عروة أن ملاعب الاسنة أرسل الى رسول
الله r
يستشفيه من وجع كان به الدبيلة، فتناول النبي r
مدرة من الارض، فتفل فيها ثم ناولها لرسوله، فقال:( دفها بماء ثم اسقها اياه )،
ففعل فبرأ[21].
ومن ذلك ما روي
في إبرائه r للحرق:
ومما يروى في ذلك عن محمد بن حاطب عن أمه أم جميل، قالت: أقبلت بك من أرض
الحبشة حتى إذا كنت من المدينة بليلة طبخت طبيخا، ففني الحطب، فخرجت أطلب الحطب،
فتناولت القدر، فانكفأت على ذراعك، فأتيت بك رسول الله r فجعل يتفل على يدك وهو يقول:( أذهب البأس
رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء لا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما )، فما قمت بك من
عنده حتى برأت يدك[22].
ومن ذلك ما روي في إبرائه r وجع الضرس والرأس:
ومما يروى في ذلك عن يزيد بن ذكوان أن عبد الله بن رواحة قال: يا رسول الله،
أشتكي ضرسا آذاني، واشتد علي، فوضع رسول الله r يده على الخد الذي فيه الوجع فقال:(
اللهم أذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين عندك ) سبع مرات،
فشفاه الله تعالى قبل أن يبرح[23].
ومن ذلك ما
يروى عن اسماء بنت أبي بكر أنها أصابها ورم في رأسها ووجهها، فوضع رسول
الله r
يده على رأسها ووجهها من فوق الثياب، فقال:( با سم الله، أذهب عنها سوءه وفحشه بدعوة
نبيك الطيب المبارك المكين عندك )، ففعل ذلك ثلاث مرات، فذهب الورم[24].
ومن
ذلك ما روي أن رجلا من ليث ـ يقال له فراس بن عمرو ـ
أصابه صداع شديد، فذهب به أبوه الى النبي r فأخذ رسول الله r بجلدة ما بين عينيه فجذبها، فنبتت في موضع أصابع رسول الله r
من جبينه شعرة فذهب عنه الصداع، فلم يصدع[25].
ومن ذلك ما روي في في ابرائه r الجراحة والكسر:
ومما يروى في ذلك ما روي عن عبد الله بن أنيس قال: ضرب المستنير بن رزام
اليهودي وجهي فشجني منقلة أو مأمومة، فأتيت بها رسول الله r فكشف عنها ونفث فيها فما آذاني منها شئ [26].
ومن ذلك ما
روي عن معاوية بن الحكم، قال: كنا مع رسول الله r
فأنزى أخي علي بن الحكم فرسه خندقا فقصر الفرس فدق جدار الخندق ساقه، فأتيت النبي r
على فرسه، فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برأت[27].
وفي رواية: فأصاب رجل أخي علي بن الحكم جدار الخندق فدقتها فأتى النبي r فمسحها وقال:( باسم الله ) فما آذاه منها شئ[28].
ومن ذلك ما
روي عن البراء بن عبد الله بن عتيكة أنه لما قتل أبو رافع ونزل من درجة
بيته سقط إلى الارض فانكسرت ساقه، قال: فحدثت النبي r
فقال:( ابسط رجلك )، فبسطتها فمسحها فكأنما لم أشكها قط[29].
ومن ذلك ما روي عن أبي أزهر أن خالد بن الوليد أثقل
بالجراحة يوم حنين، فرأيت النبي r
بعد أن هزم الله الكفار ورجع المسلمون الى رحالهم يمشي، يقول:( من يدل على رحل
خالد بن الوليد )، قال: فمشيت أو قال سعيت بين يديه، وأنا محتلم أقول: من يدل على
رحل خالد بن الوليد، حتى دللنا على رحله، فإذا بخالد بن الوليد مستند الى مؤخرة
رحله، فأتاه رسول الله r فنظر الى جرحه
فنفث فيه فبرأ[30].
ومن ذلك ما روي عن عبد
الله بن الحارث بن أوس أن الحارث بن أوس أصابه في قتل كعب بن الاشرف بعض أسيافهم،
فجرح في رأسه وفي رجله فاحتملوه فجاؤوا به النبي r
فتفل على جرحه فلم يؤذه[31].
ومن ذلك ما روي أن أبا جهل قطع يوم بدر يد معوذ بن عفراء،
فجاء النبي r
يحمل يده، فبصق رسول الله r عليها،
وألصقها فلصقت[32].
ومن ذلك ما روي عن يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة
في ساق سلمة، ابن الاكوع، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة
أصابتها يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي r،
فنفث فيها ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة[33].
ومن ذلك ما روي عن حبيب
بن يساف قال: شهدت مع رسول الله r
مشهدا فأصابتني ضربة على عاتقي، فتعلقت يدي فأتيت النبي r
فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت وقتلت الذي ضربني[34].
ومن ذلك ما روي عن عروة
وابن شهاب قالا: بعث رسول الله r
ثلاثين رجلا، فأقبل المستنير بن رزام اليهودي فضرب المستنير وجه عبد الله بن أنيس
فشجه مأمومة، فقدم على رسول الله r
فبصق في شجته، فلم يؤذه حتى مات[35].
ومن ذلك ما روي روي عن
عائذ بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال:
أصابتني رمية يوم حنين في وجهي فسال الدم على وجهي وصدري فتناول النبي r
الدم بيده عن وجهي وصدري الى ثندوتي، ثم دعا لي قال: جئت مع والد عبد الله فرأيت
أثر يد رسول الله r إلى منتهى ما
مسح صدره، فإذا غرة سائلة كغرة الفرس[36].
ومن ذلك ما روي من حصول القوة لمن دعا له رسول الله r:
ومن ذلك ما روي عن سفينة أنه قيل: له ما
اسمك؟ قال: سماني رسول الله r سفينة. قيل:
ولم؟ قال: خرج رسول الله r ومعه أصحابه
فثقل عليهم متاعهم فحملوه على ظهري، فقال رسول الله r:(
احمل، فانما أنت سفينة )، فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو
خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي[37].
ومن ذلك ما روي عن سلمة
بن الاكوع أن رسول الله r مر على الناس
ينتضلون فقال:( ما أحسن هذا اللهو! ارموا وأنا معكم جميعا)، فلقد رموا عامة يومهم
ذلك، ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا[38].
ومن ذلك
ما روي في حصول شفاء أمراض شتى على يد
النبي r:
ومما يروى من ذلك ما روي عن رفاعة بن رافع قال: أخذت شحمة فازدردتها، فاشتكيت
منها سنة ثم إني ذكرت ذلك لرسول الله r فمسح بطني فألقيتها خضراء، فو الذي بعثه
بالحق، ما اشتكيت بطني حتى الساعة[39].
ومن ذلك ما روي عن جرهد بن خويلد انه أكل
بيده الشمال، فقال له رسول الله r:(
كل باليمين )، فقال: إنها مصابة، فنفث فيها رسول الله r
فما اشتكى حتى مات[40].
ومن ذلك ما
روي عن جابر قال: عادني رسول الله r
وأبو بكر في بني سلمة فوجدني لا أعقل فدعا بماء فتوضأ فرش منه علي فأفقت[41].
ومن ذلك ما ما روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: مرضت
فعادني رسول الله r وأنا أقول:
اللهم ان كان أجلي قد حضر، فأرحني وان كان متأخرا فارفعني، وان كان بلاء فصبرني،
فقال:( اللهم اشفه اللهم عافه ) ثم قال: فقمت فما عاد ذلك الوجع بعد[42].
وفي حديث آخر عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r دعا له، فقال:( اللهم أذهب عنه الحر
والبرد)، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف، ويلبس في الصيف ثياب الشتاء، ولا يصيبه
حر ولا برد [43].
وفي حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان علي
رضي الله عنه يلبس في الحر الشديد العباء المحشو التخين وما يبالي الحر، ويلبس في
البرد الشديد الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد، وسئل عن ذلك فقال: ان النبي r قال في خيبر: (لاعطين الرابة رجلا يحبه الله ورسوله
يفتح الله عليه غير فرار) فدعاني فأعطاني الراية ثم قال: (اللهم الكفه الحر
والبرد) فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا[44].
وفي حديث آخر عن شبرمة بن الطفيل ـ رضي الله عنه ـ قال: رأيت عليا بذي قار
عليه ازار ورداء في يوم شديد البرد وان جبهته لترشح عرقا[45].
ومن
ذلك ما ما روي عن بلال ـ رضي الله عنه ـ قال: أذنت في
غداة باردة، فخرج رسول الله r فلم ير في المسجد أحدا، قال:( أين الناس يا بلال؟) قال: منعهم
البرد، فقال:( اللهم أذهب عنهم البرد ) قال بلال: فرأيتهم يتروحون[46].
ومن
ذلك
ما روي عن ابن عائذ قال: قال ثابت بن يزيد يا رسول الله: إن رجلي عرجاء لا تمس
الأرض، قال: فدعا لي، فبرأت حتى استوت مثل الأخرى[47].
ومن
ذلك ما ما ورد من إجابة دعائه r للوليد بن قيس ـ رضي الله عنه ـ، فعنه قال: كان بي برص فدعا لي
رسول الله r فبرأت منه[48].
قال رجل من الجمع: إن للإنسان حاجات كثيرة، غير حاجته إلى
الشفاء، فهل روي عن نبيكم من استجابة ربه له منها شيء.
قال عبد القادر: بل رويت عنه
الأحاديث الكثيرة الدالة على ذلك، فقد كان رسول الله r
كما وصفه ربه تعالى:﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: من الآية128)
فلذلك كان ينظر إلى أصحابه نظرة الرحمة والشفقة، فكلما
ألم بأصحابه مكروه أو تفكير في أمر يشغل بالهم أسرع رسول الله r بالدعاء لهم للتخفيف عنهم، ولكي
ينالوا بركة دعوته r.
وسأذكر
لكم منها ما يبث اليقين في نفوسهم وتعلموا أن من أجيبت له هذه الدعوات يستحيل أن
يكون كاذبا أو مدعيا:
فمن الحاجات
التي تلم بالإنسان حاجته إلى الماء، فالماء هو المادة الأساسية للحياة، ولذلك كان r
كثيرا ما يستسقي لأصحابه، في حال حاجتهم إلى المياه:
ومن
ذلك ما حدث به أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: أن رجلاً
دخل المسجد يوم جمعة، ورسول الله r قائم يخطب، فاستقبل رسول الله r قائمًا، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال[49]، وانقطعت السبل[50]، فادع الله يغثنا قال: فرفع رسول الله r يديه، ثم قال:( اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا )
قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة[51]، وما بيننا وبين سلع[52] من بيت ولا دار، قال: فطلعت من
ورائه سحابة مثل الترس[53]، فلما توسطت السماء انتشرت ثم
أمطرت، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتًا.
قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول
الله r قائم يخطب، فاستقبله
قائمًا، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا.
فرفع رسول الله
r يديه ثم قال:( اللهم حولنا ولا علينا اللهم على الآكام[54]، والظراب[55] ومنابت الشجر، فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس[56].
ومن ذلك ما ما وري من نزول مطر شديد يوم تبوك بدعاء النبي r، فعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله
عنهما ـ أنه قيل لعمر بن الخطاب، حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى
تبوك في قيظ شديد، فزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى
إن كان أحدنا ليذهب، فيلتمس الرجل، فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى أن
الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه[57] فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده،
فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله
لنا، فقال r: ( أو تحب ذلك؟ )، قال: نعم، فرفع
يديه نحو السماء، فلم يرجعهما، حتى قالت السماء فأطلت، ثم سكبت، فملأوا ما معهم،
ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر [58].
ومن
ذلك ما روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ربما
ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله r يستسقي فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب:
وأبيض يستسقى الغمام
بوجهه ثمال اليتامى عصمة للارامل[59]
ومن ذلك ما ما حدث به أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء
أعرابي إلى رسول الله r فقال: يا رسول
الله، لقد أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يصيح وأنشد:
أتيناك والعذراء
يدمى لبانها وقد شغلت أم الصبي عن
الطفل
وألقى بكفيه
الصبي استكانة من الجوع ضعفا ما يمر
وما يحلي
ولا شئ مما يأكل
الناس عندنا سوى الحنظل القامي والعلهز الغسل
وليس لنا إلا إليك
فرارنا وأين فرار الناس إلا
إلى الرسل
فقام رسول الله r حتى صعد المنبر، ثم رفع يديه فقال:( اللهم
اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار تملا به
الضرع وتنبت به الزرع وتحيي به الارض بعد موتها وكذلك تخرجون )
قال الراوي: فوالله ما رد يديه إلى نحره حتى ألقت السماء بأردافها، وجاء أهل
الوطابة يضجون:( يا رسول الله الغرق )، فرفع يديه إلى السماء وقال:( اللهم حوالينا
ولا علينا )، فانجاب السحاب من المدينة، فضحك رسول الله r حتى بدت نواجذه، ثم قال: لله در أبي طالب
لو كان حيا قرت عيناه، فقال علي: كأنك أردت يا رسول الله قوله:
وأبيض يستسقى
الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة
للأرامل
وقام رجل من كنانة فقال:
لك الحمد والحمد
لمن شكر سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه
دعوة إليه وأشخص منه البصر
أغاث به الله عليا
مضر وهذا العيان لذاك الخبر
فلم تك إلا ككف
الردا وأسرع حتى رأينا الدرر
وكان كما قال عمه
أبو طالب: أبيض ذو غرر
به الله يسقي صوب
الغمام ومن يكفر الله يلقى الغير
فقال النبي r:( إن يك شاعرا يحسن، فقد أحسنت )[60]
ومن ذلك ما حدث به أبو أمامة - رضي الله عنه – قال: قام
رسول الله r
ضحى في المسجد، فكبر ثلاث تكبيرات، ثم قال:( اللهم ارزقنا سمنا ولبنا وشحما ولحما
)، وما نرى في السماء من سحاب، فثارت ريح وغبرة، ثم اجتمع السحاب، فصبت السماء
فصاح أهل الاسواق ورسول الله r قائم، فسالت
في الطرق، فما رأيت عاما كان أكثر لبنا وسمنا وشحما ولحما منه، إن هو إلا في الطرق
ما يشتريه أحد[61].
ومن ذلك ما حدثت به الربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: بينا
نحن عند رسول الله r في بعض أسفاره
إذا احتاج الناس إلى الماء، فالتمسوا في الركب ماء، فلم يجدوا، فدعا رسول الله r
فأمطرت حتى استقى الناس وسقوا[62].
ومن ذلك ما حدثت به عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: شكا
الناس إلى رسول الله r قحوط المطر، فخرج إلى المصلى وقعد على المنبر
ورفع يديه حتى رأى بياض إبطيه، فأنشأ الله سبحانه وتعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم
أمطرت، فلم يأت المسجد حتى سالت السيول فقال:( أشهد أن الله على كل شئ قدير وأني
عبد الله ورسوله )[63]
ومن ذلك ما حدث به كعب
بن مرة البهزي، قال: دعا رسول الله r
على مضر، فأتاه أبو سفيان، فقال: إن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فقال:( اللهم
اسقنا غيثا مغيثا غدقا طبقا مريعا نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث)، فما لبثنا إلا
جمعة حتى مطرنا، فأتوه فشكو إليه المطر، فقالوا: لقد تهدمت البيوت فقال: اللهم
حوالينا ولا علينا فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا[64].
ومن ذلك ما حدث به ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء
أعرابي إلى النبي r فقال: يا رسول
الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يحصد لهم فحل، فصعد المنبر، فحمد
الله وأثنى عليه، ثم قال:( اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا طبقا مريعا غدقا عاجلا
غير رائث )، ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من وجوه إلا قالوا أحينا[65].
ومن ذلك ما روي أن وفد
سلامان قدموا في شوال سنة عشر فقال لهم رسول الله r:(
كيف البلاد عندكم؟) قالوا: مجدبة، فادع الله أن يسقينا في أوطاننا، فقال r:(
اللهم اسقهم الغيث في بلادهم ) فقالوا: يا رسول الله ارفع يديك، فإنه أكثر وأطيب.
فتبسم، ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه، ثم رجعوا إلى بلادهم، فوجدوها قد مطرت
في اليوم الذي دعا فيه رسول الله r في تلك الساعة[66].
ومن الحاجات التي كانت تعرض أحيانا لأصحاب النبي r، وخصوصا الفقراء منهم، حاجتهم إلى المطعم، وقد توجه رسول الله r إلى الله طالبا رزقهم:
ومما يروى من ذلك، ما حدث به واثلة بن الأسقع ـ رضي الله عنه ـ قال: حضر
رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا، فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة
فانطلق به فعشَّاه، فأتت علينا لم يأتنا أحد، وأصبحنا صيامًا، وأتت علينا القابلة
فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله r، فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة
من نسائه يسألها هل عندها شيء، فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم: ما أمسى في
بيتها ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول الله r:( فاجتمعوا)، فدعا وقال:( اللهم إني أسألك من فضلك
ورحمتك، فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك)
فلم يكن إلا
ومستأذن يستأذن، فإذا بشاة مصلية ورغف، فأمر بها رسول الله r، فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، فقال لنا رسول الله r:(
إنا سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته )[67]
ولكن النبي r لزهده في الدنيا، كان يدعو،
فيقول: ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا)[68]
وقد حصل ما دعا به النبي r، فقد كان رزقه r ورزق أهله القوت في أكثر الأحيان
لا يجاوزونه، وقد وصفت عائشة ـ رضي الله
عنها ـ حياتها معه r، وكيف كانوا يعيشون، فقالت:( توفي رَسُول
اللَّهِ r وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير[69]
في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني ) [70]، وقالت:( ما شبع
آل محمد r من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض ) [71]،
وفي رواية:( ما شبع آل محمد r منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال
تباعاً حتى قبض )
وكانت تقول لابن أختها عروة:( والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم
الهلال ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رَسُول اللَّهِ r نار )، قال:
يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت:( الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان
لرَسُول اللَّهِ r جيران من الأنصار وكانت لهم منائح وكانوا يرسلون إلى
رَسُول اللَّهِ r من ألبانها فيسقينا )[72]
وكان r يعلل ذلك بقوله:( ما لي وللدنيا! ما أنا في الدنيا إلا
كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها )[73]
ومن الحاجات
التي عرضت لأصحاب النبي r فدعا النبي r لهم، وتحقق ما دعا به، تأمينهم من بعض المخاوف التي كانت تعتريهم:
ومن
ذلك ما ما حدث به خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ أنه
شكى الى رسول الله r فقال: اني أجد فزعا بالليل، فقال:( ألا أعلمك كلمات علمنيهن جبريل
عليه السلام، وزعم أن عفريتا من الليل يكيدني، أعوذ بكلمات الله التامات التي لا
يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ
في الارض ومن شر ما يخرج فيها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل
والنهار، الا طارقا يطرق بخير يا رحمن )، قال خالد: ففعلت فأذهب الله عني[74].
وفي رواية
أخرى، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: فلم ألبث الا ليلاي حتى جاء خالد بن الوليد
فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحق ما أتممت الكلمات التي علمتني
ثلاث مرات، حتى أذهب الله عني ما كنت أجد ما أبالي، لو دخلت على أسد في حبسته بليل[75].
ومن ذلك ما حدث به عبد
الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r
كان يعلمهم من الفزع:( أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن
همزات الشياطين، وأن يحضرون )
قال الراوي: فكان عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ يعلمها من بلغ من ولده
ومن لم يبلغ منهم كتبها في صك ثم علقها في عنقه[76].
ومن ذلك ما روي عن
البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى رسول الله r
رجل يشكو الوحشة، فقال:( أكثر من أن تقول: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح
جللت السموات والارض بالعزة والجبروت)، فقالها الرجل، فذهبت عنه الوحشة[77].
ومن الحاجات
التي دعا r لأصحابها، أنه دعا لتأليف القلوب بين الأزواج وزوجاتهم:
ومما يروى في
ذلك ما حدث به ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن أمرأة شكت زوجها الى النبي r
فقال:( أتبغضينه؟) قالت: نعم، قال:( أدنيا رؤوسكما )، فوضع
جبهتها على جبهة زوجها ثم قال:( اللهم ألف بينهما، وحبب أحدهما الى صاحبه )، ثم
لقيته المرأة بعد فقبلت رجليه فقال:( كيف أنت؟ وكيف زوجك؟) قالت: ما طارق ولا تالد
ولا ولد أحب الي منه فقال:( أشهد أني رسول الله )، قال عمر: وأنا أشهد أنك رسول
الله[78].
ومن
ذلك ما حدث به جابر ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة كان
بينها وبين زوجها خصومة، فأتيا رسول الله r فقالت المرأة: هذا زوجي، والذي بعثك بالحق، ما في الارض أبغض إلي منه،
وقال الاخر: هذه امرأتي، والذي بعثك بالحق ما في الارض أبغض الي منها، فأمرهما
رسول الله r أن يدنوا إليه، ثم دعا لهما، فلم يفترقا من عنده حتى قالت المرأة:
والذي بعثك بالحق ما خلق الله شيئا أحب الي منه، وقال الرجل: والذي بعثك بالحق، ما
خلق الله شيئا أحب الي منها[79].
ومن الحاجات المهمة التي دعا فيها النبي r
دعوته بالهداية والإيمان، وهي أعظم الدعوات:
ومما يروى من دعوته r لأم أبي هريرة، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أدعو أمي إلى
الإسلام، وهي مشركة، فدعوتها يومًا، فأسمعتني في رسول الله r ما أكره، فأتيت رسول الله r
وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى علي، فدعوتها
اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله r:(
اللهم اهد أم أبي هريرة )
فخرجت مستبشرًا بدعوة نبي الله r، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي
خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء.
قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت
عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدًا عبده ورسوله.
قال: فرجعت إلى رسول الله r فأتيته، وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله
أبشر، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه، وقال
خيرًا، فقلت:( يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين
ويحببهم إلينا )، فقال رسول الله r:( اللهم حبب عبيدك هذا ـ يعني أبا هريرة ـ وأمه إلى
عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين )
قال أبو هريرة:( فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني
)[80]
ومن ذلك ما ورد من دعائه r لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، فعن ابن عمر ـ
رضي الله عنهما ـ أن رسول الله r ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول:( اللهم أخرج ما في صدر
عمر من غل وأبدله ايمانا)[81]
ومن
ذلك ما ورد من دعائه r لشيبة بن عثمان بالهداية، فعنه قال: خرجت مع النبي r يوم حنين، والله، ما خرجت إسلاما، ولكني خرجت اتقاء أن تظهر هوازن
على قريش، فوالله، إني لواقف مع رسول الله r إذ قلت: يا رسول الله، اني لأرى خيلا بلقا قال:( يا شيبة، إنه لا
يراها إلا كافر )، قال: فضرب بيده في صدري، فقال:( اللهم اهد شيبة)، ففعل ذلك
ثلاثا، فما رفع النبي r يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله احب الي منه [82].
ومن ذلك ما ورد من إجابة دعائه r
لأبي كعب ـ رضي الله عنه ـ، فعن سليمان بن صرد أن أبي بن كعب أتى النبي r
برجلين قد اختلفا في القراءة كل واحد منهما يقول: أقرأني رسول الله r
فاستقرأهما، فقال:( أحسنتما ) قال أبي فدخل في قلبي من الشك أشد مما كنت عليه في
الجاهلية، فضرب رسول الله r في صدري
وقال:( اللهم أذهب عنه الشيطان ) فارفضضت عرقا، وكأني أنظر الى الله فرقا[83].
ومن ذلك ما ورد من دعائه r
باقبال أهل اليمن وأهل الشام على الاسلام، فعن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال:
نظر رسول الله r قبل اليمن فقال:( اللهم أقبل بقلوبهم )، ثم نظر الى العراق فقال:(
اللهم أقبل بقلوبهم )[84]
والنبي r لم يكتف بهذه الدعوات الخاصة، بل علمنا من الأدعية ما
يفي بحاجاتنا مختلفة:
ومن
ذلك ما ما علمه r لرجل من أصحابه أدبرت عنه الدنيا، فعن ابن عمر ـ
رضي الله عنهما ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، ان الدنيا أدبرت عني وتولت، قال له:(
فأين أنت من صلاة الملائكة، وتسبيح الخلائق، وبه يرزقون، قل عند طلوع الفجر: سبحان
الله العظيم وبحمده، سبحان الله العظيم، استغفر الله، مائة مرة، تأتيك الدنيا
صاغرة )
قال الراوي:
فمكث الرجل ثم عاد، فقال: يا رسول الله، لقد أقبلت علي الدنيا، فما أدري أين أضعها[85].
ومن
ذلك ما روي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ كلم الحجاج، فقال له
الحجاج: لولا خدمتك لرسول الله r
وكتاب أمير المؤمنين فيك، كان لي ولك شأن، فقال أنس: أيهات أيهات لما غلظت أرنبتي،
وأنكر رسول الله r صوتي، علمني كلمات لم يضرني معهن عتو جبار، ولا عنوته مع تيسير
الحوائج، ولقاء المؤمنين بالمحبة فقال الحجاج: لو علمتنيهن، فقال: لست لذلك بأهل
فدس إليه الحجاج ابنيه ومعهما مائتا ألف درهم، وقال لهما: الطفا بالشيخ عسى أن
تظفرا بالكلمات، فلم يظفرا بها، فلما كان قبل أن يهلك بثلاث، قال لي: دونك هذه
الكلمات، ولا تضعها الا في موضعها.
فذكر أبان ما
أعطاه الله تعالى مما أعطى أنسا من ذهاب ما أذهبه الله عني مما كانت أجد - الله
أكبر الله أكبر، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على
كل شئ أعطاني، بسم الله خير الاسماء، بسم الله رب الارض والسماء، بسم الله الذي لا
يضر مع اسمه داء، بسم الله افتتحت وعلى الله توكلت الله الله ربي، لا أشرك به
أحدا، أسألك اللهم بخيرك من خيرك الذي لا يعطيه غيرك، عز جارك، جل ثناؤك، ولا اله
الا أنت اجعلني في عياذك وجوارك من كل سوء، ومن الشيطان الرجيم، اللهم اني استجيرك
من كل شئ خلقت، وأحترس بك منهن، وأقدم بين يدي، بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو
الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ومن خلفي، وعن يميني،
وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي يقرأ في هذه الست قل هو الله أحد الى آخر السورة[86].
ومن
ذلك ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي
الى رسول الله r فقال: يا رسول الله، علمني كلاما أقوله، قال:( قل لا اله الا الله
وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، لا
حول ولا قوة الا بالله العزيز الحكيم )، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال:( قل:
اللهم اغفر لي وارحمني، وارزقني، وعافني)[87]
ومن
ذلك ما روي عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله r علم أبا حصين كلمتين يدعو بهما: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر
نفسي[88].
ومن
ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: علمني رسول
الله r قال:( اللهم، اجعل سريرتي خيرا من علانيتي، واجعل علانيتي صالحة،
اللهم، اني أسألك من صالح ما تؤتي الناس من المال والاهل والولد غير الضال ولا المضل
)[89]
ومن ذلك ما روي عن
العباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، علمني شيئا أسأل الله تعالى،
قال:( سل الله العافية )، فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأل
الله تعالى، قال:( يا عباس، يا عم رسول الله، سلوا الله العافية في الدنيا والاخرة
)[90]
ومن ذلك ما روي عن
بريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r:(
ألا أعلمك كلمات، من يرد الله به خيرا يعلمهن اياه )، ثم علمه إياهن ( اللهم إني
ضعيف فقو في رضاك ضعفي، وخذ الى الخير بناصيتي، واجعل الاسلام منتهى رضاي، اللهم
إني ضعيف فقوني، واني ذليل فأعزني، واني فقير فارزقني )[91]
ومن ذلك ما ما علمه r
لفاطمة الزهراء ـ رضي الله عنها ـ فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r
لفاطمة ـ رضي الله عنها ـ:( ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أمسيت: يا
حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني الى نفسي طرفة عين )[92]
ومن
ذلك ما علمه r
لابي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن أبا
بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: يا رسول الله، علمني كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا
أمسيت، قال:( قل اللهم، فاطر السموات والارض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شئ
ومليكه، أشهد أن لا اله الا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن
أقترف على نفسي سوءا، أو اجره الى مسلم إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك )[93]
ومن
ذلك ما روي عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r:( قل: اللهم، اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وانه لا يغفر الذنوب الا
أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، انك أنت الغفور الرحيم )[94]
ومن ذلك ما علمه r
لبعض بناته ـ رضي الله عنهن ـ فقد روي عن بعض بنات النبي r ـ رضي الله عنهن ـ أن النبي r
كان يعلمها فيقول:( قولي حين تصبحين وحين تمسين: سبحان الله وبحمده، لا قوة الا
بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شئ قدير وأن الله
قد أحاط بكل شئ علما، فانه من قالها حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي
حفظ حتى يصبح )[95]
3 ـ بركات
قال رجل من الجمع: إن كل ما ذكرته من حاجات له قيمته، ولكن أكثره مرتبط
بأحوال معينة، فهل ورد عن محمد أدعية شاملة جامعة يمتد تأثيرها؟
قال عبد القادر: أنت تريد الأدعية المرتبطة بالبركة إذن؟
قال الرجل: وما هذه الأدعية؟
قال عبد القادر: هذه الأدعية تجعل كل ما دعي له بها مبارك ذو خير كثير.
قال الرجل: فهل روي عن محمد شيء منها؟
قال عبد القادر: أجل.. وقد أكدت الأيام استجابة الله تعالى لما دعا به
نبيه، وسأذكر لكم منها ما تقر به أعينكم، وتعلمون القيمة العظمى التي تحملها دعوات
النبي r:
فممن دعا لهم النبي r بالبركة عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ، فقد روي أن رسول الله r قال له:( بارك الله لك )[96]
وقد ذكر عبد الرحمن إجابة دعوة رسول الله r، فقال: فلقد رأيتني، ولو رفعت
حجرًا لرجوت أن أصيب تحته ذهبًا أو فضة[97].
وقد فتح الله له أبواب الرزق، ومن عليه ببركات من السماء والأرض، وكان حين
قدم المدينة فقيرًا لا يملك شيئًا، فآخى رسول الله r بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري
ـ رضي الله عنه ـ، فقال سعد لعبد الرحمن: إن لي زوجتين فاختر أجملهما أطلقها، ثم
تعتد ثم تتزوجها، وإن لي من المال كذا وكذا فخذ منه ما شئت. فقال عبد الرحمن: لا
حاجة لي في ذلك، بارك الله لك في زوجتيك ومالك، ثم قال: دلوني على السوق[98].
فصار يتعاطى التجارة، وقد رزقه الله في زمن قريب مالاً كثيرًا، ببركة دعائه
r، حتى أنه لما توفي بالمدينة ـ سنة إحدى وثلاثين أو
اثنتين وثلاثين ـ أخذت كل زوجة من زوجاته الأربع ربع الثمن ثمانين ألفًا، وقيل: إن
نصيب كل واحدة كان مائة ألف، وقيل: بل صولِحت إحداهن على نيف وثمانين ألف دينار،
وأوصى بألف فرس وخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأوصى بحديقة لأمهات المؤمنين ـ
رضي الله عنهن ـ بيعت بأربعمائة ألف، وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة
دينار، وكانوا مائة، فأخذوها، وهذا كله غير صدقاته الفاشية في حياته، وعطاءاته
الكثيرة، وصلاته الوفيرة؛ فقد أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا، وتصدق مرة بعير[99]، وكانت سبعمائة بعير، وردت عليه،
وكان أرسلها للتجارة، فجاءت تحمل من كل شيء، فتصدق بها وبما عليها من طعام وغيره
بأحلاسها وأقتابها.
بل ورد أنه تصدق مرة بشطر ماله، وكان الشطر أربعة آلاف،
ثم تصدق بأربعين ألفًا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم تصدق بخمسمائة فرس في سبيل
الله، ثم بخمسمائة راحلة.
وممن شملتهم دعوات النبي r بالبركة أنس بن مالك ـ رضي الله
عنه ـ، فقد كان دعاؤه r لأنس بن مالك سببا في أن زاد أولاده عن المائة، وزاد
عمره عن المائة، وزاد ماله عن المائة ألف.
وقد حدثنا أنس
بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن قصة ذلك، فقال: جاءت أم سليم، وهي أم أنس، رضي الله
عنهما، إلى رسول الله r وقد أزرتني بخمارها، وردَّتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله هذا
أُنيس أتيتك به يخدمك فادع الله له، قال: اللهم أكثر ماله وولده.. وفي لفظ: اللهم
أكثر ماله وولده وأطِل عمره واغفر له[100].
وقد ذكر أنس ـ رضي الله عنه ـ استجابة الله لدعاء نبيه r له، فقال: فو الله إن مالي لكثير،
وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو المائة.. وحدثتني ابنتي أُمَيْنة أنه قد دفن
من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرين ومائة.
وفي رواية قال: دفنت من صلبي مائة واثنتين، وإن
ثمرتي لتحمل في السنة مرتين، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة، وأرجو الرابعة.
وكان له بستان
يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منها ريح المسك[101].
وقريب من هذا
دعاؤه r لبهية
بنت عبد الله البكرية ـ رضي الله عنها ـ فعنها قالت: وفدت مع
أبي الى النبي r
فبايع الرجال وصافحهم، وبايع النساء ولم يصافحهن، قالت: فنظر الي، فدعاني ومسح
برأسي، ودعا لي ولولدي فولد لها ستون ولدا أربعون رجلا وعشرون امرأة [102].
ومنهم السائب بن يزيد، فقد روي أنه r دعا للسائب بن يزيد، ومسح بيده على رأسه، فطال عمره حتى
بلغ أربعًا وتسعين سنة، وهو تام القامة معتدل، ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول
الله r، ومُتِّع بحواسه قواه[103].
وقد ذكر الجعد بن عبد الرحمن بن عوف
ـ رضي الله عنه ـ أثر هذه الدعوة، فقال: مات السائب ابن يزيد ـ رضي الله عنه ـ وهو
ابن أربع وتسعين سنة، وكان جلدا معتدلا، وقال: لقد علمت ما متعت بسمعي وبصري إلا
بدعاء النبي r [104].
ومنهم النابغة
الجعدي، فعن
عاصم الليثي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت النابغة ـ يعني عبد الله بن قيس الجعدي ـ
يقول: أتيت رسول الله r فأنشدته حتى أتيت الى قولي:
أتيت رسول الله إذ
جاء بالهدى ويتلو كتابا واضح الحق نيرا
بلغنا السماء مجدنا
وثراؤنا وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فقال لي:( إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟) قال: قلت: الى الجنة قال:( كذلك ان
شاء الله )، ثم قال:
ولا خير في حلم إذا
لم تكن له بوادر تحمي صفوة أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا
لم يكن له حليم إذا ما أورد الامر أصدرا
فقال النبي r:( أجدت )، وفي لفظ:( صدقت لا يفضض [105]
الله فاك )، قال: فبقي عمره أحسن الناس ثغرا، كلما سقطت سنة عادت أخرى مكانها،
وكان معمرا[106].
ومنهم جعيل الأشجعي ـ رضي الله عنه ـ فقد قال: غزوت مع
رسول الله r في بعض غزواته، وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة، قال: فكنت في أُخريات
الناس، فلحقني رسول الله r
وقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول الله، عجفاء ضعيفة، قال: فرفع رسول الله r
مخفقة معه، فضربها بها، وقال:( اللهم بارك له )
وقد ذكر إجابة
دعوة رسول الله r، فقال: فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس، ولقد بعت من بطنها
باثني عشر ألفًا [107].
ومنهم عروة بن أبي الجعد المازني ـ رضي الله
عنه ـ فقد أعطاه رسول الله r دينارًا ليشتري له به شاة، فاشترى به شاتين، وباع إحداهما
بدينار، وأتاه بشاة ودينار، فقال له: بارك الله لك في صفقة يمينك.
وفي رواية:
فدعا له بالبركة في البيع، فكان لو اشترى التراب لربح فيه [108].
ومنهم عروة
بن البارقي ـ رضي الله عنه ـ فقد روي أن رسول الله r دعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه[109].
وقد روي عنه
قوله: قال لي رسول الله r:( بارك الله لك في صفقة يمينك )، فكنت أقوم بالكناسة [110] فما أرجع الى
أهلي حتى أربح أربعين ألفا[111].
ومنهم المقداد
بن الاسود ـ رضي الله عنه ـ، فقد حدثت ضباعة بنت الزبير قالت: دعا
رسول الله r للمقداد بن الاسود ـ رضي الله عنه ـ بالبركة، فكانت له غرائر من
الورق في بيت المقداد[112].
ومنهم عمرو
بن الحمق،
فعنه أنه سقى رسول الله r لبنا فقال:( اللهم أمتعه بشبابه )، فمرت به ثمانون سنة لم ير
الشعرة البيضاء [113].
ومنهم أولاد
أبي سبرة ـ
رضي الله عنه ـ فعن سبرة أن أباه أتى النبي r فدعا لولده، فلم يزالوا في شرف الى اليوم[114].
ومنهم أم
قيس ـ
رضي الله عنها ـ، فعنها أنها قالت: توفي ابني فجزعت، فقلت للذي يغسله: لا تغسل
ابني بالماء البارد فيقتله، فانطلق عكاشة بن محصن الى رسول الله r
فأخبره بقولها ثم قال:( طال عمرها، فلا تعلم امرأة عمرت ما عمرت )[115]
ومنهم أبو
زيد عمرو بن أخطب الانصاري ـ رضي الله عنه ـ
فقد روي عنه أنه قال: استسقى رسول الله r
فأتيته بقدح، فكانت فيه شعرة، فأخذتها، فقال r:(
اللهم جمله )
قال الراوي: فرأيته وهو ابن أربع
وتسعين سنة ليس في لحيته شعرة بيضاء[116].
وفي رواية: قال رسول الله r:(
ادن مني )، فدنوت، فمسح بيده على رأسي ولحيتي، وقال:( اللهم جمله، وأدم جماله )،
فبلغ بضعا ومائة سنة، وما في لحيته بياض الا نبذة يسيرة، ولقد كان منبسط الوجه حتى
مات.
ومنهم
حمل أم سليم ـ رضي الله
عنها ـ فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: اشتكى ابن لابي طلحة، فمات، وأبو طلحة خارج،
فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئا، ونحته من جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة
فقال: كيف الغلام قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن قد استراح.
فظن أبو طلحة أنها صادقة، فلما أصبح
اغتسل وكان قد أصابها، فلما أراد أن يخرج قالت: أرأيت أن رجلا أعارك عارية، ثم
أخذها منك أجزعت؟ قال: لا، قالت: فان الله قد أعارك ابنك وقد أخذه منك، فصلى مع
النبي r ثم أخبره لما كان منهما، فقال النبي r:( بارك الله لكما في ليلتكما! )،
قال: فولدت غلاما فجئت به الى النبي r فحنكه ثم مسح بناصيته، وسماه عبد الله، فكانت تلك المسحة غرة في
وجهه، وما كان في الانصار ناشئ أفضل منه[117].
ومنهم عبد
الله بن هشام ـ رضي الله عنه ـ
فعن أبي عقيل أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق ليشتري الطعام
فيتلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان له: أشركنا، فإن رسول الله r
قد دعا لك بالبركة فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها الى المنزل[118].
ومنهم حكيم بن حزام
ـ رضي الله عنه ـ فقد بعث رسول الله r حكيم بن حزام بدينار يبتاع له به أضحية فمر بها، فباعها بدينارين
فابتاع له أضحية بدينار، وجاء له بدينار، فدعا له أن يبارك له في تجارته[119].
وروي عن حكيم أنه كان رجلا مجدودا في
التجارة ما باع شيئا قط الا ربح فيه.
ومنهم حنظلة بن حذيم ـ رضي الله عنه
ـ، فعنه قال: وفدت مع جدي حذيم، فقال: يا رسول الله، إن لي بنين ذوي لحى وهذا
أصغرهم، فأدناني رسول الله r، ومسح على
رأسي، وقال:( بارك الله فيك )
قال الذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها،
فيقول: بسم الله على موضع كف رسول الله r فيمسحه فيذهب الورم[120].
ومنهم فاطمة بنت رسول الله r
ورضي الله عنها، فعن عمران بن حصين، قال: كنت مع رسول
الله r إذ أقبلت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ وقفت بين يديه، فنظر إليها، وقد
ذهب الدم من وجهها، وغلبت الصفرة على وجهها من شدة الجوع، فنظر إليها رسول الله r،
فقال:( ادني يا فاطمة، ثم ادني يا فاطمة)، فدنت حتى قامت بين يديه، فرفع يده
فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج بين أصابعه، ثم قال:( اللهم مشبع الجاعة،
ورافع الوضيعة، ارفع فاطمة بنت محمد)
وقد ذكر عمران بعض ما حصل من إجابة، فقال: فنظرت إليها، وقد ذهبت الصفرة من
وجهها، وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم، فلقيتها بعد فسألتها، فقالت: ما
جعت بعد ذلك يا عمران[121].
أما رفعة قدرها، فيكفي ما ورد في فضلها من أنها سيدة نساء
العالمين، وما ورد في الأحاديث من الثناء عليها.
ومنهم سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ فقد صار مُجاب الدعوة
بسبب دعاء الرسول له، فعنه أن النبي r قال: اللهم استجب لسعد إذا دعاك، فكان لا يدعو إلا استجيب[122].
وقد روي في
هذا عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: شكا أهل الكوفة سعدًا بن أبي قاص، إلى
عمر بن الخطاب فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا سعدًا حتى ذكروا أنه لا يحسن
يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي! فقال:
أما والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله r لا أخرم عنها؛ أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين
وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى
الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدًا إلا سأل عنه ويثنون معروفًا، حتى دخل
مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما
إذا نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية.
قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسمعة،
فأطل عمره وأطل فقره، وعرضه للفتن.
قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه
على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن، وكان بعد ذلك إذا
سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد [123].
ومنهم عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ الذي صار حبر
الأمة بسبب دعاء النبي r، فعنه قال: أتى رسول الله r الخلاء، فوضع له وضوءًا، فلما خرج قال: من صنع هذا؟ قالوا: ابن
عباس، قال:(اللهم فقهه في الدين)[124]
وعنه قال:
إن رسول الله r وضع يده على كتفي، ثم قال:( اللهم
فقهه في الدين وعلمه التأويل )[125]
وقد استجاب
الله لرسوله r هذه الدعوة ؛ فكان ابن عباس
إمامًا يُهتدى بهداه، ويُقتدى به في الشريعة والتفسير؛ بل انتهت إليه علوم الصحابة
قبله حتى قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ:( لو أن ابن عباس أدرك أسناننا
ما عاشره أحد منا)، وكان يقول:( نعم ترجمان القرآن ابن عباس )[126]
وقد قيل:
خطب الناس ابن عباس في عشية عرفة، ففسر لهم سورة البقرة تفسيرًا لو سمعه الروم
والترك والديلم لأسلموا.
بالإضافة
إلى ذلك كله فقد دعا r لمن فعل أشياء معينة، وقد جرب
تأثير دعواته في ذلك، ومن
ذلك ما ورد من إجابة دعائه r لأمته
في بكورها، فقد
حدث صخر الغامدي قال: قال رسول الله r:( اللهم بارك لامتي في بكورها )
وقد حدث الرواة عن أثر هذه الدعوة
فيه لما التزم ما فيها، فقالوا: كان صخر
رجلا تاجرا يبعث غلمانه أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أين يضعه[127].
***
ما وصل عبد القادر من حديثه إلى هذا الموضع حتى
رأيت النشاط يدب في المرضى المحيطين حوله، وكلهم يطلب منه أن يدعو الله له، أو
يدله كيف يدعو الله، ليخلصه من دائه.
أما بولس، وأنا، فلم نجد إلا أن
نخرج.. ومعي بصيص جديد من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.
([9]) رواه أبو يعلى والبيهقي وابن سعد وأبو نعيم، وقد روي أن رجلا من ولد
قتادة وفد الى عمر بن عبد العزيز، فلما قدم عليه، قال: ممن الرجل؟ فقال:
أنا
ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت
كما كانت لاول أمرها فيا حسنها عينا ويا
حسنه من خد
فقال
عمر بن عبد العزيز:
تلك
المكارم لا قعيان من لبن شيبا بماء
فعادا بعد أبوالا
ووصله
وأحسن جائزته.
([13]) رواه البيهقي، قال ابن كثير: وهذا الحديث مما تكلم به الناس في محمد
بن يونس بسببه، وأنكروه عليه واستغربوا شيخه، وليس هذا مما ينكر عقلا بل شرعا، على
أنه قد ورد هذا الحديث من غير طريق محمد بن يونس، فرواه البيهقي من طريق ابي
الحسين محمد أحمد بن جميع.
([20]) رواه الطبراني برجال ثقات وابو نعيم والبيهقي وابو داود والترمذي
والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن حبان.
([22]) رواه البخاري في التاريخ والنسائي والطيالسي وابن أبي شيبة ومسدد
وابو يعلى وابن حبان والحاكم والبيهقي.
([76]) رواه أبو داود والنسائي، ورواه الترمذي وقال: حسن ولفظه: قال رسول
الله r:« إذا فزع أحدكم في النوم فليقل وذكره،
وقال فيه: ومن لم يعقل كتبها في صك، ثم علقها في عنقه »، ورواه الحاكم وقال صحيح
الاسناد.
([106]) رواه الحافظ
السلفي، روى البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله r قال للنابغة إذ أنشده قصيدته: (لا يفضض الله فاك)، فما سقطت سن.
وفي رواية فكان أحسن
الناس ثغرا إذا سقطت له سنة نبتت له أخرى، وعاش عشرين ومائة سنة وما ذهب له سن.