الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: قلوب مع محمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

أولا ـ العامة

الفتى عماد:

الفتاة سناء:

سوسن هندي:

إيفا ماريا:

كايسي ستاربك:

ايريس صفوت:

ليلى أوغان رمزي:

إحسان جيم تشوا:

عبدالرحمن محمود داود:

أولا ـ العامة

فتحت دفتر البابا على فصله الأول، فوجدت عنوانه (العامة)، فقلت: من تقصد بالعامة؟

قال: أقصد بهم أولئك البسطاء الذين لم تسجل أسماؤهم في دفاتير المؤرخين مع أنهم هم الذين صنعوا التاريخ.

قلت: لقد كان هذا الصنف من الناس أكثر من اتبع الرسل.

قال: لأنه لم يكن لديهم من السلطان ما يخافون عليه، فلذلك لم ينحجبوا بما انحجب به غيرهم.

كان أول اسم سجله البابا في هذا الفصل اسم (الراعي)، فسألته عنه، فقال: هذا (الراعي).. وهو أول من رأيت حرارة الصدق في كلماتهم.. فلذلك كان أول من سجلت اسمه في هذا الدفتر.. والذي كان في ذلك الحين خاليا من أي عنوان.

قلت: فحدثني حديثه.

قال: في ذلك اليوم من أيام الربيع.. وفي بلدي الذي ولدت فيه.. وبعد لقياي لمعلم السلام وإقناعه لي بتخصيص دفتر للكلمات الصادقة الصادرة عن القلوب المخلصة، خرجت إلى الحقول المجاورة لأتنسم عطر الهواء الذي لم يدنس بالمداخن، ولألتقي بالبشر الذين لم تخرجهم الحضارة عن فطرتهم.

وفي ذلك الحقل، التقيت ذلك الراعي الصادق الذي كان يمتلئ شوقا لمحمد.

لقد وجدته جالسا بجنب نعجاته من غير أن يراه أحد، أو يسمعه أحد، وهو ينشدها بصوت عذب قول الشاعر:

يا حبيباً علم الوجد هواه

ياتراني بعد صبر هل أراه؟

يا جميلا ليس خلق في البرايا

قط مثل أو قريب من بهاهُ

بان في الأفلاك بدر أو هلال

يسلب الألباب بعض من سناه

ليس حسن في البرايا أو جمال

أو بديع من جمال ما عداه

يا حبيبا لست أدري كيف أوفي

قدره العالي وفيضا من عطاه

ذاك قلبي هام وجداً يا حبيبي

والهوى في وجدكم حقا سباه

يا دموعا ذارفات في الليالي

هل لقاءُ في تعيم منتهاه

يا لسعدي ساعة اللقيا بحبي

يا حبيبا حق سعدي في حماه!

كيف أسلو يا حبيبا في فؤادي

جاوز الأحباب عشقا فاكتواه

كيف أسلو والحنايا لم تزل

ترقب الوصل ووصلي لا أراه ُ!

يا ليال ذبت فيها من هواكم

والتياعي يا حبيبي من شِفاه؟

طال بعدي بت ليلي من هواكم

ضج قلبي هائما دمعي ذراه

مال قلبي نحو حب ليس فيه

غضة للقلب رقراق نقاهُ!

كلما همت وزاد الحب فيكم

زاد سعدي بالغاً بي منتهاهُ

كيف لا والوعد منكم يا حبيبي

أن ينال محبكم حقا مناه

اقتربت منه، وقد هزني إنشاده، فقلت: أنت عربي.. لاشك في ذلك.

قال: لا.. بل أنا ألماني.. نبتت شجرتي في هذه البلاد.

قلت: ولكن أشجار هذه البلاد لا تتقن العربية.

قال: لقد شوقني في العربية حبيبي الذي همت به.. فضبطت لساني على موجات لسانه، كما ضبطت قلبي على ترددات محبته.

قلت: عهدي بالمحبين في بلادنا يتلاقون بمحبوبيهم كما يشتهون.. ولا يقتنعون بما تقتنع به من ترديد الأشعار.

قال: ومن قال لك بأن حبي قد غاب عني.. إنه معي.

قلت: ولكني لا أراه.

قال: فأنت إذن لا تبصر.

قلت: بل أبصر.. وأنا لا أرى أمامك إلا نعجاتك.

قال: لو نظرت إلى إنسان عيني لرأتيه، ولو حدقت في سويداء قلبي لوجدته مستويا على عرشه.

قلت: لا طاقة لي بفك ألغازك، فحدثني عن حقيقة أمرك.. أخبرني عن حبيبك الذي ملكته قلبك وعقلك وروحك.

قال: محمد هو حبيبي الذي ملك علي عقلي وقلبي وروحي وجميع كياني.

قلت متعجبا: محمد !؟

قال: أجل.. محمد..

ثم راح ينشد بصوت عذب قصيدة البوصيري:

 

محمد أشرف الأعراب والعجم
 

محمد خير من يمشي على قدم
  

محمد باسط المعروف جامعه
 

محمد صاحب الإحسان والكرم
  

محمد تاج رسل الله قاطبة
 

محمد صادق الأقوال والكلم
  

محمد ثابت الميثاق حافظه
 

محمد طيب الأخلاق والشيم
  

محمد رويت بالنور طينته
 

محمد لم يزل نورا من القدم
  

محمد حاكم بالعدل ذو شرف
 

محمد معدن الإنعام والحكم
  

محمد خير خلق الله من مضر
 

محمد خير رسل الله كلهم
  

محمد دينه حق ندين به
 

محمد مجملا حقا على علم
  

محمد ذكره روح لأنفسنا
 

محمد شكره فرض على الأمم
  

محمد زينة الدنيا وبهجتها
 

محمد كاشف الغمات والظلم
  

محمد سيد طابت مناقبه
 

محمد صاغه الرحمن بالنعم
  

محمد صفوة الباري وخيرته
 

محمد طاهر من سائر التهم
  

محمد ضاحك للضيف مكرمه
 

محمد جاره والله لم يضم
  

محمد طابت الدنيا ببعثته
 

محمد جاء بالآيات والحكم
  

محمد يوم بعث الناس شافعنا
 

محمد نوره الهادي من الظلم
  

محمد قائم لله ذوهمم
 

محمد خاتم للرسل كلهم
  

قلت: فكيف اهتديت إلى محمد، وأنت من هذه البلاد التي لا تعرف محمدا.

غضب، وقال: كل البلاد تعرف محمدا.. بل كل الأشجار والحجارة والتربة تعرف محمدا.

قلت: أحدثك عن البشر.. لا عن الأشجار والحجارة.. فأخبرني خبرك.

قال: قصتي طويلة..

قلت: فقصها علي.

قال: سأقص عليك منها ما تحتاجه.. وأرغب بك عما لا تحتاجه.

قلت: كلي آذان صاغية لك.

قال: لقد وقعت في عز شبابي ضحية لشباك الحب المدنس..

قلت: ما الحب المدنس؟

قال: ذلك الحب الذي يتغنى به قومنا.. فيملؤون عروش قلوبهم بالمستنقعات الأسنة.

قلت: فكيف نجوت منه.. عهدي بمن يقع فيه يلم به ما ألم بالمجنون من الجنون، أو ما ألم بعروة ةإخوانه من الموت.

قال: تلك قصتي مع حبيبي محمد.

قلت: لم أفهم.

قال: لقد أذاقتني محبوبتي التي أسلمتها روحي من ألوان الهوان ما امتلأت به مرارة، فبعت لأجلها كل ما أملك، وأرضيتها بكل ما أطقت أن أرضيها به، فلما نفذ ما عندي من مال ومتاع هجرتني.. بل باعتني لمن يملك ما لا أملك، ويقدر على ما لا أقدر.

قلت: فكيف نجوت من خنادق الهوى الوعرة؟

قال: بمحمد.

قلت: كيف ذلك؟

قال: في تلك الأيام ظهر لي أن أسافر إلى اليمن.. ولست أدري كيف لاح لي ذلك الخاطر.. وقد كانت تلك الأيام تزدهي بميلاد محمد r.. فكانت الأفراح في كل جانب، وكانت القصائد العذبة تمتلئ بها الحناجر والأسماع.. وكنت أرى الفرحة تمتلئ بها القلوب غير شاعرة بتلك الفاقة التي تصيح بها الأجساد.

لقد أثرت في تلك المشاهد مع كوني لم أكن أعرف من العربية إلا ما أحتاجه في معاملاتي الضرورية.

قلت: فكيف فهمت ما يقولون؟

قال: حرارة الصدق والإخلاص جعلتني أستوعب كل ما يذكرونه، بل أعيه وعيا تاما.

قلت: أكان ذلك وحده هو الذي أنقذك من شباك الحب المدنس؟

قال: كان ذلك هو الباب.. وكانت تلك هي البداية.. لقد كان الإخلاص والصدق هو الذي جعلني أنضم إلى تلك المجالس، وأجلس معها، وأحاول أن أستشعر المشاعر المقدسة التي تستشعرها..

لقد كان كل كل هدفي أن أنسى من جرعتني السموم.. ولم أكن أعلم أن الله الرحيم الرحمن يدخر لي كل ذلك الفضل.

قلت: لم أفهم.

قال: في مجلس من تلك المجالس لاحت أنوار عظيمة غسلت جميع أدران قلبي، ومحت جميع ظلماته.. لقد كانت أنوارا لذيذة وجميلة لا يمكن وصفها.

قلت: أنوار من تلك؟

قال: أنوار الشمس التي لا تغيب..

قلت: لم أفهم..

قال: لم يكن دليلي إلى محمد إلا محمد.

قلت: لا زلت لا أفهم.

قال: أنا لست فيلسوفا، ولا لي قدرة على الجدل، ولا على البحث المضني.. ولكن مع ذلك لي قدرة على تلمس الصدق والإخلاص.. وقد رأيت في محمد منهما كل ما يملأ القلب بالمحبة السامية.

قلت: والمسيح !؟.. ألم تكن مسيحيا؟

قال: بلى.. ولا أرى أن حبي للمسيح يغني عن حبي لمحمد.. ذلك أني لم أصل للمسيح إلا بعد أن وصلت لمحمد.

قلت: كيف تقول ذلك، ومحمد جاء بعد المسيح.

قال: لقد عرض للمسيح قطاع طرق كثيرون شوهوه.. ولم يعد للمسيح جماله ولا كماله غير محمد.

قلت: فكيف تعلمت العربية.. وعلى من تعلمتها؟

قال: علمتني المحبة.. لقد جعلتني تلك العيون الصادقة أتعلم من غير معلم.

قلت: لقد رأيتك تردد أشعارا بليغة.

قال: تلك الأشعار من تلك المجالس.. لقد كنت جالسا في أحد تلك المجالس الآن.

قلت: أنت هنا الآن.

قال: أنا لم أخرج من هناك.. ويستحيل على قلبي أن يفارق مواطن الأحبة.

قلت: ونعجاتك؟

قال: هي لا تشغلني.. بل لو اجتمع الخلق جميعا على أن يشغلوني فلن يشغلوني.

قال ذلك، ثم انصرف إلى نعحاته، وهو يشدو بقول الشاعر:

 

دارُ الحبيبِ أحقُّ أن تهواها
 

وتَََحِنُّ من طربٍ إلى ذِكراها
  

وعلى الجفونِ إذا هممتَ بزورَةٍ
 

يا ابن الكرامِ عليك أن تغشاها
  

فلأنتَ أنتَ إذا حللت بطيبةٍ
 

وظللتَ ترتعُ في ظِلال رُباها
  

مغنى الجمال من الخواطرِ والتي
 

سلبت ْ قلوبَ العاشقين حلاها
  

لا تحسبِ المِسكَ الذَكيّ كتُربها
 

هيهاتَ أين المسكُ من رياها
  

طابت فان تبغي لطيبٍ يا فتى
 

فأدم على الساعات لثم ثراهها
  

وابشر ففي الخبر الصحيح تقررا
 

إن الإله بطيبة سماها
  

واختصها بالطيبين لطيبها
 

واختارها ودعا إلى سكناها
  

لا كالمدينةِ منزلٌ وكفى بها
 

شَرفاً حلول محمدٍ بفِناها
  

خُصت بهجرةِ خيرِ من وطئ
 

الثرى وأجلهم قدراً وأعظمِ جاها
  

كُل البلادِ إذا ذُكرنَ كأحرفٍ
 

في إسم المدينةِ لا خَلا مَعناها
  

حاشا مُسمى القدسِ فهي قريبةٌ
 

منها ومكة إنها إياها
  

لا فرقَ إلا أن ثَمَّ لطيفةً
 

مهما بدت يجلو الظلام سَناها
  

جَزمَ الجميعُ بأن خير الأراضِي ما
 

قد حاز ذات المصطفى وحواها
  

ونعم لقد صدقوا بِساكِنها عَلَتْ
 

كالنفسِ حينَ زَكَت زكا مأواها
  

وبهذه ظهرت مزيةٌُ طيبةٍ
 

فغدت وكل الفضل في معناها
  

حتى لقد خُصت بهجرة حِبِّهِ
 

الله شرفها بِهِ وحَباها
  

ما بين قبرٍ للنبي ومنبرٍ
 

حيا الإلهُ رسولَه وسقاها
  

هذي محاسِنها فهلل من عاشقٍ
 

كَلِفٍ شَجِيٍّ ناحلٍ بنواها
  

إني لأرهبُ من توقع بينها
 

فيظل قلبي مُجعاً أواها
  

ولقلما أبصرتُ حال مودعٍ
 

إلا رثت نفسي لَهُ وشَجاها
  

فلكم أراكم قافلين جماعةً
 

في إثر أُخرى طالبين سِواها
  

قَسَماً لقد أكسى فؤادي بينكم
 

جَزعاً وفجرَ مُقلتي مِياها
  

إن كان يُزعجكم طِلابُ فضيلةٍ
 

فالخير أجمعُهُ لَدى مَثواها
  

أو خِفتموا ضُراً بِها فتأملوا
 

بركاتِ بُقعتها فما أزكاها
  

أُفٍ لمن يبغي الكثيرَ لشهوةٍ
 

ورفاهةٍ لم يدرِ ما عقباها
  

فالعيشُ ما يكفي وليس الذي
 

يُطغِي النفوسَ إلى خَسيس مُناها
  

يا رب أسأل مِنك فضلَ قناعةٍ
 

بيسيرِها وتحصنها بِجِماها
  

ورضاكَ عني دائماً ولُزومها
 

حتى تُافي مُهجتي أُخراها
  

فأنا الذي أعطيتُ نفسي سُؤلها
 

فقبلتُ دعواها فيا بُشراها
  

بجوارِ أوفى العالمين بذمةٍ
 

وأعز من بالقرب منه يُباهى
  

من جاء بالآيات والنورِ الذي
 

داوى القلوب من العَمى فَشفاها
  

أولى الأنامِ بخطة الشرفِ التي
 

تدعى الوسيلة خير من يُعطاها
  

إنسانُ عين الكونِ شرفِ التي
 

تدعى الوسيلة خير من يُعطاها
  

إنسانُ عين الكونِ شرفَ جود
 

يس أكسيرُ المحامِدِ طاها
  

حسبي فلستُ أفي ببعضِ صِفاته
 

لو أن لي عدد الورى أفواها
  

كثرت محاسنه فأعجز حصرها
 

فغدت وما تلقى لها أشباها
  

سالت دموع حارة من عيني البابا، وهو يحدثني عن قصة هذا الراعي، فقلت: أرى أن هذا الراعي قد أثر فيك أيما تأثير؟

قال: أجل.. في ذلك المساء سطرت في هذا الكراس أول اسم من أسماء الصدق.. وفي ذلك اليوم عنونت هذا الدفتر بهذا العنوان، وقد كنت أحسب أني سأضع دفاتر أخرى لشخصيات أخرى.. ولكني كلما هممت بذلك انصرفت إلى محمد.

قلت: أراك وضعت في هذا الفصل أسماء كثيرة؟

قال: كل هؤلاء من العامة البسطاء الذين أتيح لي أن ألتقي بهم، وأحادثهم عن سر إقبالهم على محمد ودين محمد.

قلت: كيف أتيح لك ذلك؟

قال: لقد لاحظت مراكز الدراسات المختلفة ـ والتي تزود الفاتيكان بما يحتاجه من معلومات ـ الإقبال الشديد على الإسلام رغم التشويهات الكثيرة التي تناله من وسائل الإعلام، وقد دفع ذلك الكنيسة إلى تكليفي بالبحث عن هؤلاء المسلمين الجدد والتحاور معهم لنعرف سر الإقبال الشديد على الإسلام.

قلت: لقد أتيحت لك فرصة عظيمة إذن؟

قال: أجل.. لقد كانت هذه فرصة لا تعوض.. فقد أتيح لي أن ألتقي بأكبر عدد من المسلمين الجدد، والذين فتحوا لي قلوبهم، وحدثوني بكل إخلاص عن رحلتهم إلى الإسلام [1].

قلت: في أي بلد تمكنت من لقائهم؟

قال: في بلاد كثيرة .. فأنت تعلم سخاء الكنيسة.

قلت: فقد استغللت سخاء الكنيسة إذن؟

قال: لا.. لقد كنت صادقا معها.. ولكن صدقي مع الحق كان أعظم من صدقي معها، فلذلك انشغلت بالبحث عن أسرار الصدق عن البحث الذي طلبته مني الكنيسة، وأحسبني قد عملت بإخلاص، ولم أتقاض على ذلك إلا ما هو حق لي.

قلت: لم أفهم.

قال: لقد أريد من تلك الأموال التي صرفت على رحلاتي أن أسمع الحقائق من أهلها، وأنقلها بكل صدق وموضوعية، وأحسبني لم أفعل إلا ذلك.

الفتى عماد:

قلبت دفتر البابا في هذا الفصل، فرأيت اسم (الفتى عماد)[2]، فسألت البابا عنه، فقال: قصة هذا الفتى مع الإسلام طويلة، ولا يمكنني في هذا المجلس أن أحدثك عنها جميعا، ولهذا سأكتفي باختصارها لك أو ذكر ما تمس إليه الحاجة فقط منها.

قلت: فمن حدثك بها؟

قال: الشاب عماد نفسه.. لقد أتيحت لي فرصة قدمت له فيها ـ بفضل الله ـ بعض الخدمات، وقد ارتاح إلي، وأخبرني عن قصته بتفاصيلها.

قلت: فحدثتني بما وعدتني منها.

قال: لقد بدأ هذا الشاب الطيب الذي أنار الإسلام عقله وقلبه حديثه بحمد الله على نعمة الإسلام، ثم الصلاة على النبي r الذي جعله الله واسطة لتلك النعمة، ثم أخذ يحدثني عن أسرته قبل الإسلام وبعد الإسلام، فقال: كانت أسرتي تتكون مني وأختي وأمي وأبي.. أربعة أفراد فقط وكانت أسرة نصرانية متدينة تواظب على دروس الكنيسة وتؤدي العبادات النصرانية بانتظام، وكنت أختلف إلى دروس الكنيسة مع أسرتي وكنت أواظب على أداء الصلوات، وكان والدي يعمل في تجارة الحبوب، وكنت منذ صباي ألازمه في متجر الحبوب الذي كان ملكًا للعائلة الكبيرة التي تتكون من الجد والجدة والأعمام والعمات، وكانت لي مكانة مميزة لدى الجد والجدة برغم وجود أبناء العائلة وأولاد الأعمام، وكنت الأثير لديهم، وكنت سعيدًا بهذه المكانة التي ميزتني عن أفراد العائلة وأبناء العم حتى إن الجد كان يفاخر دائما أبناء العم بذكائي ومهارتي في التجارة برغم حداثة سني حينذاك مما كان يغيظ أبناء أعمامي جدًا، وحتى عمي الذي لم يرزق أولادًا كان يبدي إعجابه بي ويقول: ( إنني أعتبرك مثل ابني، وأنا على يقين بأن والدك لا يعرف قيمتك مثلي )

والحمد لله رب العالمين كنت ماهرًا في التجارة ماهرًا في التعامل مع الناس حتى اشتهرت بالدقة في الميزان وحسن التعامل مع المشترين، الأمر الذي حببهم في متجرنا وكان لي أسلوبي اللطيف الطيب في المعاملة مما فطرت به ونشأت عليه، والحمد لله كنت بأسلوبي ذلك متمشيًا مع أدب الإسلام الذي جعل الدين المعاملة والكلمة الطيبة صدقة والابتسامة في وجوه الناس صدقة، وكنت سعيدًا بهذا التقدير أيما سعادة..

وقد كان أول ما هداني الله به إلى الإسلام أمي.

قلت: أكانت أمه مسلمة؟

قال: لا.. ولكنها كانت سبب دخوله الإسلام.. لقد ذكر لي هذا الشاب الفاضل أنه شعر بتوجه أمه نحو الإسلام وميلها إليه، وقد اكتشف ذلك من خلال تعلقها بدرس التفسير الأسبوعي للشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - فيقول:( لاحظت أن لحديث الشيخ الشعراوي الأسبوعي أثرًا أشبه بالرعد في آذان المتعصبين من النصارى، وساعة الحديث الأسبوعي ساعة نحس عندهم، وتمثل عبئًا نفسيًا ومعاناة لهم، بيد أن الأمر كان مختلفًا مع أمي كل الاختلاف حيث كنت أراها تفتح التلفاز وتشاهد درس الشيخ الشعراوي الأسبوعي يوم الجمعة فأسألها دهشا: ماذا تصنعين ؟! فتجيب قائلة: أتابع هذا الشيخ لأنظر ماذا يقول؟ وأسمعه ربما يخرف!.. ولم أكن أدري أن ردها عليّ وقتها كان من باب التمويه حتى لا أخبر أبي[3]!

وهناك برنامج آخر كانت تتابعه أمي، وهو برنامج (ندوة للرأي) أراها تشاهده، فلما أنكر عليها ذلك مستفسرًا ترد قائلة: أشاهد وأسمع لأرى ما يقوله هؤلاء العلماء عن النصرانية والنصارى!فأسمع جوابها دون تعليق.. وأواصل مراقبتها، وكانت أمي سمحة المعاملة لطيفة المعشر، وكادت في معاملتها تبدو أقرب للإسلام والمسلمين، حتى أن أحد القساوسة سبّها ذات مرة، لأنها قالت أمامه: (والنبي) على طريقة العامة من المسلمين في مصر، فسبّها القس ونهرها قائلاً لها: أي نبي ذلك الذي تقصدين ؟! وعنفها حتى سالت الدموع من عينها.

ولما فكرت أمي في الإسلام، استدعتني ذات مرة وقالت لي: تعال يا عماد أنت ابني الوحيد ولن أجد أحدًا يسترني غيرك! فقلت لها خيرًا يا أمي، فقالت: أنت ابني الكبير وأنا مهما كانت الأمور وفي كل الأحوال أمك.. ومن المستحيل أن تتخلى عني أو ترميني في التهلكة، فقلت لها: نعم يا أمي. فقالت: ماذا تفعل لو أن أهلك قالوا عني كلامًا سيئًا ورموني بتهم باطلة ؟! فقلت لها: ولم يفعلون ذلك وهم جميعا يحبونك. قالت: ماذا تفعل لو حاولوا قتلي والتخلص مني؟فقلت لها: كيف ذلك؟ولم يحاولون قتلك وهم يحبونك ؟! قالت: ماذا تفعل لو صرت مسلمة؟هل ستحاربني مثلما الحال مع أبيك وأعمامك وأخوالك وأقاربك ؟! فكانت إجابتي لها: الأم هي الأم، وأنت أمي في كل الأحوال.

قلت ذلك.. ولكن نفسي كانت ممتلئة بالمخاوف عليها، وقوّى ذلك لدي كثرة مشاجرتها مع أبي في شأن رغبتها في اعتناق الإسلام.. وكان أبي يغضب من تهديدها بترك النصرانية ويتحداها أن تعتنق الإسلام.

وذات يوم عدت إلى المنزل قادمًا من المدرسة، فلم أجد أمي، فأخذت أسأل عنها في كل مكان يمكن أن تذهب إليه … وكانت الصدمة أني وجدت أنها أعلنت إسلامها أمام الجهات المسؤولة، وأنها لن تعود إلى البيت أبدًا..

لقد جن جنون العائلة كلها وفقدت توازنها وصارت تقول في الإسلام والمسلمين كل ما يمكن أن يقال من ألفاظ السباب واللعن والتهديد والوعيد وصار الجميع من أخوال وأعمام فضلاً عن الأب في حالة عصبية انفعالية في الكلام والسلوك فهم غاضبون من كل شئ ومن أي شئ …

وكنت أستمع إلى الشتائم توجه إلى أمي من الأقارب والأخوال والأعمام، فمن قائل: إنها كانت تشبه المسلمين في كذا وكذا، وهذا الخال يوجه كلامه إلي قائلاً:« انظر كيف تركتكم، وتخلت عنك وعن أختك ؟! انظروا من سوف يرعاكم ويقوم على تربيتكم ؟! ».. أما العم فقد كان يقول كلامًا مشابهاً ويقول موجهاً كلامه لي ولأختي:« ترى لو ذهبت أنت وأختك إليها وتوسلتما إليها وبكيتما بين يديها.. هل ترجع إليكم؟! »

وكان العم يذهب إليها في الجهات المختصة ليوقع الإقرار تلو الإقرار بعدم التعرض لها.. وأحيانًا كان يلقاها ويستعطفها كي تعود إلى ولديها لشدة حاجتهما إليها، ولكن أمي رفضت بشدة بعدما ذاقت حلاوة الإسلام والإيمان وأسلمت لله رب العالمين وتركتنا وديعة عند من لا تضيع عنده الودائع سبحانه هو خير حافظٍ وهو أرحم الراحمين، وأيقنت أن الله سوف يحرسنا بعينه ويرعانا برعايته[4].

قال البابا: ثم أخبرني هذا الفتى عن بعض البلاء الذي تعرض له بسبب إسلام أمه، ثم كيف بدأ يتلقى أنوار الإسلام، فقال: أخذت العنوان وقفلت راجعًا إلى منزلنا أفكر في الأمر، وبعد يومين أو ثلاثة عزمتُ على زيارة أمي على عنوانها الجديد في موعد يسبق يوم الثلاثاء اللاحق لموقف القس السابق في درس الكنيسة، وبلغت مسكن الوالدة وشاء الله أن يكون ذلك مع أذان المغرب.. يا سبحان الله.. وأستمع إلى أذان المغرب وكأني أسمعه لأول مرة برغم سماعي له آلاف المرات ولكن الأذان هذه المرة وقع مغاير تمامًا لما ألفته من قبل.

وتستقبلني أمي أثناء الأذان مرحبةً بي، وأراها وأسمعها تردد الأذان وهي لا تكاد تنتبه لحديثي إليها، وبعد الأذان ذهبت فتطهرت وتوضأت ثم دخلت في صلاتها وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع فكنت لأول مرة أسمع القرآن من أمي، إنها تتلو سورة الإخلاص، وكان لذلك وقع لا يوصف في قلبي وأثر ساحر في نفسي.

إن مشاعري في تلك اللحظة لا أقوى على وصفها، فقد شملني نورٌ ربانيٌ وتملكني شعور غريب تمنيت معه في تلك اللحظة لو جثوت على ركبي وقبلت قدم أمي وهي تصلي، شعرت بشيء ما يغسل قلبي، وداخلني صفاءٌ ونقاءٌ لم أشعر بهما من قبل، أجل إن شعوري في ذلك اليوم لا يمكن وصفه أو التعبير عنه.. إنه روح جديدة تسري في جسدي وعروقي، أحسست بمدى الظلم الذي وقع على أمي من ذلك القس[5] في درس الثلاثاء الماضي، تمنيت لو خنقته لافترائه على أمي دون وجه حق، لماذا يشوه سيرتها؟! أهذا عدل؟ وهل المسيح أمر بذلك ؟!

ولكن الأمر كان عند القوم مختلفًا إن لديهم قاعدة تقول:( ابحث عن الخروف الضال قبل أن تبحث عن أحد الغرباء ليدخل الكنيسة ) والمعنى أنه يجب أن تبحث عن النصراني الذي ابتعد عن عبادة المسيح قبل أن تبحث عن أحد تغريه بعبادة المسيح، ويواصل الفتى تساؤله: لماذا يفتري ذلك القس على أمي؟ويشنع عليها؟ودخلت في صراع مع نفسي، وبعد الصلاة جاءت أمي بالطعام، وعرضت علي أن أتناول الطعام معها، وقالت: هيا لتأكل معي أم أنك تخشى أن تأكل معي ؟! وأنظر بعينين تفيضان بالشوق إليها والإكبار لها، وأطالع في وجهها نوراً ونضارةً لم أعهدهما من قبل، إنها أم جديدة غير التي ألفتها من قبل، إنها مختلفةٌ تمامًا.. ماهذه الوضاءة التي تنور وجهها ؟!! مالذي حدث ؟!.. ماذا حدث لأمي.. لقد عشت معها عمري.. ما الذي جد عليها ؟! ما هذا النور الذي يفيض به وجهها ؟!

وبرغم مشاعري المتناقضة وقتذاك من مشاعر حب الأم وكراهيتها لأنها خانت المسيح بتركها المسيحية.. إلا أني أرى أمي مختلفةً تمامًا أرى في وجهها نورًا وبياضًا وجمالاً لم أعهده في وجهها من قبل.. هل هي نضارة الإسلام؟أم هو نور الإسلام؟... وتناولت معها الطعام وكنا وحدنا لم يشهد هذا اللقاء أحد من أهلي.. ثم ودعت أمي متوجها إلى البيت أعود لأستلقي على سريري وأسترجع أحداث زيارتي لأمي كأنها حلم جميل.. لا أكاد أصدق أن هذا حدث.. ويقترب موعد درس الثلاثاء التالي وأذهب إلى الكنيسة للاستماع إلى محاضرة القس الأسبوعية في يوم الثلاثاء التالي للثلاثاء الذي تعرض فيه لأمي بالتشهير والشتم.

وأعود إلى الكنيسة للاستماع إلى المحاضرة الأسبوعية وفي هذه المرة وخلال المحاضرة تجاوز القس كل الحدود في الإساءة لأمي والتعريض بها وسبها وإهانتها بأقذر الأساليب وبأشنع الافتراءات للدرجة التي زعم فيها أنه تحدث معها في السجن وقد زارها فيه[6]، فأعجبُ لمستوى الكذب والزور والبهتان الذي بلغه القس، وأدهش لمستوى التدني الذي انحدر إليه، وبرغم ما يتمتع به ذلك القس وأمثاله من مكانة روحية كبيرة في نفوس أتباع الكنيسة إلا أني وجدت نفسي لا أحتمل السكوت عليه وعلى وقاحته فاندفعت أصيح في وجهه قائلاً: كفى إلى هذا الحد من فضلك.

وهذا أمر جلل أن يوقف فتى في سن المراهقة مثلي القس المحاضر في الجمهور وهو الأب الروحي للكنيسة وروادها، ويقاطعه فتى بهذه الجرأة وبهذا الأسلوب الغاضب المهين، ويواصل الفتى كلامه الغاضب للقس قائلاً: انتظر من فضلك.. كفى إلى هذا الحد، توقف!أنت كذاب.

ثم توجهت إلى جمهور الحاضرين قائلاً: يا جماعة، أنا كنت عند أمي (وأقسمت لهم بقسم المسيح عندهم) أني كنت عندها وعندما سمعت أمي الأذان قامت فتطهرت وتوضأت وصلت، منتهى النقاء، والله رأيت في وجهها نضارة..

عندما قلت ذلك لاحظت وجوههم اسودت وكشروا عن أنيابهم عندما سمعوني أتحدث عن أمي بهذه الطريقة وواصلت الحديث قائلاً لهم: والله إن القس لكذاب وأمي ليست في السجن كما يزعم القس، وهاكم العنوان لمن يرغب بزيارتها.. أمي بفضل الله رب العالمين حين سمعتها تقرأ القرآن أمامي كانت تغسلني وتطهرني، فقاطعني القس قائلاً: اسكت يا ولد وإلا سأطردك خارج الكنيسة.

ثم حدثني الفتى عن لجوئه إلى الإنجيل ليبحث فيه عن السكينة والهداية والهدوء فيكتشف أنه محرف، وأن القرآن الكريم هو كتاب الله حقًا، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال: فالإنجيل عندما طالعته وجدته كتابًا كأي كتاب يؤلف في سيرة شخص أو عظيم حيث تطالعك أخبار عن المسيح الذي يأكل والمسيح الذي يشرب والمسيح الذي يموت والمسيح الذي يقوم من الذي يتحدث بهذه الأخبار؟ هل هو الله؟أم هو المسيح ؟! 

إن الإنجيل كتاب كأي كتاب يحكي قصة شخص أكل وشرب ونام، وفعل كذا من المعجزات أو له كذا من المعجزات والخوارق، من المتحدث في كل هذا؟أو من الذي كتب هذه الأخبار بعد وفاة المسيح؟ ولماذا تتعدد الروايات وتختلف وتتناقض أحياناً بتعدد الأناجيل واختلافها، حتى والمسيح على الصليب - كما يزعمون - ينادي: ( إيلي إيلي لماذا؟ شبقتني !)

أي: إلهي إلهي لماذا تركتني وخذلتني ؟! لماذا؟ينادي مَنْ؟وهو من؟وكيف يتخلى الأب عن ابنه وهو يستصرخه ويستنصره ويستنجد بـه ؟! أهذا منطق؟! أسئلة كثيرة رَسمتْ أمامي علامات استفهام كبيرة.

وقد أصاب الفتى الملل من قراءة الإنجيل ـ كما يحكي ـ لأن قراءته الإنجيل ضاعفت من حيرته ولم تجب عن أسئلته، ويمضي الفتى قائلاً: ولكن حرصي على الوصول للحقيقة دفعني لمزيد من المراجعة ومعاودة قراءة الإنجيل مرة أخرى حتى انتهيتُ من قراءته لأصل إلى الاطمئنان النفسي والعقلي والروحي فما وجدت إلا المزيد من الإبهام والغموض، فاشتدت حيرتي حتى طالعت في الإنجيل قول السيد المسيح: (الحق الحق أقول لكم: إن من يتبع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية)

الله أكبر. الله أكبر إذاً جاءت صريحة وعلى لسان المسيح عبارته تلك التي تؤكد أنه رسول من عند الله، فقوله: ( الحق. الحق ) قسم وقوله: (إن من يتبع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني) تأكيد على أنه رسول من عند الله وقوله: (فله حياة أبدية) أي له الجنة والحياة الخالدة في الجنة.

قلت للبابا: فقد أسلم الفتى بعد هذا إذن؟

قال: أجل.. لقد أسلم.. وأسلمت بعد ذلك عائلته بعد عناء شديد تعرض له، ولكن الله أنقذه بفضله وكرمه كما ينقذ كل صادق ومخلص.

الفتاة سناء:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (سناء)[7]، فسألت البابا عنها، فقال: هذه فتاة هداها الله للإسلام، وقد التقيت بها في مصر، وكان مما ذكرته لي قولها: نشأت كأي فتاة نصرانية مصرية على التعصب للدين النصراني، وحرص والداي على اصطحابي معهما إلى الكنيسة صباح كل يوم أحد لأقبل يد القس، وأتلو خلفه التراتيل الكنسية، وأستمع إليه وهو يخاطب الجمع ملقنا إياهم عقيدة التثليث، ومؤكدا عليهم بأغلظ الأيمان أن غير المسيحيين مهما فعلوا من خير فهم مغضوب عليهم من الرب، لأنهم ـ حسب زعمه ـ كفرة ملاحدة.

كنت أستمع إلى أقوال القس دون أن أستوعبها، شأني شأن غيري من الأطفال، وحينما أخرج من الكنيسة أهرع إلى صديقتي المسلمة لألعب معها، فالطفولة لا تعرف الحقد الذي يزرعه القسيس في قلوب الناس.

كبرت قليلا، ودخلت المدرسة، وبدأت بتكوين صداقات مع زميلاتي في مدرستي الكائنة بمحافظة السويس.. وفي المدرسة بدأت عيناي تتفتحان على الخصال الطيبة التي تتحلى بها زميلاتي المسلمات، فهن يعاملنني معاملة الأخت، ولا ينظرن إلى اختلاف ديني عن دينهن ـ وقد فهمت فيما بعد أن القرآن الكريم حث على معاملة الكفار غير المحاربين معاملة طيبة طمعا في إسلامهم وإنقاذهم من الكفر، كما قال ':﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)

إحدى زميلاتي المسلمات ربطتني بها على وجه الخصوص صداقة متينة، فكنت لا أفارقها إلا في حصص التربية الدينية، إذ كنت ـ كما جرى النظام أدرس مع طالبات المدرسة النصرانيات مبادئ الدين النصراني على يد معلمة نصرانية ـ  كنت أريد أن أسأل معلمتي كيف يمكن أن يكون المسلمون ـ حسب افتراضات المسيحيين ـ غير مؤمنين، وهم على مثل هذا الخلق الكريم وطيب المعشر؟ لكني لم أجرؤ على السؤال خشية إغضاب المعلمة حتى تجرأت يوما وسألت، فجاء سؤالي مفاجأة للمعلمة التي حاولت كظم غيظها، وافتعلت ابتسامة صفراء رسمتها على شفتيها وخاطبتني قائلة:« إنك ما زلت صغيرة ولم تفهمي الدنيا بعد، فلا تجعلي هذه المظاهر البسيطة تخدعك عن حقيقة المسلمين كما نعرفها نحن الكبار »

صمت على مضض على الرغم من رفضي لإجابتها غير الموضوعية، وغير المنطقية.

وتنتقل أسرة أعز صديقاتي إلى القاهرة، ويومها بكينا لألم الفراق، وتبادلنا الهدايا والتذكارات، ولم تجد صديقتي المسلمة هدية تعبر بها عن عمق وقوة صداقتها لي سوى مصحف شريف في علبة قطيفة أنيقة صغيرة، قدمتها لي قائلة:« لقد فكرت في هدية غالية لأعطيك إياها ذكرى صداقة وعمر عشناه سويا فلم أجد إلاهذا المصحف الشريف الذي يحتوي على كلام الله ».. تقبلت هدية صديقتي المسلمة شاكرة فرحة، وحرصت على إخفائها عن أعين أسرتي التي ما كانت لتقبل أن تحمل ابنتهم المصحف الشريف.

وبعد أن رحلت صديقتي المسلمة، كنت كلما تناهى إلي صوت المؤذن، مناديا للصلاة، وداعيا المسلمين إلى المساجد، أعمد إلى إخراج هدية صديقتي وأقبلها وأنا أنظر حولي متوجسة أن يفاجأني أحد أفراد الأسرة، فيحدث لي مالا تحمد عقباه.

ومرت الأيام وتزوجت من شماس كنيسة العذارء مريم، ومع متعلقاتي الشخصية، حملت هدية صديقتي المسلمة (المصحف الشريف)، وأخفيته بعيدا عن عيني زوجي، الذي عشت معه كأي امرأة شرقية وفية ومخلصة وأنجبت منه ثلاثة أطفال، وتوظفت في ديوان عام المحافظة، وهناك التقيت بزميلات مسلمات متحجبات، ذكرنني بصديقتي الأثيرة، وكنت كلما علا صوت الأذان من المسجد المجاور، يتملكني إحساس خفي يخفق له قلبي، دون أن أدري لذلك سببا محددا، إذ كنت لا أزال غير مسلمة، ومتزوجة من شخص ينتمي إلى الكنيسة بوظيفة يقتات منها، ومن مالها يطعم أسرته.

وبمرور الوقت، وبمحاورة زميلات وجارات مسلمات على دين وخلق بدأت أفكر في حقيقة الإسلام والمسيحية، وأوازن بين ما أسمعه في الكنيسة عن الإسلام والمسلمين، وبين ما أراه وألمسه بنفسي، وهو ما يتناقض مع أقوال القسس والمتعصبين النصارى.

بدأت أحاول التعرف على حقيقة الإسلام، وأنتهز فرصة غياب زوجي لأستمع إلى أحاديث المشايخ عبر الإذاعة والتلفاز، لعلي أجد الجواب الشافي لما يعتمل في صدري من تساؤلات حيرى، وجذبتني تلاوة الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد للقرآن الكريم، وأحسست وأنا أستمع إلى تسجيلاتهم عبر المذياع أن ما يرتلانه لا يمكن أن يكون كلام بشر، بل هو وحي إلهي.

وعمدت يوما أثناء وجود زوجي في الكنيسة إلى دولابي، وبيد مرتعشة أخرجت كنزي الغالي (المصحف الشريف) وفتحته وأنا مرتبكة، فوقعت عيناي على قوله ':﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران:59) ارتعشت يدي أكثر وصببت وجهي عرقا، وسرت في جسمي قشعريرة، وتعجبت لأني سبق أن استمعت إلى القرآن كثيرا في الشارع والتلفاز والإذاعة، وعند صديقات المسلمات، لكني لم أشعر بمثل هذه القشعريرة التي شعرت بها وأنا أقرأ من المصحف الشريف مباشرة بنفسي.

هممت أن أواصل القراءة إلا أن صوت أزيز مفاتح زوجي، وهو يفتح باب الشقة حال دون ذلك، فأسرعت وأخفيت المصحف الشريف في مكانه الأمين، وهرعت لأستقبل زوجي.

وفي اليوم التالي لهذه الحادثة ذهبت إلى عملي، وفي رأسي ألف سؤال حائر، إذ كانت الآية الكريمة التي قرأتها قد وضعت الحد الفاصل لما كان يؤرقني حول طبيعة عيسى عليه السلام، أهو ابن الله كما يزعم القسيس ـ تعالى الله عما يقولون ـ أم أنه نبي كريم كما يقول القرآن؟ فجاءت الآية لتقطع الشك باليقين، معلنة أن عيسى، عليه السلام، من صلب آدم، فهو إذن ليس ابن الله، فالله تعالى ﴿ :﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)( الاخلاص)

تساءلت في نفسي عن الحل وقد عرفت الحقيقة الخالدة، حقيقة أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) أيمكن أن أشهر إسلامي؟ وما موقف أهلي مني، بل ما موقف زوجي ومصير أبنائي؟ طافت بي كل هذه التساؤلات وغيرها وأنا جالسة على مكتبي أحاول أن أؤدي عملي لكني لم أستطع، فالتفكير كاد يقتلني، واتخاذ الخطوة الأولى أرى أنها ستعرضني لأخطار جمة أقلها قتلي بواسطة الأهل أو الزوج والكنيسة.

ولأسابيع ظللت مع نفسي بين دهشة زميلاتي اللاتي لم يصارحنني بشيء، إذ تعودنني عاملة نشيطة، لكنني من ذلك اليوم لم أعد أستطيع أن أنجز عملا إلا بشق الأنفس.

وجاء اليوم الموعود، اليوم الذي تخلصت فيه من كل شك وخوف وانتقلت فيه من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فبينما كنت جالسة ساهمة الفكر، شاردة الذهن، أفكر فيما عقدت العزم عليه، تناهي إلى سمعي صوت الأذان من المسجد القريب داعيا المسلمين إلى لقاء ربهم وأداء صلاة الظهر، تغلغل صوت الأذان داخل نفسي، فشعرت بالراحة النفسية التي أبحث عنها، وأحسست بضخامة ذنبي لبقائي على الكفر على الرغم من عظمة نداء الإيمان الذي كان يسري في كل جوانحي، فوقفت بلا مقدمات لأهتف بصوت عال بين ذهول زميلاتي: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله)، فاقبل علي زميلاتي وقد تحيرن من ذهولهن، مهنئات باكيات بكاء الفرح، وانخرطت أنا أيضا معهن في البكاء، سائلة الله أن يغفر لي ما مضى من حياتي، وأن يرضى عني في حياتي الجديدة.

كان طبيعيا أن ينتشر خبر إسلامي في ديوان المحافظة، وأن يصل إلى أسماع زملائي وزميلاتي النصارى، اللواتي تكفلن ـ بسبب سخطهن ـ بسرعة إيصاله إلى أسرتي وزوجي، وبدأن يرددن عني مدعين أن وراء القرار أسباب لا تخفى.

لم آبه لأقوالهن الحاقدة، فالأمر الأكثر أهمية عندي من تلك التخرصات: أن أشهر إسلامي بصورة رسمية، كي يصبح إسلامي علنا، وبالفعل توجهت إلى مديرية الأمن حيث أنهيت الإجراءات اللازمة لإشهار إسلامي.

وعدت إلى بيتي لأكتشف أن زوجي ما إن علم بالخبر حتى جاء بأقاربه وأحرق جميع ملابسي، واستولى على ما كان لدي من مجوهرات ومال وأثاث، فلم يؤلمني ذلك، وإنما تألمت لخطف أطفالي من قبل زوجي ليتخذ منهم وسيلة للضغط علي للعودة إلى ظلام الكفر.. آلمني مصير أولادي، وخفت عليهم أن يتربوا بين جدران الكنائس على عقيدة التثليث، ويكون مصيرهم كأبيهم في سقر.. رفعت ما اعتمل في نفسي بالدعاء إلى الله أن يعيد إلي أبنائي لتربيتهم تربية إسلامية، فاستجاب الله دعائي، إذ تطوع عدد من المسلمين بإرشادي للحصول على حكم قضائي بحضانة الأطفال باعتبارهم مسلمين، فذهبت إلى المحكمة ومعي شهادة إشهار إسلامي، فوقفت المحكمة مع الحق، فخيرت زوجي بين الدخول في الإسلام أو التفريق بينه وبيني، فقد أصبحت بدخولي في الإسلام لا أحل لغير مسلم، فأبى واستكبر أن يدخل في دين الحق، فحكمت المحكمة بالتفريق بيني وبينه، وقضت بحقي في حضانة أطفالي باعتبارهم مسلمين، لكونهم لم يبلغوا الحلم، ومن ثم يلحقون بالمسلم من الوالدين.

حسبتُ أن مشكلاتي قد انتهت عند هذا الحد، لكني فوجئت بمطاردة زوجي وأهلي أيضا، بالإشاعات والأقاويل بهدف تحطيم معنويات ونفسيتي، وقاطعتني الأسر النصرانية التي كنت أعرفها، وزادت على ذلك بأن سعت هذه الأسر إلى بث الإشاعات حولي بهدف تلويث سمعتي، وتخويف الأسر المسلمة من مساعدتي لقطع صلتهن بي.

وبالرغم من كل المضايقات ظللت قوية متماسكة، مستمسكة بإيماني، رافضة كل المحاولات الرامية إلى ردتي عن دين الحق، ورفعت يدي بالدعاء إلى مالك الأرض والسماء، أن يمنحني القوة لأصمد في وجه كل ما يشاع حولي، وأن يفرج كربي، فاستجاب الله دعائي وهو القريب المجيب، وجاءني الفرج من خلال أرملة مسلمة، فقيرة المال، غنية النفس، لها أربع بنات يتامى وابن وحيد بعد وفاة زوجها، تأثرت هذه الأرملة المسلمة للظروف النفسية التي أحياها، وتملكها الإعجاب والإكبار لصمودي، فعرضت علي أن تزوجني بابنها الوحيد (محمد) لأعيش وأطفالي معها ومع بناتها الأربع، وبعد تفكير لم يدم طويلا وافقت، وتزوجت محمدا ابن الأرملة المسلمة الطيبة.

وأنا الآن أعيش مع زوجي المسلم (محمد) وأولادي، وأهل الزوج في سعادة ورضا وراحة بال، على الرغم مما نعانيه من شظف العيش، وما نلاقيه من حقد زوجي السابق، ومعاملة أسرتي المسيحية، ولا أزال بالرغم مما فعلته عائلتي معي أدعو الله أن يهديهم إلى دين الحق ويشملهم برحمته مثلما هداني وشملني برحمته، وما ذلك علي الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعزيز.

سوسن هندي:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (سوسن هندي)، فسألت البابا عنه، فقال: لقد التقيتها مع سناء.. وقد حدثتني عن قصة إسلامها، فقالت: نشأت في أسرة مسيحية وكنت الابنة الوحيدة بين أربعة أشقاء من الذكور، ولذا كنت مدللة للغاية، وتعلقت بالإسلام منذ الصغر قبل أن أصل لمرحلة التفكير، ففي المرحلة الابتدائية كنت المسيحية الوحيدة في الفصل إلى جانب مسيحي آخر، وكنت أحرص على حضور درس الدين الإسلامي مع زميلاتي، وكان مدرس اللغة العربية بأسلوبه المحبب إلينا وشرحه المبسط يأسرني بما يرويه عن الإسلام.

وفي المرحلة الإعدادية كنت أحرص على استعارة كتاب الدين الإسلامي المقرر، وبي شغف شديد لاستيعاب كل ما فيه، كذلك كان حالي في المرحلة الثانوية، وكان كتاب ( عبقرية عمر ) للأستاذ محمود العقاد الذي كان مقرراً علينا في المرحلة الثانوية، نقطة تحول في تفكيري.

سكتت قليلا، ثم قالت: رغم تشبث أبي بمسيحيته وتردده على الكنيسة إلا أن مكتبته الخاصة بمنزلنا بها عدد كبير من الكتب الإسلامية، وكنت أتسلل إلى المكتبة في غيبته لأشبع نهمي للاطلاع المجرد بلا هدف، وبالتدريج تكونت لدي الرغبة في المزيد من البحث عن المجهول بالنسبة لي من أجل العلم والمعرفة.

في هذه المرحلة كنت مسيحية شديدة التعصب مواظبة على التردد على الكنيسة، وكنت أشعر بالغيرة على عقيدتي، وهي تتضاءل أمام الإسلام، وكنت أتمنى أن أرى ـ وقتها ـ في عقيدتي المسيحية من القيم والمبادئ القويمة في العقيدة والشريعة والسلوك ما هو موجود في الإسلام، وكان كل همي أن أستوعب (عبقرية عمر) المقرر علينا رغبة في الحصول على درجة كبيرة في اللغة العربية التي أعشقها، وحتى يتسنى لي الالتحاق بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، ولم أكن أدري أن هذا القسم لا يلتحق به إلا المسلم أو المسلمة، وشخصية عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أذهلتني، وقد كان عليًّ ـ رضي الله عنه ـ محقاً عندما قال:« عقمت الأمهات أن يلدن مثل عمر »

لقد أرسى أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ الدولة المسلمة سياسياً لكن عمر أرساها سياسياً وفكرياً معاً.

لم تكن أسرتي تشعر بشيء، بل كان والدي لا يرى مانعاً من مطالعتي للكتب الإسلامية لزيادة المعلومات لا أكثر، وكان هناك إنسان واحد يحس بي وبحيرتي، قس شاب متفتح حر التفكير، كان يقول لي:( أنت ملزمة بما ترين، ولست بملزمة بنصوص الإنجيل التي تقلقك، إني أراك باحثة عن الحقيقة)

وعندما علم بحزني لعدم التحاقي بقسم اللغة العربية، أشار علي بقسم التاريخ، وقال لي:( ستجدين في التاريخ ما تبحثين عنه )، وكان هذا القس يحمل ليسانس آداب قسم تاريخ.

توفي القس، وكم حزنت على وفاته، فلم أشك لحظة واحدة في أنه مؤمن يكتم إيمانه، وزاد حزني أن القس الذي حل محله، كان على عكسه تماماً، وكان يضيق بمحاورتي له، وما أكثر ما قال لي: إنك تفسدين زميلاتك الشابات في الكنيسة.

فقدت الثقة في الإنجيل وعندما التحقت بالجامعة.. حملت معي فكراً قلقاً بالنسبة لمسيحيتي وفقدت الثقة في الأناجيل وشروحها الكثيرة، ولكنها على طرفي نقيض، ولكن لا أكتمك سراً حين أقول: إن الإنجيل كان عاملاً مساعداً لي على إشهار إسلامي وطالما وضعته أمام القرآن الكريم في إطار المقارنة فأحسست بأن لا وجه للمقارنة.

كان الحوار بيني وبين الشباب المسلم داخل الجامعة على أشده ولكن بروح سمحة، وما أن ينتهي الحوار حتى نعود أصدقاء، وفي السنة الأخيرة قررت أن يكون حواري مع أستاذ بالكلية، هذا الأستاذ كان على بينة من دينه في غير تعصب.

وقبل امتحان السنة النهائية، فاجأت الأستاذ بعزمي على الدخول في الإسلام عن اقتناع تام، ودهشت عندما طلب مني أن أتريث حتى أنتهي من الامتحان، لكني أصررت على موقفي.

وغادرت منزلي لأعيش في ضيافة أسرة إحدى زميلاتي حتى استطعت إشهار إسلامي، حينها جن جنون أسرتي التي فقدت كل أمل في أن أعود إليها، وأبلغوا عني أنني مخطوفة، ولكنني ذهبت إلى الأجهزة المختصة وكتبت إقراراً بأنني لست مختطفة.

بعدها تزوجت شاباً مسلماً ملتزماً من الذين كنت أحاورهم في الجامعة ولم تتعد أو تتجاوز علاقتي به حدود الحوار، ولكن ما إن علم بإعلان إسلامي حتى بادر بالتقدم لخطبتي وقبلت على الفور، وكنت أعرف فيه دماثة الخلق وهدوء الطبع بالإضافة إلى استقامته والتزامه بدينه، قد رحبت أسرته بي ترحيباً شديداً وأحسست بأنني في أمان بين هذه الأسرة المؤمنة، وحاولت وكنت أود أن تكون هناك صلة بيني وبين أسرتي.. فالله سبحانه وتعالـى يقول في محكم التنزيل:﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان:15)

حاولت أن أكون على هذا المثال ولكن بلا جدوى،وقد رأى زوجي أن أبدأهما بالزيارة، وبالفعل قمت بزيارة أبي إلا أنه رفض هذه الزيارة، ونصحني بعدم زيارة أمي وأخوتي.

وأخيراً أقول: الحمد لله.. أنا الآن ربة بيت أبحث عن عمل يليق بي حيث أعيش مع زوجي وابنتيّ أسماء وإسراء، وأكتب في بعض المجلات والصحف الدينية، وشغلي الشاغل حالياً أن يظهر أول كتاب لي وهو (قصتي مع الإسلام)

إيفا ماريا:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (إيفا ماريا)، فسألت البابا عنه، فقال: هذه سيدة ألمانية، وقد التقيت بها في بلدي ألمانيا، وقد حدثتني عن قصة دخولها الإسلام، فقالت: لقد وجدت بادىء الأمر أن صورة المعبود عند النصارى قريبة جداً منا معشر البشر، وقد أضيفت عليها صفات الإنسان لدرجة لا تجعلها تنطبق على خالق كل شىء، كما أن صورة السيد المسيح عليه السلام التى يجمع فيها بين الإنسان وصفة الخالق، هذه الصورة لا يمكن تصديقها أبداً.

إلى جانب ذلك، فقد ورد بخاطرى أن المسيحية ليست إلا علاقة بين الإنسان وربه، ولاشأن لها بأى حال من الأحوال بشئون الناس الاعتيادية كالشئون المالية مثلا أو العمالة أو أى نوع من أنواع التقنين لحياة الناس، أضف إلى ذلك التوجيهات العامة، التى وجدت أنها عسيرة التطبيق، ومن ذلك مبدأ المحبة، محبة الإنسان لأخيه الإنسان، هذا المبدأ لا يمكن أن تطبقه جماهير الناس فى ظل العقيدة النصرانية.

هذه الأفكار التى كانت بخاطرى وقعت إبان الفترة التى تسمى فترة تمرد الطلاب على الرأسمالية، فعندما بحثت هذه القضايا مع زميل مسلم ـ أصبح فيما بعد زوجاً لى ـ وجدت أن الإسلام قد وضع فى اعتباره كل هذه المشكلات، واهتم بها أعظم الاهتمام كمشكلة الاستغلال أو القوانين العامة الديقراطية وغير الديمقراطية ومشكلة المال والإقتصاد وغيرها.. فقد أوجد الإسلام الحلول المناسبة لكافة هذه المشكلات الدنيوية.

وكم كان تأثرى عظيماً حينما علمت أن الإسلام يعترف بالإنسان باعتباره مخلوقاً له روح وجسد فى آن واحد، كما أحببت مبدأ الاتصال المباشر بين الإنسان وخالقه دون أية وساطة من أى نوع بينهما، فقد شعرت أن من اللائق جداً للإنسان أن يخضع لخالقه فقط لا لأى أحد من خلقه.

كذلك شرح لى زميلى المسلم بأنه لا يوجد فى الإسلام أى فصل بين الدين والدولة، فاقتنعت بذلك تماماً، حيث وجدت من الضرورى أن لا يقتصر الإيمان والاعتقاد الدينى على الشئون الشخصية فحسب، بل لابد أن يشمل كافة جوانب الحياة الإنسانية.. وهذه صفة مميزة وخاصية فريدة للدين الإسلامى الحنيف، فهو لا يرفع شعار (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، بل على العكس من ذلك تماماً إذ أن العبادة فى الإسلام لا تقتصر على المساجد، بل تمتد لتشمل الحياة البشرية بأسرها.

سكتت قليلا تسترجع ذكرياتها، ثم قالت: عندما كنت أمر فى هذه المرحلة من تجميع المعلومات والقيام بدراسات دينية صادفت بعض المصاعب والعقبات، وكان عسيراً على نفسى أن أتقبل القيود التى يفرضها الإسلام على المرأة، والتى ظننت خطأ حينذاك أنها تحد من حريتها الشخصية، وهذه على كل حال هى نفس الحرية والتسيب الذى أعتدت أن انتقده فى ديانتى السابقة، وهى حرية يساء فهمها واستخدامها فقد اكتشفت أن الفهم النظرى شىء والتطبيق العلمى شىء آخر تماماً، وأذكر هنا اللباس الإسلامى للمرأة، فقد كان فى البداية مشكلة كبرى بالنسبة لى، وأظن أن هذا ينطبق على معظم السيدات الألمانيات المسلمات، فإلى جانب الإحساس بعدم الارتياح والشعور بالحر الشديد والمرأة فى لباس كامل فى الصيف، فقد كان من العسير على أن أصمد أمام اسئلة التهكم والاحتقار التى كانت توجه لى، وقد استمر ذلك حتى وفقنى الله إلى الرد بإجابات كريمة وردت لى اعتبارى أمام نفسى وأمام الناس، دون أن أحس بأننى قد أوذيت أو أخدش حيائى.

ثم تعرفت على مجموعة من الشابات المسلمات، فكم كان تأثرى عظيماً لما لمسته بين أفرادها من حب وجو أخوى يسود بين الجميع، وهو جو يختلف تماماً عما هو سائد بين أى جماعة عرفتها من قبل، فقد منحنى الانضمام إلى هذه الجماعة الإسلامية إحساساً بالسعادة واليقظة، وهكذا اقتنعت أننى اتخذت القرار الصحيح حين أصبحت مسلمة، وقد كان ذلك الإحساس بمثابة تعويض مناسب لكل ما لقيته من عقبات نتيجة لهذا القرار، ولدينا الآن اجتماع أسبوعى للمرأة المسلمة مع أطفالنا حيث نتعلم المزيد عن ديننا الإسلامى الجديد.

كايسي ستاربك:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (كايسي ستاربك)، فسألت البابا عنه، فقال: هذه سيدة أمريكية، وقد حدثتني عن نفسها، فقالت: إدراكي الأوَّليِّ حول فكرة الخلاص المسيحيَّة جاء بعد تعميدي وأنا في سنٍّ مبكِّرٍ في إحدى الكنائس المعمدانيَّة الجنوبيَّة، فقد عُلِّمْتُ في مدرسة الأحد: (إذا لم تكوني مُعمَّدة، فإنَّك ستذهبين إلى جهنَّم)

حصل تعميدي لأنِّي كنت أُريد إرضاء النَّاس، فقد سألتُ أمِّي عن التعميد ـ حين جاءت إلى غرفتي في إحدى الأُمسيات ـ فشجَّعتني لكي أفعل ذلك، وهكذا قرَّرت في يوم الأحد التالي أن أذهب إلى مُقدِّمة القاعة الكنسيَّة، وخلال التراتيل النِّهائيَّة للموعظة، توجَّهتُ سائرةً إلى الأمام لأُقابل الرَّاهب الشاب.. كانت هناك ابتسامةٌ على وجهة، فحيَّاني، وقعد بجانبي على المقعد الطويل. سألني: لماذا تريدين أن تفعلي هذا؟.. انتظرت بُرهةً ثمَّ قلت: لأنِّي أُحبُّ المسيح، وأنا أعرف أنَّه يحبُّني. وبعد انتهاء هذا التصريح، جاء إليَّ أعضاء الكنيسة وعانقوني.. على أن تكون مراسم الغمر في الماء بعد بضعة أسابيع.

خلال سنيِّ عمري المبكِّرة في الكنيسة ـ وحتى في صفِّ الرَّوضة ـ أذكر أنَّني كنت مُشاركةً في الإيقاع الصَّوتيِّ أثناء دروس مدرسة الأحد. فيما بعد ـ أثناء سنيِّ مراهقتي الأولى ـ كنت عضواً في مجموعة البنات الفتيَّات، والَّتي التقت في الكنيسة من أجل النَّشاطات الأسبوعيَّة، وقامت بالتَّخييم سنويَّاً من أجل الرياضة الروحيَّة. وفي صباي حضرت مخيَّماً مع أعضاءٍ أكبر منِّي سنَّاً من المجموعة الشبابيَّة. وعلى الرغم من أنِّي لم أقض الكثير من الوقت معهم في السابق، إلَّا أنَّهم كانوا يعرفونني كإبنة المنسِّق للشبيبة، أو الفتاة الَّتي تعزف البيانو في المناسبات الكنسيَّة الخاصَّة.

وفي إحدى أُمسيات هذا المخيَّم كان هناك رجلٌ يتحدَّث عن زواجه. تحدَّث عن قصَّة لقائه بزوجه. لقد ترعرع في الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة حيث تُعتبر المُواعدة أمراً طبيعيَّاً، ولكن ـ في تقاليد تلك الفتاة ـ كان بإمكانه فقط أن يلتقي بها برفقة حارسٍ معهما، وبما أنَّه كان مُعجباً بها فقد قرَّر أن يستمرَّ في لقاءها. وكان هناك شرطٌ آخر، وهو أنَّهما لم يكن بإمكانهما أن يلمس أحدهما الآخر حتى يعقدا الخطبة[8].وبعد أن تقدَّم لطلب يدها، سُمح لهما بإمساك الأيدي. كان هذا ممَّا حيَّرني، وما زال يُشعرني بالرَّهبة. فقد كان من الجميل أن أُفكِّر بأنَّ مثل هذا الاكتشاف عن شخصٍ آخرٍ كان يمكن أن يظلَّ سرَّاً حتى تمَّ هذا الاعتراف. ومع أنَّ القصَّة أمتعتني، إلَّا أنَّني لم أكن أظنُّ أبداً أنَّها يمكن أن تتكرَّر.

بعد بضع سنوات، تطلَّق والداي، وتغيَّر دور الدِّين في حياتي. فقد كنت دائماً أنظر إلى عائلتي من خلال عيون طفلة، فكانوا بذلك مِثاليِّيْن. فقد كان والدي شمَّاسا في الكنيسة وذو إحترامٍ كبير، وكان معروفاً من الجميع. وكانت والدتي نشطةً في مجموعات الشبيبة.

عندما غادرت أُمِّي البيت، أخذت دور العناية بأبي وأخويَّ الاثنين. واستمرَّ ذهابنا إلى الكنيسة، ولكن بسبب زيارتنا لأُمِّي في عُطَلِ نهاية الأسبوع، أصبحت زياراتنا للكنيسة أقل. عندما كنَّا في بيت والدي، كنَّا نتجمَّع ليلاً ـ وفي كلِّ ليلةٍ ـ لقراءة الرسالة الأولى إلى مؤمني كورونثوس (1-13) والَّتي تتحدَّث عن المحبَّة والإحسان. وقد كرَّرت القراءة معهم مرَّاتٍ كثيرةٍ جدَّاً حتى حفظتها عن ظهر قلب. فقد كانت تمثِّل نوعاً من الدَّعم المعنويِّ لأبي، على الرغم من أنِّي لم أكن أفهم لماذا.

وفي فترة ثلاث سنواتٍ متتاليةٍ انتقل أخي الأكبر، ثمَّ أخي الأصغر، ثمَّ أنا إلى بيت والدتي. وفي ذلك الوقت لم تعد أُمِّي تذهب إلى الكنيسة، وهكذا وجد أخواي أنَّ الذِّهاب إلى الكنيسة ليس ضروريَّاً. وبانتقالي إلى بيت أُمِّي ـ خلال السَّنة قبل الأخيرة من مرحلة الدِّراسة الثانويَّة ـ أنشأت صداقاتٍ جديدةٍ، واكتشفت طريقةً مختلفةً في الحياة. ففي يومي الدِّراسيِّ الأوَّل تعرَّفت إلى فتاةٍ كانت غايةً في اللطف. وفي اليوم الدِّراسيِّ التالي دعتني لزيارتها في بيتها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لأقابل عائلتها وأزور كنيستها. تقبَّلتني عائلتها على الفور كفتاةٍ طيِّبةٍ وقُدوةٍ حسنةٍ لها. وأيضاً صدمتني المفاجأة من جماعة المصلِّين الَّذين حضروا إلى كنيستها، فعلى الرغم من أنِّي كنت غريبةً عنهم إلَّا أنَّ كلَّ النِّساء والرِّجال حيُّوني بالعناق والقُبَل وجعلوني أشعر بأنِّي في موضع ترحيب.

بعد قضائي المستمرِّ للوقت مع هذه العائلة، وذهابي إلى كنيستهم في عُطَل نهاية الأسبوع، بدأوا يحدِّثونني عن معتقداتهم الخاصَّة في كنيستهم ـ كنيسة المسيح ـ فهذه الطَّائفة تسير على العهد الجديد (أو التطبيق الحرفيِّ لكتابات بولس). فلم يكن لديهم آلاتٌ موسيقيَّةٌ في الكنيسة أثناء الصَّلاة، بل الغناء الصَّوتيُّ فقط؛ ولم يكن هناك وُعَّاظٌ مدفوعي الأجر، بل كان بعض كبار السنِّ يقودون الصَّلاة. ولم يكن يُسمح للنِّساء بالحديث في الكنيسة. ولا يحتفلون بعيد الميلاد، والفصح، وباقي الأعياد. وكان النبيذ والخبز غير المخمَّر يُقدَّمان بالمشاركة كلَّ يوم أحد. وكان التعميد يتمُّ فوراً، وفي اللحظة الَّتي يقرِّر فيها الآثم بأن يصبح مؤمناً. وعلى الرغم من أنِّي كنت أُعتبر مسيحيَّة، إلَّا أنَّ أعضاء كنيسة المسيح كانوا يعتقدون بأنِّي سأذهب إلى جهنَّم إذا لم أتعمَّد مُجدَّداً في كنيستهم وعلى طريقتهم. فكان هذا أوَّل انفجارٍ رئيسيٍّ في نظامي العقائديّ. فهل أنا ترعرت في كنيسةٍ كان كلُّ ما فيها يُعمل بطريقةٍ خاطئة؟! وهل كان يتوجَّب عليَّ حقَّاً أن أتعمَّد مرَّةً أخرى؟!

عند هذه النقطة كان لي نقاشٌ مع أُمِّي حول العقيدة. حدَّثتها عن ارتباكي، وأنَّني فقط أحتاج إلى من يوضح لي الأمور. وأصبحت ناقدةً للطُّقوس الدِّينيَّة في كلِّ الكنائس، لأنَّ الوعَّاظ يحكون لنا القصص فقط، ولا يُركِّزون على الإنجيل. ولم يكن باستطاعتي أن أفهم: إذا كان الإنجيل مهمَّاً جدَّاً، فلماذا لا يُقرأ لوحده في الصَّلاة الكنسيَّة؟

ومع أنِّي فكَّرت بالتعميد كلَّ يوم أحد، ولفترةٍ تُقارب السنتين، إلَّا أنَّني لم أستطع أن أتقدَّم للتعميد. كنت أُصلِّي لله تعالى ليدفعني للأمام إن كان فعل ذلك صائباً، ولكنَّ هذا لم يحدث أبداً.

في السَّنة التالية، ذهبت إلى الكليَّة وأصبحت منفصلةً عن كلِّ الكنائس، كإنسانٍ يبدأ من جديد. في بعض أيَّام الآحاد كنت أزور بعض الكنائس مع الأصدقاء، فقط لأشعر بلحظات نقدٍ للطُّقوس الدينيَّة. حاولت الانضمام إلى الجمعيَّة الطلَّابيَّة المعمدانيَّة، ولكنِّي شعرت بأنَّ الأشياء خاطئةٌ هناك أيضاً. فقد جئت إلى الكليَّة مُعتقدةً بأنِّي سأجد شيئاً يشبه كنيسة المسيح، ولكنَّ مثل ذلك لم يوجد. وعندما كان يصادف وأعود إلى منزل والدتي أيَّام العُطَل الأسبوعيَّة، كنت أزور الكنيسة لكي أحصل على شعورٍ فوريٍّ بالمشاركة الاجتماعيَّة والترحيب.

في سنتي الثانية في الكليَّة أمضيت أيَّام الآحاد بالغناء في الجَوْقة الموسيقيَّة لكنيسة (ويك فوريست)، لأنِّي كنت أكسب مبلغاً جيِّداً من المال. ومع أنِّي لم أكن أُومن بمعتقدات الكنيسة، إلَّا أنِّي كنت أحتمل الطُّقوس الدينيَّة لأجني المال.

وفي شهر تشرين الأول من هذه السَّنة قابلت مسلماً كان يسكن في سكن الطلَّاب الَّذي كنت أسكن فيه. كان شخصاً لطيفاً، وكان دائماً يبدو مُتأمِّلاً أو غارقاً في تفكيرٍ عميق.

وفي إحدى الأمسيات قضيت كلَّ الأمسية سائلةً إيَّاه بعض الأسئلة الفسلفيَّة حول الإيمان والدِّين. فتحدَّث عن إيمانه كمسلمٍ شيعيٍّ إماميٍّ إسماعيليّ، وعلى الرغم من أنَّ أفكاره لم تمثِّل تماماً طائفته الإسلاميَّة (حيث أنَّه كان أيضاً مُرتبكاً وباحثاً عن بعض الإجابات)، إلَّا أنَّ تصريحاته الأساسيَّة جعلتني أتساءل عن معتقداتي الخاصَّة: فهل نحن لأنَّنا وُلدنا في هذا الدِّين، فإنَّ ذلك يتضمَّن بأنَّه هو الدِّين الصَّحيح؟ ويوماً بعد يوم كنت ألقاه وأسأله الكثير من الأسئلة -راغبةً في نفس المستوى من التعامل معه، كما حصل حين التقينا لأوَّل مرَّة- ولكنَّه لم يعد يجيب على أسئلتي، أو يوافق الاحتياجات الروحيَّة الَّتي كانت لديّ.

في الصَّيف التالي، عملت في إحدى المكتبات، وكنت ألتهم أيَّ كتابٍ استطعت إيجاده عن الإسلام. ثم قدَّمت نفسي لمسلمٍ آخر في الحرم الجامعيِّ، وبدأت أسأله عن الإسلام. وبدل أن يجيبني على أسئلتي وجَّهني لقراءة القرآن الكريم. وفي أيِّ وقتٍ كان لديَّ أسئلةٌ عامَّةٌ عن الإسلام، كان يجيبني عليها. ذهبت إلى المسجد المحليِّ مرَّتين خلال تلك السَّنة، وكنت سعيدةً لشعوري بنوعٍ من المشاركة الاجتماعيَّة مُجدَّداً.

وبعد قراءتي عن الإسلام خلال الصَّيف، أصبحت أكثر حساسيةً تجاه التصريحات الَّتي تُدلى عن المسلمين. وعندما كنت آخذ مادَّةً تمهيديَّةً عن الإسلام في منتصف الفصل الدِّراسيّ، كنت أشعر بالإحباط حين يقوم الأستاذ بإلقاء تعليقاتٍ خاطئة، ولكنِّي لم أكُن أعرف كيف أُصحِّحه. وفي نشاطٍ خارجٍ عن دراستي الجامعيَّة، أصبحت عاملةً نشطةً وداعمةً لمنظَّمةٍ حديثة النشأة في حرمنا الجامعيِّ هي منظَّمة الوعي الإسلاميّ وحيث إنَّني كنت العضو الأنثوي الوحيد، كنت أُقدَّم للآخرين على أنِّي مسيحيَّة المجموعة. وفي كلِّ مرَّةٍ كان فيها أحد المسلمين يقول ذلك كنت أنظر إليه بحيرة، لأنِّي كنت أظنُّ بأنِّي كنت أفعل كلَّ ما كانوا يفعلون، وأنِّي بذلك كنت مسلمةً أيضاً. فقد امتنعت عن أكل لحم الخنزير واصبحت نباتيَّة، ولم أكن أبداً أُحبُّ الخمر، وبدأت الصَّوم في شهر رمضان المبارك، ولكن كان لا يزال هناك اختلافٌ ما.

في نهاية تلك السَّنة قبل النهائيَّة حصلت بعض التغييرات، فقد قرَّرت أن أُغطِّي شعري، لأُخفيه عن أعين النَّاس. ومرَّةً أخرى فكَّرت بذلك كشيءٍ جميل، وكانت لديَّ فكرةٌ بأنَّ زوجي فقط سيكون بإمكانه أن يرى شعري. حتى أنَّه لم يحدِّثني أحدٌ عن الحجاب.. حيث إنَّ الكثير من الأخوات في المسجد لم يكنَّ يلبسنه.

في ذلك الصَّيف، كنت أجلس في المدرسة أتصفَّح الإنترنت، باحثةً عن مواقع عن الإسلام. كنت أريد العثور على عناوين إلكترونيَّةٍ لأُناسٍ مسلمين، ولكنِّي لم أُوفَّق. وأخيراً غامرت بالدُّخول إلى صفحةٍ كانت رابطةً للزَّواج. قرأت بعض الإعلانات، وحاولت أن أجد أُناساً في مثل سنِّي لأكتب لهم عن الإسلام. وقدَّمت لرسائلي بعبارة: (إنَّني لا أبحث عن الزَّواج، أنا فقط أريد أن أتعلَّم عن الإسلام) بعد بضعة أيَّامٍ وصلتني ثلاثة ردود من ثلاثةٍ من المسلمين: رسالةٌ من باكستانيٍّ كان يدرس في الولايات المتحدة، وأخرى من مسلمٍ هنديٍّ كان يدرس في انجلترا، والأخيرة من مسلمٍ يعيش في دولة الإمارات العربيَّة. قدَّم لي كلُّ أخٍ منهم المساعدة بطريقةٍ فريدة، ولكنِّي بدأت المراسلة مع المسلم الباكستانيِّ الَّذي يعيش في الولايات المتحدة، لتواجده في نفس النطاق الزمنيِّ لمنطقتي. كنت أُرسل إليه الأسئلة، وكان هو بدوره يقوم بإرسال إجاباتٍ شاملةٍ ومنطقيَّة. وعند هذه النقطة عرفت بأنَّ الإسلام هو دين الحقّ، فكلُّ النَّاس سواسيةً بغضِّ النَّظر عن اللون أو العمر أو الجنس أو العرق، وبالرُّجوع إلى القرآن الكريم تلقَّيت إجاباتٍ على أسئلةٍ مُعقَّدةٍ. فأصبحت أشعر بالرِّباط الاجتماعيِّ النوعيِّ مع المسلمين، فأصبحت لديَّ حاجةٌ قويةٌ غامرةٌ  لإعلاني الشهادتين في المسجد. ولم يعد لديَّ الخوف المسيحيُّ من إنكار المسيح كإله، فقد آمنت بأنَّ هناك إلهاً واحداً فقط، وأنَّه لا يمكن أن يكون له شريك. وفي مساء أحد أيَّام الخميس من شهر تموز لعام 1997 تحدَّثت هاتفيَّاً مع الأخ الباكستانيِّ، وسألت المزيد من الأسئلة، وتلقَّيت المزيد من الإجابات الموثوقة والمنطقيَّة، فقرَّرت الذِّهاب إلى المسجد في اليوم التالي.

ذهبت إلى المسجد مع أخٍ مسلمٍ من (ويك فوريست) وأخته غير المسلمة، ولكنِّي لم أُخبره بِنِيَّتي. ذكرت فقط بأنِّي أريد أن أتحدَّث مع الإمام بعد خطبة الجمعة. وبعد أن أنهى الإمام خطبته، وصلَّى بالمسلمين، جاء للحديث معي. فسألته عمَّا هو ضروريٌّ لكي أصبح مسلمة. فأجابني بأنَّ هناك أركاناً رئيسيَّةً للإسلام بالإضافة إلى الشَّهادتين. فقلت له بأنِّي درست الإسلام لأكثر من عام، وأنِّي جاهزةٌ لأصبح مسلمة. فردَّدت أمامه بأنِّي أشهد أنَّ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله.

وهكذا أصبحت مسلمةً في الثاني عشر من شهر تموز لعام 1997، والحمد لله.. كانت هذه هي الخطوة الأولى والكبرى، ثمَّ فُتحت بعد ذلك أمامي الكثير من الأبواب، وما زالت تُفتح بنعمةٍ من الله سبحانه وتعالى. بدأت أوَّلاً بتعلُّم الصَّلاة، ثمَّ زرت مسجداً آخراً في وينستون-سالم، وبدأت بلبس الحجاب بعد ذلك بأسبوعين...

أثناء عملي في الصَّيف تكون لديَّ مشكلةٌ بخصوص الحجاب. فمدراء العمل لا يحبونه، ويدعونني أذهب مبكِّراً. فهم يعتقدون بأنِّي لا يمكنني أن أقوم بعملي في بيع الحقائب المدرسيَّة بطريقةٍ حسنة، لأنَّ ملابسي تُعيق حركتي. ولكنِّي وجدت أنَّ في لبس الحجاب عمليَّة تحرُّرٍ كبيرة. وأنا أقابل المسلمين وهم يتسوَّقون.. كلَّ يوم ألتقي بأُناسٍ جُدُد، والحمد لله.

في السَّنة الدِّراسيَّة النِّهائيَّة، أخذت زمام القيادة في منظَّمة الوعي الإسلاميِّ الجامعيَّة، لأنِّي وجدت بأنَّ إخواني لم يكونوا نشطاء كما ينبغي. وحيث إنِّي كنت دوماً أدفعهم للقيام ببعض الأمور، وأقوم بتذكيرهم ببعض الأحداث، أطلقوا عليَّ لقب الأُم كايسي.

وخلال الفصل الثاني من السَّنة النِّهائيَّة أخذت مباحثَ دراسيَّة اختياريَّة عن الإسلام والمسيحيَّة واليهوديَّة. وكانت كلُّها جيَّدةً، لأنِّي كنت أُمثِّل الأقليَّة (المسلمة) في كلٍّ منها. ما شاء الله، كم كان جميلاً أن أُمثِّل الإسلام، وأن أقول للنَّاس الحقيقة عن المسلمين، وعن الله سبحانه وتعالى.

ايريس صفوت:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (إيريس صفوت)[9]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا اسم لسيدة ألمانية أسلمت، وقد التقيت بها وحدثتني عن قصة إسلامها، ومما ذكرته لي قولها: نشأت في أسرة مسيحية علمانية ابتعدت عن الكنيسة، وعندما كنت في سن العاشرة شعرت بأن شيئا ينقصني في حياتي، وفطرتي دائما تشتد نحو الدين وأخذت أبحث لي عن دين، وكنت في ذلك الوقت أقرأ في الكتب عن الإسلام.. ووقتها شعرت بشيء يشدني بقوة إلى الإسلام كدين سماوي يرفع من كيان الانسان ويحمل جميع الفضائل والاخلاق الفاضلة وأخذت اهتم بهذا الدين وتحدثت الى زميلاتي في المدرسة وعن الإسلام وأنني أحب هذا الدين، وحينئذ كنت بلغت الثانية عشرة من عمري، وبالفعل أسلمت وكتمت إسلامي لأن زميلاتي وصفنني بالجنون.

قلت: أسلمت في ذلك السن.. فما كان موقف أسرتك؟

قالت:  في البداية اعتبرت أسرتي أنني أمر بمرحلة اضطراب وتقلب في المزاج..  لكن عندنا في الغرب حرية، واذا بلغ الابناء سن الثالثة عشرة فمن حقهم أن يتصرفوا كيفما شاءوا، ومن حقهم أيضا أن يتركوا أهلهم، ولهذا تركوا لي حرية الديانة.

وعندما وصلت للثانوية العامة، وكان عمري حيئذ ثلاثة عشرة سنة، وذلك عام 1967 وكنت في رحلة الى لندن، ذهبت الى المركز الإسلامي هناك والتقيت بالشيخ محمد الجيوشي (عميد كلية الدعوة الاسبق بجامعة الازهر) وكان اماما للمركز، وقلت له: إنني اريد ان اعلن إسلامي، وأذهب إلى الازهر وأدرس الدين الإسلامي واللغة العربية، كما التقيت بالشيح أحمد حسن الباقوري (وزير الاوقاف المصري الاسبق) في ذلك الحين، ووعدني بالدراسة في الازهر، واعلنت اسلامي أمام الشيخين ونطقت بكلمة التوحيد، وفي عام 1969 سافرت الى مصر، وتعلمت اللغة العربية، ثم عدت الى المانيا لدراسة الماجستير في جامعة كيسين، وفي اثناء دراستي للماجستير تعرفت على شاب مصري كان يدرس في مرحلة الدكتوراه، وتزوجنا وسافرنا عام 1975 إلى مصر وواصلت دراستي للغة العربية، وزادت معرفتي بالإسلام.

قلت لها: لقد مر أكثر من ثلاثين عاما منذ اعتناقك الإسلام.. فهل استطعت إيصال الإسلام إلى أهلك؟

قالت:  منذ اللحظة الاولى لاسلامي، وأنا انتمي لهذا الدين وادعو اليه والحمد لله استطعت ان اقنع اثنين من اقاربي بأن يسلما هم جدتي ورجل آخر من أقاربي، والذين لم يسلموا كنت أعطي لهم فكرة عن الإسلام، وهم عندما يسمعونني كانوا يحترمون الإسلام.

قلت: فعلاقتك بأسرتك جيدة إذن؟

قالت: علاقتي بأسرتي في ألمانيا جيدة منذ أعلنت إسلامي، لأن في المانيا تسامح واحترام لحرية العقيدة، ويعتبرون الدين مسألة شخصية.

سألتها عن أكبر ما جذبها للاسلام، فقالت: قبل ان أعلن اسلامي كنت اقرأ عن شخصية الرسول r وسيرته فأحببت هذه الشخصية كثيرا لما تتميز به من خصال لا توجد في بشر على وجه الارض.

ليلى أوغان رمزي:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (ليلى أوغان رمزي)[10]، فسألت البابا عنه، فقال: هذه امرأة أمريكية الجنسية، وقد أعلنت إسلامها في مصر وقد حدثتني عن طريقها إلى الإسلام، فقالت: أنا محبة للاطلاع والاستزادة من العلم والمعرفة، فبعد أن حصلت على شهادتي الجامعية في الإعلام من أميركا، ومع شغفي الشديد في استمرارية طلب العلم، وجدت لدي رغبة ملحة في التعلم في الشرق الأوسط، رغم ظروفي المادية الصعبة، وفقري الشديد، ولكن فضل الله واسع حيث أنعم علي بمنحة قدرها عشرة آلاف دولار.

جئت إلى مصر لأدرس العلوم السياسية، وفي مكتبة الجامعة وقع بصري على مصحف شريف مترجم المعاني إلى اللغة الانجليزية.. عندما فتحته شعرت بقوة خفية تهزني من الأعماق.. قرأت وقرأت.. وكلما تعمقت عرفت شيئاً وأدركت أشياء.

أمضيت ستة أشهر أفكر في الأمر خاصة، وأنني عضو في الكنيسة الكاثوليكية، ووالدي رجل دين، ثم بدأت أسأل نفسي كيف أعتنق الإسلام؟ وما هي الجهة المسؤولة عن هذه الأمور، لا سيما وأنا غريبة هنا.. وبغير تفكير وجدتني أذهب إلى أحد المساجد، وهناك التقيت بشيخ المسجد، فقلت له: أريد أن اشهر إسلامي فماذا أفعل؟ فدلني على الطريق، وتم المراد، ودخلت في الدين الحنيف.

وفي مصر التقيت بالداعية الإسلامية الكبيرة بعلمها وسلوكها الدكتورة زهيرة عابدين أستاذة ورئيسة قسم الأطفال بكلية طب القاهرة سابقاً، وعميدة كلية دبي الطبية للبنات حالياً، حيث نصحتني بالذهاب إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف، فاستجبت لنصيحتها.

وأما الشخصية الثانية التي التقيتها، وتأثرت بها، فهو الشيخ أحمد فرحات إمام مسجد الحسين، الذي غمرني بعطفه وحنوه حتى كنت أناديه بالوالد، فقد ساعدني في معرفة أصول الدين الإسلامي وفرائضه، كما شجعني على أداء فريضة الحج عام 1982م.

بعد إشهار إسلامي مكثت أتردد على بيوت الله كثيراً، وفي أحد المساجد التقيت بزوجي الدكتور يس (من المحلة الكبرى ـ إحدى مدن مصر)، فتقدم إلي ليخطبني، ولكنني اشترطت عليه موافقة أهلي أولاً على الاقتران به، ومن ثم كتب إليهم ليخطبني منهم، فوافقوا، وتم الزواج عام 1984، وفي عام 1986 التحقت بهيئة التدريس في المعهد الأزهري للفتيات بالمحلة الكبرى، بعد أن أصبحت أجيد اللغة العربية تماماً.

وقد ختمت حديثها لي برغبتها في أن تصبح داعية إلى الله، فقالت: منذ أن هداني الله إلى طريق الحق والرشاد، وفتح بصري على ما في كتاب الله من آيات بينات، وكشف عن بصيرتي لأعرف قبساً من نور اليقين، وأنا عازمة على المضي قدماً في مجال الدعوة إلى الدين الإسلامي، وأملي كبير في أن يساعدني الأزهر الشريف لاستكمال دراستي العليا في العلوم الإسلامية حتى يتسنى لي أن أعمل في سبيل خدمة الإسلام، وإعلاء كلمة الحق تحت راية التوحيد في كل مكان.

وقد حدثتني عن الأخطاء التي يقع فيها بعض الدعاة حين يتركون الأسلوب المتبصر الذي دعا إليه الإسلام، فقالت: إن الدعاة المسلمين لا يزال أغلبهم بعيدين عن روح الإسلام الحقيقية التي فهمتها من خلال دراستي للدين الإسلامي والسيرة العطرة، ولأساليب السلف الصالح، فالدين يسر لا عسر، وسماحة لا غلظة أو فظاظة أو تنفير.

ومن ثم يجب على الداعية إلى الله أن يكون على بصيرة بأمر الأمانة التي يحملها سواء كان مبشراً أو منذراً، وأن يتحلى بكل مكارم الدين الإسلامي من سماحة ويسر ورحمة.

إحسان جيم تشوا:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (إحسان جيم تشوا)[11]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا رجل من سنغافورة، وهو من عائلة تتبع الدِّيانة الطاويَّة، وقد أخبرني أنه آمن بالمسيحيَّة حين كان في التاسعة من عمره، وبعد ذلك، وفي سنيِّ مراهقته المبكِّرة اتَّبع تعاليم بوذا، ثم وجد طريقه لدخول الإسلام.

وقد تشرفت بالالتقاء به والحديث معه عن قصة إسلامه، فقال: أنت تعلم أن والديَّ طاويِّان، وهكذا أُنشئت على الدِّيانة الطاويِّة منذ ولادتي، وخلال سنيِّ طفولتي، آمنت وقبلت الطاويَّة، حتى ولو لم أكن أعرف شيئاً عنها، فقط وفي سنيِّ مراهقتي اكتشفت بأنَّ الطاويَّة هي دين عبادة السَّلَف، حتى أنَّ والديّ ـ كغيرهما من الكثير من الطاويِّين ـ لم يكلِّفا نفسيهما معرفة تاريخ هذه الدِّيانة، فأنا لم أُعلَّم تاريخ التعاليم الطاويَّة، بل مارست هذه الدِّيانة فقط تبعاً لما قُدِّم لي دون أدنى شك.

حين كنت في التاسعة من عمري، حدَّثني وبعض زملائي معلِّم المدرسة بأنَّنا كلُّنا يجب أن نصبح مسيحيِّين، وأخبرنا بأنَّنا إن لم نصبح مسيحيِّين، فإنَّه بالضَّرورة سيصيبنا الموت كعقوبةٍ لنا على عدم كوننا كذلك.. بتُّ خائفاً جدًّا من هذا التهديد، ومنذئذٍ أصبحت مؤمناً بديانتين، الطاويَّة (بسبب عائلتي) والمسيحيَّة (بسبب التهديد)، وحين كبرت، لم أستطع أن أقرِّر بأيِّ دينٍ عليَّ الالتزام.

خلال سنتيَّ الثالثة والرابعة في المدرسة الثانويَّة، اخترت دراسة البوذيَّة كموضوعٍ في العلوم الدينيَّة، لأنَّها كانت معروفةً على أنَّها الموضوع الأسهل للدراسة.

تأثَّرت بالعقيدة البوذيَّة لأنَّها منطقيَّة جدّاً وعمليَّة، ومفهوم الصدقة في البوذيَّة أصاب وتراً في قلبي، فاتَّبعت التعاليم البوذيَّة قدر ما استطعت، لكنِّي لم أُصبح بوذيّاً، فقد وجدت أنَّ البوذيَّة وعلى الرغم من أنَّها تقوم على مبادئ وتطبيقاتٍ جيِّدة إلَّا أنَّها مع ذلك ينقصها وجود القوَّة العليا (الله سبحانه وتعالى)

حين انضممت إلى كليَّة سانت أندروز يونيور، وهي مدرسةٌ تبشيريَّة، كان إلزاميّاً على كلِّ الطلاب ـ عدا المسلمين منهم ـ حضور صلاة الأحد المدرسيَّة.

خلال الصلاة كنَّا ننشد ونستمع إلى الطقوس. في نهاية بعض الصلوات، كنَّا نُسأل إن كان أحدٌ منَّا يرغب في دخول المسيحيَّة، وقد كنت متأثِّرا بأحد الرُّهبان على وجه الخصوص، لأنِّي اعتبرته قويّاً في وعظه. فقد كان يستخدم النبوءات من الإنجيل ليثبت بشكلٍ فعَّال الحقيقة الموجودة في العهد القديم وعلاقتها مع تلك الموجودة في العهد الجديد.

وتأثَّرت بشكلٍ خاصٍّ حين كان يتكلَّم عن النبوءات الَّتي كانت في العهد القديم وتحقَّقت في العهد الجديد[12]، وزاد اهتمامي حين تكلَّم عن اليوم الآخر، وقد قام أيضاً بربط تجارب متنوِّعةٍ مرَّ خلالها بعض المسيحيِّين.

أحد الأمثلة كان عن سيِّدةٍ مسيحيَّةٍ كانت قد أُعلن موتها. وفي موتها مرَّت خلال محنة جرٍّ لها من رِجلَيْها إلى جهنَّم؛ وبطريقةٍ ما تحرَّرت وعادت إلى الحياة. وبعد عودتها من الموت أكَّدت على وجود الله، والحياة بعد الموت، ووجود جهنَّم كما هو مذكورٌ في الإنجيل، وهكذا بدأ انجذابي نحو الدِّيانة الأرثوذكسيَّة الأنجليكانيَّة. حينئذ كنت في السابعة عشرة من عمري.

لكنِّي مع ذلك لم أستطع أن أستقرَّ في طائفةٍ واحدةٍ من الطوائف المسيحيَّة، فقد كنت دائم التنقُّل من كنيسةٍ إلى أُخرى، كنت ما أزال أبحث عن السَّكينة الداخليَّة، ولم أستطع اتِّخاذ قراري إلى أيِّ كنيسةٍ كان عليَّ الذِّهاب.

حين كنت في السَّنة الأخيرة في الجيش، قابلت صديقاً قادني إلى كنيسته (سانت جون سانت مارجريت)، فشعرت أخيراً بأنِّي في بيتي في هذه الكنيسة. وأصبحت فاعلاً في النَّشاطات الكنسيَّة. كنت المسؤول في مُهمّتين تبشيريَّتين، إحداهما كانت تتعلَّق بالعمل مع الأولاد، في حين كانت الأخرى تتعلَّق بنشاطٍ رياضيّ. وكنت مُشاركاً في التخطيط التعليميِّ للأولاد. قُدِّم من خلال هذا النشاط التعليم المجانيُّ لأولاد المدارس، في نفس الوقت الَّذي كانت فيه رسالة المسيحيَّة تُنشر ببطءٍ وبشكلٍ مهذَّب. كان الأولاد من مستوىً ابتدائيٍّ، وأُوكل إليَّ الاهتمام باثنين منهم، وقبل أيِّ تعليمٍ كانت هناك جلسةٌ للعبادة؛ كنَّا ننشد الأناشيد، وكانت لدينا جلسات سردٍ للقصص، حيث كنت أحكي للأولاد قصصاً من الإنجيل.

وعملت أيضاً باجتهادٍ مع المجموعة الرياضيَّة للكنيسة، فكنَّا نقوم بالعمل التبشيريِّ بسؤال الناس الانضمام إلينا في اللعب، وكنت المسؤول عن فريق كرَة السلَّة، وفي كلِّ أُسبوعٍ كنَّا نستأجر قاعةً نمارس فيها اللعبة. وكنا ندعو الدُّخلاء ونحاول قيادتهم للمسيحيَّة بأن نكون مثلاً لهم، فكنَّا نقوم بالتركيز على روح التعاون والاهتمام، فحاولنا التعبير عن هذه الفضائل قدر ما استطعنا. وخلال ذلك، وبعد التمارين، كنَّا نحاول تلقين المسيحيَّة لأولئك الشباب، والَّذين كانت غالبيتهم من المراهقين اليافعين.

مفهوم النشاط الرياضيِّ عمليٌّ إلى درجةٍ كبيرة، ليس فقط في سنغافورة بل وفي بلدانٍ أُخرى أيضاً. كانت كنيستي هي الأولى في سنغافورة الَّتي تُقدِّم مفهوم الرعاية والاهتمام.

عندما كنت لا أزال نشيطاً في الكنيسة، تعرَّفت إلى مسلمةٍ فحاولت أن أُحدِّثها عن المسيحيَّة، ولكنَّها كانت على درجةٍ عاليةٍ من اليقين حول الحقِّ في دينها، مع أنَّها لم تكن تعرف كيف تشرح لي هذه الحقيقة. ولم تكن هناك أيُّ وسيلةٍ أستطيع بها إقناعها بالمسيحيَّة. والَّذي كان يدهشني دوماً هو أنَّ الكثير من المسلمين، حتى أُولئك الَّذين يُدمنون المخدِّرات، كلُّهم مُتأَكِّدون حتى الموت بأنَّ الإسلام هو الدِّين الحق. فقرَّرت سؤال صديقتي المسلمة عمَّا هو حقٌّ جدّاً بخصوص دينها ممَّا يدفع مُعتنقيه إلى التمسُّك به وعدم تركه. لكنَّها لم تكن تعرف كيف تشرح لي هذا الأمر، وبدلاً من ذلك أخبرتني بأن أحصل على ما أُريد من المعلومات عن الإسلام من دار الأرقم، وهي جمعيَّة مُعتنقي الإسلام في سنغافورة. وافقت على اقتراحها على الرغم من أنِّي كنت أعتبر الإسلام دين الإرهاب، وعلى أنَّه دينٌ لا منطقيَّة فيه. فقد كان فهمي يملي عليَّ بأنَّه إذا كان الدِّين صالحاً فإنَّ مُعتنقيه سيكونوا صالحين. وفي حالة المسلمين، الَّذين كنت أعرف القليل منهم، كان أُولئك الَّذين كنت أعرفهم مسلمين غير صالحين.

 أذكر أنِّي كنت أعرف مسلمةً واحدةً صالحةً فقط، وذلك خلال سنيِّ دراستي في الكليَّة ولكنَّها لم تقم ولا بأيِّ مُحاولةٍ لنقل رسالة الإسلام لي. في ذلك الوقت، كان هناك بعض المسلمين الَّذين كانوا يحاولون نشر الرسالة الإسلاميَّة لي. وكانت عائلتي ضدَّ الإسلام بسبب ما كان دائم الحدوث في الشرق الأوسط؛ كما حدث أيضاً أن كان كلُّ العمَّال الملاويّين الَّذين وظَّفهم والدي من الكُسالى وسيِّئي السُّلوك.

وحيث إنِّي وافقت على زيارة دار الأرقم، ذهبت من فوري إلى تلك الجمعيَّة. في زيارتي الأولى حضرت درس التوجيه، وقُدِّمْت إلى الأخ ريماي. وقد صُدِمْت وأُثير اهتمامي بأمريْن حدَّثني بهما، أوَّلهما: أنَّه أشار لي بأنَّ الإسلام لا يقوم على الهوى، عكس المسيحيَّة. تأمَّلت في هذه الكلمات وكنت مندهشاً من ردَّة فعلي عليها. وثانيهما: أنَّه قال: لا تتحوَّل إلى الإسلام بطريقةٍ عاجلة، حتى تسأل قدر ما تستطيع من الأسئلة، وعندما لا يتبقّى لديك ما تسأل، فقط عندها تحوَّل إلى الإسلام.

ففي المسيحيَّة أنت لا تستطيع طرح الأسئلة، لأنَّك إن سألت أكثر أصبحت مُشوَّشاً أكثر. وبعد أن أوضح هاتين النقطتين، أوصى الأخ ريماي الصفَّ التوجيهيَّ بقراءة كتاب (الإسلام في بؤرة التركيز)

صُدمت بما وجدته في هذا الكتاب، فبعض المواضيع الَّتي كنت أعتقدها غير منطقيَّة في المسيحيَّة، ولم تكن هناك طريقةٌ لفهمها، وجدت الإجابة عليها في هذا الكتاب. وصُدمت أيضاً بأنِّي وجدت في الكتاب ما كنت أُومن به، وكما وجدت أنَّ بعض المعتقدات البوذيَّة هي في الحقيقة مفاهيم إسلاميَّة، فهناك العديد من المبادئ البوذيَّة المشابهة لبعض المفاهيم الإسلاميَّة.

في الأسبوع التالي عدت إلى دار الأرقم لحضور صف المبتدئين، وكان الصفُّ قد قطع نصف الطريق خلال أركان الإسلام. فوجدت الدرس مملاًّ، فحضرت حصَّة أو حصَّتين فقط ثم تركت الصف. بعدئذٍ اشتريت كتابيْن آخريْن عن الإسلام ـ (الخيار، الإسلام والمسيحيَّة) للشيخ أحمد ديدات و(أساس عقيدة المسلم) لجاري ميللر. وقد تأثَّرت بهما حقّاً.

قابلت الأخ ريماي مرَّةً أخرى فقدَّمني للأستاذ ذو الكفل، والَّذي ناقش معي الإسلام لبضعة أسابيع. أيُّ أسئلةٍ كانت تُشكِّل مُعضلةً بالنسبة لي عن المسيحيَّة، والَّتي لم يكن باستطاعتي التعامل معها، كنت أضعها في قائمةٍ وأعرضها على كنيستي وعلى الكليَّة الإنجيليَّة في سنغافورة. وقد جعلني ذلك في وضعٍ صعبٍ للغاية، لأنِّي لم أستطع قبول ردودهم على تلك الأسئلة، لا من الكنيسة ولا من الكليَّة الإنجيليَّة. فقد كنت أعتبر بأنَّ قبولي منطق ردودهم وكأنَّه تلويثٌ لله (سبحانه وتعالى). فعلى سبيل المثال، عندما حاولت نقاش التناقضات في الإنجيل كان كلّ ما استطاعوا قوله لي بأنَّ هذه تناقضات صغيرة، أو أخطاء صغيرة، أو خطأ طباعيّ، فكان عليَّ أن أقوم ببحثي الخاص للردِّ على تلك الأسئلة الَّتي وُجِّهت إليَّ في دار الأرقم.

الجزء الأكثر تدميراً في بحثي كان تاريخ الكنيسة، فتاريخ الكنيسة نفسه يُلقي الضَّوْء على حقيقة أنَّ مفهوم الثالوث قُدِّم في سنة 325 بعد الميلاد، أي بعد 325 من موت المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام). وقبل ذلك كانت هناك تعاليمٌ كلُّها مختلفة عن بعضها بعضاً.

وحيث إنِّي حصلت على الكثير من المعلومات عن المسيحيَّة من مصادر إسلاميَّة، فلم أكن مقتنعاً، فما وجدته حول المسيحيَّة من المصادر الإسلاميَّة حاولت التثبُّت منه من موسوعاتٍ متنوِّعةٍ ومن مصادر أخرى، فوجدت بأنَّ كلَّ المعلومات الَّتي حصلت عليها من المصادر الإسلاميَّة كانت حقائق دامغة. وحين نظرت عن قُرب ـ أقرب من أيِّ وقتٍ مضىـ إلى النبوءة الَّتي تقول: (سيأتي روح الحقِّ وسيقود الناس إلى كلِّ الحقّ) استطعت أن أرى بوضوح بأنَّ تلك النبوءة كانت تشير إلى النبيِّ محمَّدٍ r وإلى رسالته. فهذه النبوءة لم تُشر إلى عيسى عليه الصَّلاة والسَّلام، لأنَّ المسيحيِّين الأوائل لم يستطيعوا التقرير بخصوص شخصيَّته. وحتى هذا اليوم ما يزالون يتجادلون بخصوص ذلك.

خلال دراستي للإسلام، حاولت أيضاً أن أتعلَّم شيئاً عنه من الكتب المسيحيَّة فوجدتها خبيثة، فمع المعرفة الَّتي كانت لديَّ عن الإسلام كنت أستطيع دحض كلَّ الادِّعاءات الزائفة الَّتي لفَّقها المسيحيُّون.

أحد الأمثلة هو الادِّعاء الَّذي لفَّقوه عن الله (سبحانه وتعالى) في الإسلام ـ  بأنَّه يبدو بعيداً جدّاً، وأنَّه لا يمكنه التواصل مع مخلوقاته (سبحانه وتعالى عمَّا يصفون). كنت أعرف أنَّ هذا ليس صحيحاً لأنَّ الله تعالى في الإسلام أقرب إلى مخلوقاته من حبل الوريد:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق: 16)

وادَّعى المسيحيُّون أيضاً بأنَّ الله تعالى تنقصه معاني الحب. لا أدري كيف يمكن للمسيحيِّين ادِّعاء مثل ذلك في حين أنَّ قول (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم) هو روتينٌ يوميٌّ عند المسلم. بالإضافة إلى ذلك فإنَّ هناك 99 اسماً لله تعالى تُلْقي الضَّوء على أسمى معاني الحب والرعاية الإلهيَّة في الإسلام. فكان يتوجَّب عليَّ رفض كلِّ الادِّعاءات الَّتي صنعها المسيحيُّون عن الإسلام، لأنَّه كان يتوجَّب عليَّ أن أكون عادلاً مع نفسي. فكلُّها كانت من وجهة النظر الكنسيَّة، وكان يتوجَّب عليَّ أن أعتبرها كذباً.

بعدئذٍ قرأت كتاب (محمَّدٌ في الإنجيل) وكتاب (إنجيل توما) حتى الآن كنت قد تلقَّيْت الكثير من الصَّدمات. أمَّا (مخطوطات البحر الميِّت) فقد كانت هي الصدمة الأخيرة الَّتي حطَّمت عقيدتي المسيحيَّة. لقد حاولت ولكنِّي لم أجد سبباً للبقاء على المسيحيَّة. فقد رأيت كلَّ الزَّيف الَّذي لم أكن أتوقع رؤيته فيها. لقد تفحَّصت بعنايةٍ وبكلِّ الطُّرق لأتأكَّد، فلعلِّي كنت مخطئاً، حتى لم يتبقّ لي ما أتأكَّد منه.

واصلت تعلُّمي عن الإسلام، من القرآن الكريم ومن كتبٍ أُخرى، ومن معلِّمين مسلمين كافحوا لإرشادي إلى طريق الحق.

وفي أحد الأيَّام سألني الأستاذ ذو الكفل: أما آن لك أن تدخل الإسلام؟ فلم أستطع أن أتفوَّه ببنت شفة. فكَّرت في ذلك مراراً وتكراراً، لكنِّي لم أجد سبباً واحداً يمنعني من دخول الإسلام، وعندها قرَّرت إعلان الإسلام، دين الحق.

في البداية لم تأخذ عائلتي تحوُّلي هذا على محملٍ من الجِدّ، فقد ظنُّوا أنِّي أعلنت إسلامي اسميّاً فقط وأنِّي سأُواصل حياتي كغير مسلم وآكل لحم الخنزير. فيما بعد، عندما وجَدَت عائلتي أنِّي أصبحت مسلماً ملتزماً حدثت فوضى عارمة. وأصبحت الأمور أكثر فوضويَّة حين بدأتُ صيام شهر رمضان. لقد كنت على وشك أن أُطرد من البيت. واستمرَّت هذه الحال من التوتر لبضعة شهورٍ تلت. لم أكن خلالها أتناول طعامي في بيتي. واتُّهمت بأنِّي لم أعد أُحبُّ عائلتي. وكانت هناك مشاحناتٌ مستمرَّةٌ بيني وبين أفراد عائلتي. حاولت أن أشرح لهم الإسلام ولكنَّهم لم يفهموه.

وتشكَّل لديَّ خوفٌ من العودة إلى البيت، فكنت أبقى حتى وقت متأخِّرٍ من الليل خارجه. وفي أحد الأيَّام جاءت إليَّ أُمِّي ورجتني بألَّا أتأخَّر ليلاً. وقالت بأنَّ أبي قد عبَّر عن قلقه حيال ذلك. واقْتَرَحَتْ بأن أشتري طعامي الخاص وأنَّها ستُعِدُّه لي بشكل مستقلّ. أمَّا الآن فإنَّ معظم أفراد عائلتي يأكلون الطعام الحلال في البيت، لأنَّ من المناسب أكثر لأُمِّي أن تُعِدَّ الأطباق الَّتي يمكن أن يأكلها ليس فقط معظم أفراد العائلة بل وابنها المسلم كذلك. تحسَّنت الأوضاع في بيتي، إلَّا من بعض الإزعاج العرضي وغير المؤذي من عائلتي.

عبدالرحمن محمود داود:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (عبدالرحمن محمود داود)[13]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا رجل ينحدر من أسرة هندية برهمية، تنصرت على أيدي المبشرين الذين قاموا مع طلائع الاستعمار، وكان كثير القراءة للكتب الدينية، ولما أتيح له أن يطلع على القرآن الكريم كان جوابه هو انتماؤه للإسلام، وقد ذكر ذلك في بعض تصريحاته لمن سألوه، فقال: ( تناولت نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، لأنني عرفت أن هذا هو الكتاب المقدس عند المسلمين، فشرعت في قراءته وتدبّر معانيه، لقد استقطب جل اهتمامي، وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المقنعة عن سؤالي المحيّر: (الهدف من الخلق) في الصفحات الأولى من القرآن الكريم.. لقد قرآت الآيات (30ـ39) من سورة البقرة.. وهي آيات توضح الحقيقة بجلاء لكل دارس منصف، إن هذه الآيات تخبرنا بكل وضوح وجلاء وبطريقة مقنعة عن قصة الخلق)

وقال:( إن دراستي للقرآن الكريم وضحت أمام ناظري العديد من الإشكالات الفكرية وصححت الكثير من التناقضات التي طالعتها في الكتب السماوية السابقة)

وقال:( بفضل دراستي الحرّة البعيدة عن كل تعصّب مقيت أصبح إيماني بهذا الدين [الإسلام] قويًا راسخًا، لقد آمنت برسالة القرآن، وأحسست أن الإسلام هو دين الفطرة والكمال، أنزله الله على قلب آخر الأنبياء وخاتمهم محمد r.. لقد اكتشفت أن الإسلام يخاطب الناس مباشرة ودون أية واسطة من أي نوع. من أجل ذلك كان هذا الدين متمشيًا مع الفطرة البشرية)

وقال:( إن الإسلام يخاطب الإنسان الكامل. وهكذا أيقنت أن هذا الدين هو خير الأديان جميعًا. لقد شرعت في التحدث عن معتقداتي الجديدة، حول الإسلام والنصرانية وصارحت بها العديد من العلماء المرموقين والقسس المعروفين، وكنت صريحًا وصادقًا في مناقشاتي معهم. لقد سألت القسس لماذا يخدعون الناس بإخفاء الحقيقة ولا يخبرونهم بوضوح وصدق أن محمدًا r هو رسول الله؟ ولما سمعوا مني ذلك غضبوا ولكنهم لم يستطيعوا أن يحيروا جوابًا)

 

 

 



([1])  من أهم مراجعي في أخبار المسلمين الجدد كتاب: رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا، إعداد: عبدالرحمن محمود، وموقع: http://www.newmuslims.tk/

([2])  نقلا عن كتاب: قصة الفتى النصراني الذي اهتدى.. (بتصرف)

 

([3])  ورد في النصوص ما يدل على جواز اللجوء إلى الكذب في مثل هذه الأحوال من باب الضرورة، فقد جاء في حديث الغلام والراهب والساحر قول الراهب:« إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر » الحديث رواه مسلم.

([4])  هذا الموقف مع ما فيه من الصدق والإخلاص إلا أن الداخل للإسلام لا ينبغي أن يفرط في أي شيء يرتبط بحياته وبمسؤولياته، بل إن اعتناقه للإسلام لا ينبغي أن يزيده إلا حرصا على هذه المسؤوليات.

وفي الأحكام الفقهية من التيسير في هذا الباب ما يرفع الحرج عن الداخلة إلى الإسلام من النساء من البقاء في بيت الزوجية، ولو ظل زوجها على كفره. انظر المسألة بتفاصيلها في (الضوابط الشرعية لحماية الزواج) من سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية) للمؤلف.

([5])  ذكر هذا الشاب في كلام حذفناه أن قسا من القسس اتهم أمه في عرضها، وأنها سجنت من طرف شرطة الآداب.

([6])  بالرغم من عدم وثوقنا التام بما ذكر هنا إلا أن مثل هذا النوع من الكذب الفاضح مما تمتلئ به المواقع التبشيرية، فهم يفترون على علماء الأمة وصالحيها بل على رسولها من الأكاذيب ما لا يمكن تصوره.

([7])  انظر: كتاب (العائدون إلى الله) للشيخ محمد بن عبد العزيز المسند.

 

([8])  المراد هنا عقد الزواج لا مجرد الخطبة كما هو معلوم.

([9])  انظر: صحيفة الشرق الأوسط 4-10-2002.

([10])  انظر: مجلة الضياء / العدد 31/1993.

([11])  نُشرت قصَّة إحسان في مجلة (القارئ المسلم) عدد تشرين أول-كانون أول، والَّتي تصدر عن جمعيَّة مُعتنقي الإسلام في سنغافورة.

([12])  انظر ما يستدل به المسيحيون من هذا الباب في (معجزات حسية) من هذه السلسلة. 

([13])  رجال ونساء أسلموا، 7 / 116 – 118.