الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: قلوب مع محمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

خامسا ـ العلماء

موريس بوكاي:

كيث مور:

تيجاتات تاجسن:

ألفريد كرونير:

علي سليمان:

مارشال جونسون:

يوشيودي كوزان:

جولي سمسون:

البروفيسور هاي:

البروفيسور فان برسود:

البروفيسور بالمار:

البروفيسور سياويدا:

البروفيسور آرمسترونج:

البروفيسور ج. س. جورنجر:

البروفيسور درجا برساد راو:

البروفيسور شرويدر:

آرثر أليسون:

جفري لانج:

محمد أكويا:

آلا أولينيكوفا:

صوفي بوافير:

اسبر ابراهيم شاهين:

موري ديفيد كيل:

أحمد نسيم سوسه:

 

خامسا ـ العلماء

فتحت دفتر البابا على فصله الخامس، فوجدت عنوانه (العلماء)، فقلت: من تقصد بالعلماء.. علماء الدين، أم علماء الدنيا.. أم كلاهما؟

قال: عندما وضعت هذا العنوان كنت لا أزال على دين قومي، ولهذا كنت أعتقد المفاصلة بين الدين والعلم.. فلهذا أطلقت اسم (الأحبار) على علماء الدين، وأطلقت هذا الاسم على علماء الدنيا.

قلت: فكيف أتيح لك أن تلقى من علماء الدنيا من يبثك نفحات صدقه.. وأنا لا أراهم إلا مشغولين بمخابرهم وبحوثهم وشهاداتهم وتنافسهم في كل ذلك.

قال: ما تقوله صحيح.. ولكن من هؤلاء العلماء من كان يتيح المجال لعقله ليبحث في أسرار الكون.. وهؤلاء عادة لا يجدون دينا يملؤهم بالقناعة غير الإسلام.

لقد ذكر القرآن الكريم تأثير الإيمان في العلماء، فقال:﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (فاطر: من الآية28)

وقد أخبر القرآن الكريم أن الذين أوتو العلم أقرب الناس إدراكا للحق، فقال:﴿ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (سـبأ:6)

لقد حصل الكثير مما ذكر القرآن الكريم.. بل أنا أجزم أن المسلمين لو استطاعوا أن ينشروا تلك العجائب التي امتلأ بها القرآن لتحول جميع علماء الدنيا إلى مسلمين..

لقد سمعت مرة الدكتور زغلول النجار[1]، وهو يتحدث عن تأثير نواحي الإعجاز العلمي في النصوص المقدسة.. فقال: دعيت مرة لحضور مؤتمر عقد للإعجاز في موسكو، فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره، لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة، وقلت في نفسي: ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتي ندعوهم إلي ما نادي به القرآن الكريم !؟

فقيل لي: لابد من الذهاب، فإن الدعوة قد وجهت إلينا من قبل الأكاديمية الطبية الروسية.. فذهبنا إلي موسكو، وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية، وبالتحديد عند قول الله ':﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (السجدة:5) وقف أحد العلماء المسلمين وقال: إذا كانت ألف سنة تساوي قدران من الزمان غير متكافئين دل ذلك علي اختلاف السرعة. ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال: ألف سنة..لابد أن تكون ألف سنة قمرية، لأن العرب لم يكونوا يعرفون السنة الشمسية، والسنة القمرية اثنا عشر شهراً قمرياً، ومدة الشهر القمري هي مدار القمر حول الأرض, وهذا المدار محسوب بدقة بالغة, وهو 2,4 بليون كم.. و2,4 بليون مضروب في 12، وهو عدد شهور السنة، ثم في ألف سنة, ثم يقسم هذا الناتج علي أربع وعشرين، وهو عدد ساعات اليوم، ثم علي ستين ـ الدقائق ـ ثم علي ستين ـ الثواني ـ فتوصل هذا الرجل إلي سرعة أعلي من سرعة الضوء.

فوقف أستاذ في الفيزياء ـ وهو عضو في الإكاديمية الروسية ـ وهو يقول: لقد كنت أظنني ـ قبل هذا المؤتمر ـ من المبرزين في علم الفيزياء, وفي علم الضوء بالذات, فإذا بعلم أكبر من علمي بكثير، ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أعلن أمامكم جميعاً أني (أشهدأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)

ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين,الذين ماتحدثنا معهم علي الإطلاق، وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلي الروسية والعكس, فجاءونا يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

ليس هذا فحسب وإنما علمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجل هذه الحلقات وأذاعها كاملة، فبلغنا أن أكثر من 37 عالماً من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات.

التفت البابا إلي، وقال: هذه ثمرات مؤتمر أكاديمي واحد، فكيف لو اجتهد المسلمون للوصول إلى مخابر هؤلاء العلماء ومحادثتهم وجها لوجه !؟

موريس بوكاي:

كان أول اسم سجل في هذا الفصل اسم (موريس بوكاي)، فقلت: من هذا الرجل.. وكيف أتيح لك أن تلتقي به.. وماذا قال لك.. وما !؟

قاطعني البابا قائلا: هذا رجل عظيم، وهو من أكثر الشخصيات التي أحترمها.. وهو يمثل العالم المنصف، والباحث الواصل.

قلت: لم؟

قال: هو ـ أولا ـ طبيب فرنسي، بل هو رئيس قسم الجراحة في جامعة باريس، وقد منحته الأكاديمية الفرنسية عام 1988م جائزة في التاريخ.. ويُعتبر كتابه (التوراة والقرآن والعلم) من أهم الكتب التي درست الكتب المقدسة على ضوء المعارف الحديثة، وله ـ بالإضافة إليه ـ كتاب (القرآن الكريم والعلم العصري)

قلت: فكيف كان رحلته إلى الإسلام؟

قال: لقد ذكر ذلك في كتبه.. وقد تشرفت بلقائه، فسمعت ذلك منه مشافهة، ومما ذكره لي قوله:( لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة باحثًا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف، قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعًا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ولكن معرفتي كانت وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل. أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخًا في عصرنا. وأما بالنسبة للأناجيل.. فإننا نجد نصّ إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمرًا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض)[2]

قلت: فقد اهتدى إلى الإسلام بسبب مقارنته بين القرآن الكريم والكتاب المقدس في النواحي العلمية؟

قال: أجل.. لقد كان شديد الإعجاب بما في القرآن الكريم من نواحي الإعجاز العلمي، وقد قال لي ـ في لقائي معه ـ:(لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية، فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحدّ من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقته تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا.. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام.. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة)[3]

لقد (تناولتُ القرآن منتبهًا بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية.. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي، أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرة والتي لم يكن ممكنًا لأي إنسان في عصر محمد أن يكون عنها أدنى فكرة)[4]

لقد كنت أقول لنفسي:(كيف يمكن لإنسان – كان في بداية أمره أمّيًا -.. أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكونها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة؟)[5]

ليس ذلك فقط هو الذي جعل موريس بوكاي يمتلئ قناعة بالإسلام، هناك شيء آخر له أهميته الكبرى.

قلت: تقصد موقف الإسلام من العلم؟

قال: أجل.. فهو موقف مختلف كثيرا، بل مناقض لموقف الكنيسة، لقد قال لي ـ وهو الباحث المنصف ـ (إن الإسلام قد اعتبر دائمًا أن الدين والعلم توأمان متلازمان. فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءًا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام. وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا)[6]

وقال لي: (في الإسلام كان الموقف إزاء العلم مختلفًا [عن المسيحية] إذ ليس هناك أوضح من ذلك الحديث الشهير للنبي r الذي يقول:« اطلب العلم من المهد إلى اللحد» أو ذلك الحديث الآخر الذي يقول:« طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » هناك أمر رئيسيّ: القرآن، إلى جانب أنه يدعو إلى المواظبة على الاشتغال بالعلم، فإنه يحتوي أيضًا على تأملات عديدة خاصة بالظاهرات الطبيعية وبتفاصيل توضيحية تتفق تمامًا مع معطيات العلم الحديث)[7]

وقد ذكر لي أن تلك المقارنات التي كان يجريها بين موقف المسلمين من العلم طيلة تاريخهم الطويل مقارنة بموقف الكنيسة كانت سببا من أسباب إسلامه، فهو يقول: (علينا أن نتذكر أنه في عصر عظمة الإسلام، أي بين القرن الثامن والقرن الثاني عشر من العصر المسيحي، وعلى حين كانت تفرض القيود على التطور العلمي في بلداننا المسيحية، أنجزت كمية عظيمة من الأبحاث والاكتشافات بالجامعات الإسلامية.. في ذلك العصر كان الباحث بهذه الجامعات يجد وسائل ثقافية عظيمة، ففي قرطبة كانت مكتبة الخليفة تحتوي على أربعمائة ألف مجلد.. [وكان] الكثيرون يسافرون من مختلف بلاد أوروبا للدراسة فيها، ولكن كم هي كثيرة تلك المخطوطات القديمة التي وصلت إلينا بواسطة الأدباء العرب ناقلة بذلك الثقافة إلى البلاد المفتوحة، ولكم نحن مدينون للثقافة العربية في الرياضيات (فالجبر عربي) وعلم الفلك والفيزياء (البصريات) والجيولوجيا وعلم النباتات والطب إلى غير ذلك. لقد اتخذ العلم لأول مرة صفة عالمية في جامعات العصر الوسيط الإسلامية. في ذلك العصر كان الناس أكثر تأثرًا بالروح الدينية مما هم عليه في عصرنا، ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يكونوا في آن واحد مؤمنين وعلماء. كان العلم الأخ التوأم للدين. لكم كان ينبغي على العلم ألا يكف عن أن يكون كذلك)[8]

قلت: أحسبني.. بل أحسب كل من قرأ كتب موريس يعلم هذا.. ولكني أبحث عن الشعاع الأول الذي اهتدى به إلى شمس محمد.

قال: لقد ذكر لي قصة ذلك[9].. بل أخبرني عن حياته الشخصية فذكر لي أنه ولد من أبوين فرنسيين, وترعرع كما ترعرع أهله في الديانة النصرانية , ولما أنهى تعليمه الثانوي انخرط طالبا في كلية الطب في جامعة فرنسا, فكان من الأوائل حتى نال شهادة الطب , وارتقى به الحال حتى أصبح أشهر وأمهر جراح عرفته فرنسا الحديثة.

فكان من مهارته في الجراحة قصة عجيبة قلبت له حياته وغيرت له كيانه.

التفت البابا إلي، وقال: أنت تعلم أن فرنسا من أكثر الدول اهتماما بالآثار والتراث, ولهذا عندما تسلم الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران) زمام الحكم في البلاد عام 1981 طلبت فرنسا من دولة (مصر) في نهاية الثمانينات استضافة مومياء (فرعون مصر) إلى فرنسا لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية ومعالجة..

فتم نقل جثمان فرعون من مصر.. وهناك وعلى أرض المطار اصطف الرئيس الفرنسي منحنيا هو ووزراؤه وكبار المسؤولين في البلد عند سلم الطائرة ليستقبلوا فرعون مصر استقبال الملوك وكأنه مازال حيا.

وعندما انتهت مراسم الاستقبال الملكي لفرعون مصر على أرض فرنسا حملت مومياء فرعون بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله، وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي , ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح دراسة تلك المومياء واكتشاف أسرارها, وكان رئيس الجراحين والمسؤول الأول عن دراسة هذه المومياء الفرعونية هو البروفيسور موريس بوكاي.

لقد كان المعالجون ـ في ذلك الموقف ـ مهتمين بترميم المومياء, بينما كان اهتمام رئيسهم (موريس بوكاي) مختلفا عنهم غاية الاختلاف.. فقد كان يحاول أن يكتشف كيف مات هذا الملك الفرعوني.

وفي ساعة متأخرة من الليل ظهرت نتائج تحليله النهائية ..

لقد كانت بقايا الملح العالق في جسده أكبر دليل على أنه مات غريقا، وأن جثته استخرجت من البحر بعد غرقه فورا, ثم أسرعوا بتحنيط جثته لينجو بدنه.

لكن ثمة أمراً غريباً مازال يحيره، وهو كيف بقيت هذه الجثة دون باقي الجثث الفرعونية المحنطة أكثر سلامة من غيرها رغم أنها استخرجت من البحر..!

كان موريس بوكاي يعد تقريراً نهائيا عما كان يعتقده اكتشافاً جديداً في انتشال جثة فرعون من البحر وتحنيطها بعد غرقه مباشرة , حتى همس أحدهم في أذنه قائلا: لا تتعجل، فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء.

لكنه استنكر بشدة هذا الخبر , واستغربه , فمثل هذا الإكتشاف لايمكن معرفته إلا بتطور العلم الحديث وعبر أجهزة حاسوبية حديثة بالغة الدقة , فقال له أحدهم: إن قرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه وعن سلامة جثته بعد الغرق.

فازداد ذهولا وأخذ يتساءل: كيف يكون هذا وهذه المومياء لم تكتشف أصلا إلا في عام 1898 ميلادية أي قبل مائتي عام تقريبا , بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام.

وكيف يستقيم في العقل هذا , والبشرية جمعاء وليس العرب فقط لم يكونوا يعلمون شيئا عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جثث فراعنتهم إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط.

جلس (موريس بوكاي) ليلته محدقا بجثمان فرعون , يفكر بإمعان عما همس به صاحبه له من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق.. بينما الكتاب المقدس يتحدث عن غرق فرعون أثناء مطاردته لسيدنا موسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جثمانه البتة.. وأخذ يقول في نفسه: هل يعقل أن يكون هذا المحنط أمامي هو فرعون مصر الذي كان يطارد موسى !؟

وهل يعقل ان يعرف محمدهم هذا قبل أكثر من ألف عام وأنا للتو أعرفه !؟

لم يستطع (موريس) أن ينام , وطلب أن يأتوا له بالتوراة, فأخذ يقرأ في (سفر الخروج) من التوراة قوله (فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر لم يبق منهم ولا واحد).. وبقي موريس بوكاي حائرا.ً

حتى الكتاب المقدس لم يتحدث عن نجاة هذه الجثة وبقائها سليمة بعد أن تمت معالجة جثمان فرعون وترميمه.

أعادت فرنسا لمصر المومياء بتابوت زجاجي فاخر يليق بمقام فرعون.. ولكن (موريس) لم يهنأ له قرار ولم يهدأ له بال منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجثة.

فحزم أمتعته وقرر أن يسافر إلى المملكة السعودية لحضور مؤتمر طبي يتواجد فيه جمع من علماء التشريح المسلمين.

وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما اكشتفه من نجاة جثة فرعون بعد الغرق.. فقام أحدهم وفتح له المصحف وأخذ يقرأ له قوله ':﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (يونس:92)

لقد كان وقع الآية عليه شديدا.. بل رجت له نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ بأعلى صوته:( لقد دخلت الإسلام وآمنت بهذا القرآن)

رجع (موريس بوكاي) إلى فرنسا بغير الوجه الذى ذهب به.. وهناك مكث عشر سنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثا مع القرآن الكريم , والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة نص عليها قوله ':﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت:42)

كان من ثمرة هذه السنوات التي قضاها موريس أن خرج بتأليف كتاب عن القرآن الكريم هز الدول الغربية قاطبة ورج علماءها رجا , لقد كان عنوان الكتاب (القرآن والتوراة والإنجيل والعلم.. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة)

قلت: كيف كان تأثير هذا الكتاب على الأوروبيين؟

قال: لقد كان تأثيرا خطيرا.. فهو من أول طبعة له نفد من جميع المكتبات.. ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن ترجم من لغته الأصلية (الفرنسية) إلى العربية والإنكليزية والأندونيسية والفارسية والصربكرواتية والتركية والأوردوية والكجوراتية والألمانية، لينتشر بعدها في كل مكتبات الشرق والغرب.

قلت: ألم يلق هذا الكتاب ردا من الدوائر الرسمية التي تعودت على بث الشبهات عن الإسلام؟

قال: بلى.. لقد بذلوا كل جهودهم للرد عليه.. ولكنهم لم يكتبوا غير تهريج جدلي، ومحاولات يائسة أملتها عليهم وساوس الشيطان.. وقد كان آخرهم الدكتور (وليم كامبل) في كتابه المسمى (القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم) فقد شرق وغرب ولم يستطع في النهاية أن يحرز شيئا.

بل الأعجب من هذا أن بعض العلماء في الغرب بدأ يجهز رداً على الكتاب , فلما انغمس بقراءته أكثر وتمعن فيه زيادة.. أسلم ونطق بالشهادتين على الملأ.

كيث مور:

رأيت اسم (كيث مور)، فسألت البابا عنه، فقال: تعرفت على هذا الرجل في بعض الجامعات حيث تقدم ليلقي محاضرة بعنوان (مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة)، وقد قدمه مدير الجامعة[10] بقوله: محاضرنا اليوم هو الأستاذ كيث مور.. وهو أستاذ علم التشريح والأجنة في جامعة تورنتو بكندا، وقد تدرج فيها حتى وصل إلى هذه المرتبة في جامعات عديدة، منها جامعة توينابك في الغرب الكندي حيث كان هناك لمدة 11 سنة، ورأس العديد من الجمعيات الدولية، منها على سبيل المثال جمعية علماء التشريح والأجنة في كندا وأمريكا، ومجلس اتحاد العلوم الحيوية الأخرى، كما انتخب عضواً بالجمعية الطبية الملكية بكندا، والأكاديمية الدولية لعلوم الخلايا، والاتحاد الأمريكي لأطباء التشريح، وعضواً في إتحاد الأمريكتين في التشريح أيضاً، وقد ألف العديد من الكتب، بعض هذه الكتب في مجال التشريح الأكلينكي وعلم الأجنة، وله ثمانية كتب تعتبر مرجعاً لطلاب كليات الطب، وقد ترجمت إلى ست لغات: الإيطالية، والألمانية، والبرتغالية، والإسبانية، واليونانية، والصينية »

بعد هذا التقديم تقدم الدكتور مور لإلقاء محاضرته، فقال: (لقد أسعدني جداً أن أشارك في توضيح هذه الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الخلق في القرآن الكريم والحديث الشريف، ويتضح لي أن هذه الأدلة حتماً جاءت لمحمد من عند الله لأن كل هذه المعلومات لم تكتشف إلا حديثاً، وبعد قرون عدة وهذا يثبت لي أن محمداً رسول الله)[11] 

ثم قال:( إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين، لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين)

لاحظت في وجوه الجمع الحاضر سرورا عظيما، واهتماما كبيرا بما يقوله هذا الدكتور الباحث المنصف، ولاحظت فوق ذلك نفحات الصدق التي ذكرها لي معلم السلام.

حاولت أن أقترب منه لأستوضح أسرار ذلك التصريح الخطير، لكني لم أتمكن، ولكني مع ذلك رأيت الدكتور زغلول النجار الذي ذكر لي أنه قال في مؤتمر موسكو للإعجاز العلمي ( إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول مالم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن هذا القرآن لايمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله)

فقيل له بعد انتهاء محاضرته: هل أنت مسلم؟.. فقال: لا.. ولكني أشهد أن القرآن كلام الله.. وأن محمداً مرسل من عند الله، فقيل له: إذاً.. فأنت مسلم, قال: أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن[12]، ولكن لاتتعجبوا إذا سمعتم يوماً أن كيث مور قد دخل الإسلام.

قال زغلول النجار: ولقد وصلنا في العام الماضي أنه قد أعلن إسلامه فعلاً، فلله الحمد والمنة.

حاولت أن أقترب منه في مناسبة أخرى، لكني لم أتمكن، وقد أخبرني الشيخ الفاضل عبد المجيد الزنداني عن سر ذلك التوجه فقال: لقد كان النور الذي أطل منه هذا العالم الفاضل على الإسلام هو مراحل خلق الإنسان السبعة التي ذكرها القرآن في قوله ':﴿  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون 12ـ14)

فقد وجد هذا العالم أن علم الأجنة بأجهزته المتطورة يثبت هذه المراحل وتطابقها مع المراحل المذكورة في القرآن.

ثم قال لي الشيخ الزنداني: تأمل ما قاله هذا الأستاذ الكبير من مشاهير علماء العالم في الأجنة عندما درس الآيات المتعلقة بمجال اختصاصه في هذا الكتاب تأمل ماذا قال ( إنه لا بد أن يكون محمد رسولاً من عند الله، وعندما شاهد البروفيسور كيث مور العلقة التي توجد في البرك، وقارن بينها وبين الجنين في مرحلة العلقة وجد تشابها كبيراً بين الاثنين، ثم قال بعد ذلك: إن الجنين في مرحلة العلقة يشبه هذه العلقة تماماً. وتبنى هذه القضية وجاء بعد ذلك بصورة لهذه العلقة التي تعيش في البرك ووضعها بجوار صورة أخرى للجنين وجمع بينهما في شكل توضيحي وعرصه على الأطباء في عدد من المؤتمرات.

وبين البروفيسور كيث مور أيضاً أن الجنين في مرحلة العلقة يكون معلقاً في رحم أمه.. وكذلك فإن العلقة في لغة العرب تعني الدم المتجمد.

وقد ذكر البروفيسور كيث مور أن الجنين في مرحلة العلقة تكون الدماء فيه محبوسة في العروق الدموية قبل أن تتم الدورة بين الجنين وبين المشيمة فيظهر شكل الجنين كشكل الدم المتجمد.

وهكذا تشمل كلمة (العلقة) جميع أوصاف الجنين فمن أخبر محمداً r بهذا؟

ثم تحدث البروفيسور كيث مور عن المضغة، وجاء بقطعة من الطين الصلصال ومضغها بفمه، ثم جاء بصورة من جنين وقارن بين الاثنين وقال: إن الجنين يشبه المضغة.

وقد نشرت بعض الصحف الكندية كثيراً من تصريحات البروفيسور كيث مور، وأخيراً قدم كيث مور ثلاث حلقات في التلفزيون الكندي عن التوافق بين ما ذكره القرآن قبل 1400 عام وما كشف عنه العلم في هذا الزمان، وعلى أثر ذلك وجه له هذا السؤال: يا أستاذ مور معنى ذلك أنك تؤمن بأن القرآن كلام الله؟فأجاب: لم أجد صعوبة في قبول هذا، فقيل له: كيف تؤمن بمحمد وأنت تؤمن بالمسيح؟ فأجاب: أعتقد أنهما من مدرسة واحدة.

وقد قال الشيخ الزنداني معقبا على هذا:( وهكذا يمكن لعلماء العالم في عصرنا أن يعلموا أن هذا الكتاب قد نزل بعلم الله، كما قال تعالى﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) (النساء:166) فيعلمون إذاً أن محمداً رسول الله r )

قال الشيخ الزنداني ذلك، ثم أخرج لي كتابا من محفظته، وقال: هذا كتاب The Developing Human  أو أطوار خلق الإنسان.. وهو من أهم الكتب التي ألفها هذا العالم الفاضل.. وهو مرجع علمي عالمي، وعندما كونت لجنة في أمريكا لاختيار أحسن كتاب في العالم ألفه مؤلف واحد كان هذا الكتاب هو الفائز عند تلك اللجنة.

سكت قليلا، ثم قال: لي مع صاحب هذا الكتاب قصة أحب أن أعرضها عليك.. لقد التقيت بصاحب هذا الكتاب وعرضت عليه كثيراً من الآيات والأحاديث المتعلقة بمجال تخصصه في علم الأجنة، فاقتنع بما عرضت عليه، وقلت له: إنك ذكرت في كتابك القرون الوسطى، وقلت إن هذه القرون لم يكن فيها تقدم لعلم الأجنة، بل لم يعلم فيها إلا الشيء القليل، وفي هذه العصور عندكم كان القرآن ينزل عندنا، وكان محمد r يعلم الناس الهدي الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، وفيه الوصف الدقيق لخلق الإنسان ولأطوار خلق الإنسان، وأنت رجل عالمي فلماذا لم تنصف وتضع في كتابك هذه الحقائق؟

فقال: الحجة عندكم، وليست عندي، قدموها لنا.

قال الشيخ: ففعلنا، فكان هو كذلك عالماً شجاعاً.. فوضع إضافة في الطبعة الثالثة، وهي الآن منتشرة في العالم بثمان لغات يقرؤها أكابر العلماء في العالم الذين ينطقون باللغة الإنجليزية والروسية والصينية واليابانية والألمانية والإيطالية واليوغوسلافية والبرتغالية.

أكابر العلماء في العالم الناطقون بهذه اللغات يقرؤون ما أضافه البروفيسور كيث مور في هذا الباب.

فتح الشيخ الكتاب، ثم قال: اسمع ما يقول البروفيسور كيث مور في هذ الكتاب تحت عنوان (العصور الوسطى).. لقد قال: (كان تقدم العلوم في العصور الوسطى بطيئاً، ولم نعلم عن علم الأجنة إلا الشيء القليل، وفي القرآن الكريم الكتاب المقدس لدى المسلمين ورد أن الإنسان يخلق من مزيج من الإفرازات من الذكر والأنثى، وقد وردت عدة إشارات بأن الإنسان يخلق من نطفة من المني، وبين أيضاً أن النطفة الناتجة تستقر في المرأة كبذرة بعد ستة أيام، والمعروف أن البيضة الملقحة بعد أن تكون قد بدأت في الانقسام تبدأ في النمو بعد ستة أيام من الإخصاب، ويقول القرآن الكريم أيضاً: إن النطفة (المني) تتطور لتصبح قطعة من دم جامد (علقة) وأن البُييضة الملقحة بعد أن تكون قد بدأت في الانقسام، أو أن البُييضة الملقحة التي بدأت بالإنقسام أو الحمل المجهض تلقائياً يمكن أن تشبه العلقة، ويمكن رؤية مظهر الجنين في تلك المرحلة يشبه العلقة كما هو موضح (الشكل):فإن الرسم لا يختلف عن شكل العلقة أو ماص الدماء.ويكون مظهر الجنين في هذه المرحلة يشبه شيئاً ممضوغاً كاللبان أو الخشب ويظهر في (الشكل):وكأن فيها آثار الأسنان التي مضغتها، ولقد اعتبر الجنين في الشكل الإنساني بعد مضي أربعين أو اثنين وأربعين يوماً ولا يشبه بعدها جنين الحيوان. لأن الجنين البشري يبدأ باكتساب مميزات الإنسان في هذه المرحلة، كما هو مبين في (الشكل):قال تعالى: ﴿ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ﴾ (الزمر: 6) إن الجنين يتطور داخل ثلاثة حجب مظلمة. وهذا قد يشير إلى ( جدار البطن الخارجي للمرأة، وجدار الرحم، والغشاء الداخلي الذي يحيط بالجنين مباشرة)، ولا يتسع المجال لمناقشة موضوعات هامة أخرى مشوقة وردت في القرآن الكريم، وتتعلق بتطور الإنسان في مرحلة ما قبل ولادته)

أغلق الشيخ الكتاب، ثم قال: هذا الذي كتبه د. كيث مور، وأصبح منتشراً في العالم اليوم ولله الحمد هذا ما أملاه عليه البحث العلمي.

لقد اقتنع الأستاذ كيث مور أيضاً بأن التقسيم الذي تقسم إليه أطوار الجنين في بطن أمه الآن في العالم كله تقسيم صعب غير مفهوم ولا ينفع في فهم مراحل تطور الجنين، ذلك لأنه يقسم المراحل تقسيماً رقمياً أي المرحلة 1،2،3،4، أو المرحلة رقم 5 وهكذا بينما التقسيم الذي جاء بالقرآن لا يعتمد على الأرقام بل يعتمد على الأشكال المتميزة الجلية، فكانت التقسيمات في كتاب الله (نطفة ـ علقة ـ مضغة ـ عظام ـ كساء العظام باللحم ـ النشأة خلقاً آخر)، وهناك تفاصيل متفاوتة في كل منها.

عن هذه التقسيمات القرآنية التي تعتمد على الشكل المحدد المتميز عن الشكل الآخر قال البروفيسور كيث مور: هي تقسيمات علمية دقيقة، وتقسيمات سهلة ومفهومة ونافعة.

وقد وقف في أحد المؤتمرات يعلن هذا فقال:( يحمي الجنين في رحم الأم ثلاثة أحجبه أو طبقات موضحة في الشريحة التالية (الجدار البطني.. الجدار الرحمي.. الغشاء).. لأن مراحل تطور الجنين البشري معقدة، وذلك بسبب التغيرات المستمرة التي تطرأ عليه فإنه يصبح بالإمكان تبني نظام جديد في التصنيف باستخدام الاصطلاحات والمفاهيم التي ورد ذكرها في القرآن والسنة، ويتميز النظام الجديد بالبساطة والشمولية إضافة إلى انسجام مع علم الأجنة الحالي.. لقد كشفت الدراسات المكثفة للقرآن والحديث خلال السنوات الأربعة الأخيرة جهاز تصنيف الأجنة البشرية الذي يعتبر مدهشاً حيث إنه سجل في القرن السابع بعد الميلاد فيما يتعلق بما هو معلوم من تاريخ علم الأجنة لم يكن يعرف شيء عن تطور وتصنيف الأجنة البشرية حتى حلول القرن العشرين، ولهذا السبب فإن أوصاف الأجنة البشرية في القرآن الكريم لا يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع، الاستنتاج الوحيد المعقول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيت إلى محمد من الله، إذ ما كان له أن يعرف مثل هذه التفاصيل لأنه كان أمياً، ولهذا لم يكن قد نال تدريباً علمياً.

سكت الشيخ الزنداني قليلا، ثم قال: قلت للدكتور مور: إن هذا الذي قلته صحيح، ولكنه أقل مما عرض عليك من حقائق الكتاب والسنة في مجال علم الأجنة، فلم لا تكون منصفاً وتفسح المجال لبيان جميع الآيات والأحاديث التي وردت في القرآن المتعلقة بمجال اختصاصك، فقال: لقد كتبت القدر المناسب في المكان المناسب في كتاب علمي متخصص، ولكني أسمح لك أن تضيف إلى كتابي إضافات إسلامية تجمع فيها جميع الآيات والأحاديث التي تحدثنا عنها وناقشناها وتضعها في مواضعها المناسبة من كتابي هذا، وبعد ذلك تقدم وتبين أوجه الإعجاز في هذا الكتاب ففعلت ذلك.

ثم بعد ذلك وضع الدكتور كيث مور مقدمة هذه الإضافات الإسلامية.

أخرج الشيخ الزنداني نسخة أخرى من الكتاب، وقال: هذا الكتاب هو الذي اقترحه البروفيسور كيث مور مع الإضافات الإسلامية كما تراه.

ثم قال:  لقد رجعنا إلى كل صفحة من الصفحات التي فيها حقائق من علم الأجنة فوضعنا في مقابلها الآيات والأحاديث النبوية التي تبين وجه الإعجاز، إننا اليوم بإذن الله تعالى على موعد مع الإسلام في فتح جديد للعقول البشرية المنصفة.

تيجاتات تاجسن:

رأيت اسم (تيجاتات تاجسن)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا البروفيسور (تيجاتات تيجاسون).. وهو رئيس قسم علم التشريح في جامعة شيانك مي، وهو من تايلند.

وقد حدثني حديثه الشيخ عبد المجيد الزنداني[13]، فقد قال لي: بدأت صلتي بالبروفيسور تاجات تاجاسون عندما عرضنا عليه بعض الآيات والأحاديث النبوية المتعلقة بمجال تخصصه في مجال علم التشريح.

وعندما أجاب عليها قال لي: ونحن كذلك يوجد لدينا في كتبنا المقدسة البوذية أوصاف دقيقة لأطوار الجنين.

فقلت له: أنا بشوق لكي أعرف هذه الأوصاف، وأريد أن أطلع على ما كتب في هذه الكتب.

وعندما جاء ممتحناً خارجياً لطلاب الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بعد عام سألته، فاعتذر لي، وقال: كنت قد أجبتك دون أن أتثبت لهذا الأمر، ولما بحثت عنه وجدت أنه لا توجد النصوص التي ذكرتها لك.

عندئذٍ قدمت له محاضرة مكتوبة للدكتور (كيث مور)، وكان عنوان المحاضرة (مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة)، وسألته عن الأستاذ كيث مور: هل تعرفه؟ فقال: إنه رجل من كبار علماء العالم المشهورين في هذا المجال.

وبعد أن اطلع على هذه المحاضرة اندهش، وسألناه عدداً من الأسئلة في مجال تخصصه كان منها ما يتعلق بالجلد، قلت له: هل هناك مرحلة ينعدم عندها الإحساس بألم الحرق ؟

قال: نعم إذا كان الحرق عميقاً ودمر عضو الإحساس بالألم.

قلت: حسناً ما رأيك إذن أن القرآن الكريم الذى عند تاريخ نزوله على محمد r لأكثر من ألف وأربعمائة عام قد أشار إلى تلك الحقيقة العلمية عندما ذكر الطريقة التى سيعاقب الله به الكافرين يوم القيامة حيث يقول:﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:56)

فالقرآن هنا يقرر أنه عندما ينضج الجلد يخلق الله للكفار جلداً جديداً كى يتجدد إحساسهم بالألم وذلك تأكيد من جانب القرآن على أن الأطراف العصبية التى تجعل الإنسان يشعر بالألم موجودة فى الجلد.

 قال: هذا أمر يدعو للدهشة والغرابة حقيقة، فتلك معرفة مبكرة جداً عن مراكز الإحساس والأعصاب فى الجلد ولا أدرى كيف ذكر قرآنكم هذا؟

قلت: ترى أيمكن أن تكون هذه المعلومات قد استقاها محمد نبى الإسلام من مصدر بشرى؟

قال: بالطبع لا.. ففى ذلك الوقت لم تكن هناك معارف بشرية حول هذا الموضوع.

قلت:  من أين إذن وكيف عرف ذلك ؟

قال:  المؤكد عندى هو استحالة المصدر البشرى، ولكنى أسألكم أنتم من أين تلقى محمد هذه المعلومات الدقيقة ؟

قلت:  من عند الله.

قال:  الله !! ومن هو الله ؟

قلت: إنه الخالق لهذا الوجود. إذا رأيت الحكمة، الحكمة تدل على الحكيم، وإذا رأيت العلم في هذا الوجود دلك على أنه من صنع العليم، وإذا رأيت الخبرة في تكوين هذه المخلوقات دلتك على أنها من صنع الخبير. وإذا رأيت الرحمة شهدت لك على أنها من صنع الرحيم، وهكذا إذا رأيت النظام الواحد في هذا الوجود والترابط المحكم دلك ذلك على أنه من صنع الخالق الواحد سبحانه وتعالى.

بعد أن شرحت له المفهوم الإسلامى للفظ الجلالة الأعظم راقته تلك الرؤية، وعاد إلى بلاده ليحاضر عن هذه الظاهرة القرآنية التى عايشها، وتأثر بها حتى جاء موعد المؤتمر الطبى السعودى الثامن، واستمع فى الصالة الكبرى التى خصصت للإعجاز على مدى أربعة أيام لكثير من العلماء، ولا سيما غير المسلمين يحاضرون عن ظاهرة الإعجاز العلمى.

وفى ختام جلسات المؤتمر وقف البروفيسور (تاجاتات تاجاسون) يعلن: بعد هذه الرحلة الممتعة والمثيرة، فإنى أؤمن أن كل ما ذكر فى القرآن الكريم يمكن التدليل على صحته بالوسائل العلمية، وحيث أن محمداً نبى الإسلام كان أمياً إذن لابد أنه قد تلقى معلومات عن طريق وحى من خالق عليم بكل شئ.. وإننى أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

ألفريد كرونير:

رأيت اسم (البروفيسورألفريد كرونير)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا من بلدي.. هو من ألمانيا.. وهو أحد أكبر جيولوجيي العالم المشاهير, وهو أستاذ علم طبقات الأرض، ورئيس قسم علم طبقات الأرض في معهد جوسيينسيس، وجامعة يوهانز جوتينبيرج، مينز، بألمانيا.

وقد حدثني حديثه من اتفق الجميع على توثيقه عبد المجيد الزنداني[14]، فقال: التقيت به مع نفر من أصحابي، وعرضنا عليه عدداً من الآيات وأحاديث رسول الله r المرتبطة بمجال تخصصه، فأجاب عليها، وناقشناه فيها فقال: إن التفكير في كثير من مسائل الجيولوجيا، ونشأة الأجرام يحتاج إلى علم كثيرة وأجهزة حديثة، فمن أين جاء بكل ذلك محمد.. فقد كان بدوياً على أية حال يجعلنا نعتقد أنه من المستحيل أن يكون قد عرفها بنفسه أو بمعارف عصره لأن العلماء اكتشفوا ذلك فقط خلال السنوات القليلة الماضية بوسائل معقدة جداً ومتقدمة جداً تكنولوجياً.

قال الشيخ عبدالمجيد الزنداني: وقد اختار مثلاً للتدليل على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون قد جاء من عند محمد النبي الأمي، وهو المتعلق بوصف القرآن للبداية الواحدة لهذا الكون والمتعلقة بقول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (الانبياء:30)، فـ ﴿ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما أي أنهما كانتا ملتزقتين، ففصلتا[15].

وقد ضرب البروفيسور كرونر مثلاً بهذه الآية لبيان أن هذا لا يمكن أن يكون من عند محمد، ولا يمكن أن يكون من المعلومات البشرية في عصره، فقال: وشخص لا يعرف عن الفيزياء النووية منذ 1400 سنة ما كان له في رأيي أن يكون في وضع يكشف فيه بعقله هو مثلاً أن الأرض والسماوات كانت لهما نفس الأصول أو كثيراً من المسائل الأخرى التي ناقشناها هنا.

قال الشيخ الزنداني: لقد كان البروفيسور كرونر لا يترك لنا فرصة يمكنه أن يفر منها إلا فر، سأذكر مثالاً على ذلك.

فعندما كنا نتناقش معه كيف كانت بلاد العرب سألناه: هل كانت بلاد العرب بساتين وأنهاراً؟ فأجاب: نعم، فقلنا: متى كان هذا؟ قال: في العصر الجليدي الذي مر بالأرض.. فالجليد يتراكم في القطب المتجمد الشمالي، ثم يزحف نحو الجنوب، فإذا اقترب من جزيرة العرب قرباً نسبياً طبعاً تغير الطقس وتكون بلاد العرب من أكثر بلاد العالم بساتين وأنهاراً، قلنا له: وهل ستعود بلاد العرب بساتين وأنهاراً؟ قال: نعم، هذه حقيقة علمية، فعجبنا كيف يقول هذه حقيقة علمية وهي مسألة تتعلق بالمستقبل. فسألناه: لماذا؟

فقال: لأن العصر الجليدي قد بدأ، فهذه الثلوج تزحف من القطب المتجمد الشمالي مرة ثانية نحو الجنوب وهي في طريقها لتقترب من المناطق القريبة من بلاد العرب.

ثم قال: إن من أدلتنا على ذلك ما تسمعون عنه من العواصف الثلجية التي تضرب في كل شتاء المدن الشمالية في أوروبا وأمريكا. هذه من أدلة العلماء على ذلك، لهم أدلة كثيرة إنها حقيقة علمية.

فقلنا له: إن هذا الذي تذكره أنت لم يصل إليه العلماء إلا بعد حشد طويل من الاكتشافات، وبعد آلات دقيقة يسرت لهم مثل هذه الدراسات، لكنا قد وجدنا هذا مذكوراً على لسان محمد النبي الأمي قبل 1400 عام، فقد جاء في الحديث عن رسول الله r في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم [16]:« لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً »، أي بساتين وأنهاراً فقلنا له: من قال لمحمد r أن بلاد العرب كانت بساتين وأنهاراً؟ فأجاب على الفور قائلا: الرومان.

فتذكرت قدرته على التخلص من المآزق، فقلنا: إذاً نوجه له سؤالاً آخر، فقلنا له: ومن أخبره بأنها ستعود مروجاً وأنهاراً؟.. لقد كان يفر إذا أحرج وإذا وجد فرصة، ولكنه إذا وجد الحقيقة يكون شجاعاً، ويعلن رأيه بصراحة، فقال: إن هذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي من أعلى.

وبعد مناقشتنا معه علق على هذه المناقشة بكلمته هذه:( أعتقد أنك لو جمعت كل هذه الأشياء، وجمعت كل هذه القضايا التي بسطت في القرآن الكريم والتي تتعلق بالأرض وتكوين الأرض والعلم عامة، يمكنك جوهرياً أن تقول: إن القضايا المعروضة هناك صحيحة بطرق عديدة، ويمكن الآن تأكيدها بوسائل علمية، ويمكن إلى حد ما أن نقول: إن القرآن هو كتاب العلم المبسط للرجل البسيط وإن كثيراً من القضايا المعروضة فيه في ذلك الوقت لم يكن من الممكن إثباتها. ولكنك بالوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع فيه أن تثبت ما قاله محمد منذ 1400 سنة)

علي سليمان:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (علي سليمان)[17]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا دكتور في الطب.. وهو ينتمي إلى أسرة فرنسية كاثوليكية.. وقد التقيت به في فرنسا، وسألته عن سر إسلامه، فقال لي: كان لاختياري لهذه المهنة أثره في انطباعي بطباع الثقافة العلمية البحتة، وهي لا تؤهلني كثيرا للناحية الروحية.. وهذا لا يعني أنني لم أكن أعتقد في وجود اله، إلا أنني أقصد أن الطقوس الدينية النصرانية عموما والكاثوليكية بصفة خاصة، لم تكن لتبعث في نفسي الإحساس بوجوده، وعلى ذلك فقد كان شعوري الفطري بوحدانية الله يحول بيني وبين الإيمان بعقيدة التثليث، وبالتالي بعقيدة تأليه عيسى المسيح.

ولهذا كنت قبل أن أعرف الإسلام مؤمنا بالقسم الأول من الشهادتين (لا اله إلا الله).. ومؤمنا معها بهذه الآيات من القرآن ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)﴾(الإخلاص)

لهذا فإنني أعتبر أن الإيمان بعالم الغيب وما وراء المادة هو الذي جعلني أدين بالإسلام، على أن هناك أسبابا أخرى حفزتني لذلك أيضا، منها مثلا، أنني لا أستسيغ دعوى الكاثوليك أن من سلطانهم مغفرة ذنوب البشر نيابة عن الله، ومنها أنني لا أصدق مطلقا ذلك الطقس الكاثوليكي عن العشــاء الرباني والخبز المقدس، الذي يمثل جسد المسيح عيسى، ذلك الطقس الطوطمي الذي يماثل ما كانت تؤمن به العصور الأولى البدائية، حيث كانوا يتخذون لهم شعارا مقدسا، يحرم عليهم الاقتراب منه، ثم يلتهمون جسد هذا المقدس بعد موته حتى تسري فيهم روحه.

ومما كان يباعد بيني وبين النصرانية، أنها لا تحوي في تعاليمها شيئا يتعلق بنظافة وطهارة البدن، لا سيما قبل الصلاة، فكان يخيل لي أن في ذلك انتهاكا لحرمة الرب، لأنه كما خلق لنا الروح فقد خلق لنا الجسد كذلك، وكان حقا علينا ألا نهمل أجسادنا.

ونلاحظ كذلك أن النصرانية التزمت الصمت فيما يتعلق بغرائز الإنسان الفسيولوجية، بينما نرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي ينفرد بمراعاة الطبيعة البشرية.

أما مركز الثقل والعامل الرئيسي في اعتناقي للإسلام، فهو القرآن.. فقد بدأت قبل أن أسلم في دراسته.. وأنا مدين بالكثير للكتاب العظيم الذي ألفه مستر مالك بن نبي واسمه (الظاهرة القرآنية)، فاقتنعت بأن القرآن كتاب وحي منزل من عند الله.

إن من بين آيات هذا القرآن الذي أوحى الله به منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ما يحمل نفس النظريات التي كشفت عنها أحدث الأبحاث العلمية.

لقد كان هذا كله كافيا لإقنا عي وإيماني بالقسم الثاني من الشهادتين (محمد رسول الله)

وهكذا تقدمت يوم 20 فبراير سنة 1953 م إلى المسجد في باريس، وأعلنت إيماني بالإسلام، وسجلني مفتي مسجد باريس في سجلات المسلمين، وحملت الاسم الجديد (علي سلمان)

قال ذلك.. ثم ابتسم قائلا: إنني أشعر بالغبطة الكاملة في ظل عقيدتي الجديدة وأعلنها مرة أخرى (أشهد أن لا اله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله)

مارشال جونسون:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا اسم (مارشال جونسون)[18]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا هو البروفيسور (مارشال جونسون)، وهو رئيس قسم التشريح، ومدير معهد دانيال بجامعة توماس جيفرسون بفلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وقد حدثني حديثه الشيخ الثقة (عبد المجيد الزنداني)، فقال: لقد التقيت به مع نفر من أصحابنا في المؤتمر الطبي السعودي الثامن، وقد خصصت لنا لجنة تبحث في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فالتقينا به أول ما التقينا في هذه اللجنة، وقد بدأنا بالسؤال التالي: ما هو موضوع لجنتنا هذه؟

فقلنا له:موضوعنا هو دراسة العلاقة بين ما ذكر في القرآن والسنة قبل 1400 عام وما ذكرته العلوم الحديثة.

فقال: مثل ماذا؟

قلنا: مثلاً ذكر العلم أن الإنسان يخلق في أطوار وذكر القرآن الكريم هذه الأطوار قبل 1400عام.

كان جالساً فوقف يصيح: لا. لا. لا.

فقلنا: اجلس يا دكتور.

فقال: أجلس.. ما هذا الكلام الذي تقوله؟

قال الشيخ: لقد كنا ندرك أثر هذا عليه، وهو أحد العلماء المشهورين في أمريكا، وهو يعلم أن البشرية بعد اكتشاف الميكروسكوب في القرن السادس عشر كان الأطباء طوال القرن السابع عشر يعتقدون أن الإنسان يخلق خلقاً كاملاً في الحيوان المنوي أي في نطفة الرجل أي في السلالة التي تخرج من الرجل، واستمر هذا الاعتقاد إلى القرن الثامن عشر، وبعد اكتشاف البُييضة في القرن 18 غير العلماء جميعاً آراءهم، فقالوا: إن الإنسان يخلق خلقاً كاملاً في بُييضة المرأة لأنها أكبر، وأهمل دور الرجل بعد أن أهمل القرن السابع عشر دور المرأة، وفي منتصف القرن 19 فقط بدأ الإنسان، وبدأ العلماء يكتشفون أن الإنسان يخلق في أطوار.

لذلك لما قيل للبروفيسور (مارشال جونسون) هذا مذكور في القرآن قبل 1400 عام وقف يصرخ لا لا لا، فقمنا إليه، وقدمنا له المصحف، وقلنا له: تفضل اقرأ وقرأنا عليه قوله ':﴿ مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (نوح:13-14)، وقرأ ترجمة معناها باللغة الإنجليزية. ثم قرأنا عليه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ (الزمر: من الآية6)

فجلس، وقال: لكن هذا يمكن أن يكون له ثلاثة تفسيرات، الأول: أن يكون صدفة، فجمعنا له أكثر من خمسة وعشرين نصاً، ووضعناها بين يديه، وقلنا: كل هذه النصوص قد تكون صدفة؟ ثم إن القرآن الكريم قد أعطى لهذه الأطوار أسماء هذا نطفة والذي بعده علقة والذي بعده مضغة والذي بعده العظام والذي بعده كساء العظام باللحم. إنه سمى هذه الأطوار بأسماء أيكون هذا صدفة؟ فقال:لا.

قلنا: فماذا بقي؟

قال: يمكن أن يقال: إن محمداً عنده ميكروسكوبات ضخمة.

قلنا: أنت تعلم أن مثل هذه الأطوار والدقائق والتفاصيل وما عرفه العلم من تفاصيل هذه الأطوار وذكره القرآن كذلك هذا لا يتيسر إلا بميكروسكوبات ضخمة جداً والذي عنده هذه الميكروسكوبات الضخمة لا بد أن يكون له تقنية عالية جداً وتنعكس على طعامه وشرابه وحربه وسلمه ولا بد أن يتلقى هذا من الجيل الذي قبله، ويسلمه للجيل الذي بعده.

فضحك بعد ذلك، وقال: لقد رأيت في معرض من المعارض أول ميكروسكوب اخترع في العالم، إنه لا يكبر أكثر من عشر مرات، ولا يستطيع أن يظهر الصورة واضحة.. لا.. لم يكن عند محمد أجهزة ولا مكروسكوبات، فما بقي إلا أن نقول هو رسول من عند الله.

ثم بعد ذلك تبنى هذه الأبحاث المتعلقة بالإعجاز العلمي، وركز في بعض أبحاثه على أطوار الجنين، فبينما كان الدكتور كيث مور وغيره من الدكاترة يتكلمون عن الشكل الظاهري أخذ يقدم بحثه هو عن وصف القرآن الدقيق لشكل الجنين الخارجي ولتركيبات الجنين الداخلية.

فقد قال: القرآن في الواقع شرح المراحل الخارجية، ولكنه يؤكد أيضاً المراحل التي داخل الجنين أثناء خلقه وتطوره مؤكداً على أحداث رئيسية تعرف عليها العلماء المعاصرون.

فالمضغة مثلا تعطينا الشكل الخارجي للجنين الذي يكون مقوساً كما ويكون في نهاية هذا القوس آثار وكأنها طبع الأسنان ليوحي بشكل المضغة ونرى انتفاخات وأخاديد ونرى سطحاً منفرجاً يعطي انطباع المضغة.

ولو أننا وضعنا قطاعاً منها، وجئنا نشرح الأجزاء الداخلية سنجد معظم الأجهزة قد تخلقت وسنرى في هذا أن جزءاً من الخلايا قد تخلق، وجزءاً آخر لم يتخلق بعد.

فإذا أردنا أن نصف هذه المضغة ماذا نقول؟.. هل نقول هي مخلقة؟ هذا ينطبق على الجزء الذي تخلق.. أو نقول غير مخلقة؟.. وهذا سيصدق على الجزء الذي لم يخلق فقط.

قال جونسون: فلا بد لنا أن نصف المضغة في تركيبها الداخلي بالوصف الذي وصفت به في القرآن فنقول كما قال القرآن: ﴿ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ (الحج: من الآية5) مخلقة وغير مخلقة﴾

ثم جاء بملخص لبحثه هذا فقال:( إنني كعالم أستطيع فقط أن أتعامل مع أشياء أستطيع أن أراها بالتحديد أستطيع أن أفهم علم الأجنة وتطور علم الأحياء أستطيع أن أفهم الكلمات التي تترجم لي من القرآن كما ضربت لكم أمثلة من قبل.

إنني لا أرى شيئاً لا أرى سبباً لا أرى دليلاً على حقيقة تفند مفهوم هذا الفرد محمد الذي لا بد وأنه يتلقى هذه المعلومات من مكان ما، ولذلك إنني لا أرى شيئاً يتضارب مع مفهوم أن التدخل الإلهي كان مشمولاً فيما كان باستطاعته أن يبلغه.

قال الشيخ الزنداني: هذا هو البروفيسور مارشال جونسون الذي بدأ رافضاً لما قلناه من أول وهلة وانتهى به الأمر متبنياً لهذه الأبحاث في عديد من المؤتمرات.

وعندما سئل عن رأيه في تفسير هذه الظاهرة ـ ظاهرة ما كشفه العلم من تصديق لما جاء في القرآن والسنة ـ أجاب بقوله: نعم، إنه الوحي.

يوشيودي كوزان:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور يوشيودي كوزان)، فسألت البابا عنه، فقال: إنه البروفيسور يوشيودي كوزان مدير مرصد طوكيو، وقد حدثني حديثه الشيخ الثقة عبد المجيد الزنداني، فقال: التقيت به مع نفر من أصحابي، فعرضنا عليه عدداً من الآيات المتعلقة بوصف بداية الخلق وبوصف السماء وبعلاقة الأرض بالسماء، فلما قرأ معاني هذه الآيات، وسألنا عن القرآن، وعن زمن نزوله، فأخبرناه أنه نزل منذ 1400 عام، وسألناه نحن عن هذه الحقائق التي تعرضت لها هذه الآيات، فأجاب، وكان بعد كل إجابة يجيب بها نعرض عليه النص القرآني.

لقد عبر عن دهشته فقال: إن هذا القرآن يصف الكون من أعلى نقطة في الوجود، فكل شيء أمامه مكشوف.. إن الذي قال هذا القرآن، يرى كل شيء في هذا الكون، فليس هناك شيء قد خفي عليه.

سألناه عن الفترة الزمنية التي مرت بها السماء يوم أن كانت في صورة أخرى فأجاب: لقد تظافرت الأدلة وحشدت وأصبحت الآن شيئاً مرئياً مشاهداً نرى الآن نجوماً في السماء تتكون من هذا الدخان الذي هو أصل الكون.

ثم أخرج لنا صورة، وقال: هذه الصورة حصل عليها العلماء أخيراً بعد أن أطلقوا سفن الفضاء.. إنها تصور نجماً من النجوم وهو يتكون من الدخان.. انظروا إلى الأطراف الحمراء للدخان الذي في بداية الالتهاب والتجمع وإلى الوسط الذي اشتدت به المادة وتكدست فأصبح شيئاً مضيئاً.. وهكذا النجوم المضيئة كانت قبل ذلك دخاناً وكان الكون كله دخاناً.

وعرضنا عليه الآية وهي قول الله ':﴿  ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11)، فقال: إن بعض العلماء يتكلمون عن هذا الدخان، فيقولون إنه ضباب.. ولكن لفظ الضباب لا يتناسب مع وصف هذا الدخان، لأن الضباب يكون بارداً، وأما هذا الدخان الكوني فإن فيه شيئاً من الحرارة. نعم، الدخان عبارة عن غازات تعلق فيها مواد صلبة. ويكون معتماً وهذا وصف الدخان الذي بدأ منه الكون. قبل أن تتكون النجوم كان عبارة عن غازات تعلق فيها مواد صلبة وكان معتماً.. وكذلك كان حاراً، فلا يصدق عليه وصف الضباب، بل إن أدق وصف هو أن نقول: هو دخان.

وهكذا أخذ يفصل فيما عرض عليه من آيات، وأخيراً سألناه: ما رأيك في هذه الظاهرة التي رأيتها بنفسك، العلم يكشف بتقدمه أسرار الكون، فإذا بكثير من هذه الأسرار قد ذكرت في القرآن، أو ذكرت في السنة.. هل تظن أن هذا القرآن جاء إلى محمد r من مصدر بشري؟

قال: قبلنا كان الفلكيون المعاصرون يدرسون تلك القطع الصغيرة في السماء. لقد ركزنا مجهودنا لفهم هذه الأجزاء الصغيرة لأننا نستطيع باستخدام التلسكوب أن نرى كل الأجزاء الرئيسية في السماء، ولذلك أعتقد أنه بقراءة القرآن وبإجابة الأسئلة أنني أستطيع أن أجد طريقاً في المستقبل للبحث في الكون.

وقال: إننا نحن العلماء نركز على جزء صغير في دراستنا، أما من يقرأ القرآن فإنه يرى صورة واسعة لهذا الكون.

وقال: إنني عرفت منهجاً جديداً في دراسة الكون لا بد أن ننظر إليه نظرة شاملة لا أن ننظر إليه من هذه النقطة الضيقة الجزئية المحدودة.

وقال: إنني سأنهج هذا المنهج وقد عرفت بعد أن قرأت القرآن وهذه الآيات المتعلقة بالكون عرفت مستقبلي، أي إنني سأخطط أبحاثي على هذه النظرة الشاملة التي استفدتها من كتاب الله.

جولي سمسون:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور جولي سمسون)[19]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا أستاذ أمراض النساء والولادة في جامعة نورث وستون في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد حدثني حديثه الشيخ الثقة عبد المجيد الزنداني، فقال: قصدته مع نفر من أصحابنا، وحدثناه عن مجال اختصاصه، وما ورد عنه في القرآن الكريم.. فكان في شك أول الأمر.. فقد كان يريد أن يتأكد هل هذه نصوص القرآن؟.. هل هذه نصوص السنة؟.. فلما اطمأنت نفسه، ورأى النصوص المتعلقة بالوراثة، والتي تحدث في المراحل الأولى في الجنين عندما يكون نطفة، وعرف دقة الأوصاف، وكيف أن القرآن يقرر أن الإنسان يخلق بعد أن تجمع النطفتان، فيتقرر خلق الإنسان، وبعد ذلك يقرر البرنامج الوراثي في هذه الكروموزومات التي نشاهدها الآن.

هذه الكروموزومات فيها تفاصيل الإنسان الذي يولد لون العينين، لون الجلد، لون الشعر، كثير من تفاصيل الإنسان مقررة هنا، فالإنسان في هذه الكروموزمات مقدر، وهذه الكروموزمات في مرحلة النطفة، إذاً فهذا الإنسان يقدر وهو في مرحلة النطفة، كما قال ':﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) (عبس)، والجنين قبل أربعين يوماً ـ خلال الأربعين يوماً الأولى ـ تجمع جميع أجهزته، فتكون جميع الأجهزة قد ظهرت، وإن كانت تظهر تباعاً، بدأت الأجهزة تتخلق وتجمع، والجنين يكون منحنياً على نفسه، والرسول r  يقول:« إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً »

تعرض البروفيسور جولي سممسون لهذا الحديث والحديث الآخر:« إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها »، وأخذ يقارن بين الحديثين والحد الفاصل بينهما، وبعد أن رأى هذه الدقائق والتفاصيل وقف في أحد المؤتمرات يعلن رأيه حول هذا الموضوع، فقال: من هذين الحديثين يمكننا استخلاص جدول محدود حول التطور الرئيسي للجنين قبل أربعين يوماً.

ولم يكتف بهذه الشهادة، بل إنه قال: إن بإمكان الدين أن يقود العلم قيادة ناجحة.

وقال: وعليه أعتقد أنه لا يوجد خلاف بين المعرفة العلمية وبين الوحي بل إن الوحي ليدعم أساليب الكشف العلمية التقليدية المعروفة حينئذٍ. وجاء القرآن قبل عدة قرون مؤيداً لما تطرقنا إليه مما يدل على أن القرآن هو كلام الله.

البروفيسور هاي:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور هاي)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا البروفيسور من أشهر علماء البحار في أمريكا، وقد حدثني حديثه الشيخ الثقة عبد المجيد الزنداني، فقال: ذهبت إليه مع نفر من أصحابنا، وسألناه عن كثير من الظواهر البحرية التي تتعلق بسطح البحر، والتي تتعلق بالحد الفاصل بين البحر السطحي وبين البحر العميق، والتي قد تتعلق أيضاً بقاع البحار وجيولوجيا البحار.. سألناه عن هذا كله، وسألناه عن الحواجز المائية بين البحار المختلفة، وعن الحواجز المائية بين مياه البحار والأنهار [20].

وقد كان يجيبنا عن هذا كله، وبتفصيل، وعندما تعرضنا لشرح الحواجز بين البحار المالحة وضح لنا أن البحار المالحة ليست كما تشاهدها العين بحراً واحداً، إنها بحار مختلفة، تختلف في درجة الحرارة، والملوحة والكثافة، حيث نرى فيها خطوطاً بيضاء تمثل الحواجز بين الكتل البحرية، وكل حاجز يفصل بين كتلتين بحريتين مختلفتين فيما بينهما، في الحرارة والملوحة والكثافة، والأحياء المائية وقابلية ذوبان الأوكسيجين.

وقد أخرج لنا من محفظته صورة توضح ذلك، ثم قال: هذه الصورة أول ما عرفت في عام 1942 بهذا الشكل بعد أن أقام العلماء مئات المحطات المائية في البحار لدراسة خصائص البحار.. وهي توضح حداً فاصلاً بين البحر الأبيض المتوسط وبين المحيط الأطلنطي.. في الوسط الذي في الصورة مثلث هو عتبة جبل طارق أسفل.. وهذه منطقة جبل طارق نرى فيها كيف يوجد الحد الفاصل، وهو مبين باللون بين الكتلتين المائيتين يفصل بينهما.

ثم التفت إلينا، وقال: هذا أمر لا تشاهده الأبصار، ولكنه أصبح الآن حقيقة واضحة، وبتطور الأقمار الصناعية ودراستها واستشعارها من بعد تمكنت هذه الأقمار الصناعية أن تصور هذه المناطق البحرية، الحدود البحرية بين الكتل المختلفة.. كما نرى في هذا الشكل الذي التقط بالأقمار الصناعية بالخاصية الحرارية فظهرت البحار بألوان مختلفة، كما نرى بعضها بلون أزرق فاتح وبعضها بلون أزرق قاتم وبعضها بلون أسود وبعضها بلون يميل إلى الأخضر.. هذه الألوان المختلفة السبب فيها اختلاف درجات الحرارة على سطح البحار، ولكنك لو وقفت على سطح البحر لا ترى.. لا ترى إلا ماءً أزرق في كل هذه البحار والمحيطات.. إنها حواجز لا ترى إلا بالدراسة وبالتقنية الحديثة.

عندما عرض لنا ذلك، وشرحه لنا بالتفصيل قرأنا عليه من القرآن الكريم ما يدل عليه دلالة واضحة، وذلك في قوله ':﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (الرحمن:19-20)، ثم سألناه: ما رأيك في هذه الظاهرة؟.. نصوص نزلت قبل 1400 عام تصف دقائق لا يمكن لبشر أن يعرفها في ذلك الزمان، وجاء العلم اليوم شاهداً بها مبيناً لدقائقها فما هو رأيك؟

فقال البروفيسور هاي: إنني أجد من المثير جداً أن هذا النوع من المعلومات موجود في آيات القرآن الكريم، وليست لدي طريقة أعرف بها من أين جاءت، ولكنني أعتقد أنه من المثير للغاية أنها موجودة فيه، وأن العمل مستمر لكشف معاني بعض الفقرات.

فقلنا: إذن فقد أنكرت تماماً أنها من مصدر بشري.. فممن إذن يأتي في اعتقادك أصل أو مصدر هذه المعلومات؟

فقال: أعتقد أنه ولا بد أن يكون من الله.

البروفيسور فان برسود:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور فان برسود)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا البروفيسور فان برسود، وهو رئيس قسم التشريح بكلية الطب بمينوتوبا بكندا، وقد حدثني حديثه الشيخ الصالح الثقة عبد المجيد الزنداني، فذكر أن الدكتور (كيث مور) الذي سبق الحديث عنه ذكر له أن هناك علماء أحرارا يهمهم البحث عن الحقيقة، ومنهم البروفيسور فان برسود.. وهو مؤلف مشهور له عدد من الكتب ألفها في علم أمراض النساء، وهو ممن أضاف ـ بعد ذلك ـ إلى كتبه بعض ما جاء في القرآن والسنة، وأشار إلى هذه الآيات والأحاديث في كتبه، وقدم عدداً من البحوث في عدد من المؤتمرات، وكان من ضمن أبحاثه ما قدمه حول حديث رسول الله r الذي رواه مسلم وهو قول رسول الله r:« إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء »

وقدم البروفيسور برسود أبحاثاً كثيرة حول علاقة القرآن والسنة بالعلوم الحديثة، وكان من ضمن أبحاثه ما قدمه في معنى حديث رسول الله r الذي رواه ابن ماجه والحاكم وهو قول رسول الله r:« ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم »

ومما قاله في بحثه هذا: من المعترف به الآن على نطاق واسع أن هذه التغيرات الخبيثة في عنق الرحم لها صلة بعمر النساء، وعدد مرات الجماع، وعدد مرات الولادة، فعديد من دراسات علم الأوبئة قد أظهرت بوضوح علاقة متبادلة هامة بين التعرض للعلاقات الجنسية المتعددة، والسرطان العرضي المحتمل الحدوث بدرجة عالية.

وقال: إن نتائج ومخاطر العلاقات الجنسية غير الشرعية، والممارسات الجنسية المنحرفة، قد ذكرت في هذا الحديث منذ 1400 سنة وأرجو أن أكون مصيباً ـ مشيراً إلى مرض الإيدز ـ:« ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم »، فالفاحشة هي الخيانة والشذوذ الجنسي غير المعلن والبوهيمية، وكل العلاقات الجنسية الأخرى، وليس من اتساع الخيال أن نعتبر الهربز والإيدز كأمثلة واضحة لأمراض جديدة في الوقت الحاضر ليس لدينا العلاج لها.

وقد قال الشيخ الزنداني معلقا على هذا مخاطبا الحاضرين: انظروا إلى هذا الربط بين قول الرسول r:« ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم »، فلما أعلنت أوروبا وأمريكا إباحة الشذوذ وإباحة الزنا والفجور بأشكاله ما إن أعلنوا هذا وأذاعوا به حتى ظهرت بعد ذلك بأعوام هذه الأمراض التي تهز كيانهم هزاً.

وصدق رسول الله r، فهي أمراض جديدة، طاعون فشا، وأمراض تفشو وتسري بين الناس وهم يخافونها.

وقد ذكر الشيخ أن البروفيسور برسود عندما سئل عن رأيه في هذه الظاهرة التي اطلع بنفسه عليها وشارك بأبحاثه فيها قال: الطريقة التي شرح لي بها هو أن محمداً r كان رجلاً عادياً جداً، ولم يكن يقرأ ولم يكن يكتب، بل كان في الواقع أمياً، ونحن نتحدث عنه أنه كان منذ 1400 سنة رجلاً أمياً يدلي بتصريحات عميقة ودقيقة بصورة مدهشة، وذات طبيعة علمية، وأنا شخصياً لا أستطيع أن أرى كيف يكون هذا مجرد مصادفة، هناك أشياء كثيرة دقيقة مثل دكتور كيث مور لا أجد صعوبة في أن أوافق في عقلي أن هذا إلهام إلهي أو وحي قاده إلى هذه البيانات.

البروفيسور بالمار:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور بالمار)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا رجل من أشهر علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان رئيس اللجنة التي أشرفت على الاحتفال المئوي للجمعية الجيولوجية الأمريكية.

وقد حدثني حديثه الشيخ الصالح الثقة عبد المجيد الزنداني، فقال: عندما التقينا معه وعرضنا عليه أوجه الإعجاز العلمي للقرآن والسنة كان يندهش، وأذكر قصة لطيفة بدأت معه عندما قلنا له: إن القرآن يذكر أخفض منطقة في الأرض وبين أنها قرب بيت المقدس، حيث دارت المعركة بين الفرس والروم، كما جاءت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿ الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)﴾(الروم)، وأدنى تأتي بمعنى أقرب، وتأتي بمعنى أخفض.

وذكرنا له أنه عندما درسنا أخفض منطقة في الأرض وجدنا أنها هي نفس المنطقة التي دارت فيها المعارك.. فلما قلنا هذا للبروفيسور بالمار، قال: لا… هناك مناطق كثيرة أخفض من هذه المنطقة.

قال ذلك، ثم أخذ يذكر لنا مناطق في أوروبا ومناطق في أمريكا، فقلنا له: يا دكتور نحن قد تأكدنا من ذلك.

كان معه مصور جغرافي مجسم فيه الارتفاعات والانخفاضات، فقال: إذاً الأمر بسيط، هذا هو المجسم يبين لنا أخفض منطقة، فأدار الكرة الأرضية بيده ـ وهي كرة مجسمة ـ ووجه نظره على المنطقة المحددة، وهي قرب بيت المقدس، فإذا به يرى سهماً قد خرج من تلك الخريطة مكتوباً عليه (أخفض منطقة على وجه الأرض)

ثم بعد ذلك تحول بسرعة، وقال: هذا كلام صحيح.

وقد رغبه هذا السبق القرآني في المزيد.. وقد ازداد اندهاشه عندما وجد القرآن يصف الماضي كيف بدأ، وخلق الأرض كيف بدأ، وخلق السماء، وكيف خرجت المياه من باطن الأرض، وكيف أُرسيت الجبال، وكيف خرجت النباتات.. وغيرها كثير.

واندهش عندما رأى القرآن يصف هذه الأحداث، ثم كيف يصف سطح الأرض اليوم ويصف الجبال ويصف ما عليها من ظواهر، ثم يصف الأحوال التي تمر بها الأرض، كما حدث بالنسبة لجزيرة العرب، بل ويصف ما سيكون عليه حال بلاد العرب، وما سيكون عليه حال الأرض.فقال: (هذا الكتاب عجيب يصف لنا الماضي، ويصف لنا الحاضر، ويصف لنا المستقبل)

وقد قدم بحثاً في القاهرة حول الإعجاز في مجال علم الجيولوجيا، ثم ختم بحثه هذا بقوله: (أنا لا أعلم المستوى الثقافي الذي كان عليه الناس في زمن محمد.. ولا أدري في أي مستوى علمي كانوا، فإذا كان الأمر كما نعرف عن أحوال الأولين والمستوى العلمي المتواضع والذي ليس فيه هذه الإمكانيات، فلا شك أن هذا العلم الذي نقرؤه الآن في القرآن هو نور من العلم الإلهي قد أوحي به إلى محمد )

وقد أنهى بحثه بالتصريح التالي: (لقد قمت ببحث في تاريخ الحضارة المبكر للشرق الأوسط لأعرف إذا كان في الواقع قد وردت أنباء جادة كهذه، إذا لم يكن هناك سجل كهذا فإن هذا يقوي الاعتقاد بأن الله قد أرسل من خلال محمد مقادير ضئيلة من علمه اكتشفناها فقط في الأزمنة الحديثة، إننا نتطلع إلى حوار مستمر في موضوع العلم في القرآن في سياق الجيولوجيا)

وقد علق الشيخ الزنداني على تصريحه هذا تعليقا هاما، فقال: نعم، هذا علم من أعلام الجيولوجيا في عالمنا المعاصر في الولايات المتحدة الأمريكية لا يتردد في أن يعترف ويقدم ويبين ولكنه بحاجة إلى من يوضح له الحقيقة، لقد عاش الغربيون وكذلك الشرقيون معركة بين الدين والعلم، وكان لا بد أن تحدث هذه المعركة، لأن كل الأديان قد حرفت وما بعث الله محمداً r بالإسلام إلا لتصحيح ما أفسده هؤلاء.

وأذكر أن بعض الناس سأله حينها: كيف سيقبل منا هؤلاء الناس ونحن في تخلف ونحن في بعد عن ديننا؟

فأجاب: إن العلم يفتح بصائر أهله، إنهم ينظرون إلى الحقائق ولا ينظرون إلى الصور، إن رصيد الإسلام اليوم هو هذا العلم والتقدم العلمي. فإن هذا العالم يحني رأسه إجلالاً لكتاب الله وسنة رسول الله r ثم إن الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تطمئن إلا مع الإيمان.. إن الناس بدون إيمان في قلق وضياع، ثم إن هذه الحرية التي يتمتع بها أهل الغرب تعين علماءهم على أن يقولوا الكلمة التي يعتقدونها، وهم لا يبالون ولا يحسبون أي حساب، وها هم كما سمعناهم في كثير من هذه الحلقات، يقرون ويعترفون بالمعجزة القرآنية الحية المتجددة إلى قيام الساعة.

البروفيسور سياويدا:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور سياويدا)، فسألت البابا عنه، فقال: لقد حدثني حديثه الشيخ الصالح الثقة عبد المجيد الزنداني، فذكر أنه من أشهر علماء جيولوجيا البحار في اليابان، بل هو من العلماء المشاهير في العالم في هذا المجال.

وقد ذكر لي أنه ممن حجبوا عن الإسلام بسبب الشبهات الكثيرة التي يسوقها أعداؤه عنه كل حين.. بل ملئ رأسه بتشويشات وشبهات عن كل الأديان.

وقد ذكر لي حواره معه الذي حاول من خلاله تخليصه من تلك الشبهات، فقال: عندما التقينا معه أول مرة ـ أنا ونفر من أصحابنا ـ قال لنا: لا يصح أن تتحدثوا أنتم أهل الدين أبداً.. يجب أن تسكتوا في الدنيا كلها.

قال الشيخ: فقلت له: لماذا يا بروفيسور؟.. لماذا؟

قال: لأنكم إن تكلمتم أشعلتم الحرب بين الناس في العالم كله.

فقلت له: وحلف وارسو.. وحلف الأطلسي.. لماذا يحشدون هذه الترسانات الهائلة من الأسلحة النووية في الفضاء وفي البحار وعلى الأرض وتحت الأرض؟.. لماذا هذا؟.. أبسبب ديني؟

فلم يجد ما يجيب به، فقلنا له: على أي حال نحن نعلم أنك تتخذ موقفاً من الدين كله، ولكن نريد منك، وطالما أنت لا تعرف ما هو الإسلام أن تسمع أولاً، وأن نرى ما عندك.

قال الشيخ: فوجهنا له عدداً من الأسئلة في مجال تخصصه، وعن الآيات والأحاديث التي تصف تلك الظواهر التي يتحدث عنها، وكان منها ما طلبنا منه أن يبينه في موضوع الجبال، فقد سألناه: ما هو شكل الجبل؟.. هل هو في شكل وتد؟

فأجاب: الجبال القارية والجبال المحيطية تتكون من مواد مناسبة، فالجبال القارية مكونة جوهرياً من مواد راسبة، بنيما الجبال المحيطية مكونة من صخور بركانية، والجبال القارية تكونت بواسطة قوى ضاغطة، بينما الجبال المحيطية تكونت بواسطة قوى تمديدية، ولكن النقاط المشتركة بين النوعين من الجبال هي: أن لها جذوراً لتدعم الجبال.

في حالة الجبال القارية فإن المادة الخفيفة القليلة الكثافة التي تكون الجبل تمتد تحت الأرض كجذر.. وفي حالة الجبال المحيطية هناك أيضاً مادة خفيفة تدعم الجبل كجذور ولكن في حالة الجبال المحيطية فإن مادتها الخفيفة مناسبة للتركيب الخفيف ولكنه ساخن ولذلك، فإنها ممتدة بطريقة رقيقة، ولكن من وجهة نظر الكثافة، فإنهما تؤديان نفس المهمة، وهو دعم الجبل، ولذلك فإن مهمة الجذور هي دعم الجبال وفق قانون أرشميدس عن الطفو.

قال الشيخ: ثم شرح لنا البروفيسور سياويدا شكل كل جبل سواء كان على اليابسة في القارات أو في قاع المحيطات، وذكر في كل ذلك على شكل وتد، وهو يوافق تماما ما ذكره القرآن من وصف الجبال بكونها أوتادا.

قال الشيح: وعندما سألنا البروفيسور سياويدا عن وظيفة الجبال: ألها دور في تثبيت القشرة الارضية؟ فقال: إلى الآن لم يكتشف العلم هذا.

فأخذنا نبحث، ونسأل فوجدنا كثيراً من علماء الجيولوجيا يجيبون علينا بنفس الجواب إلا القليل ـ ومن هؤلاء أصحاب كتاب (الأرض) وهو مرجع علمي في كثير من الجامعات في العالم.. ومن الذين كتبوه فرانك برس، وقد كان رئيس أكاديمية العلوم في أمريكافقد ذكر في صفحة 435 عن وظيفة الجبال يقول:إن للجبال دوراً كبيراً في تثبيت قشرة الأرض.

فذكرنا ذلك لهذا البروفيسور وعرضنا عليه تقريرات القرآن المرتبطة بهذا، ومن ذلك قوله ':﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) (النازعـات:32)، وقوله ':﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً) (النبأ:7)، وقوله ':﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (النحل:15)

وقلنا له: يا أستاذ.. ما رأيك في هذا الذي رأيته من ظاهرة حديث القرآن والسنة عما في هذا الكون من أسرار، الأمر الذي لم يكتشفه العلم إلا في هذا الزمان.

فأجاب على سؤالنا بقوله: أعتقد أنه يبدو لي غامضاً جداً جداً غير معقول تقريباً، إنني أعتقد حقيقة إن كان ما قلته صحيحاً، فإن هذا الكتاب جدير جداً بالملاحظة، إنني أوافقك.

قال الشيخ: ماذا يستطيع العلماء أن يقولوا، لا يمكنهم أن ينسبوا هذا العلم الذي أنزله الله على محمد r في هذا الكتاب، لا يمكنهم أن ينسبوا هذا العلم في هذا الكتاب إلى مصدر بشري، أو إلى جهة علمية في ذلك العصر، فإن جميع العلماء ما كانوا يعلمون شيئاً عن هذه الأسرار.. إن البشرية كلها لم تعلم شيئاً عن ذلك، إنهم لا يملكون أن يجدوا تفسيراً إلا أن يقولوا هذا من جهة أخرى هي وراء هذا الكون.. نعم، إنه وحي من الله سبحانه وتعالى، أوحى به إلى عبده النبي الأمي محمد r، وجعله معجزة باقية دائمة تستمر مع البشرية إلى قيام الساعة.

البروفيسور آرمسترونج:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور آرمسترونج)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا البروفيسور آرمسترونج، وهو أحد مشاهير علماء الفلك في أمريكا، ويعمل في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وهو من مشاهير علمائها.

وقد حدثني بخبره الشيخ عبد المجيد الزنداني، فقال: قصدته مع نفر من أصحابنا لنسأله عن عدد من الآيات الكونية المتعلقة بمجال تخصصه في الفلك.

وكان من جوابه لنا قوله: سأحدثكم كيف تكونت كل العناصر على الأرض، لقد اكتشفناها.. بل لقد أقمت عدداً من التجارب لإثبات ما أقول لكم.

إن العناصر المختلفة تجتمع فيها الجسيمات المختلفة من الكترونات وبروتونات وغيرها لكي تتحد هذه الجسيمات في ذرة كل عنصر يحتاج إلى طاقة.

وعند حسابنا للطاقة اللازمة لتكوين ذرة الحديد وجدنا أن الطاقة اللازمة يجب أن تكون كطاقة المجموعة الشمسية أربع مرات، ليست طاقة الأرض ولا الشمس ولا القمر ولا عطادر ولا زحل ولا المشتري كل هذه المجموعة الشمسية بأكملها لا تكفي طاقتها لتكوين ذرة حديد، بل تحتاج إلى طاقة مثل طاقة المجموعة الشمسية أربع مرات.

ثم قال هو من نفسه بدون سؤال منا: ولذلك يعتقد العلماء أن الحديد عنصر غريب وفد إلى الأرض ولم يتكون فيها.

وهنا ذكرنا قول الله ':﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ (الحديد: من الآية25)، ثم سألناه: هل في هذه السماء فروج وشقوق؟

فقال: لا، إنكم تتكلمون عن فرع من فروع علم الفضاء اسمه الكون التام، وهذا الكون التام ما عرفه العلماء إلا أخيراً، لو أخذت نقطة في الفضاء وتحركت مسافة معينة إلى اتجاه وتحركت بنفس المسافة في اتجاه آخر لوجدت أن وزن الكتلة في كل الاتجاهات متساو لأن هذه النقطة متزنة فيجب أن تكون الضغوط عليها من كل جانب متساوية. والكتلة يجب أن تكون كذلك. ولو لم يكن هذا الاتزان لتحرك الكون وحدث فيه تصدع وشقوق.

قال الشيخ: فذكرت قول الله ':﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (قّ:6)

ثم تحدثنا معه عن جهود العلماء في محاولاتهم الوصول إلى حافة الكون، وقلنا له: هل وصل العلم إلى معرفة حافة الكون؟

فقال: نحن في معركة للوصول إلى حافة الكون.. إننا نكبر أجهزة، ثم ننظر من خلالها، فنكتشف نجوماً ونكتشف أننا ما زلنا بداخل هذه النجوم ما وصلنا إلى الحافة؟

قال الشيخ: وأنا أعلم من قوله ':﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ (الملك: من الآية5) أن كل هذه النجوم هي زينة للسماء الدنيا.

قال البروفيسور: ولذلك نحن نفكر في إقامة التلسكوبات في الفضاء حتى لا يكون هذا الغبار والأشياء من الظواهر الجوية الموجودة على الأرض من العوائق التي تحول بيننا وبين هذه الرؤيا.. إن التلسكوبات البصرية التي تستعمل الضوء أو البصر عجزت ولم تستطع أن تتجاوز بنا مسافات كبيرة، فعوضنا عن هذه التلسكوبات البصرية بتلسكوبات لا سلكية فوجدنا مسافات جديدة، ولكن لا زلنا داخل الحدود.

قال الشيخ: فذكرت قول الله ':﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) (الملك)

قال الشيخ: وهكذا بقي يذكر الحقائق العلمية، ونحن نذكر له الآيات المرتبطة بها، وهو يوافق على ذلك، ثم قلنا له: ها أنت ذا قد رأيت بنفسك حقائق علم الفلك الحديث بعد أن استخدم الإنسان هذه الأجهزة والصواريخ وسفن الفضاء واكتشفت هذه المعلومات، ها أنت ذا قد رأيتها ثم رأيت كيف جاءت في نصوص القرآن الكريم قبل 1400 عام فما رأيك في هذا؟

فأجاب: هذا سؤال صعب.. ظللت أفكر فيه منذ أن تناقشنا هنا.. وإنني متأثر جداً كيف أن بعض الكتابات القديمة تبدو متطابقة مع علم الفلك الحديث بصورة ملفتة للأنظار، لست عالماً وافياً في تاريخ البشرية، وفي صورة يعتمد عليها بحيث ألقي بنفسي تماماً في ظروف قديمة كانت سائدة منذ 1400 سنة، ولكني بالتأكيد أود ألا أزيد على أن ما رأيناه جدير بالملاحظة، ومع ذلك قد لا يترك مجالاً للتفسير العلمي، قد يكون هناك شيء فيما وراء فهمنا كخبرة بشرية عادية ليشرح الكتابات التي رأيناها، ولكن ليس في نيتي أو وضعي عند هذه النقطة أن أقدم إجابة على ذلك، لقد قلت كلمات كثيرة على ما أظن دون أن أعبر بالضبط عما أردتني أن أعبر عنه.

إنه من واجبي كعالم أن أظل مستقلاً عن مسائل معينة، وأعتقد أن هذا عندما توقفت على أفضل وجه عند نقطة أقل قليلاً من إعطائك الإجابة التي قد ترغب فيها؟

قلت: ألا ترى في إجابة هذا البروفيسور نوعا من الهروب؟

قال: نعم.. فهؤلاء العلماء ـ مع ما رزقوا من ذكاء حاد في جميع علوم الدنيا ـ إلا أن لهم بلاهة عجيبة فيما يتعلق بحقائق الأزل.

سكت قليلا، ثم قال: ولكن مع ذلك.. هذه البداية.. والعقل سيبقى محاصرا لهؤلاء.. والحقائق تظل محاصرة لهم إلى أن يعرفوا الحق، ويشهدوا له.

البروفيسور ج. س. جورنجر:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور ج. س. جورنجر)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا أستاذ في كلية الطب قسم التشريح في جامعة جورج تاون في واشنطن، وقد حدثني حديثه الشيخ عبد المجيد الزنداني، فقال: التقيت بهذا الأستاذ مع نفر من أصحابنا، وسألناه: هل ذكر في تاريخ علم الأجنة أن الجنين يخلق في أطوار؟ وهل هناك من الكتب المتعلقة بعلم الأجنة ما قد أشار إلى هذه الأطوار في زمن الرسول r أو بعده بقرون، أم أن هذا التقسيم إلى أطوار لم يعرف إلا في منتصف القرن التاسع عشر؟

فأجابنا بقوله: لقد كانت هناك عناية من اليونانيين بدراسة الجنين، وقد حاول عدد منهم أن يصف ما يدور للجنين وما يحدث فيه.

فقلنا له: نعم، نعلم هذا، إن هناك نظريات لبعض العلماء منهم أرسطو وغيره، ولكن هل هناك من ذكر أن هناك أطواراً؟ لأننا نعلم أن الأطوار لم تعرف إلا في منتصف القرن التاسع عشر، ولم تثبت إلا في أوائل القرن العشرين.

وبعد نقاش طويل، قال: لا.

قلنا: هل هناك مصطلحات أطلقت على هذه الأطوار، كالمصطلحات التي وردت في القرآن الكريم؟

قال: لا.

قلنا: فما رأيك في هذه المصطلحات التي تغطي أطوار الجنين؟

وبعد مناقشة طويلة معه قدم بحثاً، وألقاه في المؤتمر الطبي السعودي الثامن عن هذه الأطوار التي وردت في القرآن الكريم، وعن جهل البشرية بها، وعن شمول ودقة هذه المصطلحات التي أطلقها القرآن الكريم على هذه الأطوار لأحوال الجنين بعبارات موجزة وألفاظ مختصرة شملت حقائق واسعة.

وقد قال مصرحا بعد بحثه ذلك: إنه وصف للتطور البشري منذ تكوين الأمشاج إلى أن أصبحت كتلاً عضوية، عن هذا الوصف والإيضاحات الجلية والشاملة لكل مرحلة من مراحل تطور الجنين في معظم الحالات إن لم يكن في جميعها يعود هذا الوصف في قدمه إلى قرون عديدة قبل تسجيل المراحل المختلفة للتطور الجنيني البشري التي وردت في العلوم التقليدية العلمية.

قال الشيخ: وتطرق البحث مع البروفيسور جورنجر حول الظاهرة التي كشفت علمياً، وكشفت حديثاً لتزيل الإشكال الذي كان يثيره النصارى الذين يقولون: ها هو ذا عيسى عليه السلام قد خلق من أم فمن هو أبوه؟.. يثيرون هذا الإشكال لا يتصورون أن يكون هناك خلق بدون أب.

ولكن العلم يكشف أن كثيراً من الحيوانات الدنيا وكثيراً من الكائنات الآن تتوالد وتنجب بدون تلقيح الذكور، فهذا النحل: جميع ذكوره عبارة عن بيض لم يلقح بماء الذكور والبيضة التي تلقح بماء الذكور تكون شغالة أنثى، أما الذكور فهي مخلوقة من بيض الملكة بدون ماء الذكور.. وغير ذلك من الحيوانات.

بل لقد حدث في التقدم العلمي أن تمكن الإنسان أن ينبه بعض البيض لبعض الكائنات فتنمو هذه البيضة بدون حاجة إلى تلقيح الذكر.

وقد حدثنا البروفيسور جورنجر عن هذا الأمر، فقال: في نوع آخر لتناول الموضوع فإن البيض غير المخصب لكثير من الحيوانات اللافقارية والبرمائية والثديية السفلي يمكن تنشيطه بوسائل ميكانيكية، كالوخز بالإبرة، أو بوسائل مادية كالصدمة الحرارية، أو بوسائل كيميائية بأي عدد من المواد الكيمائية المختلفة، ويستمر البيض إلى مراحل تطور متقدمة، في بعض الأجناس يعتبر هذا النوع من التطور الجيني طبيعياً.

البروفيسور درجا برساد راو:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور درجا برساد راو)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا أستاذ في علم جيولوجيا البحار، وقد حدثني حديثه الشيخ الصالح الثقة عبد المجيد الزنداني، فقال: التقيت به مع نفر من أصحابنا، وعرضنا عليه عدداً من الآيات المتعلقة بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فاندهش لما سمع ولما رأى وهو يقرأ معاني آيات القرآن في بعض الكتب المخصصة لذلك.

وكان مما تعرض لشرحه قول الله ':﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (النور:40)

وقد قال في تفسيرها: نعم، هذه الظلمات عرفها العلماء الآن بعد أن استعملوا الغواصات، وتمكنوا من الغوص في أعماق البحار، لا يستطيع الإنسان أن يغوص بدون آلة أكثر من عشرين إلى ثلاثين متراً، فالذين يغوصون من أجل اللؤلؤ في مناطق الخليج يغوصون في مناطق قريبة لا تزيد على هذا العمق، فإذا غاص الإنسان إلى أعماق شديدة حيث يوجد الظلام على عمق 200 متر لا يمكن أبداً أن يبقى حياً.

وهذه الآية تتحدث عن ظاهرة توجد في البحار العميقة، ولذلك قال ':﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ .. ليس في أي بحر وصفت هذه الظلمات بأنها متراكمة بعضها فوق بعض، والظلمات المتراكمة والتي تتراكم في البحار العميقة تنشأ بسببين، وكلا السببين يكونان نتيجة اختفاء الألوان في طبقة بعد طبقة.

فالشعاع الضوئي مكون من سبعة ألوان، فإذا نزل الشعاع الضوئي إلى الماء توزع إلى الألوان السبعة.

أخرج لنا صورة طبقات مقسمة من مقطع عرضي لقاع البحر، وقال: نرى في هذا الشكل الذي أمامنا الشعاع في الماء، فالجزء الأعلى قد امتص اللون الأحمر في العشرة الأمتار السطحية العليا، فلو أن غواصاً يغوص على عمق ثلاثين متراً وجرح جسمه وخرج الدم وأراد أن يراه فلا يرى اللون الأحمر لأن الأشعة الحمراء غير موجودة، وبعده يمتص اللون البرتقالي، وكما نرى في هذا الشكل الشعاع الضوئي وهو ينزل في أعماق الماء على مسافة 50 متراً يبدأ امتصاص اللون الأصفر، وعلى عمق100 متر يكون امتصاص اللون الأخضر وهكذا.

ونرى تحت مائتي متر يكون الامتصاص للون الأزرق، فإذاً ظلمة اللون الأخضر عند عمق 100 متر وظلمة الأصفر تكون على عمق 50 متراً، وقبلها ظلمة اللون البرتقالي وظلمة اللون الأحمر، فهي ظلمات بعضها فوق بعض.

وأما السبب الثاني فيكون بسبب الحواجز التي تحجب الضوء، فالشعاع الضوئي الذي نراه هنا ينزل من الشمس فتمتص السحب بعضه وتشتت بعضه فتنشأ ظلمة تحت السحب، وهذه الظلمة الأولى، فإذا نزل الشعاع الضوئي إلى سطح البحر المتموج انعكس على سطح الموج فأعطى لمعاناً، ولذلك نرى أنه إذا حدث موج في البحر كان اللمعان شديداً على حسب ميل سطح الموج.

فالموج إذاً يسبب عكساً للأشعة أي يسبب ظلمة ثم ينزل الشعاع الضوئي إلى أسفل، ونجد البحر هنا ينقسم قسمين، قسم سطحي وقسم عميق، أما السطحي فهو الذي يوجد فيه الظلام والبرودة.

ويختلف البحران في خصائصهما وصفاتهما ولكن يوجد موج فاصل بين البحر السطحي والبحر العميق، وهذا الموج الداخلي لم يكتشف إلا عام 1900م تحت الموج العميق الذي يفصل بين البحرين يوجد البحر العميق، ويبدأ الظلام حتى إن الأسماك في هذه المناطق لا ترى بأعينها بل لها مصدر للضوء يصدر من جسمها في هذه الظلمات التي تراكمت بعضها فوق بعض، وقد جاء ذكر هذا في قوله ':﴿:﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ ﴾ وإذا نظرنا أسفل الشكل نرى الظلام ونرى فوق الموج الأول الذي يفصل بين البحر السطحي والبحر العميق ﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾ أي من فوق هذا الموج موج آخر، هو الذي يكون على سطح البحر:﴿ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ فوقهم:﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ظلمات هذه الحواجز وظلمات الألوان في طبقات بعضها فوق بعض ﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ في هذه المناطق ظلام شديد، والغواصات تنزل إلى هذه المسافات فلا ترى شيئاً، وتستخدم مصادر للضوء والإضاءة حتى ترى طريقها. فمن أخبر محمداً r عن هذه الآيات؟

قال الشيخ: فكان هذا مما حدثنا عنه البروفيسور راو، ثم استعرضنا معه كثيراً من الآيات المتعلقة بالبحار وفي مجال تخصصه، ثم قلنا له: ما هو تفسيرك يا أستاذ راو لهذه الظاهرة؟.. ظاهرة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أو بعبارة أخرى كيف أخبر محمد r بهذه الحقائق منذ 1400 عام؟

فقال: من الصعب أن نفترض أن هذا النوع من المعرفة كان موجوداً في ذلك الوقت منذ 1400سنة هجرية، ولكن بعض الأشياء تتناول فكرة عامة، ولكن وصف هذه الأشياء بتفصيل كبير أمر صعب جداً، ولذلك فمن المؤكد أن هذا ليس علماً بشرياً بسيطاً، لا يستطيع الإنسان العادي أن يشرح هذه الظواهر بذلك القدر من التفصيل، ولذلك فقد فكرت في قوة خارقة الطبيعة خارج الإنسان، لقد جاءت المعلومات من مصدر خارق للطبيعة.

البروفيسور شرويدر:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفيسور شرويدر)، فسألت البابا عنه، فقال:: هو من علماء البحار في ألمانيا الغربية، وقد حدثنا حديثه الشيخ الصالح الثقة عبد المجيد الزنداني، فقال: التقيت به مع نفر من أصحابنا في ندوة لعلماء البحار نظمتها جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وقد طلب مني حينها أن ألقي محاضرة عن الظواهر البحرية بين الكشوف العلمية والآيات القرآنية، وبعد أن ألقيت المحاضرة وقف البروفيسور شرويدر في اليوم الثاني يعقب على هذه المحاضرة فكان مما قاله: أود أن أعلق على المحاضرة التي ألقاها علينا الشيخ الزنداني بالأمس، وأود أن أقول: إنني أقدر هذه المحاضرة، في إطار اجتماع علمي كهذا لا يحتاج المرء أن يكون مسلماً، حتى بالنسبة لي كمسيحي من المهم أن أرى العلم ليس فقط كما هو عليه، ولكن أيضاً أن أراه بصورة أوسع وأقابله بالدين أي أن أراه في إطار الدين.

قال الشيخ: ثم أخذ البروفيسور شرويدر يبين العلاقة بين الأديان والعلم، إنه يتحدث عن تلك الفجوة الهائلة بين الأديان كلها وبين العلم، فهناك تنافر واضح بين قادة العلوم الدينية وقادة العلوم الكونية، ولكنه اندهش عندما سمع آيات القرآن الكريم وسمع الحقائق التي ذكرها هذا الكتاب الكريم قبل 1400 عام، فعلق على ذلك وقال: في أديان كثيرة نجد أن القادة يظنون أن العلم يستطيع أن يأخذ شيئاً من الدين، إذا كان العلم يتقدم فإن على الدين أن يتقهقر، هنا لدينا تناول مختلف تماماً، لقد أراني الشيخ الزنداني أن العلم في الحقيقة يؤكد ما يقوله القرآن، وما ورد بالفعل منذ عديد من السنين في القرآن هو حقيقة ما يكتشفه العلماء اليوم، أعتقد أنه من المهم بالنسبة لندوة كهذه أن تبلغ إلى العلماء من جميع الأمم، وإنني واثق أننا جميعاً سنعود إلى أوطاننا ونحن نفكر أكثر في العلاقة بين الدين وعلوم البحار، ليس هناك علم في جانب ودين في جانب آخر.

آرثر أليسون:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (آرثر أليسون)، فسألت البابا عنه، فقال: هو رئيس قسم الهندسة الكهربائية والإلكترونية بجامعة لندن، ورئيس جمعية الدراسات النفسية والروحية البريطانية.. وقد سمعت حديثه عن بعض الثقاة، فقد ذكر لي بأن هذا الاستاذ الفاضل زار القاهرة عام 1985 ليشارك في أعمال المؤتمر الطبي الإسلامي الدولي حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، كان يحمل معه بحثه الذي ألقاه، وتناول فيه أساليب العلاج النفسي والروحاني في ضوء القرآن الكريم، بالإضافة الى بحث آخر حول النوم والموت والعلاقة بينهما في ضوء الآية القرآنية الكريمة:﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر:42)

ولم يكن حينها قد اعتنق الإسلام، وإنما كانت مشاعره تجاهه لا تتعدى الإعجاب به كدين من الأديان.

ولكنه ما إن جلس يشارك في أعمال المؤتمر، ويستمع إلى باقي البحوث التي تناولت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، حتى تملكه الانبهار، وازداد يقينه بأن هذا هو الدين الحق.. فكل ما يسمعه عن الإسلام يدلل بأنه دين العلم ودين العقل.

لقد رأى ذلك الحشد الهائل من الحقائق القرآنية والنبوية، والتي تتكلم عن المخلوقات والكائنات، والتي جاء العلم، فأيدها، فأدرك أن هذا لا يمكن أن يكون من عند بشر.. وما جاء به محمد من أربعة عشر قرناً يؤكد أنه رسول الله حَقّاً.

وأخذ أليسون يستفسر من كل مَن جلس معه عن كل ما يهمه أن يعرفه عن الإسلام كعقيدة ومنهج للحياة في الدنيا..

وفي الليلة الختامية للمؤتمر، وأمام مراسلي وكالات الأنباء العالمية، وعلى شاشات التليفزيون، وقف البروفيسور (آرثر أليسون) ليعلن أمام الجميع أن الإسلام هو دين الحق، ودين الفطرة التي فطر الناس عليها، ثم نطق بالشهادتين أمام الجميع بصوت قوي مؤمن.

وفي تلك اللحظات كانت تكبيرات المسلمين من حوله ترتفع، ودموع البعض قد انهمرت خشوعاً ورهبة أمام هذا الموقف الجليل.

ثم أعلن البروفيسور البريطاني عن اسمه الجديد (عبد الله أليسون)، وأخذ يحدث الحضور عن قصته مع الإسلام فقال:( إنه من خلال اهتماماتي بعلم النفس، وعلم ما وراء النفس، حيث كنت رئيساً لجمعية الدراسات النفسية والروحية البريطانية لسنوات طويلة، أردت أن أتعرف على الأديان، فدرستها كعقائد، ومن تلك العقائد عقيدة الإسلام، الذي وجدته أكثر العقائد تمشياً مع الفطرة التي ينشأ عليها الإنسان، وأكثر العقائد تمشياً مع العقل، من أن هناك إلهاً واحداً مهيمناً ومسيطراً على هذا الوجود، ثم إن الحقائق العلمية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية من قبل أربعة عشر قرناً قد أثبتها العلم الحديث الآن، وبالتالي نؤكد أن ذلك لم يكن من عند بشر على الإطلاق، وأن النبي محمد r هو رسول الله)

ثم تناول (عبد الله أليسون) جزئية من بحثه الذي شارك به في أعمال المؤتمر، والتي دارت حول حالة النوم والموت من خلال الآية السابقة، فأثبت (أليسون) أن الآية الكريمة تذكر أن الوفاة تعني الموت، وتعني النوم، وأن الموت وفاة غير راجعة في حين أن النوم وفاة راجعة.. وقد ثبت ذلك من خلال الدراسات الباراسيكولوجية والفحوص الإكلنيكية من خلال رسم المخ، ورسم القلب، فضلاً عن توقف التنفس الذي يجعل الطبيب يعلن عن موت هذا الشخص، أم عدم موته في حالة غيبوبته أو نومه.

وبذلك أثبت العلم أن النوم والموت عملية متشابهة، تخرج فيها النّفسُ وتعود في حالة النوم، ولا تعود في حالة الموت.

ثم قرر هذا العالم المسلم البروفيسور (عبد الله أليسون) أن الحقائق العلمية في الإسلام هي أمثل وأفضل أسلوب للدعوة الإسلامية، ولا سيما للذين يحتجون بالعلم والعقل.

وقد أعلن البروفيسور أنه سيقوم بإنشاء معهد للدراسات النفسية الإسلامية في لندن على ضوء القرآن المجيد والسنة النبوية.

وأعلن أنه سيظل مهتما بدراسات الإعجاز الطبي في الإسلام، وذلك لكي يوصل تلك الحقائق إلى العالم الغربي الذي لا يعرف شيئاً عن الإسلام.

كما وعد بإنشاء مكتبة إسلامية ضخمة باللغتين العربية والإنجليزية للمساعدة في إجراء البحوث العلمية على ضوء الإسلام.

جفري لانج:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (البروفسور جفري لانج)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا أستاذ الرياضيات في الجامعات الأميركية، وهو مؤلف كتاب بعنوان (حتى الملائكة تسأل)، وقد سطر في هذا الكتاب قصة إسلامه.

وقد تشرفت باللقاء معه، والاستماع لتلك القصة منه مشافهة، ومما ذكره لي من ذلك قوله:( لقد كانت غرفة صغيرة، ليس فيها أثاث ما عدا سجادة حمراء، ولم يكن ثمة زينة على جدرانها الرمادية، وكانت هناك نافذة صغيرة يتسلّل منها النور … كنا جميعاً في صفوف، وأنا في الصف الثالث، لم أكن أعرف أحداً منهم، كنا ننحني على نحو منتظم فتلامس جباهنا الأرض، وكان الجو هادئاً، وخيم السكون على المكان، نظرت إلى الأمام فإذا شخص يؤمّنا واقفاً تحت النافذة، كان يرتدي عباءة بيضاء … استيقظت من نومي!رأيت هذا الحلم عدة مرات خلال الأعوام العشرة الماضية، وكنت أصحو على أثره مرتاحاً.

في جامعة (سان فرانسيسكو) تعرفت على طالب عربي كنت أُدرِّسُهُ، فتوثقت علاقتي به، وأهداني نسخة من القرآن، فلما قرأته لأول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي (يقرأني)

وفي يوم عزمت على زيارة هذا الطالب في مسجد الجامعة، هبطت الدرج  ووقفت أمام الباب متهيباً الدخول، فصعدت وأخذت نفساً طويلاً، وهبطت ثانية  لم تكن رجلاي قادرتين على حملي!مددت يدي إلى قبضة الباب فبدأت ترتجف، ثم هرعت إلى أعلى الدرج ثانية … شعرت بالهزيمة، وفكرت بالعودة إلى مكتبي.. مرت عدة ثوانٍ كانت هائلة ومليئة بالأسرار اضطرتني أن أنظر خلالها إلى السماء، لقد مرت عليّ عشر سنوات وأنا أقاوم الدعاء والنظر إلى السماء!أما الآن فقد انهارت المقاومة وارتفع الدعاء: (اللهم إن كنت تريد لي دخول المسجد فامنحني القوة)، نزلت الدرج، دفعت الباب، كان في الداخل شابان يتحادثان. ردا التحية، وسألني أحدهما: هل تريد أن تعرف شيئاً عن الإسلام؟ أجبت: نعم، نعم  .. وبعد حوار طويل أبديت رغبتي باعتناق الإسلام فقال لي الإمام: قل أشهد، قلت: أشهد، قال: أن لا إله، قلت: أن لا إله ـ لقد كنت أؤمن بهذه العبارة طوال حياتي قبل اللحظة ـ قال: إلا الله، رددتها، قال: وأشهد أن محمداً رسول الله، نطقتها خلفه.

لقد كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافي تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب الموت من الظمأ … لن أنسى أبداً اللحظة التي نطقت بها بالشهادة لأول مرة، لقد كانت بالنسبة إليّ اللحظة الأصعب في حياتي، ولكنها الأكثر قوة وتحرراً.

بعد يومين تعلمت أول صلاة جمعة، كنا في الركعة الثانية، والإمام يتلو القرآن، ونحن خلفه مصطفون، الكتف على الكتف، كنا نتحرك وكأننا جسد واحد، كنت أنا في الصف الثالث، وجباهنا ملامسة للسجادة الحمراء، وكان الجو هادئاً والسكون مخيماً على المكان !! والإمام تحت النافذة التي يتسلل منها النور يرتدي عباءة بيضاء!صرخت في نفسي: إنه الحلم!إنه الحلم ذاته … تساءلت: هل أنا الآن في حلم حقاً فاضت عيناي بالدموع، السلام عليكم ورحمة الله، انفتلتُ من الصلاة، ورحت أتأمل الجدران الرمادية!تملكني الخوف والرهبة عندما شعرت لأول مرة بالحب، الذي لا يُنال إلا بأن نعود إلى الله)[21]

وقد انهالت الأسئلة على الدكتور جيفري لانغ باحثة عن سر إسلامه فكان يجيب:( في لحظة من اللحظات الخاصة في حياتي، منّ الله بواسع علمه ورحمته عليّ، بعد أن وجد فيّ ما أكابد من العذاب والألم، وبعد أن وجد لدي الاستعداد الكبير إلى مَلء الخواء الروحي في نفسي، فأصبحت مسلماً … قبل الإسلام لم أكن أعرف في حياتي معنى للحب، ولكنني عندما قرأت القرآن شعرت بفيض واسع من الرحمة والعطف يغمرني، وبدأت أشعر بديمومة الحب في قلبي، فالذي قادني إلى الإسلام هو محبة الله التي لا تقاوَم) [22]

وكان من إجاباته قوله:(الإسلام هو الخضوع لإرادة الله، وطريق يقود إلى ارتقاء لا حدود له، وإلى درجات لا حدود لها من السلام والطمأنينة.. إنه المحرك للقدرات الإنسانية جميعها، إنه التزام طوعي للجسد والعقل والقلب والروح) [23]

وكان يجيب بقوله:(القرآن هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة، وتملّك قلبي، وجعلني أستسلم لله، والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى، حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه، وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة، فهو يحمل عليك، وكأن له حقوقاً عليك!وهو يجادلك، وينتقدك ويُخجلك ويتحداك … لقد كنت على الطرف الآخر، وبدا واضحاً أن مُنزل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي … لقد كان القرآن يسبقني دوماً في تفكيري، وكان يخاطب تساؤلاتي … وفي كل ليلة كنت أضع أسئلتي واعتراضاتي، ولكنني كنت أكتـشف الإجابــة في اليوم التالي … لقد قابلت نفسي وجهاً لوجه في صفحات القرآن..) [24]

وكان يقول:( بعد أن أسلمت كنت أُجهد نفسي في حضور الصلوات كي أسمع صوت القراءة، على الرغم من أني كنت أجهل العربية، ولما سُئلت عن ذلك أجبت: لماذا يسكن الطفل الرضيع ويرتاح لصوت أمه؟أتمنى أن أعيش تحت حماية ذلك الصوت إلى الأبد)[25]

وكان يقول:(الصلاة هي المقياس الرئيس اليومي لدرجة خضوع المؤمن لربه، ويا لها من مشاعر رائعة الجمال، فعندما تسجد بثبات على الأرض تشعر فجأة كأنك رُفعت إلى الجنة، تتنفس من هوائها، وتشتمُّ تربتها، وتتنشق شذا عبيرها، وتشعر وكأنك توشك أن ترفع عن الأرض، وتوضع بين ذراعي الحب الأسمى والأعظم) [26]

وكان يقول:( وإن صلاة الفجر هي من أكثر العبادات إثارة، فثمة دافع ما في النهوض فجراً – بينما الجميع نائمون – لتسمع موسيقا القرآن تملأ سكون الليل، فتشعر وكأنك تغادر هذا العالم وتسافر مع الملائكة لتمجّد الله عند الفجر) [27]

قلت: أراه شديد التعظيم للصلاة مدركا لقيمتها.

قال: أجل.. وقد حدثني عن أول صلاة صلاها، والصراع الذي حصل بينه وبين نوازع نفسه، فقال: في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام، قدم لي إمام المسجد كتيباً يشرح كيفية أداء الصلاة، غير أني فوجئت بما رأيته من قلق الطلاب المسلمين، فقد ألحوا عليَّ بعبارات مثل: (خذ راحتك) ( لا تضغط على نفسك كثيراً ) ( من الأفضل أن تأخذ وقتك ) ( ببطء.. شيئاً، فشيئاً)

وتساءلت في نفسي ( هل الصلاة صعبة إلى هذا الحد؟ ). لكني تجاهلت نصائح الطلاب، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها.

وفي تلك الليلة، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً على الأريكة في غرفتي الصغيرة بإضاءتها الخافتة، حيث كنت أدرس حركات الصلاة وأكررها، وكذلك الآيات القرآنية التي سأتلوها، والأدعية الواجب قراءتها في الصلاة.

وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة العربية[28]، فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي، وبمعانيها باللغة الإنجليزية، وتفحصت الكتيب ساعات عدة، قبل أن أجد في نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى، وكان الوقت قد قارب منتصف الليل، لذلك قررت أن أصلي صلاة العشاء.

ودخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على الصفحة التي تشرح الوضوء، وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة، بتأن ودقة، مثل طاهٍ يجرب وصفة لأول مرة في المطبخ.

وعندما انتهيت من الوضوء، أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي، ووقفت في منتصف الغرفة، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة.

نظرت إلى الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي، ثم توجهت إلى الأمام، واعتدلت في وقفتي، وأخذت نفساً عميقاً، ثم رفعت يدي، وبراحتين مفتوحتين ملامساً شحمتي الأذنين بإبهامي، ثم بعد ذلك، قلت بصوت خافت (الله أكبر).

كنت آمل ألا يسمعني أحد. فقد كنت أشعر بشيء من الانفعال. إذ لم أستطع التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس علي.

وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة، وتساءلت: ماذا لو رآني أحد الجيران؟ تركت ما كنت فيه، وتوجهت إلى النافذة، ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد.

وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية، أحسست بالارتياح. فأغلقت الستائر، وعدت إلى منتصف الغرفة.

ومرة أخرى، توجهت إلى القبلة، واعتدلت في وقفتي، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذني، ثم همست (الله أكبر)... وبصوت خافت لا يكاد يسمع، قرأت فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم، ثم أتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئاً لو سمع تلاوتي تلك الليلة.

ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي واضعاً كفي على ركبتي وشعرت بالإحراج، إذ لم أنحن لأحد في حياتي، ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرفة.

وبينما كنت ما أزال راكعاً، كررت عبارة (سبحان ربي العظيم) عدة مرات، ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ (سمع الله لمن حمده) ثم (ربنا ولك الحمد).... أحسست بقلبي يخفق بشدة، وتزايد انفعالي عندما كبرت مرة أخرى بخضوع فقد حان وقت السجود.. وتجمدت في مكاني، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي الأربعة وأضع وجهي على الأرض.

لم أستطع أن أفعل ذلك، لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض، شأن العبد الذي يتذلل أمام سيده.. لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء... لقد أحسست بكثير من العار والخزي، وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم، وتخيلت كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم، وكدت أسمعهم يقولون: (مسكين جفري فقد أصابه العرب بمس في سان فرانسيسكو )

وأخذت أدعو: ( أرجوك، أرجوك، أعني على هذا). أخذت نفساً عميقاً، وأرغمت نفسي على النزول.. الآن صرت على أربعتي، ثم ترددت لحظات قليلة، وبعد ذلك ضغط وجهي على السجادة.. أفرغت ذهني من كل الأفكار، وتلفظت ثلاث مرات بعبارة (سبحان ربي الأعلى)، (الله أكبر) قلتها ورفعت من السجود جالساً على عقبي وأبقيت ذهني فارغاً رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي. (الله أكبر) ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى. وبينما كان أنفي يلامس الأرض، رحت أكرر عبارة (سبحان ربي الأعلى) بصورة آلية. فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك. (الله أكبر) وانتصبت واقفاً، فيما قلت لنفسي: لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي. وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة.

لكن الأمر صار أهون في كل شوط، حتى إنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة، ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير، وأخيراً سلمت عن يميني وشمالي...

وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه، بقيت جالسا على الأرض، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها، لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها، ودعوت برأس منخفض خجلاً: ( اغفر لي تكبري وغبائي، فقد أتيت من مكان بعيد ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه)

وفي تلك اللحظة، شعرت بشيء لم أجربه من قبل، ولذلك يصعب عليّ وصفه بالكلمات، فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها إلا بأنها كالبرودة، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري، وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية حتى إنني أذكر أنني كنت أرتعش، غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي، فقد أثرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضا.

لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة، وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ.. ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب، فقد أخذت الدموع تنهمر على وجهي، ووجدت نفسي أنتحب بشدة... وكلما ازداد بكائي، ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني. ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب، رغم أنه يجدر بي ذلك، ولا بدافع من الخزي أو السرور.. لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطلقاً عنان مخزون عظيم من الخوف والغضب بداخلي.

ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي، منحنياً إلى الأرض، منتحباً ورأسي بين كفي. وعندما توقفت عن البكاء أخيراً، كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق، فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية لها.. وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها.

أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله وإلى الصلاة، وقبل أن أقوم من مكاني، دعوت بهذا الدعاء الأخير: « اللهم، إذا تجرأت على الكفر بك مرة أخرى، فاقتلني قبل ذلك، خلصني من هذه الحياة.. ومن الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك » [29]

محمد أكويا:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (محمد أكويا)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا أستاذ بإحدى الجامعات الأمريكية، وقد ذكر لي قصة إسلامه، فقال: قبل أربع سنوات, ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة, حيث التحقت للدراسة طالبة أميركية مسلمة,وكانت محجبة,وقد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام ويتصدى لكل لا يهاجمه، فكيف بمن يعتنقهويظهر شعائره للعيان؟

وقد كان هذا الأستاذ يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام، وشن حربا شعواء عليها,ولما قابلت هي الموضوع بهدوء ازداد غيظه منها, فبدأ يحاربها عبر طريق آخر, حيث الترصد لها بالدرجات,وإلقاء المهام الصعبة في الأبحاث, والتشديد عليها بالنتائج, ولما عجزت المسكينة أن تجد لها مخرجا تقدمت بشكوى لمدير الجامعة مطالبة فيها النظر إلى موضوعها.

وكان قرار الإدارة أن يتم عقد لقاء بين الطرفين المذكورين الدكتور والطالبة لسماع وجهتي نظرهما والبت في الشكوى.

ولما جاء الموعد المحدد، حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس, وكنا متحمسين جدا لحضور هذه الجولة التي تعتبر الأولى من نوعها عندنا بالجامعة.

بدأت الجلسة التي ذكرت فيها الطالبة أن المدرس يبغض ديانتها، ولأجل هذا يهضم حقوقها العلمية, وذكرت أمثلة عديدة لهذا, وطلبت الاستماع لرأي بعض الطلبة الذين يدرسون معها, وكان من بينهم من تعاطف معها وشهد لها, ولم يمنعهم اختلاف الديانة أن يدلوا بشهادة طيبة بحقها.

حاول الدكتور على إثر هذا أن يدافع عن نفسه, واستمر بالحديث، فخاض بسب دينها، فقامت تدافع عن الإسلام، وأدلت بمعلومات كثيرة عنه, وكان لحديثها قدرة على جذبنا, حتى أننا كنا نقاطعها، فنسألها عما يعترضنا من استفسارات، فتجيب، فلما رآنا الدكتور المعني مشغولين بالاستماع والنقاش خرج من القاعة، فقد تضايق من اهتمامنا وتفاعلنا.

فذهب هو ومن لا يرون أهمية للموضوع، وبقينا نحن مجموعة من المهتمين نتجاذب أطراف الحديث, وفي نهايته قامت الطالبة بتوزيع ورقتين علينا كتب فيها تحت عنوان ( ماذا يعني لي الإسلام؟)، وفيها ذكرت الدوافع التي دعتها لاعتناق هذا الدين العظيم, ثم بينت ما للحجاب من أهميةوأثر، وشرحت مشاعرها الفياضة صوب هذا الجلباب وغطاء الرأس الذي ترتديه، والذي تسبب بكل هذه الزوبعة.

لقد كان موقفها عظيما.. ولأن الجلسة لم تنته بقرار لأي طرف, فقد قالت إنها تدافع عن حقها, وتناضل من أجله, ووعدت أنها إن لم تظفر بنتيجة لصالحها أن تبذل المزيد حتى لو اضطرت لمتابعة القضيةوتأخير الدراسة نوعا ما, لقد كان موقفا قويا, ولم نكن أعضاء هيئة التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا المستوى من الثبات، ومن أجل المحافظة على مبدئها.

وكم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من المدرسين والطلبة, وبقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة، أما أنا فقد بدأ الصراع يدور في نفسي من أحل تغيير الديانة, فما عرفته عن الإسلام حببني فيه كثيرا, ورغبني في اعتناقه, وبعد عدة أشهر أعلنت إسلامي, وتبعني دكتور ثانوثالث في نفس العام, كما أن هناك أربعة طلاب أسلموا.

وهكذا في غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعة لنا جهود دعوية في التعريف بالإسلام والدعوة إليه, وهناك الآن عدد من الأشخاص في طور التفكير الجاد, وعما قريب إن شاء الله ينشر خبر إسلامهم داخل أروقة الجامعة.والحمد لله وحده.

آلا أولينيكوفا:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (آلا أولينيكوفا)، فسألت البابا عنه، فقال: هذه أستاذة بالجامعية الروسية، وقد درست الطب في ثلاث جامعات، قد أخبرتني عن قصة اعتناقها للإسلام، فقالت: أنا روسية، ولدت في مدينة ( لينين غراد ).. وهي مدينة تنتسب إلى لينين ذلك الشيوعي الذي قتل آلاف المسلمين في الجمهوريات المسلمة في الاتحاد السوفييتي السابق.

وقد تعلمت وواصلت الدراسة في أسرة فقيرة لم يكن لها من زاد سوى صيد الأسماك التي عمل بها والدي من قديم.

وقد درست الطب في موسكو وتخرجت، ثم حصلت على الماجستير فالدكتوراه، ودرست بعدها في جامعات موسكو وكييف ولينين غراد.

حياتي في ظل الشيوعية كانت سيئة جدا، لا تتفق وفطرة الإنسان في العيش بحرية وأمان ورفاه.

كنت في داخلي ثائرة على الوضع، لكنني لم أكن أستطيع الكلام، مثل سائر الناس، وإلا كان المصير هو القتل، أو النفي لسيبيريا، أو السجن أو التعذيب.

كانت حياتنا جحيما مستعرا، ظلما واستعبادا وقهرا، وإجبارا على حياة لا توافق فطرة البشر، ومنعا من العبادة، وإجبارا على الكفر والإلحاد.

نحن نعلم عن الإسلام أكثر مما يعرفه الغربيون لأسباب أهمها قربنا من المجتمعات المسلمة، ولأن الاتحاد السوفييتي كان يضم قرابة 60 مليون مسلم، وهؤلاء يعملون معنا في مختلف مراكز الدولة.

عرفت الإسلام من بعض المسلمين العاملين معنا، ولاحظته في تصرفات الطلبة الوافدين من الدول الإسلامية مثل: سورية والكويت وليبيا واليمن والعراق.

وتعرفت على الإسلام أكثر من خلال طالب سوري من حمص كان يدرس الطب في جامعة كييف، إذ لم يكن يشرب الخمر، ولا يأكل لحم الخنزير، ولا يقيم علاقات مع النساء، وكانت أخلاقه عالية جدا، فقد كان أمينا وصادقا، وكان يسكن منزلا متواضعا يقول عنه: هذا منزلي ومسجدي.

شدني هذا الطالب المسلم بأخلاقه، وتعامله المهذب، ليؤكد أن هذه هي أخلاق الإسلام، ولقد أهداني كتبا عن الإسلام قرأتها جيدا فزادت معرفتي به.

وفي عام 1992 م تركت العمل مؤقتا، وسافرت إلى سورية حيث التحقت بكلية الدعوة، ودرست الإسلام فيها، وتخرجت عام 1995 لأعلن إسلامي.

وقد ذكرت لي فضائل الإسلام ومزاياه.. وهي التي جعلته تقتنع به وتعتنقه، فقالت: الإسلام دين عظيم، وهو في بلادنا من قبل ألف عام، بينما لم تعش الشيوعية أكثر من سبعين عاما .. لاحظت الأخوة والمحبة بين المسلمين وتبادل النصح .. يزداد تجلي الإسلام في رمضان حيث النظام والصبر والمودة التي تفتقدها المجتمعات غير المسلمة على إطلاقها .. الإسلام يراعي الدنيا والآخرة، وهذا يلائم الطبيعة البشرية .. بعد ارتدائي الحجاب أحاول عدم الاختلاط بالرجال قدر المستطاع.

ولو عرف مجتمعنا الإسلام جيدا وطبقه لأنقذه من الجريمة والفساد والمافيا والمخدرات والدعارة والبطالة.. لأن الإسلام يحرم ويحارب كل ما يضر بالنفس وبالآخرين.

الإسلام هو الخلاص للبشرية، والشافي لها من أمراض العصر، وفيه الحل لمشكلات المجتمعات المختلفة.

لقد سقطت الشيوعية في مزبلة التاريخ على الرغم من كل ما أحاطوها به من دعايات.

بقي الإسلام الذي حاول الشيوعيون طمسه، بل تعاظم دوره واتسعت رقعته اليوم في روسيا وغير روسيا، وفي هذا درس وعبرة لمن أراد أن يعتبر.

وقد قالت لي في آخر حديثي معها: أنا الآن بصدد وضع كتاب عن الإسلام بالروسية، وسوف أحاول تعريف الجميع بهذا الدين العظيم، الذي رأيت من خلاله النور.

صوفي بوافير:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (صوفي بوافير) [30]، فسألت البابا عنه، فقال: هذه عالمة كندية تحمل درجة الماجستير في تعليم الفرنسية والرياضيات، وقد حدثتني حديث إسلامها، فقالت: ولدت في مونتريال بكندا عام 1971 في عائلة كاثوليكية متدينة، فلذلك اعتدت الذهاب إلى الكنيسة، إلى أن بلغت الرابعة عشرة من عمري، حيث بدأت تراودني تساؤلات كثيرة حول الخالق وحول الأديان، وكانت هذه التساؤلات منطقية، ولكنها سهلة، ولكني تعجبت من صعوبتها على الذين كنت أسألهم.

ومن هذه الأسئلة: إذا كان الله هو الذي يضر وينفع، وهو الذي يعطي ويمنع، فلماذا لا نسأله مباشرة !؟.. ولماذا يتحتم علينا الذهاب إلى الكاهن كي يتوسط بيننا وبين من خلقنا !؟.. أليس القادر على كل شيء هو الأولى بالسؤال !؟

أسئلة كثيرة كهذه كانت تُلحُّ علي، فلمّا لم أتلق الأجوبة المقنعة عنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، ولم أعد للاستماع لقصص الرهبان غير المقنعة، والتي لا طائل منها.

لقد كنت أؤمن بالله وبعظمته وبقدرته، لذلك رحت أدرس أدياناً أخرى، دون أن أجد فيها أجوبة تشفي تساؤلاتي في الحياة، وبقيت أعيش الحيرة الفكرية حتى بدأت دراستي الجامعية، فتعرفت على شاب مسلم تعرفت من خلاله على الإسلام، فأدهشني ما وجدت فيه من أجوبة مقنعة عن تساؤلاتي الكبرى.

وبقيت سنة كاملة وأنا غارقة في دراسة هذا الدين الفذ، حتى استولى حبه على قلبي، والمنظر الأجمل الذي جذبني إلى الإسلام هو منظر خشوع المسلم بين يدي الله في الصلاة، كانت تبهرني تلك الحركات المعبرة عن السكينة والأدب وكمال العبودية لله تعالى، فبدأت أرتاد المسجد، فوجدت بعض الأخوات الكنديات اللواتي سبقنني إلى الإسلام، وهو ما شجعني على المضي في الطريق إلى الإسلام، فارتديت الحجاب أولاً لأختبر إرادتي، وبقيت أسبوعين حتى كانت لحظة الانعطاف الكبير في حياتي، حين شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

إن الإسلام الذي جمعني مع هذا الصديق المسلم، هو نفسه الذي جمعنا من بعد لنكون زوجين مسلمين، لقد شاء الله أن يكون رفيقي في رحلة الإيمان هو رفيقي في رحلة الحياة.

اسبر ابراهيم شاهين:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (اسبر إبراهيم شاهين)[31]، فسألت البابا عنه، فقال: هو الدكتور اسبر ابراهيم شاهين.. وهو اسم معروف في الولايات المتحدة الاميركية التي يحمل جنسيتها وتربطه علاقة صداقة حميمة مع رؤسائها، بل يعتبر أحد الشخصيات ذوي الانجازات في دول الغرب.

وقد عرف بمؤلفاته ومقالاته التي حققت رواجاً بين أوساط القراء، بل إن بعضها ادرج ضمن الكتب الاكثر رواجاً وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالتكنولوجيا.

وهو بالإضافة إلى هذا خطيب بارع، ومتحدث لبق يجيد فن الحديث، وقد نال جائزة قيمة في مجال تطوير المهارات المتخصصة، وهو مصنف ضمن رجال العلم الأميركان، وضمن أحد الشخصيات ذوي الإنجازات في دول الغرب. كما أنه مواطن فخري لمدينة تكساس، وأحد الأساتذة البارزين في أميركا. وقد نال جائزة رواد الخطابة العالمية للباقته في الحديث، كما حصل على شهادة تقدير وسجل أسمه في سجل الشرف التذكاري الرئاسي.

وقد التقيت به في أمريكا، وحدثني عن قصة إسلامه، فقال: ولدت في لبنان عام 1937، وأنا ـ في أصلي ـ مسيحي أرثوذكسي، درست في لبنان واكملت دراسة الثانوية فيها، ومن خلال حبي لروح المغامرة كشاب في مقتبل العمر وطموحي وتعطشي للمعرفة هاجرت الى الولايات المتحدة الاميركية عام 1957 طلباً للعمل والبحث عن فرص وظيفية، وكنت اعمل اثناء الدراسة لأنفق على نفسي، وقد درست بجامعة تكساس في أوستن لمدة سنتين، وحصلت على درجة البكالوريوس في العلوم من قسم الهندسة الكيميائية من جامعة ولاية اوكلاهوما ثم درست بعد ذلك بجامعة اريزونا في توسون، وحصلت على درجة الماجستير في العلوم، كما حصلت على شهادة الدكتوراة من جامعة تينيسي في نوكسفيل.

وأثناء دراستي هناك كنت ناشطاً في شرح القضايا العربية والدفاع عنها، ففي جامعة اوكلاهوما انتخبت رئيساً لمنظمة الطلبة العرب.

قلت: فكيف أقبلت على الإسلام، واقتنعت به، واعتنقته؟

قال: أصارحك القول.. أنا منذ صغري أشعر بميل شديد إلى الإسلام.. وفي مراحل التعليم المختلفة، ومن خلال ما اطلعت عليه في صغري عن الحضارة العربية والإسلامية والتاريخ العربي اتضح لي أن الإسلام دين عظيم، وقد انبعث من الجزيرة العربية لينتشر في جميع أنحاء المعمورة، ومن خلال صداقاتي مع كثير من المسلمين التي امتدت إلى عدة عقود لمست فيهم سلوكيات في غاية الكمال وممارسات تجبرك على احترامهم، فمثلاً أنا مسيحي لم أجد من أصدقائي المسلمين أي شيء يشعرني بالبعد عنهم، بل إن الاحترام هو ديدن هذه الصداقة.

إن المعاملة والوعي لب روح الإسلام تجبرك على احترام هذا الدين، كما أن صداقاتي للدكتور ناصر بن ابراهيم الرشيد التي امتدت لأكثر من 33 عاماً كان لها تأثير إيجابي على حياتي، فالإسلام دين واقعي ودين يدعو للعدالة والرحمة وتقدير الإنسان وتكريمه.

قلت: هذا السبب العام، فما السبب الخاص الذي أجبرك على إعلان إسلامك؟

قال: لقد قلت لنفسي (العمر يمشي ونحن نمشي، ولم يبق من الزمن مثل ما مضى).. وإضافة الى ما كانت ذاكرتي تختزنه من حب للاسلام، فقد مررت بظروف صعبة جداً منذ سنتين ونصف حيث خضعت لعملية استئصال ورم سرطاني حول البنكرياس، وذلك في احدى المستشفيات الاميركية، واتضح لي أن العملية ونتائجها خطرة وأن نسبة نجاحها تعد من النوادر.

وفي ليلة العملية تلقيت اتصالات من اصدقاء ومحبين كلهم يدعون لي بنجاح العملية، بل إن البعض منهم أشار إلى أنهم دعوا لي في الحرم بخروجي سالماً معافى من هذا الظرف، ولأنني مولع بالقرآن الكريم بصوت المقرئ الراحل عبد الباسط عبد الصمد الذي كنت أتلذذ بالاستماع اليه، وينتابني عند سماعه شعور غريب أشعر بعده بالطمأنينة، فقد استمعت ليلة إجراء العملية إلى آيات من القرآن الكريم، وبعد العملية شعرت بطمأنينة عميقة وروح هادئة، وحينها قررت أن أعلن إسلامي، وبالفعل حصل ذلك بحمد الله.

كانت الظروف السياسية التي أعلن فيها إسلامه صعبة جدا، فقلت: ألا ترى أن تزامن إسلامك مع هذه الظروف الصعبة وأنت ضمن الشخصيات الأميركية البارزة وتربطك علاقة بصناع القرار السياسي في أميركا، إضافة إلى أنك استشاري دولي ورئيس لمعهد تكنولوجي دولي، هل ترى ان توقيت إسلامك فيه نوع من التحدي؟

قال: نعم، اعلان اسلامي في ظل هذه الظروف هو نوع من التحدي، ولكنني لا أخشى أحداً، فقد اتخذت قرار الدخول في الدين الإسلامي عن قناعة تامة.

قلت: ألا تخاف أن توجه لك انتقادات بسبب إسلامك؟

قال: بالتأكيد سأواجه انتقادات.. ولكن كما قلت لا أعبأ بذلك.

قلت: فهل ستعرض الإسلام على أسرتك؟

قال: نعم، ولكن بأسلوب الإقناع، ودخول أفراد أسرتي للإسلام وخصوصاً زوجتي الاميركية يعتمد على القناعة، وأنا أرى أنني قدوة لأسرتي سابقاً، والآن سأكون أفضل بعد إسلامي.

قلت: أنت ترى ما يفعل قومي وقومك من التشهير بالإسلام والمسلمين والعرب في الغرب؟

قال: ليس هناك ما يبرر مثل هذا الهجوم، وقد تابعت ذلك ووجدت أن ما طرح لا يعدو أن يكون حقداً وكراهية ولا يصور الواقع، واقع الدين الإسلامي المشهور بالعدل والحق وواقع المسلمين والعرب، والغريب أن هذه الحملة تأتي من اشخاص في مراكز قوى تؤثر على الملايين من المواطنين.

والاعلام الاميركي وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر أصبح طوفانا من الدعاية السيئة، ومن المستحيل أن يقف أمامه من يسعون إلى إيضاح الحقيقة بسبب سيطرة الصهاينة عليه، وهذا يتطلب آلية من العرب والمسلمين لايضاح الصورة وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن دينهم وعن واقعهم.

قلت: من خلال دراستك للإسلام ومخالطتك للمسلمين، هل لمست أن صراعاً ظهر بين الإسلام والمسيحية؟

قال: المسيحية ـ في أصلها وحقيقتها ـ لا تعادي الإسلام، والعكس كذلك، لكن ظهرت مؤخراً أصوات من مبشرين تتناول إعلان الحرب على الإسلام مثل ما ذهب اليه فرانك جراهام ـ وهو نجل المبشر الكبير بل جراهام ـ حيث قال: يجب أن يعلن الحرب على الإسلام، فإله الإسلام ليس بإلهنا، والإسلام هو دين عنف وكراهية لأقصى درجات.

تصور، هل مثل هذا الكلام يطرح، وتتناقله بعض وسائل الاعلام، وهل مثل هذا الشخص يمكن أن يقال إنه يدين بالمسيحية، لا اعتقد ذلك، فالمسيحية تقول:( من ضربك على خدك الايمن فأدر له خدك الايسر).. إنه بذلك يحرض العالم على الحرب وهذا شيء مؤلم، فكيف تنتقد ديناً أو تبدي رأياً فيه دون أن تعرف حقيقته أو ان تقرأ عنه.

المشكلة أن البعض في الغرب يقارن الإسلام النبيل بالمتطرفين من المسلمين، ومن قبل متطرفين مسيحيين، رغم أن الإسلام والمسيحية براء من هذه النماذج.

قلت: ما هي الآلية التي تراها مناسبة لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام؟

قال: من خلال إيضاح حقيقة الإسلام، من خلال الحوار مع الآخر، من خلال المراكز الاعلامية بأساليب نبيلة ومحترمة توضح الحقيقه وتراعي شعور الآخرين.

موري ديفيد كيل:

 من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (موري ديفيد كيل)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا باحث كندي شاب، وقد التقيت به في بعض رحلاتي إلى كندا، وقد سألته أن يحدثني عن سر اختياره الإسلام دينا دون سائر الأديان، فقال: كنت أنتمي الي عائلة مسيحية، وأتردد علي الكنيسة حتي الثانية عشر من عمري، وكنت أغني مزامير وتراتيل الكنيسة، ولكن ترددي علي الكنيسة بدأ يقل كثيرا أو شعرت بأن وجودي هناك لا يعالج حالة الفراغ الروحي التي أشعر بها، وكانت مشكلة الدين تثير إهتمامي بشكل كبير في ذلك الوقت.

ورغم أني كنت أعرف شيئا قليلا عن الإسلام من خلال ما تذكره وسائل الإعلام، إلا أني لم أكن أعلم أن الإسلام دين توحيدي، بل لم أكن أعلم أن الإسلام تربطه أي علاقة بدين ابراهيم أو غيره من الاديان.. لكني بدأت ألتفت إلى الإسلام بقوة عندما علمت أن أحد علماء الإسلام في سويسرا وصف الإسلام بانه نقطه تلاقي بين الله كما هو وبين الانسان كما هو.

بعدها بدأت رحلة البحث والدراسة والتفكير، وبدأ يتكشف أمامي الكثير من تعاليم الدين الإسلامي، وكانت كل مشكلتي تتمثل في عدم وجود من يشجعني علي دخول الإسلام، خاصة وأن المجتمع الغربي ككل يتخذ موقفاً معادياً للإسلام.

ولكني لم أتراجع عن الإسلام.. لقد وجدت في الإسلام التوازن الذي كنت أنشده، وهو الذي هداني إلى الغاية الحقيقية من الحياة، وقد وجدت فيه علاجاً وحلاً لمشكلة الروح في هذا الزمان والتي بحثت كثيراً عنها في مختلف الأديان، لكني لم أجد ديناً يعالج هذه القضية بشكل شامل وواسع سوى الإسلام.

لقد أعلنت إسلامي رغم علمي بالصعوبات التي سوف تواجهني.. وسميت نفسي عبد الصمد.

قلت: ما هي الصعوبات التي واجهتك بعد إسلامك؟

قال: عندما أعلنت إسلامي لم ألق معارضة من قبل أصدقائي، ولكن بمرور الوقت اكتشفت أنني فقدتهم جميعاً، أما بالنسبة لعائلتي، فقد أخفيت إسلامي عنهم طويلا، وعندما اكتشفوا ذلك توترت علاقتي بهم، واصيبوا بحالة من خيبة الأمل والحزن، ولمدة عام كامل، وهم يتعاملون معي بحساسية شديدة.

ورغم أن موقفهم من إسلامي كان يعذبني إلا أنني اقتديت بالصحابي الجليل مصعب بن عمير الذي فضل الإيمان علي أمه والتي كان باراً بها..

لكن بمرور الوقت تحسنت علاقتي بالأسرة، ولكنهم ما يزالوا حتي اليوم يحرصون علي إخفاء نبأ إسلامي، ويعتبرون ذلك فضيحة.

أحمد نسيم سوسه:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (أحمد نسيم سوسه)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا باحث مهندس من العراق، وهو عضو في المجمع العلمي العراقي، وواحد من أبرز المختصين بتاريخ الري في العراق، كان يهوديًا فاعتنق الإسلام متأثرًا بالقرآن الكريم، وقد توفي قبل سنوات تاركا الكثير من الدراسات في مختلف المجالات، وخاصة في تاريخ الريّ، وقد فنّد في عدد منها ادعاءات الصهيونية العالمية من الناحية التاريخية، ومن مؤلفاته الشهيرة(مفصل العرب واليهود في التاريخ)، و(في طريقي إلى الإسلام) الذي تحدث فيه عن سيرة حياته.

وقد تشرفت بالالتقاء به، فحدثني عن رحلته إلى الإسلام، وعن إعجابه الشديد بالإسلام، وسأنقل لك من كلامه ما تستطيع أن تكتشف به سر انجذابه إلى الإسلام، فمن أقواله:

(يرجع ميلي إلى الإسلام.. حينما شرعت في مطالعة القرآن الكريم للمرة الأولى.. فولعت به ولعًا شديدًا.. وكنت أطرب لتلاوة آياته)[32]

(الواقع أن تحوير وتبديل مصاحف اليهود أثر أجمع عليه العلماء في عصرنا الحالي نتيجة الدرس والتنقيب وقد جاء ذلك تأييدًا علميًا للأقوال الربانية التي أوحيت قبل نيف وثلاثة عشر قرنًا على لسان النبي العربي الكريم. أما الفرقان المجيد.. فقد حافظ المسلمون عليه بحرص شديد وأمانة صادقة فهو حقًا الكتاب المقدس الفريد الذي أجمع الكل على سلامته وطهارته من التلاعب والتحوير، وما على القارئ إلا أن يطالع ما كتبه المستشرقون في هذا الباب.. الذين وصفوا كيفية جمعه وتدوينه، وهؤلاء أجانب غرباء كثيرًا ما يصوّبون أسهمهم الناقدة السامة نحو الإسلام. والواقع أن الدلائل التاريخية واضحة بأجلى وضوح مما لا يترك أي شك في أن الفرقان الكريم لم يطرأ عليه أي تحريف أو تحوير وقد جاء كلام الله بكامله على لسان نبيه  دون أن يتغير فيه حرف واحد)[33]

(ورد في القرآن أنه جاء مهيمنًا على ما بين يديه من الكتاب، ويستدل من ذلك أن التعاليم الإلهية المقدسة الأصلية قد ضمن القرآن المحافظة عليها بما أوضحه من الحقيقة بإظهار الصحيح والدخيل في الكتب الرائجة في زمان نزوله، وعليه فيكون بهذا البيان والإيضاح قد جاء خير مهيمن على كتب الله الحقيقية وخير حافظ إياها من التلاعب)[34]

(الواقع أنه يتعذر على المرء الذي لم يتقن اللغة العربية ولم يضطلع بآدابها أن يدرك مكانة هذا الفرقان الإلهي وسموه وما يتضمنه من المعجزات المبهرة، ولما كان القرآن الكريم قد تناول كل أنواع التفكير والتشريع فقد يكون من العسير على إنسان واحد أن يحكم في هذه المواضع كلها. وهل من مناص للمرء من الانجذاب إلى معجزة القرآن بعد تمعنه في أميّة نبي الإسلام ووقوفه على أسرار حياة الرسول.. فقد جعل الله تعالى معجزة القرآن وأمّيّة محمد  برهانًا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له)[35]

(إن معجزة القرآن الكريم هي أكثر بروزًا في عصرنا الحالي، عصر النور والعلم، مما كانت عليه في الأزمنة التي سادها الجهل والخمول)[36]

(يستحسن بأتباع موسى وعيسى عليهما السلام أن يراجعوا التاريخ الإسلامي ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة عامة. ويثبت لنا التاريخ عدا ذلك أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم مس الأطفال والنساء والشيوخ بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين)[37]

(وجد اليهود تحت راية الإسلام أمنًا وعدلاً اتقوا به شر الاضطهاد والاعتداء، وقد مضت عليهم قرون عديدة وهم في خير وثراء)[38]

(من جملة ما حمله الصليبيون إلى بلادهم تلك الخلة الإسلامية الشريفة، خلة احترام الأديان وإطلاق الحرية لأهل الدين في تأدية فرائضهم مع احترام ما يجلّونه من العادات والتعاليم الروحية)[39]

(إن الإسلام شريعة العدل والإنسانية وأنه ينطوي على مبادئ تفوق السيف في قوتها واستقامتها، وأن منهج اللطف في دعوته إلى حقيقة التوحيد يجتذب القلوب ويسحر العقول ويأسر الناس بلا سيف ولا قتال)[40]

(يجب ألا يغرب عن البال أن المرأة لم تكن قد حازت حقوقًا تتمتع بها إلا بعد ظهور الإسلام لأن الإسلام هو أول من رفع قدر المرأة وأعطاها حقها في الحياة كحق الرجل)[41]

(لقد حرمت المسيحية الطلاق ولكن في الوقت نفسه نجد أنظمة البلاد المسيحية وقوانينها الرسمية تنصّ على إباحته. إن المسيحيين أنفسهم قد ضربوا بتعاليم ديانتهم عرض الحائط ووضعوا القوانين التي تنقضها من الأساس، وما كان ذلك كرهًا لديانتهم ولكن رغبة في وضع ما تتطلبه نفسية المجتمع البشري من نظام يضمن الاطمئنان في علاقات الجنسين ويكفل السعادة البشرية. ولو صحا المسيحيون من غفلتهم وتأملوا في الأمر لاتضح لهم بأن الإسلام قد سبقهم في هذا المضمار من قبل ثلاثة عشر قرنًا)[42]

(من الغريب أن يصبح الطلاق اليوم عند المسلمين إلى جانب القلة ويكثر عند الغربيين الذين كانوا ينكرونه أشد الإنكار، وما فتئ يزداد مع الزمن انتشارًا مطردًا، فإنه يحصل بالولايات المتحدة الأمريكية كل سنة ما ينيف على المائتي ألف طلاق، وفي أوروبا يبت في عشرات الألوف من قضايا الطلاق وعلى الأخص في فرنسا. ولا يغيب عن الذهن أن الإسلام مع إباحته الطلاق للضرورة فإنه يعد أبغض الحلال عندا لله، كما أنه ورد في القرآن الكريم ما يحتم الرفق بالمرأة ويفرض المحافظة على حقوقها ويقصي الرجل عن الإقدام الطلاق ما أمكن)[43]

(كانت المرأة في ديار العرب قديمًا محض متاع، مجرد ذكرها أمرٌ ممتهن. هكذا كان الوضع حينما جاء محمد  فرفع مقام المرأة في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة، كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال)[44]

(مما يدل على أن الإسلام هو دين أبدي قد انزل لكل وقت ومكان نجد أن عادة تعدد الزوجات لم تعد تتبع في كثير من الأنحاء الإسلامية إلا ما ندر وقل، وذلك لسبب التطور الذي طرأ في حياة معظم الجماعات بحيث جعل العسر الاقتصادي والظروف الحالية تعدد الزوجات متعذرًا تطبيقه.. هذا وإذا دقّقنا كم هي النسبة المئوية من المؤمنين بالدين الإسلامي الذين يطبقون عادة تعدد الزوجات في الوقت الحاضر نجد فعلاً أنها نسبة جدّ قليلة)[45]

( إني أعتقد بأنه لو كان للإسلام في أمريكا بعض ما كان للمسيحية من الدعاية والتبشير، لكان علمه يخفق اليوم في معظم أصقاع هذه البلاد الواسعة ولكان لقي فيها من التشجيع بخلاف ما هو معروف من فشل التبشير النصراني)[46]

(إن البلاد العربية تجتاز اليوم دورًا عصيبًا هو دور الانتقال والتطور، وهذا الانتقال السريع مخيف ومريع، فقد تضيع فيه الوجهة والمبدأ إن لم نتدارك الأمر بالتحلي بالصفات الإسلامية السامية التي تمدنا بالإيمان والقوة قبل أن تتغلب علينا مادة الغرب فتفرقنا وتنتزع من أبناء يعرب يقينهم وأمانيهم)[47]

(لابدّ للشباب المتعلمين أن يضعوا نصب أعينهم الحقيقة التاريخية، ألا وهي أن حرب الغرب ضد الإسلام لم تنته، تلكم الحرب التي أضرمها الغربيون المسيحيون بقصد قطع دابر المسلمين، ومحو شوكة الإسلام من البسيطة. وقد وجد الغربيون في نظرياتهم الإلحادية التي يبثونها في علومهم ويشجعونها بين المسلمين بوسائط مختلفة غير العلم خير دسيسة بل أنجع وسيلة لمحو الإيمان بالدين الإسلامي، ونعني بذلك قوة الإسلام التي يتربص لها الغرب باغيًا إخمادها واضمحلالها. ويا ليت الشباب المسلمين يتروون في مسلكهم ويدرسون الحقائق الدينية التاريخية قبل أن يبيعوا عواطفهم الدينية رخيصة للعدو المترصد)[48]

(إنه يجب ألا ننسى أن العالم الغربي يخشى بأس الإسلام إذا اتّحد أنصاره.. إذ يرى الغربيون في اتحاد المسلمين خطرًا على كيانهم ومدنيّتهم ولا يخفون شعورهم في هذا الصدد بل هم يسعون بكل الوسائل لوضع العراقيل في سبيل التفاهم والاتحاد بين البلاد الإسلامية)[49]

(لابدّ من القول إن المناوأة التي أحدثتها البابوية ضد الإسلام وأضرمت بها نيران الحروب الصليبية لا تزال متأصلة في نفوس الغربيين)[50]

(أي غاية أسمى وأقرب إلى الإنسانية ودين الله من تلكم الغاية التي كان يرمي إليها الرسول في توحيد القلوب وإظهار الحقيقة؟لنتصور محمدًا وهو يملي على أهل الكتاب وحي الله قائلا:﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران:64)[51]

(إن نبي الإسلام شخصية تاريخية مبجلة. ما حياة الرسول سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية)[52]

(كان محمد أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته)[53]

(إن التاريخ ينبئنا أن محمدًا ضحى بكل شيء من أجل رسالته إذ أتيحت له مرات فرصة الاختيار بين أمرين أولهما حياة راحة وهناء وغنى على أن ينبذ دعوته وثانيهما حياة عسر واضطهاد مقرونة بنشر رسالته، وقد فضل الأمر الثاني لأن إيمانه برسالته كان قويًا وكان قد أوحي إليه بأنه قد اختاره ربه لبث هذه الرسالة على الإنسانية جمعاء فكان ما أراد الله له)[54]

(على المرء الذي وقف على حقيقة الإسلام أن يعترف بأن الإسلام هو في الحقيقة دين الحرية والفطرة بعيدًا عن قيود الكنيسة واستبدادها في المسيحية وغريبًا عن العصبية وتقاليدها الثقيلة في اليهودية)[55]

(إن المرء الذي تغلغل في أعماق الحضارة الغربية وأدرك منطوياتها ومحصها تمحيصًا دقيقًا نظريًا وعمليًا لابد له من الانقياد بقوة نفسية كمينة إلى منهل العقيدة الإسلامية ليروي غليله منها)[56]

(ما أعظم سروري الآن حين جاء الاستدلال العلمي الصحيح مؤيدًا للميل الفطري فانتميت إلى الدين الإسلامي بدافع طبيعي غريزي وبتأييد علمي تمحيصي فأصبحت بذلك مسلمًا شعورًا وموطنًا ودينًا)[57]

(جاء الإسلام بعد الديانتين التوحيديتين منقحًا موضحًا للحقيقة، معترفًا بجوهر الديانتين السابقتين، مشيرًا إلى التحوير والأخطاء التي طرأت عليهما.. مضيفًا كثيراً من الإرشادات والتعاليم الروحية التي أرادها الله لعباده المؤمنين.. واضعًا شريعة تحتوي على كل ما يتعلق بالمجتمع من أمور اجتماعية دينية اقتصادية سياسية. ومن ذلك يتضح أن الإسلام لم يظهر لهداية القبائل الوثنية فحسب وإنما جاء أيضًا لتوحيد الأديان ورفع الشكوك والارتباكات التي انطوت عليها الديانتان اليهودية والمسيحية وإرشاد أتباعهما إلى الدين الجديد. ولكن تأصل جذور الديانتين ونفوذ الأحبار والساسة والعصبية اليهودية بصورة خاصة كل هذه كانت من العوامل التي حالت دون تحقيق التوحيد المنشود. ولو أن هؤلاء كانوا من المهتدين إلى الإسلام دين الحقيقة لكان انقشع ضباب الضلال والكراهية والارتباط وانبثق نور السعادة على البشرية جمعاء في جو مشبع بالصفاء والولاء)[58]

(الواقع أنه ليس من دين من أديان العالم البشري حافظ على جوهره وقاعدة تعاليمه كالدين الإسلامي، وهذا ما يمتاز به الإسلام عن الديانتين اليهودية والمسيحية)[59]

(إذا كان يصح ما يقال بأن خير الأمور أوسطها، فإن الديانة الإسلامية هي التي تستحق أن تحتل المكانة السامية بين الديانات العالمية لأنها جاءت مشبعة بروح الطبيعة والفطرة معتدلة في طقوسها.. متوسطة في مسلكها.. فهي الشريعة الوسط التي تدعو إلى العمل للدنيا والآخرة في آن واحد)[60]

(إن الإسلام هو الدين الصافي الذي أراده الله للإنسانية، صفي بمصفاة وحيه الإلهي ليكون دينًا صالحًا لكل إنسان ولكل زمان ومكان)[61]

(لو أدرك هذا العالم التائه جوهر المبادئ الإسلامية لوجد فيها خير كفيل لحلّ معظم الأدواء البشرية الحالية ولما احتاج إلى عصبة أمم أو نظائرها من الاتجاهات لنشر مبادئ السلم والتعاون لأن الإسلام يضم بين تعاليمه أنبل مبدأ وأمتن أساس لتوطيد عرى العلاقات السلمية بين الأمم)[62]

(للإسلام فضل كبير على التاريخ نفسه من غير الوجهة الدينية. ذلك أنه جاء موضحًا بعض الحوادث التاريخية الغامضة بحيث فتح بابًا واسعًا للتدقيق والبحث بل جاء حافزًا للعلماء للتنقيب وسبر أغوار البحوث التاريخية لاستنباط الحقائق التي أوردها القرآن الكريم. ومن ثم فإن خدمة الإسلام للتاريخ والعلم بل خدمته للإنسانية بصورة عامة بتشجيعه العلم الصحيح ونبذ التقليد الأعمى مما يسجلها له التاريخ ما دام تاريخ في الوجود)[63]

(إن النزعة العامة للكنيسة المسيحية تجاه الفلسفة والعلم هي نزعة عدائية.. ويرجع الفضل للإسلام في محافظته على الروح العلمية الفلسفية وإرجاعها إلى المجتمع الأوروبي، إذ كان الإسلام حاميًا للكثير من المعلمين والفلاسفة الذين هجروا أوطانهم بنتيجة اضطهاد المسيحية إياهم. والواقع أن العلم لم يرجع إلى أوروبا إلا بواسطة الإسلام الذي امتد سلطانه إلى الأندلس.. وأن هذا العلم الذي انتشر في أوروبا عن طريق الإسلام أخذ يعمل في عقول المفكرين شيئًا فشيئًا حتى كانت النتيجة أن أحدث صراعًا عنيفًا بين الكنيسة وساسة الشعوب المفكرين فكان نصيب الكنيسة التسليم بمعظم ما كانت تتمتع به من سلطان)[64]

(لا يخفى أن الحضارة الإسلامية أنتجت ضحى التبصير والتيقظ نابذة التقليد ومتجنبة الظن فكانت التجربة والبرهان قاعدة البحث فيها وبذلك تمّ للمسلمين وضع الأسس الثابتة للعلوم الصحيحة فجعلوا التجربة والملاحظة أساس المباحث العلمية ودعامة التنقيب الأمر الذي لم يكن قد اهتدى إليه اليونان مدى اشتغالهم بالبحث والفلسفة، فكوّن المسلمون بذلك ثقافة خاصة بهم وفلسفة إسلامية مستقلة بعد أن اقتبسوا محسنات ما في الفلسفة اليونانية ونبذوا الآراء الوثنية منها كما أنهم وضعوا الأسس للعلوم الطبيعية والرياضية بأنواعها المختلفة ومن طريقهم وصلت هذه العلوم إلى أوروبا)[65]

(تمتاز الحضارة الإسلامية في كونها تخضع في معظم إنتاجها إلى التعاليم الإسلامية فالقيام بالصناعات والأخذ بالعلوم متصل بروح الأمة وعقيدتها، لأن العمل بذلك في نظر الإسلام فرض على الأمة وهذا نظام يربط الإنتاج البشري بالدين.. وذلك بخلاف المدنية الغربية فإنها جعلت القيام بشؤون الحياة من اختصاص الاقتصاد المادي وحده، فأمست مدنية مادية محضة لا يعين الفرد فيها صاحبه ولا ينصر أحد رفيقه)[66]

(يجب أن لا يغرب عن البال أن المدنية الغربية الحديثة خابت في إرضاء النفوس وأخفقت في إيجاد السعادة البشرية فهبطت بالناس في هاوية الشقاء والارتباك لأن جهود العلم الحديث موجهة إلى التدمير والإفناء.. فهو بعيد والحالة هذه من أن يتصف بالكمال أو أن يكون واسطة لخدمة الإنسانية كما كان في عهد الإسلام)[67]

 

 



([1])  من كتاب (الذين هدى الله) للدكتور زغلول النجار.

([2])  القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 150.

([3])  القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 145.

([4])  القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 145.

([5])  القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 150.

([6])  دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، ص 14.

([7])  دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، ص 140.

([8])  دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، ص 140 – 141.

([9])  انظر في هذا مقالا لد.محمد يوسف المليفي في كتاب (لماذا أسلموا)

([10])  المقدم هو الدكتور عبدالله نصيف مدير جامعة الملك عبدالعزيز في ذلك الحين، وقد تولى منصب أمين العام لرابطة العالم الإسلامي بعد ذلك.

([11])  انظر شهادة كيث مور المصورة علي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم على الروابط التالية:

الجزء الأول: http://alhakekah.com/aduio/moore-1-56k[1].ram

الجزء الثاني: http://alhakekah.com/aduio/moore-2-56k[1].ram

([12])  قد ذكرنا في مناسبات مختلفة عدم اشتراط الإعلان بالطرق المعمول بها، بل قد يكون من الحكمة عدم هذا الإعلان، خاصة إذا ترتبت عليه مفاسد تتعلق بالمعلن عن إسلامه أو من يرتبطون به، وقد ذكر القرآن مؤمن آل فرعون الذي لم يعلن إيمانه إلا بعد أن رأى المناسبة الداعية لذلك، فقال ':﴿  وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (غافر:28)

 

([13])  انظر: إنه الحق، للشيخ الزنداني، ببعض التصرف، وانظر شهادته المصورة في:http://alhakekah.com/aduio/tejasen-1-56k[1].ram

 

([14])  انظر: إنه الحق، وشهادته المصورة على هذا الرابط:

الجزء الأول: http://alhakekah.com/aduio/kroner-1-56k[1].ram

الجزء الثاني: http://alhakekah.com/aduio/kroner-2-56k[1].ram

([15])  انظر التفاصيل العلمية المرتبطة بهذه الآية في (معجزات علمية)من هذه السلسلة.

([16])  صحيح مسلم في الزكاة باب18 حديث60.

([17])  انظر: كتاب لماذا أسلمنا؟ تأليف: عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني.

 

([18])  انظر: إنه الحق، للشيخ عبد المجيد الزنداني.

([19])  انظر: إنه الحق، للشيخ عبد المجيد الزنداني.

([20])  انظر الجوانب العلمية المرتبطة بهذا، وما ورد في القرآن مما يقررها في رسالة (معجزات علمية) من هذه السلسلة. 

([21]) باختصار عن كتابيه (الصراع من أجل الإيمان) و(حتى الملائكة تسأل) 

([22])  حتى الملائكة تسأل، د. جيفري لانغ: 211.

([23])  حتى الملائكة تسأل، د. جيفري لانغ:75.

([24])  حتى الملائكة تسأل،:209.

([25])  الصراع من أجل الإيمان:34.

([26])  حتى الملائكة تسأل:366.

([27])  الصراع من أجل الإيمان:111.

([28])  ذكرنا في المسائل الفقهية المرتبطة بهذا الجانب أنه لا ينبغي التشدد في هذا الباب، فيمكن للمصلي أن يصلي باللغة التي يعرفها، وفي الفقه الإسلامي الأدلة الكثيرة المببينة لجواز هذا، ولعل أقواها قوله ':﴿  وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(طـه: من الآية14)، فالغرض من الصلاة هو ذكر الله، وهو يتحقق بأي لغة من اللغات.

([29])  حتى الملائكة تسأل:234.

([30])  انظر:كتاب (ربحت محمدا ولم أخسر المسيح)، د.عبد المعطي الدالاتي.

([31]) أجري معه الحوار في مجلة (الشرق الاوسط)، أجرى الحوار في الرياض: بدر الخريف.

 

([32])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 51.

([33])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 86.

([34])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 87.

([35])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 182 – 183.

([36])  في طريقي إلى الإسلام:  1 / 185.

([37])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 94.

([38])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 130.

([39])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 133.

([40])  في طريقي إلى الإسلام: 2 / 38.

([41])  في طريقي إلى الإسلام: 1/187.

([42])  في طريقي إلى الإسلام: 2/30 – 31.

([43])  في طريقي إلى الإسلام: 2/31 – 32.

([44])  في طريقي إلى الإسلام: 2/42.

([45])  في طريقي إلى الإسلام: 2/144 – 145.

([46])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 53.

([47])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 62.

([48])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 62 – 63.

([49])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 133 – 134.

([50])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 134– 135.

([51])  في طريقي إلى الإسلام: 1/72-73.

([52])  في طريقي إلى الإسلام:1/174.

([53])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 174 – 175.

([54])  في طريقي إلى الإسلام:2 / 130.

([55])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 52.

([56])  في طريقي إلى الإسلام: 1/ 52 – 53.

([57])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 55.

([58])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 71 – 72.

([59])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 74 – 75.

([60])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 77.

([61])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 80.

([62])  في طريقي إلى الإسلام:1 / 69.

([63])  في طريقي إلى الإسلام:1/ 102.

([64])  في طريقي إلى الإسلام: 1 / 188 – 189.

([65])  في طريقي إلى الإسلام:  2 / 112.

([66])  في طريقي إلى الإسلام:  2 / 112 – 113.

([67])  في طريقي إلى الإسلام: 2 / 114.