الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: النبي الهادي

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

ثامنا ـ المفتي

1 ـ العلم

التفسير:

أخلاق:

عبادات:

أموال:

الأسرة:

الروادع:

2 ـ الورع

3 ـ الرفق

4 ـ البصيرة

ثامنا ـ المفتي

قلت: فحدثني عن رحلتك الثامنة.

قال: بعد خروجي من المغرب الأقصى سرت قاصدا تونس، وبالضبط إلى أعرق مدينة فيها مدينة القيروان[1] ..

بمجرد دخولي المدينة خطرت على بالي مسائل كثيرة من العلم، ومعضلات كثيرة من الفقه، حاولت بما تعلمته من العلوم في المدارس المختلفة أن أجد لها حلا، فلم أستطع، وكأنها كانت مشفرة بشيفرة دقيقة لا يمكن لأي قرصان في الدنيا أن يجد لها حلا.

حاولت أن أصرف خواطرها عن ذهني، فلم تنصرف .. بل راحت تلح علي إلحاحا، وكأنها تطلب حلا عاجلا، أو كأنها شعرت بأن في تلك المدينة من يفتح أبوابها، ويحل معضلاتها، فلذلك راحت تطالبني بأن أبحث عنه.

بينما أنا كذلك إذا بي أرى رجلا .. كان أبسط الناس في مظهره .. يقترب مني، ويقول: لقد قال رسول الله r :(شفاء العي السؤال)[2] .. فابحث عن شفائك في السؤال، فلا يتعلم إلا لسان سؤول .. وإياك من الكبر، فقد قال تعالى:( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (لأعراف:146)

قلت: من أنت؟ .. وكيف بدا لك أن توجه لي هذه الموعظة؟

قال: أنا أخ من إخوانك .. وقد قال رسول الله r :(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[3]

قلت: بورك فيك، ويشرفني أن يؤاخيني رجل مثلك .. ولكني أسألك عن سر توجيه هذه الموعظة بالذات لي .. لم لم تعظني بالتصدق مثلا .. أو بالصلاة .. أو بغيرها.. فأمور الدين كثيرة لا يمكن حصرها .. فلم خصصت من بينها ما خصصت؟

قال: لسببين ..

نظرت إليه، والابتسامة تملأ فمي، وأنا أقول: فما أولهما؟

قال: أولهما أني دللتك على ثمرة المواعظ وغاياتها .. فالمواعظ المثمرة هي التي تدلك على العمل الصالح، وتثير همتك إليه .. ولا يمكن أن يكون العمل صالحا إلا إذا كان وفق ما يقتضيه العلم .. ولا يمكن أن تتعلم ما لم تسأل.

قلت: عرفت الأول .. وبورك فيك .. فما الثاني؟

قال: لقد شرفني الله، فصحبت بعض ورثة رسول الله r في هذا الباب .. باب الفتيا .. وقد صار لي فيه نوع من الفراسة .. وقد رأيت في وجهك ما أنبأني بحاجتك إلى حل بعض المعضلات، وإزالة بعض المشكلات .. فتقدمت إليك بما تقدمت.

قلت: أصابت فراستك، ولم تخطئ .. فمن هذا الوارث الذي تنصحني بأن أقصده لحل ما خطر على بالي ..

قال: لا يفتى وسحنون[4] في القيروان ..

قلت: من هذا السحنون[5] الذي تدعي له ما تدعي؟

قال: إنه حامل مشعل الهداية الذي يجيب عن كل سؤال، ويحل كل إشكال، ويرفع كل معضلة، ويزيل كل مشكلة.

صحت: ذاك من أبحث عنه .. لقد أخبرني معلم الهداية أني لا أنال الفم الثامن من أفواه الهداية إلا عند من ذكرت.

قال: فهيا بنا إليه إذن .. فقد قال رسول الله r :( الدال على الخير كفاعله)[6]

قلت: سأسير معك .. ولكني لن أسأله عن أي مسألة مما خطر على بالي حتى أستوثق من كونه وارثا للنبي r في هذا الباب.

قال: صدقت في هذا .. فما أكثر الأدعياء .. وقد قال رسول الله r :( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فافتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا)[7]

قلت: إن وارث هذا الفن من فنون الهداية لا ينبغي إلا أن يكون عالما .. فلا يمكن أن يفتي الجاهل .. فهل ترى سحنونا كذلك؟

قال: أجل .. ولولا ذلك ما تصدى للإفتاء .. لقد أخذ العلم عن أهل المشرق وأهل المغرب .. بل لم يدع محلا من المحال فيه علم من العلوم إلا قصده .. لقد بدأ بالقيروان، فأخذ عن مشائخها الكبار: أبي خارجة، وبهلول، وعلي بن زياد، وابن أبي حسان، وابن غانم، وابن أشرس، وابن أبي كريمة وأخيه حبيب. ومعاوية الصمادحي وأبي زياد الرعيني .. وغيرهم.

ورحل إلى مصر والحجاز فأخذ من ابن القاسم، وابن وهب، وأشهب، وطليب بن كامل، وعبيد الله بن عبد الحكم، وشعيب بن الليث، ويوسف بن محمد، وسفيان بن عيينة، ووكيع وعبد الرحمان بن مهدي، وحفص بن غياث، وأبي داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، والوليد بن مسلم، وابن نافع الصائغ، ومعن بن عيسى، وأبي ضمرة وابن الماجشون، ومطرف وغيرهم.

لقد حدثني مرة عن أيام طلبه العلم، فقال: انقفلت عليّ مسألة حتى أردت الرجوع فيها إلى المدينة، حتى اتضحت لي .. وقال لي: لما حججت كنت أزامل ابن وهب، وكان أشهب يزامله يتيمه، وابن القاسم يزامله ابنه موسى، وكنت إذا نزلت سألت ابن القاسم، وكنا نمشي باالنهار، ونلقي المسائل، فإذا كان الليل قام كل أحد إلى حزبه من الصلاة، فقال ابن وهب: ألا ترون هذا المغربي يلقي بالنهار، ولا يدرس بالليل؟، فيقول ابن القاسم :( هو نور يجعله الله في القلوب)

قلت: لا ينبغي أن يتصدى رجل للإفتاء حتى يشهد له أهل هذا الشأن .. فإن الإفتاء توقيع عن رب العالمين .. وليس كل من نبغ في العلم صح توقيعه.

قال: وسحنون شهد له الكل .. لقد قال فيه محمد بن أحمد بن تميم: كان سحنون ثقة حافظاً للعلم فقيه البدن، اجتمعت فيه خلال قلّما اجتمعت في غيره. الفقه البارع والورع الصادق، والصرامة في الحق،والزهادة في الدنيا، والتخشن في الملبس، والمطعم، والسماحة. كان لا يقبل من السلاطين شيئاً. وربما وصل أصحابه بالثلاثين ديناراً أو نحوها، ومناقبة كثيرة.

وقال فيه عبد الرحيم الزاهد: لما خرج أسد إلى العراق، شاورته فيمن اقصد بعده، أسمع منه. فقال: عليك بهذا الشيخ ـ يعني سحنون ـ فما أعرف أحداً يشبهه.

وقال ابن حارث: سحنون أمام الناس في علم مالك. وكان فاضلاً عادلاً، مباركاً. أظهر السنة، وأحمد البدعة، وثقف رسوم القضاء بعقله وعلمه.

وقال يحيى بن عمر: (لما قدمت إلى سحنون فسألت عنه، فقيل لي: خرج إلى البادية، فجئته، فرأيت رجلاً أشعر عليه جبة صوف ومنديل، وهو متول حرثه وشأنه، فاستصغرته، وندمت على تركي من تركت بالمشرق، ومجيئي إليه. وقلت: ما أراه يحفظ شيئاً من العلم، فرحب بي، فلما جالسته في العلم رأيت بحراً لا تكدره الدلاء، والله العظيم، ما رأيت مثله قط. كأنما جمع العلم عينيه في صدره)

وقال فيه ..

قاطعته قائلا: لا يكفي أن يكون المرء عالما حتى يستحق هذا  المنصب الجليل، فقد يكون عالما، ولكن الدنيا تجذبه بحبالها، فلا يفتي بما يمليه علمه، بل يفتي بما يمليه هواه.

قال: كلهم قد تجذبه الدنيا غير سحنون .. لقد بلغ من العمر ثمانين سنة .. وهو لا يزال عصيا على كل من يريد أن ينحرف به عن العلم الذي تعلمه، والأدب الذي تأدبه.

لقد قال لي مرات كثيرة :(ما أحب أن يكون عيش الرجل إلا على قدر ذات يده، ولا يتكلف أكثر مما في يده، وإن طلب زوجه، فليطلبها على قدر ذات يده، في مؤونتها، وقناعتها، حتى يبقى في يده ما استغنى به، فإن كان له مال حلال، اعتمد عليه، وتفرغ للعبادة، وإن لم يكن عنده فعليه بكسب يده. فذلك أولى به من مسألة الناس .. وأكل أموال الناس بالمسكنة والصّدقة، خير من أكله بالعلم والقرآن)

لقد قال فيه صاحب لي اسمه عيسى ـ وهو من العلماء ـ: كان سحنون صمته لله، وكلامه لله، إذا أعجبه الكلام صمت، وإذا أعجبه الصمت تكلم.

قلت: لا يمكن أن يظهر الورع إلا فيمن احتوته المناصب .. وتملكته كراسيها وثقلت به إلى الأرض.

قال: كلهم قد تثقل به الكراسي إلا سحنون .. لقد ولي القضاء بعد أن ألح عليه حاكم هذه البلدة .. فلم يترك مظلمة إلا وردها .. لقد رأيته في اليوم الذي ولي فيه القضاء راكباً على دابة، ما عليه كسوة ولا قلنسوة، والكآبة في وجهه، ما يتجرأ أحد يهنّيه، فسار حتى دخل على ابنته خديجة، وكانت من خيار الناس، فقال لها: اليوم ذبح أبوك بغير سكين.

أذكر أنه في تلك الأيام كتب إليه عبد الرحيم الزاهد .. لاشك أنك لا تعرفه، فمن لا يعرف سحنون لا يمكن أن يعرف غيره .. لقد كتب إليه هذا الرجل الزاهد الصالح يقول له: أما بعد فإني عهدتك، وشأن نفسك عليك مهم، تعلم الخير وتؤدب عليه، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، تؤدبهم على دنياهم، يذلّ الشريف بين يديك والوضيع. قد اشترك فيك العدو والصديق ولكلّ حظه من العدل، فأي حالتيك أفضل: الحالة الأولى أم الثانية؟ والسلام.

فكتب إليه سحنون: (أما بعد فإنه جاءني كتابك فهمت ما ذكرت فيه، وأني أجيب أنه لا حول ولا قوة في شيء إلا بالله تعالى، عليه توكلت وإليه أنيب. فأما ما كتبت أنك عهدتني وشأن نفسي عليّ مهم، أعلم الخير وأؤدب عليه، وأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة، أؤدبهم على دنياهم، ولعمري أنه من لم تصلح له دنياه، فسدت له أخراه. وفي صلاح الدنيا إذا صح المطعم والمشرب، صلاح الآخرة. فكلا الأمرين متصل بالآخرة. أؤدبهم في معاملتهم، ودفع ظالمهم عن مظلومهم، وأخذهم الأمور من وجوهها، أدب لأخرتهم. لأن بصلاح دنياهم لهم آجرتهم. وبفساد الدنيا تفسد الآخرة. وقد حدثني ابن وهب، ورفع سحنون سنده إلى النبي r قال: (نعم المطية الدنيا، فارتحلوا، فإنها تبلغكم الآخرة)، ولن تبلغ الدنيا الآخرة من عمل في الدنيا بغير الواجب من حق الله. وأما قولك وليت أمر هذه الأمة، فإني لم أزل متبلي ينفذ قولي، منذ أربعين سنة، في أشعار المسلمين وأبشارهم. حدثني ابن وهب: أن عبيد الله بن أبي جعفر قال: (لن تزالوا بخير ما تعلمتم. فإذا احتيج إليكم فانظروا كيف تكونوا). قال ابن أبي جعفر فرأيت في المنام :( إنما المفتي قاض يجوز قوله، في أبشار المسلمين وأموالهم)، فعليك بالدعاء. فألزم ذلك نفسك والسلام.

قلت: وصحبته للسلاطين .. فإن العالم لا يفسد إلا بصحبتهم.

قال: لقد سمعته مرات كثيرة يقول: ما أقبح بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيه. فيسأل عنه، فيقال:هو عند الأمير، هو عند الوزير، هو عند القاضي، فإن هذا وشبهه شرٌّ من علماء بني إسرائيل، وبلغني إنهم يحدثونهم من الرخص ما يحبون، مما ليس عليه العمل، ويتركون ما عليه العمل، وفيه النجاة، لهم، كراهة أن يشتغلوهم. ولعمري لو فعلوا ذلك لنجوا، ووجب أجرهم على الله، فوالله لقد ابتليت بهذا القضاء، وبهم، ووالله ما أكلت لهم القمة، ولا شربت لهم شربة، ولا لبست لهم ثوباً، ولا ركبت لهم دابة، وما أخذت لهم صلة، وإني لأدخل عليه، فأكلمهم بالتشديد، وما عليه العمل وفيه النجاة. ثم أخرج عنهم، فأحاسب نفسي، فأجد عليّ الدرك مع ما ألقاهم به في الشدة والغلظة، وكثرة مخالفتي هواهم، ووعظي لهم. فوددت أن أنجو مما دخلت فيه كفافاً.

قلت: قد يكون الورع متشددا يضيق علي ما وسع الله .. وأنا لا أحب أن أترك ما رخصه لنا الشرع.

قال: وسحنون لا يقول إلا بهذا .. لقد ذكر لي عن بعض شيوخه، واسمه سفيان الثوري قوله :( إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد)

وذكر لي بسنده عن الحافظ أبي الفضل بن طاهر بسنده عن عمر بن إسحاق من التابعين قال: (كان من أدركتي من أصحاب محمد r أكثر من مائتين، لم أر قوما أهدى سيرة، ولا أقل تشديدا منهم)

وقد سمعته مرة يثني على الإمام المزني صاحب الشافعي، فيقول :( كان أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس)[8]

ووصف مرة التابعي الجليل محمد بن سيرين، فقال: (كان محمد أرجى الناس لهذه الأمة، وأشدهم أزرا على نفسه)

قلت: قد يكون في المفتي كل ما ذكرت .. ولكنه لا يكون صاحب بصيرة يعرف بها الواقع، فلذلك يخطئ في تطبيقه الأحكام.

قال: كلهم قد يقع في هذا إلا سحنون .. فهو ملم بالواقع محيط به .. بل لم أره يجيب عن مسألة إلا بعد أن يحيط بكل ما يرتبط بها علما.

لقد جاءه مرة رجل من صطفورة، فسأله عن مسألة، وتردد عليه، فقال له: أصلحك الله مسألتي في ثلاثة أيام. فقال له: وما أصنع لك؟ ما حيلتي في مسألتك؟ نازلة معضلة، وفيها أقاويل، وأنا أتخير في ذلك، فقال الرجل الصطفوري: وأنت أصحك الله لكل معضلة. فقال: هيهات، ليس يا ابن أخي. فقولك أبذل لك لحمي ودمي إلى النار، ما أكثر ما لا أعرف، إن صبرت رجوت أن تنقلب بمسألتك، وإن أردت غيري فامضِ، تجاب عن ساعة. فقال: إنما جئت إليك ولا أبتغي غيرك. قال: فاصبر عافاك الله. ثم أجابه بعد ذلك.

وقد سمعته مرات كثيرة يقول: (أجراً للناس على الفتيا، أقلّهم علماً. يكون عند الرجل باب واحد من العلم، فيظن أن الحق كله فيه)

وسمعته يقول:( إني لأسأل عن المسألة، فأعرف في أي كتاب وورقة وصفحة وسطر، فما يمنعني عن الجواب فيها إلا كراهة الجرأة بعدي على الفتيا)

وسمعته يقول :( أنا أحفظ مسائل ما فيه ثمانية أقاويل من ثمان أئمة، فكيف يسعني أن أعجل بالجواب، حتى أتخيّر)

وقد قلت له مرة: تأتيك المسائل مشهورة مفهومة، فتأبى الجواب فيها. فقال:( سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال)

 

***

ما وصلنا من حديثنا إلى هذا الموضع حتى بلغنا أعرق مسجد بالقيروان، وهو المسجد الذي كان منارة للعلم والهدى قرونا طوالا[9] ..

دخلت ـ مع صاحبي ـ من بابه الواسع، فرأيت رجلا ربع القامة، بين البياض والسمرة، حسن اللحية، كثير الشعر، أعين، بعيد ما بين المنكبين، حسن اللباس[10].

رأيته يجلس على منصة عالية .. وعلى منصة على يمينه جلس رجال عليهم سمت العلماء، وعلى منصة على يساره جلس ناس من العامة ..

أشار صاحبي إليه، وقال: هذا هو سحنون .. فهيا بنا .. ولا تنسى أن تتأدب بين يديه .. فقد روينا عن علي ـ رضي الله عنه ـ قوله: (إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تعنته في الجواب ، وأن لا تلح عليه إذا أعرض ، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل ، ولا تشير إليه بيدك ، وأن لا تغمزه بعينيك ، وأن لا تسأل في مجلسه وأن لا تطلب زلته وإن زل تأنيت أوبته وقبلت فيئته ، وأن لا تقول قال فلان خلاف قولك وأن لا تفشي له سرا ، وأن لا تغتاب عنده أحدا وأن تحفظه شاهدا وغائبا وأن تعم القوم بالسلام وأن تخصه بالتحية ، وأن تجلس بين يديه وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته وأن لا تمل من طول صحبته إنما هو كالنخلة تنتظر متى سيقط عليك منها منفعة ، وإن العالم بمنزلة الصائم المجاهد في سبيل الله ، فإذا مات العالم انثلمت في الاسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة وطالب العلم يشيعه سبعون ألفا من مقربي السماء)[11]

قلت: أراه قد فرق بين الناس .. فإلى أيهما نذهب؟

قال: أما الصنف الأول، فهو لمن يريد أن يسأل عن المسائل، ثم ينصرف بعدها .. وأما الصنف الثاني، فهو لأهل العلم .. لمن يريد منهم أن يتعلم أصول الفتاوى وآدابها ليستن بسنة رسول الله r في ذلك .. وهذا يحتاج إلى صحبته مدة من الزمن لتترسخ فيه تلك الأصول وتتثبت ..

قلت: فهيا بنا إلى حيث يجلس الصنف الثاني .. فأنا لم أخرج من بلادي إلا لأجل الأصول..

قال: ومسائلك التي تريد أن تسأل عنها؟

قلت: إذا تعلمت الأصول .. فسيسهل علي أن أجيب عنها.

جلسنا حيث يجلس أهل العلم .. وقد حاولت أن ألتزم بجميع ما تعلمته من آداب في محاضر شنقيط .. وقد جعل ذلك سحنونا يلتفت إلي، وهو يبتسم، ثم يعود إلى ما كان فيه، ويقول: لقد ذكر الإمام أحمد خمسة أصول للفتوى .. استنبطها من كلام رسول الله r وكلام العلماء .. فقال :( لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نية، فإن لم تكن له نية، لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة، والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته، والرابعة: الكفاية (أي من العيش) وإلا مضغه الناس، والخامسة: معرفة الناس)

وقد رأيت أن هذه الأصول تؤول إلى أربعة .. لاشك أنكم تعرفونها: إنها العلم والورع والرفق والبصيرة.

1 ـ العلم

قال رجل من أهل العلم: فحدثنا عن العلم .. ولم كان ركنا من أركان الفتوى؟

قال: لقد ذكر رسول الله r هذا الشرط، فقال :( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فافتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا)[12]

لقد أخبر رسول الله r في هذا الحديث عن الشرط الأساسي للمفتي، فلا يمكن للمفتي أن يفتي إلا فيما له فيه علم ومعرفة وخبرة .. لقد قال الله تعالى يشير إلى الخبرة، وهي التعمق في العلم، ومعرفة تفاصيله ودقائقه :﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ (الفرقان: من الآية59)

قالوا: فحدثنا عن العلوم التي يجب على العالم تعلمها قبل الجلوس للفتيا.

قال: إن كان المستفتي يفتي في كل شيء .. فعليه أن يتعلم كل شيء: فروعه وأصوله ..لقد اتفق على هذا جميع أهل الله من ورثة رسول الله r .. فقد قال الإمام الشافعي:( لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله، إلا رجلا عارفا بكتاب الله، بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزليه، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، وفيم أنزل، ثم يكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله r ، بالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن، ويكون بصيرا باللغة بصيرا بالشعر، وبما يحتاج إليه العلم والقرآن، ويستعمل ـ مع هذا ـ الإنصات وقلة الكلام، ويكون بعد هذا مشرفا على اختلاف أهل الأفكار، وتكون له قريحة (أي ملكة وموهبة) بعد هذا فإن كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي)[13]

وسئل الإمام أحمد: ما تقول في الرجل يسأل عن الشيء فيجيب بما في الحديث، وليس بعالم بالفتيا؟ قال: (ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا، أن يكون عارفا بالسنن، عالما بوجوه الكتاب، عالما بالأسانيد الصحيحة، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي r ، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها)

وقال :( ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم، وإلا فلا يفتي)

وقال :( أحب أن يتعلم الرجل كل ما تكلم فيه الناس)

وسأله بعضهم: إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ قال: لا قال: فمائتي ألف؟ قال: لا، قال: فثلاثمائة ألف؟ قال: لا، قال: فأربعمائة ألف؟ قال بيده هكذا وحركها.

قالوا: أفبالحفظ وحده يمكن أن يفتي؟

قال: لا .. لقد عرفتم أن الحفظ رواية .. ولا تكفي الرواية ما لم تكن معها دراية، وقد قيل للإمام عبدالله بن المبارك: متى يفتي الرجل؟ قال: إذا كان عالما بالأثر، بصيرا بالرأي .. وبهذا لا يكفي الأثر دون الرأي، ولا الرأي دون الأثر.

قالوا: أيلزم أن يحفظ هذا عن ظهر قلب؟

قال: لا .. ليس بالضرورة ذلك .. وإن كان الأكمل هو ذلك.

قالوا: لقد ذكرت علوم الدين .. فهل يلزم المفتي أن يعلم علوم الدنيا؟

قال: يعلم منها ما يمكنه من فهم ما يريد أن يجيب عنه .. فلا يحل الحكم إلا بعد العلم .. وقد قال الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه):( اعلم أن العلوم كلها أبازير للفقه، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفقيه، لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وإلى معرفة الجد والهزل، والخلاف والضد، والنفع والضر، وأمور الناس الجارية بينهم، والعادات المعروفة منهم، فمن شرط المفتي النظر في جميع ما ذكرناه، ولن يدرك ذلك إلا بملاقاة الرجال، والاجتماع مع أهل النحل والمقالات المختلفة، ومساءلتهم وكثرة المذاكرة لهم، وجمع الكتب ومدارستها، ودوام مطالعتها)

قالوا: إن هذا يستدعي اقتناء كتب كثيرة.

قال: لا ينفع الاقتناء ما لم تكن معه همة تناطح الجوزاء .. فلا يستفيد من الكتب مقتنيها، وإنما يستفيد منها قارئها .. وقد قيل لبعضهم: إن فلانا جمع كتبا كثيرة، فقال: هل فهمه على قدر كتبه؟ قيل: لا. قال: (فما صنع شيئا! ما تصنع البهيمة بالعلم؟!) .. وقال رجل لرجل كتب، ولا يعلم شيئا مما كتب: مالك من كتبك إلا فضل تعبك وطول أرقك، وتسويد ورقك!

قالوا: فما تقول فيمن يتعلم مذهبا من المذاهب، فهو يكتفي بالفتوى على أساسه؟

قال: له ذلك إن تخلى عن التعصب، وقال لمن استفتاه: هذا ما عندي، واذهب لغيري، فقد تجد عنده ما هو أفضل أو أرجح مما وجدت عندي.

قالوا: فإن لم يقل ذلك، وحرج على مستفتيه أن يتبعه؟

قال: يكون قد حجر ما وسعه الله، وضيق على الناس، وقد يكون في تضييقه ما ينفرهم.

قال ذلك .. ثم التفت إلى العامة المجتمعين، وقال: سلوني ما بدا لكم[14] .. ولن أجيبكم إلا بما كان يجيب به رسول الله r .. فلم يترك لنا شاردة ولا واردة إلا علمنا علمها.

التفسير:

قام بعض الحاضرين، وقال: لقد جئتك من شيراز[15] .. ومن مدرسة من مدارسها القرآنية العريقة .. وقد سمعوا بما عندك من علم رسول الله r .. وقد بعثوني بهذه الأسئلة المرتبطة بتفسير بعض الكلمات من كتاب الله.

قال ذلك، ثم أخرج ورقة، وقال: هم يسألونك عن الكلالة الواردة في قوله تعالى:﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ )(النساء: من الآية176)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال: (ما خلا الولد والوالد)[16]

قال السائل: ويسألونك عن الراسخين في العلم، والوراد ذكرهم في قوله تعالى :﴿  وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ )(آل عمران: من الآية7)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( من برئت يمينه وصدق لسانه، واستقام قلبه وعف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم)[17]

قال السائل: ويسألونك عن عن القناطير المقنطرة الواردة في قوله تعالى :﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ )(آل عمران: من الآية14)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( القنطار ألف أوقية)[18]، وفي رواية قال :( القنطار اثنا عشر ألف أوقية)[19]

قال السائل: ويسألونك عن شبهة عرضت لهم من قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة:105)، فقد أساء البعص فهمها، وراح يدعو إلى القعود عن الدعوة بسببها.

قال: لقد حدث أبو أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقال: كيف نصنع بهذه الآية؟ قال: أي آية؟ قلت: قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ (المائدة:105)، قال: أما والله، لقد سألت عنها خبيرا قال: سألت عنها رسول الله r قال :( بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهو متبعا، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام)[20]

وحدث أبو عامر الاشعري: قال: إنه كان فيهم شئ فاحتبس عن النبي r فقال النبي r:( ما حبسك) قال: قرأت هذه الآية:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ (المائدة:105)، فقال له النبي r :( لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم)[21]

قال السائل: ويسألونك عن أصحاب الأعراف الذين ورد ذكرهم في سورة الأعراف.

قال: لقد حدث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله r عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال :( أولئك أصحاب الأعراف)[22]، وحدث عبد الرحمن المدني قال: سئل رسول الله r عن أصحاب الاعراف؟ قال: (هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعتهم الجنة، بمعصية آبائهم، ومنعتهم النار قتلهم في سبيل الله)[23]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ )(التوبة: من الآية108) .. أي مسجد هو؟

قال: لقد حدث في ذلك أبو سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال: اختلف رجلان في المسجد الذي ﴿ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ﴾، فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله r، وقال الآخر: مسجد قباء، فأتيا رسول الله r فسألاه عن ذلك، فقال :( هو مسجدي)[24]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( الذين تحابوا في الله)[25]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (يونس: من الآية64)

قال: لقد حدث أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أنه سئل عن الآية التي سألت عنها، فقال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله r غيرك :( هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له، فهي بشارة في الحياة الدنيا، وبشارة في الاخرة)[26]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾(يونس: من الآية26)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( الذين أحسنوا التوحيد، والحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله)[27]

قال السائل: وهم يسألونك عن الكواكب التي رآها يوسف u .

قال: لقد حدث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: جاء يهودي إلى النبي r فقال: يا محمد، أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له، وما أسماؤها؟ فلم يجبه بشئ، حتى أتاه جبريل فأخبره، فأرسل إلى البستاني اليهودي، فقال:( هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟)، قال: نعم، قال :( حرتان والطارق والذيال وذو الكفتان والفريخ ودنان وهودان وقابس والضروح والمصبح والفيلق)[28]، والضياء والنور، يعني: أباه وأمه رآها في أفق السماء ساجدة له، فلما قص رؤياه على أبيه، قال: أرى أمرا مشتتا يجمعه الله تعالى فقال اليهودي: إي والله، إنها لأسماؤها[29].

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (هود:105)

قال: لقد سأل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عنها رسول الله r، فقال: يا نبي الله، فعلى ما نعمل على شئ قد فرغ منه، أو على شئ لم يفرغ منه، قال :( بل على شئ قد فرغ منه، وجرت به الاقلام يا عمر، ولكن كل ميسر لما خلق له)[30]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد:39)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( ذلك كل ليلة قد يرفع ويجبر ويرزق، غير الحياة والموت والشقاوة والسعادة، فإن ذلك لا يبدل)[31] ، وروي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل رسول الله r عنها، فقال :( لأقرن عينك بتفسيرها، ولأقرن عين أمتي من بعدي بتفسيرها، الصدق على وجهها، وبر الوالدين واصطناع المعروف يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر)[32]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ )(ابراهيم: من الآية48)، أين يكون الناس يومئذ؟

قال: لقد حدث ثوبان ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء حبر من اليهود إلى رسول الله r فقال: أين الناس يوم تبدل الارض غير الأرض؟ فقال رسول الله r :( فهم في الظلمة دون الجسر)[33]، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: أنا أول الناس سأل رسول الله r عن هذه الآية، قلت: أين الناس يومئذ؟ قال :( هم على الصراط)[34]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ) (النحل:88) .. فما هذه الزيادة؟

قال: لقد حدث البراء ـ رضي الله عنه ـ أن النبي r سئل عن قول الله تعالى :﴿ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ ﴾ (النحل:88)، فقال: (عقارب أمثال النخل الطوال ينهشونهم في جهنم)[35]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ﴾ (الاسراء: من الآية12)

قال: لقد سأل عبد الله بن سلام النبي r عن السواد الذي في القمر، فقال: (كانا شمسين فقال الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ )(الاسراء: من الآية12)، فالسواد الذي رأيت هو المحو[36]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ (المؤمنون: من الآية60)

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: يا رسول الله :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ (المؤمنون: من الآية60)، والذي يسرق ويزني ويشرب وهو يخاف الله قال: (لا يأتيه الصديق الذي يصلي، ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله)[37]

قال السائل: ويسألونك عن الاستئناس الوارد في قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور:27)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( يتكلم الرجل بتسبيحه وتكبيره وتحميده ويتنحنح، فيؤذن أهل البيت)[38]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً) (الفرقان:13)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما استكره الوتد في الحائط)[39]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ ﴾ (القصص: من الآية29) .. فأي الأجلين قضى موسى؟

قال: لقد حدث أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ في ذلك، فذكر أن النبي r سئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاها وأبرهما، قال: وإن سئلت أي المرأتين تزوج، فقل :( الصغرى منهما)[40]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ )(العنكبوت: من الآية29)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( كانوا يحذفون أهل الطريق، ويسخرون منهم فهو المنكر الذي كانوا يأتون)[41]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا )(يّـس: من الآية38)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( مستقرها تحت العرش)[42]

قال السائل: ويسألونك عما ورد في القرآن الكريم من صفة الحور العين.

قال: لقد حدثت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ في ذلك قالت: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قوله تعالى :﴿ وَحُورٌ عِينٌ) (الواقعة:22)، قال :( العين الضخام العيون شفر الحوراء كمثل جناح النسر)، قلت: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله تعالى :﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴾ (الصافات:49) قال :( رقتهن كرقة الجلدة التي داخل البيضة التي تلي القشرة)[43]

وعن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى:﴿ وَحُورٌ عِينٌ) (الواقعة:22)، قلت: أخبرني عن قوله تعالى :﴿ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ) (الرحمن:70) قال: خيرات الأخلاق، حسان الوجوه، قلت: أخبرني عن قوله تعالى :﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) (الصافات:49) قال:( رقتهن كرقة الجلد المتداني في داخل البيضة مما يلى القشرة)، قلت: أخبرني عن قوله تعالى :﴿ عُرُباً أَتْرَاباً) (الواقعة:37) قال :( كأنهن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر، فجعلهن عذارى عربا متعشقات متحببات على ميلاد واحد)[44]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ﴾(الرحمن:60)

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قرأ رسول الله r :﴿ هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ﴾(الرحمن:60)، وقال: (هل تدرون ما قال ربكم؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول :( ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة)[45]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴾ (الواقعة:28)

قال: لقد حدث في ذلك سليم بن عامر قال: أقبل أعرابي، فقال: يا رسول الله، ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها قال: (وماهي؟) قال: السدر، فإن له شوكا مؤذيا، فقال رسول الله r :( أليس يقول الله تعالى :﴿ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ﴾ (الواقعة:28) يخضده الله من شوكه، فيجعل له مكان كل شوكة ثمرة، إنها تنبت ثمرا يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام، ما فيها لون يشبه الآخر)[46]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات:147)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( يزيدون عشرين ألفا)[47]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ (الحجرات: من الآية12) .. ما الغيبة؟

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قيل: يا رسول الله، ما الغيبة ؟ قال :( ذكرك أخاك بما يكره)، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)[48]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج: من الآية4)

قال: لقد حدث أبو سعيد ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قيل لرسول الله r ﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج: من الآية4)ما أطول هذا اليوم ؟ فقال :( والذي نفسي بيده، إنه يخفف على المؤمن، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا)[49]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ﴾(الانشقاق:8)

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في هذا قالت: قال رسول الله r :( من نوقش الحساب عذب)، قلت: أليس يقول :﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ﴾(الانشقاق:8)، فقال :( ليس ذلك بالحساب، ولكن ذاك العرض)[50]

وعنها قالت: قلت لرسول الله r : ما الحساب اليسير؟ قال:( أن ينظر في كتابه، فيتجاوز له عنه إن من نوقش الحساب يومئذ هلك)[51]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) (الزلزلة:4)

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قرأ رسول الله r هذه الآية:﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) (الزلزلة:4)، قال :( أتدرون ما أخبارها؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم ؟ قال:( أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، وأن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا)[52]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾(الماعون:5)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها)[53]

قال السائل: ويسألونك عن المعروف الذي ورد في النصوص الحث عليه.

قال: لقد حدث في ذلك بعض الصحابة ـ رضي الله عنه ـ قال: لقيت رسول الله r في بعض طرق المدينة الشريفة، فسألته عن المعروف، وعليه إزار من قطن منتثر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: (إن (عليك السلام) تحية الموتى، إن (عليك السلام) تحية الموتى، إن (عليك السلام) تحية الموتى، سلام عليكم، سلام عليكم مرتين أو ثلاثا، هكذا قال: سألت عن الازار، فقلت: أين أتزر، فأقنع ظهره بعظم ساقه، وقال: ههنا اتزر، فإن أبيت فههنا أسفل من ذلك، فإن أبيت فإن الله عز وجل لا يحب كل مختال فخور، قال: وسألته عن المعروف، فقال :( لا تخفرن من المعروف شيئا لو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل ولو انتزع، ولو أن انتزع من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تنحي الشئ من طريق الناس يؤذهم ولو أن تلقى أخاك ووجهك إلى منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض، وإن سبك رجل بشئ يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه، فلا تسبه فيكون أجره لك ووزره عليه، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما تساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه)[54]

أخلاق:

جلس الرجل، فقام بعض الحاضرين، فقال: لقد رأينا الناس يختلفون في تعريف المسلم، ورأينا بعضهم يقصر الإسلام على ذلك الذي لا يعرف من دينه إلا التجهم.

ابتسم سحنون، وقال: لقد سئل رسول الله r: ما المسلم؟ فقال :( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[55]

وسئل في محل آخر: ما المسلم؟ وأي شئ أحب في الاسلام عند الله؟ فقال: (الصلوات لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا ولي له، والصلاة عماد الدين)[56]

وسئل:  أي المسلمون خير ؟ فقال :( من سلم المسلمون من لسانه ويده)[57]

وسئل في محل آخر: أي المسلمين خير؟ فقال :( من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وسئل أي الاسلام خير؟ فقال :( تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)[58]

وسئل: أي الناس أكرم ؟ قال :( أكرمهم عند الله أتقاهم)، قالوا: ليس عن هذه نسألك، قال :( فعن معادن العرب تسألون؟)، قالوا: نعم، قال:( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا)[59]

قال آخر: فما الإيمان؟

قال: لقد سئل رسول الله عنه، فقال: (إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن)، قال السائل: فالاثم؟ قال: (إذا حك في نفسك شئ فدعه)[60]

قال آخر: فحدثنا عن ضوابط البر والإثم؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن البر والاثم، فقال :( استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والاثم ما حاك في القلب وإن أفتاك الناس وأفتوك)[61]

وسئل عنهما في محل آخر، فقال: :( البر حسن الخلق، والاثم ما حاك في القلب والصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس)[62]

قال آخر: فحدثنا عن الوسوسة .. إنا لنجد في أنفسنا شيئا، لأن يكون لأحدنا مهمة أو يخر من السماء إلى الأرض أحب من أن يتكلم به.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال: (ذاك محض الايمان)[63]، وسأله بعضهم، فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالشئ، لأن أخر من السماء أحب إلي من أتكلم به، فقال رسول الله r :( الله أكبر، الحمد لله، الذي رد كيده إلى الوسوسة)[64]

قال آخر: أنؤخذ بما عملنا في الجاهلية؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال: (أما من حسن في الاسلام، فلا يؤخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول، والآخر)[65]

قال آخر: أنعمل على أمر قد فرغ منه، أو على أمر لم يفرغ منه؟

قال: لقد سأل عمر ـ رضي الله عنه ـ رسول الله r عن هذا، فقال: (بل على أمر قد فرغ منه، فاعمل يا ابن الخطاب، فكل ميسر، فإن كان من أهل السعادة، فإنه يعمل بالسعادة، وإن كان من أهل الشقاء، فإنه يعمل بالشقاء)[66].

وقال له آخر:  يا رسول الله ففيم نعمل في شئ قد خلا ومضى، أو شئ مستأنف الآن؟ قال: (في شئ قد خلا ومضى)، فقال الرجل ـ أو بعض القوم ـ: ففيم العمل؟ قال: (إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار)[67]

قال آخر: أخبرني عن عمل يدخلني الجنة.

قال: لقد سئل النبي r عن ذلك، فقال :( تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتصل الرحم)[68]

قال آخر: فأخبرني بما هو أفضل الايمان؟

قال: لقد سأله عقبة ذلك رسول الله r، فقال: (يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك)[69]

قال آخر: فحدثني عن فرائض الإسلام، والتي بها يكون المرء مسلما، فإني أرى بعض الناس يضع من الأركان ما يجعله وسيلة لتكفير المسلمين.

قال: لقد سئل رسول الله r عن الاسلام، فقال رسول الله r :( خمس صلوات في اليوم والليلة) فقال: هل علي غيرهن ؟ فقال: (لا، إلا أن تطوع)، قال رسول الله r: وصيام رمضان، قال: هل على غيره؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: وذكر له رسول الله r الزكاة، قال: هل علي غيرها ؟ قال: لا، إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل، وهو يقول والله، لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه، فقال رسول الله r :( أفلح إن صدق)[70]

وسئل: يا رسول الله، شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله وأديت الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: (من الصديقين والشهداء)[71]

قال آخر: فأي الاعمال أفضل؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( طول القيام)، قال السائل: فأي الصدقة أفضل؟ قال :( جهد المقل)[72] .. وسئل : أي الاعمال أحب إلى الله؟ قال :( الصلاة لوقتها)، قال السائل: ثم أي؟ قال :( بر الوالدين) قلت: ثم أي ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)[73]

قال آخر: لقد حثثتنا على الصدقة، فمن أين يتصدق من ليس له مال؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال: (إن من ثواب الصدقة التكبير والتسبيح، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، واستغفر الله)[74]

قال آخر: ما تقول في الرجل يعمل العمل، فيستره، فإذا أطلع عليه أعجبه؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( أجران: أجر السر، وأجر العلانية)

قال آخر: كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، وإذا أسأت؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال:( إذا قال جيرانك قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا قال جيرانك قد أسأت، فقد أسأت)[75]، وسأله بعضهم: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت، وإذا أسأت؟ فقال:( إذا سمعتهم يقولون: قد أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت)[76]

عبادات:

قام آخر ـ وكان يحمل ورقة، وهو ينظر إليها ـ وقال: أنا من بلاد بعيدة، لقد جئتك من طشقند، وقد أرسلني قومي إليك بمسائل في الطهارة .. فأرجو أن تجيبني عنها.. لقد سجلتها جميعا في هذه الورقة.

قال: سل ما بدا لك.

قال السائل: نحن قوم نركب البحر، ومعنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، فهل يجوز لنا التطهر بماء البحر؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال:( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)[77]

قال السائل: وهم يسألونك عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من الدواب والسباع.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال فقال :( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)[78]

قال السائل: ويسألونك عن مسح الخفين.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( للمسافر ثلاثة أيام، والمقيم يوم وليلة)[79]، وقال له سائل: يا رسول الله، المسح على الخفين، فقال:( نعم يوما ويومين)، قال: وثلاثة قال:( نعم)[80]

قال السائل: وهم يسألونك عن التيمم.

قال: وجاءه أعرابي فقال: يا رسول الله، إني أكون في الرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر، فيكون النفساء والحائض والجنب فما ترى؟ فقال r :(  عليك بالتراب)[81]، وقال له رجل: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، قال :( عليك بالصعيد، فإنه يكفيك)[82]، وقال عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ: أجنبت وأنا في الأبواب فأتيت رسول الله r فقال :( إنما يكفيك في ذلك التيمم)[83]

قال السائل: وهم يسألونك عن الجبائر.

قال: لقد سأل علي رسول الله r عن ذلك .. ففي الحديث قال علي ـ رضي الله عنه ـ  : انكسرت إحدى زندي، فسألت رسول الله r فأمرني أن أمسح على الجبائر[84].

قال السائل: وهم يسألونك عن آنية الأعداء.

قال: لقد سأل أبو ثعلبة الخشني ـ رضي الله عنه ـ رسول الله r ، فقال: يا رسول الله، إنا نغزو إلى أرض العدو فنحتاج إلى آنيتهم، فقال r :( استغنوا عنها ما استطعتم، فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها واشربوا)[85]، وسأله عن قدور المجوس، فقال :( اتقوها غسلا واطبخوا فيها)[86]

قال السائل: وسألتك بعض النساء عن بعض الآثار التي تعلق بثوبها إن هي سارت.

قال: لقد سألت امرأة من بني عبد الاشهل رسول الله r عن ذلك، فقالت: يا رسول الله، إن بيني وبين المسجد طريقا قذرا، قال :( أفبعدها طريق أنظف؟) قالت: نعم، قال :( هذه بهذه)[87]

قال السائل: وهي تسألك عن المرأة ترى في منامها؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( إذا رأت الماء فلتغتسل)[88] ، وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت امرأة رسول الله r عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ قال:( إذا رأت ذلك فأنزلت، فعليها الغسل)، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أيكون هذا؟ قال:( نعم)، قال :( ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما علا أو سبق يكون منه الشبه)[89]

قال السائل: ويسألونك عن الفأرة تقع في السمن والزيت.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( استصبحوا به ولا تأكلوا)[90]، وعن ميمونة ـ رضي الله عنها ـ أنها استفتت رسول الله r في فأرة سقطت في سمن جامد؟ فقال :( ألقوها وما حولها، وكلوا سمنكم)[91]، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي r فقال: يا رسول الله، إن فأرة وقعت في ودك لنا؟ فقال النبي r :( إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وكلوا ودككم )، قالوا: يا رسول الله، إن كان مائعا، قال :( فلا تقربوه )[92]

قال السائل: ويسألونك عن قضاء الحاجة.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فأمر السائل (أن يتنكب القبلة[93]، ولا يستقبلها ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح، وأن يستنجي بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من تراب)[94]

قال السائل: ويسألونك عن كيفية الوضوء للصلاة.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)[95]

وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا جاء إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله كيف الطهور ؟ فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه، وأدخل إصبعيه السبابتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسبابتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا، ثم قال :( هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، أو نقص، فقد أساء وظلم)[96]

قال السائل: ويسألك بعض النسوة عن كيفية طهارة الحائض.

قال:  لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في ذلك قالت: دخلت أسماء بنت شكل على رسول الله r فقالت: يا رسول الله، كيف تغتسل إحدانا إذا تطهرت من الحيض، قال: تأخذ سدرها وماءها فتتوضأ وتغسل بدنها ورأسها، حتى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض الماء على جسدها، ثم تأخذ فرصتها فتتطهر بها، فقلت: يا رسول الله، كيف أتطهر بها قال: سبحان الله تطهري بها ؟ فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي بها أثر الدم[97].

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن أسماء سألت النبي r عن غسل الحيض قال: (تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب الماء على رأسها، فتدلكه دلكا شديدا، حتى يبلغ الماء أصول شعرها، ثم تفيض على جسدها ثم تأخذ فرصة ممسكة فتتطهر بها)[98]

قال السائل: ويسألنك عن الاستحاضة.

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في ذلك أن أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله r فقال: إنما هو عرق، وليست بالحيضة، فأمرها أن تغتسل وتصلي، وكانت تغتسل وتصلي، وكانت تغتسل لكل صلاة وتجلس في المركن فيعلو الدم[99].

وعنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله r قالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله r :( لا، إنما هو عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإن أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي)[100]

قال السائل: ويسألنك :( كم تجلس المرأة إذا ولدت؟)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( تجلس أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك)[101]

قام رجل تظهر عليه ملامح الأندونيسيين، وقال: أنا رجل من جاكرتا، أرسلني أهل بلدي إليك بمسائل من العلم ترتبط بأحكام الصلاة، وقد خصوك بذلك لما يعرفون من حرصك على ما وردت به الأسانيد عن النبي r ..

قال: سل ما بدا لك.

أخرج السائل ورقة من جيبه، وقال: هم يسألونك عما ورد في فضل الصلاة .. فقد ظهر فيهم من يهون من شأنها، ويقدم كثيرا من الأعمال عليها.

قال: لقد حدث في ذلك ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا جاء إلى رسول الله r فسأله عن أفضل الاعمال، فقال رسول الله r :( الصلاة) قال: ثم مه؟ قال: (الصلاة)، قال: ثم مه؟ قال: (الصلاة)، قال: فلما غلب عليه، قال رسول الله r :( الجهاد في سبيل الله)، قال الرجل: فإن لي والدين، فقال رسول الله r :( آمرك بالوالدين خيرا)[102]

وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله، أي شئ أحب في الاسلام عند الله؟ قال :( الصلاة لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا دين له، والصلاة عماد الدين)[103]

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله r أي الاعمال أفضل؟ قال: الصلاة لميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فسكت عنه رسول الله r ولو استزدته لزادني[104].

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله r أي الاعمال أفضل؟ قال:( الصلاة لميقاتها الأول)[105]

قال السائل: وهم يسألونك عن الصلاة الوسطى.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( هي العصر)[106]

قال السائل: لقد جاء فيهم من يشكك في كراهية الصلاة في أوقات معينة، فهل جاء عن النبي r في ذلك شيء؟

قال: لقد سأل صفوان بن المعطل في ذلك رسول الله r فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ساعات الليل والنهار، وهل فيها شئ يكره فيه الصلاة؟ فقال النبي r :(نعم)[107]

قال السائل: ويسألونك عن الصلاة في مبارك الإبل ومرابض الغنم.

قال: لقد حدث البراء ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: سئل رسول الله r عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها، فإنها بركة[108]، وعنه قال: سئل رسول الله r أنصلي في معاطن الابل ؟ قال: لا، قال: أفنصلي في مرابض الغنم ؟ قال: نعم[109].

قال السائل: ويسألونك عن صلاة الرجل قاعدا.

قال: لقد حدث في ذلك عمران بن الحصين ـ رضي الله عنه ـ قال: كانت بي بواسير، فسألت رسول الله r عن صلاة الرجل قاعدا، فقال :( إن صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد)[110]

قال السائل: أنت تعلم أنا في بلاد عجم، وقد استعصى على بعضنا حفظ ما تلزمهم الصلاة به من القرآن الكريم.

قال: لقد حدث عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فماذا يجزؤني؟ قال: تقول: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، العلي العظيم، فقال الرجل هكذا، أو جمع أصابعه الخمس، قال: هذا لله، فما لي؟ قال: (تقول: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني)، وقبض الرجل كفه جميعا فقال النبي r : (أما هذا فقد ملا يديه من الخير)[111]

قال السائل: ويسألونك عن الجهر والسر خلف الإمام.

قال: لقد حدث علي ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قال رجل للنبي r : أأقرأ خلف الامام أو أنصت؟ قال: (بل أنصت، فإنه يكفيك)[112]

قال السائل: ويسألونك :( أفي كل صلاة قراءة؟)

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( نعم، ذلك واجب)[113]

قال السائل: ويسألونك عن كيفية الصلاة على رسول الله r .

قال: لقد حدث في ذلك كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: خرج علينا رسول الله r فقلنا: يا رسول الله، قد علمتنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: (اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم، بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)[114]

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: أتانا رسول الله r ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشر بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله r حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال r : قولوا:( اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)[115]

قال السائل: ويسألونك عن الصلاة في الثوب الواحد.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( أو كلكم يجد ثوبين)[116]، وعن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: (إن كان واحدا فليضمه، وإن كان عاجزا فليأتزر به)[117]

قال السائل: والمرأة .. هل يجوز لها أن تصلي في درع وخمار، ليس عليها إزار؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدمها)[118]

قال السائل: فهل تجوز الصلاة في السفينة؟

قال: لقد حدث في ذلك ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: بعث رسول الله r جعفر بن أبي طالب إلى أرض الحبشة، قال يا رسول الله، أصلي في السفينة؟ قال: (صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق)[119]

قال السائل: ويسألونك عن رد السلام في الصلاة.

قال: لقد حدث في ذلك ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا نسلم على رسول الله r وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: (إن في الصلاة شغلا)[120]

قال السائل: ويسألونك عن الالتفات في الصلاة.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)[121]

قال السائل: ويسألونك عن إعادة الصلاة ابتغاء أجر الجماعة.

قال: لقد حدث في ذلك أبو أيوب ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأله فقال: يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة فأصلي معهم، فأجد في نفسي من ذلك شيئا، فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي r فقال :( فذلك له سهم جمع)[122]

قال السائل: ويسألونك عن السهو في الصلاة.

قال: لقد حدث في ذلك عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: إني صليت، فلم أدر أشفعت أم أوترت، فقال رسول الله r :( إياكم وأن يتلعب بكم الشيطان في صلاتكم، من صلى منكم فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته)[123]

قال السائل: ويسألونك عن ساعة الجمعة التي ورد في النصوص الإخبار بفضلها.

قال: لقد حدث في ذلك عمرو بن عوف ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال: (إن في الجنة ساعة لا يسأل الله عز وجل العبد فيها شيئا إلا أتاه الله)، قالوا: يا رسول الله، أي الساعة؟ قال :( هي من حين تقام الصلاة إلى الانصراف)[124]

وعن سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا من الانصار جاء إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن يوم الجمعة ما فيها من الخير؟ فقال رسول الله r :( فيه خمس خلال، فيه خلق آدم، وفيه هبط عليه السلام إلى الأرض، وفيه توفى الله تعالى آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة فما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر إلا وهو يشفق من يوم الجمعة)[125]

قال السائل: ويسألونك عن كيفية صلاة الليل.

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ فقال رسول الله r :( صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فأوتر بواحدة)[126]

وعن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل عن الشفع والوتر، فقال :( هي الصلاة، بعضها شفع وبعضها وتر)[127]

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأل رسول الله r عن الوتر، فقال: (افصل بين الثنتين والواحدة بالسلام)[128]

وعن عبد الله بن وحشي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل أي الاعمال أفضل؟ فقال :( طول القنوت[129])[130]

وعن أبي مسلم قال: قلت لأبي ذر: أي صلاة الليل أفضل؟ فقال: سألت رسول الله r فقال :( نصف الليل، وقليل فاعله)[131]

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: يا رسول الله، من أسلم معك؟ قال: حر وعبد، قال: هل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من الأخرى؟ قال: (نعم، جوف الليل الأوسط)[132]

وعن ربيعة بن كعب الاسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أبيت مع رسول الله r فأتيته بوضوئه وبحاجته، فقال: سلني، فقلت إني أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذلك، قال :( فأعني عن نفسك بكثرة السجود)[133]

وعن معدان بن أبي طلحة قال: لقيني ثوبان مولى رسول الله r فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنة ـ أو قلت: بأحب الاعمال إلى الله تعالى ـ فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله r ، فقال: (عليك بكثرة السجود لله عز وجل، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله تعالى بها درجة وحط عنك خطيئة) قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء ـ رضي الله عنه ـ فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان[134].

قال السائل: ويسألونك عن صلاة النافلة في البيت.

قال: لقد حدث في ذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله r عن صلاة الرجل في بيته، فقال :( أما صلاة الرجل في بيته فنور، فنوروا قبوركم)[135]

قال السائل: ويسألونك: متى يصلي الصبي.

قال: لقد حدث في ذلك معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لامرأته: متى يصلي الصبي؟ فقالت: كان رجل منا يذكر عن رسول الله r أنه سئل عن ذلك، فقال: (إذا عرف يمينه من شماله، فمروه بالصلاة)[136]

قال السائل: ويسألونك عن النوم عن صلاة الفجر.

قال: لقد حدث في ذلك أبو قتادة ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أن رسول الله r كان في سفر، فمال رسول الله r فملت معه، فقال: انظر فقلت: هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة، فقال:( احفظوا علينا صلاتنا)، يعني صلاة الفجر، فضرب على آذانهم فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فساروا هنيهة، ثم نزلوا فتوضأوا وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرطنا في صلاتنا، فقال النبي r :( إنه لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن صلاة، فليصلها حين يذكرها ومن الغير للوقت)[137]

قال السائل: ويسألونك عن وقت صلاة الفجر.

قال: لقد ورد في الحديث عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي r سئل عن صلاة الفجر، فأمر بلالا، فأذن حين طلع الفجر، ثم من الغد حين أسفر، ثم قال: أين السائل قال: (الوقت ما بين هذين الوقتين)[138]

قال السائل: ويسألونك عن القيام للجنازة.

قال: لقد حدث في ذلك ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: سأل رجل رسول الله r فقال: يا رسول الله، تمر بنا جنازة الكافر، فنقوم؟ قال: (نعم، فإنكم لستم تقومون لها، إنما تقومون إعظاما للذي خلق النفوس)[139]

وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ ي قال: مرت جنازة، فقام لها رسول الله، فقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها يهودية، فقال :( إن للموت فزعا، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)[140]

قال: ويسألونك عن ترك بعض الصالحين الصلاة على بعض الناس بسبب بعض أعمالهم.

قال: لقد حدث في ذلك أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي أصابها حمل فلم تفطر حتى ماتت قال :( اذهب فصل عليها فإن أمك قتلت نفسها)[141]

جلس الأندونيسي، فقام رجل آخر، فقال: أنا من ماليزيا، ومن بلدة بها يقال لها (كوالا لامبور) .. لاشك أنكم تعرفونها .. دعنا منها .. لقد أرسلني بعض قومي إليك.. وهم من رجال الأعمال .. بهذه الأسئلة المتعلقة بأحكام الزكاة .. فأرجو أن تجيبنا عنها.

قال: سل ما بدا لك.

قال السائل:  لقد نبتت فينا نابتة تزعم أن الضريبة تغني عن الزكاة .. فهل يصح ذلك؟

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أن رجلا قال: يا رسول الله، ناشدتك بالله، أنه أمرك أن تأخذ الصدقة من الاغنياء، وتعطيها للفقراء ؟ قال: (اللهم، نعم)[142]

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r :( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره)[143]

وعن عطاء قال: بلغني أن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ كانت تلبس أوضاحا من ذهب، فسألت عن ذلك رسول الله r ، فقالت: أكنز هو ؟ فقال: (إذا أديت زكاته فليس بكنز)[144]

قال السائل: وهم يسألونك عن زكاة الثورة الزراعية.

قال: لقد حدث أبو سيارة ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، إن لي نخلا قال: (أد العشر)، قلت: يا رسول الله، احمها لي، فحماها لي[145].

قال السائل: ويسألونك عن حكم تعجيل الزكاة.

قال: لقد حدث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن العباس ـ رضي الله عنه ـ سأل رسول الله r في تعجيل زكاته قبل أن يحول الحول، فرخص له في ذلك[146].

قال السائل: ويسألونك عن زكاة القطن.

قال: لقد حدث أبيض بن حمال ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أنه كلم رسول الله r في الصدقة حين وفد عليه، فقال: يا أخا سبأ، لابد من صدقة، فقال إنما زرعنا القطن يا رسول الله، وقد تبددت سبأ ولم يبق إلا قليل بمأرب، فصالح نبي الله r على سبعين حلة بز من قيمة وفاء فلم يزالوا يؤدونها حتى قبض رسول الله r وإن العمال انتفضوا عليهم بعد قبض رسول الله r فيما صالح أبيض بن حمال رسول الله r في الحلل السبعين فرد ذلك أبو بكر على ما وضعه رسول الله r حتى مات أبو بكر - ـ رضي الله عنه ـ  فلما مات أبو بكر انتقض ذلك وصارت على الصدقة[147].

قال السائل: ويسألونك عن زكاة الفطر.

قال: لقد حدث في ذلك علي ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أن بعض البادية جاءوا إلى رسول الله r فقالوا: هل علينا زكاة الفطر؟ فقال رسول الله r :( هي على كل مسلم صغير أو كبير حر أو عبد: صاعا من تمر أو شعير أو أقط)[148]

قال السائل: ويسألونك عما يأخذه العامل من الزكاة لنفسه.

قال: لقد حدث في ذلك عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: استعملني رسول الله r على الصدقة، فقال: اتق الله تعالى، يا أبا الوليد، لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر لها نواح، فقال: يا رسول الله، وإن ذلك لكذا؟ فقال رسول الله r:( إي والذي نفسي بيده، إلا من رحم الله)، قال: والذي بعثك بالحق، لا أعمل على شئ أبدا[149].

قال السائل: فهل يجوز كتم المال على العاملين إذا تبين اعتداؤهم.

قال: لقد حدث بشر بن الخصاصية ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قلت: يا رسول الله، إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا[150].

قال السائل: ولكن العاملين قد يجورون في إنفاقها؟

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله r فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق فقال رسول الله r :( تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك، وتعرف حق المسكين، والجار والسائل)، فقال: يا رسول الله، أقلل لي، فقال :﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾ (الاسراء:26)، فقال: يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله r :( نعم، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، ولك أجرها وإثمها على من بدلها)[151]

قال السائل: ويسألونك عمن وقف عقارا في سبيل الله.

قال: لقد حدث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ  في ذلك قال: قلت لرسول الله r: إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها)، فتصدق بها عمر، أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول[152].

قال السائل: ويسألونك عن أفضل الصدقة.

قال: لقد حدث في ذلك أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ ي قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل ؟ قال: (أن تتصدق، وأنت صحيح حريص، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)[153]

وعنه قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: (جهد المقل وابدأ بمن تعول)[154]

وروي أن سعد بن عبادة ـ رضي الله عنه ـ أتى رسول الله r فقال: أي الصدقة أحب إليك ؟ قال: (الماء)[155]

قال السائل: بعض النسوة يسألنك عن الصدقة على أزواجهن.

قال: لقد حدثت في ذلك زينب امرأة ابن مسعود ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله r :( تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن)، قالت: فرجعت إلى عبد الله ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فقلت: أنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله r قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى عويمر، فقال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: بل ائتيه أنت، فانطلقت، فإذا امرأة من الانصار بباب رسول الله r حاجتها مثل حاجتي، وكان رسول الله r قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله r فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن، فدخل بلال ـ رضي الله عنه ـ على رسول الله r فسأله، فقال رسول الله r أي الزيانب قال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال رسول الله r :( لها أجران أجر القرابة، وأجر الصدقة)[156]

وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في عيال سلمة أن أنفق عليهم؟ فقال: (أنفقي عليهم، فلك أجر ما أنفقت عليهم)[157]

وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قالت: قلت: يا رسول الله، مالي مال إلا ما أدخل على الزبير، أفأتصدق؟ قال: (تصدقي ولا توعي فيوعى عليك)[158]

وعن عمير مولى أبي اللحم ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت مملوكا، فسألت رسول الله r: أأتصدق من مال موالي بشئ؟ قال: (نعم، والأجر بينكما نصفان)[159]

وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا؟ وإنما هم بني، فقال: (نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم)[160]

وعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأل رسول الله r فقال: إني تصدقت على أمي بعبد، وإنها ماتت، فقال رسول الله r : (وجبت صدقتك، وهو لك بميراثك)[161]

قال السائل: ويسألونك عن الصدقة عمن مات من الأقارب.

قال: لقد حدث في ذلك ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن سعد بن عبادة توفيت أمه، وهو غائب عنها فأتى النبي r فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت، وأنا غائب عنها فهل ينفعها شئ، إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المجراف صدقة عليها[162].

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رجلا قال لرسول الله r : إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: (نعم، تصدق عنها)[163]

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال للنبي r: إن أبي مات، ولم يوص أفينفعه، أن أتصدق عنه، قال: نعم[164].

قال السائل: ويسألك بعضهم عن بعض أعمال الخير التي عملوها في جاهليتهم .. هل يلحقهم أجرها؟

قال: لقد حدث حكيم بن حزام ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قلت: يا رسول الله، أمور كنت أتحنث بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة، هل كان لي فيها من أجر؟ قال حكيم: قال رسول الله r : (أسلمت على ما سلف من خير)[165]

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت لرسول الله r: إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المساكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: (لا، يا عائشة، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)[166]

قال السائل: ويسألونك عن الشحاذين الذين احترفوا الشحاذة مع استغنائهم.

قال: لقد حدث في ذلك ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r:( من سأل الناس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش، أو كدوح)، قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: (خمسون درهما)[167]

جلس الماليزي، فقام رجل آخر، وقال: أنا من سريلانكا .. تلك الجزيرة الجميلة النائمة على ضفاف المحيط الهندي .. لقد كانت تعرف قديما بسيلان .. أنا من مدينة منها تسمى كولومبو .. وقد أرسلني أهلها إليك في بعض مسائل ترتبط بأحكام الصيام.

قال ذلك، ثم أخرج ورقة، وراح يقرأ بعربية ممتزجة ببعض العجمة: هم يسألونك عن أفضل الصيام.

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: سئل رسول الله r أي الصوم أفضل؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان، قال: فأي الصدقة أفضل ؟ قال صدقة رمضان[168].

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة، قال: الصلاة في جوف الليل، قال: فأي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال: شهر الله الذي تدعونه المحرم[169].

قال السائل: ويسألونك عن النية في صوم النافة .. هل تجزئ أن ينوي أحدنا في النهار؟

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في ذلك قالت: دخل علي رسول الله r ذات يوم، فقال: هل عندكم شئ؟ قلنا: لا، قال :( فإني صائم)[170]

قال السائل: ويسألونك عن قطع صوم النافلة بعد البدء به لجوع عارض أو لعلة.

قال: لقد حدثت في ذلك أم هانئ ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل علي رسول الله r، فدعا بشراب فشرب ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله، أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله r :( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر)[171]

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: أهديت لحفصة شاة، ونحن صائمتان ففطرتني، فكانت ابنة أبيها، فلما دخل علينا رسول الله r ذكرنا ذلك له، فقال :( أبدلا يوما مكانه)[172]

قال السائل: ويسألونك عن الذي ينوي الصوم، لكنه يدعى لوليمة، وهو يرى أنه إن لم يأكل معهم يتحرج صاحب الوليمة.

قال: لقد حدث في ذلك إبراهيم بن عبيد، قال: صنع أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ طعاما، فدعا النبي r وأصحابه فقال رجل من القوم: إني صائم، فقال له رسول الله r :( صنع لك أخوك، وتكلف لك أخوك، أفطر وصم يوما مكانه)[173]

قال السائل: ويسألونك عن قيئ الصائم.

قال: لقد حدث في ذلك فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r كان صائما فقاء، فأفطر، فسئل عن ذلك فقال: إني قئت[174].

قال السائل: ويسألونك عن اكتحال الصائم.

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: قد اشتكيت عيني أفأكتحل وأنا صائم ؟ قال: (نعم)[175]

قال السائل: ويسألونك عن مداعبة الصائم لزوجته.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أن شيخا وشابا سألا رسول الله r عن القبلة للصائم فنهى الشاب ورخص للشيخ[176].

وعنه أن رجلا سأل رسول الله r عن المباشرة للصائم فرخص له، وأتاه آخر فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب[177].

قال السائل: ويسألونك عمن أكل أو شرب ناسيا.

قال: لقد حدث في ذلك أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: يا رسول الله، إني كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال: (أطعمك الله وسقاك)[178]

وعن أم إسحاق الغنوية ـ رضي الله عنها ـ قالت: إنها كانت عند النبي r فأتى بقصعة فأكلت معه، ومعه ذو اليدين، فناولها رسول الله r عرقا فقال: يا أم إسحق، أصيبي من هذا، فذكرت أنها كانت صائمة، فرددت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها، فقال النبي r: مالك؟ قالت: كنت صائمة فنسيت، فقال ذو اليدين: الآن بعد ما شبعت؟ فقال رسول الله r :( أتمي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك)[179]

قال السائل: ويسألونك عن قوله تعالى :﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )(البقرة: من الآية187)

قال: لقد حدث في ذلك عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل رسول الله r عن قوله تعالى :﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )(البقرة: من الآية187) أي الخيطان قال: (إنك لعريض القفا، إن أبصرت الخيطين)، ثم قال: (لا بل إنهما سواد الليل، وبياض النهار)[180]

قال السائل: ويسألونك عن الوصال في الصوم.

قال: لقد حدث في ذلك ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r نهى عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: (إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى)[181]

قال السائل: ويسألونك عن الصوم في السفر.

قال: لقد حدث في ذلك حمزة بن عمرو الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله r عن الصوم في السفر فقال: (إن شئت صم، وإن شئت فافطر)[182]

وعنه قال: قلت: يا رسول الله، إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه، وأكر به وإنه ربما صادفني هذا الشهر ـ يعني رمضان ـ وأنا أجد القوة، وأنا شاب، وأجد بأن أصوم يا رسول الله، أهون علي من أن أؤخره، فيكون دينا، أفأصوم يا رسول الله، أعظم لأجري أو أفطر؟ قال:( أي ذلك شئت يا حمزة)[183]

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال النبي r : أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام، فقال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)[184]

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن رجل من بني عبد الله بن كعب قال: أغارت علينا خيل رسول الله r فأتيت رسول الله r فوجدته يتغدى فقال :( ادن فكل)، فقلت: إني صائم، فقال :( ادن أحدثك عن الصوم، أو الصيام، إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم)[185]

قال السائل: ويسألونك عن كيفية القضاء .. هل يصح التقطيع في القضاء؟

قال: لقد حدث محمد بن المنكدر في ذلك قال: بلغني أن رسول الله r سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان، فقال: أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضاه الدرهم والدرهمين حتى يقضيه هل كان قضاء للدين؟ قالوا: نعم، قال: (فذلك نحوه)[186]

وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله r عن قضاء رمضان فقال: (يقضيه متتابعا، فإن فرقه أجزأه)[187]

قال السائل: ويسألونك عن قضاء الصوم عن الميت.

قال: لقد حدث في ذلك ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: جاءت امرأة إلى رسول الله r، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته عنها؟ قالت: (نعم)[188]

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: أرأيت لو كان على أمك دين، أفأنت قاضيه عنها؟ قال: نعم، قال: (فدين الله أحق أن يقضى)[189]

قال السائل: ويسألونك عن كفارة انتهاك حرمة شهر رمضان.

قال: حدث في ذلك أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن جلوس عند النبي r إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله، هلكت قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي، وأنا صائم، فقال رسول الله r :( هل تجد رقبة تعتقها؟) قال: لا، قال :( فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟)، قال: لا، قال: فمكث النبي r فبينما نحن كذلك أتى النبي r بعرق فيها تمر ـ والعرق: المكتل ـ قال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل أعلى أفقر مني يا رسول الله، ووالله ما بين لابتيها ـ يريد الحرتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك رسول الله r حتى بدت أنيابه، ثم قال: (أطعمه أهلك)[190]

قال السائل: ويسألونك عن صيام التطوع.

قال: لقد حدث في ذلك النعمان بن سعد قال: قال رجل لعلي ـ رضي الله عنه ـ : يا أمير المؤمنين، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال له: ما سمعت أحدا يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله r وأنا قاعد، فقال: يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ قال :( إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم، فإنه شهر الله فيه يوم تاب على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين)[191]

وعن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، ما رأيتك تصوم شهرا من الشهور، ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الاعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي أنا صائم)[192]

وعن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل عن صوم الاثنين؟ فقال :( فيه ولدت، وفيه أنزل علي)[193]

وعن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: أي يومين ؟ قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس قال: (ذاك يومان تعرضان فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي، وأنا صائم)[194]

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم[195].

قال السائل: ويسألونك عن صيام الدهر.

قال: لقد حدث أبو قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى رسول الله r فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله r فلما رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ   غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا وبيعتنا بيعة قال: فسئل عن صيام الدهر ؟ فقال :( لا صام ولا أفطر  ـ أو ما صام وما أفطر ـ)،  قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال :( ومن يطيق ذلك؟) قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال :( ذاك صوم أخي داود u)، قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين، قال :( ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعث ـ (أو أنزل علي فيه) ـ قال: فقال:( صوم ثلاثة من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر)، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة، فقال :( يكفر السنة الماضية والباقية)، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: (يكفر السنة الماضية)[196]

قال السائل: ويسألونك عن صيام يوم الجمعة.

قال: لقد حدث بشر بن الخصاصية ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أنه سأل رسول الله r أصوم يوم الجمعة ؟ قال: (لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها)[197]

قال السائل: ويسألونك عن الاعتكاف.

قال: لقد حدث في ذلك عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال r :( أوف بنذرك)[198]

قال السائل: ويسألونك عن ليلة القدر .. متى يطلبونها؟

قال: لقد حدث في ذلك عبد الله بن أنيس ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، إن لي دين أكون فيها، وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى هذا المسجد قال: انزل ليلة ثلاث وعشرين قال: فكان إذا صلى العصر دخل المسجد، فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح[199].

وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله r عن ليلة القدر وأنا أسمع فقال: (هي في كل رمضان)[200]

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)[201]

جلس السريلانكي، فقام رجل آخر، وقال: أنا من جزيرة من جزر المالديف .. تلك الجزر المرجانية الجميلة النائمة في وسط المحيط الهندي .. وقد أرسلني أهلها إليك في مسائل ترتبط بأحكام الحج والعمرة .. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه سحنون بالكلام، فأخرج ورقة، وراح يقرأ بعربية فصيحة : أول ما يسألونك عنه: هو محل الحج من الدين .. هل هو ركن من أركانه؟ .. أم أنه هو مجرد سياحة لمن شاء أن يؤديها؟ .. فقد نبتت فينا نابتة تقول هذا.

قال: لقد حدث علي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r :( من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران: من الآية97)[202]

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سئل رسول الله r: أي الاعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال:( حج مبرور)[203]

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)[204]

قال السائل: ويسألونك عن عدد مرات الحج التي تجب على المسلم في حياته.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: خطبنا رسول الله r فقال: ( يأيها الناس، قد فرض الله عز وجل عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله r :( لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم)[205]

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن الاقرع بن حابس سأل النبي r: الحج في كل سنة، أو مرة واحدة؟ فقال: (بل مرة واحدة، فمن زاد فقد تطوع)[206]

قال السائل: ويسألونك عن بر الحج .. كيف يكون الحج مبرورا؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( إطعام الطعام وإفشاء السلام)[207]

قال السائل: ويسألك بعض أصحاب وسائل النقل عن استثمار وجودهم في الحجاز أثناء العمل، فيحجوا كما يحج سائر الناس.

قال: لقد حدث أبو أمامة التيمي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت رجلا أكري في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: إنه ليس لك حج، فلقيت ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناسا يقولون لي: إنه ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس تحرم، وتلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن لك حجا، جاء رجل إلى النبي r، فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت عنه رسول الله r، فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ (البقرة: من الآية198)، فأرسل إليه رسول الله r وقرأ عليه هذه الآية، وقال: (لك حج)[208]

قال السائل: ويسألونك عن الاستطاعة .. وعن ذلك العناء الذي يلاقيه الحاج، أله عليه أجر؟

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: سأل رجل رسول الله r فقال: ما الحج؟ قال: (الشعث التفل[209])، فقام آخر فقال: يا رسول الله، أي الحج أفضل ؟ فقال:(العج والثج)[210]، فقام آخر، فقال: يا رسول الله، ما السبيل ؟ فقال: (زاد وراحلة)[211]

وعن علي وابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله r سئل: ما السبيل إلى الحج؟ فقال: (الزاد والراحلة)[212]

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ قال: (الزاد والراحلة)[213]

قال السائل: فما هي المواقيت المكانية للحج لأصحاب المناطق المختلفة؟

قال: لقد حدث في ذلك ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قام في المسجد، فقال: يا رسول الله، من أين تأمرنا أن نهل؟ فقال رسول الله r :( يهل أهل المدينة من ذي الخليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن)، وقال ابن عمر: تزعمون أن رسول الله r قال: (ويهل أهل اليمن من يلملم)، وكان ابن عمر يقول: (لم أفقه هذه من رسول الله r)[214]

قال السائل: ويسألونك عن النيابة في الحج عمن لا يطيق القيام بالحج بنفسه.

قال: لقد حدث في ذلك عبد الله بن الزبير ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله r فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب، وأدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ أن أحج عنه قال: (أنت أكبر ولده؟) قال: نعم، قال: (أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟) قال: نعم، قال: (فحج عنه)[215]

وعن الفضل بن العباس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان رديف رسول الله r غداة النحر، فأتته امرأة من خثعم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله عز وجل في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يركب إلا معترضا، أفأحج عنه؟ قال: (نعم، حجي عنه، فإنه لو كان عليه دين قضيته)[216]

وعن حصين بن عوف قال: قلت: يا رسول الله، أأحج عن أبي؟ قال: (أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟) قال: نعم، قال :( فدين الله أحق أن يقضى)[217]

وعن أبي رزين ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، ولا الظعن، فقال: (حج عن أبيك واعتمر)[218]

وعن بريدة قال: أتت امرأة إلى رسول الله r فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج فقال: (حجي عن أمك)[219]

قال السائل: ويسألونك عن حج الصبي.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: أتى رجل النبي r قال: إن امرأة رفعت لرسول الله r صبيا، فقالت: ألهذا حج ؟ قال: (نعم، ولك أجر)[220]

قال السائل: ويسألونك عن اللباس الذي يلبسه المحرم.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرانس، ولا ثوبا مسه الورد والزعفران، ولا الخفان إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكون تحت الكعبين)[221]

وعن يعلى بن أمية ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا عند رسول الله r بالجعرانة إذا جاءه رجل أعرابي عليه جبة وهو متضمخ بالخلوق، فقال: يا رسول الله، إني حرمت بالعمرة وهذه علي، فقال: (أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك)[222]

قال السائل: ويسألونك عما تفعله الحائض في الحج.

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في ذلك قالت: قدمت بمكة وأنا حائض فقال النبي r :( افعلي بفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)[223]

قال السائل: ويسألونك عن ترتيب الحلق والذبح والرمي.

قال السائل: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أن رسول الله r وقف في حجة الوداع بمنى للناس، يسألونه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال: إذبح ولا حرج فجاءه آخر، وقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج، فما سئل النبي r عن شئ قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)[224]

وعن جابر قال: يا رسول الله، ذبحت قبل أن أرمي قال: (ارم ولا حرج)، وقال رجل: يا رسول الله، طفت بالبيت قبل أن أذبح، قال: (اذبح ولا حرج)[225]

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي r سئل عمن قدم من نسكه شيئا قبل شئ، فجعل يقول: (لا حرج ولا حرج)[226]

وعن أسامة بن شريك ـ رضي الله عنه ـ قال: خرجت مع النبي r حاجا، فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله، سعيت قبل أن أطوف، أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا، فكان يقول:( لا حرج، لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك)[227]

قال السائل: ويسألونك عمن حلق شعره بسبب أذى أصابه.

قال: لقد حدث كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ في ذلك، فذكر أن النبي r مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة، وهو محرم وهو يوقد تحت قدر والقمل يتهافت على وجهه فقال: أيؤذيك هوامك؟ قال: نعم، قال: (فاحلق رأسك، وأطعم فرقا بين ستة مساكين ـ والفرق ثلاثة آصع ـ أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة)[228]

قال السائل: ويسألونك عن يوم الحج الأكبر.

قال: لقد حدث علي ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: سألت رسول الله r عن يوم الحج الاكبر، فقال: (هو يوم النحر)[229]

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، فقال: أي يوم هذا ؟ فقالوا: يوم النحر، فقال: (هذا يوم الحج الأكبر)[230]

قال السائل: ويسألونك عن الأضاحي التي تقدم في ذلك اليوم.

قال: لقد حدث زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ في ذلك قال: قلت: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: (سنة أبيكم إبراهيم r) قالوا: فما لنا فيها؟ قال: (بكل شعرة حسنة)، قالوا: يا رسول الله، فالصوف؟ قال: (بكل شعرة من الصوف حسنة)[231]

قال السائل: ويسألونك عمن لم يجد ما يضحي به.

قال: لقد حدث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ في ذلك أن رسول الله r قال: أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله تعالى لهذه الأمة، قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى، أفأضحي بها؟ قال :( لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله ـ عز وجل ـ)[232]

قال السائل: ويسألونك عن الاشتراك في الأضحية.

قال: لقد حدث أبو الأسد السلمي عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله r، فأمرنا فجمع لكل منا درهما فاشترينا أضحية بسبعة الدراهم، فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها، فقال النبي r:( إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها)، فأمر رسول الله r فأخذ رجلا برجل، ورجلا برجل، ورجلا بيد، ورجلا بيد، ورجلا بقرن، ورجلا بقرن، وذبح السابع، وكبرنا عليها جميعا[233].

قال السائل: ويسألونك عن البديل عن البدنة لمن لم يجدها.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي r أتاه رجل، فقال: يا رسول الله، إن علي بدنة، وأنا موسر بها، ولا أجدها، فأشتريها، فأمر النبي r أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن[234].

وعن زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ قال: قسم رسول الله r في أصحابه غنما للضحايا، فأعطاني جذعا عتودا من المعز، فجئت به، فقلت: يا رسول الله، إنه جذع، فقال: (ضح به)، فضحيت به[235].

قال السائل: ويسألونك عمن ضحى قبل الصلاة.

قال: لقد حدث في ذلك البراء عن خاله أبي بردة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: يا رسول الله، إن عجلنا شاة لحم لنا، قال رسول الله r: (أقبل الصلاة؟) قال: نعم، قال :( تلك شاة لحم)، قال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة، هي أحب إلينا من مسنة، قال: (تجزئ عنك، ولا تجزئ عن أحد بعدك)[236]

قال السائل: ويسألونك عن العيوب التي تعرض للأضاحي.

قال: لقد حدث أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: اشتريت كبشا أضحي به فعدا الذئب فأخذ أليته، فسألت رسول الله r فقال: (ضح به)[237]

جلس المالديفي، فقام رجل آخر، وقال: أنا من جزر القمر .. تلك الجزر الجميلة التي تقع شرقي إفريقيا، وتتكون من أربع جزر .. أنا من جزيرتها الكبرى .. من جزيرة القمر الكبرى .. نحن نتحدث العربية مثلكم، فهي لغتنا الرسمية، ونحن نحبها حبا جما ..

التفت إلى الجمع، وقال: اعذروني .. فما دعاني إلى ما ذكرت إلا أني وجدت من أهل هذه البلد من لا يعرف تلك الجزر الجميلة التي شرفها الله بسكنى المسلمين.

ثم التفت إلى سحنون، وقد أخرج ورقة من جيبه، وقال: لقد أرسلني أهل تلك الجزر يستفتونك في مسائل ترتبط بالتعبدات اللسانية المحضة من قراءة القرآن الكريم، والأذكار والأدعية وغيرها .. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه سحنون بالكلام، فالتفت إلى ورقته، وراح يقرأ بعربية فصيحة: يسألونك عن خير سورة في القرآن الكريم .. هم يسألون ذلك ليكثروا من قراءتها، ويعبدوا الله بحفظها وتحفيظها، فهم لا يطيقون حفظ القرآن الكريم جميعا .. وما لا يدرك كله لا يترك كله.

قال: لقد حدث عبد الله بن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: انتهيت إلى رسول الله r وقد أهراق الماء فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فلم يرد علي فانطلق رسول الله r يمشي وأنا خلفه حتى دخل على رحله، ودخلت أنا المسجد، وجلست كئيبا حزينا، فخرج علي رسول الله r قد تطهر فقال :( عليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته)، ثم قال: ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال :( اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها)[238]

قال السائل: ويسألونك عن فضل حفظ سورة البقرة.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: بعث رسول الله r بعثا، وهو ذوو عدد، فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا، فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة قال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول الله، ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله r :( تعلموا القرآن، فاقرأوه وأقرئوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه، فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مشكا يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب وكئ على مسك)[239]

قال السائل: ويسألونك عن أعظم آية في القرآن الكريم.

قال: لقد حدث واثلة بن الاسقع ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟ فقال النبي r :﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ (البقرة:255)[240]

وعن أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r: يا أبا المنذر، أتدري أي آية في كتاب الله تعالى معك أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: قلت: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال: قلت: :﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ قال: فضرب صدري وقال :( والله ليهنك العلم أبا المنذر)[241]

قال السائل: ويسألونك عن فضل سورة الملك.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال: (إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي سورة :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ (الملك: من الآية1)[242]

قال السائل: ويسألونك عن أدنى الأوراد القرآنية للمستعجل.

قال: لقد حدث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى رجل النبي r فقال: أقرئني يا رسول الله، فقال:( اقرأ ثلاثا من ذوات (الر)[243]، فقال: كبرت سني واشتد قلبي وغلظ لساني قال :( فاقرأ ثلاثا من ذوات حاميم[244])، فقال مثل مقالته، فقال :( اقرأ ثلاثا من المسبحات[245])، فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله، أقرئني سورة جامعة، فأقرأه النبي r:﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ (الزلزلة:1) حتى فرغ منها فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدا، ثم أدبر الرجل، فقال النبي r :( أفلح الرويجل) مرتين[246].

قال السائل: ويسألونك عن فضل سورة الإخلاص.

قال: لقد حدث أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا استمع رجلا يقرأ :﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ (الاخلاص:1)، ويرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله r فذكر ذلك وكان الرجل يتقالها، فقال رسول الله r :( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)[247]

قال السائل: ويسألونك عن فضل المعوذات.

قال: لقد حدث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال: اتبعت رسول الله r وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، وقلت: اقرأ سورة هود أو سورة يوسف؟ فقال: لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله تعالى من﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾(الفلق:1) و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ (الناس:1)[248]

وعنه أن رسول الله r قال :( ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾(الفلق:1) و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ (الناس:1)[249]

قال السائل: ويسألونك عما يفعله بعض الناس من البدء بسورة الفاتحة وببعض البقرة بعد ختمه للقرآن الكريم.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الاعمال أفضل؟ قال: عليك بالحال المرتحل قال: وما الحال المرتحل؟ قال :( صاحب القرآن، يضرب من أوله حتى يبلغ آخره ويضرب في آخره حتى يبلغ أوله كلما حل ارتحل)[250]

قال السائل: ويسألونك عن فضل أهل القرآن.

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال: إن لله ـ عز وجل ـ أهلين من الناس فقيل: من أهل الله منهم؟ قال:( أهل القرآن هم أهل الله تعالى وخاصته)[251]

قال السائل: ويسألونك عن المدة التي يختمون فيها القرآن الكريم.

قال: لقد حدث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، في كم أقرأ القرآن؟ قال:( اختمه في شهر)، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال:( اختمه في عشرين)، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:( اختمه في خمسة عشر)، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال :( اختمه في عشر)، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:( اختمه في خمس)، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال:( فما رخص لي)[252]

ويسألونك عن اختلاف القراءات القرآنية.

قال: لقد حدث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله r فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله r فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله r فقلت: كذبت، فإن رسول الله r قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله r فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله r :( أرسله، اقرأ يا هشام)، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله r:( كذلك أنزلت)، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت للقراءة التي أقرأني، فقال رسول الله r :( كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه)[253]

قلب السائل ورقته، وقال: لدي بالإضافة إلى هذه الأسئلة المرتبط بفضائل القرآن وأحكامه، أسئلة أخرى مرتبطة بالذكر وأحكامه .. فأرجو أن تجيبني عنها.

أشار إليه سحنون بالإبجاب، فراح يقول: يسألونك عن (لا إله إلا الله ) هل ذكرها من الحسنات؟

قال: لقد حدث أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال :( إذا عملت سيئة، فأتبعها حسنة تمحها)، قال: قلت: يا رسول الله، أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال:( هي أفضل الحسنات)[254]

قال السائل: ويسألونك عن فضل الذكر.

قال: لقد حدث أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r :( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب، والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)، قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى، فقال معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ :( ما شئ أنجى من عذاب الله من ذكر الله)[255]

وعن معاذ بن أنس الجهني ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأل رسول الله r: أي المجاهدين أعظم أجرا؟ قال :( أكثرهم لله ـ تبارك وتعالى ـ ذكرا)، قال: فأي الصائمين أعظم أجرا؟ قال:( أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا)، فقال أبو بكر لعمر: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خير، فقال رسول الله r :( أجل) [256]

قال السائل: ويسألونك ما تمام النعمة الذي ورد الدعاء به.

قال: لقد حدث معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سمع رجلا يدعو، يقول: اللهم، إني أسألك تمام النعمة، فقال: أي شئ تمام النعمة؟ قال: دعوة دعوت بها أرجو بها الخير، قال: (فإن تمام النعمة دخول الجنة والفوز من النار)[257]

قال السائل: فما التعجيل في الدعاء، ولم نهي عنه؟

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال:( لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم[258] أو يستعجل)، قيل: يا رسول الله، وما الاستعجال ؟ قال: يقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر[259] عن ذلك، ويدع الدعاء)[260]

أموال:

جلس القمري، فقام رجل آخر، وقال: أنا من جزيرة مينداناو[261] .. لاشك أنكم لا تعرفونها.. إنها ثاني جزر الفلبين الكبرى .. وهي جزيرة يسكنها أكثر مسلمي الفلبين .. لقد أرسلني أهل تلك الجزيرة يستفتونك في مسائل ترتبط بالكسب والمعاش .. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه سحنون بالإيجاب، فأخرج ورقة، وراح يقرأ منها: يسألونك عن أفضل الكسب.

قال: لقد حدث رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل أي الكسب أفضل ؟ قال :(  عمل الرجل بيده، وكل عمل مبرور)[262]

قال السائل: ويسألونك عن حق الوالد في استعمال مال ولده.

قال: لقد حدث جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي ولدا ومالا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي قال :( أنت ومالك لأبيك)[263]

وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى أعرابي رسول الله r فقال: إن أبي يجتاح مالي، فقال :( أنت ومالك لابيك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئا)[264]

وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي r فقال: إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال:( أنت ومالك لأبيك)[265]

وعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة جليلة كانت من نساء مضر، فقالت: يا رسول الله، أنأكل على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال:( الرطب تأكلنه وتهدينه)[266]

قال السائل: ويسألونك عن أموال السلاطين.

قال: لقد حدث البراء ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله r عن حكم أموال السلطان، قال: (ما آتاك الله تعالى منها من غير مسألة ولا إشراف نفس، فكله وتموله)[267]

قال السائل: ويسألونك عمن يخدع في البيع .. هل يجوز له أن يشترط عدم الخديعة.

قال: لقد حدث عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: سأل رجل رسول الله r فقال: يا نبي الله، إني أخدع في البيع فقال له :( إذا بايعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام)[268]

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا كان على عهد رسول الله r كان يبتاع، وكان في عقله ضعف فأتى أهله النبي r فقالوا: يا رسول الله، احجر عليه، فدعاه نبي الله r فنهاه، فقال: يا رسول الله، إني لا أصبر عن البيع، فقال: إذا بايعت، فقل: (هاء وهاء ولا خلابة)[269]

قال السائل: ويسألونك عن تحويل الخمر خلا لأجل بيعها.

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ أن أبا طلحة سأل رسول الله r عن أيتام ورثوا خمرا، فقال: أهرقها، قال: أفلا أجعلها خلا ؟ قال: (لا)[270]

وعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة، سألت رسول الله r وقلت: إنه ليتيم، قال :( أهريقوه)[271]

وعن أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: يا نبي الله، إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري فقال :( أهرق الخمر واكسر الدنان)[272]

قال السائل: ويسألونك عن بيع ما لا يملكون.

قال: لقد حدث حكيم بن حزام ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، إن الرجل ليأتيني فيريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب، فأبتاع له من السوق ؟ قال :( لا تبع ما ليس عندك)[273]

وعنه قال: ابتعت طعاما من طعام الصدقة، وربحت فيه قبل ما قبضته، فأتيت رسول الله r فقلت: يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع، فما يحل لي منها، وما يحرم علي منها، قال:( يا بن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه)[274]

قال السائل: ويسألونك عن وقت بيع الثمار.

قال: لقد حدث جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r نهى عن أن تباع الثمرة حتى تشقح، قيل: وما تشقح، قال: (تحمار وتصفار ويؤكل منها)[275]

قال السائل: ويسألونك عن بيع الماء.

قال: لقد حدثت امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها قال: استأذن أبي النبي r فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا رسول اللله، حدثني بالشئ الذي لا يحل منعه قال: الماء، قال يا رسول الله ما الشئ الذي لا يحل منعه قال:( الملح)، قال: يا نبي الله، ما الشئ الذي لا يحل منعه ؟ قال :( أن تفعل الخير خير لك)[276]

قال السائل: ويسألونك عن تلك المساومات وما يحصل فيها من إخفاء البائع للثمن الذي يريد أن يبيع به، ومثله المشتري.

قال: لقد حدثت قيلة أم بني أنمار ـ رضي الله عنها ـ قالت: أتيت رسول الله r في بعض عمره، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أبيع وأشتري فربما أردت أن أشتري السلعة فأعطى بها أقل مما أريد أن آخذها به ثم زدت ثم زدت حتى آخذها بالذي أريد أن آخذها به، ربما أردت أن أبيع السلعة فاستمت بها أكثر مما أريد أن أبيعها به ثم نقصت ثم نقصت حتى أبيعها بالذي أريد أن أبيعها به، فقال لي رسول الله r :( لا تفعلي هكذا يا قيلة، ولكن إذا أردت أن تشتري شيئا فأعطي به الذي تريدين أن تبيعيه، أعطيت أو منعت)[277]

قال السائل: ويسألونك عن بيع التمر بعضه ببعض متفاوت الوزن.

قال: لقد حدث أبو سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء بلال إلى رسول الله r بتمر برني فقال من أين هذا يا بلال ؟ فقال: كان عندنا تمر ردئ، فبعث صاعين بصاع فقال النبي r عند ذلك :( أوه عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم اشتريه)[278]

وعن أبي سعيد وأبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله r استعمل رجلا على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال :( لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا)

قال السائل: ويسألونك عن الصرف.

قال: لقد حدث البراء بن عازب وزيد بن أرقم ـ رضي الله عنهما ـ قالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله r فسألناه عن الصرف، فقال :( إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئا فلا يصلح)[279]

قال السائل: ويسألونك عما يسمى ربا الفضل.

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال :( لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخوف عليكم الرما، والرما هو الربا)، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالافراس والنجيبة بالابل؟ قال :( لا بأس إذا كان يدا بيد)[280]

وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أبيع الابل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم فقال: لا تبيعوا الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين[281].

وعن زيد بن عياش ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال: أيتها أفضل؟ قال: البيضاء، قال: فنهاه عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله r يسأل عن شراء التمر بالرطب، فقال r :( أينقص الرطب إذا يبس؟) قال: نعم، فنهاه عن ذلك[282].

قال السائل: ويسألونك عن بيع السلم.

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أسلف في نخل قبل أن يطلع؟ قال: لا، قلت: لم ؟ فقال: لأن رجلا أسلم في حديقة نخل على عهد رسول الله r قبل أن يطلع النخل، فلم تطلع النخل شيئا ذلك العام، فقال المشتري: هو لي حتى يطلع، وقال البائع: إنما بعتك النخل هذه السنة، فاختصما إلى رسول الله r فقال للبائع :( أخذ من نخلك شيئا؟)، قال: لا، قال:( لم تستحل ماله؟ اردد عليه ما أخذت منه، ولا تسلموا في نخل حتى يبدو صلاحه)[283]

قال السائل: ويسألونك عن التلاعب بالديون وعدم أدائها.

قال: لقد حدث عبد الله بن جحش ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى رسول الله r فقال: أرأيت إن جهدت بنفسي ومالي، فماذا لي؟ قال: الجنة، فلما ولى قال: (إلا الدين سارني به جبريل u آنفا)[284]

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي r فقال: أرأيت أن جاهدت بنفسي ومالي فقتلت صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أدخل الجنة، قال: نعم فأعاد ذلك مرتين أو ثلاثا قال: (نعم، إن لم يكن عليك دين ليس عندك وفاؤه)[285]

وعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله r يقول :( أعوذ بالله من الكفر والدين)، فقال رجل: يا رسول الله، أيعدل الدين بالكفر، فقال رسول الله r :(نعم)[286]

وعن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا جلوسا عند رسول الله r إذ أتي بجنازة فقالوا: يا نبي الله، صل عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: هل ترك عليه دينا؟ قالوا: ألا نصلي عليه؟ ثم أتي بجنازة بعد ذلك، فقال: هل ترك عليه من دين؟ قالوا: لا، قال: هل ترك من شئ؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: ثلاث كيات، قال: فأتى بالثالثة، فقال: هل ترك عليه من دين، قالوا: نعم قال: هل ترك من شئ؟ قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، فقال رجل من الانصار يقال له أبو قتادة: يا رسول الله، علي دينه فصل عليه[287].

و عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r كان يؤتي بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي وعليه دين، فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته)[288]

قال السائل: ويسألونك: هل يؤجرون في القرض، كما يؤجرون في الصدقات.

قال: لقد حدث أنس ـ رضي الله عنه ـ ي قال: قال رسول الله r :( رأيت ليلة أسرى بي على باب الجنة مكتوبا: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر)[289]

قال السائل: ويسألونك عمن رد دينه بأوفى مما أعطى من غير أن يشترط صاحب الدين ذلك عليه.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ  قال: كان لرجل على النبي r سن من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال r :( أعطوه)، فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها، فقال :( أعطوه)، فقال: أوفيتني أوفى الله بك، فقال النبي r :( إن خياركم أحسنكم قضاء)[290]

وعن العرياض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ قال: بعت من النبي r بكرا، فأتيته أتقاضاه، فقلت: يا رسول الله، أقضني ثمن بكري، فأعطاه رسول الله r يومئذ جملا قد أسن، فقال: يا رسول الله، هذا خير من بكري قال: فقال رسول الله r :( إن خير القوم أحسنهم قضاء)[291]

قال السائل: ويسألونك عن اللقطة[292] .. تلك التي يجدها المرء، ولا يعرف صاحبها.

قال: لقد حدث زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل عن اللقطة فقال:( اعرف وكاءها ـ أو قال: وعاها وعفاصها ـ ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها فأدها إليه)، قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه، فقال :( مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها)، قال: فضالة الغنم، قال: (هي لك أو لأخيك أو للذئب)[293]

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله r عن اللقطة قال:( لا تحل اللقطة، من التقط شيئا، فليعرفه، فإن جاء صاحبها فليردها إليه، فإن لم يأت فليتصدق بها، فإن جاء فليخيره بين الأجر وبين الذي له)[294]

جلس الفلبيني، فقام رجل آخر، وقال: أنا من باكو .. لا شك أنكم تعرفونها .. إنها عاصمة أذربيجان[295] .. لقد أرسلني أهلها يستفتونك في مسائل ترتبط بالتطوعات والهبات.. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه بالإيجاب، فأخرج ورقة، وراح يقول: يسألونك عن التفريق بين الأولاد في العطية.

قال: لقد حدث النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال: إن أباه أتي به إلى رسول الله r فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما، فقال:( أكل ولدك نحلت مثله؟) قال: لا، قال:( فارجعه) وفي رواية، قال: (لا تشهدني على جور)[296]

قال السائل: ويسألونك عن الهدية التي تعطى للجيران .. أيهم أولى بها؟

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال:( إلى أقربهما منك بابا)[297]

قال السائل: ويسألونك أي الصدقة خير وأفضل وأعظم أجرا؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا أو لفلان كذا وقد كان لفلان)[298]

وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r :( أتدري أي الصدقة أفضل؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال :( المنيحة أن يمنح أحدكم أخاه الدرهم أو ظهر الدابة أو لبن الشاة أو لبن البقرة)[299]

قال السائل: ويسألونك عمن يريد أن يتصدق بماله كله في سبيل الله.

قال: لقد حدث سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال: جاءني رسول الله r يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بمالي كله؟ قال: لا، قلت فثلثي مالي؟ قال: لا، قلت فالشطر يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال:( الثلث، والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة وإنما تأكل امرأتك من مالك صدقة وإنك أن تدع أهلك بخير خير لك من أن تدعهم يتكففون الناس)[300]

قال السائل: ويسألونك عن الصدقة عن الميت الكافر.

قال: لقد حدث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن جده العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق عنه ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال: حتى أسأل رسول الله r فأتى النبي r فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشاما أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله r:( إنه لو كان مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك)[301]

قال السائل: ويسألونك عن الأكل من مال اليتيم للمضطر.

قال: لقد حدث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى رسول الله r فقال: إني فقير، وليس لي شئ ولي يتيم، قال: فقال :( كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل)[302]

جلس الأذري، فقام رجل آخر، وقال: أنا من طَشْقَنْد.. لا شك أنكم تعرفونها .. إنها عاصمة أوزبكستان[303] .. لقد أرسلني أهلها يستفتونك في مسائل ترتبط بالفرائض والمواريث.. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه بالإيجاب، فأخرج ورقة، وراح يقول: يسألونك عن نصيب الأب في ميراث ابنه إن كان للابن فرع وارث.

قال: لقد حدث عمران بن الحصين ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى رسول الله r فقال: إن ابني مات فما لي من ميراثه؟ فلما أدبر قال:( لك السدس)، فلما أدبر، قال: (لك سدس آخر)، فلما ولى دعاه، قال: (إن السدس الاخر طعمة)[304]

قال السائل: ويسألونك عن معنى الكلالة.

قال: لقد حدث البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله r عن الكلالة فقال :( ما خلا الولد والوالد)[305]

قال السائل: ويسألونك عن ميراث العمة والخالة.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سئل رسول الله r عن ميراث العمة والخالة، فقال:(لا أدري حتى يأتيني جبريل)، ثم قال: (أين السائل عن ميراث العمة والخالة؟)، فأتى الرجل، فقال: (سارني جبريل أنه لا شئ لهما)[306]

قال السائل: ويسألونك عن الميراث بالولاء.

قال: لقد حدث تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله: ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟ قال :( هو أولى الناس بمحياه ومماته)[307]

قال السائل: ويسألونك: هل يمكن أن يرث المرء ما كان قد وهبه للميت؟

قال: لقد حدث بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة أتت رسول الله r فقالت: كنت تصدقت على أمي بوليدة، وإنها ماتت وتركت تلك الوليدة قال:( قد وجب أجرك ورجعت إليك في الميراث)[308]

وعن ابن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أعطيت أمي حديقة في حياتها، وإنها توفيت ولم تدع وارثا غيري، فقال رسول الله r ـ أحسبه قال ـ :( إن الله تبارك وتعالى رد عليك حديقتك، وقبل صدقتك)[309]

الأسرة:

جلس الطشقندي، فقام رجل آخر، وقال: أنا من دوشانبي.. لا شك أنكم تعرفونها .. إنها عاصمة طاجكستان[310] .. لقد أرسلني أهلها يستفتونك في مسائل ترتبط بفقه الأسرة.. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه بالإيجاب، فأخرج ورقة، وراح يقول: يسألونك أي النساء خير؟

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال:( التي تسره إذا نظر وتطيعه، إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها أو ماله)[311]

وعن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ قال: لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه، قال :( أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه)[312]

قال السائل: ويسألونك عن حق الزوجة على زوجها.

قال: لقد حدث معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتست، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)[313]

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، ما تقول في نسائنا؟ قال: (أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكسون، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن)[314]

قال السائل: ويسألونك عن علاقة الزوج بزوجته .. أله فيها أجر؟

قال: لقد حدث أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال:( وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال:( أرأيت لو وضعها في حرام ؟ أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)[315]

قال السائل: ويسألونك عمن ترك الزواج مع القدرة عليه.

قال: لقد حدث أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: دخل على رسول الله r رجل يقال له: عكاف بن بشر التميمي، فقال له النبي r :( يا عكاف، هل لك من زوجة؟) قال : لا، قال: (ولا جارية؟) قال : ولا جارية، قال :( وأنت موسر بخير؟) قال : وأنا موسر بخير، قال:( أنت إذا من إخوان الشياطين، ولو كنت في النصارى كنت من رهبانهم، إن سنتنا النكاح، شراركم عزابكم، وأراذل موتاكم عزابكم، أبالشيطان تمرسون، ما للشيطان من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء، إلا المتزوجون، أولئك المطهرون المبرءون من الخنا، ويحك يا عكاف، إنهن صواحب أيوب وداود ويوسف وكرسف)، فقال له بشر بن عطية : ومن كرسف يا رسول الله؟ قال :( رجل كان يعبد الله بساحل من سواحل البحر ثلاثمئة عام، يصوم النهار، ويقوم الليل، ثم إنه كفر بالله العظيم في سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة الله، عز وجل، ثم استدركه الله ببعض ما كان منه، فتاب عليه، ويحك يا عكاف تزوج، وإلا فأنت من المذبذبين)، قال: زوجني يا رسول الله، قال : (قد زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري)[316]

قال السائل: ويسألونك عن نظر الفجأة.

قال: لقد حدث عمرو بن جرير قال: سألت رسول الله r عن نظرة الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري[317].

قال السائل: ويسألونك عن النظر لمن يريد أن يتزوجها.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت عند رسول الله r فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الانصار، فقال رسول الله r :( أنظرت إليها؟)، قال: لا، قال :( فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الانصار شيئا)[318]، يعني حولا.

قال السائل: ويسألونك عن استئذان النساء في تزويجهن.

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله r عن الجارية ينكحها أهلها، أتستأمر أم لا؟ فقال رسول الله r :( نعم تستأمر)، قلت: فإنها تستحي، قال :( ذلك إذنها، إذا هي سكتت)[319]

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال :( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن)، قالوا: يا رسول الله، كيف إذنها قال :( تسكت)[320]

قال السائل: ويسألونك عمن تزوج في مرض يخشى من موته فيه.

قال: لقد حدث عبد الله بن معقل ـ رضي الله عنه ـ قال: تزوج رجل من الأنصار امرأة في مرضه، فقالوا: لا يجوز، هذا من الثلث، فرفع ذلك إلى رسول الله r، فقال:( النكاح جائز، ولا يكون من الثلث)[321]

قال السائل: ويسألونك عن تأخير إعطاء المهر.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل عن رجل تزوج امرأة، وفرض لها هل يدخل بها ولم يعطها شيئا؟ فقال :( لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا ولو نعليه)[322]

قال السائل: ويسألونك عن احتجاب المرأة عن أخيها من الرضاع.

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب، فأبيت أن آذن له، فلما جاء رسول الله r أخبرته بالذي صنعت، (فأمرني أن آذن له)[323]

قال السائل: ويسألونك عن الرضعات القليلة هل تؤثر في المحرمية أم لا؟

قال: لقد حدثت أم الفضل ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخل أعرابي على رسول الله r وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى، أنها أرضعت امرأتي الحدثى، رضعة أو رضعتين فقال نبي الله r :( لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان)[324]

قال السائل: ويسألونك عن شرب الكبير لبن المرأة لتصبح محرما عليه إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى رسول الله r فقالت: إن سالما كان يدعى لأبي حذيفة، وإن الله تعالى قد أنزل في كتابه العزيز :﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ﴾ (الأحزاب: من الآية5)، وكان يدخل علي، وأنا فضل، ونحن في مسوب ضيق، فقال النبي r :( أرضعيه تحرمي عليه[325])[326]

قال السائل: ويسألونك عن الشهود المعتبرين في الرضاع.

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأل رسول الله r: ما الذي يجوز من الشهود في الرضاع؟ فقال :( رجل وامرأة)[327]

قال السائل: ويسألونك عمن أسلم وهو متزوج أختين.

قال: لقد حدث فيروز الديلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت، وتحتي أختان، قال :( طلق أيتهما شئت)[328]

قال السائل: ويسألونك: هل يكفي العقد على الزوجة لتحل لزوجها الذي طلقها ثلاثا؟

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: طلق رجل زوجته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره، فطلقها قبل أن يدخل بها، فأراد زوجها الأول أن يتزوجها، فسئل رسول الله r فقال :( لا حتى يذوق الآخر من عسيلتها ما ذاق الأول)[329]

قال السائل: ويسألونك عن نكاح المحلل.

قال: لقد حدث علقمة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله r :( ألا أخبركم بالتيس المستعار؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال :( هو المحلل)، ثم لعن المحلل والمحلل له[330].

قال السائل: ويسألونك عمن أسلم وهو متزوج أكثر من أربع نسوة.

قال: لقد حدث الحارث ـ رضي الله عنه ـ قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي r فقال :( اختر منهن أربعا، وفارق سائرهن)[331]

وعن نوفل بن معاوية الرملي ـ رضي الله عنه ـ قال: أسلمت وعندي خمس نسوة، فسألت النبي r فقال:( فارق واحدة، وأمسك أربعا)[332]

قال السائل: ويسألونك عن رجل أسلم، وأسلمت امرأته بعده، وكانت مشركة.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا جاء مسلما على عهد رسول الله r، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله، إنها كانت أسلمت معي، فردها عليه رسول الله r [333].

قال السائل: ويسألونك عن العزل.

قال: لقد سئل رسول الله r عن ذلك، فقال :( اصنعوا ما بدا لكم، فما قضى الله تعالى فهو كائن، وليس كل الماء يكون الولد)[334]

وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء ناس من المسلمين، فقالوا: يارسول الله، أفيكون لنا الاماء فنعزل عنهن؟ وزعمت يهود أنها الموءودة الصغرى، فقال رسول الله r :( كذبت يهود، ولو أراد الله تعالى أن يخلقه لم يرده)[335]

وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r سئل عن العزل، فقال :( لا عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله تعالى كتب من هو خالق إلى يوم القيامة)[336]

قال السائل: ويسألونك عن أخذ المرأة من مال زوجها إن كان يمنعها نفقتها.

قال: لقد حدثت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: إن هند بنت عتبة أتت رسول الله r فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم ؟ فقال :( خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف)[337]

قال السائل: ويسألونك عن النفقة على الأهل.

قال: لقد حدث أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله، عندي دينار، قال:( أنفقه على نفسك)، قال: عندي آخر، قال:( أنفقه على ولدك)، قال: عندي آخر ؟ قال :( أنفقه على أهلك)[338]

وعن رائطة امرأة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنها ـ وكانت امرأة صناعا، وكانت تبيع وتصدق، فقالت لعبد الله يوما: لقد شغلتني أنت وولدك، فما أستطيع أن أتصدق معكم، فقال: ما أحب إن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي، فسألا عن ذلك رسول الله r فقال لها رسول الله r :( لك أجر ما أنفقت عليهم)[339]

قال السائل: ويسألونك عن الطلاق في الحيض.

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه طلق امرأته، وهي حائض، فذكر ذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ لرسول الله r فتغيظ فيه، ثم قال :( ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر وإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)، ثم قرأ رسول الله r :﴿ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾(الطلاق: من الآية1)، أي قبل عدتهن[340].

قال السائل: ويسألونك عمن يملك حق التطليق.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا جاء إلى النبي r يشكو، أن مولاه زوجه، وهو يريد أن يفرق بينه وبين امرأته، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال:( ما بال قوم يزوجون عبيدهم إماءهم، ثم يريدون أن يفرقوا بينهم؟ ألا إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق)[341]

قال السائل: كيف يكون الطلاق ثلاثا، وقد قال تعالى :﴿ الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ﴾ (البقرة: من الآية229)، فذكر مرتين، ولم يذكر الثالثة.

قال: لقد روي في لك أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى:﴿ الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ (البقرة: من الآية229) فأين الثالثة؟ قال:﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾  (البقرة: من الآية229)[342]

قال السائل: ويسألونك عمن أتى زوجته التي ظاهر منها قبل أن يكفر.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى رسول الله r وقد ظاهر من امرأته، فوقع عليها فقال: يا رسول الله، إني قد ظاهرت من زوجتي، فوقعت عليها قبل أن أكفر، فقال :( وما حملك على ذلك، يرحمك الله؟) قال: رأيت خلخلها في ضوء القمر، قال :( فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به)[343]

قال السائل: ويسألونك عمن شك في ولده بسبب عدم مشابهته له.

قال: لقد روي أن رجلا أتى رسول الله r فقال: يا رسول الله، ولد لي غلام أسود، وإني أنكرته؟ فقال له رسول الله r :( هل لك من إبل؟) قال: نعم، قال :( فما ألوانها؟)، قال: حمر، قال :( هل فيها من أورق؟) قال: إن فيها لورقا، قال :( فأنى ترى ذلك جاءها؟) قال: عرق نزعها، قال :( ولعل هذا عرق نزعه!) ولم يرخص له في الانتفاء منه[344].

قال السائل: ويسألونك عن الشبه المدعم بالشبهة.

قال: لقد روي في ذلك أن بنت زمعة قالت: أتيت رسول الله r فقلت: إن أبي زمعة مات، وترك أم ولد له وإنا كنا نظنها برجل، وإنها ولدت فخرج ولدها يشبه الرجل الذي ظنناها به، قال: فقال لها :( أما أنت فاحتجبي منه، فليس بأخيك وله الميراث)[345]

قال السائل: ويسألونك عن حق المرأة في الحضانة.

قال: لقد حدث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة أتت رسول الله r فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله r :( أنت أحق به ما لم تنكحي)[346]

قال السائل: ويسألونك عن عدة التي تختلع من زوجها.

قال: لقد حدث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس اختلعت من زوجها فجعل النبي r عدتها حيضة[347].

قال السائل: ويسألونك عن عدة المتوفى عنها زوجها التي تضع حملها قبل انتهاء العدة.

قال: لقد حدث المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي r، فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت[348].

وعن المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ أنه سأل رسول الله r عن ذوات الاحمال قال:( أجلهن أن يضعن حملهن)[349]

الروادع:

جلس الطاجكستاني، فقام رجل آخر، وقال: أنا من عشق أباد .. لا شك أنكم تعرفونها .. إنها عاصمة تُرْكُمَانِسْتَان[350] .. لقد أرسلني أهلها يستفتونك في مسائل ترتبط بالروادع التي وضعها الشرع لتهذيب نوازع النفس الأمارة .. فإن أذنت لي تحدثت، وإلا جلست.

أشار إليه بالإيجاب، فأخرج ورقة، وراح يقول: يسألونك عمن لم يقتل، ولكنه أمر بالقتل.

قال: لقد حدث مربد بن عبد الله عن رجل من أصحاب رسول الله r قال: سئل رسول الله r عن الآمر والقاتل، فقال :( قسمت النار سبعين جزءا، فللآمر تسع وستون وللقاتل جزء وحسبه)[351]

قال السائل: ويسألونك عمن احتمى من القتل في الحرب بادعاء الإسلام.

قال: لقد حدث المقداد بن عمرو الكندي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لرسول الله r: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال:( لا تقتله)، فقال: يا رسول الله، إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها، فقال رسول الله r :( لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)[352]

قال السائل: ويسألونك عن حد الأمة التي تقع في الفاحشة.

قال: لقد حدث أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنهما ـ قالا: سئل رسول الله r عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال :( إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)[353]

قال السائل: ويسألونك عن الإقرار بالزنا إن كان من طرف واحد.

قال: لقد حدث سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله r فقال: إنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي r إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال، فأنكرت فحده وتركها[354].

قال السائل: ويسألونك عن الاعتراف .. هل هو من البينات التي تقام على أساسها الحدود؟

قال: لقدحدث أبو أمية المخزومي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله r أتي بلص فاعترف، ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول الله r :(ما أخالك سرقت؟) قال: بلى، مرتين أو ثلاثا، قال: فقال رسول الله r اقطعوه، ثم جاءوا به قال فقطعوه، ثم جاءوا به، فقال له رسول الله r :(قل: أستغفر الله، وأتوب إليه) قال: أستغفر الله، وأتوب إليه، فقال رسول الله r :( اللهم، تب عليه)[355]

قال السائل: هل يمكن تعويض الحدود بغرامات مالية؟

قال: لقد حدث في ذلك مسعود بن الأسود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لرسول الله r في المخزومية التي سرقت قطيفة: يفديها يعني بأربعين أوقية، فقال رسول الله r :( لأن تطهر خير لها)، فأمر بها، فقطعت يدها[356].

2 ـ الورع

سكت العامة، فالتفت سحنون إلى أهل العلم، وقال: هذه سنة رسول الله r في العلم، فاقتدوا بها .. فلن ينال الوراثة من لم ينلها.

قالوا: فحدثنا عن الركن الثاني.

قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا  الركن في قوله تعالى :﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ (الاسراء:36)

وطبقه رسول الله r فيما حدث به جبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى رسول الله r فقال: أي البقاع شر؟ فقال: (لا أدري)، فلما أتاه جبريل u قال: (يا جبريل، أي البلدان شر؟ قال: لا أدري حتى أسأل ربي عز وجل، فانطلق جبريل u ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم جاء فقال: يا محمد، إنك سألتني أي البلدان شر؟ فقلت: لا أدري، وإني سألت ربي عز وجل: أي البلدان شر؟ فقال: أسواقها)[357]

قالوا: وعينا هذا، فما السبيل إليه؟

قال: أربعة.

قالوا: فما هي؟

قال: أن لا تتكلموا فيما لا تعلمون، وأن لا تتكلموا بكل ما تعلمون، وأن لا تكتموا ما تعلمون، وأن لا تحرفوا ما تعلمون.

قالوا: فحدثنا عن الأول.

قال: هو الذي أشار إليه رسول الله r في قوله :( من أفتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه)[358] .. فالمفتي الورع هو الذي لا يتكلم إلا فيما يعلم.. وقد كان هذا سنة رسول الله r وسنة ورثته من بعده، ففي الحديث قال رسول الله r : ( ثلاث وثلاث وثلاث ! فثلاث لا يمين فيهن ، وثلاث الملعون فيهن، وثلاث أشك فيهن ‏، فأما الثلاث التي لا يمين فيهن : فلا يمين للولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للمملوك مع ‏سيده ، أما الملعون فيهن فملعون من لعن والديه ، وملعون من ذبح لغير الله ، وملعون من غير تخوم ‏الارض ، وأما التي أشك فيهن : فعزيز لا أدري أكان نبيا أم لا ! ولا أدري ألعن تبع أم لا ! ولا ‏أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا)[359]

وفي حديث آخر قال r :( لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من ‏يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري : أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أو كان ممن ‏استثنى الله)[360]

قالوا: عرفنا أن هذا سنة رسول الله r .. فحدثنا عن التزام ورثته بهذا.

قال: لقد حدث عتبة بن مسلم قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا، فكان كثيرا ما يسأل فيقول: لا أدري!

وقال ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله r يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول، وما منهم من أحد يحدث بحديث، أو يسأل عن شيء، إلا ود أخاه كفاه! 

وقال عطاء بن السائب: أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسأل عن شيء فيتكلم وإنه ليرعد.

وقال عمر بن الخطاب: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.

وقال ابن مسعود: والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون.

وقال ابن عباس أو غيره: إذا أخطأ العالم (لا أدري) أصيبت مقالته.

قالوا: هؤلاء صحابة رسول الله r .. فما قال من بعدهم؟

قال: لقد كان سيد التابعين وأفقههم سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي، ولا يقول شيئا، إلا قال: (اللهم سلمني، وسلم مني)

وسئل القاسم بن محمد ـ أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ـ عن شيء فقال: إني لا أحسنه، فقال له السائل: إني جئتك لا أعرف غيرك، فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي! والله لا أحسنه، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها، فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم. فقال القاسم: والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به.

وسئل الشعبي عن مسألة، فقال: لا أدري، قيل له: ألا تستحي من قول (لا أدري) وأنت فقيه العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالوا :﴿ سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(البقرة: من الآية32)

قالوا: فحدثنا عن أئمة المذاهب .. أولئك الذين انتشرت أقوالهم في الأمصار قرونا طوالا.

قال: لقد حدث أبو يوسف قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لولا الفرق من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحدا، يكون له المهنأ، وعلى الوزر.

وقال: من تكلم في شيء من العلم وتقلده وهو يظن أن الله لا يسأله عنه: كيف أفتيت في دين الله؟ فقد سهلت عليه نفسه ودينه.

وكان شيخنا مالك أشدهم في هذا، وقد حدثني شيوخي عنه أنه كان يقول: من سئل عن مسألة، فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها.

وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن.

وسمعه ابن مهدي يقول: ربما وردت علي المسألة، فأسهر فيها عامة ليلي.

وقال مصعب: وجهني أبي بمسألة ـ ومعي صاحبها ـ إلى مالك يقصها عليه، فقال: ما أحسن فيها جوابا، سلوا أهل العلم.

وقال ابن أبي حسان: سئل مالك عن اثنتين وعشرين مسألة، فما أجاب إلا في اثنتين بعد أن أكثر من (لا حول ولا قوة إلا بالله)

وكان الرجل يسأله عن المسألة، فيقول: العلم أوسع من هذا وقال بعضهم: إذا قلت أنت يا أبا عبدالله: لا أدري فمن يدري؟ قال: ويحك! ما عرفتني! وما أنا؟ وأي شيء منزلتي حتى أدري ما لا تدرون؟! ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر يقول: لا أدري، فمن أنا؟! وإنما أهلك الناس العجب وطلب الرئاسة، وهذا يضمحل عن قليل.

وقال في جواب آخر معتذرا: قد ابتلى عمر بن الخطاب بهذه الأشياء، فلم يجب فيها، وقال ابن الزبير: لا أدري، وابن عمر: لا أدري!

وقال مصعب: سئل مالك عن مسألة، فقال لا أدري. فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أن أعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك، وقال: مسألة خفيفة سهلة! ليس في العلم شيء خفيف. أما سمعت قول الله تعالى :﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ (المزمل:5)، فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يسأل.

وقال بعضهم: ما سمعت قط أكثر قولا من مالك (لا حول ولا قوة إلا بالله) ولو شئنا أن ننصرف بألواحنا مملوءة بقوله لا أدري ﴿ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ (الجاثـية: من الآية32) لفعلنا.

ومثلهما أحمد بن حنبل .. حدث أبو داود قال: سمعت أحمد، وسئل عن مسألة فقال: دعنا من هذه المسائل المحدثة! وما أحصى ما سمعت أحمد، سئل عن كثير مما فيه الاختلاف من العلم، فيقول: لا أدري!

وجاء رجل يسأله عن شيء فقال: لا أجيبك في شيء. ثم قال: قال عبدالله بن مسعود: إن كان من يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون.

قالوا: فما تقول في الموقف ممن يفتي بغير علم؟

قال: هو مجرم كالمجرمين .. وليس للمجرم من جزاء إلا العقوبة .. وأول العقوبة الحجر عليه، وقد كان أبو حنيفة ـ رغم ذهابه إلى عدم الحجر على السفيه احتراما لآدميته ـ يقول بوجوب الحجر على المفتي الجاهل المتلاعب بأحكام الشرع.

وقد رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ـ شيخ الإمام مالك ـ يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم! قال: ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق!

قالوا: وعينا هذا، فحدثنا عن الثاني.

قال: هو ما أشار إليه رسول الله r في قوله :( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع)[361]، وقوله :( بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع)[362]

قالوا: فما في هذا من الورع الذي يجب على المفتي أن يمارسه؟

قال: المفتي الوارث هو الذي لا يتكلم في كل ما يعلم، فقد يكون ما يتكلم فيه غير صحيح، فيتحمل وزر نقل الكذب وإشاعته، وقد يكون ما يتكلم فيه غير نافع، فيتحمل وزر الضرر الذي أصاب به من أفتاه.

قالوا: وعينا هذا .. فلا يكون العالم عالما حتى يتثبت مما يعلمه.

قال: ذلك لا يكفي .. فقد يعلم الشيء ويتثبت منه، ولكنه لا ينغي له أن يلقيه إلا لأهله، أو في الوقت المناسب له .. فالدواء قد يكون نافعا، لكنه إن أعطي لمن لا يحتاجه أضر به.

لقد كان لي صديق من طنطا يقال له الشيخ يوسف[363] .. وقد تتلمذ على أبي يوسف، كما تتلمذت أنا على مالك .. وكان له أتباع كثيرون يستفتونه، وقد قال لي مرة :( أنا أضرب صفحا عن الأسئلة التي يريد بها أصحابها المراء والجدل، أو التعالم والتفاصح، أو امتحان المفتي وتعجيزه، أو الخوض فيما لا يحسنونه، أو إثارة الأحقاد والفتن بين الناس، أو نحو ذلك .. أنا أضرب عنها صفحا، ولا ألقي لها بالا، لأنها تضر ولا تنفع، وتهدم ولا تبني، وتفرق ولا تجمع.

لقد كان بعض الناس يبعثون إلي بأسئلة تتضمن ألغازا شرعية يريدون حلها من مثل: (نوى ولا صلى، وصلى ولا نوى)، و(قوم كذبوا ودخلوا الجنة، وقوم صدقوا ودخلوا النار)، وأشباه ذلك، فكان ردي عليها السكون والإعراض، لأن الاشتغال بمثل هذه المسائل من عمل الفارغين.

ومثل ذلك الأسئلة التي تتعلق بالأمور الغيبية، مما لم يجئ بتحديده نص معصوم، ومثل ذلك غوامض المسائل الدينية والعقائدية التي لا تحتملها الطاقة العقلية المعتادة لجمهور الناس، ويخشى من الخوض فيها ـ سؤالا وجوابا ـ التشويش على الكثيرين، فهذا أيضا مما لا أعتني بالإجابة عنه إلا إزالة لشبهة، أو ردا لفرية، أو تنبيها على قاعدة، أو تصحيحا لفهم، أو نحو ذلك.

وكثيرا ما كنت أطلب من صاحب السؤال إذا أحسست جديته، وخشيت على جمهور المستمعين أو المشاهدين التشويش، أن يلقاني على انفراد، لأستطيع أن آخذ معه وأعطي، بلا حرج ولا خشية.

ومن الأسئلة التي لم أكن أعبأ بها: ما يتعلق بالمفاضلة بين آل البيت والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وما شجر بينهم من خلاف، ونحو ذلك مما لا طائل تحته، وقد أفضى الجميع إلى ربهم، وقضى الله ما كان.

ومن الأسئلة التي يحرص بعض الناس على إثارتها، وتلقيت في شأنها أكثر من رسالة:

أيهما أفضل عند الله: أبو بكر أم علي؟ وأيهما كان أحق بالخلافة بعد رسول الله r؟

وأيهما أفضل: فاطمة الزهراء بنت رسول الله r أم عائشة أم المؤمنين زوج رسول الله r؟

ومثل ذلك: المفاضلة بين الأنبياء، مثل إسماعيل وإسحاق، أو موسى وعيسى.

فهذه الأسئلة لا يترتب عليها العلم بها، قوة في دين، ولا نهضة في دنيا، ومن جهل الجواب عنها فلا إثم عليه، ومن كون في كل منها رأيا فهيهات أن يتنازل عنه.

ولقد قلت في بعض إجاباتي عن مثلها: إنها أشبه بموضوعات الإنشاء التي كان معلمونا ـ ونحن تلاميذ صغار ـ يكلفوننا الكتابة فيها تدريبا للقلم، وشحذا للملكات، مثل: المفاضلة بين الليل والنهار، وبين الصيف والشتاء، وبين الأرض والسماء، وبين القطار والسفينة، وغير ذلك مما لا معنى للمفاضلة بين بعضها وبعض عند أهل البصر والبصيرة.

إن من فعل هذا ينطبق عليه تماما ما عا به الله على بني إسرائيل من كثرة أسئلتهم، واختلافهم على أنبيائهم، وسؤالهم فيما لا ضرورة إليه، ولا فائدة منه إلا إعنات أنفسهم، وفي هذا ذكر الله تعالى لنا قصة ذبح البقرة وكثرة أسئلتهم فيها دون حاجة، ولو أخذوا أي بقرة فذبحوها لكانوا ممتثلين للأمر، ولكن شددوا، فشدد الله عليهم)[364]

وقال لي: (وقد ظل المسلمون في عصور ازدهارهم يسألون عما يفيدهم في دينهم ومعاشهم ومعادهم، وإذا جمح بأحدهم جواد خياله رده علماؤهم إلى جادة الصواب، وأفهموه أن الإسلام يريد المسلم إيجابيا منتجا، يعرض عن اللغو، ويشغل نفسه ووقته بالنافع من القول والعمل والفكر.

ولما تخلف المسلمون ـ حضاريا وفكريا ـ أكثروا من الأسئلة التي لا يصلح بها دين، ولا ترتقي بها دنيا، ولا يزكو عليها فرد، ولا تنهض بها جماعة، وشغل عوام المسلمين بمسائل وتفصيلات لم تخطر ببال أحد من سلف الأمة.

وكان للمتأخرين من علمائهم المقلدين دور كبير في إذكاء هذه الروح، ودعم هذا الاتجاه، لأنهم ضيعوا اللباب، وشغلوا بالقشور، وشغلوا الناس معهم بها، حتى أن تدريس الوضوء والطهارة ليستغرق دروس شهر كامل كشهر رمضان.

ولقد بقي من رواسب عصور الانحطاط بقية من الناس، رأيت من أسئلتهم العجب العاجب، وقرأت في رسائلهم إلي ما يثير الدهشة، ويستفرغ الضحك، وشر البلايا ما يضحك كما قيل.

ومن ذلك سؤالهم :( ما لون كلب أهل الكهف؟ وهل كان ذكرا أم أنثى، وأين كانوا ومتى كانوا؟) مع أن الله تعالى لم ينص على شيء من ذلك، ولو علم فيه خيرا لنا لذكره. بل رأينا القرآن يذكر لنا اختلاف أهل الكتاب في عددهم، ما بين ثلاثة وخمسة وسبعة ثم يعقب على ذلك، فيخاطب الرسول بقوله :﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ (الكهف:22)، فلم يصرح الله تعالى بعددهم وهو أعلم به، ونهى الرسول r أن يتعمق في الجدال معهم، تعليما للأمة ألا يشغلوا أنفسهم بمثل هذا الخلاف والجدال.

ومن هذا اللون من الأسئلة ما يثيره بعض المتفقهين حول الأمور الغيبية: بأي لغة يتكلم الناس في القبر؟ بالسريانية؟ أم بالعربية؟ أم بغير هذه وتلك؟

وقد كان الفقيه التابعي الجليل الإمام عامر الشعبي يستخدم النكتة اللاذعة في الرد على هذا اللون من الأسئلة الغريبة.

سأله أحدهم يوما عن زوجة إبليس!! فقال: ذاك عرس لم أشهده!

وسأل آخر: كيف يخلل لحيته في الوضوء وهي كثيفة؟ فقال له: انقعها من الليل!

وقد اتبعت هذه الطريقة نفسها في بعض الأحيان مع بعض الناس، قال لي بعضهم يوما وأنا ألقي درسا في المسجد وهو يتفاصح ويتعالم: يا سيدنا الشيخ، ما اسم أخت سيدنا موسى التي ذكرها الله في القرآن؟

فقلت له: مالك ولها؟ أتريد أن تخطبها؟ هب أن اسمها مريم أو زليخا أو مارية هل يفيدك هذا شيئا؟ إن الله لم يذكر لنا اسمها حين قص علينا أمرها ورسوله r لم يبين لنا: ما اسمها، فلماذا نجهد أنفسنا ونعنيها فيما أراحنا الله منه، لا نفع لنا فيه؟

وسامح الله بعض المفسرين الذين يبدئون ويعيدون في تعيين هذه المبهمات، وذكر الأقوال المروية فيها على اختلافها، وكلها إسرائيليات لا قيمة لها في ميزان العلم الحق، ولا ثمرة لها في دين الله، ولا دنيا الناس)

وكان لي زميل درس معي عند مالك يقال له شهاب الدين القرافي، وكان يقول :( ينبغي للمفتي إذا جاءته فتيا في شأن رسول الله r ، أو فيما يتعلق بالربوبية، يسأل فيها عن أمور لا تصلح لذلك السائل لكونه من العوام الجلف، أو يسأل عن المعضلات، ودقائق الديانات، ومتشابه الآيات والأمور التي لا يخوض فيها إلا كبار العلماء، ويعلم أن الباعث له على ذلك إنما هو الفراغ والفضول والتصدي لما لا يصلح له، فلا يجيبه أصلا، ويظهر له الإنكار على مثل هذا، ويقول له: اشتغل بما يعنيك من السؤال عن صلاتك وأمور معاملاتك، ولا تخض فيما عساه يهلكك، لعدم استعدادك له.

وإن كان الباعث له شبهة عرضت له: فينبغي أن يقبل عليه، ويتلطف به في إزالتها عنه بما يصل إليه عقله، فهداية الخلق فرض على من سئل)

قالوا: وعينا هذا، فحدثنا عن الثالث.

قال: أن لا يكتم ما يعلم .. لقد أشار إلى ذلك قوله تعالى :﴿ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42)، وقوله تعالى :﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:146)، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159)، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:174)

وأشار إليه رسول الله r في قوله :( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)[365]، وقوله r :( إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله)[366] ، وقوله r :( مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا ينفق منه)[367]، وقوله r :( ناصحوا في العلم، فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله ، وإن الله عز وجل مسائلكم)[368]

عن عبد الرحمن بن أبزى ـ رضي الله عنه ـ قال: خطب رسول الله r ذات يوم خطبة، فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا، ثم قال :( ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم ، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون ، والله ليعلمن قوم جيرانهم ، ويفقهونهم ، ويعظونهم ، ويأمرونهم ، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة ثم نزل)، فقال قوم :( من ترون عنى بهؤلاء؟) قالوا : الأشعريين هم قوم فقهاء ولهم جيران جفاة من أهل المياه والأعراب ، فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله r، فقالوا: يا رسول الله ذكرت بخير وذكرتنا بشر فما بالنا؟ فقال:( ليعلمن قوم جيرانهم وليفقهنهم وليعظنهم ، وليأمرنهم ولينهوهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ، ويتفقهون ، ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا)، فقالوا: يا رسول الله أنعظ غيرنا؟ فأعاد قوله عليهم ، وأعادوا قولهم : أنعظ غيرنا؟ فقال ذلك أيضا فقالوا: أمهلنا سنة فأمهلهم سنة ليفقهوهم ويعلموهم ويعظوهم ، ثم قرأ رسول الله r :﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (المائدة:78)[369]

قالوا: وعينا هذا، فحدثنا عن الرابع.

قال: أن لا تحرفوا ما تعلمون .. لقد أشار إلى ذلك قوله تعالى :﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة:75)، وقوله تعالى :﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:46)

وأشار إليه رسول الله r، فقال:( أحب العمل إلى الله عز و جل سبحة الحديث، وأبغض الأعمال إلى الله عز و جل التحريف، فقلنا: يا رسول الله، وما سبحة الحديث؟ قال: (يكون القوم يتحدثون، والرجل يسبح)، قلنا: يا رسول الله، وما التحريف؟ قال: (القوم يكونون بخير فيسألهم الجار والصاحب فيقولون: نحن بشر)[370]

قالوا: فكيف نحرف في الفتوى؟

قال: تتلاعبون بها كما تتلاعب الصبيان بالكرة.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: عندما تصرفون وجوه الناس إليكم بصرف وجه الشريعة عنكم.

قالوا: كيف ذلك؟

قال: عندما تقدمون رضا الناس على رضا الله، وتخافون سخط الناس، ولا تخافون سخط الله.

قالوا: أذلك ممكن؟

قال: لقد حدث ابن عائشة قال: دعا الحجاج بفقهاء البصرة والكوفة فدخلنا عليه، ودخل الحسن البصري آخر من دخل، فقال الحجاج: مرحبا بأبي سعيد إلي إلي، ثم دعا بكرسي، فوضع إلى جنب سريره فقعد عليه؛ فجعل الحجاج يذاكرنا ويسألنا إذ ذكر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فنال منه، ونلنا منه مقاربة له وفرقا من شره؛ والحسن ساكت عاض على إبهامه؛ فقال: يا أبا سعيد مالي أراك ساكتا؟ قال: ما عسيت أن أقول؟ قال: أخبرني برأيك في أبي تراب، قال: (سمعت الله جل ذكره يقول :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(البقرة: من الآية143)، فعلي ممن هدى الله من أهل الإيمان، فأقول: ابن عم النبي r وختنه على ابنته وأحب الناس إليه وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه ولا يحول بينه وبينها)، فبسروجه الحجاج وتغير وقام عن السرير مغضبا فدخل بيتا خلفه وخرجنا. قال عامر الشعبي: فأخذت بيد الحسن، فقلت: يا أبا سعيد أغضبت الأمير وأوغرت صدره، فقال: إليك عني يا عامر، يقول الناس عامر الشعبي عالم أهل الكوفة. أتيت شيطانا من شياطين الإنس تكلمه بهواه وتقاربه في رأيه ويحك يا عامر الشعبي عالم أهل الكوفة. أتيت شيطانا من شياطين الإنس تكلمه بهواه وتقاربه في رأيه ويحك يا عامر هلا اتقيت إن سئلت فصدقت، أو سكت فسلمت؟ قال عامر: يا أبا سعيد قد قلتها وأنا أعلم ما فيها، قال الحسن: فذاك أعظم من الحجة عليك وأشد في التبعة.

قال سحنون: لقد ذكرتني بحكاية حدثني بها زميلي يوسف القرضاوي، قال: (دعي أحد العلماء اللامعين إلى ندوة تليفزيونية في أحد الأقطار، تدور المناقشة فيها حول موضوع (تحديد النسل في نظر الشريعة الإسلامية)، وكانت دهشة الرجل المكلف بإدارة الندوة بالغة حين قال له هذا العالم: هل تهدف الندوة إلى تأييد التحديد، أو معارضته حتى أهيئ نفسي؟! )

وقال يحكي عن نفسه، وهو يحدثني عن الشباب الذين لم يجدوا في كثير من العلماء موضع قدوة :( لقد قلت لأحد هؤلاء: يجب أن تأخذوا العلم من أهله، وتسألوا أهل الذكر من العلماء فيما لا تعلمون.

فقال: وأين نجد هؤلاء العلماء الذين نطمئن إلى دينهم وعلمهم؟ إننا لا نجد إلا هؤلاء الذين يدورون في فلك الحكام، إن أرادوا الحل حللوا، وإن أرادوا الحرمة حرموا؛ إذا كان الحاكم اشتراكياً باركوا الاشتراكية، ووصلوا نسبها بالإسلام، وإذا كان رأسمالياً أيدوا الرأسمالية باسم الإسلام!

العلماء الذين إذا أراد حاكمهم الحرب، فالسلم حرام ومنكر، وإذا تغيرت سياسته فأراد السلم، صدرت الفتاوى بالتبرير والتأييد :) يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما( (التوبة: من الآية37)، العلماء الذين سوّوا بين الكنيسة والمسجد، وبين الهند الوثنية وباكستان الإسلامية!)

 3 ـ الرفق

قالوا: فحدثنا عن الركن الثالث.

قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا  الركن في قوله تعالى :﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: من الآية185)، وقوله تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(المائدة: من الآية6)، وقوله تعالى :﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) (النساء:28)، وقوله تعالى :﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78)

وأشار إليه رسول الله r في قوله لما بَعث معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري إلى اليمن:( يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا)[371]، وقوله :( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا)[372]، وقوله :( إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)[373]، وقوله :( هلك المتنطعون) قالها ثلاثا[374]،  وقوله :( لا تشددوا على أنفسكم يشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ﴾ (الحديد: من الآية27)[375] ، وقوله :( إنكم لن تدركوا هذا الأمر بالمغالبة)[376]، وقوله :( إنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين)[377]، وقوله :( إياكم والغلوا في الدين ، فانما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)[378]، وقوله :( إياكم والتعمق في الدين ، فان الله تعالى قد جعله سهلا ، فخذوا منه ما تطيقون ، فان الله يحب ما دام من عمل صالح ، وإن كان يسيرا)[379]، وقوله r :( مثل الذي يجلس ليسمع الحكمة، ثم لا يحدث عن صاحب إلا بشر ما يسمع كمثل رجل أتى راعيا فقال: يا راع اختر لي شاة من غنمك قال : اذهب فخذ بأذن خيرها، فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم)[380]

وطبقه رسول الله r في حياته، فـ ( ما خير رسول الله r بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وما انتقم رسول الله r لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله، وما ضرب شيئا بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يكون يجاهد في سبيل الله)[381]

وحدث زيد بن أسلم ـ مرسلا ـ أن رسول الله r مر بقوم يتدافعون حجرا بينهم، وكأنه كره ذلك منهم، فلما جاوزهم رجع إليهم مستفسرا فقال: (ما هذا الحجر؟) فقالوا: يا رسول الله هذا حجر الأسد، فقال بعض أصحابه: لو نهرتهم يا رسول الله قال: (إنما بعثت ميسرا، ولم أبعث منفرا)[382]

قالوا: ما تقصد بإيرادك لكل هذه النصوص؟

قال: لأدعو إلى إحياء سنة قد أميتت، وهدي قد ضيع.

قالوا: وما هو؟

قال: الرفق .. فمن أعظم سنن رسول الله r الرفق.

قالوا: فكيف يكون الرفق في الفتوى؟

قال: لقد حدث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: وقف النبي r بمنى في حجة الوداع يسألونه، فجاء رجل فقال : يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال :( اذبح ولا حرج)، وجاءه آخر، فقال : ذبحت قبل أن أرمي قال:( ارم ولا حرج) ، فما سئل يومئذ عن شئ قدم ولا أخر إلا قال :( اصنع ولا حرج)[383]

قالوا: فما في هذا الحديث من العلم المرتبط بهذا؟

قال: ألا ترون كيف كان يفتي رسول الله r ؟ .. إنه يبحث عن الحرج ليقول له (لا، فما في الشريعة السمحة من حرج)

قلت: يحق لرسول الله r أن يقول ذلك، فهو رسول الله r .. وهو صاحب هذه الشريعة السمحة، ومفتيها الأول .. ولكن الفقهاء ليسوا إلا خدما للنصوص المقدسة، فما هدتهم إليه ساروا على ضوئه، كان في ذلك حرج، أو لم يكن.

نظر إلي مبتسما، وقال: مرحبا بك بيننا .. كيف تركت أخي محمدا؟

قلت: أي محمد تقصد؟

قال: الفاسي .. ذلك الذي ورث سنة الخطابة من رسول الله r.

قلت: تركته بأحسن الأحوال.

قال: الحمد لله ..

ثم قال بعدها، وكأنه لم يقطع حديثه بأي قاطع: ليس في الشريعة حرج .. حتى ما كان منها شديدا، فهو البساطة واليسر والرحمة ..

قلت: فكل فتاوى الفقهاء إذن بساطة وسماحة ويسر؟

قال: لا .. هناك من الفقهاء من هو مغرم بالتشديد على الناس، وقد يشدد على نفسه معهم، ولكنه مخطئ في ذلك سنة رسول الله r .. فرسول الله r لم يكن يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.

قلت: ولكن قوة الشريعة قد تضيع مع التيسير؟

قال: قوة الشريعة في حب أهلها لها، والتزامهم بها، وتحقيق مصالحهم بذلك الالتزام .. بهذا تكون الشريعة القوية .. لا بالتشريعات التي قد تثقل كواهلهم، ولكنها في نفس الوقت تملأ بواطنهم بالخراب.

قلت: فهلا ضربت لي مثالا يقرب لي هذا؟

قال: لقد ذكر لي صديقي الشيخ يوسف .. ذلك الذي حدثتكم عنه .. قال ـ وقد ارتسم الألم على جبينه ـ: (لقد هالني ما سمعت في نشرات الأخبار، وما قرأته في الصحف: أن سلطات الحج في المملكة العربية السعودية أعلنت عن مائتين وسبعين حاجا في مرمى الجمرات، قتلوا وطئا بالأقدام في غمرة الزحام الهائل على الرمي بعد الزوال!)، قلت له، وأنا أريد أن أخفف عنه: فليبشروا .. إنهم شهداء عند الله .. قال: أنقتلهم، ثم نقول لهم أنتم شهداء؟ .. قلت: وما علاقتنا بهم .. لقد قتلوا بسبب تنفيذهم لحكم شرعي .. قال: لقد كان يمكن أن نختار من الأقوال ما نجنبهم به هذه المجازر .. قلت: أهناك أقوال أخرى في المسألة؟ .. قال: أولا.. لقد يسر الشرع أمر الرمي حتى أجاز أن يجمع الحاج الرمي في اليوم الأخير، وأجاز الإنابة فيه للعذر، وهو أمر يتم بعد التحلل النهائي من الإحرام.

وفوق ذلك، فقد أجاز الرمي قبل الزوال ثلاثة من الأئمة الكبار: فقيه المناسك عطاء، وفقيه اليمن طاووس، وكلاهما من أصحاب ابن عباس، وأبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين من فقهاء آل البيت ـ رضي الله عنهم ـ

ولو لم يقل فقيه بجواز ذلك لكان فقه الضرورات يوجب علينا التسهيل على عباد الله، وإجازة الرمي خلال الأربع والعشرين ساعة حتى لا نعرض المسلمين للهلاك.

وجزى الله الشيخ عبدالله بن زيد المحمود خيرا، فقد أفتى منذ أكثر من ثلث قرن بجواز الرمي قبل الزوال في رسالته (يسر الإسلام)

قلت: إن ما ذكره لك الشيخ يوسف جيد .. فلا ينبغي التشدد في العبادات.

قال: ولا في غيرها .. ألا ترى أولئك الفقهاء الذين يحملون المعاول ليهدموا بها البيوت؟

قلت: لم أر فقيها يحمل معولا.

قال: هو لا يحمل معولا .. بل يحمل مجرفة تقضي على البيوت.

قلت: كيف ذلك؟

قال: بتسرعهم وتشددهم في أحكام الطلاق، فيهدم أحدهم بيوت المسلمين بكلمة واحدة لا يحسب لها أي حساب.

4 ـ البصيرة

قالوا: فحدثنا عن الركن الرابع.

قال: لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا  الركن في قوله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (ابراهيم:4)

قالوا: فما في هذه الآية من العلم المرتبط بهذا؟

قال: إن هذه الآية تأمرنا بأن نعرف ألسنة قومنا حتى نخاطبهم بها .. فلا نخاطبهم بألسنة لا يفهمونها، أو لا يقبلونها، أو لا يقبلون عليها.

قالوا: إن قومنا يتحدثون بالعربية .. ونحن نتحدث معهم بها.

قال: ليس ذلك فقط ما تشير إليه الآية.

قالوا: فما الذي تشير إليه غير هذا؟

قال: لقد جعل الله ـ بحكمته في عباده ولطفه بهم ـ لكل عصر وبيئة لسانا أو لغة تميزها، وتعبر عن وجهتها، واللغة ليست مجرد ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، بل هي أعمق من ذلك، فهي تتصل بخصائص التفكير، وطرائق الفهم والإفهام.

قالوا: فكيف نتعلم ألسنة قومنا؟

قال: بسبعة سبل[384] .. كل سبيل منها يقربكم مرحلة إلى من تفتونه.

قالوا: فما أولها؟

قال: أن تعتمدوا على مخاطبة العقول بالمنطق، لا على إثارة العواطف بالمبالغات، فمعجزة الإسلام الكبرى معجزة عقلية هي القرآن، الذي تحدى الله به، ولم يتحد الخوارق، مع وقوعها للنبي r ، ولم تعرف البشرية دينا يحترم العقل والعلم كما يحترمه الإسلام.

قالوا: فما الثاني؟

قال: أن تدعوا التكلف والتقعر في استخدام العبارات والأساليب، وأن تعتمدوا اللغة السهلة القريبة المأنوسة، بل يمكنكم استخدام بعض الألفاظ أو الأمثال العامية لتوضيح ما تريدون، لأن جمهور المستفتين ليسوا في مستوى واحد من الثقافة والفكر، فمنهم الأستاذ الكبير، ومنهم الطالب الصغير، ومنهم التاجر، ومنهم العامل، وكلهم يجب أن يفهم ويعي، وإفهام المستويات المتفاوتة أمر صعب.

قالوا: فما الثالث؟

قال: أن تذكروا الحكم مقرونا بحكمته وعلته، مربوطا بالفلسفة العامة للإسلام .. فهذه هي طريقة الكتاب والسنة في الفتاوى:

فالقرآن حين يفتي في الخمر ـ وقد سألوا عنها ـ يقول :﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )(البقرة: من الآية219))

وهكذا عندما يفتي في أحكام الحيض، قال تعالى :﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222)

وهكذا عندما يفتي في حكم القتال في الشهر الحرام، قال تعالى:﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217)

وهكذا في جميع الأحكام الشريعة .. ففي تقسيم الفيء بين الفئات المستحقة له، ومنهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، يذكر الله تعالى الحكمة في ذلك فيقول:﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر:7)، فقد ذكر أن العلة هي أي ﴿لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾، أي حتى لا يكون المال متداولا بين طبقة الأغنياء وحدهم، ويحرم منه سائر الطبقات، فهذا مصدر الشرور، وهو أبرز خصائص الرأسمالية الطاغية.

حتى العبادات الشعائرية يأمر بها القرآن مقرونة بعلل وأحكام تقبلها الفطر السليمة، والعقول الرشيدة، ففي الصلاة يقول :﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)(العنكبوت: من الآية45)

وفي الصيام يقول :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)

وفي الزكاة يقول :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة:103)

وفي الحج يقول :﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج:28)

وهكذا ما ورد في السنة .. فقد كان النبي r يذكر علل الأحكام، ولا يكتفي بذكر الحكم مجردا عن علته، من هذا قوله r لعمر ـ رضي الله عنه ـ حين جاءه منزعجا، إذ قبل امرأته وهو صائم، فقال له: (أرأيت لو تمضمضت ثم مججته، أكان يضر شيئا؟)، قال: لا[385] ..  فنبه r بهذا على أن مقدمة المحظور لا يلزم أن تكون دائما محظورة، فإن غاية القبلة أن تكون مقدمة الجماع، فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته، كما أن وضع الماء في الفم مقدمة شربه، وليست المقدمة محرمة.

ومن هذا قوله r :( لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها، فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)[386]، فذكر لهم الحكم، ونبههم على حكمة التحريم، وهو ما يترتب عليه من قطع ما أمر الله به أن يوصل نتيجة الاحتكاك الضروري بين الضرائر.

ومثل ذلك قوله r لبشير بن سعد، وقد خص بعض أولاده بعطية دون الآخرين: (أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟) قال: نعم، قال: (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)[387]

بالإضافة إلى هذا كله، فإن الشاكين والمشككين في عصرنا كثيرون، ولم يعد أغلب الناس يقبلون الحكم دون أن يعرفوا مأخذه ومغزاه، ويعوا حكمته وهدفه، وخاصة فيما لم يكن من التعبيدات المحضة .. ولهذا كان لابد من معرفة طبيعة عصرنا، وطبيعة الناس فيه، ونزيل الحرج من صدورهم ببيان حكم الله فيما شرع، وبذلك يتقبلون الحكم راضين منشرحين، فمن كان مرتابا ذهب ريبه، ومن كان مؤمنا ازداد إيمانا.

 

ومع هذا لابد أن نؤكد للناس، أن من حق الله تعالى، أن يكلف عباده ما شاء، بحكم ربوبيته لهم، وعبوديتهم له، فهو وحده له الأمر، كما له الخلق، ولهذا لابد أن يطيعوه فيما أمر، ويصدقوه فيما أخبر، وإن لم يدركوا علة أمره، أو كنه خبره، كما قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36)

وأخبر عن صفة المؤمنين في استقبالهم لأحكام الله، فقال :﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة:285)

قالوا: فما الرابع؟

قال: الواقع ..

قالوا: ما تقصد بذلك؟

قال: إن من أعظم الأشياء خطرا على المفتي أن يعيش بين الكتب، وينفصل عن الواقع، إن المفتي البصير يجب أن يكون واعيا للواقع، غير غافل عنه، حتى يربط فتواه بحياة الناس، فهو لا يكتب نظريات، ولا يلقي فتواه في فراغ، ومراعاة الواقع تجعل المفتي يراعي أمورا معينة، ويضع قيودا خاصة، وينبه على اعتبارات مهمة.

لقد قال لي صديقي الشيخ يوسف يحدثني عن فتوى لشيخه حسن البنا حول (تحديد النسل) ذكر فيها النصوص الشرعية التي رغبت في كثرة النسل، والنصوص التي رخصت في العزل، ثم قال:( إذا تقرر هذا، ولاحظنا معه أن الإسلام لم يغفل ناحية القوة في الأبناء، والصحة في الإنتاج، بل أوصى بذلك، ونبه إليه، فعن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله r يقول:( لا تقتلوا أولادكم سرا، فإن الغيل يدرك الفارس قيد عثرة عن فرسه)[388]، والغيل أن يقرب الرجل امرأته وهي ترضع، فتضعف لذلك قوى الرضيع، فإذا بلغ مبلغ الرجال ظهر فيه أثر هذا الضعف .. وبهذا نعلم أن الإسلام مع وصيته بالإكثار من النسل وإرشاده إلى أسباب القوة فيه، قد يجعل رخصة تستخدم إذا توافرت الأسباب والدواعي التي تدعو إليها.

وعلينا إذا أردنا أن نستخدم هذه الرخصة أن نسأل أنفسنا الأسئلة الآتية: أليست هناك أسباب تدعو إلى الإكثار من النسل لا إلى تحديده؟ .. هل ثبت بأدلة قوية، وقرائن صادقة أن هناك من الأسباب ما يدعو إلى التحديد، وهل تأكدنا أن كثرة النسل هي السبب في الضائقة الاجتماعية؟.. هل يمكن استخدام علاج اجتماعي آخر؟.. للتحديد أضرار خطيرة؟ هل وثقنا من أنه سوف لا تنجم عن هذا؟ .. هل اتخذت الاحتياطات الكافية لمنع هذه الأضرار؟.. ما الوسائل التي ستتخذ، وهل يبيحها الإسلام؟.. هل وثقنا من أن هذه الرخصة ستستخدم بالقدر الضروري فقط، وأنه سيستخدمها الذين يراد منهم استخدامها، وأن العود إلى القاعدة الكلية ـ وهي ترك التحديد ـ سيكون ممكنا إذا ما دعت الحاجة إليه؟.. وأخيرا، هل الأفضل من ذلك أن يعالج بصورة عامة أو بصورة فردية خاصة؟.. أليس من الجائز أن تسفر هذه التجربة عن عجز عن معالجة الأضرار المزعومة، كوفيات الأطفال مثلا فتظل هذه الدواعي كما هي، ويضاف إليها الأضرار التي ستنجم عن التحديد؟.. وملاحظة أخرى قد تكون بعيدة عن تفكيرنا المحدود بالواقع والبيئة الخاصة وإن كانت صحيحة في ذاتها: هي أن الإسلام لا يتقيد بهذا التقسيم السياسي في الوطن الإسلامي العام، فهو: عقيدة ووطن وجنسية، وأرض المسلمين في نظره وطن واحد، فالزيادة في جزء منه قد تسد نقصا في جزء آخر.

وعلى ضوء البيانات التي سمعتها في هذه الدار الكريمة من حضرات الباحثين الفضلاء أستطيع أن أستخلص النتيجة التالية:

إن نجاح التشريع غير مضمون في القرى بتاتا فإن أولاد الفرح هم رأس ماله وثروته، والفلاحون في أشد الحاجة إلى الإكثار من الذرية.

وإن المشاهد أن الطبقة التي تستخدم التحديد هي الطبقة المتعلمة التي ينتظر منها الإكثار، وذلك ضار بالأمة، فإن القادرين على التربية هم الذين يفرون من كثرة الأبناء، ولهذا نحن في الواقع نخشى إن استمر هذا الحال أن نجد أنفسنا في المستقبل أمام مشكلة هي كيف نكثر من النسل لخدمة الوطن المحتاج إلى كثرة الأبناء.

ومعنى هذا أن استخدام رخصة التحديد التي أباحها الإسلام لظروفها لا تجوز بصورة عامة ولا يصح أن تحمل عليها الأمة بل تستخدم بصورة خاصة فردية بحتة مع الذين تتوفر عندهم دواعيها فقط.

إن هناك من ظروف الأمة الخاصة في نهضتها الجديدة ما يدعو إلى تكثير النسل، فأمامنا الجيش، وأمامنا السودان، وأمامنا الأرض البور في مصر وهي تبلغ ثلاثة ملايين من الأفدنة أي نصف المزروع الحالي.

والآن أسباب الأضرار المشكو منها اقتصاديا، صحيا، واجتماعيا لا ترجع إلى كثرة النسل بل إلى ارتفاع مستوى المعيشة من جهة وجهل الأمهات من جهة أخرى، والمزاحمة من جهة ثالثة، وأسباب أخرى نعجز عن حصرها، وسردها .. وذلك ما استبان لي وفوق كل ذي علم عليم)

قال ذلك، وكأنه يقرأ من كتاب، ثم التفت إلينا، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الفتوى .. إنها فتوى يزدوج فيها فقه الدين وفقه الحياة .. وبدون معرفة الناس ومعايشتهم في واقع حياتهم ومشكلات عيشهم، يقع المفتي في متاهات، أو يهوم في خيالات، ويظل في واد والناس في واد، فهو لا يعرف إلا ما يجب أن يكون، دون ما هو كائن، مع أن الواجب شيء، والواقع شيء آخر.

***

مكثت فترة طويلة مع الشيخ سحنون أتعلم منه أسرار الفتاوى، وفقهها، وما تحمله من معاني الهداية الرفيعة .. وقد اهتديت من خلال صحبتي له إلى أن رسول الله r هو سيد المفتين ومعلمهم .. وأن الفتوى المؤثرة والفاعلة لا تكتمل إلا لمن اهتدى بهديه فيها.

***

ما استتم صاحبي حديثه هذا حتى وجدنا أنفسنا قد قطعنا المرحلة الثامنة من الطريق من غير أن نشعر بأي عناء أو تعب .. ولم يخطر على بالي طيلة هذه المرحلة ما كنا نقطعه من غابات موحشة، ومن سباع عادية تتربص بنا من كل اتجاه.

لقد تنزلت علي بمجرد قطعي لتلك المرحلة أشعة جديدة اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) تعد القَيْروان أولى المدن الإسلامية التي شُيِّدت بالمغرب العربي منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا (50هـ، 670م)، حيث اختارها عقبة ابن نافع مكاناً استراتيجيًا بعيدًا عن الشواطئ التي يهددها البيزنطيون، وبعيدًا عن الجبال التي يتربص بها البربر وبها يتحصنون، وقد أرادها عقبة أن تكون قاعدة أعماله الحربية ومخزنًا لمؤنه، وأرادها معسكرًا لجند الإسلام، ومن هنا كانت تسمية القيروان (فهي معربة عن كاروان الفارسية وتعني المعسكر)

أصبحت القيروان عاصمة الأغالبة، فازدهر العلم والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها، واستحدثوا معاهد علم أشهرها بيت الحكمة، وكذلك المرصد الفلكي الذي بناه المأمون، وشيدوا أعظم معالمها التي تعد مفخرة القيروان.

اتسمت القيروان، على الرغم من المحن التي تعرضت لها، بحرصها على الحرية ودفاعها عن الإسلام. وحينما أبرمت فرنسا معاهدة باردو عام 1881م التي وضعت تونس تحت الحماية الفرنسية، كانت القيروان معقلاً من معاقل الحركة الوطنية ومنطلقاً لمقاومة النفوذ الفرنسي حتى سيرت لها فرنسا ثلاثة جيوش احتلتها في أكتوبر عام 1881م.

ولا تزال القيروان تضم كثيرًا من آثار الحضارة الإسلامية منها رقادة (مدينة الأغالبة الثانية)، التي أصبحت قرية أثرية، وقد استُغل أحد قصورها ليكون معهدًا للدراسات والبحوث الإسلامية، فضلاً عن قيامه بأعمال توثيق المخطوطات التي نُقلت إليه من جامع عقبة بن نافع، وهي مخطوطات نادرة، أهمها جزء من تفسير يحيى بن سلام البصري (200هـ، 815م)، وهو أقدم تفسير معروف للقرآن الكريم.(انظر: الموسوعة العربية العالمية)

([2]) رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عباس.

([3]) رواه البخاري ومسلم.

([4]) نشير به إلى القاضي الفقيه المالكي الكبير عبد السلام بن سعيد بن حبيب، أبو سعيد التنوخي، الملقب بسحنون (160ـ 240هـ، 777 ـ 854م)، ولد بالقيروان وأصله من الشام، قرأ على عبدالرحمن بن القاسم تلميذ الإمام مالك وغيره، انتهت إليه رياسة العلم في المغرب، كان زاهدًا لا يهاب سلطانًا في الحق، وكان رفيع القدر عفيفًا أبي النفس، ولي قضاء القيروان إلى أن مات، وكان يقول: قبح الله الفقر أدركنا مالكًا وقرأنا على ابن القاسم. يريد أن الفقر منعه الرحلة إلى المدينة ليأخذ عن الإمام مالك، حصل له من التلاميذ ما لم يحصل لأحد من أصحاب الإمام مالك، وهو الذي نشر علم مالك بالمغرب. ومن أشهر آثاره كتاب المُدَوَّنة الذي صنفه في مذهب الإمام مالك ..

وسيرته تمثل سيرة الفقيه العالم، وقد خصها البعض بالتأليف (ومنهم أبو العرب محمد بن أحمد بن حكيم في كتاب (مناقب سحنون وسيرته وأدبه) .. ولهذا اخترناه في هذا الفصل ممثلا للفقيه المفتي.

([5]) نقل في المدارك عن بعض شيوخ إفريقية، أنه قال: سمي سحنون باسم طائر حديد لحدّته في المسائل.

([6]) رواه أحمد وأبو يعلى، والضياء عن بريدة، وإبن أبي الدنيا عن أنس.

([7]) رواه البخاري ومسلم.

([8]) هذا النص والذي يليه ليسا من أقوال سحنون.

([9]) جامع القيروان (50هـ، 670م). شُـيد جامع القيروان بمدينة القيروان (تونس) رابع مدينة أنشئت في الإسلام بعد مدينة الفسطاط. وقد شُيِّد هذا الجامع على يد القائد عقبة بن نافع في عام 50هـ،670م. وقد جدد المسجد مرة في أيام القائد حسان بن النعمان حوالي عام 80هـ، 699م، وزاد فيه بعد ذلك بشر بن صفوان، عامل الخليفة هشام بن عبد الملك زيادة كبيرة سنة 105هـ، 723م، كان من أهم ملامحها الصومعة الحالية التي تعد أقدم صومعة قائمة في العمارة الإسلامية. وفي عهد دولة الأغالبة، شهدت عمارة الجامع تطورًا كبيرًا، حيث أصبح تخطيطه مكونًا من صحن وأربع ظلات أكبرها عمقًا ظلة القبلة، كما شيدت بالجامع مجموعة قباب منها قبة المحراب التي تعد أقدم قبة محراب قائمة في المساجد الإسلامية، وكذلك قبة البهو. وعلى الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي شهدها جامع القيروان عبر عصوره المختلفة إلا أنه ما زال يحتفظ بأعظم وأقدم العناصر، منها محرابه القديم الذي شيده عقبة بن نافع وكذلك مقصورته ومنبره اللذان يُعدَّان من أهم وأندر التحف الخشبية في الآثار الإسلامية.

([10]) هذه صفة سحنون كما في كتاب (المدارك) نقلا عن أبي العرب.

([11]) رواه المرهبي وابن عبد البر في العلم.

([12]) رواه البخاري ومسلم.

([13]) الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه)

([14]) سنحاول أن نذكر هنا أكبر قدر من النصوص في فتاوى النبي r على حسب المواضيع المختلفة مختصرة .. وذلك من باب ما اشترطناه في هذه السلسلة من محاولة التعريف بالنبي r وشمائله وهديه .. ومن باب التمهيد لأصول الفتاوى وآدابها.

([15]) شيراز مدينة إيرانية تقع جنوب غربي جبال زاغروس، وتبعد عنها العاصمة طهران باتجاه الشمال بما يقارب 1500كم. وهي من المدن الإسلامية القديمة التي استجدت عمارتها واختطاطها في الإسلام، وينتسب لها الكثير من ذوي العلم والأدب، منهم حافظ الشيرازي الشاعر الصوفي والفقيه، والشاعر مصلح سعدي الشيرازي من علماء القرن السابع الهجري، والاصطخري الشيرازي صاحب كتاب مسالك الممالك وصور الأقاليم، ومسعود الشيرازي قطب الدين محمود الذي توفي أوائل القرن الثامن الهجري، وقد شرح كتاب القانون لابن سينا وهو صاحب كتاب درة التاج في الحكمة .. وغيرهم كثير.

([16]) رواه أبو الشيخ في كتاب الفرائض.

([17]) رواه الطبراني وغيره.

([18]) رواه الحاكم وصححه.

([19]) رواه أحمد وابن ماجه .

([20]) رواه الترمذي وصححه.

([21]) رواه أحمد والطبراني وغيرهما.

([22]) رواه ابن مردويه.

([23]) رواه الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور وغيرهم.

([24]) رواه مسلم وغيره.

([25]) رواه ابن مردويه.

([26]) رواه أحمد وسعيد بن منصور والترمذي وغيرهم، وله طرق كثيرة.

([27]) رواه ابن جبير وابن أبي حاتم وابن مردويه والدراقطني والبيهقي في (الرؤية)

([28]) إن صح ما ورد في هذه الحديث، فإنه يمكن تحليل هذه الأسماء لغويا ومحاولة التوصل من خلالها إلى بعض أسرار الإعجاز العلمي.

([29]) رواه سعيد بن منصور وأبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي في (الدلائل)

([30]) رواه الترمذي وقال: حسن غريب وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه.

([31]) رواه ابن مردويه.

([32]) رواه ابن مردويه.

([33]) رواه مسلم.

([34]) رواه مسلم والترمذي وابن حبان وابن ماجه وغيرهم.

([35]) رواه ابن مردويه.

([36]) رواه البيهقي في الدلائل، وقد تحدثنا عن الإعجاز العلمي المرتبط بها في رسالة (معجزات علمية)

([37]) رواه أحمد.

([38]) رواه ابن أبي حاتم.

([39]) رواه ابن أبي حاتم.

([40]) رواه البزار بسند ضعيف وله شواهد موصولة ومرسلة.

([41]) رواه أحمد والبزار والترمذي وحسنه وغيرهما.

([42]) رواه البخاري ومسلم.

([43]) رواه ابن جرير.

([44]) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب البعث والطبراني .

([45]) رواه البغوي.

([46]) رواه أبو بكر بن النجار.

([47]) رواه الترمذي.

([48]) رواه أبو داود والترمذي.

([49]) رواه أحمد.

([50]) رواه البخاري ومسلم.

([51]) رواه أحمد.

([52]) رواه أحمد.

([53]) رواه ابن جرير وأبو يعلى.

([54]) رواه أحمد.

([55]) رواه البخاري .

([56]) رواه البيهقي في الشعب.

([57]) رواه البخاري ومسلم.

([58]) رواه البخاري ومسلم.

([59]) رواه البخاري ومسلم.

([60]) رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي.

([61]) رواه أحمد والدارمي .

([62]) رواه مسلم.

([63]) رواه مسلم.

([64]) رواه أحمد وأبو داود.

([65]) رواه البخاري ومسلم.

([66]) رواه أحمد.

([67]) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وسعيد بن منصور.

([68]) رواه أحمد والترمذي.

([69]) رواه أحمد.

([70]) رواه البخاري.

([71]) رواه ابن منده وابن عساكر.

([72]) رواه أحمد.

([73]) رواه أحمد.

([74]) رواه أحمد.

([75]) رواه ابن ماجه.

([76]) رواه أحمد.

([77]) رواه الشافعي.

([78]) رواه أحمد وأبو داود.

([79]) رواه الترمذي وصححه.

([80]) رواه ابن أبي شيبة وأبو داود.

([81]) رواه أحمد.

([82]) رواه البخاري ومسلم.

([83]) رواه الدارقطني وعبد الرزاق ابن أبي شيبة.

([84]) رواه ابن ماجه والدارقطني.

([85]) رواه أبو داود وابن أبي شيبة.

([86]) رواه أحمد والترمذي.

([87]) رواه أحمد والترمذي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة.

([88]) رواه ابن ماجه عن زينب بنت أم سلمة والطبراني في الاوسط عن سهلة بنت سهيل، وعن أبي هريرة والنسائي عن خولة بنت حكيم.

([89]) رواه مسلم.

([90]) رواه الدارقطني.

([91]) رواه البخاري.

([92]) رواه الدارقطني وابن جرير.

([93]) يتنكب القبلة: أي لا يستقبلها ولا يستدبرها.

([94]) رواه الدارقطني.

([95]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

([96]) رواه أبو داود.

([97]) رواه مسلم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة واللفظ لهما.

([98]) رواه عبد الرزاق وأحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه.

([99]) رواه الشافعي والبخاري.

([100]) رواه البخاري ، وفي لفظ عند ابن أبي شيبة :( وليست بالحيض، اجتنبي الصلاة أيام حيضتك ثم اغتسلي وتوضأي لكل صلاة، ثم صلي ولو بسط الدم على الحصير)

([101]) رواه الدارقطني.

([102]) رواه أحمد.

([103]) رواه البيهقي في شعب الايمان.

([104]) رواه البخاري.

([105]) رواه الدارقطني، ورواه أيضا عن ابن عباس.

([106]) رواه أحمد.

([107]) رواه البيهقي.

([108]) رواه أحمد وأبو داود وابن شيبة.

([109]) رواه الترمذي.

([110]) رواه أحمد والبخاري.

([111]) رواه أبو داود وعبد الرزاق واللفظ له.

([112]) رواه الدارقطني، وضعف إسناده.

([113]) رواه ابن عدي والبيهقي في كتاب (الغزاة)

([114]) رواه البخاري ومسلم.

([115]) رواه مسلم.

([116]) رواه البخاري ومسلم.

([117]) رواه الطبراني في الكبير.

([118]) رواه الدارقطني وأبو داود والحاكم.

([119]) رواه الدارقطني وضعفه.

([120]) رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ لعبد الرزاق: فلما جئت من أرض الحبشة سلمت عليه فلم يرد علينا أحد في ما تقدم وما تأخر، ثم انتظرته، فلما قضى صلاته ذكرت ذلك له، فقال: (إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء، وإنه قد قضى ـ أو قال: أحدث ـ أن لا تكلموا في الصلاة)

([121]) رواه البخاري ومسلم.

([122]) رواه أبو داود.

([123]) رواه البيهقي في الغزاة .

([124]) رواه الترمذي وحسنه.

([125]) رواه الشافعي وأحمد.

([126]) رواه البخاري ومسلم.

([127]) رواه الترمذي واستغربه.

([128]) رواه الدارقطني.

([129]) فسر القنوت هنا: بالقيام في الصلاة.

([130]) رواه أبو داود.

([131]) رواه أحمد والنسائي.

([132]) رواه النسائي وابن ماجه.

([133]) رواه مسلم.

([134]) رواه مسلم.

([135]) رواه ابن ماجه.

([136]) رواه أبو داود.

([137]) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

([138]) رواه ابن أبي شيبة.

([139]) رواه أحمد.

([140]) رواه البخاري ومسلم.

([141]) رواه تمام وابن عساكر.

([142]) رواه الشافعي، وهو طرف من حديث ضمام بن ثعلبة.

([143]) رواه مسلم.

([144]) رواه الدارقطني.

([145]) رواه ابن ماجه.

([146]) رواه أحمد وأبو داود.

([147]) رواه أبو داود.

([148]) رواه الدارقطني.

([149]) رواه الشافعي والبيهقي عن طاوس مرسلا والطبراني وابن عساكر عن عبادة.

([150]) رواه أبو داود.

([151]) رواه أحمد.

([152]) رواه أحمد.

([153]) رواه البخاري.

([154]) رواه أبو داود والعسكري في الامثال.

([155]) رواه أبو داود.

([156]) رواه البخاري ومسلم.

([157]) رواه البخاري.

([158]) رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ (أنفقي أو أنفحي أو أنضحي، ولا تحصي فيحصى عليك ولا توعي فيوعى الله تعالى عليك)

([159]) رواه مسلم.

([160]) رواه البخاري.

([161]) رواه الشافعي.

([162]) رواه البخاري.

([163]) رواه البخاري ومسلم.

([164]) رواه مسلم .

([165]) رواه البخاري ومسلم.

([166]) رواه البخاري ومسلم.

([167]) رواه  أحمد وأبو داود.

([168]) رواه الترمذي واستغربه وابن شاهين في الترغيب.

([169]) رواه أحمد وابن ماجة.

([170]) رواه النسائي.

([171]) رواه أحمد.

([172]) رواه أحمد.

([173]) رواه الدارقطني.

([174]) رواه البيهقي والدارقطني.

([175]) رواه الترمذي.

([176]) رواه ابن النجار.

([177]) رواه أبو داود.

([178]) رواه ابن النجار.

([179]) رواه أحمد.

([180]) رواه البخاري والنسائي.

([181]) رواه البخاري.

([182]) رواه أبو داود الطيالسي وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني.

([183]) رواه أبو داود والحاكم.

([184]) رواه مالك والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.

([185]) رواه أحمد والترمذي والنسائي.

([186]) رواه الدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي، ورواه الدارقطني عن جابر قال الدارقطني: إسناده حسن إلا أنه مرسل، وهو أصح من المرسل ورواه البيهقي عن صالح بن كيسان.

([187]) رواه الدارقطني وضعفه.

([188]) رواه البخاري ومسلم.

([189]) رواه أبو داود الطيالسي ومسلم والترمذي وابن ماجه.

([190]) رواه البخاري ومسلم.

([191]) رواه أحمد والترمذي.

([192]) رواه أحمد والنسائي وابن زنجويه وأبو يعلى وابن أبي عاصم والباوردي والضياء.

([193]) رواه مسلم.

([194]) رواه أحمد والنسائي وابن زنجويه وسعيد بن منصور.

([195]) رواه مسلم والبيهقي.

([196]) رواه مسلم.

([197]) رواه أحمد.

([198]) رواه أحمد.

([199]) رواه أحمد وأبو داود.

([200]) رواه أحمد.

([201]) رواه أحمد والترمذي.

([202]) رواه أحمد والدارقطني.

([203]) رواه أحمد والبخاري والترمذي.

([204]) رواه البخاري ومسلم.

([205]) رواه مسلم وغيره.

([206]) رواه أبو داود وابن ماجه.

([207]) رواه أحمد.

([208]) رواه أبو داود.

([209]) الشعث التفل : الشعث بمعنى متفرق الشعر ، ومنه حديث الدعاء (أسألك رحمة تلم بها شعثي)، أي تجمع بها ما تفرق من أمري، النهاية لابن الاثير(2 / 478)، أما التفل: فهو الذي قد ترك استعمال الطيب، من التفل وهي الريح الكريهة، النهاية (1 / 191)

([210]) العج والثج : العج: رفع الصوت بالتلبية ، وقد عج يعج عجا، فهو عاج وعجاج، (النهاية (3 / 184)، والثج : سيلان دماء الهدى والاضاحي ، يقال : ثجه يثجه ثجا. النهاية (1 / 207)

([211]) رواه الشافعي والبيهقي.

([212]) رواه الدارقطني، وفي لفظ (أن تجد ظهر بعير)

([213]) رواه الترمذي وحسنه، وروى الدارقطني مثله عن ابن عمر.

([214]) رواه البخاري.

([215]) رواه البخاري.

([216]) رواه أحمد والنسائي.

([217]) رواه الطبراني في الكبير.

([218]) رواه أبو داود الطيالسي وأحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي وابن حبان وابن ماجة والبيهقي.

([219]) رواه مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح.

([220]) رواه مسلم.

([221]) رواه البخاري ومسلم، وأحمد وأبو داود والطيالسي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

([222]) رواه البخاري والشافعي.

([223]) رواه البخاري ومسلم.

([224]) رواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والبيهقي.

([225]) رواه ابن جرير.

([226]) رواه ابن جرير وأبو نعيم في تاريخه وابن النجار.

([227]) رواه الدارقطني وأبو داود.

([228]) رواه البخاري ومسلم.

([229]) رواه الترمذي.

([230]) رواه أبو داود.

([231]) رواه أحمد والبيهقي وابن ماجة.

([232]) رواه أحمد والحاكم وأبو داود والنسائي.

([233]) رواه أحمد.

([234]) رواه أحمد والبيهقي.

([235]) رواه أحمد وأبو داود.

([236]) رواه أحمد، وفي رواية عن أبي بردة، قال: إنه ذبح قبل رسول الله r فأمره النبي r أن يعيد، قال: عندي عناق جذعة، هي أحب إلي من مسنتين، قال: اذبحها.

([237]) رواه أحمد وابن ماجة.

([238]) رواه أحمد.

([239]) رواه الترمذي.

([240]) رواه أبو داود.

([241]) رواه مسلم.

([242]) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن وأبو داود.

([243]) وهي سور: يونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر، فكلها تبدا بـ (الر)، قال تعالى :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (يونس:1)، وقال :﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود:1)، وقال :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (يوسف:1)، وقال :﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (ابراهيم:1)، وقال :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (الحجر:1)

([244]) وهي السور التي تبدأ بـ (حم)، وهي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف.

([245]) وهي السور التي تبدأ بالتسبيح، وهي (الحديد) و(الحشر) و(الصف) و(الجمعة) و(التغابن)، وفي الحديث عن عِرْبَاض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ أنه حدثهم أن رسول الله r كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد، وقال: (إن فيهن آية أفضل من ألف آية) رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب.

([246]) رواه أبو داود.

([247]) رواه البخاري.

([248]) رواه النسائي.

([249]) رواه مسلم.

([250]) رواه الرامهرمزي.

([251]) رواه أحمد والبيهقي.

([252]) رواه أحمد والترمذي.

([253]) رواه البخاري ومسلم.

([254]) رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن شمر بن عطية حدث به عن أشياخه عن أبي ذر ولم يسم أحداً منهم.

([255]) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم.

([256]) رواه أحمد.

([257]) رواه الترمذي وحسنه.

([258]) قطيعة الرحم: الهجران للأهل والاقارب.

([259]) الحسر: أي يستنكف عن الدعاء والسؤال، وأصله من حسر الطرف إذا كل وضعف يعني أن الداعي إذا دعا وتأخرت إجابته تضجر، ومل وترك الدعاء واستنكف عنه.

([260]) رواه مسلم.

([261]) مينداناو (مساحتها 94,630كم²)، ثانية كبريات جزر الفلبين، وتمثل أقصى الجزر الرئيسية جنوبًا. يعيش عليها نحو خمس سكان الفلبين، ويسكنها معظم مسلمي الفلبين. ليس لها شكل منتظم، فهي جبلية إلى حد كبير. وتقع فيها قمة جبل آبو البركاني أعلى قمة جبلية في الفلبين.

([262]) رواه أحمد.

([263]) رواه ابن ماجة.

([264]) رواه أحمد وابن ماجة.

([265]) رواه البزار والدارقطني في الأفراد.

([266]) رواه أبو داود.

([267]) رواه أحمد.

([268]) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والطيالسي وعبد بن حميد ومالك وأحمد والنسائي .

([269]) رواه أحمد والترمذي.

([270]) رواه أبو داود والترمذي وصححه.

([271]) رواه أحمد والترمذي، وحسنه.

([272]) رواه أبو داود والترمذي.

([273]) رواه أحمد والترمذي والثلاثة وحسنه.

([274]) رواه أحمد والدارقطني.

([275]) رواه أحمد والدارقطني .

([276]) رواه أبو داود.

([277]) رواه البيهقي.

([278]) رواه البيهقي.

([279]) رواه مسلم وعبد الرزاق.

([280]) رواه أحمد.

([281]) رواه أحمد.

([282]) رواه أحمد.

([283]) رواه البيهقي.

([284]) رواه البيهقي.

([285]) رواه أحمد.

([286]) رواه أحمد.

([287]) رواه أحمد.

([288]) رواه البخاري ومسلم.

([289]) رواه البيهقي.

([290]) رواه البخاري.

([291]) رواه أحمد والنسائي.

([292]) اللقطة: لغة: من لقط أي أخذ الشّيء من الأرض , وكل نثارةٍ من سنبلٍ أو تمرٍ لقط .

وشرعاً: هي المال الضّائع من ربّه يلتقطه غيره , أو الشّيء الّذي يجده المرء ملقىً فيأخذه أمانةً.

([293]) رواه البخاري ومسلم ومالك وأحمد وابن ماجة وأبو داود.

([294]) رواه الدارقطني.

([295]) أذربيجان دولة إسلامية تقع في منطقة جبال القوقاز، على الشاطئ الغربي لبحر قزوين. وقد حصلت على استقلالها عام 1412هـ، 1991م. بعد أن استمرت ما يقرب من سبعين عامًا جزءًا من الاتحاد السوفييتي السابق.

([296]) رواه البخاري، وفي رواية: (لا أشهد على جور)

([297]) رواه عبد بن حميد وأحمد والبخاري وأبو داود.

([298]) رواه مسلم وأبو داود والبيهقي.

([299]) رواه أحمد.

([300]) رواه البخاري ومسلم.

([301]) رواه أبو داود.

([302]) رواه أبو داود والنسائي.

([303]) أوزبكستان بلد إسلامي في وسط آسيا استقل عام 1991م، بعد 70 عامًا كان خلالها أحد جمهوريات الاتحاد السوفييتي (سابقًا)

([304]) رواه أحمد والدارقطني.

([305]) رواه أبو الشيخ في كتاب الفرائض.

([306]) رواه الدارقطني ولم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو وهو ضعيف والصواب مرسل.

([307]) رواه أبو داود والترمذي.

([308]) رواه أبو داود والترمذي.

([309]) رواه أحمد.

([310]) طاجكستان دولة إسلامية ذات طبيعة جبلية في وسط آسيا. أصبحت مستقلة عام 1991م بعد مرور ما يزيد على 60 عامًا كانت خلالها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

([311]) رواه أحمد والنسائي.

([312]) رواه الترمذي .

([313]) رواه أبو داود بسند حسن.

([314]) رواه أبو داود.

([315]) رواه مسلم.

([316]) رواه عبد الرزاق وأحمد.

([317]) رواه أبو داود الطيالسي وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي.

([318]) رواه مسلم.

([319]) رواه مسلم.

([320]) رواه البخاري ومسلم.

([321]) رواه الدارقطني.

([322]) رواه البخاري.

([323]) رواه البخاري.

([324]) رواه مسلم.

([325]) ليس المراد بالرضاعة هنا ما فهمه الحاقدون الذين ملأوا كتبهم ومواقعهم بالتشنيع على هذا، بل المراد منه إعطاء لبن المرأة للرجل الذي تريد أن تحرم عليه، وهي مسألة خلافية طويلة، وقد تحدثنا عن تفاصيلها في (موانع الزواج) من سلسلة (فقه الأسرة برؤية مقاصدية)

([326]) رواه عبد الرزاق.

([327]) رواه أحمد.

([328]) رواه الشافعي وأبو داود وابن ماجة.

([329]) رواه البخاري ومسلم.

([330]) رواه ابن ماجة والدارقطني.

([331]) رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني والطحاوي والبغوي وابن قانع.

([332]) رواه الشافعي.

([333]) رواه أحمد والترمذي، وصححه.

([334]) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي.

([335]) رواه عبد الرزاق والترمذي.

([336]) رواه أحمد ومسلم.

([337]) رواه البخاري ومسلم والشافعي والدارقطني.

([338]) رواه البيهقي.

([339]) رواه أحمد.

([340]) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي.

([341]) رواه الدارقطني.

([342]) رواه أحمد وغيره عن أبي ذر والدارقطني عن أنس.

([343]) رواه الترمذي والبيهقي والدارقطني.

([344]) رواه البخاري ومسلم.

([345]) رواه أحمد.

([346]) رواه أحمد وأبو داود.

([347]) رواه أبو داود والترمذي.

([348]) رواه الشافعي وأحمد والبخاري.

([349]) رواه الشافعي وأحمد والبخاري.

([350]) تُرْكُمَانِسْتَان قُطرٌ إسلامي في وسط آسيا تغلب عليه الصحراء، بقي نحوًا من 70 عامًا كإحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقًا. كان اسمه جمهورية تركمانيا السوفييتية الاشتراكية، وفي عام 1991م أصبحت تركمانستان دولة مستقلة.

([351]) رواه أحمد.

([352]) رواه البخاري ومسلم.

([353]) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي.

([354]) رواه أحمد.

([355]) رواه أحمد.

([356]) رواه أحمد والبيهقي.

([357]) رواه أحمد.

([358]) رواه ابن ماجة.

([359]) رواه الاسماعيلي في معجمه ، وابن عساكر عن ابن عباس.

([360]) رواه البخاري ومسلم.

([361]) رواه أبو داود.

([362]) رواه مسلم.

([363]) أشير به إلى الشيخ يوسف القرضاوي.

([364]) انظر: الفتوى بين الانضباط والتسيب، للشيخ يوسف القرضاوي.

([365]) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي والحاكم بنحوه ، وقال صحيح على شرط الشيخين.

([366]) رواه ابن ماجه وفيه انقطاع.

([367]) رواه الطبراني بإسناد فيه ابن أبي لهيعة.

([368]) رواه الطبراني بسند رواته ثقات إلا واحدا اختلف فيه.

([369]) رواه الطبراني في الكبير.

([370]) رواه الطبراني.

([371]) رواه البخاري ومسلم.

([372]) رواه البخاري.

([373]) رواه البخاري ومسلم.

([374]) رواه أحمد ومسلم.

([375]) رواه أبو داود.

([376]) رواه ابن سعد وأحمد وابن حبان.

([377]) رواه الترمذي.

([378]) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم.

([379]) رواه أبو القاسم بن بشران في أماليه.

([380]) رواه ابن ماجه.

([381]) رواه البخاري ومسلم.

([382]) رواه أبو الحسن بن الضحاك.

([383]) رواه البخاري ومسلم.

([384]) استفدنا هذه الضوابط من كتاب (الفتوى بين التسيب والانضباط) للشيخ يوسف القرضاوي.

([385]) رواه أحمد والدارمي وأبو داود والنسائي، ونصه: هو أن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : هششت إلى المرأة يوما فقبلتها، وأنا صائم، فأتيت النبي r فقلت : صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله r :( أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟) قلت : لا بأس بذلك، فقال رسول الله r :( ففيم؟)

([386]) رواه رواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وغيرهم بألفاظ مختلفة.

([387]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

([388]) رواه أبو داود.