الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: سلام للعالمين

الناشر: دار الكتاب الحديث

 

تاسعا ـ الكون

الصراع

السلام

تاسعا ـ الكون

في اليوم التاسع، قام رجل منا، وقال: سأحدثكم اليوم أنا عن حديثي.. أنا رجل ولد حيث توجد أضخم غابة مدارية مطيرة في العالم.. غابات الأمازون[1].. وحيث يوجد نهر من أكبر أنهار العالم[2].. نهر الأمازون..

في تلك المياه.. وبين تلك النباتات المتنوعة.. والحيوانات الكثيرة[3].. ولدت ونشأت وتربيت..

وقد امتلأ قلبي بحب كل ما حولي حتى صرت لا أفرق بين الإنسان والمياه والأشجار والأزهار وأي حيوان أليف أو متوحش..

لقد ملأت طبيعة الأمازون الجميلة أركان قلبي.. فكنت أسبح فيها ربي من غير أن أشعر.. ربما كما تسبحه الطيور بتغاريدها.. والأزهار برحيقها.. والمياه بخريرها.. وذلك النسيم العليم بهبوبه كل حين حاملا روح الحياة إلى أنفاسنا وحياتنا.

كنت أحيانا أصعد قمم الأشجار العالية[4] التي كانت تملأ أرض الأمازون.. وأتأمل الطبيعة الجميلة التي اختلط فيها كل جميل وتناسق.. فأشعر بأن تلك الأرض بغاباتها ومياهها هي رئة الأرض التي منها تتنفس، وبها تحيا..

لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن من البشر من يفكر في أن يغير على رئة الأرض ليطعنها برماحه.. ويقتل الأرض من خلالها.. لكني رأيته.. وعشت معه معارك عنيفة.. سأحدثكم عنها اليوم.. وسأحدثكم كذلك عن ذلك الرجل الذي جئت من أجله إلى هذه البلاد.. والذي كان سبب إنقاذي من موت محتم كان يتربص بي.. وكان سبب ذلك في ملأ قلبي بالأمل في انتصار السلام على الصراع.. وانتصار الخير على الشر.. وانتصار الحياة على الموت.

الصراع

في ذلك اليوم وصلتنا أول جريدة.. لست أدري تاريخها بالضبط.. فقد كنا نعيش الطبيعة المحضة.. والطبيعة كانت تفرض علينا أن نعيش من دون أن نعرف كم عشنا، وكم بقي لنا.. 

لم نكن حينها نعرف الجرائد مع أننا كنا نتقن القراءة والكتابة.. فلذلك حملت تلك الجريدة إلى قمة من قمم الأشجار التي كنت أعشقها.. ورحت أقلب صفحاتها بلهفة وشوق..

لكني ما إن قلبت بعض صفحاتها حتى هالتني أرقام كثيرة كادت تسقط بي من قمة تلك الشجرة العالية[5]:

لقد قرأت أن إنتاج الحبوب انخفض في إفريقيا لكل فرد بمعدل 28  بالمائة في السنوات الخمس والعشرين الماضية.. وأن إثيوبيا فقدت 90  بالمائة من غاباتها منذ عام 1900م، الأمر الذي مكن مليار طن متري من التربة الفوقية من الانجراف سنويا.. وأن حيوانات استراليا الأصلية تواجه الانقراض، وكان قد انقرض 28 بالمائة من حيواناتها الأصيلة.. وأن الحياة البحرية في الخليج العربي تحتاج 180 عاما كي تتخلص من عشرة ملايين برميل من النفط التي انسكبت أثناء حرب الخليج.. وأن 10 بالمائة من الأنهار المنتشرة في أنحاء العالم تعد ملوثة، كما تلتقط المحيطات 6.5 مليون طن من النفايات سنويا.

وفوق ذلك قرأت أن الدراسات تتوقع أنه بحلول عام 2025 م ستنفث البلدان النامية في الهواء أربعة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنفثها الدول المتقدمة اليوم، كما يتوقع أن تفقد الأرض أكثر من 25 بالمائة من الأجناس الموجودة حاليا.

وقرأت بأن الإنسان في دول الشمال يستهلك من المياه ويولد من الملوثات بما يزيد عن عشرين ضعفا عن المواطن في دول الجنوب.. وأن التلوث الذي يسببه مواطن أمريكي واحد يزيد على ذاك الذي يسببه مواطن عادي من دول العالم الثالث بعشرين إلى مائة مرة، ويماثل استهلاك الأمريكي الواحد للطاقة ما يستهلكه ثلاثة يابانيين، أو ستة مكسيكيين، أو 13 صينيا أو 35 هنديا أو 153 بنغلادش أو 499 إثيوبيا.

وقرأت أن الإحصاءات تشير إلى أن العالم قد خسر في عام واحد فقط، حوالي 36 نوعا من الحيوانات الثديية، 94 نوعا من الطيور بالإضافة إلى تعرض 311 نوعا آخر للخطر، أما الغابات فهي في تناقص مستمر بمعدل 2 بالمائة سنويا نتيجة الاستنزاف وتلوث الهواء المنتج للأمطار الحامضية، وكذلك التربة فإنها تتناقص باستمرار بمعدل 7 بالمائة من الطبقة العليا كل عقد، وذلك بسبب الانجراف والتآكل بشكل مستمر نتيجة الإنهاك المستمر بالزراعة الكثيفة أو الري الكثيف، مما يؤدي إلى ملوحة التربة وتصحرها.

وقرأت أن استخدامات المياه السيئة تؤدي إلى ندرة المياه ونضوبها، عدا عن الانخفاض الطبيعي الحاصل في منسوب المياه في باطن الأرض، الأمر الذي يهدد البشرية بخطر حقيقي.

وقرأت[6] أنه في عام 1990 م عثر على 30000 طن من النفايات السامة مكدسة بالقرب من ميناء سيهانو كفيل في كمبوديا، ويلقي مجمع ماريتسا للطاقة في بلغاريا سنوياً 350 ألف طن من غازات ثاني أكسيد الكبريت الحمضية في نهر ماريتسا.

وقرأت أن النفايات الزئبقية في بحر اليابان تسببت ما بين ( 1953 – 1967 م ) في وفاة العديد من الأشخاص، وإصابة 20 ألف شخص بأضرار صحية.  

وقرأت أنه في عام 1986 م تدفق 30 طن من الكيماويات في نهر الراين بسويسرا، مما تسبب في قتل 500 ألف سمكة تقريباً، ومعدل الصيد في البحر المتوسِّط انخفض بنسبة 70  بالمائة، بسبب أن 85  بالمائة من مياه المجاري لما يقرب من 120 مدينة ساحلية تصب فيه، دون معالجة، إضافة إلى نفايات نحو 100 مليون سائح.

وقرأت أنه في عام 1984 م مات أكثر من 6300 شخص بتأثير سحابة سامة من مصنع كاربايد للمبيدات الحشرية في بوبال بالهند. في عام 1990 م تسبب حريق في مصنع كيماوي في كازاخستان في إطلاق سحابة سامة امتدت إلى الصين أكثر من 300 كم.

وقرأت أن الجوّ يتلوث سنوياً بـ ( 350 ) طن من أول أكسيد الكربون المنبعث من عوادم السيارات، وهو أخطر الغازات على الصحة، فإذا استنشق وتغلغل في الدم، عطل الأوعية الدموية مما يسبب الوفاة.

بعد أن قرأت تلك الإحصائيات.. امتلأت حزنا.. ورحت أبحث عن كيفية مواجهة هؤلاء المجرمين الذي يريدون أن يخنقوا الأرض، ويقتلوا البراءة التي لم يجرؤ أحد على مدار التاريخ على أن يفكر في أن يفعلها..

***

ذهبت في أعماق تلك الغابات البريئة.. حيث كان لي فيها صديق عاش كعيشتي، وأحب الطبيعة كحبي لها.. وكان مع ذلك حريصا عليها حرصا لا يقل عن حرصي عليها.. والفرق بيننا أنني آثرت أن أعيش الطبيعة.. أما هو فآثر أن يقوم بالدفاع عنها.. ولذلك لم يكن يهدأ له بال.. ولا يستقر به جسم.. لقد كان يرحل كل حين.. ولكل محل.. مبشرا ومنذرا.

في ذلك اليوم التقيته في أوج نشاطه.. فقد دعا نفرا من أصحابه من بلاد مختلفة كان لهم من الحرص على الطبيعة ما له.. وكلهم كان يرتدي الأخضر.. يرمز به لحبه للطبيعة ونضاله من أجلها.

عندما رآني صاحبي استقبلني، والتزمني، ثم عرفني بأصدقائه، وعرفهم بي..

وعلى ثرى تلك الغابة جلسنا مجلسا ربما لم أجلس مثله في حياتي.. لكأنه كان مأتما.. لقد بلغني في ذلك المجلس من أخبار الصراع التي يواجه بها الكون ما لم أسمع بمثله في حياتي.

بدأ أحدهم الحديث، وقال: تعرفون اهتمامي بالهواء، ولذلك سأحدثكم عنه.. سأحدثكم عن ذلك الركن الركين من أركان الأرض[7]..

أنتم تعلمون أن الهواء الذي فوق الأرض مكون من الأوكسجين والنتروجين والأرجون والنيون والكنسيون والكريبتون، وهويحتوي بخار الماء، وثاني أو كسيد الكربون بنسبة 100/3 من 1 بالمائة، أو نحوثلاثة أجزاء من 10000.

بالإضافة إلى الغازات النادرة التي تظهر نفسها في شكل الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء بلافتات الإعلان.. ويوجد النتروجين بنسبة 78 بالمائة تقريباً في الهواء، في حين تحدد نسبة الأوكسجين عادة ب21 بالمائة.

وتعلمون أن الأوكسجين هو  نسمة الحياة لكل الحيوانات التي فوق الأرض.. ومن رحمة الله أن هذا العنصر ذا النشاط البالغ من الوجهة الكيماوية قد أفلت من الاتحاد مع غيره وترك في الجوبنفس النسبة تقريباً، اللازم لجميع الكائنات الحية.. فلوكان الأوكسجين بنسبة 50 بالمائة مثلاً أو أكثر من الهواء بدلاً من 21 بالمائة فإن جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال لدرجة أن أول شرارة من البرق تصيب شجرة لابد أن تلهب الغابة حتى لتكاد تنفجر.

أنتم تعلمون كل هذا.. وأنا لم أرد أن أحدثكم عنه.. بل أردت أن أحدثكم عن المجرمين الذين يريدون أن يتلاعبوا بهذه الثروة الأرضية الضخمة.. إنهم يريدون بجشعهم وحرصهم أن يخنقوا الأرض، ويستلوا منها روح الحياة مقابل حضارة تافهة حقيرة مليئة بالشذوذ.

قلنا له: لقد أخفتنا.. ما الذي حصل؟

قال:  حصلت المصيبة والطامة التي لو استمرت.. فإن الأرض لن يبقى لها هذا الوجود الحي الذي ترونه.

سأضرب لكم أمثلة ربما تقرب لكم الخطر الذي يهدد هواء الأرض.. هواء الأرض الذي صار لعبة بيد المجرمين:

أنتم تعرفون ثاني أكسيد الكربون.. ذلك الهواء الذي يدخل الجو من زفر الحيوانات والنباتات ومحاصيل الاحتراق؟

قلنا: نعرفه.. ماذا حصل له؟

قال: لقد عدلت هذه الحضارة المخربة من مقاديره تعديلا كبيرا، فزاد محتوى الجو من هذا الغاز بمعدل 25 بالمئة في القرن الأخير، وهو مستمر في الزيادة من جراء ما يقوم به الإنسان من حرق وقود المستحاثات، وقطع أشجار الغابات وأعشاب المروج، مما يزيد من إنتاجه، ويقلل من استهلاكه.

سكت قليلا، ثم قال: ليس هذا فقط.. الأوزون أيضا مسه التخريب.. لا شك أنكم تعرفون الأوزون..

قال أحدنا: أجل.. إنه ذلك الشكل من الأكسجين المؤلف من ثلاث ذرات (3 O)، وهو غاز عجيب، فهو في طبقات الجو الدنيا مادة مهيجة مخرشة للأغشية المخاطية، ولا سيما في جهاز التنفس، وهو في طبقات الجو العليا مادة حافظة واقية بسبب قدرته الامتصاصية القوية للأشعة فوق البنفسجية الآتية من الشمس ؛ فهو يستبعد معظم الإشعاع فوق البنفسجي الذي تقل أطول موجاته عن 310 نانومترات، وهو الإشعاع الذي يمكن أن يخرب المادة الحية. 

قال: والأوزون يتولد في طبقات الجو العليا عندما يتم امتصاص الأشعة الشمسية القصيرة الموجه من قبل الأكسجين الجزيئي، ولكنه يتحول ثانية إلى هذا الأكسجين الجزيئي في تلك الطبقات الجوية العليا نفسها بفعل التفاعلات الكيميائية الضوئية التي يحفزها عدد من الغازات ولا سيما النتريك (NO) وثاني أكسد النتروجين (NO2) والكلور (CI) وأكسيد الكلور (CIO) وتزداد مقادير الحفازات النتروجينة بزيادة انطلاق الغازات من عوادم محركات الطائرات التي تحلق في الجو العلوي، وبزيادة استعمال الأسمدة الآزوتية، كما تزداد مقادير الحفازات الكلورية بزيادة استعمال الغازات المحتوية على الكلور ولا سيما الفلوروكربونيات  CFCI3 وCF2 CI3، وهي ثابتة في الطبقات الجوية السفلى، ولكنها سرعان ما تتفكك في الطبقات الجوية العليا بفعل الإشعاع فوق البنفسيجي مطلقة كلورها الفعال.

وهذا كله وغيره يعرض الأحياء جميعاً  بما فيها الإنسان إلى الآثار المضرة للأشعة فوق البنفسجية. 

قال السائل: ولكن الأوزون يوجد في الأصل في مستوى صعيد الأرض من جراء تسلله من الطبقات الجوية العليا.

قال: ولكن بتراكيز غير مؤذية ( 10 ــ 30 جزء بالبليون)، ولكن الحفازات النتروجينية التي تفككه في الجو العلوي تساعد على توليده في الجو السفلي، ولا سيما تلك الأكاسيد الآزوتية والهدروكربونيات التي تصدرها عوادم السيارت، فتبدأ آثاره الضاره بزيادة هجمات الربو( عندما يبلغ 150 جزءاً بالبليون) وتهييج الحنجرة ( 300 بالمليون) بالإضافة إلى تخريبه وتأخيره لنمو النبات. 

قال السائل: هذا صحيح.. والبشرية تشكو في هذا العصر من كثرة هذه العلل.

قال: ليس هذا فقط.. لقد ذكرنا الأشعة فوق البنفسجية، فلنذكر نوعاً آخر من الإشعاع الشمسي ألا وهو الأشعة تحت الحمراء، وهي أشعة تسقط من الشمس على سطح الأرض، فيمتصها، ثم يعيد إصدارها إلى الأعلى، فيمتص معظمها ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء اللذان في الجو، ثم لا يلبثان أن يعيدا إصدارها في اتجاه الأرض وفي اتجاه الفضاء الخارجي.

وهكذا يقوم بخار الماء وثاني أكسيد الكربون بدور ملاءة تحافظ على دفء سطح الأرض، وتعرف هذه الظاهرة إجمالاً بتأثير الدفيئة (البيت الزجاجي)

واحتراق الفحم والنفط والغاز- ولاسيما في المدن- يزيد محتوى الهواء من ثاني أكسيد الكربون، فيرفع درجة حرارة الهواء الموضعية، ويزيد من درجة حرارة  العالم على وجه الإجمال، مخلاً بالميزان الحراري الذي يضمنه سقوط الأشعة تحت الحمراء، من الشمس وانعكاساتها المتكررة بين الأرض والجو.

قال السائل: فنسب الهواء في الجو معرضة لخطر شديد؟!

قال: لا.. ليست معرضة فقط.. بل هي تعيش في خطر شديد.. وإذا لم تنتبه البشرية، وظلت تجري لاهثة وراء ما تسميه حضارة، ستقوم الأرض بأعظم إضراب في تاريخها.

قال السائل: إضراب؟!

قال: أجل ستخلع الأرض هذا الغلاف الغازي لتذيقنا بعده الفناء.

سكت قليلا، ثم قال: ليس ذلك فقط.. بل إن الكثير من المدن الكبرى معرضة الآن لجو خانق فظيع، سيرمي أهلها في بطون المستشفيات أو بطون المقابر..

إن تلوث المدن ما زال في ازدياد مستمر، فوسائل النقل من سيارات وشاحنات تنفث عوادمها أكثر من نصف (56 بالمائة) ما يدنس الهواء، ثم من طائرات وقطارات وبواخر في أماكن وجودها..

ويلي وسائل النقل في  الأهمية مصادر الاحتراق الأخرى الثابتة مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية وأجهزة التسخين (22  بالمائة)، تليها المصانع المختلفة (15 بالمائة) ثم حرائق الغابات ومحاصيل المزارع (5 بالمائة) ثم محاصيل ترميد الفضلات الصلبة (2 بالمائة).

قال أحد الحاضرين: فما هذه العناصر الغريبة التي تجتاح مدننا ؟

قال: بكل أسف.. هي كثيرة.. ولكن أهمها ستة: أول أكسيد الكربون، والجسيمات المعلقة، وأكاسيد الكبريت، والهدروكربونيات الغازية، وأكاسيد النتروجين، والأوزون.

ويقدر ما ينطلق، في الهواء فوق الولايات المتحدة وحدها من هذه الأصناف بمئة وأربعة وتسعين مليون طن متري.. وثمة صنف سابع من المدنسات يضم المواد السامة الخطرة التي تنفثها في الهواء بعض المصانع لخاصة.

قال السائل: فما أول أكسيد الكربون؟.. وما مصدره؟

قال: هو  ذلك الغاز السام المشهور، ومصدره الرئيسي هو  الاحتراق  غير الكامل للوقود الكربوني، ولا سيما في السيارت.

قال السائل: فما الجسيمات المعلقة في الهـواء؟.. وما مصدرها؟

قال: هي جسيمات صلبة أو سائلة، يتراوح حجمها بين ما يمكن من دخان وسناج أو هباب، وبين ما لا يرى إلا بالمجهر الإلكتروني.. وهذه الجسيمات الدقاق يمكن أن تبقى معلقة في الجو مدداً طويلة، وأن تحمل إلى مسافات بعيدة تذروها الرياح.

ومصادرها الرئيسية أجهزة احتراق الوقود الثابتة، كأجهزة التدفئة وتوليد الطاقة، التي تنتج جل الجسيمات المرئية، كما تنتج جزءاً كبيراً من الغازات  غير المرئية التي لا تلبث أن تتحول إلى ضبائب، وتنضم إلى ذلك ذريرات الرمل والحصى والأسمنت، مما يبقى عالقاً، ويمكن أن يحمل إلى مسافات بعيدة، ويعيش أكثر من بليون نسمة في مناطق يتجاوز التلوث بالجسيمات فيها الحدود التي تسمح بها منظمة الصحة العالمية. 

قال السائل: فما الأكاسيد الكبريتية.. وما مصدرها؟

قال: أهمها ثاني أكسيد الكبريت، وحمض السلفوريك ( الكبريتيك)، وسائر مركبات السلفات، وهي تصدر من الوقود الكربوني وجله ملوث بالكبريت، كما تصدر من بعض أنواع المصانع.

وتدل بعض المعلومات التي جمعتها منظمة الصحة العالمية وبرنامج البيئة العالمي عام سبعة وثمانين، على أن أكثر من ستمئة مليون إنسان، يعيشون في مناطق حضرية، معدل التلوث فيها بثاني أكسيد الكبريت يفوق المقادير التي تسمح بها المنظمة.

قال السائل: فما الهدروكربونيات الغازية.. وما مصدرها؟

قال: هي غازات غير سامة في حد ذاتها، وبالمقادير التي توجد بها، ولكنها تعتبر من أهم مدنسات الهواء لدورها  في تشكيل الأوزون وسائر المؤكسدات.

وجل هذه الغازات ينطلق في المناطق الحضرية، حيث توجد مصانع تلميع المعادن، ومعامل الدهانات، والمطابع، ومحطات توزيع الغازولين والديزل، ومؤسسات التنظيف.

قال السائل: فما الأكاسيد النتروجيية.. وما مصدرها؟

قال: هي تتشكل من اتحاد النتروجين بالأكسجين في الحرارات العالية التي يحترق بها الوقود.. وخطرها يتمثل في دورها في توليد الأوزون.

قلت: فهل هناك غازات أخرى؟

قال: كثيرة جدا.. وكل يوم تظهر غازات جديدة.. ومعها أمراض جديدة.. واقتراب جديد للأرض من حافة الهاوية.

قام رجل من الحاضرين كان يلبس بذلة عصرية، وقال: ألا ترى أنك تبالغ في التخويف.. إن هذه الغازات التي تذكرها ليس لها أي تأثير على صحة الإنسان.. إن لجسم الإنسان من الطاقة ما يستطيع به أن يتعامل معها.. فلذلك كف عن هذا التخويف.. وعد إلى الواقع.

غضب المحاضر غضبا شديدا، وقال: لا شك أنك لا تذكر ما حدث في لندن عام 1952، يوم أدى الدخان القاتل إلى موت أربعة آلاف نسمة.. ولا شك أنك لا تذكر ما حدث في دونورا، تلك المدينة الصناعية في غربي بنسلفانيا، حيث مرض نصف سكان المدينة، ومات عشرون منهم بعد دخان استمر خمسة أيام، وبقي الأحياء منهم يعانون من اعتلال في الصحة.. ولا شك أنك لا تذكر ما حدث في مدينة نيويورك سنة ثلاث وخمسين حين مات مئتا نفس من جراء مستوى أكاسيد الكبريت والجسيمات المعلقة.

ولا يقل شأناً عن هذه الكوارث الصارخة، تلك الآثار الطويلة الأمد على سكان المدن من جراء تلوث الهواء، من علل تنفسية مزمنة كالنفاخ الرئوي والتهاب القصبات ( الشعب الهوائية) …

ليس ذلك فقط.. فقد نقصت القدرة على أداء التمارين الجسمية في الأصحاء من الكبار والأطفال على السواء.. وازدادت نسبة الوفيات من الأمراض الأخرى كالسرطان وأمراض القلب.. وازداد حدوث الربو وفرط التحسس وأمراض الجهاز التنفسي في الأطفال.

وهم يقدرون ضريبة التلوث التي يدفعها سكان الولايات المتحدة كل عام بخمسة عشر ألف وفاة، وسبعة ملايين يوم مرض، وخمسة عشر مليون يوم ناقص الإنتاجية.

قال رجل من الجمع: فلم لم تنبهوا هذه الدول إلى المخاطر التي يحملونها لشعوبهم وللأرض؟

ابتسم، وقال: من نخاطب.. لقد أعمى أهل الأرض الجشع والحرص.. فصاروا لا يعرفون إلا الثروات والأموال.. ولا يهمهم بعدها أي شيء.

أخرج ورقة من محفظته، وقال: سأقرأ عليكم بعض جهودنا في هذا المجال.. ثم كيف ووجهت.

نظر في الورقة وقال: بعد بحوث دقيقة علمنا أن الدول الصناعية المتقدمة، وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية، تساهم بالنصيب الأكبر في تلوث البيئة الطبيعية، فهذه الدول التي يسكنها أقل من ربع سكان العالم تنتج ثلاثة أرباع فضلاته  (2,5 مليار طن سنويا) بمعدل 1,6 طن  للفرد في السنة أي عشرة أضعاف ما يعود إلى الدول النامية. وبلغ استهلاك الولايات المتحدة من مصادر الطاقة 26 بالمائة من الاستهلاك العالمي في 2000  ووصل انبعاث غاز ثاني اوكسيد الكاربون فيها ( 24 بالمائة من انبعاث العالم ) إلى 5,7 مليار طن وأوروبا 4 مليار طن في 2001.

ومع ذلك فإن هذه الدول تتهرب في المؤتمرات الدولية من الالتزام بإجراءات فعالة للحد من التلوث بدعوى تأثير ذلك على رفاهية شعوبها، كما حدث في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية الذي عُقد في ريو دي جانيرو في البرازيل في حزيران (يونيو) 1992.

وعلى الرغم من اتفاق مؤتمر تغير المناخ في كيوتو في اليابان في 1997 على خفض انبعاث الغازات الضارة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري إلا أن العديد من الدول الصناعية شهدت ارتفاعا في انبعاث غاز ثاني اوكسيد الكاربون في عام 2001 مقارنة بـ1990 وبنسب مختلفة كما في الولايات المتحدة (18 بالمائة) واليابان (11 بالمائة) وكندا(21 بالمائة) و إيطاليا (6 بالمائة) واستراليا(42 بالمائة) والبرتغال (49 بالمائة) وبلجيكا (12 بالمائة) وهولندا(113 بالمائة) وغيرها.

وعُقد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في لاهاي في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000 وحضره مندوبون من 180 دولة. ونوقش البروتوكول الذي أقر في كيوتو والقاضي بتخفيض الغازات الضارة بأكثر من 5 بالمائة في الفترة 2008-2012 مقارنة مع مستوياتها في 1990. وكانت الأنظار متوجهة إلى مندوب الولايات المتحدة الأمريكية للتجاوب مع الاتفاق إلا أن ذلك لم يحدث، ونتيجة لذلك فشل المؤتمر في التوصل إلى اتفاق.

وفي آذار (مارس) 2001 أعلنت الولايات المتحدة تراجعها عن بروتوكول كيوتو مدعية أنه باهض التكلفة وظالم لأنه يفرض خفض الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض على الدول الغنية فقط! فيما أعلن الاتحاد الأوروبي انتقاده لهذا الموقف و تمسكه بالبروتوكول وتصميمه على المصادقة عليه بحلول عام 2002 وهو موعد انعقاد القمة الثانية للأرض في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا.

وعقدت قمة الأرض الثانية  في الفترة 26 آب (أغسطس ) إلى 4 أيلول ( سبتمبر ) 2002 في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا تحت شعار ( التنمية المستديمة) ورغم الحضور الواسع للحكومات والمنظمات غير الحكومية إلا أن نتائج القمة جاءت مخيبة للآمال لأسباب عدة أبرزها الضغوط وسياسة الترهيب والترغيب التي مارستها الولايات المتحدة.حيث نجحت في تعطيل وضع جدول أعمال لمشروعات ووثائق تقود العالم إلى حلول عادلة لمشاكل المناخ والبيئة والتنمية في محاولة لإحباط موضوع سخونة الأرض من أن يحظى بالأولوية التي يستحقها. لأن الولايات المتحدة ستحاكم عندئذ على مسؤوليتها التي تتراوح 25-30 بالمائة من تلك السخونة، وعن انسحابها من بروتوكول كيوتو.

وقد أثارت النتائج الضعيفة للقمة غضب المنظمات العالمية لحماية البيئة وانسحبت منها المنظمات غير الحكومية ونظمت تظاهرة احتجاجا على نتائج المفاوضات التي اعتبرتها في خدمة الشركات المتعددة الجنسية. وقد وصفت منظمة أوكسفام الخيرية الدولية الاتفاق بأنه (انتصار للجشع والمصالح الذاتية، ومأساة تحل بالفقراء والبيئة)

وذكر تقرير لجنة البيئة التابعة للاتحاد الأوروبي الذي نشر في 2 –12-2003 أن انبعاث الغازات الدفيئة في الاتحاد الأوروبي سينخفض فقط نصف في المائة في عام 2010 مقارنة بعام 1990 وهذا يخالف بروتوكول كيوتو الذي بموجبة يجب أن تخفض دول الاتحاد انبعاث هذه الغازات بنسبة 8 بالمائة في العام المذكور.

وفي نفس يوم إعلان التقرير أعلنت روسيا أن بروتوكول كيوتو في صيغته الحالية لا يمكن المصادقة عليه، ولكن أعلن الرئيس الروسي بوتين في 22-5-2004 بأن روسيا تريد المصادقة بسرعة على بروتوكول كيوتو جاء هذا الموقف بعد أن قدم الاتحاد الأوروبي تنازلات كبيرة لروسيا بالموافقة على انضمامها لمنظمة التجارة العالمية. 

وعزى التقرير هذا الوضع إلى نمو قطاع النقل الذي اعتبره سببا مهما في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة. إضافة لذلك سيكون انبعاث غاز ثاني اوكسيد الكاربون من هذا القطاع أعلى بنسبة 34 بالمائة في عام 2010 مقارنة بعام 1990. وطبقا للتقرير فان خطة الاتحاد الأوروبي بالنسبة لانبعاث هذه الغازات لم تنجز.

***

بعد أن أنهى الأول حديثه، قام رجل ثان، وقال: الأمر بالنسبة للماء لا يختلف عنه بالنسبة للهواء.. فالماء الذي جعله الله سببا للحياة وركنا من أركانها.. والماء الذي ملأ الله به أرضه.. يتعرض اليوم لمخاطر كثيرة تجعلنا ندقس نواقيس الخطر.. فالخطر المحدق بالماء محدق بالحياة نفسها.

وسأحدثكم الآن عن بعض هذه المخاطر لتدركوا الأخطار التي تنتظر الأرض من طرف هذه العصابات المجرمة التي لا تعرف إلا الصراع.

هناك ثلاثة مصادر كبرى لتلوث الماء..

أما أولها.. وهي أقلها خطرا.. فمياه الصرف الصحي، وهي تتكون من فضلات الإنسان، والقمامة، والماء الذي استخدِم في غسل الملابس أو الاستحمام.. وقد رأينا أنه بحلول عام 2020م، من المحتمل أن تنتج الدول الصناعية كمية من مياه الصرف الصحي، قد تبلغ ضعفي الكمية التي كانت تنتجها في عـــــام 1990م.

ويمر معظم مياه الصرف الصحي من خلال محطات المعالجة التي تزيل الأجسام الصلبة، وتلك المواد الذائبة مثل النيتروجين، والفوسفور. ويمر بعضها خلال أحواض للتطهير قبل ترشيحها من خلال حقول الترشيح إلى الأرض، وتذهب البقية من مياه الصرف الصحي دون معالجة مباشرة إلى مجاري المياه أو المحيط.

وأما الثاني.. فهي المواد الكيميائية والنفايات الزراعية.. حيث يسري ماء المطر أو الجليد المنصهر من الأراضي الزراعية إلى مجاري المياه حاملاً معه المخصبات الكيميائية، ومبيدات الآفات التي قد يستخدمها المزارعون على الأرض.

وأما الثالث.. وهو أخطرها جميعا.. فتلك النفايات الكثيرة التي تفرزها أنواع الصناعات في البلاد المتقدمة.. حيث تحتوي هذه النفايات على الكثير من المواد الكيميائية والسامة، وتُفرَّغ كميات كبيرة من هذه النفايات الكيميائية في أنظمة المياه مباشرة.

بالإضافة إلى ما ينتج عن حرق الفحم، والنفط وأنواع الوقود الأخرى، وفي محطات توليد الطاقة، والمصانع، والسيارات من أكسيد الكبريت والنيتروجين.

وربما تلوث بعض الصناعات الماء بطريقة أخرى عندما تستخدم كميات كبيرة من المياه لتبريد المعدات، حيث تجعل الحرارة الناتجة عن المعدات الماء ساخنا، وتستخدم محطات توليد الكهرباء غالبًا الماء لتكثيف البخار الذي يدير العنَفَات (التوربينات)، وحينما يُفرغ الماء الساخن في النهر أو البحيرة، ربما يسبب التلوث الحراري الذي يمكن أن يضر بحياة النبات والحيوان.

قال رجل من الجمع: فما الأخطار التي قد تنجم عن هذا النوع من التلوث؟

قال:  كثيرة لا يمكن حصرها.. وسأقتصر لكم على واحد منها.. ربما سمعتم به.. وربما لم تسمعوا.. لأن هناك من يريد أن لا تسمعوا به..

إن المطر الآن.. وفي مناطق كثيرة ـ خاصة فى البيئات الصناعية ـ لم يعد ذلك المطر الطاهر النظيف الممتلئ بالصحة.. لقد صارت السماء تمطرنا مطراً حمضياً يهلك الحرث والنسل، فقد بلغ الأس الهيدروجيني للمطر فى بعض المناطق الصناعية درجة عالية تجعل مياه الأمطار عالية الحموضة محدثه أضرار كثيرة، فقد فقدت مئات من البحيرات فى أمريكا الشمالية وشمال غرب أوربا ـ نتيجة ارتفاع درجة حموضة مياهها بسبب المطر الحمضي ـ معظم ما بها من ثروات سمكية وأصبحت 90 بحيرة فى منطقة جبال أدرونداك فى ولاية نيويورك ـ مثلا ـ خالية تماماً من الأسماك تحت تأثير الحموضة المتزايدة لمياه البحيرات وهي حموضة قاتلة للأحياء.

ولا يقتصر تأثير المطر الحمضي على الأضرار بمياه الأنهار والبحيرات وإنما يمتد تأثيره إلي مخاطر كثيرة فقد أعلن فريق من الباحثين فى جامعة نيوها مبشير بالولايات المتحدة الامريكية (1985) أن المطر الحمضي يمنع حاسة الشم عند سمك السالمون، ولهذا يفقد قدرته على إيجاد طريقة نحو مجاري الأنهار العليا من أجل وضع بيضة وإتمام عملية الفقس، كما بدأت تضر الأمطار الحمضية بالمحاصيل الزراعية تحت تأثير ترسب كميات كبيرة من المواد الحمضية فى التربة مما يغير من تركيبها الكيماوي فى اتجاه الحموضية المتزايدة التى تضر بل تقتل النباتات إذ تعمل الحموضة الزائدة فى التربة على إفقار التربة نتيجة إزالة الكاثيونات " الأيونات الموجبة " منها التى تعتبر القاعدة الأساسية لتغذية النباتات مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم.

كما يؤدي المطر الحمضي إلى تدمير الكثير من الأشجار والنباتات حيث تصاب بظاهرة الموت التراجعي  Dieback  حيث تموت الأشجار واقفه كما يقولون إذ تتلف الأوراق العلوية المعرضة مباشرة للمطر الحمضي الذى يقتل المادة الخضراء فيها ثم ينتقل التأثير بعد ذلك الى الأوراق التحتية فقد أوضح تقرير من ألمانيا الاتحادية (1980) أن مساحة من الغابات تقدر بنحو 560 ألف هكتار أي حوالي 7ر7% من مجموع مساحات الغابات في ألمانيا قد دمرت أو أتلفت بدرجات متفاوته نتيجة المطر الحمضي والضباب الحمضي.

وعندما نتساءل عن سبب هذا الانحراف في الحفاظ على طهارة المياه، نجده الجشع والحرص على الكسب بغض النظر عن المفاسد الحاصلة، فعندما نستخدم الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية مثلاً بدرجة كثافة عالية، خوفا من الجوائح، وحرصا على الكسب، وسعيا إلى زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية نصل إلى إفساد البيئة والإنتاج معاً، لأن الاستخدام المكثف لهذه الكيماويات تسرب كميات كبيرة منها إلى الهواء ومصادر المياه وإفسادهما، فضلاً عن إنتاج محاصيل ملوثة كيمائيا.

وفي تقرير صادر عن دول مجموعة التعاون الاقتصادي الأوربي (1988) حذر من تفاقم التلوث المائي الناجم عن تكثيف استخدام الأسمدة الكيماوية، ودعا التقرير إلى الحد من الاستخدام المكثف (الإسراف) لهذه الأسمدة الكيماوية لما لها من مخاطر كبيرة على الأحياء المائية.

لم يكتف البشر بكل هذا.. بل مدوا أيديهم الآثمة إلى البحار والمحيطات.. فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن ماء البحار قد تلوث بنسبة(400 بالمائة) من بعض العناصر المعدنية السامة مثل عنصر الزئبق نتيجة ما تقذفه المصانع من مخلفاتها الصناعية في مياه البحار.

حتى الأسماك لم تسلم من التلوث،فقد سجلت أرقاما عاليه من العديد من الملوثات المعدنية مثل الزئبق والرصاص والزرنيخ.

بالإضافة إلى هذا كله.. فإن هناك خطرا عظيما نتج من الإسراف في استعمال الثروة المائية.. بسبب الجشع والحرص.. هذا الخطر هو ما يحصل الآن من استنزاف كمي ونوعي لكثير من  الموارد الطبيعية من خلال الاستعمال المفرط لها وعدم كفاية  إجراءات تجديدها.

فبالنسبة للمياه العذبة تحتوي الأرض على كميات منها، تبلغ نسبتها 2,5 بالمائة فقط من مجموع المياه وحوالي 0,5 بالمائة مياه جوفية متاحة أو مياه سطحية، وتتباين كميات الأمطار الساقطة تباينا كبيرا على مستوى العالم حيث تستلم المنطقة العربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا كميات قليلة جدا منها.

وإذا استمر تلوث المياه عند المعدل الحالي مع زيادة  المياه المستخدمة بمعدل أعلى من معدل نمو السكان في أجزاء عديدة من العالم[8].. فسيؤدي ذلك إلى استنزاف المياه العذبة في وقت قريب.

فعلى مستوى العالم تستهلك حاليا 54 بالمائة من المياه العذبة المتوفرة، وإذا بقي استهلاك الفرد ثابتا حتى عام 2025 فيمكن استهلاك 70 بالمائة منها نتيجة النمو السكاني وحده، وإذ وصل استهلاك الفرد إلى مستوى الدول الأكثر تقدما فيمكن استهلاك 90 بالمائة في السنة المذكورة.

في عام 2000 كان هناك 508 مليون إنسان يعيشون في 31 بلدا يعاني من الضغط على المياه أو من شحتها ويتوقع في عام 2025 أن يرتفع العدد إلى 3 مليار إنسان يعيشون في 48 بلدا يعاني من هذه الظروف، وسوف يتضاعف عدد الأشخاص الذين  يعانون من شحة المياه ويزداد وأولئك الذين يعشون في ظروف الضغط على المياه ست مرات، وهناك  88 دولة نامية يقطن فيها 40 بالمائة من سكان العالم يعد النقص في المياه فيها معوقا جديا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

***

قام آخر، وقال: حتى ذلك الجو الهادئ البسيط الذي عاشه أسلافنا على هذه الأرض منذ عشرات الآلاف من السنين يريد أن يستل منا..

إن التلوث الصوتي يزاحمنا في كل محل.. ففي كل محل تسمعون هدير محركات الطائرات، وصخب السيارات والقطارات والسفن والمصانع والمستودعات.. فإذا دخلتم إلى البيوت وجدتم أنفسكم محاصرين بأصوات البرادات والغسالات والرائي والمذياع والموسيقى الصاخبة ببيوتكم أو بيوت الجيران من حولكم.

قام رجل من الجمع، وقال: لم نكن نحسب أن للصوت تلوثا.

قال:  كل ما أخرج الأرض عن فطرتها التي فطرت عليها تلوث وصراع.. لقد حذّرت منظمة اليونسكو، ومنذ (1967) من أن الضجيج هو مصيبة العالم المعاصر.

وبعد مرور أكثر من 33 عاماً من الزمن أصبح الصخب أكثر خطرا، وارتفعت قيمته في معظم المدن الكبرى في العالم بمعدل12- 15د. ب، أمّا قيمة الضجيج الذاتية فارتفعت وبمعدل( 3 - 4 ) مرات وانخفضت إنتاجية العمل بنسبة 15 -20 بالمائة.

قال آخر: ما المخاطر التي يسببها هذا التلوث الصوتي؟

قال:  لقد وجدنا من خلال البحث المستقرئ للواقع أن للضجبج تأثيرا خطيرا على صحة الإنسان، فهو يلعب دوراً هاماً في ارتفاع نسبة أمراض القرحة المعدية، والجملة العصبية النفسية وأمراض القلب الأوعية الدموية.

ففي المجتمعات الأوربية يعاني وسطياً كل( 4 ) رابع رجل وكل(3) ثالث امرأة من العصبية الناتجة عن الضجيج والصخب المرتفعيين.

ووفقاً للإحصائيات، فإن كل خامس مراجع لمستشفيات الأمراض النفسية يقصدها من جراء تعرضه للضجيج.. أمّا حاسة السمع فهي الأكثر تضرراً من الضجيج.. ويُعتقد أنه من بين كل مائة قروي يعاني من20-30 شخصاً من سوء السمع، أمّا هذا المعدل في المدن فيصل إلى (5) خمسة أضعافه في الريف.

وهذا يؤدي إلى انخفاض نسبة الاستيعاب الدراسي ومردود الراحة أثناء النوم وإلى الضجر والقلق خصوصاً عند الأطفال فتزداد عصبيتهم.

وقد اخترع الأطباء مصطلح (المرض الضجيجي) لوصف ودراسة التأثير الإجمالي للضجيج على الإنسان وذكروا أن من أهم أعراضه الصداع، والقيئ والعصبية والقلق.. و في حالات ليست نادرة نقص مؤقت لدرجة السمع.

وقد ازداد بشكل ملفت للانتباه عددا لأمراض المهنية، وبشكل خاص خطر السكتات القلبية والدماغية المبكّرة عند كبار السن وتسارع شيخوخة الجسم وكل هذا أدى لتراجع نوعي في جودة الوسط الطبيعي المجاور ـ أي ظروف حياة الناس ـ ويعتقد الخبراء أن الصخب المرتفع في المدن العملاقة يقصّر عمر البشر نحو 8 -12 سنة.

وفوق هذا، فقد أثبت العلماء أن الضجيج يؤثر على الطبيعة تأثيرا خطيرا، فهو يقلص من أعمار الأشجار في المدينة التي هي أقصر عمراً مماً هي عليه في الريف، نظراً لإرتفاع كثافته، فلو عرضّنا النباتات إلى صخب كثافته تساوي -100 د.ب لما أستطاع البقاء حياً أكثر من عشرة أيام، حيث تبدأ الأزهار والأوراق بالذبول تحت وطأته و يلتجم نموها، أمّا الطيور فتجبر على هجرة أعشاشها وترك بيوضها، وتمتنع عن رعاية فراخها، بل قد يؤدي الصخب المرتفع الى تشقق البيوض وتخثرها.

أمّا عند فصيلة الثديات فيتسبب الضجة بتغييرات في ضغط الدم والضرر بالعضلات القلبية، وقد تؤدي إلى الموت في نهاية المطاف نتيجة للشلل القلبي.. وتكف بعض الفئران عن التكاثر، وقد يلتهم بعضها صغاره.. وتحت تأثير الضجيج تتعرض الحوامل من الثعالب في مرحلة ما قبل الولادة إلى الإجهاض أو الطريحة أو الولادة المبكّرة، وهذا ما قد يؤدي في حالة مزارع تربية الحيوانات وإكثارها لخسائر إقتصادية.

بالإضافة إلى ذلك، فالضجيج يقضي على يرقات بعض الحشرات و(أمبريونات) بعض الطيور ويشقّق قشور بيوضها، وتفقد بعض الحيوانات تحت تأثير الضجيج قدرتها على التوجة في الأفق والتقدير الصحيح لأماكن تواجدها.

***

قام آخر، وقال:  أما أنا، فقد بحثت فيما تفعله هذه المدنية بإخواننا على هذه الأرض من النباتات.. فوجدت العجب العجاب.. لقد رأيت الغابات، وهي تتعرض للقطع بمعدلات متصاعدة.. حيث تم تدمير 2,5  بالمائة من غابات العالم خلال تسعينات القرن الماضي.. وفي الأربعين سنة الأخيرة انخفضت حصة الفرد من أراضي الغابات أكثر من 50 بالمائة من 1,2 هكتار إلى أقل من 0,6 هكتار، وهذا يعود إلى النقص في أراضي الغابات، وإلى الزيادة السكانية.

فمثلا فقدت الغابات المدارية الرطبة 75000 كم2 من مساحتها في 1979 و 142000 كم2 في 1989 وبهذا ارتفعت نسبة الفقد إلى 90 بالمائة.

إن هذه الغابات التي يتلاعب بها تحتوي على50 بالمائة من التنوع البيولوجي الباقي في العالم.. وعند استمرار معدلات القطع الحالية  يمكن أن تختفي الغابات المدارية الأولية الباقية في غضون 50 سنة.. وما لم يتوقف أو يتباطأ بشكل أساسي معدل الفقدان الجيني للنباتات في العالم فإن 60,000 صنفا نباتيا ـ  يمثل حوالي ربع مجموع الأصناف في العالم ـ يمكن أن يفقد في حلول 2025.

أذكر أني كنت أعيش في غابة من الغابات قبل أن تأتي الأيادي الملوثة بالصراع لتدمر الحياة التي كنا نعيشها مع إخواننا من النباتات والحيوانات.. لقد صحت فيهم، وهم يقطعون الأشجار، ويحرقونها: لم تفعلون هذا؟

قالوا: لأجل الحياة.

قلت: لأجل الحياة !؟.. إن النبات هو الحياة.. ولو غاب النبات غابت الحياة كلها.. ألا تعلمون أن النبات هو المثبت الرئيسي للطاقة الشمسية.. فكل نبات من بلايين البلايين من النباتات الأرضية عبارة عن مفاعل حيوي لتثبيت الطاقة الشمسية, وهو لذلك مصدر الطاقة الرئيس على الأرض.

والنبات هو الصانع الرئيس للغذاء والدواء على الأرض, فالنبات يستغل الطاقة الضوئية, والماء , وثاني أكسيد الكربون ليكون لنا وللكائنات الحية غير ذاتية التغذية[9]  الغذاء المتناسب مع حاجاتنا المختلفة..

ابحثوا.. فستجدون أن جميع المواد الكربوهيدراتية على الأرض مصدرها الأصلي النبات, وجميع المواد الدهنية والمواد البروتينية والفيتامينات مصدرها الأصلي النبات.. وكل البترول والفحم والخشب والأوراق والمطاط مصدرها الأصلي النبات.

وفوق ذلك كله، فإن النبات يثبت نسبتا الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بمقداره الوحيد الذي لا تصلح الأرض إلا به.

قال بعض الجمع: فبم أجابوك؟

قال:  لقد تبادلوا ضحكات ساخرة.. ثم راحوا يقطعون ويحرقون..

قال الرجل: فماذا فعلت؟

قال:  لقد خرجت من تلك الغابة.. ولم أعد إليها إلا بعد سنين.. وقد هالني ما وجدت.. لقد وجدت غابتنا تحولت إلى صحراء.. فقد غزتها الرمال، ولم تعد تصلح لشيء.

قال الرجل: هل يمكن هذا؟

قال:  ألا تعلم.. ألا تعلمون جميعا أن التصحر يهلك ـ حسب بعض الإحصائيات ـ 20 ألف ميل مربع من الأراضي الخضراء سنوياً، فيحيلها إلى قفار رملية جدباء، كما – أنه في كل سنة- يحاول اختراق مساحات أخرى، تقدر بحوالي 70 ألف ميل مربع، يتربص بها، متحيّناً الفرصة، فإذا غفلت أعين أصحابها عن حمايتها، ضربها الجدب وأغرقتها الرمال.

 ليس التصحر وحده هو ما يهدد الأرض نتيجة قطع أشجارها.. هناك آثار أخرى لا تقل خطرا.. لقد ورد في بعض الإحصائيات أنه يختفي من الوجود كليا بين 4000 إلى 6000 نوع حيواني كل يوم، مما يوفر جوا من عدم التوازن البيئي في تلك المناطق، وسيحرم خمس سكان العالم من الماء اللازم لرّي أراضيهم وزراعة محاصيلهم بسبب ذلك.

***

قام آخر، وقال:  أما أنا، فقد بحثت فيما تفعله هذه المدنية بإخواننا على هذه الأرض من الحيوانات.. فوجدت العجب العجاب.. لقد رأيت أن معدل انقراض الحيوانات البرية وصل إلى مستوى قياسي، فبعد أن كان ينقرض منها صنف واحد كل عشر سنوات بين عامي 1600-1950، أصبح انقراض الأصناف البرية أسرع بـ 50-100 مرة من الانقراض الطبيعي، وهذا يهدد بحدوث فجوات كبيرة في شبكة الحياة.

فالكثير من الحيوانات الفقرية  اليوم إما نادرة أو مهددا بالانقراض.. بالإضافة إلى أن الثروة السمكية في البحار والمحيطات تتعرض اليوم إلى الاستنزاف ؛ إذ تصاد سنويا كميات كبيرة منها، لذا بات ربع  الاحتياطي مستنزف أو في خطر الاستنزاف و44 بالمائة يصاد على حساب حدوده البايولوجية.

سكت قليلا، ثم قال: ليت الأمر توقف عند حد الانقراض.. لقد وصل الأمر بهذه المدنية إلى أن تتلاعب بالفطرة السليمة للحيوانات.. فراحت تطعمها السموم لكي تكتنز لحما وشحما.. فكان عاقبة ذلك أن تمردت الحيوانات التي لم تتعود التمرد.. لعلكم سمعتم بجنون البقر.

قال أحدهم: سمعنا به.. ولكنا لا نعرف قصته بالضبط.

قال:  قصة هذا الداء بدأت عندما ظهرت في وقت سابق أعراض غريبة على قطعان الخراف البريطانية، وعرف العلماء ما أسموه آنذاك المرض الأكَّال.. لأن الخراف المصابة به تقضي الساعات الطوال، وهي تحك نفسها على أعمدة حظائرها، وجرى البحث عن أسباب المرض، فاكتشف المحققون أن عظام الخراف وسقطها، تطحن وتقدم كمكملات بروتينية في علف الأبقار، وهكذا اشتبه في أن الجراثيم المسببة لمرض الأكال كانت تنتقل بهذه الصورة إلى الأبقار.

وفي عام 1988م حظرت الحكومة البريطانية إضافة نفايات الخراف وسقطها وعظامها المسحوقة إلى علف الأبقار، ولكن هذا التدبير لم يتم احترامه، وهكذا تفاقمت الأمور واستشرى المرض بين الأبقار، وأصبح يهدد بالانتقال إلى الإنسان.

وفي مارس من عام 1996م اكتشف العلماء وجود علاقة بين مرض الجنون البقري ومرض كروتزفلت ـ جاكوب أو التهاب الدماغ الإسفنجي الذي يصيب الإنسان.

وفي يوليو 1996م صرح العلماء بوجود احتمال كبير بانتقال مرض جنون البقر إلى الأغنام، واحتمال انتقاله إلى الإنسان عن طريق أكل أنسجة الدماغ والحبل الشوكي والمصران التابعة للأغنام.. ومن القائلين بهذه النظرية البروفيسور ريتشارد لايسي أخصائي علم الجراثيم في جامعة أيدز.

قال رجل من الجمع: إن ما تتحدث به عجيب.

قال:  هناك ما أخطر من هذا بكثير.. إن المواشي والدواجن الآن تسمن بالنفايات المختلفة دون مراعاة للأضرار التي قد تنجم عن ذلك.. فهي تسمن ـ مثلا ـ بفضلات الدجاج.. وهي ـ كما يذكر المختصون ـ غالباً ما تتضمن نوعين من أنواع البكتيريا يتسببان في إصابة الإنسان ببعض الأمراض، كما يتسببان في وجود طفيليات في معدة الإنسان، ويساعدان أيضا على تجمع الرواسب التي تخلفها الأدوية البيطرية، فضلاً عن وجود ترسبات معادن تحتوي على نسبة عالية من المواد السامة مثل الزرنيخ والرصاص والكادمسيوم والزئبق.

وتنتقل مثل هذه البكتيريا إلى المواشي بكل سهولة، كما أنه من الممكن أن تنتقل إلى جسم الإنسان عند تناوله لحوما ملوثة بروث المواشي أثناء ذبحها في المسالخ.

ومن ناحية أخرى، فقد أفاد مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في ولاية أتلانتا بأنه توجد في الولايات المتحدة فقط 80 مليون حالة مرضية ناجمة عن تناول المواد الغذائية، و9000حالة وفاة ناجمة أيضا عن تناول بعض الأصناف من الأغذية،و4 ملايين حالة مرضية ناجمة عن الإصابة ببكتيريا سالمونيلا حيث انتهت ما بين 500 ـ 1000 حالة من هذه الحالات إلى وفاة المريض، كما تتسبب البكتيريا من النوع المنطوي في إصابة ما بين 4 ـ 6 ملايين شخص بالتهابات حادة في المعدة ويقتل 100 منهم سنويا.

أما البكتيريا من نوع إي كولاي والذي تم اكتشافه في بعض اللحوم الملوثة، فإنها تودي بحياة 250 شخصاً سنويا فضلا عن أنها تتسبب في إصابة ما لا يقل عن 20 ألف شخص في أمريكا سنويا بأمراض خطيرة، وهناك 17 مريضاً على الأقل ثبت أن مرضهم ناجم عن تناولهم لحوما ملوثة من إنتاج شركة واحدة.

ليس ذلك فقط، بل قد دأب مربو المواشي على استخدام مخلفات المحاصيل الزراعية وقشارة الخضراوات وعلائق الحبوب والمواد الداخلة في صناعة الخبز والخمر في تسمين المواشي، وذلك بالإضافة إلى استخدام حوالي 40 مليار رطل سنويا من مخلفات المسالخ مثل الدماء والعظام والأمعاء بالإضافة إلى ملايين القطط والكلاب السقيمة التي يوصي الأطباء البيطريون بأن يكون مآلها القتل الرحيم أو التي يُسلمها لهم القائمون على ملاجئ الحيوانات، حيث تحوَّل لحوم هذه الحيوانات إلى علف مما يعتري سلوكيات المواشي والخنازير التي سرعان ما تتحول من حيوانات آكلة للأعشاب إلى حيوانات آكلة للحوم.

وفوق ذلك كله.. فقد وردتنا الأخبار بأن المزارعين، ومثلهم الشركات المنتجة للأعلاف بدأوا في استخدام أو محاولة استخدام فضلات الأطعمة الجافة المستخرجة من حاويات القمامة، ومخلفات المطاعم من الشحوم وزيت القلي والشحوم المتجمعة في محابس الشحوم والغبار المتصاعد من مصانع الإسمنت.. وحتى أوراق الجرائد والورق المقوى المستخرج من النباتات، كما أجرى الباحثون بعض التجارب على سماد المواشي والخنازير والرواسب الطينية.

ولا تتوافر في الوقت الراهن أي إحصائيات دقيقة حول عدد المزارعين الذين يطعمون مواشيهم بفضلات الدواجن، لكن يعتقد بأن هذه الظاهرة قد عمت في نصف الولايات المتحدة أو ثلاثة أرباعها، وبالرغم من الرائحة الكريهة المنبعثة من فضلات الدجاج والديك الرومي، فإنه يمكن استخدامها كعلف بعد تكديسها على نحو سليم وإخضاعها لمدة تتراوح ما بين 4 ـ 8 أسابيع لدرجة حرارة تتراوح ما بين 160 ـ 170 درجة فهرينهايت، وهي درجة عالية تكفي لقتل البكتيريا، وقد ذكر بعض المزارعين بأنهم يقدمون لدواجنهم سماد المواشي الخام دون إخضاعها لأي تصنيع.

وقد ازداد الاهتمام بمكونات أعلاف الحيوانات في الولايات المتحدة مؤخراً في أعقاب الضجة التي قد أثارها في بريطانيا موضوع جنون البقر والمخاوف التي انتابت الشعب الأمريكي من أن تنتقل العدوى إليهم، وقد لقي مئات من البريطانيين حتفهم نتيجة تناولهم لحوم الأبقار الملوثة.

وتفيد الإحصائيات بأن 75 بالمائة من رؤوس المواشي في أمريكا والبالغ عددها 90 مليون رأس ظلت تأكل مخلفات المسالخ، وأن الحظر المفروض على تقديم المنتجات الثانوية لمصانع اللحوم قد يدفع مربي المواشي ومصانع الأعلاف إلى اللجوء إلى مضافات مثل السماد ومخلفات أخرى مشكوك فيها.

***

قام آخر، وقال:  أما أنا، فقد بحثت فيما تفعله هذه المدنية بالغذاء الذي جعله الله قوام حياتنا.. فوجدت العجب العجاب.. لقد رأيتهم يتفننون في التلاعب به وتلويثه بكل ما شاءت لهم نفوسهم من أنواع الملوثات..

سأضرب لكم أمثلة تؤكد لكم هذا.. لاشك أنكم تعرفون حلوى الأطفال كالشوكولاته والبسكويت ورقائق البطاطس الجاهزة وغيرها من المقرمشات..

قالوا: وكيف لا نسمع بها.. وهي من أهم ما أنتجته هذه الحضارة.. واعتبرته من علامات تقدمها على سائر الحضارات.

قال: لقد أثبتت الدراسات الكثيرة ما تختزنه تلك الحلويات من فنون السموم.. وآخر ما قرأت في هذا دراسة بريطانية قامت بها في مطلع هذا العام ( جمعية الشراكة بين الأطباء والمرضى) على ثمانمائة طفل بريطاني، وكشفت هذه الدراسة أن 25 بالمائة من هؤلاء الأطفال يعيشون على الحلويات ورقائق البطاطس الجاهزة، و75 بالمائة منهم ليست لديهم أية فكرة حول كمية الفواكه والخضر التي تحتاجها أجسامهم، كما اعترف مائتان منهم أنهم أثناء ذهابهم إلى المدرسة لا يتناولون فطورا منزليا، بل يتناولون بدلا منه حلويات ورقائق بطاطس جاهزة.

كما أشارت دراسة بريطانية أخرى تمت على ألف وسبعمائة فتى وفتاة تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثامنة عشرة كانت بعنوان ( التغذية وأنظمة الطعام العامة) إلى أن حوالي 80 بالمائة منهم يتغذون على الأطعمة الجاهزة، مثل: رقائق البطاطس المقلية، والبسكويت، والشكولاته. كما أن مستوى الملح في أطعمتهم هو  ضعف المستوى المقبول صحيا، بالإضافة إلى أن الأطفال يستهلكون كثيرا من الأملاح المعدنية المضافة.

وأوضحت الدراسة أن واحدا من بين كل خمسة من الذين شملهم البحث لم يتناولوا الفواكه على الإطلاق خلال فترة إجرائه التي استغرقت أسبوعا، وقد حذرت تلك الدراسة من أن تناول الصغار لمثل تلك الأطعمة قد يسبب لهم مشاكل صحية خطيرة في المستقبل؛ حيث إن الغذاء غير الصحي أحد أهم أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السرطان والقلب والشرايين.

وفي بحث أجرته هيئة المواد الغذائية ببريطانيا توصلت في نتائجه إلى أنه مقابل كل طعام صحي واحد يتناوله الأطفال من الأسواق، يوجد عشرة تصنف على أنها كوارث غذائية!!

ويعد هذا التقرير ضربة قوية لصناعة الأغذية؛ إذ يوجه اتهامات للشركات العاملة في هذا المجال بأنها تقوض النظام الغذائي للأطفال عن طريق قيامها بزيادة معدلات السكر والدهون والمواد المضافة ومكونات الملح في الأطعمة التي تنتجها.

وطبقا للتقرير، فإن هذه الشركات تقوم أيضا بمعالجة أو نزع المواد الغذائية والألياف من هذه الأغذية، وحذرت من أن المقرمشات والحلوى والمشروبات الغازية تحتوي على نسب عالية من السكر والدهون.

كما أو ضحت الدراسة أن 1 بالمائة فقط من العدد الإجمالي الذي شمله البحث للمنتجات الغذائية للأطفال قد زودت بمعلومات واضحة عن محتوياتها لتظهر أنها منخفضة الدهون والسكر والملح.

وإذا فحصنا مكونات أغذية الأطفال كالبسكويت والشوكولاته والحلويات وجدنا  – في أكثر الأحيان – اسم ورقم المواد الحافظة أو النكهات أو المواد الملونة قد كتبت ضمن المكونات، وقد ثبت علميًّا أن معظمها تسبب أمراض الحساسية مهما كانت نسبتها ضئيلة!!، ومثال هذه الأرقام (ليسثين صويا E322).

وهذه المواد وبحسب تلك الأرقام إما أن تكون خطرة جدًّا على الصحة، أو تسبب آلاماً حادة في المعدة، أو ارتفاعاً في ضغط الدم أو أنها غير ضارة على الصحة.

قالوا: إن ما تقوله خطير..

قال:  ليس ذلك فقط.. إن صراع هذه الحضارة امتد لأساسيات الحياة.. لاشك أنكم سمعتم بما حصل للملح؟

قالوا: ما الذي حصل له؟

قال:  أنتم تعلمون أن الملح ضروري لتنظيم جسم الإنسان، وهو يدخل في اتصال الأعضاء وبناء العضلات.. كما يساعد في تنظيم نظام المناعة ويمنع نمو البكتيريا الضارة والفيروسات والفطريات والطفيليات ويعمل على زيادة ثبات النظام المعوي.. وهو بذلك أحد العناصر المهمة لحياة الإنسان والحيوان وحتى النبات، فهو يعمل على موازنة كمية الماء بالجسم والخلايا التي يتكون منها أعضاء الجسم، وهو مهم لعملية التمثيل الغذائي في الخلية.. لذا فإن تناول الملح وبكميات معتدلة ضروري جداً للبقاء على قيد الحياة.

ولكن هذه المنافع لا تتحقق إلا في النافع منه.

قالوا: أهناك ملح ضار؟

قال: أجل.. ففي الأسواق اليوم نوعان من الأملاح: أحدهما متواجد ومنتشر بكثرة،  ومعلب بشكل أنيق وهوملح مكرر مضاف إليه الإيودين.. والثاني قد لايكون معبأ بعلب أنيقة، وهوملح البحر.

قالوا: فما الفرق بينهما؟

قال: للإجابة على هذا السؤال لابد من معرفة مكونات كل نوع من هذين النوعين:

أما النوع الأول، وهوالملح المكرر الأنيق، فإنه يتكون من  99،9 بالمائة من كلوريد الصوديوم و0.1 بالمائة إيودين البوتاسيوم أو الكالسيوم، وتضاف إليه مادة الإيودين لتعزيز نقص الإيودين في هذا النوع من الملح، وهي في الحقيقة مجرد سد نقص لهذه المادة في الملح المكرر.. كما يضاف إليه مادة سليكيت الأمونيوم للمحافظة على إنسيابية الملح وعدم تكتله، ومما هو  معروف أن مادة سيليكيت الأمونيوم مادة مضرة بالصحة.

أما الملح البحري: فيتكون من95 بالمائة من كلوريد الصوديوم و5 بالمائة معادن أخرى منها المنغنيز والكالسيوم والفوسفور والإيودين (من مصدره الطبيعي)، إضافة الى أكثر من 70 عنصرا معدنيا آخر.

فمن الفرق بين هذه المكونات يتضح لنا الفرق الشاسع بين هذين النوعين من الملح، فالملح المكرر هو  ملح لا يحتوي على أكثر من مادة واحدة هي كلوريد الصوديوم، وهو فقير من المعادن الأخرى الضرورية لحياة الخلية، لذا نرى شركات إنتاج هذا النوع من الملح تحاول سد العجز الكبير للمعادن بإضافة الإيودين به والدعاية لهذه الإضافة وكأنها ميزة إضافية، وهي في الحقيقة ليست أكثر من محاولة سد العجز الكبير بشيء صغير جداً.

وفي مقابل ذلك، فإن الملح البحري يحتوي ـ إضافة إلى الإيودين ـ على معادن كثيرة جداً، وبصورة متوازنة كما خلقها الله لنا في الطبيعة ومتوافقة مع حياة الإنسان.

وفي المقابل، فإن ملح البحر يحوي إضافة إلى الإيودين على مايقارب 80 معدنا يحتاجها الجسم للحفاظ على حيويته، ولإتمام عملية التمثيل الغذائي بأفضل أداء، ولوعلمنا أن 27بالمائة من الملح الموجود بالجسم في العظام وذلك لنقصها في الدم الناتج عن عدم كفاية مانتناوله من ملح متكامل.

  كما أن الشخص الذي ينتاول الملح المكرر عادة ما يحدث له شراهة في تناول الملح لأن الجسم لا يشعر بالكفاية من المعادن المحلية الأخرى، وبذلك يتراكم كلوريد الصوديوم بالجسم مسبباً مشاكل للكليتين.

فالفرد البالغ يحتاج ما بين 2-3 غ في اليوم الواحد، لكن معدلات استهلاكه تصل إلى 18 غ يومياً، وهذه الزيادة تسبب إرهاقا وتعبا للكلى، ويسبب تمادي ذلك ضعف كفائتها.

وتظهر أعراض زيادة الملح على شكل توترات عصبية وعضلية ونفسية وصداع  مستمر وشعور بالقلق  والكآبة والضيق والضجر، وفي نفس الوقت يتفاقم نقص المعادن الأخرى بالجسم مسبباً مشاكل صحية في مناطق أخرى بالجسم.. وخاصة منها العظام.

سكت قليلا، ثم قال: لا شك أنكم تعرفون الخميرة؟

قالوا: ومن لا يعرفها.. هي الوسيط الذي نستعمله في أغذية كثيرة.

قال: لقد نشر الكاتب رونالد كوتسيش في جريدة ( East West) عام1984مقالة تساءل فيها:( لماذا تؤدي الخميرة المتعارف عليها إلى بعض الأمراض؟)، ثم أجاب:( من المعروف عندما تخمر الخميرة تتفجر جزيئات الخبز، فإن الجيزيئات التي تنتج تكون مماثلة للجزيئات المسببة للسرطان)

ورجوعا إلى الباحث الفرنسي Jean Glaude Vincent وجد أن الطاقة البيولوجية التي تصدر من العجينة المخمرة مماثلة للتي تسبب الخلايا السرطانية.

وهناك باحثان ألماني وفرنسي وجدا أن السرعة في تخمر العجينة ترسل إشارات إلكترونية إلى الجسم  لينبه بحدوث رد على هذه الإنفجارات وهو من مسببات السرطان.

ومن المؤسف أن الكثير من أنواع الخبز يطلق عليه الخبز الصحي والأسمر الكامل والبيتا ورقائق الخبز المالح وجميعها تستخدم فيها الخميرة السريعة الصناعية.

سكت قليلا، ثم قال: ليس ذلك فقط.. لقد امتد جنون هذه الحضارة إلى المياه التي لا تستقيم الحياة إلا بها.. فقد ذكرت بعض الدارسات على أن حوالى مليون أمريكي يشربون المياه التي تحتوي على بعض المواد الكيميائية المؤدية إلى السرطان، مثل مادة الزرنيخ (arsenic)  و(radon) والذي هو  عنصر إشعاعي غازي، ومادة الكلور(chorine)، لذلك يقترح وضع إعادة تصفية الماء بطريقة الأسموزية (Osmosis)، أو الكربون (KDF) لتنظيف الماء.

وذلك لأن الاوساخ والصداء الموجود في الانابيب والسخانات تذوب في الماء الذي يمر فيها، وقد أثبتت البحوث والدراسات أن المواد الكيمائية الموجودة في البلاستيك تذوب في القوارير مع الماء الموجودة فيها.

***

قام آخر، وقال:  أما أنا، فقد بحثت فيما تفعله هذه المدنية بالأرض نفسها.. فوجدت العجب العجاب.. إن هذه المدنية الآثمة تتلاعب بالأرض.. ويوشك لو استمر بها الأمر هكذا أن يحصل للأرض ما حصل للبقر من الجنون.. وحينها لن تميز بين شمالها وجنوبها وشرقها وغربها.. ولن تميز بين الشمس والمريخ.. وحينها لن تبقى الحياة على الأرض.

قالوا: أخفتنا.. ما الذي يحصل؟

قال:  لقد أثبتت الدراسات أنه بالإضافة إلى التلوث البيئي، الذي يخص البيئة الطبيعية والمراكز السكنية والصناعية والمستويات العالية من التلوث البايولوجي (الفضلات العضوية) ثمة أيضا زيادة حادة في التلوث الكيميائي والفيزيائي، إذ يشمل الإنتاج الصناعي على عشرات الآلاف من المواد الكيميائية، وتضاف إليها سنويا مئات أخرى جديدة من المواد الكيميائية التي يؤدي إنتاجها واستعمالها إلى اطراد زيادة حدة التلوث. كما أن هناك تأكيدات متزايدة على خطر التلوث الفيزيائي مثل ارتفاع الحرارة (من ادفأ سنوات المائة سنة الأخيرة :1980، 1981، 1983، 1987،1988، 1990 حدثت هذه في 11 سنة فقط) والضوضاء والإشعاع والتلوث الكهرومغناطيسي.

وأثبتت الدراسات أن تغير المناخ سوف تكون له تأثيرات مهمة على البيئة، فهناك سيناريو يتوقع ارتفاع حرارة جو الأرض 5,8 درجة مئوية في القرن الحالي بسبب التلوث وهو معدل لم تصل إليه الأرض خلال 10,000 سنة الماضية، ويتوقع ارتفاع مستوى مياه البحار نصف متر في سنة 2100 نتيجة لذوبان المياه المتجمدة، وهو أكبر من الزيادة خلال القرن الماضي.

وقد حذر علماء سويسريون في دراسة نشرت في نهاية عام 2003 بأن التغير في المناخ يهدد مناطق التزحلق على الجليد في أوروبا وشمال أمريكا واستراليا وأن مستوى الثلوج في مناطق رياضة الشتاء في أوروبا سوف ينخفض بشكل حاد في الثلاثين أو الخمسين سنة القادمة. نتائج ارتفاع مستوى مياه البحار سوف تتمثل في زيادة الفيضانات وتعرية السواحل وارتفاع ملوحة الطبقات الصخرية المائية والأنهار وفقدان الأراضي الزراعية الساحلية ونزوح السكان وغيرها.

بالإضافة إلى هذا، فإن التربة تتعرض للاستنزاف، فسنويا، يتم فقدان 50000-70000 كم2 من الأراضي الزراعية الجيدة في  العالم نتيجة النشاطات الإنشائية، والتعدين والصيانة والتصحر والتملح، وسنويا يصاب 1,5 مليون هكتار في الغالب من الأراضي الجيدة بالتملح ويخرج من نطاق الإنتاج في العالم.

وتصل كمية التربة المفقودة بسبب الانجراف إلى 2,5 مليار طن سنويا، وتقدر الأمم المتحدة أن عدم السيطرة على تعرية التربة يمكن أن يخفض الإنتاج العالمي من الغذاء بنسبة 19-29 بالمائة حتى عام 2010، ويعود هذا إلى الفقر وعدم استطاعة الفلاحين حماية التربة، وتشير أيضا بوضوح إلى أن المشكلات الاقتصادية تسبب أو تساعد على تفاقم التردي البيئي الذي يجعل بدوره، الإصلاح الاقتصادي والهيكلي عملية يصعب تحقيقها فالحرمان الاقتصادي والتدهور البيئي يعزز كل منهما الآخر لتكريس الحرمان في كثير من البلدان النامية.

 

 

 

 

 

 

 

 

   

السلام

بعد أن ملأ صاحبنا الأمازوني آذاننا آلاما بما ينتظر الأرض من خراب على يد العصابات المجرمة التي لا تعرف إلا الصراع، سألناه: وماذا فعلت بعد انتهاء ذلك الملتقى.. وبعد أن سمعت ما سمعت مما يمتلئ القلب له ألما.

قال:  لا أستطيع أن أصف لكم تلك المشاعر المؤلمة التي أصابتني.. لقد شعرت أن الأرض تحتضر.. وأن المجرمين قد أنفذوا فيها سهامهم.. وأن سهامهم يوشك أن تفعل مفعولها في الأرض، فتموت، ويموت كل ما عليها من حياة.

بتلك المشاعر المتشائمة عدت إلى غابتي.. ونهري.. وحيواناتي..وأجوائي.. وقد كانت المفاجأة عظيمة إذ رأيت شاحنات ضخمة مزودة بأحدث الأجهزة تقتحم تلك الغابات.. ثم تنزل بجنودها المرتزقة، وتعمل فيها قطعا وتمزيقا.. ورأيتهم يضعون بدل الأشجار آلاتهم التي تنشر الخراب والسموم والدمار..

أسرعت إليهم.. وصحت فيهم بكل قوة، لكنهم لم يأبهوا لي، ولم يصغوا لما أقول، بل إن أحد حرسهم أسرع إلي، ومن دون أن أدري ما يحصل هوى إلى رأسي بمطرقته.. وقد كان يمكن أن يكون في ذلك حتفي لولا أن الله أرسل إلي صاحبي مع إخوانه من أحباب الطبيعة، وأنقذوني من بين أيديهم.

بقيت مدة في بيت صاحبي لا أكاد أفيق حتى تعود الآلام إلي من جديد.. وقد كان يزيد في ألمي تلك الأصوات المزعجة التي نسمعها من تلك الشركات التي اجتمعت جميعا لتدمر الحياة في غابتنا ونهرنا.

بعد أن تماثلت للشفاء، وذات يوم من الأيام رأيته يصلي على طريقة المسلمين في صلاتهم.. لم أكن أعرف حينها المسلمين.. ولا الإسلام..

فلذلك أسرعت إليه أسأله عما يفعل، فأجابني بأنه كان يصلي، وأخبرني أنه صار مسلما منذ فترة طويلة.. ولكنه كان يكتم إيمانه.. فسألته عن سر تركه لدينه واختياره الإسلام، فقال لي: أنت تعلم أنني لا أختلف عنك في حبك لما ملأ الله به هذه الأرض من خيرات.. وتعلم مدى حرصي عليها.. ولذلك اخترت الإسلام دينا أدين به.. لأني علمت أنه دين الله الذي اختاره الله لعباده.

قلت: الأديان كثيرة.. هناك الأديان الهندية.. والصينية.. وهناك المسيحية.. وهناك اليهودية.. وهناك الأديان البدائية.. فلم اخترت الإسلام من بينها جميعا.

قال:  لقد انطلقت من حبي للكون.. ولما يسميه الناس الطبيعة.. وقلت لنفسي: لا يمكن أن يكون الدين الذي يختاره الله لعباده إلا متوافقا مع هذه الطبيعة ومع هذا الكون.. فالدين الذي هو أمر الله لا يمكن أن يتناقض أو يتصارع مع خلق الله.

وما إن وضعت هذا المقياس حتى رحت أبحث في الأديان.. وفي كتبها المقدسة.. وبين رجال دينها.. فبدأت بالمسيحية.. ثم بالبوذية.. ثم باليهودية.. ولم أجد عندها جميعا ما أبحث عنه..

قلت: والإسلام !؟

قال:  أصدقك القول أني لم أكن أفكر أبدا في الإسلام.. فقد كنت أسمع عنه ما جعلني أنفر منه نفورا تاما، لكن الله قدر بأن يكون الدين الذي أنفر منه هو الدين الذي أختاره وأعيش من أجله وأجعله رسالتي الكبرى في الحياة.

قلت: كيف حصل ذلك؟

قال:  بينما كنت ذات يوم أسير في غابة من الغابات العذراء إذا بي أرى رجلا وقورا يقرأ بخشوع قوله تعالى :﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ (الروم:41).. ثم يرددها، ويبكي، فاقتربت منه، وقلت: ما تقرأ؟.. وما بالك تبكي؟

قال: أقرأ كلام ربي.. وأبكلي لأفعالنا.. لقد حذرنا ربنا من الفساد العظيم الذي يشمل البر والبحر إن استرسلنا مع نفوسنا الأمارة بالسوء.. وها نحن نرى ما حذر منه يحصل لنا.

قلت: أدينكم يهتم بالكون؟.. لم أر في الأديان هذا الاهتمام.

ابتسم، وقال: عجيب هذا.. إذا لم يهتم دين الله بأكوان الله، فبم يهتم؟

قلت: الدين يصف الطقوس التي يعبد بها الإله.

قال:  إن أهم الطقوس عندنا هي أن نحافظ على فطرة الله التي فطر بها الأشياء.. نحافظ على فطرة الإنسان.. وفطرة الهواء.. وفطرة الماء.. وفطرة الأصوات.. وفطرة النبات.. وفطرة الحيوان.. وفطرة الغذاء.. وفطرة الأرض.. وفطرة كل شيء.

لأن تغيير الفطرة صراع.. والله لم يخلقنا لنصارع الأشياء.. وإنما خلقنا لنستفيد منها.. أو ليستفيد بعضنا من غير صراع..

لقد قال الله تعالى يذكر لنا هذا :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)

وأخبرنا أن دور الشيطان الأكبر هو تغيير الفطرة وتحريفها لينشأ من تحريفها كل أنواع الصراع، قال تعالى مخبرا عن وعيد الشيطان ومحذرا منه :﴿ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120)﴾ (النساء)

انظر.. كيف هدد الشيطان بتضليل العباد ودعوتهم لتغيير خلق الله.. وها هو ينفذ وعيده.. وها نحن ننساق وراءه لنحول من جنة الله التي استضافنا فيها مستنقعا من المستنقعات ومزبلة من المزابل.

كان يتكلم بتأثر عظيم، فقلت: ولكن.. أليس من قومك من نشر مثل هذا الخراب؟

قال:  ولذلك أنا أبكي.. لو كان الأمر من غيرهم فقط لهان.. فأولئك ليس لهم من الدين ما ينهاهم عن هذه الجرائم.. ولكن قومي يعلمون التحذيرات الألهية الخطيرة.. بل يعلمون تفاصيلها.. ولكن مع ذلك انساقوا وراء الشياطين، وراحوا يخربون ويدمرون ما أمر الله بحفظه.

قلت: أرى أن لدينك شأنا.. فهل تأذن لي في صحبتك لأتعرف عليه من خلالك.

قال:  أنا أضعف من أن أمثل لك ديني.. أنا بشر مخطئ مقصر.. لكني سأدلك على قوم حرصوا على أن يعيشوا الإسلام.. سر إليهم.. فسترى من خلالهم الإسلام.. وترى من خلالهم جميعا تلك الشمس العظيمة التي امتلأت سلاما.. وملأت الأرض سلاما.

***

سرت كما طلب مني.. فوجدت أرضا.. وكأنها غير الأرض.. ممتلئة جمالا ونظاما وصفاء وسلاما.. لقد خيل إلي أني في الجنة، ولست على هذه الأرض.

كان أول ما لقيت فيها رجلا سمعته يحدث صاحبه، ويقول: هل قمت هذا الصباح بقياسات الهواء؟

قال الثاني:  أجل.. وقد وجدتها بحمد الله على حسب الفطرة الأصلية التي خلقها الله.. فليس هناك أي زيادة، ولا أي نقصان.. ولم يطغ فيها شيء على شيء..

قال الأول: الحمد لله.. هذا فضل من الله.. لقد أمرنا الله بإقامة الموازين.. فقال :﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)﴾ (الرحمن)

 قال الثاني: ولكني سمعت أن الغلاف المحيط بالأرض بدأ يتسرب إليه الطغيان..

قال الأول:  كيف.. لقد قال الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الانبياء:32).. إن ذلك الغلاف يؤدي وظائف ضرورية لاستمرار الحياة، فهو يدمر الكثير من النيازك الكبيرة والصغيرة، ويمنعها من السقوط على سطح الأرض وإيذاء الكائنات الحية، ولولا وجوده لسقطت ملايين النيازك على الأرض جاعلة منها مكاناً غير قابل للعيش، ولكن خاصية الحماية التي يتمتع بها هذا الغلاف سمحت للكائنات بالبقاء آمنة على قيد الحياة.

وهو يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر.

وهو يصفي شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية.

وفوق ذلك هو لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية، وموجات الراديوا بالمرور.. وكل هذه الإشعاعات أساسية للحياة.

فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح بمرورها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي ضرورية جداً لعملية التمثيل في النباتات، ولبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة.

أما غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية المركزة، فيتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، ولا تصل إلا كمية محدودة وضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.

قال الثاني: لقد قام المجرمون أصحاب البطون الكبيرة بإرسال بعض الغازات التي أثرت في طبقة الأوزون.. ويوشك أن تقتل الحياة لو استمر الأمر هكذا.

قال الأول:  فهيا بنا.. لابد أن نصرخ في العالم حتى يكف عن جرائمه..

سارا.. وسرت خلفهما إلى أن غابا عني ولست أدري أين غابا..

***

سرت في تلك الأرض النظيفة الجميلة.. فرأيت شيخا كبيرا كان يخاطب ابنه، ويقول: يا بني.. يوشك أن يأتيني أمر الله.. وأغادر هذه الدنيا كما غادرها من قبلنا.. وأنا لا أوصيك بشيء كما أوصيك بهذه المياه التي رزقنا الله.. حافظ عليها.. واعبد الله بحفظك لها..

فقد جعل الله الماء سر حياة الأرض، ولهذا يربط القرآن الكريم بين المطر وحياة الأرض، فيقول:﴿ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ  ﴾ (البقرة: من الآية164)، وقال تعالى:﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ (النحل:65)، وقال:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ (العنكبوت:63)، وقال:﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (فصلت:39)، وقال:﴿ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ (الجاثـية:5)

نظر إلى صفحة الماء العذبة أمامه، وقال: يا بني.. لقد من الله علينا بأن حفظ لنا طهارة المياه وصلاحها، فإياك أن تسمع للشياطين التي تسعى لتدميرها وتلويثها.. لقد قال الله تعالى:﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ(69)  لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) ﴾(سورة الواقعة)، وقال:﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (الفرقان:48)، وقال :﴿   وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ (الفرقان: من الآية48)، وقال:﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ (لأنفال:11)

وكان r إِذَا شَرِبَ الْمَاء قَالَ:( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلهُ مِلْحًا أُجَاجًا بِذُنُوبِنَا)[10] 

انظر كيف أرجع r تغير الماء إلى الذنوب.. وانظر إلى هذا العالم الذي أعماه الطمع.. فراح يصارع فطرة الله في الماء، فيجعل من سبب الحياة سببا للموت، ويجعل من ذلك الماء العذب الفرات سموما ومستنقعات.

اسمع للنبي r وهو ينهانا عن إيصال أي أذى للمياه.. لقد نهى r عن البول في الماء الراكد[11]، وقال:( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)[12] بل ورد الأمر مطلقا، فقال r:( لا يبولن أحدكم في الماء الراكد)[13]

ونهاها r عن النفخ في الشراب، فقال:( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه)[14]، وقال:( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريده)[15]، وعندما قال له رجل معقبا على هذا النهي: القذاة أراها في الإناء قال له r:(أهرقها)[16]

وقد قاس الفقهاء على هذا تحريم كل ما يمكن أن يتسبب في الإضرار بطهورية الماء، لأن الله تعالى عندما امتن علينا بطهارته، طلب منا أن نحافظ على هذه الطهارة، فالحفاظ على النعمة واجب.. ولذلك لا شك في حرمة كل ما يسبب تلوث المياه.

 سكت قليلا، ثم قال: وإياك يا بني أن تغتر بكثرة ما رزقنا الله من المياه، فتعبث بها.. فإنه لا يضر النعمة شيء كما يضرها الإسراف.. لقد قال تعالى يحذرنا من الإسراف :﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (لأعراف:31)

***

تركته ينصح ابنه، وسرت في تلك البلدة الجميلة.. وقد امتلأت إعجابا بذلك الهدوء الذي يعمها مع أنها كانت ممتلئة بكل معاني الحياة.. وبينما أنا أسير إذا بي أرى جمعا ملتفا حول رجل يقرأ قوله تعالى :﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هو ناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً((الفرقان:63)

ثم رأيت شيخا وقورا يفسر الآية، وبعد أن فسرها، سأله بعضهم، وقال: ما سر هذا الاقتران الوارد في الآية بين المشية الهينة وخطاب السلام؟

قال الشيخ: أنتم تعلمون ما ورد في الشريعة من الشرائع الناهية عن كل تلوث صوتي مزعج.. وهذا من هذا الباب.. فللتلوث الصوتي مصدران: الأصوات والحركات، فالأصوات يمثلها الكلام، والحركات يمثلها المشي.. فلذلك جمعت الآية بينهما.

قال رجل من الحاضرين: صدقت فهناك من يمشي، فتندك الأرض من تحت قدميه، وهناك من يمشي خفيفا لينا لا تشعر به الأرض، ولا يتأذى به من حوله.

قال الشيخ: ولهذا وصف الله تعالى مشية الصالحين بالهون[17]والقصد[18]، وقد سمع النبي r جلبة خارج المسجد فقال:( ما شأنكم؟)، قالوا:( استعجلنا إلى الصلاة)، فقال:( لا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما سبقكم فأتموا)[19]

قال السائل: عرفنا الأول.. فما الثاني، ولم ورد التعبير عنه بقوله تعالى :﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً((الفرقان:63)؟

قال الشيخ:: لقد ذكر تعالى ـ بالنسبة للصوت ـ أمرين: أما الأول، فهو تسليم عباد الرحمن على الجاهلين وإعراضهم عنهم، وأما الثاني، فهو الأمر بغض الصوت.

وهذان هما مصدرا الضجيج في الأصوات، فالأول يسد ذرائع الصخب والخصام، لأن أساس الضجيج هو  الخصام.

وأما الثاني، فتشير إليه كل النصوص التي تنهى عن رفع الصوت فوق ما يحتاج إليه، كقوله تعالى يذكر فضل غض الصوت :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أو لَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ (الحجرات:3)

ويعيب على غيرهم من الغلاظ، فيقول:) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ((الحجرات:4)

ولهذا نهى الشرع عن كل ما يسبب الضجة والصخب ورفع الصوت في كل أنواع العبادات في مجتمع الإسلام[20].. وعندما أراد رسول  الله r اختيار طريقة لتبليغ الناس دخول وقت الصلاة استشار أصحابه في ذلك، ورفض اقتراحات بعضهم باستعمال الناقوس أو الطبول أو الأجراس، واختار الأذان بصوت الإنسان، لأنه أدعى إلى الهدوء والسكينة والبعد عن الصخب، وطلب تلقينه بلالاً لأدائه لأنه أندى صوتاً!

وعند أداء المسلم لصلاته أمره الشارع ألا يرفع صوته بأكثر من المطلوب وفي حد متوسط مقبول، كما قال تعالى:) وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً((الاسراء: من الآية110)

وهذا يسري في كل شيء، فقد ورد النهي عن رفع الصوت أكثر من حاجة المستمعين، قال r:( يا أيها الناس: أربعوا[21]على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم)[22]

وقد نهى النبي r عن رفع الصوت أثناء تلاوة القرآن في المساجد، لئلا يؤثر بعضهم على قراءة البعض الآخر، فقال r:( إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنه يناجي ربه فليعلم أحدكم ما يناجي ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض في الصلاة)[23]، وقال r:( إذا كان أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه فلينظر أحدكم ما يقول في صلاته ولا ترفعوا أصواتكم فتؤذوا المؤمنين)[24]

***

تركت الشيخ، والجماعة الملتفة حوله، وسرت.. ولم أسر إلا قليلا حتى رأيت شيخا كبيرا قد أعيته الأيام، ومع ذلك رأيته يحمل فأسه، ثم يحفر حفرة، ثم يضع في محلها شجيرة بجهد وعناء، فاقتربت منه، وقلت: أفي هذا السن تحمل الفأس؟

قال:  وما لي لا أحملها.. إني لا أريد أن ألقى الله إلا وفي يدي من آثار العمل ما يقربني إليه.

قلت: أليس لك من الولد من يقوم بدلك بهذا؟

قال:  وهل يستطيع ولدي أن يصلي بدلي؟

قلت: تلك الصلاة.. وهذا العمل؟

قال:  كلاهما بالنسبة إلي صلاة.. بل إن هذا الذي أفعله إذا حسنت فيه النية، سيكون له من الأجور ما لا يمكن تصوره.. اسمع لما يقول رسول الله r.. لقد قال: ( ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)[25].. انظر ما يحمله هذا الحديث من ترغيب..

بل إنه r قال لنا: ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها)[26]

وقال :( من نصب شجرة، فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر، فإن له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله عز وجل)[27]

لقد كانت هذه النصوص وغيرها كثير هي الحادي الذي جعل المؤمنين يتقربون إلى الله باستنبات النبات وعمارة الأرض بفضل.. لقد روى أن رجلاً مر بأبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ وهو يغرس جوزة، فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهي لا تثمر إلا في كذا وكذا عاما، فقال أبو الدرداء: (ما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري؟)

ومع هذا كله، فإن نبينا r نهانا أن نقطع الأشجار إلا للضرورة الشديدة.. ففي الحديث :( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)[28]

قاطعته قائلا: أمن الضرورات الحروب.. ففي الحروب عندنا تحرق الغابات، وتقتل الحياة.

قال:  لا.. حتى في الحروب.. لقد كان r يوصي أصحابه أن لا يحاربوا إلا من حاربهم.. وبما أن الأشجار لا تحارب، فلا يحق لأحد أن يحاربها.. لقد كان r يوصي أصحابه في الحرب، ويقول لهم:( ولا تعقرن شجراً قد أثمر، ولا تحرقن نخلاً، ولا تقطعنّ كرماً)[29]

بل إن القرآن الكريم اعتبر إتلاف الحرث من الإفساد في الأرض، قال تعالى :﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ (البقرة:205)

***

تركت الشيخ مع فأسه وشجيراته وسرت، فوجدت رجلا يحمل على بهيمة بعض المتاع، ثم ينظر إليها كل حين، فاقتربت منه، وسألته عن سر تصرفه هذا، فقال: أنا أعرف دابتي.. وأعرف الطاقة التي تستطيع تحملها، فلذلك تعودت أن أنظر إلى وجهها لأرى مدى تحملها.

قلت: أنت رجل رقيق القلب.

قال:  كل مسلم ينبغي كذلك.. وإلا فسينال من عذاب الله ما يعيد لقلبه رقته.

قلت: وما علاقة العذاب بهذا؟

قال:  لقد حذرنا رسول الله r تحذيرا شديدا من تعذيب الحيوان أو إرهاقه.. بل إنه r علمنا كيفية وضع الحمل عليها، مما يكون عونًا لها على السير، وتخصيص كل دابة بما تطيقه، والمبادرة لحلِّ الرِّحال عن النزول عنها، وتقديم علفها على أكل صاحبها، وكذا المباردة إلى سقيها، كل ذلك شفقة عليها وإبقاء لها[30]، ففي الحديث قال رسول الله r:( أخِّروا الأحمال، فإنَّ اليدَ مُغْلقةٌ، والرِّجْلَ مُوثَقَة)[31]

وفي حديث آخر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:( خرجت مع رسول الله r في حجة الوداع، وخرج معه نساؤه، وكان مَتاعي فيه خف، وهو على جمل ناج، وكان متاع صفية في ثِقل، وهو على جمل ثِفال بَطيء، يَتبطأ بالركب، فقال رسول الله r:( حوِّلوا متاع عائشة على جمل صفية، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة، حتى يمضي الركب)[32]

وقد بنى الفقهاء على هذا وغيره حرمة الجمع بين الركوب وحمل المتاع إلا إن كانت الدابة المركوبة محتملة للحمل عليها [33]

وفي حديث آخر عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا إذا نزلنا منزلًا لا نسبّح حتى نحُل الرِّحال[34].. يريد بذلك: لا نصلي سُبحة حتى نحط الرحال، ونُجمَّ المطي.

وقد استنبط الفقهاء من هذا أنه يستحب لمن نزل منزلًا أن لا يَطعَم حتى يعلف الدابة، ولا يقصِّر في سقيها.

ومما يدخل في هذا الباب ما ورد من النهي عن وقوف الدابة وراكبها جالس على ظهرها؛ ففي الحديث، قال رسول الله r:( إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله عز وجل إنما سخَّرها لكم لتُبْلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض، فعليها فاقضوا حاجتكم)[35]، وفي رواية قال رسو ل الله r:( اركبوا هذه الدواب سالمة، وابتدعوها[36] سالمة، ولا تتخذوها كراسي)[37] 

وفي رواية أنه r مرَّ على دوابِّ لهم ورواحل، وهم وقوف، فقال النبي r:(اركبوها سالمة، وانزلوا عنها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم ومجالسكم، فرُب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكرًا لله عز وجل)[38]

ومما يدخل في هذا الباب ما ورد من النهي عن ركوب ثلاثة في آن واحد، ففي الحديث عن جابر قال:( نهى رسول الله r أن يركب ثلاثة على دابة)[39]، وفي رواية أبي سعيد:( لا يركب الدابة فوق اثنين)

وفي حديث آخر: أنه رأى ثلاثة على بغل، فقال: لينزل أحدكم فإن رسول الله r لعن الثالث[40].

بل ورد ما هو أخطر من ذلك، ففي الحديث عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم)[41]

قلت: ولكني لم أر في هذه النصوص أي تهديد بعذاب الله.

قال:  إن الله أرسل رسوله لنا لنطيعه ونلتزم أوامره.. وإلا فإن العذاب الشديد لمن عصاه.. وقد ورد في الحديث:( عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض)[42]

وصور r ذلك تصويرا مخيفا، فقال:( دنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم، فإذا امرأة حسبت أنه قال: تخدشها هرة: قال ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا)[43] 

ومثل ذلك من عذل الحيوان المثلة _ وهي قطع أطراف الحيوان _ ففي الحديث عن ابن عباس أن النبي r مرّ على حمار قد وسم في وجهه فقال:( لعن الله الذي وسمه)[44]، وفي رواية له:( نهى رسول الله r عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه)

وفي حديث آخر ًعن جنادة بن جراد أحد بني غيلان بن جنادة قال: أتيت النبي r بإبل قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله r:( يا جنادة فما وجدت عضوا تسمه إلا في الوجه أما إن أمامك القصاص) فقال: أمرك إليها يا رسول الله[45].

وفي حديث آخر، قال r:( من قتل عصفورا عبثا ًعجّ إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا ًولم يقتلني منفعة)[46]

وقد روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه مرّ بفتيان من قريش طيرا ًأو دجاجة يترامونها، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله r لعن من اتخذ شيئا ًفيه الروح غرضا[47].

قلت: أليس في دينكم إلا العذاب واللعن؟.. أليس هناك في المقابل جزاء لمن أحسن إلى الحيوانات؟

قال:  اعذرني.. لقد اكتفيت بجوابك.. ولم أذكر لك ما ورد في فضل الرحمة بالكائنات.. لقد ورد في نصوصنا المقدسة ما يرغب في الجزاء الذي أعد للتعامل المسالم مع الكائنات، وما يرهب في نفس الوقت من التعامل معها كما يتعامل معها المصارعون:

فقد جاء رجل إلى رسول الله r فقال:( إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لأهلي ورد علي البعير لغيري فسقيته، فهل لي في ذلك من أجر، فقال رسول الله r:( في كل ذات كبد حرى أجر) [48]   

وعن محمود بن الربيع أن سراقة بن جعثم قال: يا رسول إن الضالة ترد على حوضي فهل لي فيها من أجر إن سقيتها؟ قال:( أسقها، فإن في كل ذات كبد حراء أجرا ً)[49]

وفي حديث آخر قال رسول الله r:( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحر، فوجد بئرا ًفنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفرله، قالوا:يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا ً؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر)[50]

وأخبر r أن الله تعالى غفر لامرأة مومسة مرت بكلب يلهث كاد يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك[51].

وفي حديث آخر، أن رسول الله r قال:( الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر. فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال في مرج أو روضة فما أصابت في طلبها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت أرواؤها وأثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له..)[52]

تركته، وسرت، فسمعت رجلا يتحدث عن الحيوانات المنقرضة، وكأنه يبكيها ويندبها، ومما سمعته منه قوله في تعليل تحريم الإسلام لبعض أنواع الحيوانات[53] :.. ولذلك وردت النصوص بإباحة الحيوانات التي يكثر وجودها أو يسهل تنميتها، بخلاف الحيوانات التي يندر وجودها.

فنهى رسول الله r عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، والسر في ذلك أن هذه الأنواع من الحيوانات هي التي تحقق التوازن البيئي من ناحية، وهي نادرة من ناحية ثانية بحيث يؤدي صيدها إلى انقراضها.. هذا بالإضافة إلى ما ذكره العلماء من الحكم المرتبطة بالصحة.

وورد النهي عن أكل الحمر الأهلية، ومورد الحديث، وعلة الحكم تبين قصد الشرع الحفاظ على هذا النوع من الحيوان.

وورد النهي عن أكل لحم القرد، قال ابن عبد البر:( أجمع المسلمون على انه لا يجوز أكل القرد لنهى رسول الله r  عن أكل القرد) 

وبخلاف هذا نرى الإباحة المطلقة لكل الحيوانات البحرية نظرا لكثرتها وعدم الخشية من انقراضها، بل يسرت الشريعة الأحكام المرتبطة بها، فأباحتها كيفما وجدت، سواء أخذت من الماء حية أو ميتة، طفت أو لم تطف يستوي في ذلك السمك والحيتان، وما يسمى كلب البحر أو خنزير البحر أو غير ذلك، ولا عبرة بمن أخذها وصادها، مسلما أو غير مسلم، قال القرطبي:( وأكثر أهل العلم على جواز أكل جميع دواب البحر حيها وميتها، وهو مذهب مالك)[54] 

وكأنها ـ من خلال هذا التسيير ـ تدعو إلى الاستعاضة بها عن الحيوانات المحرمة حفاظا على البيئة، بل إن القرآن الكريم يصف من محاسن الحيوانات البحرية ما يرغب في أكلها، قال تعالى ممتنا على عباده:)  وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14)

فالآية الكريم تصف لحم الحيوانات البحرية بكونه طريا، وكأنها بذلك تثير الشهية إلى طلبه والرغبة فيه.

وفي آية أخرى تخص صيد البحر بالإباحة، وفي ذلك إشارة أيضا إلى الترغيب في التمتع بنعم الله في البحر، ليحصل التوازن بين البر والبحر، ويحفظ التنوع في كليهما، قال تعالى:﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (المائدة:96)

***

أحسست ببعض الجوع، فذهبت إلى مطعم قريب.. وطلبت طعاما من أطعمة هذه الحضارة، فرأيت صاحب المطعم لا يعرفه.. طلبت آخر.. فلم يعرفه.. فسألته متعجبا: فلم فتحت المطعم إذن.. ما دمت لا تعرف هذه الأنواع من الأغذية؟

قال:  فتحته لإطعام الناس مقابل ما يرزقني الله بواسطتهم من رزق.

قلت: ما دمت قد نويت هذه النية.. فلم لم تحضر لهم من الطعام الطيب ما يجعلهم يرغبون في ملء خزائنك بالذهب والفضة؟

قال: الطعام الطيب عندنا هو الحلال الذي لم يخرج عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

قلت: أللطعام فطرة؟

قال:  أجل.. لقد جعل الله لكل شيء فطرته الخاصة به.. ونحن نصارعه إن أخرجناه عن فطرته.. لقد قال الله تعالى :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:30)

وقد ذكر الله الطعام وطلب منا أن نحافظ على أصالته، فقال :﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259)

قلت: هذه قصة.. فكيف اكتشفت منها ما اكتشفت؟

قال:  ما دام الله قد حفظ للرجل طيلة تلك السنين الطوال ـ بمعجزة ـ طعامه.. فإن ذلك يعني أن الطعام لا يصح أكله إلا طيبا لم يتسنه.

قلت: ولكني لم أطلب منك أطعمة قد تسنهت؟

قال: إن الأطعمة التي تخرج عن فطرة الله تولد متسنهة.. فلذلك نحن لا ندخل بطوننا إلا الطعام الذي بقي على فطرته.

قلت: ألا تسمعون بالهندسة الوراثية؟

قال:  نحن نسمع بهندسة كل شيء إلا الهندسة التي تغير فطرة الله في الأشياء.. فهذه لا نسمع بها.

قلت: فأعطني من الطعام الطيب الذي لم يتسنه ما أملأ به بطني.

قال:  سأعطيك ما يكفيك ويمتعك.

***

بعد أن سددت جوعي بأطيب طعام ذقته في حياتي سمعت نداء الصلاة.. فرأيت الناس جميعا يهرعون إليها، فأسرعت حيث يهرعون.. ودخلت أول مرة في حياتي المسجد.. وهناك رأيت خطيبا يقف على المنبر يحدث الناس عن الأرض وعن حفظ الأرض، وعن السلام مع الأرض، وكان مما سمعته قوله :( انظروا ـ أيها المؤمنون ـ كيف قدم الله تعالى الإفساد في الأرض على سفك الدماء في هذه الآية الكريمة.. قال تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة:30)

انظروا كيف عاتب صالح قومه عندما تركوا ما جعل الله لهم من المساكن السهلة، وراحوا ينحتون الجبال التي ما خلقها الله للسكن[55].. قال تعالى :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)﴾ (الشعراء)

وانظروا كيف عاتب شعيب قومه على إفسادهم في الأرض، قال تعالى :﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)

وانظروا هذا الوعيد الشديد الذي أخبر الله بأنه كتبه في كتب بني إسرائيل، قال تعالى :﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)﴾ (الأعراف)

وانظروا هذه العقوبة الشديدة التي شرعها الله لأمة محمد r لمن يفسد منهم في الأرض، قال تعالى :﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)﴾ (الأعراف)

تدبروا كل هذه الآيات وتمعنوا فيها لتعلموا أن الله تعالى ائتمننا على هذه الأرض.. ائتمننا عليها لنحفظها ونحافظ عليها.

هل يرضى أحدكم أن يدخل بعض الناس بيته، فيروح ذلك الضيف يفسد، ويخرب، ويحطم.. هل ترضون لبيوتكم أن تقلب رأسا على عقب..

قالوا جميعا: لا.. ولا كرامة لمن خرب وأفسد.

قال:  فبيت الله هو هذه الأرض.. ونحن ضيوف فيها.. وليس على الضيف إلا أن يحفظ دار ضيفه.

ومن لم يحفظها، فلن يكون جزاؤه إلا ما أخبر الله عنه من نبأ الأمم السابقة..

لقد ذكر الله نبأ سبأ.. لاشك أنكم تعرفونها..

قال رجل من الجمع: أجل.. ومن لا تعرف حضارة سبأ.. فهي حضارة راقية، وقد كانت لها من الجنات ما تنبهر له الأبصار، كما قال تعالى يصفها :﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ (سبأ:15)

قال الخطيب: ولكنهم بإعراضهم عن الله وانحرافهم عن سبيله أدركتهم سنة الله فيمن حاد عن الله، قال تعالى يبين الحال التي انتقلوا إليها، وسببها :﴿ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾ (سبأ:16)، فهذا الذي صار إليه أمر تينك الجنتين إليه بعد كفرهم وشركهم باللّه وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل، فبعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل.

قال رجل من الجمع: إن قومنا الآن يتيهون.. ويعتبرون حضارة السبأيين بدائية بالنسبة لما وصلت إليه حضارتهم.

قال الخطيب: القرآن الكريم يعمم نموذج سبأ على كل القرى والحضارات والأمم التي انحرفت عن سبيل الله، قال تعالى يبين سنته في ذلك :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ (القصص:58)، وقال :﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ (طه:128)، وقال :﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ (العنكبوت:38)، وقال:﴿ أو لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ ﴾ (السجدة:26)

جلس الخطيب جلسة خفيفة، ثم قام يقول: فاحذروا أيها المؤمنون من أن تضيعوا أمانة الأرض التي أمر الله بحفظها.. وإياكم أن تدب إليكم أدواء الأمم من حولكم.. أولئك الذي يخربون الأرض، ويقتلون الحياة، ويغيرون خلق الله، ويصارعون فطرة الله.

قال رجل من الجمع: ولكن الحضارة قد تستدعي بعض ما ذكرت.

قال الخطيب: كل حضارة خربت الحياة وبدلت الفطرة داء وتخلف..

قال الرجل: لقد عشت في تلك القرى.. ورأيت أن الضرورة تستدعي ما يتصرفون فيه.

قال الخطيب متوجها للسائل: أفي إمكان تلك العقول التي استطاعت أن توفر جميع المرافق وجميع أنواع الرفاه أن تخترع للأرض ما يحفظ لها سلامها؟

قال الرجل: أجل.

قال الخطيب: فلم لم تفعل؟

قال الرجل: إن ذلك يستدعي مصاريف ضخمة وأموالا كثيرة.

قال الخطيب: لقد ذكرت لك أن أولئك لا يفكرون إلا في جيوبهم وخزائنهم، ولذلك لا يهمهم في سبيل دينار زائد أن يخربوا كل شيء.. إن أولئك لا يختلفون عن عاد وعن ثمود وعن كل القرى التي ذكرها الله.

قال ذلك، ثم قام للصلاة، وقمت معهم، وكانت أول مرة أصلي فيها في حياتي.. ومنذ ذلك اليوم وأنا أحمد الله على نعمة الإسلام دين السلام.

***

قلنا: لقد حدثتنا عن إسلام صاحبك، فهل أسلمت أنت؟

قال:  لا.. وقد كنت قريبا من الإسلام.. لكن الله شاء أن يفارقني صاحبي إلى هذه البلاد قبل أن أقتنع اقتناعا كليا بالإسلام.. فالدين ـ كما أرى ـ ليس من السهولة البت فيه.

قلنا: إلى أين ذهب صاحبك هذا؟

قال:  لقد جاء إلى هذه البلاد.. وقد ذكر لي قبل مجيئه أن فتنة تريد أن تقضي على الفئة التي يحفظ الله بها أرضه.. ولذلك ترك أشجاره وأنهاره وجاء إلى هذه البلاد.. وجئت على أثره أبحث عنه، وقد شاء الله أن أموت دون لقائه.

 

 

 

 

 



([1]) تعتبر غابة الأمازون المطيرة أكبر غابة استوائية مطيرة في العالم، تغطي نحو 5,2 مليون كم² من حوض نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية. يقع ثلثا الغابة المطيرة تقريبًا في البرازيل. كما تحتل الغابة المطيرة أيضًا أجزاء من بوليفيا، وبيرو، وإكوادور، وكولومبيا، وفنزويلا، وغايانا، وسورينام وغيانا الفرنسية. يتراوح معدل المطر سنويًا بين 130 و445سم، ويبلغ معدل الحرارة حوالي 27°م..

([2]) يعتبر نهر الأمازون ثاني أطول أنهار العالم بعد نهر النيل، وأهم نهر في أمريكا الجنوبية. يبلغ طول نهر الأمازون 6,437كم ويحتوي على كمية من الماء أكثر من أي نهر آخر ـ أكثر من أنهار المسيسيبي والنيل ويانجتسي مجتمعة.

([3]) تضم غابة الأمازون المطيرة تشكيلة واسعة من النباتات والحيوانات أكثر من أي مكان في العالم، حيث تعيش فيها عشرات الآلاف من أنواع النباتات المختلفة هناك. يحتوي الهكتار الواحد من أرض الغابة المطيرة على 280 نوعًا أو أكثر من الأشجار المختلفة. ويوجد العديد من النباتات الاقتصادية المهمة في الغابة المطيرة. وهي تنتج الجوز البرازيلي والكاكاو، والكورار (عقّار مهم) والأناناس والمطاط. يستوطن أكثر من 1,500 نوع من الطيور الغابة المطيرة. كما تحتوي أنهار المنطقة على حوالي 3,000 نوع معروف من الأسماك، وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد العلماء أن في الغابة ما يقرب من 30 مليونًا من الحشرات المختلفة..

([4]) ترتفع بعض الأشجار في الأمازون، وتُدعى الشواهق فوق بقية أشجار الغابة ويصل ارتفاعها إلى 50 مترًا، كما يرتفع الغطاء العلوي للأشجار إلى ارتفاع يتراوح بين 20 و50 مترًا.

([5])هذه الإحصاءات ذكرت في المؤتمر العالمي الثاني للأمم المتحدة حول البيئة والتنمية عام 1992م، والذي عقد في ريودي جانيرو في البرازيل، وقد اجتمع فيه ثلاثون ألف مشارك بما فيهم مئة زعيم.

([6])من كتاب جينيس للأرقام القياسية / طبعة 2000 م.

([7]) اقتبسنا بعض الحوار الوارد هنا من رسالة ( رقية الجسد) من سلسلة (ابتسامة الأنين)

([8]) تضاعف سكان العالم ثلاث مرات خلال السبعين سنة الماضية بينما تزايد استهلاك المياه ست مرات نتيجة النمو الصناعي وزيادة استخدام المياه في الري وارتفاع المستوى المعاشي.

([9]) أي غير القادرة على تصنيع غذاءها من خاماته الأولية كما يفعل النبات.

([10]) ابن أبي حاتم.

([11])  والفائدة الصحية لهذا أن الماء الراكد يعتبر جوا ملائما لنمو الكثير من البكتريا كالكوليرا والسالمونيلا والشيجلا والليبتوسبايرا وغيرها.

زيادة على أن كثيرا من الديدان كالزحار الأميبي والديدان المستديرة والبلهارسيا تحتاج لإكمال دورة حياتها خارج جسم الإنسان، ويساعد التبول والتبرز على نمو هذه الديدان وسرعة تكاثرها وانتشارها.

([12])  البخاري ومسلم.

([13])  ابن ماجه عن أبي هريرة.

([14])  البخاري والترمذي عن أبي قتادة.

([15])  ابن ماجه عن أبي هريرة.

([16])  الترمذي، وقال:حديث حسن صحيح

([17])  أي بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، كما قال رسول اللّه r:إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا »

حتى روي عن عمر أنه رأى شاباً يمشي رويداً قال: ما بالك! أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة.

([18])  وهو أن يمشي مقتصدأً مشياً ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط بل عدلاً وسطاً بين بين.

([19])  البخاري.

([20])  ومن المراجع التي يمكن الاستفادة منها في هذا: د. محمد خالد سلطان: (الطب والشريعة) رسالة جامعية دمشق 1985،  د. أحمد شوقي الفنجري: (الطب الوقائي في  الإسلام) الهيئة المصرية العامة للكتاب، د. محمد المصري وآخرون: مقالة (مخاطر التعرض للضجيج والأصوات العالية) المجلة الطبية العربية دمشق ع 137 كانون 1، 1997، الصيدلي عمر محمود عبد الله: (الطب الوقائي في الإسلام) الدوحة 1990. وبحث للدكتور محمد نزار الدقر.

([21])  اربعوا بهمزة الوصل في أوله وسكون الراء وفتح الباء ومعناه: ترك الشيء والمعنى هنا: ارفقوا بها.

([22])  البخاري ومسلم.

([23])  الطبراني وأحمد.

([24])  البغوي.

([25]) رواه البخاري.

([26]) رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد.

([27])رواه أحمد.

([28]) رواه أبو داود.

([29])رواه محمد بن الحسن.

([30])  انظر في هذا: تحرير الجواب عن ضرب الدَّواب، للشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (831-902)

([31])  رواه الطبراني والبزار وغيرهما.

([32])  رواه أبو يعلى.

([33])  قال ابن خزيمة قال: إذا كان الأغلب من الدواب المركوبة أنها إذا حُمل عليها في السير عطبت، لم يكن لراكبها الحمل عليها، إذ النبي r قد اشترط أن تُركب سالمة، ويُشبه أن يكون معنى قوله: (اركبوها سالمة) أي: ركوبًا تسلم منه ولا تعطب. انظر: تحرير الجواب عن ضرب الدَّواب.

([34])  رواه أبو داود.

([35])  رواه أبو داود.

([36])  أي: اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها. وهو (افتعل) من وَدُع –بالضم- وَدَاعة وَدَعة؛ أي: سكن وترفه، النهاية: 5/166.

([37])  رواه ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان، في «صحاحهم» وغيرهم.

([38])  رواه ابن خزيمة، وابن حبان وغيرهما، وهذا كله عند انتفاء الحاجة، أما عندها وللضرورة، فلا حرج، وقد ورد في حديث جابر في صفة النبي r:( ثم ركب r ناقته القصواء حتى أتى الموقف بعرفة، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حَبْلَ المشاة بين يديه، واستقبل البيت، فلم يزل يدعو حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا، ثم دفع رسول الله ص، وأردف أسامة خلفه)(رواه البخاري ومسلم)

([39])  رواه الطبراني في الأوسط.

([40])  رواه ابن أبي شيبة من مرسل زاذان.

([41])  رواه الطبراني، وقد حمل الفقهاء هذه النصوص على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة للثلاثة، فإن أطاقتهم جاز. قال ابن حجر في فتح الباري (12/520):( يحمل ما ورد في الزجر من ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلا، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة)

وقال النووي في شرح مسلم (9/135):( مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على دابة إذا كانت مطيقة)

 وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقا ً، وقال ابن حجر:(لم يصرح أحد بالجواز مع العجز)

([42])  رواه البخاري ومسلم.

([43])  رواه البخاري.

([44])  رواه مسلم.

([45])  رواه الطبراني.

([46])  رواه النسائي وابن حبان في صحيحه.

([47])  رواه البخاري ومسلم.

([48])  رواه أحمد.

([49])  رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه ابن ماجة والبيهقي.

([50])  رواه مالك، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: فشكر الله له فأدخله الجنة.

([51])  رواه مسلم.

([52])  رواه البخاري ومسلم.

([53]) اقتبسنا هذا النص من رسالة (أكوان الله) من سلسلة (عيون الحقائق)

([54])  تفسير القرطبي.

([55]) روي في التفسير أنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرًا وبطرًا وعبثًا، من غير حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها.