الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: رحمة للعالمين

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

عاشرا ـ الكائنات

الخاتمة

 

عاشرا ـ الكائنات

في اليوم العاشر، ذهبت إلى مذبح في ضواحي المدينة سمعت أن جمعية للرفق بالحيوان من بلادنا زارته، وكان من أعضائها صديق قديم .. كان في بلادنا أشهر من نار على علم .. لعلك سمعت به .. إنه (جوان بلمنت) .. لقد كان (ماتادورا).. أو كما تعبرون أنتم (مصارع ثيران)[1] .. بل كان من أشهر من مصارعي الثيران.. وكان كثيرا ما يحدثني عن بطولاته في قهر الثيران المسكينة.

لقد كان يحدثني بحماسة عن دخوله للميدان المخصص للمصارعة .. وكيف كان يقوم بمواجهة الثور بمفرده.. وكيف كان يحاور الثور المهاجم بتحريك رداء أو قطعة من القماش.. وكيف كان يقتل الثور في نهاية المصارعة بكل برودة .. لتصيح الجماهير بعدها تحييه، وتحيي بطولته، وتحيي معها قسوة قلبه اللامتناهية.

في ذلك اليوم تعجبت إذ رأيته هناك .. فلم يكن المذبح مذبح ثيران، بل كان مذبح دجاج .. فتساءلت بيني وبين نفسي: ما بال الرجل جاء لهذا المحل .. أتراه تحول – بسبب تقدم سنه - من مصارعة الثيران إلى مصارعة الدجاج .. أو تراه جاء يطلب بعض الديكة ليجري بينها الصراع .. فقد أخبرني أنه – كما يهوى مصارعة الثيران - يهوى مصارعة الديكة[2].

لم تكن المفاجأة برؤيتي له في ذلك المحل أكبر من مفاجأتي من حديثه .. لقد رأيته يخاطب الجموع الملتفة حوله من عمال ذلك المذبح .. وفي عينيه دموع لو لم أكن أعرفه جيدا لصدقت أنها دموع رحمة .. ولكن معرفتي الطويلة به، وبأسلوبه في الحياة جعلني أرى في دموعه ما لا أرى في دموع غيره.

لقد كانت دموعه أشبه بذلك المنديل الذي كان يحاور به الثيران .. فهو خدعة من خدعه، وحيلة من حيله .. وقد أفصح لي عنها مرة عندما رأيته يبكي، فحزنت لبكائه، وراحت دموعي تزاحم دموعه، وفجأة ضحك بصوت عال، وقال: ها قد نجحت في أن أجرك إلى حلبتي.

قلت له حينها: ما تعني؟

قال لي، وهو لا يزال يضحك: لقد علمتني مصارعة الثيران أشياء كثيرة في حياتي، من بينها قدرتي على التلاعب بالعقول والعواطف .. فأنا يمكنني أن أبكي من شاء .. كما يمكنني أن أضحك من أشاء.

في ذلك اليوم .. وفي تلك اللحظات .. رحت أستمع إليه، وأرى في نفس الوقت وجوه المستمعين، وهي منشغلة انشغالا تاما بحديثه.

كان يمسك بيده دجاجة مذبوحة، وهو يقول: إن هذه الدجاجة المسكينة التي ترونها كائن حي له من المشاعر والأحاسيس ما لنا جميعا.

إنها تشعر بالألم كما نشعر .. وهي تحب الحياة كما نحبها .. وهي لا ترضى أن يحصل لها ما حصل كما لا نرضى أن يحصل لنا.

تصوروا أنفسكم في هذا الموقف .. أو تصوروا أحب الناس إليكم، وقد أصابه ما أصاب هذه الدجاجة المسكينة.

قال ذلك، ثم اغرورقت عيناه بدموع لم يستطع في الظاهر أن يحبسها.

قام بعض الحضور، وقال: نحن نقدر مشاعرك النبيلة .. ولكن ما الحل الذي تراه؟ .. هل ترى أن نتوقف عن أكل الدجاج وسائر الحيوان؟

قال بلمنت - وقد توقفت دموعه فجأة -: لا .. أنا لم أقل ذلك .. أنا لم أقل لكم تحولوا إلى نباتيين .. فأنا أعرف أن جسم الإنسان يحتاج إلى بروتينات حيوانية .. وأنا شخصيا من المدمنين على أكل اللحوم بجميع أنواعها.

قال الرجل: فما الحل إذن؟

قال بلمنت، وهو يشير إلى رأس الدجاجة: أنا أحدثكم عن هذا .. حاولوا أن تستشعروا الألم الذي شعرت به هذه الدجاجة، وهي تسلم رأسها للسياف .. انظروا كيف أذاقها الموت الزؤام .. وكيف شربته قطرة قطرة ..

قال الرجل: فما الحل؟

هنا تحول بلمنت إلى مصارع ثيران حقيقي، حيث راح يتحرك بكل قوة، وهو يقول: الحل بسيط .. بسيط جدا..

لقد استطاعت حضارتنا العظيمة أن تجد الحل .. وقد طبقناه في بلادنا .. وقد أتيناكم به هنا لتطبقوه، وتتخلوا عن تلك الأعراف الجاهلية البائدة التي جاءكم بها ذلك الذي تدعونه محمدا[3].

***

عندما قال هذا تغيرت وجوه العمال، وقام أحدهم، وقد عرفت بعد ذلك أن اسمه (غلام مصطفى خان)، وعرفت أنه رئيس جمعية أطباء المسلمين في بريطانيا، وقال: ما تعني؟

قال بلمنت: لقد رأيت الكثير من الناس .. وصحبت الكثير .. وقرأت عن الكثير .. لكني لم أجد رجلا قسا على الكائنات كما قسا عليها محمد ودين محمد.

قال خان: وكيف عرفت ذلك؟

قال بلمنت: ألا يكفي هذا الرأس ليدلك على ذلك .. ألا ترى أنه لا يسيل الدماء إلا المتعطش للدماء؟

قال خان: ولكنك ذكرت لنا أنك من المدمنين على اللحم، ومن المحبين له .. فكيف تراك تحصل عليه؟ .. أتنتظر الحيوان حتى يموت لتأكله؟

غضب بلمنت غضبا شديدا لا يختلف عن غضبه في حلبة الصراع، وقال: أنت تشتمني بقولك هذا يا رجل .. أنا إلى الآن أخاطبكم بالرفق واللين.. كيف تتهمني بأكل الميتة؟

قال خان: أتراك تقطع الحيوان .. وهو حيوان حي صحيح لتأكله؟

قال بلمنت: أتبلغ بي القسوة إلى هذا الحد؟

قال خان: فكيف تأكله إذن ما دمت لا تأكله ميتة، ولا تأكله مذبوحا؟

قال بلمنت: لقد ذكرت لكم أن حضارتنا وجدت الحل .. لقد وجدنا الحل الممتلئ بالرحمة .. وهو حل يخلصكم من قسوة محمد ودين محمد.

قال خان: فأسعفنا به.

قال بلمنت: الحل بسيط جدا .. بدل أن يذبح الحيوان بالسكين الحادة المؤلمة، استطاع قومنا أن يخلصوه من روحه من دون أي ألم .. وقد جئنا هنا لنعلمكم ذلك.

لا شك أنكم تعرفون الكهرباء .. وتعرفون الصعقة الكهربائية[4] ..

إن هذه تقنيات حديثة لم تكن في عهد محمد .. ولعلها لو كان في عهده لأخذ بها .. هذا طبعا إن كان في قلبه شيء من الرحمة.

قال خان: لقد رأيت ما تمارسه المجازر التي تريد أن تنقل تقنياتها إلينا، وقد عرفت السر في عملها هذا .. إنها تدعي أن قصدها هو رحمة الحيوان .. ولكن الهدف الحقيقي المخبأ وراء ذلك هو الحصول على أكبر كمية من اللحم في مدة قصيرة.. أو بعبارة أخرى هي تهدف لتحقيق مكاسب تجارية على مستوى واسع.. أو بعبارة أخرى هي تضحك على الحيوان المسكين أو على البشر المساكين حين توهمهم أن الصعقة الكهربائية أرحم وأحن على الحيوان من تلك الشفرة الحادة التي يستعملها المسلمون، كما استعملها قبلهم أجيال كثيرة من البشر.

لقد قمت مع مجموعة من الأطباء بإجراء تحقيق كامل في مثل هذه اللحوم, ووصلت إلى مجموعة نتائج ..

منها أن تخدير الحيوان قبل الذبح يسبب فتورا لدى الحيوان, وانكماشا في قلبه, فلا يخرج منه الدم عند الذبح بالكمية التي تخرج عادة.. ومن المشاهد أن طعم اللحم الذي خرج منه الدم كاملا غير طعام الحيوان الذي بقيت فيه كمية من الدم..  وقد رأيت أثناء تواجدي في (برمنجهام) أن من الإنجليز من يفضل الحيوان المذبوح بالطريقة الإسلامية للأكل؛ وذلك لأجل طعمه المتميز عن بقية اللحوم.

ومنها أن الصدمة الكهربائية لا تؤدي مقصودها في جميع الأحوال, فإذا كانت الصدمة مثلا خفيفة بالنسبة لضخامة الحيوان بقي مفلوجا بدون أن يفقد الحواس ويشعر بالألم مرتين: الأولى: بالصدمة الكهربائية أو بضربة المسدس, والثانية: عند الذبح .. أما إذا كانت الصدمة الكهربائية شديدة لا يتحملها الحيوان، فإنها تؤدي إلى موته بتوقف القلب, فيصير ميتة لا يجوز أكله بحال من الأحوال.

ومنها أن الطريقة المتبعة لدى المسلمين أرحم بالحيوانات؛ وذلك لأن الذبح يتم بسكين حاد بسرعة فائقة, ومن الثابت أن الشعور بالألم ناتج عن تأثير الأعصاب الخاصة بالألم تحت الجلد, وكلما كان الذبح بالطريقة المذكورة خف الشعور بالألم أيضا, ومن المعروف أن قلب الحيوان الذي لم يفقد حسه أكثر مساعدة على إخراج الدم.

***

قال ذلك، ثم التفت لصديق له عرفت بعد ذلك أن اسمه (محمد أسد)[5].. وقال له: أخبرهم يا محمد عن التعاليم التي جاء بها الإسلام في شأن التعامل مع الذبيحة.

قال محمد: لقد دعا الإسلام إلى الرحمة الشاملة التامة العامة .. ومنها الرحمة بالحيوان إذا أريد ذبحه ..

ومن هذه الرحمة أن يحسن الذابح الذبح، وأن يحد الشفرة، وأن يريح الذبيحة .. ففي الحديث قال رسول الله r:( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)[6]

ومنها أن يستر الشفرة عن الذبيحة حتى لا تتألم برؤيتها .. ففي الحديث أن رسول الله r رأى رجلا يحد الشفرة أمام الشاة، فقال له: (أتريد أن تميتها ميتتين؟.. هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)[7]

ومنها أن لا يذبح الحيوان أمام غيره من الحيوانات، فقد قال علي بن أبي طالب :(لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه)

ومنها عدم القسوة في معاملتها؛كجرها من موضع إلى آخر برفق، وقد روي عن عمر أنه رأى رجلا يسوق شاة ليذبحها سوقا عنيفا، فضربه بالدرة ثم قال له: (سقها إلى الموت سوقا جميلا لا أم لك)

ومنها عدم القسوة في الضغط عليها وإيلامها، فقد روي عن عمر أنه رأى رجلا أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة، فضربه بالدرة فهرب الرجل، وشردت الشاة.

ومنها عدم قطع أي جزء منها قبل موتها، فالقطع تعذيب وحرام ،ولا يجوز أكل ما يقطع منها قبل ذبحها، كما لا يجوز قطع أي شيء منها قبل أن تستقر- أي يتأكد من موتها- امتثالا لقول الله تعالى:﴿ .. فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا .. (36) ﴾ (الحج)، فلم يبح الله أكل شيء منها قبل وجوب الجنب، وهو الموت.. ويدخل في باب التعذيب جمع الأغنام معا وذبحها بالدَوْر وهي تشاهد الذبح.

ومنها معاملة الحيوان بعد ذبحه برفق، فلا يكسر عنقه، ولا يقوم بسلخه أو قطع أي عضو منه حتى يبرد، فإذا فعل ذلك فقد أساء وأكلت الذبيحة .. ويرى ابن حزم – وهو من فقهاء المسلمين الكبار - عدم حل أكل ما قطع من البهيمة قبل أن تموت وتبرد، لقول عمر :( أقروا الأنفس حتى تزهق)[8]  .. ويرى الإباضية عدم جواز أكل الذبيحة إذا سلخت قبل أن تبرد[9].

***

قام آخر، وقد عرفت بعد ذلك أن اسمه (أبو حذيفة) [10]، وقال: وفوق ذلك، فقد حذر r من اتخاذ الحيوان وكل ذي روح غرضاً ، أي هدفاً للرمي .. فعن ابن عباس قال : (نهى رسول الله r عن قتل كل ذي روح إلا أن يُؤذي)[11] 

وعن أنس أنه دخل دَارَ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فرأى غلماناً نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا.. فَقَالَ أَنَسٌ: (نَهَى رَسُولُ اللّهِ r أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائم)[12]   

ونهى r عن قتل العصافير، فقال :( من قتل عصفوراً عج إلى الله يوم القيامة يقول : يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة)[13] 

وقَالَ: (مَا مِنْ إنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إلاَّ سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا)، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا ؟ قَالَ: (يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلاَ يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا)[14]

ونهى رسول الله r عن تعريض الحيوانات للجوع .. ففي الحديث عن عبد الله بن جعفر قال: ركب رسول الله r بغلته وأردفني خلفه ، فدخل حائطاً لرجل من الأنصار ، فإذا فيه ناضح له ، فلما رأى النبي r حن وذرفت عيناه ، فنزل رسول الله r، فمسح ذفريه وسراته فسكن ، فقال : من رَبُّ هذا الجمل؟ فجاء شاب من الأنصار فقال : أنا ، فقال : (ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ الله إياها، فإنه شكاك إليّ وزعم أنك تجيعه وتدئبه)[15]

وأمر r بالرفق بالحيوانات المتخذة للركوب، فعن عائشة أنها ركبت بعيراً وفيه صعوبة، فجعلت تردده، فقال r:( عليك بالرفق)[16]

وكان r ينهى عن إرهاق الحيوان بإيقافه وإطالة الجلوس عليه من غير ضرورة .. وقد دخل على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل ، فقال: (اركبوها سالمة، ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكراً لله منه)[17]

وقال r:(إيَّاكُم أنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ، فإنَّ الله إنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُم لِتُبَلِّغَكُم إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالغِيهِ إلاَّ بِشَقِّ الأنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُم الأرْضَ فَعَلَيْهَا فاقْضُوا حَاجَاتِكُم)[18]

ونهى r عن التحريش بين الحيوانات، وهو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها .. ففي الحديث عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ : (نَهَى رسولُ الله r عن التَّحرِيشِ بَيْنَ البَهَائِمِ)[19]

التفت (أبو حذيفة) إلى بلمنت، وقال: ويدخل في هذا ما يفعله المجرمون المستكبرون القساة في عصرنا مما يسمونه مصارعة الثيران .. فأين مايدعونه جمعية الرفق بالحيوان من هذه التي يسمونها رياضة؟

***

قام آخر، وقد عرفت بعد ذلك أن اسمه (أسيد)[20] ، وقال: ليس ذلك فقط .. بل إن شريعة الرحمة الإلهية التي أنزلها على عبده محمد r شملت برحمتها جميع الكائنات ما يعقل منها وما لا يعقل ..

فكل مسلم – بفضل تلك التعاليم العظيمة - يشعر بعلاقة حميمة من الكون تبدأ من صحبته في الله، وتنتهى بالسير معه إلى الله.

ولذلك فإن المسلم الصادق لا يستكبر على تراب الأرض .. ولا على قطرات المطر .. ولا على أعشاب الحقول.

وهو إن احتاج أن يستعملها يستعملها فيما شرع الله له، ووفق الأدب الذي حثه عليه، فلا يغير خلق الله، ولا يبدل فطرة الله، ولا ينشر الفساد الذي ينشره العابثون.

لقد قال رسول الله r يربينا على ذلك :( لعن الله من ذبح لغير الله ، لعن الله من لعن والديه ، لعن الله من آوى محدثا ، لعن الله من غير منار الأرض - أي طرقها -)[21]

***

بقي أسيد وغيره من رفاقه مدة من الزمان يحدثون بمثل هذه الأحاديث[22] إلى أن رأيت، ولأول مرة دموعا حقيقية تسقط من عين ذلك الذي قضى حياته في مصارعة الثيران والديكة.

بعد أن سقطت تلك الدموع، فمسحت عن قلبه ما كان يمتلئ به من قسوة، قال يخاطب رفاقه، ويخاطب العمال: بورك فيكم إخواني .. لقد أنقذتموني من نفسي القاسية الظالمة .. لقد كنت مجرما .. بل مجرما خطيرا .. فلم يكن يضحك لي سن إلا بعد أن أرى الثور المسكين في حلبة الصراع، وهو يئن من الألم، ولا يجد المسكين أي لغة يعبر بها عن ألمه.

لقد أمضيت حياتي كلها أستمتع بتلك الآلام .. لكني وفي هذه اللحظة فقط شعرت بأنوار عظيمة تتنزل علي ..

لاشك أنها أنوار محمد .. لطالما حذرني قومي منها.

ولكني مع ذلك أراها أنوارا لذيذة .. بل لا يمكن وصف لذتها.

فما أجمل الرحمة أن يمتلئ بها القلب .. وما أجمل الدموع التي تسقط من قلب صاف خال من كل حيلة ومكر وخداع.

قال ذلك ، ثم صمت، وصمت معه الجمع قليلا.. ثم قطع الصمت بقوله: اسمحوا لي بهذه المناسبة العظيمة .. مناسبة سقوط أول دمعة رحمة من عيني أن أشهد بينكم بتلك الشهادة العظيمة التي وقف جميع الشياطين يحولون بيني وبينها ..

اسمحوا لي أن أنطق بينكم في هذه اللحظات بشهادة الإسلام، التي وإن كنت قد اعتقدت بها متأخرا إلا أني أعلم بل أوقن أن الله الرحيم الرحمن لاشك يقبلها مني.

قال ذلك، ثم راح يردد بصوت خاشع الشهادتين .. وقد تبعه رفاقه في ذلك ..

وحينها صاح جميع العمال مهللين مكبرين .. وقد صحت كما صاحوا .. وقد تنزلت علي حينها أنوار عظيمة اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد r .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

في اليوم الحادي عشر استيقظت على جلبة لم أتعود عليها في تلك البادية القاسية ..

لقد رأيت جماهير الناس تسرع إلى شيء لم أتبينه .. فرحت أسرع من غير أن أدري لم، ولا أين ..

ولكني من خلال أصوات الجموع التي كانت ترتفع بقوة عرفت سر تلك السرعة، وسر تلك الجموع ..

سأحكي لك بعض ما سمعت، وبعض ما رأيت .. ثم أترك لك بعد ذلك حرية الحكم على ما رأيت وما سمعت.

كان أول صوت سمعته صوت امرأة، وقد عرفت أنها سمية.. تلك التي حدثتك عنها عند حديثي عن المستضعفين.. كانت تصيح بصوتها الجهوري قائلة: ها قد جاء الزمن الذي تعود فيه رحمة الإسلام لتشمل العالمين .. لقد بلينا بمن شوهها من الفقهاء والعلماء وحكام السوء والوزراء الظلمة والعمال الطغاة المرتشين ..

واليوم لن يبقى واحد منهم .. سنرميهم جميعا في ذلك الجحيم الذي رموا الأمة فيه أمدا طويلا ..

لن يحكمنا منذ اليوم فرعون .. ولن يفتي لنا منذ اليوم بلعم بن باعوراء.. ولن يحدثنا منذ اليوم كعب الأحبار .. ولن يقص علينا وهب بن المنبه.

قال صوت آخر .. وكان أشبه الأصوات بصوت أبي ذر يصيح: منذ اليوم لن يبقى خبز الفقراء بيد الأغنياء .. منذ اليوم سيستعيد الفقراء حقوقهم التي اكتنزها الأغنياء ..

قال صوت آخر: منذ اليوم سنعيش الإسلام الحقيقي .. ذلك الإسلام الذي لا يعرف إلا الرحمة والسلام والعدالة والرفق .. ذلك الإسلام الذي أراد المحرفون أن يشوهوه، ليحجبوا شمسه عن العالمين ..

قال صوت آخر: منذ اليوم سنطلق كل أولئك الفقهاء والمفسرين الذين اتخذوا الدين حرفة .. فراحوا يفسرون كلام ربهم وهدي نبيهم بحسب أهوائهم..

قال آخر: لن يحتكر كلام ربنا ورسالته إلينا أحد من الناس.

قال آخر: ولن يحتكر سنة نبينا أي كان ..

قال آخر: منذ اليوم سنقوم بحملة لتنظيف ذلك الهدي السامي الممتلئ بالرحمة من أولئك البدو الجفاة الغلاظ الذين شوهوا رحمة نبينا، ورفق ديننا، وسماحة شريعتنا ..

تعالت الأصوات الكثيرة .. والتي انضمت إليها الجموع الغفيرة .. وقد سمعت أن صدى تلك الأصوات قد وصل إلى البلاد المجاورة .. فراحت هي الأخرى تفعل ما تفعل جارتها، وتنادي بما تنادي ..

كان لي شوق عظيم لأرى ما تفعل هذه الجموع الثائرة .. لكن رسالة مستعجلة من أخي وصلتني ذلك المساء حالت بيني وبين تحقيق تلك الأمنية الغالية ..

ذهبت إلى المطار، ثم ذهبت إلى أخي في مقره في الفاتيكان .. وهناك .. وفي مقره في الفاتيكان، وقبل أن أدخل عليه سمعت صوتا يتحدث معه .. كان أشبه الأصوات بذلك الشيطان الذي سلم له القوم عقولهم وقلوبهم فراح يملؤها بمكره وكيده.

سمعته يقول لأخي، وهو غاضب غضبا شديدا: لقد عادوا أخيرا .. لست أدري ما الذي جاء بهم .. لقد استعملت كل وسائلي لتنسى أسماؤهم .. وتهمل أخبارهم .. وترمى في أتون الجحيم بدعهم وأفكارهم.

لكنهم مع ذلك عادوا ..

 في عهد محمد اجتهدت في أن يطردوا .. لكن ربه أعلمه بهذا الكيد، فأنزل عليه قوله :﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)﴾ (الأنعام)

لم أيأس من ذلك .. ولذلك ما إن مات حتى رحت أملأ عقول أمته من بعده بطردهم .. طردهم جميعا .. فلا يمكن أن تتحقق أحلامنا ما دامت سمية وعمار وبلال وأبو ذر وغيرهم من المستضعفين المتحررين يملأون ديار الإسلام.

لقد اجتهدت بكل ما أطقت لأحول من الإسلام دين البرجوازيين والمستبدين والكهنة .. وقد استطعت أن أصل إلى كثير مما أرمي إليه.

لكني الآن أشعر بالعجز .. ولست أدري لم ..

قال أخي: هون عليك .. فإن لك من قوة العقل وحدة الذهن وصفاء المقصد ما يخرجك من هذا العجز المؤقت الذي تقف فيه ..

غضب الرجل الشيطان غضبا شديدا على أخي، وراح يقول له بقوة مصحوبة ببعض الجنون: أتتهمني – ويلك – بالعجز؟

قال أخي معتذرا: لا .. لا .. لا تفهمني خطأ .. أردت فقط أن أهون عليك عندما رأيتك حزينا.

ضحك الرجل الشيطان بصوت عال، وقال: أتتهمني – أيضا – بالحزن؟ .. ألا تعلم أن الحزن هو حرفة المستضعفين .. وأنا لست منهم .. أنا أشرف من أن أحزن، وأعظم من أن يصيبني ما يصيب ذلك الطين من الحزن.

قال أخي: لا بأس عليك .. ولكن ما الذي جئتني من أجله .. هل لديك خطة جديدة ..

لقد أرسلت رسالة إلى أخي، وهو الآن على وشك الحضور .. فما الوظيفة الجديدة التي تريد منه أن ينفذها؟

قال الرجل الشيطان:  أخوك .. نعم أخوك .. إنه هو الآخر يشعرني بالعجز .. لكني مع ذلك لن أيأس .. فما دمت أنت معي، فأخوك معي.

إذا جاءك هذه المرة .. فاحبسه هنا .. واشغله قدر ما أطقت بالكنيسة وأعمال الكنيسة .. فلن يغسله من درنه إلا ذلك .. لقد أصابه كثير من غبار محمد .. وفي هذه الرحلة أصابه غبار أولئك المستضعفين المتحررين .. ولذلك حاول أن تلين معه قدر ما أطقت.

وفر له كل ما يحتاجه .. فلا يمكنه ولا يمكن معه أن تحلم بتحقيق ذلك المطلب العالى إلا بهذا.

قال أخي: هذا دوري مع أخي .. فما دوري مع غيره؟

قال الرجل الشيطان: أرسل أولئك الذين تعرفهم .. أرسلهم ليعيدوا قتل سمية ، وجلد بلال، ونفي أبي ذر .. فلا يمكن أن يقضى على الإسلام، وفيه مثل أولئك.

قال أخي: ولكن قتلهم وجلدهم ونفيهم سيثير فتنة كبرى قد لا نطيق تحملها.

قال الرجل: وهل نحن هم الذين نفعل ذلك .. إنهم بأيديهم يفعلون ذلك .. ولذلك إن حصلت الفتنة فلن تحرق غيرهم.

قال أخي: متى يبدأ التنفيذ؟

قال الرجل: لقد بدأ التنفيذ .. ولم يبق من دور إلا دورك أنت .. ولكني لن أقوله لك جهرا .. فأسلم إلي أذنك وأصدرك لأحشو فيه دورك الخطير في هذه المرحلة الجديدة.

بعد قوله هذا لم أسمع شيئا إلا شيئا كصلصلة الجرس .. لم أتبين منه شيئا.

مكثت قليلا، ثم دخلت، وقد فوجئت إذ رأيت أخي وحيدا في مجلسه ينتظرني.

قلت له، والغرابة تملؤني: لقد سمعت رجلا يحدثك .. فأين ذهب؟ .. وكيف خرج؟

ضحك أخي بصوت عال، وقال: دعنا منه .. وحدثني عنك .. كيف حالك؟ .. وما الذي فعلته؟

قلت بغضب: لن أجيبني حتى تخبرني.

قال: لقد كان ذلك الرجل معي .. وقد حدثني عنك .. وهو يدعوني إلى الاهتمام بك والحرص عليك .. وقد وعدني بأن كرسي البابا في انتظارنا .. وأن جلوسنا عليه لم يبق له إلا فترة محدودة جدا.

قلت: بأي ثمن اشتريت هذا الكرسي؟

قال: بثمن إخلاصي للمسيح، ولدين المسيح.

قلت: أي إخلاص هذا؟ .. أنا أرى أنك قد استسلمت استسلاما كليا للشيطان.

ابتسم أخي، وقال: أي شيطان تتحدث عنه؟

قلت: هذا الرجل الذي كان معك لا أرى إلا أنه الشيطان ..

قال: كيف تقول هذا؟ .. هو رجل منا .. نعم إن لديه من القوى والطاقات ما لديه .. ولكنه مع ذلك ليس إلا رجل منا .. لقد أكرمه المسيح بكرامات كثيرة .. فلذلك أعتبره القديس الأعظم الذي لا هم له إلا حرب الهرطقات، وكسر العقبات التي تقف في وجه المسيح ورسالة المسيح.

قلت: لقد صرت أخاف عليك وعلى نفسي من هذه الأحلام التي لست أدري نهايتها.

قال: لا عليك .. أنا أعلم من أين جئت .. وماذا رأيت .. وما الذي اخترق طبلة أذنك .. وأنا فخور بك مع كل ذلك .. فأنت الذي توضع في النار ثم لا تحترق .. ولذلك فسأكلفك في هذه الأيام ببعض الخدمات المرتبطة بالكنيسة .. حتى تمحو آثار ذلك الدرن الذي أصابك من بلاد محمد.

قال ذلك، ثم أسرع إلى مكتبه .. وراح يعطيني بعض الأوراق .. وهو يقول: هذه هي وظيفتك الجديدة .. لن أغامر بعد اليوم بإرسالك إلى بلاد محمد ..

***

التفت البابا إلي، وقال: هذه هي رحلتي إلى رحمة الإسلام، وقد استفدت منها أشعة كثيرة كان لها تأثيرها الكبير في اهتدائي إلى الإسلام.

قلت: بورك فيك وفي رحلاتك .. فعن أي شيء تحدثني غدا – إن شاء الله –

قال: سأحدثك عن رحلتي إلى الله .. وهي رحلة لا مثلها رحلة .. وحديث لا مثله حديث[23].

 

 



([1])  مصارعة الثيران رياضة تتم بين ثور ورجل، وهي رياضة محبوبة في كثير من الأقطار المتحدثة باللغة الأسبانية إضافة إلى البرتغال وجنوبي فرنسا.. ويعد مصارعو الثيران في بعض الأقطار كأسبانيا والمكسيك أبطالاً قوميين.

تجري مصارعة الثيران في ميدان مخصص ويسمى حلبة مصارعة الثيران. وفي أثناء المصارعة يقوم المصارع بمواجهة الثور بمفرده، ويحاول محاورة الثور المهاجم بتحريك رداء أو قطعة من القماش. وفي نهاية المصارعة، يقتل المصارع الثور في كثير من الأقطار. أما في البرتغال، وفي بعض حلبات مصارعة الثيران في فرنسا، يُعد قتل الثور عملاً غير قانوني. وتربى ثيران المصارعة خصيصاً للمصارعة، فهي حيوانات قوية وعنيفة وقد تزن 450 كجم أو أكثر من ذلك. وقد يجرح الثور من يصارعه جرحًا خطيرًا، وربما يقتله بقرونه..

وهذه الرياضة محرَّمة في الإسلام لما فيها من تعذيب وإيذاء للثيران، حيث نهى الإسلام عن ممارسة أي شكل من أشكال تعذيب الحيوان أو إيذائه. (انظر: الموسوعة العربية العالمية)

([2])  مُصارعة الدِّيَكة: لعبة يتصارع فيها اثنان من ديكة المصارعة، وهي ديكة صغيرة، في نزال حتى الموت.. وهي تحتل مكانها باعتبارها واحدة من اللعبات الشعبية المحبوبة في أسبانيا وأمريكا اللاتينية، وأجزاء من شرق آسيا.

تقام مباريات صراع الديكة في حلبة مغلقة في الهواء الطلق عادة.. ويراهن المتفرجون على ديكتهم المفضلة. في بداية المباراة يمسك المدربون بديكتهم جيدًا، ويدعونها ينقر بعضها بعضًا. وحين يشتد غضب الديكة، يطلقونها ويبدأ النزال.

نشأت مصارعة الديكة في آسيا منذ آلاف السنين. وعَرفت اللعبة طريقها إلى روما وبلاد الإغريق عن طريق الهند والصين. ثم انتشرت في أنحاء أوروبا. وفي القرن السابع عشر الميلادي، أصبحت لعبة شعبية في إنجلترا حيث صارت تربية ديكة المصارعة وتدريبها تجارة مهمة.

ولاشك في حرمة مثل هذا النوع من المصارعة لورود النهي عن التحرش بين الحيوانات، ولما في ذلك من الوحشية، وعدم الرفق بالحيوان. فإذا أضيف إلى ذلك الرهان بين المشاهدين كان ذلك أشد. (انظر: الموسوعة العربية العالمية)

([3])  تحدثنا عن التفاصيل الكثيرة الدالة على رحمة الإسلام بالكائنات المختلفة في رسالة (أكوان الله) من سلسلة (عيون الحقائق) .. ولذلك، فسنتحدث هنا عن بعض الأمثلة فقط، والتي يقتضيها المقام، من غير تفصيل.

([4])  ورد في التقرير المرفق الذي نشرته (مجلة المجتمع) الكويتية في عددها رقم (414) بتاريخ أول ذي القعدة 1398هـ عن طريقة الذبح في مذابح بريطانيا خاصة، وما يترتب على هذه الطريقة من آثار سيئة حسب تحقيق بعض الأطباء المسلمين في بريطانيا:

بالنسبة للخرفان والأبقار:  يؤتى بالخروف والبقر إلى مكان مخصوص, حيث يقوم رجل بإيصاله صدمة كهربائية بواسطة آلة خاصة أشبه بالمقص توضع على مقدم رأسه مما يجعل الحيوان يفقد حواسه ويسقط على الأرض, وهناك طريقة أخرى لا تزال تتبع في كثير من الأمكنة, وهي ضرب الحيوان بمطرقة حديدية على الرأس, ويتم ذلك بطريق مسدس يتعلق بفوهته قطعة حديدية مثل الرصاص, فإذا أصاب الرأس سقط الحيوان مغشيا عليه, ثم يعلق رأسا على عقب برافعة, ويدفع إلى الجزار, فإذا كان الجزار مسلما- وذلك في مجازر معينة تستأجر للجزارين المسلمين لذبح كمية محدودة للاستهلاك المحلي للسكان المسلمين فقط- قام بذبح الحيوان المعلق بسكين حاد على الطريقة المألوفة لدى المسلمين فيخرج منه الدم بعد ذلك إلى المرحلة التالية من السلخ والقطع, وأما إذا كان الجزار غير مسلم قام بغرز السكين داخل الحلق من الطرف ثم أخرجه بقوة إلى الخارج, مما يقطع بعض أوداجه ليسيل منه الدم.

بالنسبة للدجاج: أما الدجاج فإنما يتم تخديره بصدمة كهربائية أيضا, ولكن على قاعدة الغسيل بالماء الذي يمر به التيار الكهربائي, ثم يجرح رقبته بسكين حاد أتوماتيكيا ليخرج منه الدم, إلى أن تتم المراحل الباقية من النتف والتصفية؛ ليكون جاهزا للتصدير.

([5])  أشير به إلى (محمد أسد) (1900-1992م)، وهو صحفى نمساوى يهودى وُلِد بإقليم من أقاليم بولندا كان تابعا آنذاك للإمبراطورية النمساوية، وكان يسمى ليوبولد فايس، ثم دخل فى الإسلام سنة 1926م بعد أن رحل إلى الجزيرة العربية أيام الملك عبد العزيز آل سعود، ثم انتقل بعد ذلك إلى شبه القارة الهندية حيث توثقت بينه وبين العلامة إقبال عُرَى الصداقة، وظل يساعد فى إذكاء نهضة الإسلام فى تلك البلاد إلى أن انفصلت الباكستان عنها فانتقل إلى الإقامة فى الدولة المسلمة الجديدة واكتسب جنسيتها وأصبح مندوبها الدائم فى الأمم المتحدة حتى عام 1953م.

وقد ترك عدة كتب تُرْجِم بعضها إلى العربية، منها (الطريق إلى مكة)، و(الإسلام فى مفترق الطرق)، و(منهاج الحكم فى الإسلام)، وله ترجمة إنجليزية للفرآن الكريم، اسمهاThe Message of the Quran، وله ترجمة لقسم من صحيح البخارى بعنوان Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam، وبقية سيرته الذاتية، وعنوانها Coming Home of the Heart

وقد تحدثنا عنه ببعض التفصيل في رسالة (قلوب مع محمد) من هذه السلسلة.

([6])  رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.

([7])  رواه الحاكم وعبد الرزاق.

([8])  المحلى لابن حزم: 7/ 457.

([9])  النيل وشفاء العليل: 4/ 465.

([10])  أشير به إلى الصحابي الجليل (أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة)، كان من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم قبل دخول المسلمين دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك ابنه محمد بن أبي حذيفة، ثم قدم على الرسول r في مكة، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد والغزوات كلها مع النبي r .

وفي غزوة بدر، كان أبو حذيفة يقاتل في صفوف المسلمين، بينما أبوه عتبة وأخوه الوليد وعمه شيبة يقفون في صفوف المشركين، فطلب أبو حذيفة من أبيه الكافر عتبة بن شيبة أن يبارزه، فقالت أخته هند بنت عتبة شعرًا، جعلته يصرف النظر عن مبارزة أبيه، وبعد انتهاء غزوة بدر، أمر النبي r بسحب القتلى المشركين؛ لتطرح جثثهم في البئر، ثم وقف على حافة البئر، وخاطب المشركين، وقال: (يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقًّا؟) فقالوا: يا رسول الله، تكلم قومًا موتي؟ قال: (والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب)

ورأى أبو حذيفة أباه يسحب ليرمي في البئر، فتغير لونه، وأصابه الحزن، وعرف النبي r ذلك في وجهه، فقال له: (كأنك كاره لما رأيت) فقال: يا رسول الله، إن أبي كان رجلاً سيدًا، فرجوت أن يهديه ربه إلى الإسلام، فلما وقع الموقع الذي وقع أحزنني ذلك، فدعا رسول الله r له بخير.

وكان أبو حذيفة يتمنى أن يستشهد في سبيل الله، فظل يجاهد حتى توفي الرسول r ، وفي عهد الخليفة أبي بكر، كان أبو حذيفة في أول صفوف الجيش الإسلامي المتجه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وتحقق لأبي حذيفة ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله فوقع شهيدًا.

([11])  رواه البخاري ومسلم.

([12])  رواه البخاري.

([13])  رواه ابن حبان.

([14])  رواه النسائي.

([15])  رواه أبو داود وأحمد.

([16])  رواه مسلم.

([17])  رواه أحمد.

([18])  رواه أبو داود وقال إسناده حسن.

([19])  رواه أبو داود.

([20])  أشير به إلى (أسيد بن حضير الأنصاري الأوسي الأشهلي)، أسلم أسيد قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير بالمدينة، وكان إسلامه بعد العقبة الأولى، وقيل الثانية، وكان أبو بكر يكرمه ولا يقدم عليه واحدا ويقول : إنه لا خلاف عنده.

آخى رسول الله r بينه وبين زيد بن حارثة، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن.

روى عنه أنس بن مالك أن النبي r قال للأنصار : إنكم سترون بعدي أثرة، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)

توفى أسيد في شعبان سنة عشرين وحمل عمر بن الخطاب السرير حتى وضعه بالبقيع ؛ وصلى عليه وأوصى إلى عمر فنظر عمر في وصيته فوجد عليه أربعة آلاف دينار، فباع ثمر نخله أربع سنين بأربع آلاف وقضى دينه. (انظر: أسد الغابة)

([21])  رواه مسلم.

([22])  ذكرنا التفاصيل الكثيرة المرتبطة بهذا في رسالة (أكوان الله) من (رسائل السلام)، بالإضافة إلى ما ذكرناه في رسالة (سلام للعالمين) من هذه السلسلة.

([23])  عنوان الرسالة التالية هو (الباحثون عن الله)