المؤلف: نور الدين
أبو لحية |
العودة للكتاب: الضوابط الشرعية لحماية الزواج |
الناشر: دار الكتاب الحديث |
الفهرس
وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ
بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (النحل:72)
وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (الروم:21)
قال - صلى الله عليه وسلم -:( يا
معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم
يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) (رواه البخاري ومسلم)
قال - صلى الله عليه وسلم -:( لا
تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لأموالهن
فعسى أموالهن أن تطغيهن. ولكن تزوجوهن على الدين , فلأمة خرقاء سوداء ذات دين
أفضل) (رواه ابن ماجه والبزار والبيهقي)
جرت سنة
الله في تشريعاته بحمايتها وحماية تنفيذها من أي استغلال يخرج بها عن مقاصدها، أو
يستغلها في غير ما وضعت له.
وقد كان من
حكمته تعالى في هذا الباب أن شرع ثلاثة
أركان يحمى بها الزواج من أن يصبح نوعا من البغاء، وتحمى بها ثمرات الزواج ـ التي
هي مقصوده الأكبر ـ من أن تتقاذفها الطرق والأهواء، وهذه الأركان الثلاثة هي:
الكفاءة: وهي ضرورية لحماية الزوجة ـ التي هي الجانب
الأضعف ـ من أن يغر بها من لا يستحقها، وليس كفئا لها، لأن الحياة لا تنتظم إلا
بين المتكافئين.
وإن أردنا تشبيها
واقعيا مقربا لها، فهو المسابقات التي تجرى للدخول إلى أي مؤسسة، بحيث يشترط في
المترشح لتلك المسابقات شروط معينة لا يستطيع الدخول بدونها، حماية للمؤسسة من
تسرب من لا يستطيع أداء وظائفها.
الولاية: وهي ضرورية لحماية المرأة من عبث الهاوين،
الذين قد يستغلون حاجتها للزواج، فيجعلون منه أحبولة للعب بها، ثم رميها كما ترمى
سائر اللعب.
وإن أردنا
تشبيها واقعيا مقربا لها، فهي كالمحامي الذي يتخذه صاحب الحق ليدافع له عن حقه،
ونحن نعجب ممن يشنع على هذا الأساس المتين، ثم نجده لا يشنع ولا ينكر على أصحاب
الحقوق مع ما لهم من قوة وبأس إذا لجأوا إلى المحامين ليتحدثون عن ألسنتهم ويعبروا
عن مقاصدهم.
الإشهاد:
وهو ضروري، لأن حماية
آثار الزواج وحقوقه ومقتضياته تستدعي بينة على ذلك، والإشهاد نوع من أنواع البينات
التي أقرها الشارع، كما أقرتها الأعراف
البشرية.
ولا عجب في
هذا الشرط، لأن الإشهاد والتوثيق يجري الآن على أبسط المعاملات، فكيف لا يجري على
هذه المعاملة الخطيرة التي تتوقف عليها حياة أكثر الناس.
ولكن هذه
الأسس الثلاثة لحماية الزواج انحرف بها البعض عن مقاصدها، ونتيجة لذلك توجه لها
بعض المستغربين بالحرب التي لا يزال وطيسها حاميا.
ولذلك كان
من إحقاق الحق، ونصرة الشريعة الحديث عن هذه الأسس وفق النظرة المقاصدية الشاملة
لا وفق النظرة المذهبية المحدودة.
نتناول في هذا الفصل الأساس الأول من الأسس
التي وضعها الشرع لحماية الزواج، أو بالأحرى حماية الجانب الضعيف منه، من تسلل غير
المستحقين، أو عبث العابثين، وقد خصصناه بفصل خاص لسببين:
·
أن الكفاءة من أهم
الأسس التي يقوم عليها الزواج، فلا تقوم الحياة الزوجية قياما صحيا إلا بها.
· كثرة
الأخطاء في هذا الجانب، بحيث جعل البعض من هذا الشرط ذريعة للتفريق بين المسلمين،
مما يتعارض مع تصورات الإسلام للوحدة الإسلامية والمساواة بين المسلمين، وهذه
الأخطاء تنتشر في واقعنا الاجتماعي نتيجة لبعض الأقوال الفقهية، فلذلك احتجنا إلى
بيان المواقف المختلفة ومناقشتها.
وقد بنينا الفصل على المباحث الثلاثة التالية:
·
الأحكام الأصلية
والعارضة للكفاءة، وأثرها في الزواج.
·
خصال الكفاءة كما
عرضتها الأقوال والمذاهب المختلفة.
·
الأحكام التفصيليلة
لخصال الكفاءة.
نتناول
في هذا المبحث الحديث عن الأحكام التكليفية والعارضة للكفاءة، ثم عن حكم ما قد
يحدث من التغرير في هذا الباب، وقد قدمنا لذلك بالتعريف اللغوي والشرعي.
لغة: تطلق الكفاءة في
اللغة على النظير، ومنه قول حَسَّانَ بن ثابت:(ورُوحُ القُدْسِ لَـيْسَ لَهُ
كِفَاءُ)، أَي جبريلُ- عليه السلام - لـيس له نَظِير ولا مَثِـيل.
والكَفِـيءُ: النَّظِيرُ، وكذلك الكُفْءُ والكُفُوءُ،
علـى فُعْلٍ وفُعُولٍ والـمصدر الكَفَاءةُ، بالفتـح والـمدّ. وتقول: لا كِفاء له،
بالكسر، وهو فـي الأَصل مصدر، أَي لا نظير له.
وتَكَافَأَ الشَّيْئانِ: تَماثَلا.
وكافَأَه مُكافَأَةً وكفَاءً: ماثَلَه. ومن كلامهم: الـحمدُ كِفاءَ
الواجب أَي قَدْرَ ما يكون مُكافِئاً له. والاسم: الكَفاءَةُ والكَفَاءُ. وهذا
كِفَاءُ هذا وكِفْأَتُه وكَفِـيئُه وكُفْؤُه وكُفُؤُه وكَفْؤُه، أَي مثله[1].
اصطلاحا: اختلف
تعريف الفقهاء لها بحسب نواحي اعتبارهم لها، ومن تعاريف المذاهب الفقهية:
·
عرفها الحنفية بأنها
مساواة مخصوصة بين الرجل والمرأة[2].
· عرفها
المالكية بأنها المماثلة والمقاربة في التدين والحال، أي
السلامة من العيوب الموجبة للخيار[3].
· عرفها
الشافعية بأنها أمر يوجب عدمه عارا،
وضابطها مساواة الزوج للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح[4]
·
عرفها الحنابلة بأنها
المماثلة والمساواة في خمسة أشياء، سنذكرها في محلها[5].
اختلف الفقهاء في الحكم التكليفي لاعتبار
الكفاءة في الزواج على الأقوال التالية[6]:
القول الأول: يجب اعتبارها،
فيجب تزويج المرأة من الأكفاء، ويحرم على ولي المرأة تزويجها بغير كفء، وهو قول
الحنفية والحنابلة.
قال الحنابلة: يحرم على ولي المرأة تزويجها
بغير كفء بغير رضاها لأنه إضرار بها وإدخال للعار عليها، ويفسق الولي بتزويجها
بغير كفء دون رضاها، وذلك إن تعمده.
القول الثاني: لا يجب
اعتبارها، وهو قول المالكية، وقد اختلف رأيهم فيها، ولذلك اختلف المتأخرون في
النقل، قال الدسوقي: (حاصل ما في المسألة أن ظاهر ما نقله الحطاب وغيره واستظهره
الشيخ ابن رحال منع تزويجها من الفاسق ابتداء وإن كان يؤمن عليها منه، وأنه ليس لها
ولا للولي الرضا به، وهو ظاهر؛ لأن مخالطة الفاسق ممنوعة، وهجره واجب شرعا، فكيف
بخلطة الزواج) [7]
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أنه يجب على الولي
تخير الكفؤ لموليته بموجب ولايته عليها، وإلا فإنه ليس لولايته أي اعتبار ولا قيمة
عملية، كما سنرى في مبحث الولاية، ولا يعتبر عاضلا إن رفض من ليس كفؤا لموليته.
ويجب على المرأة كذلك عدم الرضا بغير الكفؤ
الذي يتقدم لها، بناء على الخصال الصحيحة للكفاءة التي سنذكرها.
وذلك لأن البناء الصحيح للأسرة يقتضي توفر
الكفاءة بين الزوجين.
ومع ذلك، فإن هذا الحكم يبقى أخرويا لا صلة له
بأحكام التفريق بين الزوجين، لأن الرضا في ذلك المحل هو المعتبر.
ذهب أكثر الفقهاء إلى أن الكفاءة تعتبر في جانب
الرجال للنساء، ولا تعتبر في جانب النساء للرجال خلافا لأبي يوسف ومحمد اللذين
اعتبرا الكفاءة في جانب النساء أيضا [8]، ومن
الأدلة التي استدل بها الفقهاء على ذلك:
· فعل
الرسول -
صلى الله عليه وسلم -، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا مكافئ
له، وقد تزوج من أحياء العرب المختلفة،
وتزوج صفية بنت حيي رضي الله عنها، ولم تكن من العرب.
· قوله
-
صلى الله عليه وسلم -:( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأمة فيعلمها
فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن تأديبها، فيتزوجها، فله أجران) [9]
· أن
المعنى الذي شرعت الكفاءة من أجله يوجب اختصاص اعتبارها بجانب الرجال لأن المرأة
هي التي تستنكف لا الرجل، فهي المستفرشة، والزوج هو المستفرش، فلا تلحقه الأنفة من
قبلها، إذ إن الشريفة تأبى أن تكون فراشا للدني، والزوج المستفرش لا تغيظه دناءة
الفراش.
ونرى أن هذا القول هو الأرجح، لأن الشرع جعل
الطلاق بيد الرجل، فإذا لم تعجبه المرأة أو لم يرها كفؤا له أمكنه طلاقها بخلاف
المرأة التي لم تجعل في يدها عصمة الطلاق، ولأن الرجل هو المتقدم لخطبة المرأة،
وعادة لا يتقدم إليها إلا بعد اختيار ورضا، ولأن الرجل لا يحتاج إلى ولي يشرف على
زواجه بخلاف المرأة، وغير ذلك من الاعتبارات.
الوقت الذي تعتبر عنده الكفاءة:
نص الفقهاء[10] على أن الوقت الذي تعتبر عنده الكفاءة هو ابتداء عقد الزواج، ولا
يضر زوالها بعده، فلو تزوجها وهو كفء لها، ثم صار فاجرا داعرا لا يفسخ الزواج.
بل ذهب المالكية إلى أن الولي إذا رضي بغير كفء
وزوج منه، ثم طلق طلاقا بائنا أو رجعيا، وانقضت العدة وأراد عودها، فرضيت الزوجة
وامتنع الولي منه، فليس له الامتناع حيث لم يحدث فيه ما يوجب الامتناع ويعد عاضلا.
ذهب الفقهاء القائلون باعتبار الكفاءة إلى أنها
حق للمرأة وللأولياء:
كونها حقا للمرأة: من حيث
أن لها الحق في أن تصون نفسها عمن لا يساويها في خصال الكفاءة، فكان لها حق في
الكفاءة.
كونها حقا للأولياء: لأنهم
ينتفعون بذلك، فكان لهم أن يدفعوا الضرر
عن أنفسهم بالاعتراض كالمشتري إذا باع الشقص المشفوع، ثم جاء الشفيع كان له أن
يفسخ البيع، ويأخذ المبيع بالشفعة دفعا للضرر عن نفسه.
الحكم الوضعي للكفاءة:
اختلف الفقهاء
في حكم الكفاءة من حيث اعتبارها في الزواج أو عدم اعتبارها، وهل هي في حال
اعتبارها شرط في صحة الزواج أم في لزومه
على الأقوال التالية:
القول الأول: أن
الكفاءة تعتبر للزوم الزواج لا لصحته غالبا، فيصح الزواج مع فقدها؛ لأنها حق
للمرأة وللأولياء، فإن رضوا بإسقاطها فلا اعتراض عليهم.
وهو مذهب الشافعية، والحنفية في ظاهر الرواية،
وهو المعتمد عند المالكية، والمذهب عند أكثر متأخري الحنابلة، وهو ما روي عن عمر
وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز وعبيد بن عمير، وحماد بن أبي سليمان وابن سيرين.
ويمكن تقسيم أدلتهم على ذلك إلى شطرين، شطر
يثبت صحة الزواج بدونها، وشطر في بيان لزومها:
·
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج بناته
ولا أحد يكافئه.
· أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر فاطمة
بنت قيس وهي قرشية أن تنكح أسامة بن زيد مولاه، فنكحها بأمره) [11]
· أنه
-
صلى الله عليه وسلم - زوج زيد بن حارثة ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية، وبأن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة تبنى سالما
وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار.
·
أن الكفاءة لا تخرج عن
كونها حقا للمرأة والأولياء، فلم يشترط وجودها.
من جهة اعتبارها شرطا للزوم الزواج:
· أن
انتظام المصالح يكون عادة بين المتكافئين، والزواج شرع لانتظامها، ولا تنتظم
المصالح بين غير المتكافئين، فالشريفة تأبى أن تكون مستفرشة للخسيس، وتعير
بذلك.
· أن
الزواج وضع لتأسيس القرابات الصهرية ليصير
البعيد قريبا عضدا وساعدا، يسره ما يسرك، وذلك لا يكون إلا بالموافقة والتقارب،
ولا مقاربة للنفوس عند مباعدة الأنساب، والاتصاف بالرق والحرية، ونحو ذلك، فعقده
مع غير المكافئ قريب الشبه من عقد لا تترتب عليه مقاصده.
القول الثاني: أن الكفاءة
شرط في صحة الزواج، وهو مذهب الحنفية - في رواية الحسن المختارة للفتوى عندهم -
وهو قول اللخمي وابن بشير وابن فرحون وابن سلمون - من المالكية - وهو رواية عن
أحمد، وقال الشافعية: إن الكفاءة وإن كانت لا تعتبر لصحة الزواج غالبا بل لكونها
حقا للولي والمرأة إلا أنها قد تعتبر للصحة كما في التزويج بالإجبار، ومن أدلتهم
على ذلك:
· قوله
- صلى الله عليه وسلم -:(ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجن إلا من
الأكفاء) [12] وفي
رواية:(لا تنكحوا النساء إلا من الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء)
· عن
علي - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه
وسلم - قال له: (يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حملت،
والأيم إذا وجدت كفؤا) [13]
· عن
عائشة، رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: (تخيروا لنطفكم،
وأنكحوا الأكفاء) [14] روى ذلك
من حديث عائشة وأنس وعمر من طرق عديدة فوجب ارتفاعه إلى الحجية بالحسن الحصول الظن
بصحة المعنى وثبوته عنه - صلى الله عليه وسلم -.
· أنه
إذا كانت الكفاءة معتبرة في الحرب،وذلك في ساعة، ففي النكاح وهو للعمر أولى،
وذكروا ما وقع في غزوة بدر أنه لما برز عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن
عتبة وخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة قالوا لهم: من أنتم
قالوا: رهط من الأنصار فقالوا:أبناء قوم كرام ولكنا نريد أكفاءنا من قريش، ثم نادى
مناديهم: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش فقال - صلى الله عليه وسلم -: قم يا
حمزة وقم يا علي[15].
·
قول عمر - رضي الله
عنه -: (لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء) [16]
·
عن أبي إسحاق الهمداني
قال: خرج سلمان وجرير في سفر، فأقيمت الصلاة، فقال جرير لسلمان: تقدم أنت. قال
سلمان: بل أنت تقدم، فإنكم معشر العرب لا يتقدم عليكم في صلاتكم، ولا تنكح نساؤكم،
إن الله فضلكم علينا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وجعله
فيكم.
· أن
التزويج، مع فقد الكفاءة، تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه، فلم يصح، كما
لو زوجها بغير إذنها.
· أن
التزوج مع فقد الكفاءة تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه، فلم يصح، كما لو
زوجها بغير إذنها.
القول الثالث: عدم
اعتبار الكفاءة، وأنها ليست بشرط في الزواج أصلا، وهو مذهب الظاهرية والكرخي
والجصاص وقول سفيان الثوري والحسن البصري، ومن أدلتهم على ذلك:
· ما
روي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا
بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه، قال: وكان حجاما) [17]، أمرهم
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - بالتزويج عند عدم الكفاءة ولو كانت معتبرة لما أمر.
· قوله
-
صلى الله عليه وسلم -: (لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر
على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى) [18]
· أن
الكفاءة لو كانت معتبرة في الشرع لكان أولى الأبواب بالاعتبار بها باب الدماء،
لأنه يحتاط فيه ما لا يحتاط في سائر الأبواب، ومع هذا لم تعتبر، حتى يقتل الشريف
بالوضيع، فهاهنا أولى، والدليل عليه أنها لم تعتبر في جانب المرأة، فكذا في جانب
الزوج، ويحكى عن الكرخي أنه كان يقول:
(الأصح عندي أن لا تعتبر الكفاءة في النكاح أصلا؛ لأن الكفاءة غير معتبرة فيما هو
أهم من النكاح، وهو الدماء فلأن لا تعتبر في النكاح أولى) [19]
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو الجمع بين القول
الأول والقول الثالث، وهو اعتبار الكفاءة شرطا للزوم لا للصحة، مع تقييد ذلك بخصال
الكفاءة التي سنذكرها في المبحث الثاني من هذ الفصل.
لأن أصحاب القول الثالث لم يعتبروا الكفاءة
بسبب حصرها في عرف كثير من الفقهاء في الكفاءة النسبية أو كفاءة الحسب والجاه، وهي
تتناقض مع ما جاء به الإسلام من مبادئ في هذه النواحي.
أما أصحاب القول الثاني فإن معظم ما استدلوا به
لا يفسد العقد الذي صححته الأدلة القطعية، وقد قال البيهقي عن الأحاديث التي
أوردوها: أمثل ما ورد في اعتبار الكفاءة حديث على هذا[20]، وقد رأينا ضعفه وعدم صحة الاحتجاج به.
أما ما ذكره الشافعية من عدم الصحة بسبب تخلف
الكفاءة في حال الإجبار، فهو صحيح، ولكن لا لتخلف الكفاءة، وإنما لفقدان شرط
الرضى، وهو من الشروط المنصوص عليها كما سنرى ذلك في فصل الولاية.
الآثار المترتبة عن تخلف الكفاءة:
اختلف العلماء في الآثار المتربتة عن تخلف
الكفاءة بناء على خلافهم السابق، ويمكن حصر الخلاف في القولين التاليين[21]:
القول الأول: لا يصح
العقد أصلا إذا تزوجت المرأة بغير كفء، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهي المختارة
للفتوى عند الحنفية، قال السرخسي:(وهو أحوط، فليس كل ولي يحسن المرافعة إلى
القاضي، ولا كل قاض يعدل، فكان الأحوط سد هذا الباب([22]
القول الثاني: صحة الزواج،
وتوقفه على رضا الولي، وهو قول الشافعية والحنفية، قال السرخسي:(إذا زوجت المرأة
نفسها من غير كفء فللأولياء أن يفرقوا بينهما، لأنها ألحقت العار بالأولياء، فإنهم يتعيرون بأن ينسب
إليهم بالمصاهرة من لا يكافئهم، فكان لهم أن يخاصموا؛ لدفع ذلك عن أنفسهم) [23]،ومن
أدلتهم على ذلك أن الكفاءة حقها وحق الأولياء - كما سبق - فإن رضوا بإسقاطها فلا
اعتراض عليهم.
وقد اختلف رأي المالكية فيما لو تزوجت المرأة
من غير كفء في الدين على ثلاثة أقوال هي:
·
لزوم فسخه لفساده، وهو
ظاهر قول اللخمي وابن بشير وغيرهما.
·
أنه زواج صحيح، وشهره
الفاكهاني.
·
إن كان لا يؤمن عليها
منه رده الإمام وإن رضيت به، وهو لأصبغ.
نرى أن
الأرجح في المسألة، بناء على ما سبق ذكره، هو القول الثاني مقيدا بخصال الكفاءة
التي سنذكرها.
ذهب الفقهاء إلى أن التفريق
في الكفاءة لا يكون إلا للقاضي، للأدلة التالية[24]:
· أنه
فسخ للعقد بسبب نقص، فكان قياس الرد بالعيب بعد القبض، وذلك لا يثبت إلا بقضاء
القاضي.
· أنه
مختلف فيه بين العلماء، فكان لكل واحد من الخصمين نوع حجة فيما يقول فلا يكون
التفريق إلا بالقضاء.
وما لم يفرق القاضي بينهما فحكم الطلاق والظهار
والإيلاء والتوارث قائم بينهما لأن أصل الزواج انعقد صحيحا، فإنه لا ضرر على
الأولياء في صحة العقد، وإنما الضرر عليهم في اللزوم، فتتوفر عليه أحكام العقد
الصحيح.
اختلف العلماء فيما لو رضي بعض الأولياء دون
بعض عن الزوج عل قولين[25]:
القول الأول: يسقط حق
الباقين، وهو قول أبي حنيفة، ومحمد، وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة ورواية عن
أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· أن
المرأة التي رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أباها
زوجها من غير كفئها خيرها، ولم يبطل الزواج من أصله[26].
· أن
العقد وقع بإذنها، والنقص الموجود فيه لا يمنع صحته، وإنما يثبت الخيار، كثبوت
الخيار من العيوب.
· أن
هذا حق واحد لا يتجزأ، فقد ثبت بسبب لا يتجزأ، وهو القرابة، وإسقاط بعض ما لا
يتجزأ إسقاط لكله لأنه لا بعض له، فإذا
أسقط واحد منهم لا يتصور بقاؤه في حق الباقين كالقصاص إذا وجب لجماعة فعفا أحدهم عنه أنه يسقط حق الباقين.
· أن
حقهم في الكفاءة ما ثبت لعينه، بل لدفع الضرر، والتزويج من غير كفء وقع إضرارا
بالأولياء من حيث الظاهر، وهو ضرر عدم الكفاءة، فالظاهر أنه لا يرضى به أحدهم إلا
بعد علمه بمصلحة حقيقية هي أعظم من مصلحة الكفاءة وقف هو عليها، وغفل عنها الباقون
ولولاها لما رضي، وهي دفع ضرر الوقوع في الزنا على تقدير الفسخ.
القول الثاني: لا يسقط
حق الباقين وهو قول أبي يوسف،وهو مروي عن أحمد وقول للشافعي، ومن أدلة ذلك:
· أن
حقهم في الكفاءة ثبت مشتركا بين الكل، فإذا رضي به أحدهم، فقد أسقط حق نفسه، فلا
يسقط حق الباقين، قياسا على الدين إذا وجب لجماعة، فأبرأ بعضهم فإنه لا يسقط بذلك
حق الباقين.
· أن
رضا أحدهم لا يكون أكثر من رضاها، فإن زوجت نفسها من غير كفء بغير رضاهم لا يسقط
حق الأولياء برضاها، فلأن لا يسقط برضا أحدهم أولى.
الترجيح:
نرى أن
الأرجح في المسألة هو أن الكفاءة لا يحددها الأولياء، وإنما يحددها الشرع، والرضى
لا يكون من الأولياء وإنما يكون من المرأة، فإن تحققت الكفاءة في الرجل، ورضيت
المرأة صح الزواج، ولا عبرة بسخط كل الأولياء أو بعضهم، وسنرى أدلة هذا في محلها
من الفصل الخاص بالولاية.
التغرير في
الكفاءة وآثاره:
لغة[27]: يقال: غَرَّه يغُرُّه غَرّاً وغُروراً وغِرّة؛ فهو مَغرور
وغرير: خدعه وأَطمعه بالباطل؛ ورجل غِرٌّ
بالكسر وغَرِيرٌ أي غير مُجرب وجارية
غِرَّةٌ وغَرِيرَةٌ وغِرٌّ أيضا بيِّنة الغَرَارَةُ بالفتح، وقد غَرَّ يغِر بالكسر
غَرَارَةً بالفتح والاسم الغِرَّةُ بالكسر والغِرّة أيضا الغفلة، والغَارُّ
بالتشديد الغافل، تقول منه: اغْتَرَّ الرجل واغترَّ بالشيء خُدع به والغَرَرُ
بفتحتين الخطر.
اصطلاحا: هو ما لا
يدري هل يحصل أم لا جهلت صفته أم لا، كالطير في الهواء والسمك في الماء.
والفرق بينه وبين المجهول هو أنه ما علم حصوله
وجهلت صفته كبيع الشخص ما في كمه، فهو يحصل قطعا لكنه لا يدري أي شيء هو، فكل واحد
من الغرر والمجهول اصطلاحا أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه[28].
اتفق الفقهاء على كون التغرير في الزواج بكتم العيوب
أو الكذب في الوصف من الكبائر للنصوص الكثيرة الدالة على حرمة الغش والتدليس،
واختلفوا في أثر التغرير في الزواج على قولين:
القول الأول: أنه إذا دلس أحد الزوجين على الآخر , بأن كتم
عيبا فيه , يثبت به الخيار, لم يعلمه المدلس عليه وقت العقد , ولا قبله. أو شرط
أحدهما في صلب العقد وصفا من صفات الكمال كإسلام , وبكارة , وشباب , فتخلف الشرط:
يثبت للمدلس عليه والمغرور بخلف المشروط خيار فسخ النكاح، وهو قول الجمهور.
فقد نص المالكية مثلا على أن من أسباب الخيار
الغرور فإذا قال العاقد: زوجتك هذه الحرة فإذا هي أمة انعقد النكاح ويثبت الخيار
للزوج , وكذلك إذا تزوج الحر امرأة ولم يشترط الحرية فيها فله الخيار , وإن ظهر
أنها أمة، وفي المدونة قال مالك: من نكح امرأة أخبرته أنها حرة فإذا هي أمة أذن
لها ربها أن تستخلف رجلا على عقد نكاحها فله فراقها قبل البناء , غرم شيء من المهر
, وإن دخل بها أخذ منها المهر الذي قبضته ولها مهر مثلها , وإن شاء ثبت على نكاحها
بالمسمى[29]
القول الثاني: ليس لواحد من الزوجين خيار الفسخ لعيب , وهو
قول الحنفية، فالنكاح عندهم لا يقبل الفسخ، وقد عبر الكاساني عن هذا الشرط ووجه الاستدلال
به عند الحنفية، فقال:( وكذلك إن اشترط أحدهما على صاحبه السلامة من العمى والشلل,
والزمانة فوجد بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار , وكذلك لو شرط الجمال والبكارة ,
فوجدها بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار ; لأن فوت
زيادة مشروطة بمنزلة العيب في إثبات الخيار كما في البيع , وبهذا تبين أنه
لا معتبر لتمام الرضا في باب النكاح فإنه لو تزوجها بشرط أنها بكر شابة جميلة
فوجدها ثيبا عجوزا شوهاء لها شق مائل وعقل زائل ولعاب سائل, فإنه لا يثبت له
الخيار, وقد انعدم الرضا منه بهذه الصفة[30].
نرى أن الأرجح في
المسألة هو القول الأول إعمالا لما ورد في النهي عن الغش والتدليس، لأن ذلك النهي
لا يرتبط بالأحكام الأخروية فقط، بل له أثره الدنيوي، وفي ذلك سد للذريعة حتى لا
يتلاعب بالأعراض بالكذب والاحتيال.
ثم كيف تبنى الحياة
الزوجية الطويلة المديدة على كذبة كذبها بعض الناس في يوم من الأيام ثم تاب منها
ليصلى غيره بنارها، فكما أن ذنبه يمحى بالتوبة، ففعله يمحى بالفسخ سواء بسواء.
من يتولى دفع المهر في
حال التغرير:
اختلف الفقهاء فيمن يتولى دفع المهر في حالة
وقوع التغرير بالزوج على قولين[31]:
القول الأول: أنه يرجع
بالمهر على من غره، إذا كان عالما به، وهو قول الزهري , وقتادة, ومالك , والشافعي
في القديم،ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:
· قول
عمر - رضي الله عنه -: إذا تزوجها , فرأى جذاما أو برصا , فإن لها المهر بمسيسه
إياها , ووليها ضامن للصداق.
· أنه
غره في النكاح بما يثبت الخيار , فكان المهر عليه , مثل سائر أحكام الغرر.
القول الثاني: لا يرجع
بالمهر على من غره، وهو قول أبي حنيفة , والشافعي في الجديد، واستدلوا على ذلك بما
يلي:
· قال
عمر - رضي الله عنه -: أيما رجل تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص , فمسها ,
فلها صداقها, وذلك لزوجها غرم على وليها.
·
أنه ضمن ما استوفى
بدله , وهو الوطء , فلا يرجع به على غيره , كما لو كان المبيع معيبا فأكله.
وقد اتفق أصحاب هذا القول على أن الولي إن لم
يكن عالما بالتغرير، كان التغرير من المرأة , فيرجع عليها بجميع الصداق، أما إذا اختلف
في علم الولي بذلك، فقد اختلف اصحاب هذا القول على رأيين:
الرأي الأول: إن شهدت
بينة عليه بالإقرار بالعلم , وإلا فالقول قوله مع يمينه، وهو قول الزهري , وقتادة
وقول للشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:
·
أن الولي إذا لم يعلم
لا يغرم , لأن التغرير من غيره , فلم يغرم , كما لو كان ابن عم.
· أن
عيوب الفرج لا اطلاع له عليها , ولا يحل
له رؤيتها , وكذلك العيوب تحت الثياب , فصار الولي في هذا كمن لا يراها , إلا في
الجنون , فإنه لا يكاد يخفى على من يراها , إلا أن يكون غائبا.
الرأي الثاني: إن كان
أبا , أو جدا , أو ممن يجوز له أن يراها , فالتغرير من جهته , علم أو لم يعلم، وإن
كان ممن لا يجوز له أن يراها , كابن العم , والمولى, وعلم غرم , وإن أنكر , ولم
تقم بينة بإقراره , فالقول قوله , ويرجع على المرأة بجميع الصداق، وهو قول مالك[32]، وقول للشافعي.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الرجل
الذي دخل على المرأة مغررا به لا يجب عليه من المهر إلا أدنى ما يطلق عليه، بما
استحل منها، أما المهر الكامل الذي هو مهر مثلها، أو ما سمي لها فتستحقه من الذي
غرر بها إن كانت جاهلة بوقوع هذا التغرير، أما إن كانت عالمة فلا تستحق من المهر إلا ما أعطاها زوجها، وهو أدنى ما يطلق
عليه المهر على خلاف العلماء في ذلك.
2 ـ المواقف العامة من
خصال الكفاءة في المذاهب الفقهية
نتعرض في هذا المبحث الذي هو مقدمة لما بعده
إلى المواقف العامة التي وقفها الفقهاء من خصال الكفاءة، والتي تحدد نظرة المذاهب
الفقهية إلى هذه المسألة، وقد أجلنا ذكر الأدلة ومناقشة الأقوال إلى محلها في
المبحث التالي المتعلق بالخصال تفصيلا.
إن الكفاءة هي مساواة الرجل للمرأة في أمور
مخصوصة، وهي ست: النسب، والإسلام، والحرفة، والحرية، والديانة، والمال.
الكفاءة في النكاح هي المماثلة في أمرين[33]: أحدهما التدين بأن يكون مسلماً غير فاسق، ثانيهما السلامة من
العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزوج، كالبرص، والجنون، والجذام، والثاني حق
المرأة لا الولي.
أما الكفاءة في المال، والحرية. والنسب،
والحرفة فغير معتبرة عندهم، فإذا تزوج الدنيء شريفة فإنه يصح، وإذا تزوج الحمال أو
الزبال، شريفة أو ذات جاه فإنه يصح، وقد اختلف في كفاءة العبد للحرة.
ثم إن الكفاءة عندهم تعتبر في اليتيمة التي
زوجها ولي غير مجبر عند خوف الفساد بالشروط المتقدمة فإن من بين هذه الشروط أن
تزوج من كفء، فلا يصح زواجها من فاسق شريب، أو زانٍ، أو نحوهما، ولا من زوج به
عيوب منفرة، بل لا بد من أن يكون مساوياً لها في أوصاف الكمال، وأن يكون الصداق
مهر مثلها. قالوا: فإذا زوجت من غير مراعاة الكفاءة ونحوها من الشروط فسخ العقد إن
لم يدخل بها الزوج، أو دخل بها ولكن لم يطل الزمن، أما إذا دخل وطال الزمن بأن مضى
عليها ثلاث سنين أو ولدت ولدين في زمنين مختلفين لا في بطن واحدة فإنه لا يفسخ،
وهذا هو المشهور. وقيل: يفسخ مطلقاً.
وكذا إذا زوج الحاكم امرأة غير رشيدة غاب عنها
وليها فإنه لا يجوز له أن يزوجها إلا بعد أن يثبت لديه أن الزوج كفء لها في الدين
والحرية والحال ومهر المثل على الوجه الذي بيناه، أما الرشيدة المالكة أمر نفسها
فإنه يزوجها بدون أن يثبت عنده ذلك لأنها هي صاحبة الحق فيه، فلها إسقاطه متى رضيت
بالزوج، على أنهم قالوا: إذا زوج الحاكم غير الرشيدة من غير بحث فإن العقد يصح ما
لم يبطله شيء آخر.
ومع هذا فإن للولي وللزوجة ترك الكفاءة في
الدين والحال، فتتزوج من فاسق بشرط أن يكون مأموناً عليها. فإن لم يكن مأموناً
عليها رده الحاكم وإن رضيت به حفظاً للنفوس، وإذا رضي الولي بغير كفء فطلقها ثم
أراد أن يرجع لها ثانياً ورضيت به فليس للولي الامتناع ثانياً.
وإذا أراد الأب أن يزوج ابن أخيه الفقير ابنته
الموسرة، فهل لأمها الاعتراض أو لا؟ خلاف في هذه المسألة، وقواعد المذهب تفيد أنه
ليس لها اعتراض إلا إذا خيف عليها الضرر.
وضابط الكفاءة عندهم[34] مساواة الرجل للزوجة في كل كمال أو خسة ما عدا
السلامة من عيوب النكاح، فإن المساواة فيها لا توجب أن يكون كل منهما كفأً لصاحبه
فإن كان كل منهما أبرص، أو مجذوماً كان لكل منهما حق طلب الفسخ، ولا يقال: إنهما
متساويان في العيب، لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكره من نفسه.
وتعتبر الكفاءة عندهم في أنواع أربعة خصال:
النسب. والدين. والحرية. والحرفة.
الكفاءة هي المساواة في خمسة أمورهي[35]:
الديانة: فلا يكون الفاجر الفاسق كفأ للصالحة
العدل العفيفة، لأنه مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته.
الصناعة: فلا يكون صاحب الصناعة الدنيئة كفأ
لبنت صاحب الصناعة الشريفة، فالحجام والزبال لا يكونان كفأ لبنت التاجر والبزاز
الذي يتجر في القماش.
اليسار: بالمال بحسب ما يجب لها من المهر
والنفقة، فلا يكون المعسر كفأ للموسرة، وضبط بأن لا تتغير حالها عنده عما كانت
عليه في بيت أبيها.
الحرية: فلا يكون العبد والمبعض كفأ للحرة.
النسب: فلا يكون العجمي - وهو ليس من العرب -
كفأ للعربية، فإذا زوجها الولي من غير كفء وبغير رضاها كان آثماً، ويفسق به الولي.
وقد عبر
عنه ابن حزم بقوله:( أهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابن من زنجية لغية نكاح
ابنة الخليفة الهاشمي، والفاسق - الذي بلغ الغاية من الفسق - المسلم - ما لم يكن
زانيا - كفؤ للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفؤ للمسلمة الفاسقة ما لم تكن
زانية؟ والذي نختاره، فنكاح الأقارب بعضهم لبعض([36]
ومذهبهم
قريب من مذهب الظاهرية، فقد نصوا على أن للكفاءة خصلة واحدة هي [التساوي في
الإسلام], وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان, أظهرهما الاكتفاء بالإسلام
, وإن تأكد استحباب الإيمان , وهو في طرف الزوجة أتم ; لأن المرأة تأخذ من دين
بعلها, لا يصح عندهم نكاح الناصب , المعلن بعداوة أهل البيت - رضي الله عنهم
- لارتكابه ما يعلم بطلانه في الإسلام.
واختلفوا
في اشتراط تمكنه من النفقة، والأشبه عندهم عدم اشتراطها، ولو تجدد عجز الزوج عن
النفقة , هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان , أشهرهما أنه ليس لها ذلك.
ويجوز عندهم
إنكاح الحرة العبد , والعربية العجمي والهاشمية غير الهاشمي , وبالعكس , وكذا
أرباب الصنائع الدنية بذوات الدين والبيوتات، ولو خطب المؤمن القادر على النفقة ,
وجب إجابته , وإن كان أخفض نسبا , ولو امتنع الولي , كان عاصيا. ولو انتسب الزوج
إلى قبيلة , فبان من غيرها , كان للزوجة الفسخ وقيل: ليس لها وهو أشبه. ويكره: أن
يزوج الفاسق , ويتأكد في شارب الخمر , وأن تزوج المؤمنة بالمخالف , ولا بأس
بالمستضعف , وهو الذي لا يعرف بعناد[37].
وقد نصوا
على أن الكفاءة تكون فيما يلي[38]:
في
الحرفة: فالحرفة
الدنية تخرج الزوج عن الكفاءة، ولو كان هاشميا إن تضرر بها كما يتضرر بالنسب
الدنيء ويعتبر في كل بلد بعرفها.
في
الدين: وهو ترك
الجهار بالفسق، فأما لو لم يكن مجاهرا وكان فسقه خفيا لم يخرج بذلك عن الكفاءة
ويعتبر بالدين حال العقد، فإن طرأ الفسق من بعد فلا خيار وإن طرأت النوبة من بعد
منعت الخيار، ويلحق الولد الصغير بأبيه ولو ميتا لا بأمه في الدين والحرفة فإن كان
أبو الصغير وأبو الصغيرة - ولا عبرة بالأم - فاسقين أو ذوي حرفة دنية لم يكن
ولدهما الصغير كفؤا للمؤمن ولا لولد المؤمن ولا لذي صناعة رفيعة ولا لولده وإذا
كانا مؤمنين أو ذوي حرفتين رفيعتين كان كفؤا هذا في الصغير وأما في الكبير فإنه
يعتبر في دينه وفسقه وحرفته بنفسه لا بأبويه إلا الصناعة فبأبيه مهما كان يتضرر
بها.
في
النسب: فعجم
النسب لا عجم اللسان بعضها أكفاء لبعض وليسوا أكفاء للعرب، والعرب أكفاء بعضها لبعض وليسوا أكفاء لقريش ,
وقريش أكفاء إلا لبني هاشم وبنو هاشم أكفاء إلا للفاطميين , والموالي ليسوا بأكفاء
للعجم.
وجاز نكاح
غير الكفؤ بهذين الشرطين: وهو أن يرضى الزوجان بعضهما ببعض، وأن يرضى ولي المرأة
حيث رضيت بغير كفؤها نحو فاطمية رضيت ورضي الولي بإنكاحها من غير فاطمي فإنه يحل،
وقيل إلا الفاطمية فإنه لا يحل إنكاحها من غير فاطمي ولو رضيت ورضي الولي، وهذا
القول للمنصور بالله وجماعة من أئمة الزيدية المتأخرين.
وقد نصوا[39]
على أنه لا يجوز للولي تزويج موليته من غير كفئها، وإن زوجها بغير كفئها قهرا فرضيته
زوجا على كره أو زوجها به غير عالمة بأنه غير كفؤ لعدم معرفتها أو لكونها غير عالمة بالأمور كبلهاء وصبية
ومجنونة أو لنحو ذلك , فليطلب منها أن ترضى عنه ويرضيها بما ترضى به لأنه ظالم لها
إن خاف منها زنا أو خافت زوجها بمن وجد من أهل التوحيد ; لأن الضرورة تدفع بضرورة
أهون منها , والتحرز عن الزنا أهون.
ولا يجوز
تزويجها من ظالم لا يؤخذ منه حقها، فإن كان يؤخذ منه حقها لقوتها عليه أو قوة
أنصارها أو قائم البلد أو الجماعة فلا بأس بتزويجها إياه , وكذا إن كان إنما يجور على غير أزواجه أو على نوع ليست
المرأة من ذلك النوع, وعلى كل حال , فالأولى لها غيره لأنه قد بان منه الجور فربما
عاد عليها.
ولا يجوز
تزويجها من مخالف يفتنها في دينها، وهو ما يشمل المذهب وهو الفروع التي لا يقطع
فيها العذر ; أما مخالف لا يفتنها لحمية مذهب الإباضية, حتى لا يجب الصرف عنه أو
لكونه أبله لا يعرف ذلك أو لعدم اعتنائه بذلك فلا بأس , لكن الأولى غيره لأنه بان
منه خلاف فربما عاد إلى صرفها.
ولا يجوز
تزويجها من قاتل نفسا بظلم، ولا لمنافق ظهر نفاقه مطلقا , ولا لمن يؤكلها الحرام
ولا لبدوي ولا لمن لا يصونها، مثل أن يدخل بها الأسواق أو يدخل إليها الناس أو
يرضى بدخولهم أو يرسلها إلى ما لا يحسن.
وإذا سبق
الحضر ولو لطفلة أو أمة أو مجنونة لم يجز لهن البقاء على حكم البدوي , وكذا إن كان
البدو أولا ثم كان الحضر لا يرجعن للبدو , والطفلة في حكم الأب وكذا المجنونة.
3
ـ الأحكام التفصيلية لخصال الكفاءة
بناء على ما سبق ذكره من الأقوال المختلفة
لأصحاب المذاهب الفقهية المنتشرة في العالم الإسلامي، فإن الخصال التي اعتبروها
تكاد تنحصر في الخصال الست التالية:
·
الدين
·
التدين
·
النسب
·
الحرفة
·
المال
·
السلامة من العيوب.
وسنعرض في هذا المبحث لتفاصيل الأدلة المرتبطة
بهذه الخصال، وما نراه من ترجيح حولها.
أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلمة الزواج
من غير المسلم، للآيات الصريحة في ذلك مثل قول الله تعالى: ﴿ وَلَا
تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾(البقرة:221) وقوله تعالى: ﴿
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾(النساء:141)،
ويتعلق بهذه الخصلة المسائل التالية:
اتفق الفقهاء على عقوبة الكافر الذي يتزوج بمسلمة بعقوبة تعزيرية[40]، وقد اختلف الفقهاء في أدنى هذه العقوبة التعزيرية وأعلاها خلافا كبيرا،
نورد خلاصته فيما يلي:
القول الأول: أن الحد
الأعلى هو عشرة أسواط، وهو قول الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية،
واستدلوا على ذلك بما روي عن أبي هريرة مرفوعا:(لا تعزروا فوق عشرة
أسواط) [41]
القول الثاني: تجوز
الزيادة على العشر، وهو قول الجمهور، وقد اختلفوا في الحد الأعلى على ما يلي[42]:
·
لا يبلغ أدنى الحدود،
وهل الاعتبار بحد الحر والعبد قولان، وهو قول الشافعي.
·
يستنبط كل تعزير
من جنس حده، ولا يجاوزه، وهو مقتضى قول الأوزاعي لا يبلغ به الحد.
·
هو إلى رأي الامام
بالغا ما بلغ، وهو اختيار أبي ثور.
· لا
يعزر إلا من تكرر منه، ومن وقع منه مرة واحدة معصية لا حد فيها فلا يعزر، وهو مري
عن مالك وعطاء وأبي ثور.
·
أن لا يبلغ أربعين، وهو قول أبي حنيفة.
·
لا يزاد على خمس
وتسعين جلدة، وهو قول ابن أبي ليلى.
·
لا يبلغ ثمانين، وهو
رواية عن مالك وأبي يوسف.
· أنه
يقتل؛ وقد روي عن الإمام مالك، لأنه يصير بهذا ناقضا للعهد حين باشر ما ضمن في
العهد أن لا يفعله فهو نظير الذمي الذي يجعل نفسه طليعة للمشركين على قوله.
هذا
مارواه السرخسي عن مالك في المبسوط، ولكن ما في المدونة يدل على خلافه حيث قال
مالك في ذمي اشترى مسلمة فوطئها: أرى أن يتقدم إلى أهل الذمة في ذلك أشد التقدم
ويعاقبون على ذلك ويضربون بعد التقدم. وقال ابن القاسم: فأرى إن كان ممن يعذر
بالجهالة من أهل الذمة لم يضرب ولا أرى أن يقام في هذا حد، ولكني أرى العقوبة إن
لم يجهلوا[43].ولكن ما في المدونة قد يحمل على الأمة المسلمة لا الزوجة، فلا يقع
التنافي بين القولين[44].
أما المرأة فقد اتفق الفقهاء عل أنها تعزر إن
كان ذلك برضاها وموافقتها.
ويعاقب كذلك الذي سعى فيما بينهما، لأنه أعان
على ما لا يحل، قياسا على قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله الراشي
والمرتشي والرائش) [45]، وهو الذي
يسعى بينهما.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في ذلك هو أن تقدير العقوبات
التي لم يحددها الشرع موكول إلى ولي الأمر بالغا ذلك ما بلغ، وعليه تدل الروايات
المختلفة عن السلف الصالح - رضي الله عنهم -
ممن ولي أمر المسلمين، فقد روي عن عمر - رضي الله عنه - ، أنه كتب إلى أبي موسى
- رضي الله عنه -: لا تجلد في التعزير أكثر من عشرين، وعن عثمان: ثلاثين، وعن عمر - رضي الله عنه -:
أنه بلغ بالسوط مائة، وكذا عن ابن مسعود - رضي الله عنهم -
قال ابن تيمية مبينا الطرق التي يمكن للإمام أن
ينتهجها للتعزير: (وليس لأقل التعزير حد، بل هو بكل ما فيه إيلام الانسان من
قول وفعل وترك قول وترك فعل، فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والاغلاظ له، وقد يعزر
بهجره وترك السلام عليه حتى يتوب إذا كان ذلك هو المصلحة كما هجره النبى - صلى
الله عليه وسلم - وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا، وقد يعزر بعزله عن ولايته كما كان
النبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يعزرون بذلك، وقد يعزر بترك استخدامه في جند
المسلمين كالجندى المقاتل إذا فر من الزحف، فإن الفرار من الزحف من الكبائر وقطع
أجره نوع تعزير له، وكذلك الأمير إذا فعل ما يستعظم فعزله عن إمارته تعزير له،
وكذلك قد يعزر بالحبس، وقد يعزر بالضرب وقد يعزر بتسويد وجهه وإركابه على دابة
مقلوبا، كما روى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أمر بمثل ذلك في شاهد الزور فإن الكاذب سود
الوجه، فسود وجهه وقلب الحديث فقلب ركوبه) [46]
أما الحديث الذي ورد في ذلك، وأخذ بعض الفقهاء
بظاهره، فقد أجيب عنه بأجوبة كثيرة منها:
· قصره
على الجلد وأما الضرب بالعصا مثلا وباليد فتجوز الزيادة، لكن لا يجاوز أدنى
الحدود، وكأن قائل هذا لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب.
· أنه
منسوخ دل على نسخه إجماع الصحابة، وقد رد ذلك بأنه قال به بعض التابعين، وهو قول الليث
بن سعد أحد فقهاء الأمصار.
· معارضة
الحديث بما هو أقوى منه، وهو الإجماع على أن التعزير يخالف الحدود، وحديث الباب
يقتضي تحديده بالعشر فما دونها، فيصير مثل الحد.
· معارضة
الحديث بالاجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الامام فيما يرجع إلى التشديد
والتخفيف، لامن حيث العدد، لأن التعزير شرع للردع، ففي الناس من يردعه
الكلام،ومنهم من لا يردعه الضرب الشديد، فلذلك كان تعزير كل أحد بحسبه.
· أن
ذلك كان ذلك مختصا بزمن النبي - صلى الله
عليه وسلم -، لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر، حكاه النووي عن أصحاب مالك،
وعقب عليه بقوله:(وهذا التأويل ضعيف) [47]
ولا يمنع أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم
- قد قاله من باب ولايته لأمر المسلمين، ثم إن هذا التقدير مما تعم به البلوى
فيحتاج ـ على الأقل ـ إلى رواية أكثر صحة من تلك الرواية التي ورد بها الحديث،
والتي قد ذكرنا مقالة المحدثين فيها.
حكم من أسلمت وبقي زوجها على الكفر:
وهي من المسائل المهمة والمعاصرة، وكثيرا ما
تطرح التساؤلات حولها، وللأسف نجد من يفتي في مثل هذه المسائل بما يكون سببا
لتنفير من ترغب في الدخول للإسلام خوفا على بيتها من الانهيار بعد التفريق بينها
وبين زوجها.
وفي طرحنا لهذه المسألة، نحاول أن نجد حلا
شرعيا لهذه المشكلة القديمة المعاصرة في إطار الأقوال الفقهية والأدلة الشرعية،
وقد ذكر الفقهاء لهذه الحالة صورتان:
الصورة الأولى: إسلام الزوجين معا:
اتفق الفقهاء على أنهما إذا أسلما معا، فهما على الزواج الأول
سواء قبل الدخول أوبعده إلا إذا كان بينهما مانع من موانع الزواج كنسب أو رضاع،وقد
نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر، قال في التمهيد:( أجمع العلماء أن الزوجين إذا
أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما إلا أن يكون بينهما نسب أو
رضاع يوجب التحريم، وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا
أسلما معا وأصل العقد معفي عنه([48]
واستدل على ذلك بأن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كفارا، فأسلموا
بعد التزويج، وأقروا على النكاح الأول، ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام.
الصورة الثانية: تأخر إسلام أحدهما:
اختلف الفقهاء في في ذلك اختلافا كبيرا من لدن
السلف إلى المتأخرين من العلماء، ولا بأس أن نذكر هنا الأقوال في المسألة معتمدين
في ذلك بالدرجة الأولى على كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن
القيم الذي أفاض في المسألة إفاضة كبيرة تدل عل مدى أهميتها، وقد ذكر ابن القيم
تسعة أقوال في المسألة يمكن حصرها في القولين التاليين:
القول الأول: فساد الزواج مطلقا ووجوب الفسخ:
فإذا أسلمت المرأة انفسخ زواجها منه سواء كانت
كتابية أو غير كتابية، وسواء أسلم بعدها بطرفة عين أو أكثر، ولا سبيل إلى تصحيح
الزواج إلا بأن يسلما معا في وقت واحد، فإن أسلم هو قبلها انفسخ زواجها ساعة
إسلامه، ولو أسلمت بعده بطرفة عين انفسخ الزواج بذلك، وهو قول الظاهرية،وحكاه ابن
حزم عن عمر بن الخطاب , وجابر بن عبد الله , وابن عباس - رضي الله عنهم - ، وبه
يقول حماد بن زيد , والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير , وعمر بن عبد العزيز , وعدي بن
عدي الكندي , والحسن البصري , وقتادة , والشعبي , وغيرهم[49]. واستدلوا على ذلك بما يلي:
·
قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ
أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ
لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ
إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ
وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ
اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(الممتحنة:10)، فقد
حرم في الآية رجوع المؤمنة إلى الكافر، وصرح الشرع بإباحة زواجها ولو كانت في عصمة
الزوج حتى يسلم في العدة أو بعدها لم يجز زواجها لا سيما والمهاجرة تستبرأبحيضة،
وهذا صريح في انقطاع العصمة بالهجرة.
· قوله
تعالى:﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ﴾(الممتحنة:10)،
وهو صريح في أن المسلم مأمور ألا يمسك عصمة امرأته إذا لم تسلم، فصح أن ساعة وقوع
الإسلام منه تنقطع عصمة الكافرة منه.
·
قوله تعالى :﴿
لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ (الممتحنة:10)،
وهو صريح في تحريم أحدهما على الآخر في كل وقت.
· صح
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (المهاجر من هجر ما نهى
الله عنه) فكل من أسلم فقد هجر الكفر الذي قد نهي عنه فهو مهاجر.
·
نص تعالى على أن
نكاحها مباح لنا , فصح انقطاع العصمة بإسلامها.
· الآثار
المروية عن السلف في ذلك، وممن روى عنهم ابن حزم هذا القول: عمر بن الخطاب وجابر
بن عبد الله وعبدالله بن عباس وحماد بن زيد والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير وعمر بن
عبدالعزيز والحسن البصري وعدي بن عدي وقتادة والشعبي[50].
وهو استمراره على العقد السابق دون حاجة إلى
عقد جديد، وقد اختلف هؤلاء اختلافا شديدا في المدة التي يستمر فيها هذا العقد
ساريا، واختلفوا كذلك في نوع التفريق الذي يقع بعد ذلك، هل هو فسخ أو طلاق؟ وهذه
خلاصة الآراء في ذلك معنونة بحسب العلة المراعاة في اعتبار التفريق:
وقد روي في مراعاة المكان رأيان:
الرأي الأول: التفريق
بين دار الحرب ودار الإسلام،وهو مذهب الحنفية، وتفصيله كما يلي:
الحالة الأولى: في دار الإسلام: إن كان
في دار الإسلام، عرض الإسلام على الذي لم يسلم، فإن أسلما بقيا على زواجهما، وإن
أبيا فحينئذ تقع الفرقة، ولا تراعى العدة في ذلك، وهو مذهب الحنفية، وقد أتفقوا
على أن الفرقة فسخ إن كانت المرأة مجوسية واختلفوا في نوع الفرقة إن كانت
كتابية،هل هي طلاق أم فسخ على قولين:
· الفسح
ههنا طلاق، لأن الزوج ترك الإمساك بالمعروف مع القدرة عليه فينوب القاضي منابه في
التسريح بالإحسان فيكون قوله كقول الزوج، وهو قول أبي حنيفة ومحمد.
· لا
يكون طلاقا، لأنه سبب يشترك فيه الزوجان، فلا يكون طلاقا كما لو ملكها أو ملكته،
وهو قول أبي يوسف.
الحالة الثانية: في دار الحرب: إن كانا
في دار الحرب فخرجت المرأة إلينا مسلمة أو معاهدة فساعة حصولها في دار الإسلام تقع
الفرقة بينهما لا قبل ذلك، فإن لم تخرج من دار الحرب بأن حاضت ثلاث حيض قبل أن
يسلم هو وقعت الفرقة حينئذ وعليها أن تبتدىء ثلاث حيض أخر عدة منه، وقد اختلفوا
كذلك هنا في نوع الفرقة كما سبق.
الرأي الثاني: عدم الخروج من البلد: هو أن
زوجها أحق بها ما لم تخرج من مصرها، وهو مروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه
- فقد قال في الزوجين الكافرين يسلم
أحدهما:(هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها) [51]
والتفريق بين إسلام المرأة وإسلام الرجل، وبين
الإسلام قبل الدخول وبعده، وقد رويت في ذلك ثلاثة آراء:
رأي المالكية: وتفصيله
كما يلي:
أولا ـ إن أسلمت المرأة ولم
يسلم الرجل، فإن أسلم في عدتها فهما على زواجهما، وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها فقد
بانت منه، قال مالك في النصرانية تكون تحت النصراني فيخرج إلى بعض الأسفار فتسلم
امرأته وهو غائب:(إنها تؤمر بالنكاح إذا انقضت عدتها، ولا ينتظر بها وليس له منها
شيء إن قدم بعد انقضاء عدتها وهو مسلم نكحت أو لم تنكح، هذا إذا أسلم بعد انقضاء
عدتها، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها في غيبته، فإن نكحت قبل أن يقدم زوجها أو يبلغها
إسلامه فلا سبيل له إليها، وإن أدركها قبل أن تنكح فهو أحق بها، وإن كانت الغيبة
قريبة استؤني بتزويجها وكتب للسلطان فلعله قد أسلم قبلها وإن كانت بعيدة فلا) [52]، واستدلوا
على ذلك بما يلي:
· أنه
كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر أسلمت يوم
الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينا والطائف وهو كافر، ثم أسلم، فلم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما
واستقرت عنده امرأته بذلك الزواج، قال ابن عبد البر: وشهرة هذا الحديث أقوى من
إسناده. [53]
· أن
أم حكيم أسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن، فارتحلت حتى قدمت عليه
اليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم فبايع النبي
-
صلى الله عليه وسلم - فثبتا على زواجهما.
· أسلم
أبو سفيان عام الفتح قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، ولم
تسلم امرأته هند حتى فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة فثبتا
على زواجهما.
· خرج
أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي أمية فلقيا النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح
بالأبواء فأسلما قبل نسائهما.
ثانيا: إن أسلم الرجل ولم تسلم
المرأة:
عرض عليها الإسلام، فإن أسلمت بقيا على زواجهما، وإن أبت انفسخ الزواج ساعة إبائها
سواء كان قبل الدخول أو بعده.
واعتبر ابن القاسم الفرقة حيث وقعت فسخا، وفي
رواية أخرى اعتبرها طلقة ثانية، ومما استدل به لذلك أن عبادة بن النعمان الثعلبي
كان ناكحا امرأة من بني تميم فأسلمت فقال له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إما أن تسلم وإما أن ننزعها منك فأبى فنزعها
عمر - رضي الله عنه -.
وقد راعت آراء أخرى ما راعاه المالكية مع
اختلافهم مع المالكية في أحكام كل حالة، ومن تلك الآراء:
رأي ابن شبرمة: وهو عكس
قول المالكية، وهو أنها إن أسلمت قبله وقعت الفرقة في الحين، وإن أسلم قبلها
فأسلمت في العدة فهي امرأته وإلا وقعت الفرقة بانقضاء العدة[54].
رأي الأوزاعي والزهري والليث
والإمام أحمد والشافعي وإسحاق: وهو أنه إذا سبق أحدهما بالإسلام، فإن كان
قبل الدخول انفسخ الزواج، وإن كان بعده فأسلم الآخر في العدة فهما على زواجهما،
وإن انقضت العدة قبل إسلامه انفسخ الزواج،فلم يفرقوا في ذلك بين الرجل والمرأة على
عكس قول المالكية.
وهو أنه إذا أسلمت المرأة ولم يسلم زوجها فهما
على زواجهما ما لم يفرق بينهما الحاكم، وهو مروي عن الزهري.
3 ـ التربص إلى إسلامه بدون تحديد:
ويرى استمرار العصمة المقيدة بحرمة المعاشرة
الجنسية، فتجب لها النفقة والسكنى، ولكن لا سبيل له إلى معاشرتها، بل تنتظر وتتربص
فمتى أسلم فهي امرأته ولو مكثت سنين، وزوجها في تلك الحال ليس زوجا مالكا لعصمتها
من كل وجه فلذلك لا يحتاج إذا أسلم إلى ابتداء عقد يحتاج فيه إلى ولي وشهود ومهر
وعقد، بل إسلامه بمنزلة قبوله للزواج وانتظارها بمنزلة الإيجاب، وهو مذهب كثير من
السلف واختيار ابن تيمية وابن القيم[55]، ويمكن حصر أدلة هذا القول في الدليلين التاليين:
الدليل الأول: الإجابة على ما أورده
المخالفون من الآيات: فقد أجابوا على الآيات التي استدل بها
المخالفون بوجوه من الإجابات منها:
· اعتبار
ظرف نزول الآية، لأن تحريم النساء المشركات على المؤمنين لم يستفد بهذه الآية، بل
كان ثابتا قبل ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى
يُؤْمِنَّ ﴾(البقرة:221)، وإنما اقتضت هذه الآية حكمه I بين المؤمنين والكفار في النساء اللاتي يرتددن إلى الكفار واللاتي
يهاجرن إلى المسلمين، فإن الشرط كان قد وقع على أن من شاء أن يدخل في دين رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وعهده دخل
ومن شاء أن يدخل في دين قريش وعهدهم دخل، فهاجر نسوة اخترن الإسلام وارتد نسوة
اخترن الشرك، فحكم الله أحسن حكم بين الفريقين في هذه الآية، ونهى المسلمين فيها
أن يمسكوا بعصمة المرأة التي اختارت الكفر والشرك، فإن ذلك منع لها من التزوج بمن
شاءت وهي في عصمة المسلم والعهد اقتضى أن من جاء من المسلمين رجالهم ونسائهم إلى
الكفار يقر على ذلك ومن جاء من الكفار إلى المسلمين يرد إليهم فإذا جاءت امرأة
كافرة إلى المسلمين زالت عصمة زواجها وأبيح للمسلمين أن يزوجوها فإذا فاتت امرأة
من المسلمين إلى الكفار فلو بقيت في عصمته ممسكا لها لكان في ذلك ضرر بها إن لم
يمكنها أن تزوج وضرر به إن أمكنها أن تتزوج وهي في عصمته، فاقتضى حكمه العدل تعجيل
التفريق بينه وبين المرأة المرتدة أو الكافرة عندهم لتتمكن من التزويج كما تتمكن
المسلمة من التزويج إذا هاجرت.
· أن
الآية إنما تدل على أن الرجل إذا أسلم ولم تسلم المرأة أنه لا يمسكها بل يفارقها
فإذا أسلمت بعده، فله أن يمسك بعصمتها وهو إنما أمسك بعصمة مسلمة لا كافرة.
· أن
قوله I:﴿ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ إنما
يدل على النهي عن رد النساء المهاجرات إلى الله ورسوله إلى الكفار وليس فيه ما
يقتضي أنها لا تنتظر زوجها حتى يصير مسلما مهاجرا إلى الله ورسوله ثم ترد إليه.
· أن
قوله تعالى:﴿ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾
إنما فيه إثبات التحريم بين المسلمين والكفار وأن أحدهما لا يحل للآخر وليس فيه أن
أحدهما لا يتربص بصاحبه الإسلام فيحل له إذا أسلما.
· أن
قوله تعالى:﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾(الممتحنة:10) خطاب للمسلمين ورفع للحرج
عنهم أن ينكحوا المؤمنات المهاجرات إذا بن من أزواجهن وتخلين عنهم، وذلك لا يكون
بعد انقضاء عدة المرأة واختيارها لنفسها، ولا ريب أن المرأة إذا انقضت عدتها تخير
بين أن تتزوج من شاءت وبين أن تقيم حتى يسلم زوجها فترجع إليه إما بالعقد الأول
على ما انتصر له هذا القول، أو بعقد جديد على قول من يرى انفساخ الزواج بمجرد
انقضاء العدة[56].
· أن
قوله I:﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾(الممتحنة:10)
إنما تضمن النهي عن استدامة زواج المشركة والتمسك بها وهي مقيمة على شركها وكفرها
وليس فيه النهي عن الانتظار بها أن يسلم ثم يمسك بعصمتها، وليس هو في التربص ممسك بعصمتها
لأنها متمكنة بعد انقضاء عدتها من مفارقته والتزوج بغيره ولو كانت العصمة بيده لما
أمكنها ذلك.
الدليل الثاني: الأدلة النصية: من
النصوص المثبتة لما ذهبوا إليه:
· عن
ابن عباس - رضي الله عنه - قال رد
النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب
على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح
الأول ولم يحدث شيئا[57]، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد زينب
ابنته على أبي العاص بالزواج الأول بعد ست سنين، قال محمد بن عمرو في حديثه بعد ست
سنين، وقال الحسن بن علي بعد سنتين ووقع
في رواية بعد ثلاث سنين[58]
· أنه
لما قدم أبو العاص بن الربيع المدينة في زمن الهدنة وهو مشرك سألت امرأته زينب بنت
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:هل ينزل
في دارها، فقال: إنه زوجك ولكن لا يصل إليك[59].
· لما
فتح النبي مكة أسلم نساء الطلقاء وتأخر إسلام جماعة منهم مثل صفوان بن أمية وعكرمة
بن أبي جهل وغيرهما الشهرين والثلاثة وأكثر ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقا بين
ما قبل انقضاء العدة ومابعدها.
· أن
الآثار المختلفة عن السلف الصالح - رضي الله عنهم - تدل على ذلك، فالآثار الواردة عن عمر بن الخطاب
- رضي الله عنه - والتي قد تبدو متعارضة
لا تعارض بينها، فإن الزواج بالإسلام يصير جائزا بعد أن كان لازما، فيجوز للإمام
أن يعجل الفرقة، ويجوز له أن يعرض الإسلام على الثاني، ويجوز إبقاؤه إلى انقضاء
العدة، ويجوز للمرأة التربص به إلى أن يسلم ولو مكثت سنين كل هذا جائز لا محذور
فيه[60]، وقد روي أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر بن الخطاب - رضي
الله عنه - إن شاءت فارقته وإن شاءت
أقامت عليه، وليس معناه أنها تقيم تحته وهو نصراني، بل تنتظر وتتربص فمتى أسلم فهي
امرأته ولو مكثت سنين.
· القول
بتعجيل الفرقة فيها خلاف المعلوم من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه
الراشدين، فقد ارتد على عهدهم خلق كثير، ومنهم من لم ترتد امرأته ثم عادوا إلى
الإسلام وعادت إليهم نساؤهم، وما عرف أن أحدا منهم أمر أن يجدد عقد زواجه، مع
العلم بأن منهم من عاد إلى الإسلام بعد مدة أطول من مدة العدة، ومع العلم بأن
كثيرا من نسائهم لم ترتد ولم يستفصل رسول الله
-
صلى الله عليه وسلم - ولا خلفاؤه أحدا من أهل الردة هل عاد إلى الإسلام بعد
انقضاء العدة أم قبلها، بل المرتد إن استمر على ردته قتل، وإن عاد إلى الإسلام
فامرأته وماله باق عليه بحاله فماله وامرأته موقوف.
· أن
العقد في هذه المدة جائز لا لازم، ولا محذور في ذلك، ولا ضرر على الزوجة فيه، ولا
يناقض ذلك شيئا من قواعد الشرع.
· أن
الشارع الحكيم لو أراد هذا لكان مما يجب بيانه للناس قبل ذلك الوقت، فإنهم أحوج ما
كانوا إلى بيانه، لأن السكوت عن البيان وقت الحاجة لا يجوز.
· أن
بقاء مجرد العقد جائزا غير لازم من غير تمكين من المعاشرة الجنسية خير محض ومصلحة
بلا مفسدة، فإن المفسدة إما بابتداء استيلاء الكافر على المسلمة، وهو لا يجوز
كابتداء زواجه للمسلمة، وإن لم يكن فيه معاشرة كما لا يجوز استيلاؤه بالاسترقاق،
وإما بالمعاشرة الجنسية بعد إسلامها، وهو لا يجوز أيضا فصار إبقاء الزواج جائزا
فيه مصلحة راجحة للزوجين في الدين والدنيا من غير مفسدة، ومثل هذا لا تأتي الشريعة
بتحريمه.
نرى أن الأرجح في المسألة، والأوفق بالمصلحة في
هذا العصر، هو القول الأخير الذي أيدته النصوص الكثيرة، وقد قال ابن القيم في معرض
رده للقول بوجوب الفرقة:(فإن في هذا تنفيرا عن الإسلام، فإن المرأة إذا علمت أو
الزوج أنه بمجرد الإسلام يزول الزواج ويفارق من يحب ولم يبق له عليها سبيل إلا
برضاها ورضا وليها ومهر جديد نفر عن الدخول في الإسلام، بخلاف ما إذا علم كل منهما
أنه متى أسلم فالزواج بحاله، ولا فراق بينهما إلا أن يختار هو المفارقة، كان في
ذلك من الترغيب في الإسلام ومحبته ما هو أدعى إلى الدخول فيه) [61]
وهو منه - رضي الله عنه - مع علمه بالسنة من الفقه المقاصدي الذي نحتاج ـ
في هذا العصر ـ إلى تبنيه في وجه الفقه الذي يغفل عن المقاصد الشرعية، فينفر أكثر
مما يبشر، ويعسر أكثر مما ييسر.
اختلف الفقهاء في اعتبار الممارسة الدينية التي
هي التدين من خصال الكفاءة أم لا على الأقوال التالية:
القول الأول: اعتبار
التدين الذي هو السلامة من الفسق، وهو مذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية
والحنابلة، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف: لو أن امرأة من بنات الصالحين زوجت نفسها من
فاسق كان للأولياء حق الاعتراض، لأن التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب والحرية
والمال والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير.
وقال المالكية: المراد بالدين الإسلام مع السلامة
من الفسق، ولا تشترط المساواة في الصلاح.
وقال الشافعية: من خصال الكفاءة الدين والصلاح
والكف عما لا يحل، والفاسق ليس بكفء للعفيفة، وغير الفاسق - عدلا كان أو مستورا -
كفء لها، ولا تعتبر الشهرة بالصلاح، فغير المشهور بالصلاح كفء للمشهورة به،
والفاسق كفء للفاسقة مطلقا إلا إن زاد فسقه أو اختلف نوعه كما بحثه الإسنوي،
والمبتدع ليس بكفء للعفيفة أو السنية.
وقال الحنابلة: الدين مما يعتبر في الكفاءة،
فلا تزوج عفيفة عن الزنا بفاجر، أي بفاسق بقول أو فعل أو اعتقاد.
وقد استدل أصحاب هذا القول بالأدلة التالية[62]:
· ما
روى سهيل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه رجل فقال: ما تقولون في
هذا فقالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع،قال: ثم سكت فمر
رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا قالوا حري إن خطب ألا ينكح وإن شفع
ألا يشفع وإن قال ألا يسمع فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا خير من ملء الأرض مثل هذا[63].
· وقال
- صلى الله عليه وسلم -:(تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها وفي رواية ولحسبها
فعليك بذات الدين تربت يداك([64]
· خطب
سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه، وخطب إلى عمر ابنته فالتوى عليه، ثم سأله أن
ينكحها، فلم يفعل سلمان.
· خطب
بلال بنت البكير فأبى إخوتها فقال بلال يا رسول الله،ماذا لقيت من بني البكير خطبت
إليهم أختهم فمنعوني وآذوني، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل بلال،
فبلغهم الخبر فأتوا أختهم، فقالوا: ماذا لقينا من سبيل فقالت أختهم: أمري بيد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -، فزوجوها.
القول الثاني: عدم
اعتبار التدين، وهو قول محمد بن الحسن، لأن التدين من أمور الآخرة، والكفاءة من
أحكام الدنيا، فلا يقدح فيها الفسق إلا إذا كان شيئا فاحشا يعاب به، بأن كان
الفاسق ممن يسخر منه ويضحك عليه ويصفع، فإن كان ممن يهاب منه، بأن كان أميرا قتالا
فإنه يكون كفئا لأن هذا الفسق لا يعد شيئا في العادة[65].
القول الثالث: أن
الفاسق إن كان معلنا لا يكون كفئا وإن كان مستترا يكون كفئا وهو مذهب أبي يوسف،
فإن فقد الدين وكان الزوج فاسقا فليس بكفء[66].
الترجيح:
نرى أن الأرجح هو اعتبار الكفاءة في التدين،
لدلالة النصوص على ذلك، بل إن النصوص لم تعتبر الكفاءة إلا في الدين والتدين،
ولكنه من الصعب مع ذلك معرفة مدى تدين الشخص للاعتبارات الكثيرة التي يراها الناس
لمدى التدين، فلذلك يراعى على الأقل الحد الأدنى من التدين، وهو ترك الكبائر
والتزام الفرائض، وما عدا ذلك يمكن إصلاحه.
وهو من الأمور المهمة والواقعية، والتي قصرت
بعض المجتمعات الإسلامية الكفاءة عليها، حتى اعتبرت الكفاءة عنوانا على ترفع بعض
الأنساب على البعض الآخر، وعادت بعض المجتمعات بسبب ذلك إلى الحمية الجاهلية
والنعرات القبلية، وقد قال أحد الفقهاء مبينا قيمة النسب في الكفاءة:(واعتبار النسب هو
الركن الأعظم، لأن الرغبات تختلف به مطلقا) [67] فلذلك سنرى هنا موقف
الفقهاء من هذه الخصلة في الكفاءة، وموقعها من الشريعة الإسلامية:
اختلف الفقهاء في اعتبار النسب في الكفاءة في
الزواج على قولين:
القول الأول[68]: اعتبار النسب في كفاءة الزواج، وأن الرجل ليس كفئا لامرأة تنسب
إلى قبيلة أشرف من قبيلته،وهو مذهب الحنفية والراجح عند الشافعية والحنابلة، ومن
أدلتهم على ذلك:
· بعض
الآثار عن السلف في ذلك، ومنها[69]: قول عمر - رضي الله عنه -: (لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من
الأكفاء، وفي رواية قلت: وما الأكفاء؟ قال: في الأحساب)، وعن سعيد بن المسيب، عن
عمر - رضي الله عنه - ، أنه نهى أن يتزوج العربي الأمة، وعن عمرو بن أبي قرة
الكندي قال: عرض أبي على سلمان أختا فأبى وتزوج مولاة له يقال لها نعيرة، وعنه
قال: لانؤمهم ولا ننكح نساءهم، وقال ابن شهاب في العربي والمولى: لا يستويان في
النسب.
· أن
العرب يعتمدون الكفاءة في النسب ويتفاخرون برفعة النسب، ويأنفون من زواج الموالي،
ويرون ذلك نقصا وعارا، وأحكام الزواج لها علاقة بما يتعارف عليه الناس في ذلك، بل
إن الكفاءة كانت مطلوبة بين العرب حتى في القتال، ففي قصة الثلاثة الذين خرجوا يوم
بدر للبراز عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار فقالوا لهم:
انتسبوا فانتسبوا فقالوا: أبناء قوم كرام، ولكنا نريد أكفاءنا من قريش فرجعوا إلى
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فأخبروه بذلك فقال - صلى الله عليه وسلم -:
صدقوا،وأمر حمزة وعليا وعبيدة بن الحارث رضوان الله عليهم أجمعين بأن يخرجوا إليهم(ووجه الاستدلال بذلك كما
قال السرخسي: (فلما لم ينكر عليهم طلب الكفاءة في القتال ففي الزواج أولى) [70]
·
أن العرب فضلت الأمم
برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
· أن
الزواج يعقد للعمر، ويشتمل على أغراض ومقاصد من الصحبة والألفة والعشرة وتأسيس
القرابات، وذلك لا يتم إلا بين الأكفاء.
· أن
في أصل الملك على المرأة نوع ذلة، وإليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فيما رووا عنه أنه قال:(إنما النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) [71]، وإذلال
النفس حرام، كما قال - صلى الله عليه وسلم - (لا ينبغي
للمؤمن أن يذل نفسه)، قالوا:وكيف يذل
نفسه؟ قال:(يتعرض من البلاء لما لا يطيق) [72] وإنما جوز
ما جوز منه لأجل الضرورة.
· أن
المراد من الآثار التي رواها أصحاب القول الثاني أحكام الآخرة، وتأولوا الأحاديث
التي ذكرها أصحاب القول الثاني إلى الندب للتواضع وترك طلب الكفاءة لا الإلزام.
القول الثاني[73]: عدم اعتبار النسب في كفاءة الزواج، وأن المعتبر فقط هو الدين،
وهو مذهب المالكية وقول عند الشافعية[74] ورواية عن أحمد، وهو مذهب الظاهرية.
قال ابن العربي معبرا عن رأي المالكية:(قد بينا في مسائل
الفقه أن الكفاءة معتبرة في الزواج. واختلف علماؤنا فيها؛ هل هي في الدين والمال
والحسب، أو في بعضها؟ وحققنا جواز زواج الموالي للعربيات وللقرشيات، وأن المعول
على قول الله I: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات:13)،
وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريبا طريدا، وحيدا جائعا عريانا، فأنكحه ابنته لما
تحقق من دينه، ورأى من حاله، وأعرض عما سوى ذلك) [75]
وفي المدونة، سئل ابن القاسم عن ذلك فقال: لم
أسمع منه في ذلك شيئا إلا أني سألت مالكا عن نكاح الموالي في العرب، فقال: لا بأس
بذلك ألا ترى إلى ما في كتاب الله I ﴿ يَاأَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات:13)) [76]
وينص المالكية على أنه ذا رضيت ثيب بكفء في
دينه وهو دونها في النسب ورده أب أو ولي زوجها منه الإمام،، بل لهم في زواج العبد
بالحرة تأويلان، قيل لابن القاسم: إن رضيت
بعبد وهي امرأة ثيب من العرب وأبى الأب أو الولي أن يزوجها منه قال: لم أسمع فيها
من مالك شيئا إلا ما أخبرتك من نكاح الموالي في العرب، وأعظم إعظاما شديدا التفرقة
بين عربية ومولى،ولم يمنعوا من ذلك إلا ما كان من باب الغرر، قال ابن القاسم: من
تزوج على أنه من فخذ من العرب فوجد من غيره إن كان مولى فلها فراقه إن كانت عربية،
وإن كان عربيا من غير القبيل الذي سمى فلا خيار لها إلا أن تكون قرشية تتزوجه على
أنه قرشي فإذا هو عربي فلها الخيار[77].
وهو نفس قول الظاهرية، قال ابن حزم:(أهل
الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابن من زنجية لغية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي.) [78]
والأدلة التي ذكرها أصحاب هذا القول كثيرة
مستفيضة، ولشدة الحاجة إلى التذكير بها في مجتمعاتنا الإسلامية سنورد ما أمكن منها
هنا:
· النصوص
الدالة على جواز الزواج مما طاب من النساء في قوله تعالى مخاطبا
لجميع المسلمين: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ﴾(النساء:
من الآية3)، وعندما ذكر تعالى ما حرم علينا من النساء ختم ذلك بقوله تعالى:﴿
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ (النساء: 24)
· النصوص
الكثيرة الدالة على الأخوة بين المؤمنين كقوله تعالى:﴿
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾(الحجرات:10)
· النصوص
الدالة على المساواة بين البشر، كقوله تعالى:﴿
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات:13)
· قوله
تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ
بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾(الفرقان:54)،
وقد استدل بها البخاري على عدم اعتبار الكفاءة في النسب، قال ابن حجر: (قال الفراء
النسب من لا يحل نكاحه والصهر من يحل نكاحه، فكأن المصنف لما رأى الحصر وقع
بالقسمين صلح التمسك بالعموم لوجود الصلاحية إلا ما دل الدليل على اعتباره وهو
استثناء الكافر) [79]
من السنة النبوية الشريفة:
النصوص العامة الدالة على الأخوة بين المؤمنين،
ومنها:
· عن
جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال:(يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم
واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي
ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا
بالتقوى ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
(الحجرات:13)، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فليبلغ الشاهد الغائب) [80]
· عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا إني
جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا فلان ابن فلان
خير من فلان بن فلان فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم أين المتقون) [81]
· عن
أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال:(إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها
بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب مؤمن تقي وفاجر شقي، لينتهين أقوام يفتخرون
برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع
النتن بأنفها) [82]
· قال
- صلى الله عليه وسلم -:(أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحدكم، كلكم بنو آدم ليس لأحد على أحد فضل الا بالدين أو تقوى وكفى
بالرجل أن يكون بذيا فاحشا بخيلا) [83]
· كان
بين عمرو بن العاص وبين المغيرة بن شعبة كلام في الوهط فسبه المغيرة فقال عمرو:
ياآل هصيص أيسبني ابن شعبة قال ابنه عبد الله: إنا لله وانا اليه راجعون دعوت
بدعوى القبائل، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن دعوى القبائل قال:
فاعتق ثلاثين رقبة[84].
النصوص الخاصة الدالة على عدم اعتبار الكفاءة
في النسب:
· عن
فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة، وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله
بشعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك
له فقال: ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: تلك امرأة
يغشاها أصحابي اعتدي عند عبد الله بن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده
فإذا حللت فآذنيني قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن
هشام خطباني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أبو
جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد
قالت: فكرهته ثم قال: انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله في ذلك خيرا واغتبطت
به) [85]
قال
الباجي: (فيه إنكاح الموالي القرشيات، لأن فاطمة بنت قيس قرشية وأسامة بن زيد
مولى، وقولها: فكرهته تريد أنها كرهت نكاحه لمعنى من المعاني، ولعلها كرهت ذلك
لكونه من الموالي، وكانت العرب تكره ذلك وتترفع عنه، فأعاد عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنكح
أسامة بن زيد لما علم في ذلك من المصلحة لها، ولما أراد أن يبين من جواز إنكاح
القرشيات الموالي قالت: فنكحته فجعل الله في ذلك خيرا كثيرا) [86]
· أنكح
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - زينب أم المؤمنين زيدا مولاه، وأنكح المقداد
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب[87].
· قال
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر
بذات الدين تربت يداك) [88]
· خطب
بلال بنت البكير فأبى إخوتها، فقال بلال يا رسول الله: ماذا لقيت من بني البكير، خطبت
إليهم أختهم فمنعوني وآذوني، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل
بلال؛ فبلغهم الخبر، فأتوا أختهم، فقالوا: ماذا لقينا من سببك، غضب علينا رسول
الله -
صلى الله عليه وسلم -من أجل بلال. فقالت أختهم:(أمري بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فزوجها
بلالا).
· قال
النبي -
صلى الله عليه وسلم -في أبي هند حين حجمه:( أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه) [89]، وهو مولى
بني بياضة.
ما ورد عن السلف الصالح:والآثار
عن السلف الصالح في ذلك كثيرة منها:
· أن
سلمان خطب إلى أبي بكر ابنته فأجابه، وخطب إلى عمر ابنته فالتوى عليه، ثم سأله أن
ينكحها، فلم يفعل سلمان.
· أن
أبا حذيفة بن عقبة بن ربيعة - رضي الله عنه -
وكان ممن شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -تبنى
سالما، وأنكحه هند بنت أخيه الوليد بن عقبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار[90].
· قال
عمر - رضي الله عنه - :(ما بقي في شيء من أخلاق الجاهلية ألا إني لا أبالي أي
المسلمين نكحت وأيهم أنكحت) [91]
لا شك في القول باعتبار الكفاءة في الزواج من
هذه الجهة قولا حادثا في الملة، لم يعرفه السلف الصالح، وقد كان السلف من الفقهاء
ينكرون مثل هذا القول، وقد قيل لمالك: إن بعض هؤلاء القوم فرقوا بين عربية ومولى،
فأعظم ذلك إعظاما شديدا وقال: أهل الإسلام كلهم بعضهم لبعض أكفاء، لقول اللهI في التنزيل: ﴿
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
(الحجرات:13) [92]
ولكنه مع ذلك لا ينبغي أن يساء النظر بهؤلاء
الفقهاء، فيزعم أن آراءهم في ذلك من منطلق الذاتية والتعصب، فإن تصور ذلك خطأ
شنيع، فهم أرفع شأنا وأعظم قدرا وأزكى نفوسا من الانحطاط إلى هذا الدرك، بل كان
منطلقهم هو تصورهم للكفاءة بحسب الأدلة الشرعية كما فهموها، والدليل على ذلك أن
معظم القائلين بالكفاءة في النسب كانوا من العجم، وكان يقال: (إن سفيان الثوري
رحمه الله كان من العرب فتواضع ورأى الموالي أكفاء له، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى
كان من الموالي فتواضع ولم ير نفسه كفؤا
للعرب) [93]
ومع هاتين النظرتين، نظرة السلف المتقدمين، ونظرة
الفقهاء المتأخرين، لا نتجنى على الفقهاء إن ذكرنا أن بعضهم ـ ولو كانوا عجما ـ
بالغوا في اعتبار الكفاءة في النسب حتى اعتبروا ما دل من النصوص السابقة على
الأخوة العامة بين المؤمنين خاصا بالآخرة، فقد نقل بعضهم قول مالك قوله: لا تعتبر
الكفاءة إلا في الدين، واستدلاله من القرآن والسنة على ذلك فرد عليه بقوله:(قلنا: المراد به في حكم الآخرة
وكلامنا في الدنيا)،قال الشارح: (وإلا ففي الدنيا ثابت فضل العربي على العجمي
بالإجماع) [94]، ولسنا
ندري أي إجماع يدعيه، ولا أي مستند لذلك الإجماع، بل الإجماع هو ما نص عليه رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وما دل عليه القرآن الكريم، وما أيدته قواعد الدين
ومقاصده الكلية.
وقد نقل بعضهم مذهب الغزالي في النسب، ورد عليه
بقوله:(قال الإمام
والغزالي: وشرف النسب من ثلاث جهات: جهة النبوة وجهة العلم وجهة الصلاح المشهور،
ولا عبرة بالانتساب لعظماء الدنيا والظلمة المستولين على الرقاب، وإن تفاخر الناس
بهم)، قال
الرافعي: ولا يساعدهما عليه كلام النقلة في العظماء، فيعتبر الانتساب إليهم … وكيف
لا يعتبر وأقل مراتب الإمرة ونحوها أن تكون كالحرفة؟ وذو الحرفة الدنيئة لا يكافئ
النفيسة) [95]
وقد نشأ عن فتح هذا الباب العصبية المحرمة بين
العرب وغيرهم، بل بين العرب أنفسهم، بل نجد هذه العصبية قد انتقلت لكتب الفقه
نفسها، ففي كتاب منها يقول صاحبه:(سائر العرب بعضهم أكفاء لبعض، وبنوا باهلة ليسوا
بأكفاء لعامة العرب؛ لأنهم يعرفون بالخساسة قيل: إنهم يستخرجون النقي من عظام
الميتة ويأكلونه قال الشاعر:
إذا
قيل للكلب يا باهلي عوى الكلب من لؤم
هذا النسب[96]
ويعلل فقيه آخر ذلك بأنهم يطبخون العظام
ويأخذون الدسومات منها ويأكلون بقية الطعام مرة ثانية[97]، ويورد آخر حديثا في ذلك، ويستدل بقول شاعر، فبعد أن ذكر عدم كفاءتهم
لسائر العرب قال: (لأنهم معروفون بالخساسة والدناءة ويدل عليه قول الشاعر:
إذا
ولدت حليلة باهلي غلاما زاد في عدد اللئام
وروي أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -(: أتتكافأ دماؤنا؟ قال:
نعم ولو قتلت باهليا لقتلتك به)) [98]
فهؤلاء الفقهاء ـ مع جلالة قدرهم ـ تركوا
الأدلة الصريحة الصحيحة لقول شاعر، ويمكنهم لو ساروا على منواله أن يهجوا القبائل
جميعا، بل الخلق جميعا.
ونجد فقيها آخر يفضل الجاهلة بنت العالم على
العالم ابن الجاهل، ويصرح بذلك بقوله:(العالم ابن الجاهل ليس كفئا للجاهلة بنت
العالم) [99]
وهذا الخروج عن القواعد الشرعية في الأنساب
نجده عند الإباضية في التفريق بين البدو والحضر، ففي شرح النيل:(وحرم على بدوية
تزوجت حضريا أن تتزوج بدويا بعده إن طلقها أو مات أو حرمت عنه أو فارقها بوجه ما، لأنها قد صارت حضرية بتزوج
الحضري، وإن فعلت هلكت) [100]
وكل ذلك لا دليل عليه، لا من النصوص ولا من
غيرها من سائر الأدلة، أما ما استدلوا به من نصوص فإنها متكلفة ولا علاقة لها بما
يعتبرونه، ومن أمثلة التكلف في الاستدلال هذا النقل من بعضهم بتصرف:(قال رسول الله
-
صلى الله عليه وسلم -:(العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة
ورجل برجل، والموالي بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل إلا حائكا أو
حجاما)، رواه أبو يعلى بسند فيه عمران بن أبي الفضل الأيلي، وضعف بأنه موضوع وأن
عمران هذا يروي الموضوعات عن الأثبات، وروى الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا (الناس أكفاء قبيلة
لقبيلة وعربي لعربي ومولى لمولى إلا حائكا أو حجاما) وضعف ببقية بن الوليد وهو
مخيل إن عنعن الحديث ليس غير، وبأن محمد بن الفضل مطعون فيه. ورواه ابن عدي في
الكامل من حديث علي وعمر باللفظ الأول، وفيه علي بن عروة قال منكر الحديث، وعثمان
بن عبد الرحمن قال صاحب التنقيح هو الطرائفي من أهل حران يروي المجاهيل، وقد روي
هذا الحديث من وجه آخر عن عائشة وهو ضعيف، وروى البزار عن خالد بن معدان عن معاذ
بن جبل يرفعه) العرب بعضهم أكفاء لبعض (، وابن معدان لم يسمع من معاذ، وفيه
سليمان بن أبي الجون قال ابن القطان: لم أجد له ذكرا)
فبعد أن ذكر هذا الكم الكبير من الضعف والوضع،
قال:(وبالجملة فللحديث أصل)، ثم بنى على هذا الأصل ما عبر عنه بقوله: (فإذا ثبت اعتبار الكفاءة بما قدمناه، فيمكن ثبوت
تفصيلها أيضا بالنظر إلى عرف الناس فيما يحقرونه ويعيرون به، فيستأنس بالحديث الضعيف
في ذلك، خصوصا وبعض طرقه كحديث بقية ليس من الضعف بذاك، فقد كان شعبة معظما لبقية
وناهيك باحتياط شعبة، وأيضا تعدد طرق الحديث الضعيف يرفعه إلى الحسن) [101]
وكل الأدلة التي استدل بها هؤلاء من هذا النوع،
قال ابن حجر:(ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث، وأما ما أخرجه البزار من
حديث معاذ رفعه العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض، فإسناده ضعيف
واحتج البيهقي بحديث وائلة مرفوعا، أن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل الحديث
وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر) [102]
وقد قال ابن تيمية في مناقشته لأصحاب هذا
القول: (وهذه مسائل إجتهادية ترد إلى الله والرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن
جاء عن الله ورسوله ما يوافق أحد القولين فما جاء عن الله لا يختلف والا فلا يكون
قول أحد حجة على الله ورسوله، وليس عن النبى - صلى الله عليه وسلم - نص صحيح صريح
في هذه الأمور، بل قد قال - صلى الله عليه وسلم -:(إن الله أذهب عنكم
عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الناس رجلان مؤمن تقى وفاجر شقى)) [103]، ثم أورد
النصوص الصحيحة الدالة على ذلك.
الاعتبار في النسب ـ عند القائلين به ـ
بالآباء، لأن العرب تفتخر بهم، فيهم دون الأمهات، فمن انتسبت لمن تشرف به لم يكافئها
من لم يكن كذلك، فالعجمي أبا وإن كانت أمه عربية ليس كفء عربية وإن كانت أمها
عجمية.
ذكر الفقهاء الذين ذهبوا إلى اعتبار النسب في
الكفاءة ـ لتحقيق الأمر عمليا ـ إلى وضع مراتب للأنساب اتفقوا في بعضها واختلفوا
في البعض الآخر، وهذا عرض لذلك[104]:
اتفق الفقهاء القائلون باعتبار الكفاءة في
النسب إلى أن قريشا بعضهم أكفاء بعض، ما عدا الهاشميين والمطلبيين فقد اختلف فيهم،
ومن أدلة ذلك:
· ما
روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: (قريش بعضهم
أكفاء لبعض، والعرب بعضهم أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل، والموالي بعضهم
أكفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، ورجل برجل إلا حائك أو حجام) [105]
·
قوله - صلى الله عليه وسلم -: (قدموا
قريشا ولا تقدموها) [106]
· قال
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -:(خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد
في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) [107]
واتفقوا كذلك على أن العرب بعضهم أكفاء بعض،
وأنه لا يكافئهم العجم، ومرادهم بالعجم هنا ليس من في لسانه عجمة لا يعرف العربية
بل من ليس أبوه عربيا، (لأن أكثر الأعاجم اليوم من أولاد العرب،
فإن الصحابة لما فتحوا البلاد تزوجوا واستوطنوا بلاد العجم ونشأت فيها أولادهم) [108]
اختلف الفقهاء في سائر المراتب بعد اتفاقهم على
المراتب السابقة، ومما اختلفوا فيه:
اعتبار بني هاشم أكفاء أو غير أكفاء لقريش:
وقد اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول: عدم
التفاضل فيما بين قريش في الكفاءة، فالقرشي الذي ليس بهاشمي كالتيمي والأموي
والعدوي كفء للهاشمية، واستثنى محمد بيت الخلافة، قال في المبسوط: (وكأنه قال ذلك
لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة لا لانعدام أصل الكفاءة) [109]، فلم يجعل
القرشي الذي ليس بهاشمي كفئا له، فلو تزوجت قرشية من أولاد الخلفاء قرشيا ليس من
أولادهم، كان للأولياء حق الاعتراض، وهو مذهب الحنفية، ورواية عند الحنابلة، ومن
أدلتهم عل ذلك:
· أن
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة - رضي الله عنه - ، وكانت تيمية
وتزوج حفصة - رضي الله عنه - وكانت
عدوية، وزوج ابنته من عثمان - رضي الله عنه -
وكان عبشميا، فدل ذلك على أن بعضهم أكفاء لبعض.
· فعل
رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة w، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - زوج ابنتيه من عثمان - رضي الله عنه - ، وكان
أمويا لا هاشميا.
· زوج
علي عمر ابنته أم كلثوم ولم يكن هاشميا بل عدويا، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان
فاطمة بنت الحسين بن علي، وتزوج المصعب بن الزبير أختها سكينة، وتزوجها أيضا عبد
الله بن عثمان بن حكيم بن حزام، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد
المطلب ابنة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وزوج أبو
بكر أخته أم فروة الأشعث بن قيس، وهما كنديان، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس،
وهي من قريش[110]
القول الثاني: ليس غير
الهاشمي والمطلبي من قريش كفئا للهاشمية أو المطلبية، والمطلبي كفء الهاشمية وعكسه
فهما متكافئان، ومحله إذا لم تكن شريفة، أما الشريفة فلا يكافئها إلا شريف، والشرف
مختص بأولاد الحسن والحسين w، وهو مذهب الشافعية
ورواية عن الحنابلة، ومن أدلتهم على ذلك:
· قوله
-
صلى الله عليه وسلم -: (إن الله اصطفى كنانة من
ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من
بني هاشم) [111]
·
قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما
بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) [112]
الترجيح: لا نريد
أن نرجح هنا قولا على قول، وإنما نريد أن نناقش هذه الأدلة واعتمادهم عليها في
اعتبار الكفاءة، ومن أعجبها استنادهم إلى فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعل
الصحابة w، واعتبار ذلك إجماعا من غير ورود نص يحدد بدقة موضع الإجماع، فهل
كان تزويج الرسول - صلى الله عليه وسلم - لغير الهاشميين معتبرا فيه النسب؟
ومثله حديث اصطفاء بني هاشم فقد ورد في فضل نسب
الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا علاقة له بالكفاءة في النسب.
ومثله حديث فضل نساء قريش، فهو مع صحته قد فهم
على غير مراده، لأن المراد منه التنبيه إلى الصفات المستحسنة في المرأة لا قصد نسب
بعينه، بدليل قول أبي هريرة - رضي الله عنه -
على إثر ذلك:(ولم تركب مريم بنت عمران) حتى ينفي بذلك دعوى التعلق بالنسب،
فليس الشرف في النسب وإنما في الخلق.
ومثل ذلك الأحاديث الدالة على فضل العرب، فلا
يقصد بها أي حكم شرعي، بل هي كمناقب الصحابة - رضي الله عنهم - ، أو القرون
الثلاثة التي خصت بالخيرية على سائر القرون، قال ابن تيمية: (وفى القرون المتأخرة
من هو خير من كثير من القرن الثانى والثالث، ومع هذا فلم يخص النبى - صلى الله
عليه وسلم - القرن الثانى والثالث بحكم شرعى، كذلك لم يخص العرب بحكم شرعى، بل ولا
خص بعض أصحابه بحكم دون سائر أمته، ولكن الصحابة لما كان لهم من الفضل أخبر
بفضلهم، وكذلك السابقون الأولون لم يخصهم بحكم، ولكن أخبر بما لهم من الفضل لما
اختصوا به من العمل، وذلك لا يتعلق بالنسب) [113]
وقد اختلف في اعتبارها على قولين:
القول الأول[114]: عدم اعتبار كفاءة النسب في العجم فيما بينهم، فمن كان من الموالي
له أبوان في الإسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباء، لأن النسبة تتم بالانتساب إلى الأب
والجد، فمن كان له أبوان مسلمان فله في الإسلام نسب صحيح، ومن أسلم بنفسه لا يكون
كفؤا لمن له أب في الإسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام
لأن هذا يحتاج في النسبة إلى الأب الكافر، وهو مذهب الحنفية وقول للشافعية، للأدلة
التالية:
· أن
مفاخرة العجم بالإسلام لا بالنسب، كما أشار إليه سلمان - رضي الله عنه - حين تفاخر جماعة من الصحابة w بذكر الأنساب فلما انتهى إلى سلمان - رضي الله عنه - قالوا: سلمان ابن من؟ فقال سلمان: ابن الإسلام
فبلغ عمر - رضي الله عنه - فبكى، وقال:
وعمر ابن الإسلام.
· عن
أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: انتسب
رجلان على عهد رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انتسب رجلان على عهد
موسى I فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت لا أم لك قال:
أنا فلان بن فلان بن الإسلام قال فأوحى الله إلى موسى I: إن هذين المنتسبين أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار،
فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين
في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة) [115] ،ووجه
الاستدلال بالحديث على اعتبار الفخر لا يكون بالآباء الكفار،فلذلك الكفاءة تكون
بإسلامهم.
·
أن العجم لا يعتنون
بحفظ الأنساب ولا يدونونها بخلاف العرب.
القول الثاني: اعتبار
النسب في العجم كالعرب قياسا عليهم،فالفرس أفضل من القبط، لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو
كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس) [116]، وبنو
إسرائيل أفضل من القبط، ولا يكافئ من أسلم أو أسلم أحد أجداده الأقربين أقدم منه
في الإسلام، فمن أسلم بنفسه ليس كفء من لها أب أو أكثر في الإسلام، ومن له أبوان
في الإسلام ليس كفء من لها ثلاثة آباء فيه، وهو الأصح عند الشافعية.
الترجيح:
والقول هنا مثلما مر في الترجيح السابق، وهو
أنه من العجب توجيه الأدلة لعكس ما قصدت له، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - في
حديث أبي بن كعب لم يقصد إلا التحذير من التفاخر بالأنساب على عكس ما فهم من أن المراد هو عدم صحة تفاخر
العجم، ومثله الأحاديث الواردة في مناقب الأمم كفارس وغيرها، فلم يقصد به الكفاءة
في هذا الباب، وإنما يقصد به الإخبار النبوي بميزات هذه الأمم، وأدوارها الرسالية،
ويدخل بذلك في باب النبوءات، ويقصد من باب الإشارة دعوة تلك الأمم إلىالإسلام
بتبشيرها بالخير الذي وضع فيها.
وتتعلق بها المسائل التالية[117]:
لغة: الـمُـحْتَرِفُ:
الصانِعُ. وفلان حَريفـي أَي مُعامِلـي، والـمُـحْرِفُ: الذي نَمَا مالُه
وصَلَـحَ، والاسم الـحِرْفةُ. وأَحْرَفَ الرجلُ إِحرافاً فهو مُـحْرِفٌ إِذا نَمَا
مَالُه وصَلَـحَ.
و الـحِرْفَةُ: الصِّناعةُ. وحِرفةُ الرجلِ:
ضَيْعَتُه أَو صَنْعَتُه. وحَرَفَ لأهْلِه واحْتَرَفَ: كسَب وطلَب واحْتالَ[118].
اصطلاحا: وهي
الاكتساب بالصناعة والتجارة، وعرفت بأنها الصناعة وحدها، قال في البحر الرائق:
والظاهر أن الحرفة أعم من الصناعة، لأنها العلم الحاصل من التمرن على العمل[119].
وعرفت بأنها الصناعة وجهة الكسب[120].
اختلف الفقهاء في اعتبار الكفاءة في الحرفة على
قولين:
القول الأول: أن
الحرفة معتبرة في الزواج، وهو قول جمهور الفقهاء من الشافعية[121] والحنابلة في رواية، وقول أبي يوسف، ومن أدلتهم على ذلك:
· قوله
تعالى:﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى
بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾(النحل:71)، أي في سببه فبعضهم يصل إليه ببذل ومشقة
وبعضهم بدونهما.
·
رووا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(الناس أكفاء إلا الحائك والحجام) [122]
· مراعاة
العرف: قيل لأحمد رحمه الله في حديث (العرب بعضهم لبعض
أكفاء، إلا حائكا، أو حجاما):وكيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. يعني أنه
ورد موافقا لأهل العرف) [123]
القول الثاني[124]: أن ذلك غير معتبر أصلا، وهو مروي عن أبي حنيفة ورواية عن أحمد
ابن حنبل، وقد حاول بعض الحنفية أن ينفوا هذا القول عن أبي حنيفة بحجة مراعاته
للعرف، وليس إنكارا للكفاءة في الحرفة، قال الكاساني نقلا عن الكرخي: (أن أبا
حنيفة بنى الأمر فيها على عادة العرب أن مواليهم يعملون هذه الأعمال لا يقصدون بها
الحرف، فلا يعيرون بها، وأجاب أبو يوسف على عادة أهل البلاد أنهم يتخذون ذلك حرفة،
فيعيرون بالدنيء من الصنائع، فلا يكون بينهم خلاف في الحقيقة)
ولذلك ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي اعتبار
الكفاءة في الحرفة ولم يذكر الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف في ذلك[125]. ومن الأدلة على ذلك:
· أن
الحرفة ليست بشيء لازم، فالمرء تارة يحترف بحرفة نفيسة، وتارة بحرفة خسيسة بخلاف
صفة النسب لأنه لازم له، وذل الفقر كذلك فإنه لا يفارقه.
·
أن الحديث المروي في
ذلك قال عنه أبو حنيفة: (الحديث شاذ لا يؤخذ به فيما تعم به
البلوى) [126]
ذهب الفقهاء القائلون بالكفاءة في الحرفة إلى
اعتبارها حين العقد، فإن كان مارس قبله حرفة دنيئة قبل ذلك، فإن ذلك لا يؤثر في
كفاءته بشرط أن تمضي سنة عند بعضهم إن زال عنه اسمها ولم ينسب إليها أصلا، وإلا
فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث لا يعير بها[127].
تثبت الكفاءة بين الحرفتين ـ عند القائلين بها
ـ في جنس واحد كالبزاز مع البزاز، والحائك مع الحائك، وتثبت ـ كذلك ـ عند اختلاف
جنس الحرف إذا كان يقارب بعضها بعضا كالبزاز مع الصائغ، والصائغ مع العطار،
والحائك مع الحجام، والحجام مع الدباغ، ولا تثبت فيما لا مقاربة بينهما كالعطار مع
البيطار، والبزاز مع الخراز [128].
تصنيف الصناعات بحسب شرفها ودناءتها:
اعتبر الفقهاء في تحديد ذلك العرف، وهو ما أول
به الحنفية ظاهر قول أبي حنيفة، قال في فتح القدير:(قيل: هذا اختلاف عصر وزمان في
زمن أبي حنيفة لا تعد الدناءة في الحرفة منقصة
فلا تعتبر، وفي زمنهما تعد فتعتبر، والحق اعتبار ذلك سواء كان هو المبني
أولا، فإن الموجب هو استنقاص أهل العرف فيدور معه، وعلى هذا ينبغي أن يكون الحائك
كفئا للعطار بالإسكندرية لما هناك من حسن اعتبارها وعدم عدها نقصا ألبتة، اللهم
إلا أن يقترن به خساسة غيرها) [129]
وقال الشافعية:(في الحرف لا يكافئ الكناس
والحجام وقيم الحمام والحارس والراعي ونحوهم
بنت الخياط والخياط لا يكافئ بنت البزاز
والتاجر ولا يكافئ
المحترف بنت القاضي والعالم) [130] وقال
الروياني: ويراعى فيها عادة البلد فإن الزراعة في بعض البلاد أولى من التجارة وفي
بعضها بالعكس[131].
ومن تلك الأعراف التي كان يفتى على أساسها ما
ذكره في البحر الرائق بقوله: (وينبغي أن يكون صاحب الوظائف في الأوقاف كفؤا لبنت
التاجر في مصر إلا أن تكون وظيفة دنيئة عرفا كسواق وفراش ووقاد وبواب وتكون
الوظائف من الحرف؛ لأنها صارت طريقا للاكتساب في مصر كالصنائع، وينبغي أن من له وظيفة تدريس أو نظر يكون كفؤا
لبنت الأمير بمصر وفي القنية الحائك لا يكون كفؤا لبنت الدهقان وإن كان معسرا،
وقيل هو كفء) [132] وهذه
أمثلة لبعض ما ذكروا من تصنيف الصناعات:
وعرفوها بأنها (ما دلت ملابسته على انحطاط
المروءة)، ومثلوا لها بالحائك، والحجام، والحارس، والكساح، والدباغ، والقيم، والحمامي،
والزبال، كما قال بعضهم:
ألا
إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا
هو الذل والسقم
وليس
على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
ومن الصناعات الدنية التي استبشعها الفقهاء، ما
يطلقون عليه بالشاكري، يقول في البحر الرائق: (وهنا جنس أخس من الكل، وهو الذي
يخدم الظلمة يدعى شاكريا وتابعا وإن كان صاحب مروءة ومال فظلمه خساسة، ولا يكون
كفؤا لأحد إلا لأمثالهم وهم الذين يتبعون هؤلاء المترفين) [133]
علل الفقهاء القائلون بالكفاءة في الحرفة علو
الحرفة وشرفها تارة بالنظافة، وتارة بطيب الرائحة، وتارة بزيادة الكسب كالتجارة،
واعتبروا أطيب الكسب ما أكل من الجهاد، وأدناه ما أكل من الصدقات[134]. لكن الغزالي خالف ذلك
بأن الأكل من الصدقات لمن يشغله التكسب عن الاشتغال بالعلم الشرعي أفضل.
نرى أن الأرجح عدم اعتبار الكفاءة في الحرفة،
للاعتبارات التالية:
الاعتبار الأول: النصوص
الدالة على عدم اعتبار الحرفة فارقا بين المسلمين، وأن أساس الفضل بين المؤمنين هو
التقوى، وقد مر ذكر بعضها عند بيان خصلة الكفاءة في النسب.
الاعتبار الثاني: النصوص
الدالة على فضل التكسب والاحتراف، من دون تفريق بين حرفة وحرفة، ومن تلك النصوص
قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾(النبأ:11) فقد ذكر
تعالى ذلك في معرض الامتنان على عباده، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ
مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا
تَشْكُرُون﴾(الأعراف:10)فجعلها نعمة وطلب الشكر عليها، وقال تعالى:﴿
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾(البقرة:198)
وقال تعالى: ﴿وَآخرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ
الله﴾ (المزمل:20)وقال تعالى: ﴿فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وابْتَغُوا
مِنْ فَضْلِ الله﴾(الجمعة:10)
أما السنة، فقد وردت بها النصوص الكثيرة،
ومنها:
· قوله
- صلى الله عليه وسلم -:(والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله
فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه) [135]
· عن
أنس - رضي الله عنه - قال: آخى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - بين قريش
والأنصار، فآخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف فقال له سعد: إن لي مالا فهو
بيني وبينك شطران، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها، فإذا حلت
فتزوجها قال: بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق، فلم يرجع حتى رجع بسمن
وأقط قد أفضله، قال: ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي أثر صفرة فقال: مهيم فقلت: تزوجت امرأة من
الأنصار فقال: أولم ولو بشاة[136].
· عن
عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(إن أطيب ما أكل الرجل
من كسبه وإن ولد الرجل من كسبه) [137]
· عن
أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رجلا من
الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله،فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى
حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال: ائتني بهما قال: فأتاه بهما
فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بيده وقال: من يشتري هذين قال رجل: أنا آخذهما بدرهم قال: من يزيد على درهم
مرتين أو ثلاثا قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين،
وأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما
فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا بيده،ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع ولا
أرينك خمسة عشر يوما، فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى
ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا خير لك من
أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر
مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع[138].
الاعتبار الثالث: أن في
القول بالكفاءة في الحرفة تجسيدا للطبقية في المجتمع، فينظر إلى الناس باعتبارات
غير شرعية، بل جاء الشرع بمحاربتها والنهي عنها، وسنذكر هنا بعض الأمثلة عن آراء
الفقهاء القائلين بالكفاءة في الحرفة وفتاواهم، ولنتأمل أثر مثل هذه الفتاوى
وخطورتها النفسية والاجتماعية، ونقارن ذلك بما دعا إليه الإسلام بالنصوص القطعية
واعتبره أصلا من أصوله، وقد تحرجت كثيرا من نقل مثل هذه الفتاوى، ولولا ضرورة
التوثيق ما وثقتها:
سئل بعضهم عن تاجر قمح يقرأ بعض القرآن زوج
ابنته لرجل شلبي طحان، فهل الزوج كفء لها وهل العقد صحيح أو لا؟ فأجاب بهذه
الصراحة: (أنه ليس الزوج كفء الزوجة ونكاحها باطل) [139]، وليس ذلك
لأجل القرآن، لأن القرآن ليس حرفة، وإنما لأجل التجارة.
وفي فتوى أخرى سئل عن أخوين أحدهما حائك وتاجر
والآخر حائك فقط زوج الأول ابنته بولاية الإجبار لابن الثاني فهل هو كفء لها أو
لا؟
فأجاب بأنه لا يكافئ بنت عمه المذكورة لأن
المكافأة المساواة وهي معتبرة في الزوجين وآبائهما وشرف التجارة عرفا المتصف به
والدها غير موجود في والده وظاهر أن ابن
الحائك ليس كفؤا لبنت التاجر) [140]، فالأخوان
لا يكافئ بعضهما بعضا لأجل التجارة.
وفي فتوى أخرى أجاب:(بأنه ليس بكفء لها لأنه
ابن حائك وأبوها تاجر) [141]
وفي فتوى أخرى سئل عما إذا تزوج عالم ببنت عالم
ولم يكن أبو الزوج عالما يصح النكاح أم لا؟ فأجاب بأنه إن زوجها وليها به بإذنها
فيه ولو بسكوت البكر صح نكاحها، وإلا فلا
يصح لعدم الكفاءة) [142]
وفي فتوى أخرى ينقلها ابن حجر الهيثمي
بقوله:(وقع في الدرس السؤال عما لو جاءت امرأة مجهولة النسب إلى الحاكم وطلبت منه
أن يزوجها من ذي الحرفة الدنيئة ونحوها، فهل يجيبها أم لا؟ والجواب عنه: أن الظاهر
الثاني للاحتياط لأمر النكاح، فلعلها تنسب إلى ذي حرفة شريفة، وبفرض ذلك فتزويجها
من ذي الحرفة الدنيئة باطل، والنكاح يحتاط له) [143]
وقد عبر السبكي عن علة هذه الفتاوى بقوله عندما
سئل عمن يأكل من كسب يده، هل هو أشرف ممن يأكل من الصدقة، وهل أحدهما كفء
للآخر؟ فأجاب بقوله:(الذي يظهر أنه يعتبر
في ذلك عرف أهل بلد الزوجة المطردة إذ الأفضلية في ذلك أمر شرعي، والفقهاء في هذا
الباب ينظرون للعرف أكثر من نظرهم للفضائل الشرعية) [144]
ولم يكتف هؤلاء بحرفته فقط بل عمموا ذلك إلى
حرفة آبائه فلا تزال تنزل عليه لعناتها، فلذلك قالوا:(حرفة فيه أو في أحد من آبائه
وهي ما يتحرف به لطلب الرزق من الصنائع وغيرها) [145]
ويتعلق بهذه الخصلة المسائل التالية[146]:
اختلف الفقهاء في اعتبار الكفاءة في المال على
قولين:
القول الأول: أن الغنى
معتبر في النكاح في حق الزوج، فلا يكون الفقير كفئا للغنية، وهو مذهب الحنفية،
وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة
ذكرها ابن قدامة[147]، في حين أن أكثر كتب الحنابلة لم يرووا غيرها في المذهب.
واختلف قول المالكية في ذلك بحسب تعدد الرواية
عن مالك، فقد أتته امرأة مطلقة فقالت: إن لي ابنة في حجري موسرة مرغوبا فيها فأراد
أبوها أن يزوجها من ابن أخ له فقير وفي الأمهات معدما لا مال له فترى لي في ذلك
متكلما، قال: نعم إني لأرى لك متكلما، فقد اختلف في قوله (إني لأرى لك متكلما)فذكر
عياض أن ذلك محمول على الإيجاب لا على النفي، ولا يصح الكلام إلا به، لأنها سألت
أن لها تكلما قال نعم، ثم أعاد عليها أنه رأى لها متكلما، وذهب آخرون إلى إرادة
النفي أي (إني لا أرى لك متكلما) [148]،ونرى أن
كلتا الروايتين لا يمكن الاستدلال بها على اعتبار مالك للكفاءة في المال، فباعتبار
النفي لا شك في دلالتها على ذلك، أما باعتبار الإيجاب، فلأن المرأة كانت مطلقة،
وكانت ابنتها في حضانتها، فلعل الزوج قصد مضارتها بذلك، فلذلك جعل لها الحق في
الاعتراض.
ومن أدلتهم
على ذلك:
·
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الحسب
المال والكرم التقوى) [149]
· قال
- صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها:(أما معاوية
فصعلوك لا مال له) [150]
·
أن التفاخر بالمال
أكثر من التفاخر بغيره عادة.
·
أن للزواج تعلقا لازما
بالمهر والنفقة.
·
أن على الموسرة ضررا
في إعسار زوجها، ولهذا ملكت الفسخ بإخلاله بالنفقة.
· أن
المهر عوض ما يملك بهذا العقد، فلا بد من القدرة عليه، وقيام الازدواج بالنفقة،
فلا بد من القدرة عليها؛ ولأن من لا قدرة له على المهر، والنفقة يستحقر، ويستهان
في العادة كمن له نسب دنيء، فتختل به المصالح كما تختل عند دناءة النسب[151].
·
العرف: لأن ذلك معدود
نقصا في عرف الناس، وأنشد ابن قدامة في اعتبار العرف لبعضهم:
سألتاني
الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتماني
بنكر
ويكأن
من له نشب محبب ومن يفتقر يعش عيش ضر[152]
القول الثاني[153]: هو عدم اعتبار الغنى في الكفاءة، وهو قول للمالكية، وقول أكثر
الشافعية ورواية عن الحنابلة، قال الشيخ
تقي الدين: (لم أجد نصا عن الإمام أحمد رحمه الله ببطلان النكاح لفقر أو رق) [154]،وقد سئل
ابن حجر الهيثمي عن أهل بلد يفتخرون بالأموال لا بالأنساب فهل يكون الفقير فيهم
كفؤا للغنية منهم أم لا؟ فأجاب بقوله: نعم يكون فقيرهم كفؤا لموسرهم[155].
ومن أدلتهم على ذلك:
· أن
الفقر شرف في الدين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم
أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا) [156]
·
أنه ليس أمرا لازما،
فأشبه العافية من المرض.
·
أنه لا يفتخر به أهل
المروءات والبصائر.
نرى أن الأرجح بناء على ما سبق ذكره عدم اعتبار
الكفاءة في الفقر والغنى، أما ما أشار به - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة بنت
قيس، فيرجع إلى علمه - صلى الله عليه وسلم - بحاجة فاطمة، فأخبرها بما يتناسب مع
حالها، ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - بذلك
أن يقرر حكما شرعيا.
أما الحديث الآخر الذي اعتبر الحسب المال، فقد
علق عليه المناوي بقوله: (أشار بالخبر إلى أن الحسب الذي يفتخر به أبناء الدنيا
اليوم المال، فقصد ذمهم بذلك حيث أعرضوا عن الأحساب الخفية ومكارم الأخلاق الدينية،
ألا ترى أنه أعقبه بقوله: والكرم التقوى والتقوى تشمل المكارم الدينية والشيم
المرضية التي فيها شرف الدارين) [157]
وقد دل على ذلك الرواية الأخرى وهي المفسرة
للرواية السابقة، وهي:(إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه هذا المال) [158]، قال في
فيض القدير:(سماهم أهل الدنيا لشغفهم بها
وطمأنينتهم إليها كما يشغف الرجل بأهله ويأنس إليهم فصاروا أهلا لها وهي لهم أهل
وصارت أموالهم أحسابا لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضا عن افتخاره وعن
الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين) [159]
أما سائر ما استدلوا به من أدلة، فإنه لا ينتهض
للاستدلال به على مثل هذا الحكم الشرعي، وسنرى المزيد من التفاصيل عن هذا في
الفصول المرتبطة بالحقوق المالية للزوجة.
اختلف الفقهاء القائلون باعتبار الكفاءة في
الغنى على حد الغنى على قولين:
القول الأول: أن الغنى
المعتبر في الكفاءة هو القدرة على مهر مثلها، والقدرة على النفقة، ولا تعتبر
الزيادة على ذلك، حتى إن الزوج إذا كان قادرا على مهر مثلها ونفقتها يكون كفئا
لها، وإن كان لا يساويها في المال، ومن لا يملك مهرا ولا نفقة فلا يكون كفئا
للغنية، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد في ظاهر الروايات، وهو موافق لما ذكره
القائلون باعتبار الغنى في الكفاءة من المالكية والحنابلة.
ورويت عن االحنفية حدود أخرى مؤيدة لهذ منها:
أنه إذا كان قادرا على النفقة عن طريق الكسب كان كفئا، ومعناه منقول عن أبي يوسف
قال: إذا كان قادرا على إيفاء ما يعجل لها باليد ويكتسب ما ينفق لها يوما بيوم كان
كفئا لها. وفي غريب الرواية للسيد أبي شجاع جعل الأصح ملك نفقة شهر. وفي الذخيرة:
إن كان يجد نفقتها ولا يجد نفقة نفسه فهو كفء وإلا لا يكون كفئا وإن كانت فقيرة[160].
القول الثاني: أن تساوي
الزوج والزوجة في الغنى شرط تحقق الكفاءة؛ لأن التفاخر يقع في الغنى عادة، وهو
مذهب أبي حنيفة ومحمد في غير رواية الأصول.
وذكر السرخسي أن هذا قول بعض المتأخرين الذين
اعتبروا الكفاءة في كثرة المال، واستدلوا
بحديث عائشة - رضي الله عنه -
رأيت ذا المال مهيبا، ورأيت ذا الفقر مهينا وقالت: إن أحساب ذوي الدنيا
المال،ولكنه رد عليهم بأن الأصح عدو اعتبار ذلك،(لأن كثرة المال في
الأصل مذموم، قال - صلى الله عليه وسلم -: (هلك المكثرون إلا من
قال بماله: هكذا وهكذا) [161]يعني تصدق
به) [162]
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن يحال تقدير ذلك
للزوجة، لأنها هي المنتفعة بغناه والمتضررة بفقره، فيحال عليها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -
مبينا هذا الحق:
(تقول لك زوجك: أنفق علي وإلا طلقني. ويقول لك عبدك: أنفق علي وإلا بعني. ويقول لك
ابنك: أنفق علي، إلى من تكلني) [163]
وجاءت فتاة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن
أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما
صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء) [164]
ويتعلق بهذه المسألة حالة كثيرا ما نراها في
مجتمعاتنا، وهو الاحتيال على زواج امرأة معينة بادعاء الغنى، ولا شك في أن من فعل
ذلك يعامل بخلاف مقصوده،قال ابن مفلح:(والذي تقتضيه أصول الشريعة وقواعدها أن
الرجل إذا غر المرأة بأنه ذو مال، فتزوجت على ذلك، فظهر لا شيء له، أو كان ذا مال
وترك النفقة عليها، ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها أو بحاكم، أن لها
الفسخ، وإن تزوجته عالمة بعسرته أو كان موسرا ثم افتقر فلا فسخ لها، ولم يزل الناس
تصيبهم الفاقة بعد اليسار، ولم يرفعهم أزواجهم إلى الحكام ليفرقوا بينهم.) [165]
اختلف الفقهاء في اشتراط السلامة من العيوب على
قولين:
القول الأول: عدم
اشتراط ذلك، وهو قول الظاهرية، قال ابن حزم:(يجوز نكاح الخصي , والعقيم , والعاقر , لأنه لم يأت نص
بنهي عن شيء من ذلك) [166]، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لا ينفسخ النكاح بعيب.
القول
الثاني: اشتراط
ذلك، وهو قول الجمهور،. وسنعرض أدلتهم في محلها من الجزء الخاص بحل العصمة الزوجية
بيد القاضي.
الترجيح:
نرى أن
الأرجح في المسألة هو اعتبار رغبة المرأة ومدى قدرتها على الزواج بمن به عيوب قد
تحول بينها وبين الحياة الطبيعية مع زوجها، ولذلك، فإنه لا اعتبار للكفاءة في هذا
الباب إلا إذا كان هناك تدليس، فتخير بعده الزوجة بين الفراق والبقاء.
والأفضل في
مثل هذا النوع من الزواج أن لا تتم الموافقة إلا بعد بحث وروية ونظر، لأن البيوت
لا تؤسس على العواطف وحدها، ولا تكون الزوجة دائما في حالة قوة نفسية وإيمانية
تمكنها من الصبر، فلذلك يستحسن تدخل الأولياء في مثل هذه الأمور كمستشارين لا
كمجبرين.
وللمسألة تفاصيل كثيرة نتناولها في محلها من
الجزء الخاص بحل العصمة الزوجية بيد القاضي.
وهو من
المسائل المعاصرة التي سببها التطور العلمي في المجال الطبي، فقد أصبح بإمكان
الوسائل الحديثة التنبؤ عن أنواع كثيرة من الأمراض الوراثية، وبالتالي وقاية
الأجيال الجديدة منها، فهل يمكن اعتبار هذا نوعا من أنواع السلامة التي تشترط في
الكفاءة، أم لا؟ خاصة وأن هذا الأمر قد لا يتعلق بحق الزوجة وحدها، بل له علاقة
كذلك بحقوق أولادهم.
قبل الإجابة على هذا السؤال نحب ان ندخل الأمر
من بابه العملي، ولذلك سنذكر أقوال المختصين، ثم نعقبه بما نراه من رأي.
يهدف الفحص قبل الزواج إلى غايتين مهمتين، هما:
وذلك في الأمراض المعدية بصفة خاصة، ولا بأس من
أن نسوق هنا هذه القصة الواقعية، كدليل على دور الفحص قبل الزواج في الوقاية من
هذا النوع من أنواع المراض.
وهي أن شابا عربيا طموحا تخرج من الثانوية
العامة وحصل على بعثة للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة التخصص الذي يرغب فيه،
وقد قضى ذلك الشاب خمس سنوات في الدراسة هناك، بعد ان حصل على البكالوريس رجع إلى
بلده وحصل على وظيفة جيدة في مجال تخصصه.
وبعدها قرر ان يتزوج وقد حصل له ما أراد فقد
توفق بفتاة ووجد فيها المواصفات من الجمال والخلق التي يريدها، بعد مضي عدة سنوات
ظهر في جسم زوجته أورام في الغدد الليمفاوية، وعند عمل التحاليل والعينات تبين
أنها مصابة بسرطان الغدد الليمفاوية (NHL) ومن ضمن التحاليل عمل لها فحص لفيروس نقص المناعة المكتسبة فيروس
المسبب للإيدز (HJV) وتبين أنها مصابة بمرض الإيدز وان سرطان الغدد الليمفاوية هو
مصاحب لمرض الإيدز (الأورام السرطانية الليمفاوية قد تكون إحدى مضاعفات مرض
الإيدز)
وتم إخبار الزوج بذلك، فصعق كما صعقت زوجته
وأتاه حالة من الهستيريا وذهب لزوجته يبكي، ويخبرها أنه السبب في ذلك.
ثم تم فحص الزوج وتبين أنه مصاب بفيروس نقص
المناعة المكتسبة أيضاً، وقد تبين أنه خلال سفره للولايات المتحدة مارس علاقات
جنسية محرمة مع عدة نساء لكن لم يكن يعلم بتاتاً أنه مصاب بهذا الفيروس.
وزيادة في المأساة لهذه القصة فقد انتقل فيروس
نقص المناعة المكتسبة إلى طفلتهم الوحيدة وكانت كارثة لجميع أفراد العائلة.
تشيرالعديد من الدراسات إلى انتشار الأمراض الوراثية
في بعض الدول العربية، بحيث أصبحت تشكل مشكلة صحية خطيرة، وإرهاقاً للموارد
المخصصة للقطاع الصحي، بالإضافة إلى أنها مشكلة اجتماعية كبيرة، فضلا عن معاناة
المصابين بهذه الأمراض.
فيتوقع إحصائيا أن يصاب طفل واحد من كل 25 طفل
بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال الخمس وعشرين سنه
من عمره.و يتوقع أن يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة لطفل حي بعيب خلقي شديد. كما
يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات وتأخر عقلي. وتسعة من هؤلاء المصابون
بهذه الأمراض يتوفون مبكرا أو يحتاجون إلي البقاء في المستشفيات لمده طويلة أو
بشكل متكرر ولها تبعات مالية واجتماعيه ونفسيه. وهذه الأعداد لها تبعات عظيمة
ومعقدة على الأسرة وبقيه المجتمع.
والمشكلة تنتشر بشكل كبير فى بلدان الخليج
العربى والشمال الافريقى 00 فأحدث الاحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية
تؤكد ان عدد المعاقين فى مصر فى تزايد مستمر وانهم يمثلون حوالى 13% من اجمالى عدد
السكان منهم حوالى 73% من اصحاب الإعاقة الذهنية.
من هنا طرحت بشدة فكرة اللجوء الى اصدار قانون
يشترط على المقبلين على الزواج اجراء كشف طبى اجبارى للتأكد من خلو الزوجين من أى
أسباب صحية تعرض أطفالهما للتشوهات.. وهو القانون الذى فرضت مثله كل من السعودية
والاردن ومن المنتظر تعميم التجربة فى انحاء الوطن العربى 0
وعليه يمكن لأي مجتمع الوقاية من الأمراض
الوراثية كما هو الحال في معظم الأمراض الأخرى.
وتنتشر
الامراض الوراثية نتيجة لثلاثة عوامل وهى: زواج الأقارب ووجود أمراض الدم الوراثية
وتقدم عمر أحد الوالدين, وقد يكون أحد الوالدين مصابا بأحد هذه الأمراض وبالتالي
يمكن أن ينقله إلى بعض الأبناء. بينما في أحيان أخرى يكون كلا الوالدين في صحة
جيدة، ولكن يحملان عوامل وراثية (جينات) غير سوية. عند انتقال عاملين وراثيين
(جنيين) غير سويين من كلا الوالدين إلى أطفالهما، فمن المحتمل أن يصاب هؤلاء
الأطفال بمرض وراثي. وفي بعض الحالات يمكن أن تقتصر الإصابة بالمرض الوراثي على
الذكور فقط على الرغم من عدم إصابة الوالدين بالمرض، وذلك لأن الأم حاملة لأحد
العوامل الوراثية (الجينات) غير السوية دون أن يظهر عليها المرض. وهنا يجب توخي
الحذر في تناول الموضوع بسهولة أو إهمال فذلك لن يترك أثره إلا على الأطفال. ومن
هذا المنظور, فإن التوعية الصحية بهذا الشأن لا بد أن تتحول إلى إلزام أي رجل
وفتاة يعزمان على الزواج.
تكمن
فائدة الفحص قبل الزواج فى عدة نقاط:
· أن
المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت
فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج.
· تقديم
النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ
المرضي والفحص السريري واختلاف زمر الدم.
· أن
مرض (التلاسيميا) هو المرض الذي ينتشر بشكل واسع وواضح في حوض البحر المتوسط وهو
المرض الذي توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج.
· المحافظة
على سلامة الزوجين من الأمراض، فقد يكون أحدهما مصاباً بمرض يعد معدياً فينقل
العدوى إلى زوجه السليم.
· إن
عقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار، فإذا تبين بعد الزواج أن
أحد الزوجين مصاب بمرض فإن هذا قد يكون سبباً في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول
الطرف الآخر به.
· بالفحص
الطبي يتأكد كل واحد من الزوجين الخاطبين من مقدرة الطرف الآخر على الإنجاب وعدم
وجود العقم، ويتبن مدى مقدرة الزوج على المعاشرة الزوجية.
· بالفحص
الطبي يتم الحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو
معاقين والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم.
قد أحصى هذا البحث أهم الأمراض التي يمكن تتطلب
الفحص قبل الزواج، ومنها:
· أمراض
الدم الوراثية مثال فقر الدم المنجلي وفقر دم البحر المتوسط وأنيميا الفول.
· أمراض
الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي وأمراض ضمور العضلات باختلاف أنواعها
وضمور المخ والمخيخ.
· أمراض
التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الإستقلابية التي تنتج بسبب نقص أنزيمات معينة.
· أمراض
الغدد الصماء خاصة أمراض الغدة الكظرية والغدة الدرقية.و معظم هذه الأمراض تنتقل
بالوراثة المتنحية والتي يلعب زواج الأقارب فيها دور كبير في زيادة أعدادها.
· الأمراض
المعدية.
أما السلبيات المتوقعة من الفحص فتكمن في:
· إيهام
الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح؛ لأن الفحص لا
يبحث في الغالب سوى عن مرضين أو ثلاثة منتشرة في مجتمع معين.
· إيهام
الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا، وهو
غير صحيح إطلاقاً.
· قد
يحدث تسريب لنتائج الفحص ويتضرر أصحابها، لا سيما المرأة فقد يعزف عنها الخطاب إذا
علموا أن زواجها لم يتم بغض النظر عن نوع المرض وينشأ عن ذلك المشاكل.
· يجعل
هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو
أو ذريته بمرض عضال لا شفاء له من الناحية الطبية.
· التكلفة
المادية التي يتعذر على البعض الالتزام بها وفي حال إلزام الحكومات بجعل الفحوص
شرطاً للزواج ستزداد المشاكل حدة، وإخراج شهادات صحية من المستشفيات الحكومية وغيرها
أمر غاية في السهولة، فيصبح مجرد روتين يعطى مقابل مبلغ من المال.
· من
الناحية التقنية قد يكون هذا الفحص مقتصرا على عدد قليل من الأمراض الوراثية التي
تعرف أسبابها الحقيقية أو الجينات المسببة لها، حيث لا يمكن إجراء فحص واحد للكشف
على جميع الأمراض الوراثية التي قد يزيد عددها على عشرة آلاف مرض، كما أن تكلفة
عمل هذه التحليلات باهظة، وإمكانية إجرائها لا تتوفر في جميع المختبرات.
انطلاقا مما سبق، فقد اختلف العلماء والباحثون
المعاصرون في هذه المسألة، وقد لخص بعضهم أقوالهم على النحو التالي:
القول الأول: يجوز لولي
الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم
الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه لائق طبياً، ومن الأدلة على ذلك:
· قوله
تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾(النساء:
من الآية59)، فالمباح إذا أمر به ولي الأمر المسلم للمصـلحة العامة يصبح واجباً
ويلتزم المسلم بتطبيقه.
· قوله
تعالى:﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ﴾(البقرة: من الآية195)، لأن بعض الأمراض المعدية تنتقل
بالزواج، فإذا كان الفحص سبباً في الوقاية تعين ذلك.
· قوله
تعالى:﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾(آل عمران: من الآية38)،
لأن المحافظة على النسل من الكليات التي اهتمت بها الشريعة، فلا مانع من حرص
الإنسان على أن يكون نسله المستقبلي صالحاً غير معيب، ولا تكون الذرية صالحة وقرة
للعين إذا كانت مشوهة وناقصة الأعضاء متخلفة العقل، وكل هذه الأمراض تهدف لتجنبها
عملية الفحص الطبي.
· قوله
- صلى الله عليه وسلم - :(لا توردوا الممرض على المصح)، وقوله - صلى الله عليه
وسلم - :(فر من المجذوم فرارك من الأسد)، ففيه أمر باجتناب المصابين بالأمراض
المعدية والوراثية.
· إن
الفحص الطبي لا يعتبر افتئاتاً على الحرية الشخصية؛ لأن فيه مصلحة تعود على الفرد
أولاً وعلى المجتمع والأمة ثانياً، وإن نتج عن هذا التنظيم ضرر خاص لفرد أو أفراد
فإن القواعد الفقهية تقرر أن (يرتكب أهون الشرين) وأنه (يتحمل الضرر الخاص لدفع
الضرر العام)
· قاعدة
(الدفع أولى من الرفع) حيث إنه إذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى وأسهل من
رفعه بعد الوقوع.
· قاعدة
(الوسائل لها حكم الغايات)، فإذا كانت الغاية هي سلامة الإنسان العقلية والجسدية؛
فإن الوسيلة المحققة لذلك مشروعة، وطالما أن الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح
مشروعة للفرد الجديد وللأسرة والمجتمع ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى
الاجتماعي والاقتصادي وهذه من الأسباب المأمور بها شرعاً.
القول الثاني: لا يجوز
إجبار أي شــخص لإجراء الاخـتـبار الوراثي، ويجوز تشجيع الناس ونشر الوعي بالوسائل
المختلفة بأهمية الاختبار الوراثي، ومن الأدلة على ذلك:
· أن
أركان النكاح وشروطه التي جاءت بها الأدلة الشرعية محددة، وإيجاب أمر على الناس
وجعله شرطاً للنكاح تَزيّد على شرع الله، وهو شرط باطل، وقد صح قوله - صلى الله
عليه وسلم - :(كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل...)
· أن
النكاح لا يلزم منه الذرية، فقد يتزوج الرجل لأجل المتعة فقط فلا وجه لإلزامه
بالفحص الوراثي كما هو الحال في كبار السن.
· أن
الفحص غالباً سيكون على مرضين أو ثلاثة أو حتى عشرة، والأمراض الوراثية المعلومة
اليوم أكثر من 8000 مرض، وكل عام يكتشف أمر جديد، فإذا ألزمنا الناس بالفحص عنها
جميعاً فقد يتعذر الزواج ويصعب وينتشر الفساد.
· قـوله
- صلى الله عليه وسلم - :(إذا أتاكم مـن ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فلم يقل - صلى
الله عليه وسلم - :(وصحته)، والأصل أن الإنسان سليم، وقد اكتفى بالأصول: الدين
والخلق.
· إن
تصرفات ولي الأمر في جعل الأمور المباحة واجباً إنما تجب الطاعة إذا تعينت فيه
المصلحة أو غلبت للقاعدة الفقهية (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)
· قوله
- صلى الله عليه وسلم - :(إنما الطاعة في المعروف)، وإلزام الناس بالكشف قبل
الزواج فيه مفاسد عظيمة تزيد على المصالح المرجوة.
· قوله
- صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي :(أنا عند ظن عبدي بي)، فالمتقدم للزواج
ينبغي أن يحسن الظن بالله ويتوكل على الله ويتزوج، والكشف يعطي نتائج غير صحيحة
أحياناً.
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول بوجوب الفحص
قبل الزواج، درءا لهذه المفاسد العظيمة التي تنجر بسبب ترك هذا النوع من أنواع
الفحص.
وخاصة مع ما نعرفه من (أن الكثير من الأمراض
الوراثية لا يوجد لها علاج أو يصعب علاجها وذات تكلفة عالية، وقد يترتب على
إجراءات العلاج سواء بتناول الدواء طوال الحياة أو التغذية الخاصة أو نقل الدم
بصفة منتظمة او زرع الأعضاء زيادة في النفقات، فالفحص قبل الزواج يشكل وسيلة
ملائمة لمكافحة الأمراض الوراثية ووسيلة للوقاية وباقل تكلفة مقارنة بالفوائد
الكبيرة التي تتحقق إذا ما تم حماية المجتمع من الأمراض الوراثية والتي يكلف
علاجها مبالغ طائلة)
ونرى أن على ولي الأمر أن لا يكتفي بإجبار
رعاياه على ضرورة هذا الفحص فقط، بل يجب عليه تيسير الأمر عليهم، وتوفير ما يلزم
من أنواع الفحوص في هذه الناحية بالمجان، وخاصة للعاجزين عن دفع تكاليفه الضخمة.
بل نرى أنه بالإمكان تزويد المستشفيات العمومية
بما يسهل هذا النوع من الفحص على العامة، كما نشاهد من تزويدها مثلا بما يسهل
تنظيم النسل أو الحد منه.
ونرى أن من مسؤولية ولي المرأة أن يشترط فيمن
يتقدم للخطبة إجراء الفحص إذا كانت هناك قرائن تدل على احتمال الإصابة بالمرض سواء
للمخطوبة أو للذرية مستقبلا.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الشرعية بوزارة
الأوقاف بالكويت:(يستحب، بل يجب في بعض الحالات إخبار الراغبين في الزواج بما تكشف
عنه الفحوصات، سواء كان حصول التشويه بالحمل مؤكداً أو محتملاً؛ لقوله - صلى الله
عليه وسلم -:(الدين النصيحة) [167]
ويتأكد ما ذكرناه فيما لو (انتشر مرض معين في
منطقة معينة، وكان المتزوجون من أهل المنطقة، وهم معرضون غالباً لانتقال الأمراض
الوراثية للذرية؛ فلا بأس من طلب الفحص قبل الزواج، وليس ذلك على النطاق العام،
فلو كان المرض ينتشر في منطقة معينة من بلد ما فقط فيقتصر الحكم على المنطقة)
هذا، وقد انتهت المناقشات الطبية الفقهية
لموضوع الفحص الطبي قبل الزواج التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
بالكويت، والتي ضمت نخبه من الأطباء والفقهاء من بلدان عديدة بجملة توصيات، جاء
فيها:
· تشجيع
إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج، وذلك من خلال نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام
المسموعة والمرئية والندوات والمساجد.
· تناشد
السلطات الصحية بزيادة أعداد وحدات الوراثة البشرية لتوفير الطبيب المتخصص في
تقديم الإرشاد الجيني وتعميم نطاق الخدمات الصحية المقدمة للحامل في مجال الوراثة
التشخيصية والعلاجية بهدف تحسين الصحة الإنجابية.
· لا
يجوز إجبار أي شخص لإجراء الاختبار الوراثي.
([6]) تبيين الحقائق:2/128،
العناية: 3/196، البحر الزخار :4/48، الخرشي: 3/205، حاشية الجمل: 4/164، حاشية
الدسوقي :2/249، حاشية الصاوي: 2/399، مطالب أولي النهى: 5/84، رد المحتار: 3/84،
الموسوعة الفقهية: 34/266، المحلى: 9/33.
([12]) حديث ضعيف لأن في سنده
مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطأة، والحجاج مختلف فيه، ومبشر ضعيف متروك نسبه أحمد
إلى الوضع، قال الدارقطني: مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها، سنن
الدارقطني:3/244، وانظر: الدراية: 2/62، التحقيق في أحاديث الخلاف: 2/270، نصب
الراية: 3/196.
([13]) قال الترمذي: هذا حديث
غريب، وما أرى إسناده بمتصل، سنن الترمذي:3/387، قال المناوي: وهو من رواية وهب عن
سعيد مجهول، وقد ذكره ابن حبان، وجزم ابن حجر في تخريج الهداية بضعف سنده، وقال في
تخريج الرافعي عنه: رواه الحاكم من هذا الوجه ،وجعل محله سعيد بن عبد الرحمن
الجمحي وهو من أغاليطه الفاحشة، فيض القدير:3/310.
([15]) وقد رد على الاستشهاد
بهذا الدليل أحد أئمة الحنفية بعد أن أورده، فقال: ونحن نقطع أن عدو الله لو برز
للمسلمين يريد إطفاء نور الله، وهو من أكابر أنسابهم، فخرج إليهم عبد من المسلمين
فقتله كان مشكورا عند الله وعند المؤمنين، ولم يزده ذلك النسب إلا بعدا، نعم
الكفاءة المطلوبة هنا كفاءة الشدة، فينبغي أن يخرج إليه كفؤه فيها، لأن المقصود
نصرة الدين ولو كان عبد... وإنما أجابهم - صلى الله عليه وسلم - لذلك إما لعلمه
بأنهم أشد من الذين خرجوا إليهم أولا أو لئلا يظن بالمطلوبين عجز أو جبن، أو دفعا
لما قد يظن أهل النفاق من أنه يضن بقرابته دون الأنصار، انظر: شرح فتح القدير:
3/292.
([40]) التعزير مصدر عزر مأخوذ
من العزر ،وهو الرد والمنع، واستعمل في الدفع عن الإنسان كدفع أعدائه عنه، وكدفعه
عن إتيانه القبيح، ومنه عزره القاضي أي أدبه لئلا يعود إلى القبيح، ويكون بالقول
وبالفعل بحسب اللائق. فيض القدير:6/413.
([41]) البخاري: 6/2512،
مسلم:3/1332، المستدرك: 4/410، البيهقي:
8/327، الدارقطني: 3/207، مصباح الزجاجة: 3/115، سنن ابن ماجة:2/867، الفردوس
بمأثور الخطاب:5/55.
([42]) انظر حكاية الأقوال
المختلفة في المسألة في: شرح النووي على مسلم: 11/221، سبل السلام: 4/37، نيل
الأوطار: 7/328.
([45]) قال المنذري: رواه أبو
داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم: وقال
صحيح الإسناد، انظر: الترغيب والترهيب: 3/25،المستدرك: 4/115، صحيح ابن حبان:
11/467، الترمذي: 3/622، ابو داود: 3/300، أحمد: 2/164.
([50]) انظر: المحلى: 5/369،
وقد نفى ابن القيم ما نقله ابن حزم عن الصحابة، يقول ابن القيم:« لا نعلم أحدا من
الصحابة قال به البتة، وما حكاه أبو محمد بن حزم عن عمر وجابر وابن عباس فبحسب ما
فهمه من آثار رويت عنهم مطلقة» أحكام أهل الذمة: 2/648.
([55]) لكن ابن عبد البر شكك
فيما روي عن السلف من ذلك، يقول في التمهيد:« لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا
أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها إلا شيء
روي عن إبراهيم النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء ولم يتبعه عليه أحد من الفقهاء إلا
بعض أهل الظاهر، فإنه قال أكثر أصحابنا: لا يفسخ النكاح لتقدم إسلام الزوجة إلا
بمضي مدة يتفق الجميع على نسخه لصحة وقوعه في أصله ووجود التنازع في حقه واحتج
بحديث ابن عباس بأن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول بعد مضي سنتين لهجرتها وأظنه مال
فيه إلى قصة أبي العاص »التمهيد :12/23.
([56]) قال ابن القيم: «لو أنا
قلنا إن المرأة تبقى محبوسة على الزوج لا نمكنها أن تتزوج بعد انقضاء العدة شاءت
أم أبت لكان في الآية حجة علينا، ونحن لم نقل ذلك ولا غيرنا من أهل الإسلام، بل هي
أحق بنفسها إن شاءت تزوجت وإن شاءت تربص» أحكام أهل الذمة :3/687.
([57]) المستدرك :2/219، وقد
رد ابن عبد البر على هذا الحديث بقوله:« فخبر ابن عباس في رد أبي العاص إلى زينب
بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر
متروك لا يجوز العمل به عند الجميع فاستغنى عن القول فيه »، ولكنه مع ذلك أطنب في
الرد عليه ومن الوجوه التي رد بها الحديث :
ـ أنه إذا كان أبو العاص كافرا إذ رده رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابنته
زينب على النكاح الأول، فإنه كان قبل نزول الفرائض وأحكام الإسلام في النكاح إذ في
القرآن والسنة والإجماع تحريم فروج المسلمات على الكفار.
ـ أما إذا كان مسلما فلا يخلو من أن تكون
زينب حاملا فتمادى حملها ولم تضعه حتى أسلم زوجها فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها في عدتها وهذا ما
لم ينقل في خبر، أو أن تكون قد خرجت من العدة فيكون ذلك منسوخا بالإجماع لأنهم قد
أجمعوا أنه لا سبيل له إليها بعد العدة فكيف كان ذلك.
ـ أن قوله :«على النكاح الأول» يحتمل « على
مثل النكاح الأول من الصداق»
ـ أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد زينب
إلى أبي العاص بنكاح جديد، وكذلك يقول الشعبي على عمله بالمغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لم يرد أبا العاص إلى
ابنته زينب إلا بنكاح جديد وهو ما تعضده الأصول.انظر :التمهيد:12/23.
([59]) رواه البيهقي في السنن
الكبرى وترجم له بقوله:« باب الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما فالجماع ممنوع حتى يسلم
المتخلف منهما»، السنن الكبرى: 7/185.
([62]) أورد هذه الأدلة في هذا
الباب، القرطبي في التفسير:16/347، تفسير ابن كثير: 4/219، التمهيد :19/163،
وغيرها..
([68]) بدائع الصنائع: 2/319،
المغني:7/27، الفتاوى الكبرى لابن تيمية:3/97، الفروع:5/190، الإنصاف :8/108،
حاشية الدسوقي:2/250.
([71]) روي مرفوعا والأصح وقفه
على أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، انظر:سنن البيهقي الكبرى:7/82، سنن سعيد بن
منصور :1/191.
([74]) نرى أن هذه الرواية عن
الشافعي هي الأرجح عنده، قال ابن حجر :«إن الشافعي قال الكفاءة في الدين ،وهو كذلك
في مختصر البويطي، قال الرافعي وهو خلاف مشهور،ونقل الابزي عن الربيع أن رجلا سأل
الشافعي عنه، فقال أنا عربي لا تسألني عن هذا»، انظر: فتح الباري:9/133.
([81]) مجمع الزوائد :8/84،
المعجم الصغير:1/383، قال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والصغير والبيهقي
مرفوعا وموقوفا وقال المحفوظ الموقوف، الترغيب والترهيب: 3/375.
([105]) رواه الحاكم من طريق ابن مليكة عن ابن عمر رفعه بهذا
دون قريش ، وفيه راو لم يسم عن ابن جريج
وقد أخرجه ابن عدي من طريق علي بن عروة عن ابن جريح وعلى ضعيف جدا وهو من رواية
عثمان الطرائفي عنه وهو ضعيف أيضا وله طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه أبو يعلى وابن
عدي وفيه عمران بن أبي الفضل وهو متفق على ضعفه وأخرج الدار قطنى من وجه آخر بلفظ
الناس أكفاء قبيلة لقبيلة وعربي لعربي ومولى لمولى إلا حائك
أو حجام وفيه محمد بن الفضل وهو ضعيف، ورواه البزار من حديث معاذ وفي إسناده
انقطاع.انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية :2/63، نصب الراية :3/197.
([106]) قال في مجمع الزوائد :«
رواه الطبراني وفيه أبو معشر وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح»انظر: مجمع
الزوائد :10/25، سنن البيهقي الكبرى: 1/314، وقد بولغ في الاستدلال بهذا الحديث
حتى استدل الشافعية بهذا الحديث على إمامة
الشافعي وتقديمه على غيره، انظر: فتح الباري: 6/530.
([117]) إعانة الطالبين: 3/333،
حاشية البجيرمي: 3/351، حواشي الشرواني: 7/278، روضة الطالبين: 7/82، جواهر
العقود: 2/9، مغني المحتاج: 3/168، حاشية ابن عابدين: 7/234، شرح فتح القدير:
3/301.
([121]) قاس بعض الشافعية على
هذا حرفة الأم أيضا، قال الأذرعي:« قياسه النظر إلى حرفة الأم أيضا فإن ابن
المغنية والزامرة والماشطة والحمامية ونحوهن ينبغي أن لا يكون كفؤا لمن أمها ليست
كذلك لأنه نقص في العرف وعار ومأخذ هذه الخصلة العرف والعادة»، أسنى المطالب
:3/137.
([122]) روي الحديث بطرق مختلفة
وكلها ضعيفة أو موضوعة، قال في نصب الراية:« رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من
حديث بقية بن الوليد عن زرعة بن عبد الله الزبيدي عن عمران بن أبي الفضل الأيلي عن
نافع عن بن عمر مرفوعا نحوه سواء قال بن عبد البر هذا حديث منكر موضوع، وقد روى عن
بن جريج /عن بن أبي مليكة عن بن عمر مرفوعا مثله ولا يصح عن بن جريج انتهى ورواه
بن حبان في كتاب الضعفاء وأعله بعمران بن أبي الفضل وقال إنه يروي الموضوعات عن
الأثبات لا يحل كتب حديثه انتهى ورواه بن عدي في الكامل وأعله بعمران وأسند تضعيفه
عن النسائي وابن معين ووافقهما وقال الضعف على حديثه بين انتهى وقال بن القطان قال
أبو حاتم هو منكر الحديث ضعيفه جدا»نصب الراية:3/398، وانظر:فيض القدير:4/398،
العلل المتناهية:2/618، الدراية تخريج أحاديث الهداية:8/63.
([137]) أبو داود: 3/288، مجتبى
النسائي: 7/240، ابن ماجة: 2/723، ابن حبان: 10/74، المستدرك: 2/53، البيهقي:
7/480.
([138]) قال المنذري: رواه أبو
داود والبيهقي بطوله واللفظ لأبي داود وأخرج الترمذي والنسائي منه قصة بيع القدح
فقط وقال الترمذي حديث حسن، الترغيب والترهيب:1/335، سنن البيهقي الكبرى: 7/25.
([146]) المبدع: 7/54، الفروع:
5/143، الإنصاف: 8/109، المغني: 7/29، المهذب: 2/39، فتح الوهاب: 2/67، مغني
المحتاج: 3/232، الهداية شرح البداية: 1/201، تبيين الحقائق :2/130، حاشية الجمل
:4/168.
([149]) قال الحاكم: هذا حديث
صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، المستدرك:2/177 قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح
غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث سلام بن أبي مطيع ،سنن الترمذي: 5/390،
وانظر: مجمع الزوائد :10/251، سنن البيهقي الكبرى:7/135، المجتبى:6/64، ابن
ماجة:2/1410.
([156]) قال الحاكم: هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه، المستدرك: 4/358، قال الترمذي: هذا حديث غريب: الترمذي:
4/577، سنن البيهقي الكبرى: 7/12، سنن ابن ماجة:2/1381.
([158]) قال الحاكم: هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه، المستدرك:2/177، صحيح ابن حبان: 2/474، المجتبى :6/64،
أحمد:5/353.
([161]) قال في مجمع الزوائد:
رواه الطبراني في الكبير وفيه عمران بن سليمان قال فيه الأزدي يعرف وينكر، مجمع
الزوائد:1/50، وانظر: أحمد: 2/309، مسند إسحق بن راهويه: 1/291.