الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: الضوابط الشرعية لحماية الزواج

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثانيا ـ الولاية في الزواج

1 ـ أحكام الولاية

تعريف الولاية:

حكم الولاية:

أثر الزواج بدون ولي:

التفريق بين الشريفة والدنيئة في أحكام الولاية:

2 ـ أنواع الولاية

النوع الأول ـ الولاية الاختيارية:

تعريفها:

أسماؤها:

من تثبت له:

من تثبت عليه:

النوع الثاني ـ الولاية الجبرية:

من تثبت عليه:

3 ـ من تثبت له ولاية الإجبار

العصبات:

الوصي:

عضل الولي للمولى عليها

تعريف العضل:

حكم العضل:

متى يعتبر الولي عاضلا:

اختلاف المرأة ووليها في الاختيار:

اختلاف المرأة وزوجها في الإذن:

4 ـ من تثبت له الولاية المتعدية

أولا: مراتب الأولياء:

الجهة الأولى ـ العصبات:

الفروع:

فروع الأبوين من الذكور:

فروع الأجداد:

ثانيا ـ أصحاب الولاية من غير العصبة:

ذوو الأرحام:

المولى المنعم:

الحاكم:

الوصي:

من أسلمت المرأة على يديه:

جماعة المسلمين:

الوكيل:

5 ـ آثار الترتيب بين الأولياء

الافتيات في الولاية:

تزويج الأبعد عند غياب الأقرب:

اشتراك الأولياء في الدرجة:

الحالة الأولى ـ عند اتحاد الخاطب:

الحالة الثانية: عند تعدد الخطاب:

تولي الولي طرفي العقد:

6 ـ شروط الولاية المتعدية

1 ـ كمال الأهلية:

العقل:

الحرية:

 

2 ـ الإسلام:

3 ـ الذكورة:

4 ـ البلوغ:

5 ـ العدالة:

6 ـ الرشد:

7 ـ من تثبت عليه الولاية

أولا: تزويج الصغار

من له حق الولاية في تزويج الصغار:

حكم تزويج الوصي للصغيرة:

حكم تزويج الصغار من غير الأكفاء أو بأقل من صداق المثل:

حق الصغار في الخيار بعد البلوغ:

من له الحق في التفريق بعد الاختيار:

ثانيا ـ زواج البكر

حكم إجبار البكر:

علامات إذن البكر:

الكلام:

الصمت:

البكاء:

الضحك:

علامات إذن من زالت بكارتها بالحرام:

كيفية الاستئمار:

ثالثا ـ زواج الثيب

الثيب الكبيرة:

الثيب الصغيرة:

كيفية إذن الثيب:

رابعا ـ المعتوه

التعريف:

حكم تزويج الولي للمعتوه:

المعتوه الصغير:

البالغ المعتوه:

من يتولى تزويج المعتوه:

خامسا ـ السفيه المحجور عليه

الحالة الأولى: تزويج الولي له:

الحالة الثانية: إذن الولي له بالزواج:

الحالة الثالثة: زواجه من غير إذن الولي:

8 ـ الوكالة في الزواج

تعريف الوكالة:

أولا ـ حكم الوكالة

من يثبت له حق التوكيل:

توكيل غير الأب والجد:

صيغة التوكيل:

توكيل الوكيل غيره:

حدود دور الوكيل:

ثانيا ـ أنواع الوكالة

النوع الأول: الوكالة المقيدة

الحالة الأولى: عدم مخالفة الوكيل مقتضى الوكالة:

الحالة الثانية: مخالفة الوكيل مقتضى الوكالة:

النوع الثاني: الوكالة المطلقة

1 ـ وكالة من الرجل:

2 ـ وكالة من المرأة:

ثانيا ـ الولاية في الزواج

نتناول في هذا الفصل أساسا من الأسس التي وضعتها الشريعة الحكيمة لحماية الزواج من عبث العابثين، الذين قد يستصغرون عقل المرأة أو يغرونها بمعسول الكلام، ليجروها لمستنقعاتهم المدنسة.

وقد اختلف الفقهاء في المدى الذي يعتبر فيه اختلافا شديدا، وقد حصل بناء على هذا الاختلاف مواقف متناقضة انجرت عنها كثير من المفاسد، فبناء على التشديد في اعتباره ألغيت شخصية المرأة، وألغي حقها في الاختيار، وصارت تابعة لرغبة وليها الذي يجبرها بالزواج بمن شاء، ويعضلها عمن شاء.

وبناء على التساهل في اعتباره ضاعت حقوق المرأة التي لا تجد الرجل الذي يحميها من هضم حقوقها والاحتيال عليها.

وبناء على هذا الواقع نحاول في هذا الفصل التعرف على المواقف الفقهية المختلفة من هذا الأساس، وما ينبني عنها من مصالح أو مفاسد، وقد قسمنا الفصل إلى أربعة مباحث هي:

·      أحكام الولاية وأنواعها، وقد تحدثنا فيه عن الأحكام الأصلية والعارضة للولاية، وأنواعها.

·      من تثبت له الولاية بمراتبهم المختلفة، وبحسب أنواع الولاية.

·  من تثبت عليه الولاية، وقد خصصناهم بمبحث خاص لبعض التفاصيل التي يعسر وضعها في المبحث الثاني.

·      الوكالة في الزواج، أحكامها وأنواعها.

1 ـ أحكام الولاية

تعريف الولاية:

لغة: وَلـيَ الشيءَ ووَلِـيَ علـيه وِلايةً ووَلايةً، والوِلاية الـخُطة كالإِمارة، والوَلايةُ الـمصدر، ومن أَسماء الله تعالـى: الوَلِـيُّ هو الناصِرُ.

قال الزجاج: والوِلايةُ التـي بمنزلة الإِمارة مكسورة لـيفصل بـين الـمعنـيـين، وقد يجوز كسر الولاية لأَن فـي تولـي بعض القوم بعضاً جنساً من الصِّناعة والعمل،  وكل   ما كان من جنس الصِّناعة نـحو القِصارة والـخِياطة فهي مكسورة[1].

اصطلاحا: من تعاريفها ما ورد في المجلة:هي نفاذ تصرف الولي في حق الغير شاء أم أبى[2].

حكم الولاية:

اتفق الفقهاء على عدم اشتراط الولاية لزواج الرجل ما دام بالغا عاقلا، فيملك أن يزوج نفسه بأي امرأة سواء كانت مكافئة له أو أقل منه، بمهر المثل أو بأكثر منه دون أن يعترض عليه أحد في ذلك، واختلفوا في المرأة البالغة العاقلة بكراً كانت أو ثيباً، هل يمكنها تزويج نفسها أم يشترط حضور وليها؟على الأقوال التالية[3]:

القول الأول: اشتراط الولاية:

أي أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها، فلا ولاية لها  في عقد الزواج على نفسها ولا غيرها بالولاية، وروي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وعائشة - رضي الله عنهم - ، قال ابن المنذر:(إنه لا  يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك) [4] وإليه ذهب سعيد ابن المسيب والحسن وعمر ابن عبد العزيز، والثوري، وابن أبي ليلى وابن شبرمة، وأبو عبيد والطبري، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة، وهو ما نقله عن أبي يوسف كل من الطحاوي والكرخي[5]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

من القرآن الكريم:

·  قال الله تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(البقرة:232)، وهذه الآية نزلت في معقل بن يسار إذ عضل أخته عن مراجعة زوجها، ولولا أن له حقا في الإنكاح ما نهى عن العضل، قال ابن عبد البر:(هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقا في الانكاح، ولا نكاح إلا به،لأنه لولا ذلك ما نهي عن العضل، ولاستغني عنه) [6]، ثم بين وجه احتجاجه بقوله:(ألا ترى أن الولي نهى عن العضل، فقد أمر بخلاف العضل، وهو التزويج، كما أن الذي نهي عن أن يبخس الناس قد أمر بأن يوفي الكيل والوزن، وهذا بين كثير)

·  قوله تعالى:﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾(النساء:25)﴾ فالآية صريحة باشتراط طلب إذن الأهل.

·  قوله تعالى:﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾(النور:32)،فلم يخاطب تعالى في هذه الآية إلا الرجال، ولو كان هذا الأمر إلى النساء لذكرهن.

·  قوله تعالى حكاية عن شعيب - عليه السلام - في قصة موسى - عليه السلام - :﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ(القصص:27)، قال القرطبي:(وفي هذه الآية دليل على أن النكاح إلى الولي، لاحظ للمرأة فيه لأن صالح مدين تولاه) [7]

·  قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾(النساء:34) فأخبر تعالى أن للرجال حق القوامة على النساء، ومن القوامة الولاية عليهن.

من السنة النبوية الشريفة:

الحديث الأول: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(لا نكاح إلا بولي) [8]،وهو من أصرح الأحاديث الدالة على اشتراط الولي، والاستدلال به من الوجهين التاليين:

الوجه الأول: صحة الاحتجاج به، فقد أورد المخالفون ضعف الحديث بسبب إرساله، وقد أجاب القرطبي على ذلك بقوله: (من يقبل المراسيل يلزمه قبوله، وأما من لا  يقبل المراسيل فيلزمه أيضا، لأن الذين وصلوه من أهل الحفظ والثقة، وممن وصله إسرائيل وأبو عوانة، كلاهما عن أبى إسحاق عن أبى بردة عن أبى موسى عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، وإسرائيل ومن تابعه حفاظ، والحافظ تقبل زيادته، وهذه الزيادة يعضدها أصول) [9]

بل قد ذكر ابن القيم الاحتجاج على قبوله من خمسة وجوه، هي:

·  تصحيح من تقدم من الأئمة له وحكمهم لروايته بالصحة كالبخاري وعلي بن المديني والترمذي وبعدهم الحاكم وابن حبان وابن خزيمة.

·  ترجيح إسرائيل في حفظه وإتقانه لحديث أبي إسحاق، وهذا شهادة الأئمة له وإن كان شعبة والثوري أجل منه لكنه لحديث أبي إسحاق أتقن وبه أعرف.

·  متابعة من وافق إسرائيل على وصله كشريك ويونس بن أبي إسحاق، قال عثمان الدارمي: سألت يحيى بن معين شريك أحب إليك في أبي إسحاق أو إسرائيل فقال شريك أحب إلي وهو أقدم وإسرائيل صدوق قلت يونس بن أبي إسحاق أحب إليك أو إسرائيل فقال كل ثقة.

·  ما ذكره الترمذي، وهو أن سماع الذين وصلوه عن أبي إسحاق كان في روايات مختلفة، وشعبة والثوري سمعاه منه في مجلس واحد.

·  أن وصله زيادة من ثقة ليس دون من أرسله، والزيادة إذا كان هذا حالها فهي مقبولة كما أشار إليه البخاري[10].

الوجه الثاني: أن المخالفين أولوا الحديث على أن معناه: نفي الكمال لا نفي الصحة، وقد أجاب أصحاب هذا القول بأن الأولى هو حمل النفي في الحديث على نفي الفعل الشرعي، لا على نفي الفعل الوجودي، لأن الظاهرأن الشارع يطلق ألفاظه على عرفه، هو الشرعي، فلو حملناه على أن الفعل الحسي منتف احتجنا إلي إضمار لتصحيح اللفظ، وهو المسمى القدرة والاقتضاء، وينشأ عنه النظر في أن اللفظ يكون عاما أو مجملا أو ظاهرا في بعض المحامل، أما إذا حملناه على نفي الحقيقة الشرعية، فلا نحتاج إلي إضمار فكان الأولى في هذا حمله على الحقيقة الشرعية، فيكون نفيا للنكاح الشرعي، بخلاف حمله الحقيقة الحسية، فإن عدم الولي حسا احتجنا إلي إضمار فحينئذ يضمر بعضهم الصحة وبعضهم الكمال[11].

الحديث الثاني: عن ابن عباس - رضي الله عنه -  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح: خاطب وولي وشاهدا عدل) [12]

الحديث الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تنكح المرأة المرأة, ولا المرأة نفسها، وإنما الزانية هي التي تنكح نفسها) [13]

الحديث الرابع: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) [14]

الرد على ما استدل به المخالفون من السنة:

أما الأحاديث التي استدل بها المخالفون، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الأيم أحق بنفسها من وليها) [15]، فقد قال ابن تيمية:(فلما جعل الثيب أحق بنفسها دل على أن البكر ليست أحق بنفسها، بل الولي أحق،وهم تركوا العمل بنص الحديث وظاهره، وتمسكوا بدليل خطابه) [16]

والحديث يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق  في كل شيء من عقد وغيره، ويحتمل أنها أحق بالرضا أن لا تزوج حتى تنطق بالإذن، بخلاف البكر، فلما صحت الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعين الاحتمال الثاني، وأن المراد أحق  بالرضا دون العقد، وأن حق الولي في العقد، ودل أفعل التفضيل المقتضي المشاركة أن لوليها حقا آكد، وحقها أن لا يتم ذلك إلا برضاها.

أما دلالة الأيم في اللغة على غير المتزوجة فقد اختلف في ذلك، فقال علماء الحجاز وكافة الفقهاء المراد الثيب المتوفى عنها أو المطلقة، لأنه أكثر استعمالا، ولأن جماعة من  الثقات رووه بلفظ (الثيب)،ولمقابلته بالبكر، وقال الكوفيون وزفر والشعبي والزهري: الأيم  هنا على معناه اللغوي ثيبا أو بكرا بالغة.

من الأدلة العقلية:

·   أن النكاح عقد عظيم، خطره كبير , ومقاصده شريفة ولهذا أظهر الشرع خطره باشتراط الشاهدين فيه من بين سائر المعاوضات، فلإظهار خطره تجعل مباشرته مفوضة إلى أولي الرأي الكامل من الرجال.

·  أن النساء ناقصات العقل والدين، فكأن نقصان عقلها بصفة الأنوثة بمنزلة نقصان عقلها بصفة الصغر، والدليل على اعتبار نقصان عقلها أنه لم يجعل إليها من جانب رفع العقد شيء، بل الزوج هو الذي يستبد بالطلاق.

القول الثاني: عدم اشتراط الولاية:

أي جواز مباشرة المرأة عقد زواجها وزواج غيرها مطلقا إلا أنه خلاف المستحب، وهو قول محمد بن سيرين والشعبي والزهري وقتادة، وهو قول أبي حنيفة[17] في الرواية الأولى عنه، وهي ظاهر الرواية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

من القرآن الكريم: ورود آيات قرآنية كثيرة تصرح بأن الزواج ينعقد بعبارة النساء، لأن الزواج المذكور فيها منسوب إلى المرأة، ومن قال بعدم انعقاده بعبارة النساء فقد رد نص الكتاب، ومنها:

·   قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(البقرة:234)، ووجه الاستدلال بالآية  أن الله تعالى أجاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي[18].

·  قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾(البقرة:232)ووجه الاستدلال بالآية من وجوه[19]، منها إضافة العقد إليها من غير شرط إذن الولي، ومنها نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان، والنهي يمنع أن يكون له حق فيما نهي عنه،ومنها أنه لما كان الولي منهيا عن العضل إذا زوجت هي نفسها من كفو، فلا حق له في ذلك، كما لو نهي عن الربا والعقود الفاسدة لم يكن له حق فيما قد نهي عنه، فلم يكن له فسخه، وإذا اختصموا إلى الحاكم فلو منع الحاكم من مثل هذا العقد كان ظالما مانعا مما هو محظور عليه منعه، فيبطل حقه أيضا في الفسخ فيبقى العقد لا حق لأحد في فسخه فينفذ ويجوز.

·  قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾(البقرة:230)، ووجه الاستدلال بالآية من وجهين، أحدهما  إضافته عقد النكاح إليها في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾، والثاني قوله تعالى: ﴿ فلا جناح عليهما أن يتراجعا ﴾فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي.

من السنة: ورود الأحاديث الدالة على صحة الزواج من دون ولي، ومنها:

الحديث الأول:  عن ابن عباس - رضي الله عنه -  قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الأيم أحق بنفسها من وليها) [20]، وقد فسروا الأيم بأنه اسم لامرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، قال السرخسي:(وهذا هو الصحيح عند أهل اللغة، وهو اختيار الكرخي، قال:الأيم  من  النساء كالأعزب من  الرجال بخلاف ما ذكر محمد أن   الأيم  اسم للثيب) [21].

واستدلوا على ذلك من اللغة بما ورد في أمثال أكثم بن صيفي:(كل ذات بعل ستئيم)، وهو يضرب لتحول الزمن بأهله، وبقول الشاعر:

أفاطم إني هالك فتثبتي        ولا تجزعي كل النساء تئيم[22]

وهذا الحديث من أقوى ما يستدل به أصحاب هذا القول، ويعتبرونه معارضا للأحاديث التي ساقها أصحاب القول الأول، ويترجح عليه بقوة سنده،قال في حاشية ابن عابدين:(الأيم من لا زوج لها بكرا أو لا، فإنه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت، وقد جعلها أحق منه به، ويترجح هذا بقوة السند والاتفاق على صحته، بخلاف الحديثين الأولين (يقصد ما سبق ذكره من أحاديث) فإنهما ضعيفان أو حسنان، أو بأن النفي للكمال، أو بأن يراد بالولي من يتوقف على إذنه، أي لا نكاح إلا بمن له ولاية) [23]

الحديث الثاني: عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -  في المرأة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما لي في النساء من أرب، فقام رجل فسأله أن يزوجها، فزوجها[24]، ولم يسألها هل لها ولي أم لا، ولم يشترط الولي في جواز عقدها.

الحديث الثالث: أن أم سلمة لما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر - رضي الله عنه -  يخطبها عليه، فلم تزوجه، فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني امرأة غيرى، وأني امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهد، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فذكر ذلك له، فقال: ارجع إليها فقل لها: أما قولك إني امرأة غيرى، فسأدعو الله لك فيذهب غيرتك، وأما قولك إني امرأة مصبية فستكفين صبيانك، وأما قولك أن ليس أحد من أوليائي شاهد فليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك، فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجه[25].

ما استدل به المخالفون من السنة: أما ما استدل به المخالفون فردوه من الوجوه التالية:

الوجه الأول: مخالفة الراوي لما روى،وذلك دليل وهن الحديث، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير , وهو غائب فلما رجع قال: أومثلي يفتات عليه في بناته , فقالت عائشة رضي الله عنها: أوترغب عن المنذر؟ والله لتملكنه أمرها.

ومثله الزهري الذي عليه مدار الحديث، فقد أنكره الزهري , وجوز النكاح بغير ولي.

الوجه الثاني: أن الأحاديث محمولة على الأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن مولاها أو على الصغيرة أو على المجنونة، أو أنها محمولة على بيان الندب وأن المستحب أن لا تباشر المرأة العقد ولكن الولي هو الذي يزوجها.

الأدلة العقلية:

·  أنها تصرفت في خالص حقها،ولم تلحق الضرر بغيرها، فينعقد تصرفها كما لو تصرفت في مالها , لأن النكاح من الكفء بمهر المثل خالص حقها، بدليل أن لها أن تطالب الولي به , ويجبر الولي على الإيفاء عند طلبها.

·  أنها من أهل استيفاء حقوق نفسها، فإنما استوفت بالمباشرة حقها، وكفت الولي الإيفاء، وقاسوا ذلك على صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه، فاستوفى كان استيفاؤه صحيحا.

·  أن اختيار الأزواج إليها باتفاق الفقهاء , والتفاوت في حق الأغراض والمقاصد إنما يقع باختيار الزوج لا بمباشرة العقد , ولو كان لنقصان عقلها عبرة لما كان لها اختيار الأزواج.

·  أنها تعامل معاملة الكبير بدليل اعتبار رضاها في مباشرة الولي العقد، ولو كانت بمنزلة الصغيرة لما اعتبر رضاها , ويجب على الولي تزويجها عند طلبها , ولو كانت كالصغيرة لما وجب الإيفاء بطلبها.

·  أن حق مطالبة الولي لأجل المروءة , لأنها تستحي من الخروج إلى محافل الرجال لتباشر العقد على نفسها , ويعد هذا وقاحة منها , ولكن هذا لا يمنع صحة مباشرتها.

·  أنها لما بلغت عن عقل وحرية فقد صارت ولية نفسها في النكاح، فلا تبقى موليا عليها كالصبي العاقل إذا بلغ.

·  أن ولاية الإنكاح إنما ثبتت للأب على الصغيرة بطريق النيابة عنها شرعا، لكون النكاح تصرفا نافعا متضمنا مصلحة الدين والدنيا، وحاجتها إليه حالا ومآلا وكونها عاجزة عن إحراز ذلك بنفسها، وكون الأب قادرا عليه بالبلوغ عن عقل زال العجز حقيقة، وقدرت على التصرف في نفسها حقيقة، فتزول ولاية الغير عنها، وتثبت الولاية لها.

·  أن النيابة الشرعية إنما تثبت بطريق الضرورة نظرا، فتزول بزوال الضرورة، لأن الحرية منافية لثبوت الولاية للحر على الحر، وثبوت الشيء مع المنافي لا يكون إلا بطريق الضرورة، ولهذا المعنى زالت الولاية عن إنكاح الصغير العاقل إذا بلغ، وتثبت الولاية له.

الترجيح:

انطلاقا مما سبق من أدلة الفريقين، فإن القول الراجح الذي نراه، هو التوسط بينهما، وذلك باعتبار الولاية شرطا شكليا من شروط الزواج، ومعنى هذا القول أن الولاية ليست ركنا من أركان الزواج ـ على خلاف من يقول بذلك ـ لإمكان قيام الزواج شرعا بدونها، ولعدم توفر الأدلة القطعية الكافية لاعتبار ركنيتها، وللخلاف في أصل اعتبارها.

وليست كذلك شرط صحة للزواج، وقد استدل ابن رشد لذلك بقوله:(ولكن الذي يغلب على الظن أنه لو قصد الشارع اشتراط الولاية لبين جنس الأولياء وأصنافهم ومراتبهم، فإن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فإذا كان لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - تأخير البيان عن وقت الحاجة، وكان عموم البلوى في هذه المسألة يقتضي أن ينقل اشتراط الولاية عنه - صلى الله عليه وسلم - تواترا أو قريبا من التواتر...فقد يجب أن يعتقد أحد أمرين إما أنه ليست الولاية شرطا في صحة النكاح، وإنما للأولياء الحسبة في ذلك، وإما إن كان شرطا فليس من صحتها تمييز صفات الولي وأصنافهم ومراتبهم، ولذلك يضعف قول من يبطل عقد الولي الأبعد مع وجود الأقرب) [26]

وهي ليست ركنا ولا شرط صحة ـ أيضا ـ لأن بعض الأولياء يسيئ استخدام هذا الحق، فيستغل ولايته ليرمي موليته حيث شاء دون اعتبار لرغباتها.

ومع ذلك فإن عدم اعتبار الولي إطلاقا مناف للنصوص الكثيرة الدالة على ذلك، وفتح لباب عظيم من الفساد والانحراف في المجتمع، وتهديم لبنيان الأسرة المتماسك، وقد يتسبب عنه ضياع حقوق المرأة لعدم المطالب بها، وهو فوق ذلك إساءة لأوليائها الحريصين على مصالحها.

ولأجل هذه الاعتبارات، فإن القول الذي يمكن أن يجمع بينها جميعا هو اعتبار الولي شرطا شكليا للزواج، وآراء الفقهاء التفصيلية تكاد تقول بهذا القول، وقد كانت عائشة، رضي الله عنها، إذا هوى الفتى من بني أختها الفتاة من بني أخيها ضربت بينهما سترا وتكلمت , فإذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان , أنكح , فإن النساء لا ينكحن[27].

وقد عبر عن هذا الاشتراط الشكلي الشعبي عندما سئل عن رجل زوج أختا له بواسط فكرهت قال: هي أحق بنفسها قلت: إنه أخوها لأبيها وأمها قال: هي أحق بنفسها من أبيها إذا كرهت[28].

بل إن النصوص النبوية تدل على هذا النوع من الاشتراط فقد روي أن جارية بكرا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - [29]، وروي أن فتاة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم -  فقالت إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكني أردت أن أعلم أن أللنساء من الأمر شيئا[30].

وقد يستغرب هذا التعبير، فكيف يكون شرطا، ثم يكون شكليا؟

والإجابة عن هذا التساؤل يتضمنها هذا الفصل، فسنرى الكثير من الجوانب التي تجعل من هذا الشرط مجرد رسم من الرسوم يقصد منه إضفاء هيبة على هذا العقد الشرعي من غير أن يكون له تأثير على العقد نفسه، أو هو بتعبير آخر مجرد وكالة للمرأة صيانة لها عن محافل الرجال والشهود.

أثر الزواج بدون ولي:

اختلف الفقهاء القائلون باشتراط الولاية في الزواج، فيما لو صيرت المرأة أمرها إلى رجل وتركت أولياءها على قولين:

القول الأول: يفسخ الزواج، فإذا وقع الدخول وتطاول الأمر لم يفسخ، وهو قول مالك والليث بن سعد، واستدلوا على ذلك بأن الأمور إذا تفاوتت لم يرد منها إلا الحرام الذي لا شك فيه، ويشبه ما فات من ذلك بحكم الحاكم إذا حكم بحكم لم يفسخ إلا أن يكون خطأ لا يشك فيه، فأما ما يجتهد فيه الرأي وفيه الاختلاف فإنه لا يفسخ،ولا يرد من رأي إلى رأي.

قال ابن عبد البر: (وأما ما قال مالك: إن المرأة إذا تزوجت من غير ولي، ففسخه الحاكم أنها تطليقة، فإنما قال ذلك لما وصفنا أنه ليس يعلم حقيقة أنه حرام، ولو كان يعلم حقيقة أنه حرام لكان فسخا بغير طلاق) [31]

القول الثاني: أن النكاح بغير ولي مفسوخ أبدا قبل الدخول وبعده، ولا يتوارثان إن مات أحدهما، وهو مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن الولي من فرائض النكاح لقيام الدليل من الكتاب والسنة على أن لا نكاح إلا بولي.

·  أن المسلمين تتكافأ دماؤهم، وهكذا في سائر الأحكام، ليس في شيء منها فرق بين الوضيع والرفيع في كتاب ولا سنة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم الفسخ قبل الدخول وبعده إلا إذا كان في الزوج من خصال الكفاءة المذكورة سابقا ما لا تتمكن المرأة من العيش معه بسلام، أو تزوجها بتدليس وغرر كبير، فإن الزواج بهذه الحالة يفسخ، لحق الأولياء في موليتهم، ويتولى الفسخ الحاكم، ويستحسن أن لا يتم ذلك إلا بعد اقتناع المرأة بالعيوب التي يطالب على أساسها الأولياء بالتفريق، والأفضل في التفريق أن يكون فسخا لا طلاقا، للمبررات التي سنذكرها في محلها من هذه السلسلة.

التفريق بين الشريفة والدنيئة في أحكام الولاية:

اشتهر عن المالكية في الولاية التفريق بين الشريفة والدنيئة، حتى تصور البعض أن المالكية يشترطون الولاية في الشريفة دون الدنيئة[32]،ولم يرو ذلك عن مالك وإنما روى ابن القاسم أن الدنية التي ليس لها ولي بقرابة ولا ولاية يجوز أن يزوجها الأجنبي دون الإمام، وقد أنكر ابن الماجشون رواية ابن القاسم، وقال: إنما قال مالك ذلك في الأعجمية تعمد للرجل فيلي منها ما يلي من مولاته، لا بأس أن يعقد نكاحها بإذنها إذا لم يكن لها ولي، وأما ذات الحال والنسب فلا. [33]

وقد أنكر ابن حزم مثل هذه المقولة بقوله:(أما قول مالك فظاهر الفساد , لأنه فرق بين الدنية وغير الدنية , وما علمنا الدناءة إلا معاصي الله تعالى، وأما السوداء , والمولاة فقد كانت أم أيمن - رضي الله عنها - سوداء ومولاة , ووالله ما بعد أزواجه - صلى الله عليه وسلم -  في هذه الأمة امرأة أعلى قدرا عند الله تعالى وعند أهل الإسلام كلهم منها، وأما الفقيرة، فما الفقر دناءة , فقد كان في الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الفقير الذي أهلكه الفقر - وهم أهل الشرف والرفعة حقا - وقد كان قارون , وفرعون , وهامان: من الغنى بحيث عرف - وهم أهل الدناءة والرذالة حقا -، وأما النبطية: فرب نبطية لا يطمع فيها كثير من قريش ليسارها , وعلو حالها في الدنيا , ورب بنت خليفة هلكت فاقة وجهدا وضياعا) [34]

ولكن مراد المالكية من ذلك ليس تفضيلا للشريفة على غيرها كما تصوره ابن حزم، وإنما هو مجرد إجراء عملي لتيسير زواج غير المرغوب فيها، بخلاف المرغوب فيها، والتي تستدعي ضبطا أكثر لأمر الولاية في حقها، ولذلك فالأولى اجتناب هذا الاصطلاح لما يوحي به من تفريق بين المسلمين على أسس غير شرعية، أما المعنى فلا شك في صحته، وهو يخدم بذلك غير المرغوب فيها، أما المرغوب فيها، فلها من يتولى زواجها.

وقد كان الشافعي أقرب إلى فهم مراد مالك، وأبلغ في الرد عليه من ابن حزم في قوله:(السنة والآثار على كل امرأة، فمن أمركم أن تخصوا الشريفة بالحياطة لها واتباع الحديث فيها، وتخالفون الحديث عن النبي  - صلى الله عليه وسلم -  وعمن بعده في الدنية، أرأيتم لو قال لكم قائل: بل لا أجيز نكاح الدنية إلا بولي لأنها أقرب من أن تدلس بالنكاح، وتصير إلى المكروه من الشريفة التي تستحي على شرفها، وتخاف من يمنعها) [35] ثم عقب على ذلك بقوله:(فإن الخطأ في هذا القول لأبين من أن يحتاج إلى تبيينه بأكثر من حكايته)

وللإجابة على اعتراض الشافعي، ننقل بعض ما ذكره ابن عبد البر نقلا عن الإمام مالك توضيحا لمقصده من ذلك التفريق الذي أثار عليه الفقهاء: (في هذا الباب أقاويل يظن من سمعها أن بعضها يخالف بعضا، وجملة هذا الباب أن الله تبارك وتعالى أمر بالنكاح وحض عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجعل الله المؤمنين بعضهم لبعض أولياء، فقال تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾(التوبة:71)، والمؤمنون في الجملة هكذا يرث بعضهم بعضا، فلو أن رجلا مات لا وارث له، لكان ميراثه للمسلمين، ولو جنى جناية لعقل عنه المسلمون، ثم تكون ولاية أقرب من ولاية، وقرابة أقرب من قرابة، فإنما يجوز النكاح على جهته، وبمن هو أولى بالمرأة، وبمن لو تشاجروا وترافعوا إلى الحاكم لجعل أمر المرأة إلى ذلك الرجل، فإذا كانت المرأة بموضع لا سلطان فيه، ولا ولي لها، فإنها تصير أمرها إلى من يوثق به من جيرانها، فيزوجها ويكون هو وليها في هذه الحال، لأن الناس لا بد لهم من التزويج، وإنما يعملون فيه بأحسن ما يمكن)[36]

قال ابن عبد البر تعقيبا على ما نقله من قول مالك:(وعلى هذا قال مالك في المرأة الضعيفة الحال إنه يزوجها من تسند أمرها إليه، لأنها ممن تضعف عن السطان، وأشبهت من لا سلطان بحضرتها، ورجعت في الجملة إلى أن المسلمين أولياؤها، ولذلك قال مالك في المرأة التي لها أولياء، إنه يزوجها ذو الرأي منهم، وإن كان أبعد إليها من غيره، على ما قال عمر بن الخطاب:(لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان)،لأن ذلك وجه من وجوه إنكاحها، بل هو أحسنه، لأنه لو رفع إلى الحاكم أمرها لأسنده إلى ذلك الرجل) [37]

2 ـ أنواع الولاية

تنقسم الولاية المتعدية[38] إلى الأنواع التالية[39]:

النوع الأول ـ الولاية الاختيارية:

تعريفها:

وهي الولاية التي تمكن صاحبها من إنشاء عقد الزواج بناء على اختيار المولى عليه.

أسماؤها:

وقد اختلف الفقهاء في تسميتها:

الحنفية في الراجح من مذهبهم: يسمونها ولاية ندب واستحباب، لأنه يستحب للولي مباشرة العقد نيابة عن المولى عليه بعد أن يتم الاختيار من جهته، كما يستحب للمولى عليه أن يكل مباشرة العقد للولي، في الوقت الذي يصح له أن يباشره بنفسه.

المالكية: يطلقون عليها ولاية اختيار حيث لا جبر فيها على المولى عليه.

الشافعية: يسمونها ولاية شركة لاشتراك كل من الولي والمولى عليه في اختيار الزوج، فلا يتم العقد إلا بتلك المشاركة، ولا فرق بينهما إلا أن الشافعية يمنعون تولي المولى عليه العقد لأنه امرأة.

من تثبت له:

هذه الولاية تثبت لكل الأولياء عموماً لا فرق بين ولي وولي فلا يراعى الترتيب بين الأولياء فيها.

من تثبت عليه:

تثبت هذه الولاية ـ باتفاق الفقهاء ـ على المرأة البالغة العاقلة إن كانت رشيدة، لكنهم اختلفوا في قيود أخرى غير هذه القيود الثلاثة على قولين[40]:

القول الأول:  عدم اشتراط أي قيد آخر غير القيود الثلاثة سالفة الذكر، وهو مذهب الحنفية ووافقهم الحنابلة في إحدى الروايتين عندهم.

القول الثاني:  أن تكون ثيبا، فإن كانت بكراً فالولاية عليها إجبارية، وهو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة، ووافقهم المالكية في القول المشهور عندهم، فإنه ينص على أن البكر البالغة تثبت عليها ولاية الإجبار ولو بلغت ستين سنة أو أكثر.

الترجيح:

الأرجح هو أن للولاية نوع واحد هو الولاية الاختيارية، أما الولاية التي يفرض فيه الزوج على المرأة، أو تفرض الزوجة على الرجل، فإن ذلك لا يصح شرعا مهما كانت المرأة، وقد رأينا سابقا بعض أدلة ذلك.

النوع الثاني ـ الولاية الجبرية:

وهي الولاية التي تمكن صاحبها من إنشاء عقد الزواج استقلالا دون تدخل من المولى عليه،  وقد أطلق عليها بعض الفقهاء (ولاية استبدادية) لاستبداد الولي فيها إنشاء العقد دون مشاركة من المولى عليه.

من تثبت عليه:

وهي تثبت على الصغير والبكر الصغيرة والمجانين والمعاتيه ذكوراً وإناثاً إذا وجدت مصلحة في تزويجهم باتفاق أصحاب المذاهب الأربعة، واختلف في ثبوتها على الثيب الصغيرة والبكر البالغة العاقلة كما سنبين في المبحث الثالث.

3 ـ من تثبت له ولاية الإجبار

اتفق الفقهاء على ثبوت ولاية الجبر للأب[41] بدليل تزويج أبي بكر الصديق ابنته عائشة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وهي صغيرة.

وحكم الجدُّ كحكم الأب في كثير من الأحكام حيث يتصرف في مالها كالأب فيأخذ حكمه في ثبوت الولاية، ويقتصر على هذين لوفور شفقتهما التي لا تتوفر في غيرهما من العصبات.

واختلف الفقهاء فيمن عدا الأب والجد على ما يلي:

العصبات:

ذهب الحنفية إلى إثباتها للعصبات، واستدلوا بإجماع الصحابة، وبما روي عن علي - رضي الله عنه - (النكاح إلى العصبات فقد روى مرة موقوفاً عليه وأخرى مرفوعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولوجود الشفقة عند سائر العصبات غير أنهم لما كانوا مختلفين في قوة القرابة والشفقة اختلف الحكم في تزويجهم حيث يكون تارة لازماً، وأخرى غير لازم:

فيكون لازما في تزويج الأب والجد والابن بالكفء والمهر المناسب.

وفي تزويج غيرهم جعل للمولى عليه الخيار عند البلوغ إذا كان صغيراً أو الإفاقة إن كان مجنوناً ليتدارك الخطأ الذي يكون في تزويجهم.

الوصي:

ذهب المالكية والحنابلة في المشهور عندهم إلى إثباتها للأب ووصيه، لأن الوصي قائم مقام الأب واختياره يدل على ذلك، فإن الأب لا يختار وصياً لتزويج ابنته إلا إذا كان موفور الشفقة حريصاً على مصلحة ابنته.

غير أن المالكية يقيدون ولاية الإجبار للوصي بحالتي ما إذا عين الأب الزوج أو فوض له الأمر بأن يزوجها من يشاء، فإذا ملك الوصي الإجبار لا يزوجها إلا بمهر المثل وبالزوج الكفء بخلاف الأب فإنه يملك الإجبار مطلقاً.

عضل الولي للمولى عليها

ومن معاني جبر الولي موليته ما يسمى بالعضل، وهو ما سنتناول أحكامه فيما يلي[42]:

تعريف العضل:

لغة:  عضل الرجل حرمته عضلا - من بابي قتل وضرب - منعها التزويج , وعضل المرأة عن الزوج: حبسها , وعضل بهم المكان: ضاق , وأعضل الأمر: اشتد , ومنه: داء عضال أي شديد.

اصطلاحا[43]: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه.

حكم العضل:

يختلف حكم العضل باختلاف سببه، ومن أسباب العضل:

السبب الأول: قصد الإضرار المجرد بها، كأن يعضل الولي من له ولاية تزويجها عن الزواج بكفئها، وهو حرام باتفاق الفقهاء ; لأنه ظلم , وإضرار بالمرأة في منعها حقها في التزويج بمن ترضاه , وذلك لنهي الله تعالى عنه في قوله مخاطبا الأولياء: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ(البقرة:232)ومثله في التحريم أن يعضل الزوج زوجته , بمضارتها وسوء عشرتها والتضييق عليها حتى تفتدي منه بما أعطاها من مهر حرام ; لأنه ظلم لها بمنعها حقها من حسن العشرة ومن النفقة , وقد نهى الله سبحانه وتعالى الأزواج عن ذلك في قوله تعالى:﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (النساء:19)

السبب الثاني: مراعاة مصلحة المرأة، كأن تطلب المرأة النكاح من غير كفء , فيمتنع عن تزويجها لمصلحتها،ولا شك في إباحة هذا النوع من العضل، ومثله في الإباحة تضييق الزوج على زوجته حتى تفتدي منه بما أعطاها من مهر , وذلك في حالة إتيانها الفاحشة , للنص على  ذلك في الاستثناء الوارد في قوله تعالى:﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (النساء:19)

متى يعتبر الولي عاضلا:

اتفق الفقهاء[44] على أنه إذا دعت المرأة الولي إلى تزويجها من كفء[45], أو خطبها كفء,  وامتنع الولي من تزويجه دون سبب مقبول , فإنه يكون عاضلا، واختلفوا في اعتبار المهر في ذلك على قولين:

القول الأول: لا اعتبار للمهر في ذلك، فسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه , وهو قول الشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن المهر محض حقها وعوض يختص بها , فلم يكن للولي الاعتراض عليه.

·      أنها لو أسقطته بعد وجوبه سقط كله , فبعضه أولى.

القول الثاني: أن للمهر اعتبارا في ذلك، فلو امتنع عن تزيجها بسبب عدم المهر المثل، لا يعتبر عاضلا، وهو قول الحنفية[46].

الترجيح: الأرجح ـ فيما نرى ـ عدم اعتبار المهر سببا للعضل، لأنه حق للمرأة يجوز أن تتنازل على ما تشاء منه، فلا يصح عضلها عن الزواج بسببه، ولا يجوز للألياء التدخل بسبب المهر، لأنه حق مطلق للمرأة.

اختلاف المرأة ووليها في الاختيار:

اختلف الفقهاء فيما لو اختلفت المرأة ووليها في الاختيار، بأن دعت المرأة لكفء وأراد الولي تزويجها من كفء غيره على قولين:

القول الأول: كفء الولي أولى إذا كان الولي مجبرا, وهو قول المالكية والشافعية في الأصح، واستدلوا على ذلك بأنه أكمل نظرا منها , فإن لم يكن الولي مجبرا فالمعتبر من عينته.

القول الثاني: يلزم الولي إجابتها إلى كفئها إعفافا لها , فإن امتنع الولي عن تزويجها من الذي أرادته كان عاضلا، وهو قول الحنابلة ومقابل الأصح عند الشافعية، ورأي للحنفية.

الترجيح: الأرجح ـ فيما نرى ـ هو القول الثاني، لأن دور الولي ـ كما بينا سابقا ـ هو الوكالة عن المرأة في أمر تزويجها، وليس للوكيل أن يتصرف في غير الحدود التي رسمها له موكله.

اختلاف المرأة وزوجها في الإذن:

إذا اختلفت المرأة وزوجها في إذنها، فإن حكم ذلك يختلف بحسب الحالتين التاليتين[47]:

الحالة الأولى: حصول الاختلاف قبل الدخول:

اتفق الفقهاء على أن الثيب يقبل قولها ويرجح على وليها في حال الاختلاف قبل الدخول، واختلفوا في البكر على قولين:

القول الأول: أن القول قولها، وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا على ذلك بأنها منكرة الإذن , والقول قول المنكر , ولأنه يدعي أنها استؤذنت وسمعت فصمتت , والأصل عدم ذلك.  

القول الثاني: أن القول قول الزوج، وهو قول زفر، واستدل على ذلك بأنه متمسك بما هو الأصل، وهو السكوت والمرأة تدعي عارضا، وهو الرد فيكون القول قول من يتمسك بالأصل،مثل المشروط له الخيار مع صاحبه إذا اختلفا بعد مضي المدة فادعى المشروط له الخيار الرد وأنكره صاحبه فالقول قوله ; لتمسكه بالأصل وهو السكوت.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو قول الجمهور، لأن الأصل الشرعي هو أن تحل كل الخلافات قبل الدخول، فذلك أقل ضررا من حلها بعد الدخول بالطلاق أو الخلع، وما الظن بامرأة تساق إلى زوجها سوقا، أي منفعة له فيها، وأي منفعة لها فيه؟

الحالة الثانية: بعد الدخول:

إذا حصل الاختلاف بعد الدخول فإن القول قول الزوج; لأن التمكين من نفسها دليل على الإذن وصحة النكاح , فكان الظاهر معه، وقد اختلف الفقهاء في استحلاف المرأة للتأكد من صدق دعواها على قولين:

القول الأول:  أنه لا يمين عليها كما لو ادعى زوجيتها فأنكرته، وبه قال أبو حنيفة  والحنابلة، واستدلوا على ذلك بأنه اختلاف في الزوجية , فلا يثبت بالنكول , ولا يحلف المدعي معه , كما لو ادعى الزوج أصل التزويج فأنكرته.

القول الثاني: أنها تستحلف، وبه قال الشافعي , وأبو يوسف , ومحمد، وفي حال نكولها قال أبو يوسف , ومحمد: يثبت النكاح، وقال الشافعي: يستحلف الزوج , ويثبت النكاح.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو التحري واستعمال كل الوسائل للتحقق من صدق دعواها، لأن التمكين من نفسها ليلة البناء لا يكفي وحده للدلالة على موافقتها المسبقة على الزواج للظروف النفسية المرتبطة بذلك.

ومن الوسائل التي وضعها الشرع لذلك اليمين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:(لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) [48]،وقد بين - صلى الله عليه وسلم -   الحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -:(لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال أموالهم)، قال ابن حجر: الحكمة في ذلك لأن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر، فكلف الحجة القوية وهي البينة، لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا، فيقوى بها ضعف المدعي، وجانب المدعى عليه قوي، لأن الأصل أبرأ ذمته فاكتفى منه باليمين، وهي حجة كمال لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر[49].

ولكن اليمين هنا لا يحلفها الزوج فقط، فقد لا يكون عالما بإجبارها، فيحلف على ما يعلمه، بل يكون الحلف أو التحري مع الولي الذي عقد الزواج، ومع الشهود الذين حضروا العقد،  فإذا ثبت صدق دعواها بالتحري، فإنه يجعل لها الخيار في فسخ زواجها أو الاستمرار عليه.

4 ـ من تثبت له الولاية المتعدية

سنتناول في هذا المبحث من تثبت لهم الولاية المتعدية، بحسب مراتبهم، واختلاف الفقهاء في ذلك، ثم شروط هؤلاء الأولياء[50].

أولا: مراتب الأولياء:

يمكن تصنيف مراتب الأولياء بحسب استحقاقهم للولاية للجهات التالية:

الجهة الأولى ـ العصبات:

وتشمل أقارب المولى عليه الذكور، والذي لم يدلوا إليه بأنثى مثلما هو الحال في العصبات في المواريث، وقد اختلف الفقهاء في بعض هؤلاء العصبات، وتفاصيل الاختلاف في ذلك فيما يلي:

الأب:اتفق الفقهاء على اعتبار الأب من الموالي المقربين، ولكنهم اختلفوا في ترتيبه مع الابن على قولين:

القول الأول: أولى الناس بتزويج المرأة أبوها, ولا ولاية لأحد معه، وهو قول الشافعي، وهو المشهور عن أبي حنيفة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس، والولد كما نص الكتاب والسنة موهوب لأبيه , كما قال الله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾(ص:30)، وقالتعالى:﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾(العنكبوت:27)وقال زكريا - عليه السلام - :﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾ِ(آل عمران: 38)، وقال إبراهيم - عليه السلام -:﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ﴾ (الصافات:100)، وقال - صلى الله عليه وسلم -:( أنت ومالك لأبيك([51]

·      أن الأب أكمل نظرا , وأشد شفقة , فوجب تقديمه في الولاية , كتقديمه على الجد.

·  أن الأب يلي ولده في صغره وسفهه وجنونه , فيليه في سائر ما ثبتت الولاية عليه فيه , بخلاف ولاية الابن.

·      أن الولاية احتكام , واحتكام الأصل على فرعه أولى من العكس.

·  أن الميراث يختلف عن الولاية في عدم اعتبار النظر , ولهذا يرث الصبي والمجنون وليس فيه احتكام ولا ولاية على الموروث , بخلاف الولاية.

القول الثاني: إن الابن أولى، وهو قول مالك والعنبري , وأبي يوسف , وإسحاق , وابن المنذر، وهو رواية عن أبي حنيفة، واستدلوا على ذلك بأنه أولى منه بالميراث , وأقوى تعصيبا , ولهذا يرث بولاء أبيه دون جده.

الترجيح:

ليس هناك أي دليل على ترجيح أحدهما في هذه المسألة بعينه، ولا عبرة في الاستدلال على ذلك بالميراث، لأن محل التقديم في الميراث هو الحاجة والمسؤولية، لا القرب، فحق الأم في البر أعظم من حق الأب، ومع ذلك ترث دونه، وليس هناك دليل أيضا على أن الولاية في الزواج للأقرب فالأقرب، فيبنى الأمر على أساسها.

أما ما ذكره أصحاب القول الأول من أن الولاية احتكام، فليس في الولاية أي احتكام، لأن دور الولي ـ كما بينا ـ هو دور الوكيل خاصة إذا كانت الزوجة ـ كما في هذه المسألة ـ ثيبا، وقد أصاب أصحاب هذا القول في اعتبار شفقة الأب ونظره، ولكن الشفقة والنظر قد تكون في الابن ولا تكون في أبيه، وقد تكون في قريب آخر، فلماذا لا تعتبر الشفقة والنظر هي علة التقديم لا كونه أبا أو ابنا؟

ولذلك، فإن الأرجح ـ فيما نرى ـ هو أن يوكل في الولاية أشفق الأقارب وأحرصهم على مصلحة المرأة، مهما كانت درجة قرابتهم، فإن اختلفوا في ذلك، أو كان ذلك سببا لتنازعهم، وكل الاختيار للمرأة لتوكل من يتولى أمر زواجها.

وللقرافي كلام جيد في هذا بين من خلاله العلل في اعتبار الولايات وتقديمها، اعتبر فيه أن القاعدة الشرعية في الولاية هي (أنه يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها ولذلك قدم في القضاء من هو أيقظ وأكثر تفطنا لوجوه الحجاج وسياسة الخصوم وأضبط للفقه ويقدم في الحروب من هو أعرف بمكايد الحروب وسياسة الجند والجيوش. ويقدم في الفتيا من هو أورع وأضبط لمنقولات الفقه، وفي أمانة الحكم على الأيتام من هو أعرف بتنمية الأموال وأعرف بمقادير النفقات والكلف والجدال في الخصام ليناضل عن الأيتام، ويقدم في سعاية الزكاة من هو أعرف بنصبها والواجب فيها وأحكام الزكاة من الاختلاط والافتراق وأقوى خرصا للثمار([52]

وذكر تطبيقا لهذا القاعدة وهو في نفس الوقت من أقوى الأدلة على صحتها، أنه ربما كان المقدم في باب مؤخرا في باب آخر كما قدم الرجال في الحروب والإمامة وأخروا في الحضانة، وقدم النساء عليهم بسبب مزيد شفقتهن وصبرهن على الأطفال فكن لذلك أكمل في الحضانة من الرجال، فإن مزيد إنفاقهم يمنعهم من تحصيل مصالح الأطفال،  فلهذه القاعدة قدم الابن على غيره فإنا نعلم بالضرورة أن ابن الإنسان أشفق عليه من ابن عمه لا سيما إذا بعد ويقدم كل ولي على غيره من الأولياء إذا كانت صفته أقرب وحاله على حسن النظر أكثر من غيره فيقدم لذلك.

الجد: وإن علت درجته وقد اختلف الفقهاء في ترتيب الجد على الأقوال التالية:

القول الأول: هو أحق بالولاية من الابن وسائر الأولياء، وهو قول الشافعي.

القول الثاني: أن الابن مقدم على الجد، وهو قول مالك ورواية عن أحمد.

القول الثالث: أن الأخ يقدم على الجد، وهو قول مالك ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بأن الجد يدلي بأبوة الأب , والأخ يدلي بالبنوة , والبنوة مقدمة.

القول الرابع: أن الجد والأخ سواء، وهو رواية عن أحمد، واستدل على ذلك بما يلي:

·   استوائهما في الميراث بالتعصيب , واستوائهما في القرابة , فوجب أن يستويا في الولاية كالأخوين , ولأنهما عصبتان لا يسقط أحدهما بالآخر , فاستويا في الولاية كالأخوين. 

·      أن الجد له إيلاد وتعصيب , فيقدم عليهما , كالأب.

·      أن الابن والأخ يقادان بها , ويقطعان بسرقة مالها , والجد بخلافه.

·  أن الجد لا يسقط في الميراث إلا بالأب , والأخ يسقط به وبالابن وابنه , وإذا ضاق المال, وفي المسألة جد وأخ , سقط الأخ وحده , فوجب تقديمه عليهما كالأب.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من إيكال الأمر إلى المرأة، وإلى شفقة القريب ونظره، وفي هذه المسألة بعينها نرى أن الأولى ـ في الحالة العامة ـ تقديم الأخ على الجد في التعرف على الخاطب والموافقة عليه، فالأخ أقرب سنا من أخته، وعلمه بمصالحها وحاجتها قد يكون أوفر من علم الجد ونظره.

لكنه من الناحية الشكلية يستحب تقديم الجد عند إجراء العقد، من باب توقير الكبير الذي أمرنا به، فقد خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا، فدفنه،ثم أقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل، وكان أصغر القوم، فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(كبر الكبر في السن)، فصمت فتكلم صاحباه وتكلم معهما، فذكروا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -  مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم: أتحلفون خمسين يمينا، فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم، قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار،فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى عقله[53]، ووجه الاستدلال بالحديث واضح حيث نهى الصغار عن الحديث قبل الكبار.

وقد جاء شيخ يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:(ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) [54]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) [55]

وهذا من النواحي الإيجابية التي لا نزال نراها في مجتمعاتنا حيث يتولى العقد الكبير في السن، ولاية أو وكالة، وهو ما يرغب الشرع في المحافظة عليه، فلا خير في مجتمع يعزل كباره، ولا خير كذلك في مجتمع يتسلط كباره على صغاره.

الفروع:

وهم الأبناء وأبناؤهم وإن نزلوا، واختلف في اعتبارهم في الولاية على قولين:

القول الأول: عدم صحة ولايتهم على الأم إلا أن يكون حاكما , فيلي بذلك , لا بالبنوة، وهو قول الشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية: (أيما امرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل) [56]، والابن لا يسمى مولى.

·  أنه يدلي بها فلا يزوجها كتزويجها لنفسها فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل ولما أدلى بها صار في معناها.

·      أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية، فلا تصح منه كابن الخال مع الخال.

القول الثاني: صحة ولايتهم على الأم، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  ما روت أم سلمة رضي الله عنها (أنها لما انقضت عدتها , أرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يخطبها , فقالت: يا رسول الله: ليس أحد من أوليائي شاهدا، قال: ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك. فقالت: قم يا  عمر , فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجه) [57]

·  أن المولى له معان كثيرة في لسان العرب، منها الناصر لقوله تعالى:﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾(التحريم:4)، أي ناصره ومنه قوله تعالى:﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾(محمد: 11) أي لا ناصر لهم وهو كثير، والابن ناصر أمه فيكون هو مولاه.

·  أن الولاية من القرب لقول العرب: هذا يلي هذا أي يقرب منه، وابنها أقرب إليها من غيره، لأنه جزؤها وجزء الشيء أقرب إليه من الأمور الخارجة عنه.

·      قوة عقله الناشئة عن الذكورية وضعف عقلها الناشئ عن الأنوثة.

·  أنه جزء منها فيتعلق به عارها بخلاف أبيه وابن الخال، فإن ابن الخال بعيد عنها لا تسيئه فضيحتها كما تسيئ ابنها، بل يجب أن يكون الابن مقدما على جميع الأولياء لأنه جزؤها وجزؤها أمس بها من الأمور الخارجة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ثبوت ولاية الابن على أمه للعل التي ذكرناها سابقا، وحديث أم سلمة صريح في ذلك، ولا يصح الاستدلال بلفظ (الموالي)، فهو يحتمل الدلالة على ما ذكروا احتمالا بعيدا، فقد يكون الراوي نقله بالمعنى، وفي حال ضبط نقله فإنه ليس هناك دليل شرعي على أن الابن لا يكون مولى على أمه، وقد قال تعالى:﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾(التحريم:4)

أما قياس الابن على ابن الخال بجامع أن كليهما لا ولاية لأبيه، فهو قياس مع الفارق، ولا قياس مع النص، ثم ما الدليل على حجب ابن الخال من الولاية إن كان أهلا لها؟

فروع الأبوين من الذكور:

وهم الاخوة سواء كانوا أشقاء أو لأب وأبناؤهم وإن نزلوا بالترتيب التالي:

الإخوة الأشقاء والإخوة لأب: اختلف الفقهاء في تقديم الإخوة الأشقاء على الإخوة لأب على قولين[58]:

القول الأول: الأخ الشقيق أولى، وهو قول أبي حنيفة , ومالك , والشافعي في الجديد ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بأنه حق يستفاد بالتعصيب , فقدم فيه الأخ من الأبوين , كالميراث وكاستحقاق الميراث بالولاء , فإنه لا مدخل للنساء فيه , وقد قدم الأخ للأبوين فيه.

القول الثاني: أنهما سواء في الولاية، وهو قول أبي ثور , والشافعي في القديم ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   أنهما استويا في الإدلاء بالجهة التي تستفاد منها العصوبة , وهي جهة الأب , فاستويا في الولاية , كما لو كانا من أب.

·  إنما يرجح الأخ لأب في الميراث بجهة الأم , ولا مدخل لها في الولاية , فلم يرجح بها , كالعمين أحدهما خال , وابني عم أحدهما أخ من أم.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو استواء الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأب في الولاية، لأن الشرع لم يفرق بينهم إلا في المواضع التي تستدعي ذلك كالميراث، ولذلك اعتباراته الخاصة، فلا يصح أن نعمم ذلك في الجوانب الأخرى، لأن باب الولاية يختلف اختلافا كليا عن باب الفرائض.

أبناء الإخوة، ثم أولادهم وإن سفلوا: اتفق الفقهاء على أن ترتيبهم وترتيب من بعدهم مثل ترتيب العصبات في الميراث.

فروع الأجداد:

وهم الأعمام وأبناؤهم، وإن سفلوا , ثم عمومة الأب، وقد اتفق الفقهاء على هذا الترتيب،ولكنهم اختلفوا في إجبار العم لموليته - بنت أخيه – على الزواج على قولين:

القول الأول: أن العم ليس له حق إجبار موليته، فلا يزوج صغيرة بحال سواء كانت بكرا أو ثيبا، وسواء كانت عاقلة أو مجنونة , ولا يزوج كذلك كبيرة مجنونة سواء كانت بكرا أو ثيبا، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.

القول الثاني: أن للعم ولغيره من الأولياء العصبة بأنفسهم إجبار الصغيرة سواء أكانت بكرا أم ثيبا عاقلة أو مجنونة , كما أنه له إجبار الكبيرة سواء كانت بكرا أو ثيبا إذا كانت مجنونة أو معتوهة , ومثل الصغيرة عندهم الولد الصغير، وكذا الكبير المجنون فللعم إجبارهما , وهو قول  الحنفية والأوزاعي والحسن وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاووس وقتادة وابن شبرمة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم صحة إجبار أي كان على الزواج، حتى لو كان صغيرا أو مجنونا، وللإجبار محل واحد هو العضل عن الزواج بمن لا تتوفر فيه شروط الكفاءة، ولا يكون إلا بشروط نبينها في محلها.

ثانيا ـ أصحاب الولاية من غير العصبة:

وتثبت الولاية في غير العصبة للأصناف التالية:

ذوو الأرحام:

وهم أخو الأم، وعم الأم، وجد الأم، وبنو الأخوات والبنات والعمات، ونحوهم ممن يدلي بأنثى، وقد اختلف الفقهاء في ولايتهم عقد الزواج على قولين:

القول الأول: أن ذوي الأرحام لا يلون عقد الأنكحة، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بأن الولاء شرع لحفظ النسب، فلا يدخل فيه إلا من يكون له نسب، حتى تحصل الحكمة لمحافظته على مصلحة نفسه، فذلك يكون أبلغ في اجتهاده في نظره في تحصيل الأكفاء ودرء العار عن النسب.

القول الثاني: أن ذوي الأرحام يلون عقد الأنكحة في حال عدم أقارب الورثة من أصحاب الفروض وذوي الأرحام، وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة ونص عليه أحمد في مواضع،قياسا على حقهم في الميراث.

الترجيح:

بناء على الاعتبارات التي سبق ذكرها، فإن الأرجح تولي ذوي الأرحام العقد، لوجود قرابتهم بمن يتولون الولاية عليها، بل قد يكونون أولى من غيرهم، فالخال ـ مثلا ـ أقرب قرابة من ابن العم، فكيف يقدم ابن العم عليه.

أما اعتبار حرص العصبات علىالنسب، فقد بينا في فصل الكفاءة عدم صحة اعتبار الكفاءة في النسب، فكيف نفرق بين الأقارب الذين أمرنا شرعا بوصلهم سواء كانوا من جهة الأم أو من جهة الأب، لأجل الحفاظ على الأنساب التي نهينا شرعا، وفي قطعيات الدين قبل ظنياته، على اعتبارها أساسا للتفريق بين البشر، فكيف بالتفريق بين المسلمين، بل بين أفراد الأسرة الواحدة.

أما اعتبار درجاتهم في الإرث، فالمقاصد الشرعية من مراتب الورثة تختلف عن مقاصده من مراتب الولاية، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر.

ولذلك فإن الأرجح هو جعل الأمر للمرأة لتختار من يتولى العقد نيابة عنها، بدون تفريق في ذلك بين أن يكون من العصبات أو من ذوي الأرحام.

المولى المنعم:

اتفق الفقهاء على أن المرأة إذا لم يكن لها عصبة من نسبها , أن مولاها يزوجها , فإن عدم المولى , أو لم يكن من أهل الولاية , كالمرأة والطفل والكافر, فعصباته الأقرب منهم فالأقرب , على ترتيب الميراث , ثم مولى المولى , ثم عصباته من بعده , كالميراث تماما، فإن اجتمع ابن المعتق وأبوه , فالابن أولى ; لأنه أحق بالميراث وأقوى في التعصيب , وإنما قدم الأب المناسب على الابن المناسب لزيادة شفقته وفضيلة ولادته , وهذا معدوم في أبي المعتق , فرجع به إلى الأصل.

الحاكم:

اتفق الفقهاء على أن للحاكم ولاية تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم، وسبب ولايته هو  الإمامة،ويشترط لولايته شرطان:

الشرط الأول: أن لا يكون هناك ولي أصلا، لقوله- صلى الله عليه وسلم -:(السلطان ولي من لا ولي له) [59]

الشرط الثاني: العضل من الولي ; لأن الحرة البالغة العاقلة إذا طلبت الإنكاح من كفء وجب عليه التزويج منه ; لأنه منهي عن العضل , والنهي عن الشيء أمر بضده، فإذا امتنع فقد أضر بها والإمام نصب لدفع الضرر فتنتقل الولاية إليه، ولا بأس أن ننقل هنا هذين النصين عن الإمام مالك لنرى مدى رعاية المقصد من الولاية دون الانشغال عنه بجزئيات الفروع.

فقد سئل الإمام مالك: أرأيت البكر إذا خطبت إلى أبيها فامتنع الأب من إنكاحها أول ما خطبت إليه , وقالت الجارية وهي بالغة: زوجني فأنا أحب الرجال , ورفعت أمرها إلى السلطان، أيكون رد الأب الخاطب الأول إعضالا لها، وترى للسلطان أن يزوجها إذا أبى الأب؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا إلا أني أرى إن عرف عضل الأب إياها وضرورته إياها لذلك، ولم يكن منعه ذلك نظرا إليها رأيت السلطان إن قامت الجارية بذلك، وطلبت نكاحه أن يزوجها السلطان إذا علم أن الأب إنما هو مضار في رده وليس بناظر لها ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ضرر ولا ضرار)، وإن لم يعرف فيه ضررا لم يهجم السلطان على ابنته في إنكاحها حتى يتبين له الضرر) [60]

وسئل في موضع آخر: أرأيت إن كانت ثيبا فخطب الخاطب إليها نفسها , فأبى والدها أو وليها أن يزوجها فرفعت ذلك إلى السلطان، وهو دونها في الحسب والشرف إلا أنه كفء في الدين فرضيت  به وأبى الولي؟ قال: (يزوجها السلطان ولا ينظر إلى قول الأب والولي إذا رضيت به وكان كفؤا في دينه) [61]

ومن هنا نرى محل الولاية العامة من الدين، فهي لا تكتفي بالمصالح العامة للمسلمين، بل تتدخل في المصالح الخاصة للأفراد لترعى حاجاتهم، وترعى ما يحبون وما يكرهون،وما أجمل تلك الصراحة التي يفيض بها كتاب في الفقه عندما يقول:(وقالت الجارية، وهي بالغة: زوجني فأنا أحب الرجال)، ولو قيلت هذه العبارة اليوم أمام بعض المتزمتين لملأ الدنيا صراخا عن الوقاحة وقلة الحياء.

وقد استدل الفقهاء على صحة ولاية الحاكم بما يلي:

·      قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(فالسلطان ولي من لا ولي له) [62]

·  أن الذي زوج أم حبيبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو النجاشي في أرض الحبشة وأمهرها من عنده، وتزويج النجاشي لها حقيقة، فإنه كان مسلما، وهو أمير البلد وسلطانه. وقد تأول بعض العلماء ذلك على أنه ساق المهر من عنده، فأضيف التزويج إليه، وتأوله بعضهم على أنه كان هو الخاطب، والذي ولي العقد عثمان بن عفان، وقيل: عمرو بن أمية الضمري، قال ابن القيم: (والصحيح أن عمرو بن أمية كان وكيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك بعث به النجاشي يزوجه إياها، وقيل الذي ولي العقد عليها خالد بن سعيد بن العاص ابن عم أبيها) [63]

·  أن للسلطان ولاية عامة بدليل أنه يلي المال , ويحفظ الأعراض , فكانت له الولاية في النكاح كالأب.

الوصي:

اختلف الفقهاء في ثبوت الولاية للوصي على قولين:

القول الأول: صحة ثبوتها له، وهو قول المالكية مطلقاً والحنابلة في رواية.

القول الثاني: عدم صحة ثبوتها له،وهو قول الحنفية والشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن في إجازة تزويج الوصي إبطال للأولياء، إذا كان الأولياء أهل النسب.

·  أنه لا يصح اعتبار ذلك نيابة على الميت لأن الميت لا ولاية له على حي فكيف  يلي بولاية الميت.

الترجيح:

نرى أن الأرجح هو قبول ولاية الوصي، مع مراعاة الاعتبارات السابق ذكرها، وأهمها قبول المرأة ولايته عليها.

من أسلمت المرأة على يديه:

اختلف الفقهاء في تولي من أسلمت المرأة على يديه أمر تزويجها على قولين:

القول الأول: أنه ليس له ذلك، بل ذلك للحاكم، وهو قول الجمهور، لأنه ليس من عصبتها , ولا يعقل عنها , ولا يرثها , فأشبه الأجنبي.

القول الثاني: أنه يستطيع أن يلي أمر تزويجها كعصبتها، وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد، وكان الحسن لا يرى بأسا أن يزوجها نفسه، استدلالا بما روى عن تميم الداري - رضي الله عنه -  أنه قال: يا رسول الله , ما السنة في الرجل يسلم على يد الرجل من المسلمين؟ قال: هو أولى الناس بمحياه ومماته[64].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني، لا للحديث الوارد فيها، فقد قيل بضعفه، وعدم انتهاضه دليلا، ولكن لأجل المصلحة التي تنجر عن ذلك سواء للمرأة أو لمن دعاها إلى الإسلام.

أما المرأة، فإن الذي قدر على إقناعها بالإسلام أعرف الناس بها، وأحرصهم على مصلحتها وثباتها على الإسلام، بخلاف الحاكم الذي قد لا يدرك ذلك من المرأة.

أما الرجل، فهو جزاء له على هذا العمل العظيم الذي هو الدعوة لله تعالى، وقد أمرنا شرعا بإنزال الناس منازلهم، والاعتراف بفضائل أعمالهم، والسنة النبوية المطهرة مملوءة بالآثار التي تثبت ذلك.

جماعة المسلمين:

إن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان تولى تزويجها جماعة المسلمين، بأن تأذن لواحد منهم أو جماعة أن يتولوا ذلك، لأن اشتراط الولي هاهنا يمنع النكاح بالكلية , فلم يجز , كاشتراط المناسب في حق من لا مناسب لها.

ولا نرى ضرورة الترتيب بين الحاكم وجماعة المسلمين، خاصة في واقعنا الذي نعيشه، فيمكن لجماعة المسلمين أن تنوب عن الحاكم في هذا الأمر خاصة عند عجز المرأة عن الذهاب للحاكم، أو عدم وجود الحاكم الذي تتوفر فيه الخصائص الشرعية، أو عدم تفرغه لمثل هذه الأمور.

ويمكن لجماعة المسلمين أن تكون لجنة مختصة بذلك ممن تتوفر فيهم الشروط الشرعية للقيام بهذا العمل، أو تكون جمعية تهتم بأمور الزواج، فتلجأ إليها النساء في حال انعدام الولي أو عضله أو عدم اهتمامه بحاجات موليته، مع اشتراط العدالة التامة في أفراد هذه الجمعية التي تنوب عن الحاكم في النظر في أهم شؤون المسلمين من أعراضهم وأسرهم.  

الوكيل:

اتفق الفقهاء على جواز توكيل كل ولي ممن سبق ذكرهم، من يقوم مقامه سواء كان الولي حاضرا أو غائبا، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة , ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة، ولأنه عقد معاوضة , فجاز التوكيل فيه كالبيع، وسنرى تفاصيل أحكام الوكالة في محلها من المبحث الرابع من هذا الفصل.

5 ـ آثار الترتيب بين الأولياء

بناء على ما سبق ذكره من الترتيب بين الأولياء وخلاف العلماء في ذلك، فقد ذكر العلماء بعض المسائل تترتب عن ذلك الترتيب نلخصها فيما يلي[65]:

الافتيات في الولاية:

اختلف الفقهاء في حكم الافتيات[66] في الولاية، وهو تزويج المرأة وليها الأبعد مع وجود الولي الأقرب، الذي هو الأحق بولاية العقد على قولين:

القول الأول: يصح العقد برضاها بالقول دون السكوت، وهو قول الحنفية[67] والمالكية, وزاد المالكية شرطا آخر , وهو ألا يكون الأقرب غير مجبر[68] , فإن كان الأقرب مجبرا كالأب فإنه لا يصح العقد، واستدلوا على ذلك بأن هذا ولي له أن يزوجها بإذنها كالأقرب.

القول الثاني: لا يصح العقد مطلقا،وهو قول الشافعية والحنابلة والظاهرية،وقول المالكية إن كان الولي المفتات عليه مجبرا، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   أنه لو جاز إنكاح الأبعد مع وجود الأقرب لجاز إنكاح كل من على وجه الأرض لأنه يلقاها بلا شك في بعض آبائها.

·      أن الأبعد كالأجنبي عند حضرة الأقرب فيتوقف عقده على إجازة الولي.

·  إن هذا مستحق بالتعصيب فلم يثبت للأبعد مع وجود الأقرب كالميراث وبهذا فارق القريب البعيد.

الترجيح:

نص الفقهاء على هذه المسألة بناء على ما سبق ذكره من الترتيب بين الأولياء، وقد ذكرنا أن الأساس في هذا الترتيب هو قياسهم الولي في الزواج على الورثة في الفرائض، بدليل عزل ذوي الأرحام عن الولاية، ولا يصح هذا القياس لعدم الاشتراك في العلة.

لذلك ذكرنا أن أحقية الولاية تترتبط ارتباطا كبيرا باختيار المرأة المتولى عليها، فلا يصح أن يتولى عليها من لا ترغب في ولايته، أو من تعتقد أنه يصيبها ضرر بولايته، ولهذا أقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة عندما قالت لابنها: (يا عمر، قم فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزوجه) [69]، فالفقهاء نظروا إلى هذا الحديث من باب قرب الولي وأحقيته في الترتيب، ولكن الحديث يحتمل نظرة أخرى، وهي أن المتولى عليها هي التي اقترحت، أو بالاصطلاح الحديث رشحت من يتولى عليها، فلا يصح أن نطلب الشورى في الولاية العامة، ونرفضها في الولاية الخاصة.

تزويج الأبعد عند غياب الأقرب:

اختلف الفقهاء في تولي الأبعد أمر التزويج عند غياب الأقرب على القولين التاليين:

القول الأول: إن كان الأقرب غائبا غيبة منقطعة فللأبعد أن يزوجها، وهو قول الحنفية[70]، واستدلوا على ذلك بأن الغاية من الولاية هي النظر للمولى عليه حتى لا يثبت إلا على من هو عاجز عن النظر لنفسه، وجعل الأقرب مقدما; لأن نظره لها أكثر لزيادة القرب , ثم النظر لها لا يحصل بمجرد رأي الأقرب، بل رأي حاضر منتفع به , وقد خرج رأيه من أن يكون منتفعا به في هذه الحال بهذه الغيبة، فالتحق بمن لا رأي له أصلا كالصغير والمجنون، ورأي الأبعد خلف عن رأي الأقرب.

القول الثاني: لا يزوجها أحد حتى يحضر الأقرب،وهو قول زفر، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن الأبعد محجوب بولاية الأقرب وولايته باقية بعد الغيبة إذ لا تأثير للغيبة في قطع الولاية.

·  أن الولاية من حق الولي ليطلب به الكفاءة فلا يبطل شيء من حقوقه بالغيبة, والدليل عليه أنه لو زوجها حيث هو جاز النكاح فدل أن ولاية الأقرب باقية.

·      أن ولاية السلطان متأخرة عن ولاية الأبعد فإذا لم تثبت الولاية للأبعد فالسلطان أولى بخلاف ما إذا عضلها ; لأنه ظالم في الامتناع من إيفاء حق مستحق عليه فيقوم السلطان مقامه في دفع الظلم.

القول الثالث: أن يزوجها في هذه الحالة السلطان، وهو قول الشافعية ووالمالكية[71]، واستدلوا على ذلك بأنه إذا تعذر عليها الوصول إلى حقها من جهة الأقرب مع بقاء ولايته، يزوجها السلطان كما لو عضلها الأقرب.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول، أي أن غيبة الولي الأقرب الطويلة تخول لموليته اختيار من ينوب عنه في الولاية، سواء كان الحاكم أو جماعة المسلمين أو غيرهم، لأن مصلحة تزويج المرأة من الكفء إذا حضر أهم من رعاية أولوية الأولياء.

ولهذا يستغرب قول زفر، ويستغرب كذلك أن يحصل الخلاف عند المالكية في هذه المسألة، وهي كما نص عليها صاحب مواهب الجليل: (إذا غاب الأب غيبة انقطاع، فإن كانت حياته معلومة ومكانه معروفا إلا أن استئذانه يتعذر، وهي بالغة،فاختلف في جواز نكاحها، فقال مالك: يزوجها الإمام إن رفعت إليه،وقال عبد الملك: لا يجوز إنكاحها في حياة الأب بوجه، وقال ابن وهب: إن قطع عنها النفقة جاز إنكاحها برضاها، وإن أكرهها لم يجز) [72]

فإن مالكا في هذه المسألة اعتبر طول غيبة الأقرب ضررا بها فقاسه على ما لو عضلها، لأن كلا الأمرين نتيجته واحده، فسواء عليه أن يعضلها بوجوده أو يعضلها بفقده مع اشتراط وجوده، وهي نظرة مصلحية ثاقبة.

أما ربط ذلك بالنفقة، فإنه لا يصح اعتبار النفقة هي الحاجة الوحيدة للإنسان، فالزواج من حاجاته، والمرأة إذا ضيعت الكفء، الذي قد لا تظفر به بعد حضور وليها، أضر عليها من عدم النفقة.

ومثل هذه المسألة ما لو كان الأب أسيرا أو فقيدا، فقد حصل الخلاف فيها بين المالكية كما سبق بيانه فقيل: إن الإمام يزوجها إذا دعت إلى ذلك، وإن كانت في نفقته وأمنت عليها الضيعة، وهو فهم صحيح لحاجات المرأة، وقيلت أقوال أخرى فيها ضرر على المرأة منها قول عبد الملك أنه ليس لهم ذلك إلا بعد أربع سنين من يوم فقده، وقول أصبغ: لا تزوج بحال، ولسنا ندري الأسس التي يقوم عليها هذا القول الذي يحكم على امرأة بعدم الزواج الذي قد يكون واجبا في حقها، لغيبة شرط من الشروط، نص أكثر الفقهاء، ونصت أكثر الأدلة على شكليته.

اشتراك الأولياء في الدرجة:

اختلف الفقهاء فيما إذا اجتمع  للمرأة اثنان أو أكثر من الأولياء المتساوين في جهة القرابة والدرجة والقوة كالإخوة الأشقاء , أو الأب والأعمام واختلفوا فيما بينهم , فطلب كل منهم أن يتولى العقد، وحكم هذه المسألة يتجلى من خلال الحالتين التاليتين:

الحالة الأولى ـ عند اتحاد الخاطب:

اختلف الفقهاء في حالة اتحاد الخاطب على الأقوال التالية:

القول الأول: يقرع بينهم قطعا للنزاع , ولتساويهم في الحق،  وتعذر الجمع بينهم , فمن خرجت قرعته زوج، فإن سبق غير من خرجت له القرعة فزوج , وقالت: أذنت لكل واحد منهم صح التزويج،وهوقول الشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أنه صدر من ولي كامل الولاية بإذن موليته فصح منه , كما لو انفرد بالولاية.

·      أن القرعة شرعت لإزالة المشاحة لا لسلب الولاية.

القول الثاني: ينظر الحاكم فيمن يراه أحسنهم رأيا ليتولى العقد، وهو قول المالكية.

القول الثالث: يكون لكل واحد منهم أن يتولى العقد ويزوج , رضي الآخر أو سخط , إذا كان التزويج من كفء وبمهر المثل.

الترجيح:

نرى أن الأرجح هو القول الثالث بشرط قبول المرأة بولاية من يتولى عليها، فإن خشي أن يتعسف الأولياء في استعمال هذا الحق، فالأولى الأخذ بالقول الثاني، فيتولى الحاكم أو جماعة المسلمين ما يرونه من الولاية عليها، أو اختيار من يتولى عليها، أما القرعة فلا نرى لها محلا هنا، لأن المتنازع عليه، وهو الولاية على المرأة، موجود، يمكنه أن يفصل في الأمر وهو واع عاقل بدل القرعة التي لا تعي ولا تعقل.

الحالة الثانية: عند تعدد الخطاب:

نص الحنفية على أن التزويج في هذه الحالة لمن ترضاه المرأة ; لأن لها الحق عندهم أن تزوج نفسها من كفء إذا كانت بالغة رشيدة , ولا يزوجها إلا الولي الذي ترضاه بوكالة.

فإن لم تعين المرأة واحدا من المستوين درجة وقرابة , وأذنت لكل منهم بانفراده , أو قالت: أذنت في فلان , فمن شاء منكم فليزوجني منه , صح التزويج من كل واحد منهم ; لوجود سبب الولاية في كل واحد منهم كما يقول الجمهور.

تولي الولي طرفي العقد:

وصورة ذلك[73] أن تكون للولي ولاية من الجانبين , سواء كانت ولايته أصلية, كالولاية الثابتة بالملك والقرابة , أو دخيلة كالولاية الثابتة بالوكالة ; بأن كان العاقد مالكا من الجانبين كالمولى إذا زوج أمته من عبده , أو كان وليا من الجانبين , كالجد إذا زوج ابن ابنه الصغير من بنت ابنه الصغيرة , والأخ إذا زوج بنت أخيه الصغيرة من ابن أخيه الصغير أو كان أصيلا ووليا كابن العم إذا زوج بنت عمه من نفسه , أو كان وكيلا من الجانبين , أو رسولا من الجانبين , أو كان وليا من جانب ووكيلا من جانب آخر.

وقد اختلف الفقهاء في حكم هذا النوع من الولاية على قولين:

القول الأول: ينعقد الزواج بعاقد واحد، وهو قول الحنفية والمالكية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   قوله تعالى :﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾(النساء:127)، وقد نزلت هذه الآية في اليتيمة تكون في حجر وليها , ووجه الاستدلال بالآية الكريمة أن قوله تعالى:﴿ لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ ﴾ خرج مخرج العتاب , فدل على أن الولي يقوم بنكاح وليته وحده , إذ لو لم يقم وحده به لم يكن للعتاب معنى , لما فيه من إلحاق العتاب بأمر لا يتحقق.

·  قوله تعالى:﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ ﴾(النور:32)، فقد أمر تعالى بالإنكاح مطلقا من غير فصل بين الإنكاح من غيره أو من نفسه.

·  ما روي عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -   أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال لرجل: أترضى أن أزوجك فلانة، قال: نعم وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك فلانا قالت: نعم،فزوج أحدهما صاحبه[74].

·  قال عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه -  لأم حكيم بنت قارظ أتجعلين التابعين إلي قالت: نعم قال: فقد تزوجتك) [75]

·  أن الوكيل في باب النكاح ليس بعاقد بل هو سفير عن العاقد ومعبر عنه، بدليل أن حقوق النكاح والعقد لا ترجع إلى الوكيل , وإذا كان معبرا عنه وله ولاية على الزوجين ; فكانت عبارته كعبارة الموكل ; فصار كلامه ككلام شخصين فيعتبر إيجابه كلاما للمرأة، وقبوله كلاما للزوج، فيقوم العقد باثنين حكما والثابت بالحكم ملحق بالثابت حقيقة.

·      أنه ليس للتعبد مدخلا في هذا , وإنما أعلم الله تعالى الخلق ارتباط العقد بالولي.

القول الثاني: لا يجوز له أن يتولى طرفي العقد بنفسه , فيكون ناكحا منكحا حتى يقدم الولي من ينكحها، وهو قول الشافعية وزفر من الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   أن تعديد الناكح والمنكح والولي تعبد , فإذا اتحد اثنان منهم سقط واحد من المذكورين في الحديث حين قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) [76]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -:(كل نكاح  لم يحضره   أربعة  فهو   سفاح  الخاطب والولي وشاهدا عدل) [77]

·  أن ركن النكاح اسم لشطرين مختلفين وهو: الإيجاب والقبول , فلا يقومان إلا بعاقدين كشطري البيع.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني لاحتمال التهمة بسبب ولايته عليها، فيتزوجها من غير استئمارها رغبة في مالها أو جمالها، مع كون غيره أكفأ لها منه، أما الدليل القرآني الذي ساقوه عن جواز تولي الولي زواجه من اليتيمة التي تكون في حجره فإن قصة نزوله تؤيد ما ذكرنا من ترجيح.

فعن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾(النساء:3)، فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله تعالى:﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ ﴾(النساء:127)، قالت: والذي ذكر الله تعالى أنه يتلى عليكم في  الكتاب الآية الأولى التي قال الله فيها:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾(النساء: 3)، وقول الله تعالى في الآية الأخرى:﴿ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ ﴾ رغبة أحدكم عن اليتيمة التي تكون في حجره حين تكون  قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن) [78]

ولذلك فإن الحكم الشرعي في المسألة لا يمكن استنباطه من الآية الثانية مبتورة عن القيود التي وضعتها الآية الأولى، والقيود التي نراها ونلمسها في واقعنا لا تتعلق فقط بمقدار الصداق، وإنما تتعلق فوق ذلك بالكفاءة والرغبة، فلا يصح أن يتزوج شيخ عجوز  يتيمة شابة، فيعقد قرانه عليها من غير إحضار أطراف أخرى تتحقق من ملابسات هذا الزواج، ومدى صدق رغبة اليتيمة في الزواج بوليها.

أما حديث عقبة بن عامر، فهو في الإجراء الشكلي من الولاية، وليس فيها لمن تولى الزواج أي مصلحة شخصية في ذلك بخلاف من يتزوج اليتيمة، فيون هو الخصم والحكم.

أما حديث عبد الرحمن بن عوف، والذي ذكره البخاري في صحيحه، وترجم له بقوله:(باب إذا كان الولي هو الخاطب)، فإن قصة ذلك كما في الفتح: أن أم حكيم بنت قارظ قالت لعبد الرحمن بن عوف: أنه قد جاء غير واحد يخطبني، فزوجني أيهم رأيت، قال: وتجعلين ذلك إلى فقالت: نعم قال: قد تزوجتك، قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه[79]، فلا دلالة له على ذلك، بل إن دلالته على شكلية الولاية، وكأن المرأة هنا ـ وقد ظهر من خلال كلامها مايدل على رغبتها في هذا الصحابي الجليل ـ هي التي أرادت الزواج منه، فوكلته النطق بالإيجاب نيابة عنها.

وإذا كان الأمر على هذا الشكل وخلت الولاية من التهمة، فلا بأس أن يتولى العقد طرف واحد، كأن يزوج الجد ابن أخيه من بنت أخيه، ومع ذلك يستحب من باب التعبد وجود طرف آخر ليتمحض الولي على المرأة للولاية فقط، وقد ذكر القرطبي في المسألة قولا ثالثا، هو الحل الوسط للمسألة، وهو قوله:(وفي المسألة قول ثالث، وهو أن تجعل أمرها إلى رجل يزوجها منه، روى هذا عن المغيرة بن شعبة، وبه قال أحمد ذكره ابن المنذر) [80]

6 ـ شروط الولاية المتعدية

يشترط في الولي الشروط التالية[81]:

1 ـ كمال الأهلية:

ويتحقق كمال الأهلية بالشروط التالية:

العقل:

اتفق الفقهاء على اعتبار العقل من شروط الولاية، لأن القصد من الولاية هو مصلحة المولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر في مصلحة نفسه، فكيف بمصلحة غيره، وهو  لذلك لا يلي نفسه، فغيره أولى.

ويستوي في هذا من لا عقل له لصغره كطفل، أو من ذهب عقله بجنون أو كبر، كالشيخ الهرم، أما الإغماء فإنه لا يزيل الولاية؛ لأنه يزول عن قرب، فهو كالنوم، ومثله من كان يجن جنونا متقطعا، فإنه لا تزول ولايته؛ لأنه لا يستديم زوال عقله، فهو كالإغماء.

واتفق الفقهاء كذلك على عدم اشتراط سلامة الحواس، فلا يشترط كونه ناطقا، بل يجوز أن يلي الأخرس إذا كان مفهوم الإشارة؛ لأن إشارته تقوم مقام نطقه في سائر العقود والأحكام، فكذلك في النكاح، ولا يشترط البصر[82]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن المقصود في النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة، فلا يفتقر إلى النظر.

·      أن ابن عباس - رضي الله عنه -  قال: إن شعيبا - عليه السلام - زوج، وهو مكفوف البصر[83].

الحرية:

اختلف الفقهاء في اعتبار الحرية شرطا في الولاية على قولين:

القول الأول: اعتبارها شرطا في الولاية، وهو قول جمهور العلماء، لأن العبد لا ولاية له على نفسه، فعلى غيره أولى.

القول الثاني: عدم اعتبارها شرطا في الولاية، وهو مذهب الحنفية، بناء منهم على أن المرأة تزوج نفسها.

الترجيح:

نرى رجحان القول الثاني لعدم التناقض بين الرق ـ كما هو في الشريعة الإسلامية ـ وبين الحقوق التي اعتبرها الشرع لهذا الرقيق، فقد كان في الرقيق العلماء والصالحون، وهم أولى من حيث العدالة من غيرهم من الأولياء، خاصة، وقد علمنا حدود دور الولي[84].

2 ـ الإسلام:

اتفق الفقهاء على أنه لا يثبت لكافر ولاية على مسلمة[85]، قال ابن المنذر: أجمع عامة من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا، ومن الأدلة التي استدل بها الفقهاء على ذلك: أنه لا توارث بينهما بالنسب لقوله تعالى:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾(التوبة:71) وقال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (الأنفال:73)   

3 ـ الذكورة:

اتفق الفقهاء على أن الذكورة شرط للولاية المتعدية، وعللوا ذلك بأن الولاية يعتبر فيها الكمال، والمرأة ناقصة قاصرة، فتثبت الولاية عليها لقصورها عن النظر لنفسها، فلأن لا تثبت لها ولاية على غيرها أولى، وأجاز الحنفية للأم تزويج الصغير والصغيرة، لأن شفقتها وافرة كشفقة الأب أو أكثر،  وفي إثبات الخيار لها إذا أدركا روايتان عن أبي حنيفة، وفي إحدى الروايتين لا يثبت، واختار السخاوي ثبوت الخيار لهما، واستدل باجتماع قصور الرأي مع وفور الشفقة، ولهذا لا تثبت ولايتها في المال وتمام النظر بوفور الرأي والشفقة، فلتمكن النقصان في رأيها أثبت لهما الخيار إذا أدركا[86].

ونرى أن الأرجح في هذا الخلاف ثبوت هذا الشرط كإجراء شكلي، فيمكن للأم بعد تمام توليها أمر ابنتها إنابة من تشاء من الرجال ليتولى أمر العقد نيابة عنها، كما كانت تفعل عائشة رضي الله عنها، ونرى أنه لا علاقة لعزلها عن ذلك الإجراء الشكلي بقصور العقل كما استدل الفقهاء، وإنما هو من الوظائف التي أسند بعضها للرجال وبعضها للنساء بحسب الاستعدادات الفطرية لكليهما، فيمكن للرجل الذي تولى أمر المرأة المطالبة بحقوقها والسعي في ذلك بكل الوسائل التي قد تعجز المرأة عن الوفاء بها جميعا. 

4 ـ البلوغ:

اختلف الفقهاء في اعتبار البلوغ شرطا في الولاية على قولين:

القول الأول: اعتباره شرطا في الولاية، وهو قول الثوري والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر، وأبي ثور وظاهر مذهب أحمد، واستدلوا على ذلك بأن الولاية يعتبر لها كمال الحال، فهي تنفيذ التصرف في حق الغير، والصبي مولى عليه لقصوره، فلا تثبت له الولاية، كالمرأة.

القول الثاني: عدم اعتباره شرطا،  وهو رواية عن أحمد[87]، فهو يرى بأن الصبي إذا بلغ عشرا زوج، وتزوج، وطلق، وأجيزت وكالته في الطلاق، وهذا يحتمله كلام الخرقي لأنه يصح بيعه ووصيته وطلاقه، فثبتت له الولاية كالبالغ.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار البلوغ في الولاية، لافتقار الولي إلى الكثير من الخصائص التي يفتقر إليها الصبي بل حتى البالغ، ولهذا ذكرنا تقديم الأكبر فالأكبر في الولاية، فللسن دوره الكبير في سداد الاختيار، وله دوره الشكلي في حرمة العقد.

5 ـ العدالة:

اختلف الفقهاء في اعتبار العدالة شرطا في الولاية على قولين:

القول الأول: اعتبارها شرطا في الولاية، وهو مذهب الشافعي وأحمد في أحد قوليهما، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه، فنكاحها باطل) [88]

·      قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) [89]

·      أنها ولاية نظرية، فلا يستبد بها الفاسق، كولاية المال.

القول الثاني: عدم اعتبارها شرطا وإجازة ولاية الفاسق[90]، وهو مذهب أبي حنفية ومالك ووافقهما الشافعي وأحمد في القول الآخر،، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن الفاسق له ولاية كاملة على نفسه بحيث يزوج نفسه، فلا مانع من أن يتولى أمر غيره.

·  أن عماد هذه الولاية هو الشفقة ورعاية المصلحة، وفسقه لا يمنع من شفقته بأولاده ولا يحول دون رعاية المصلحة لقريبه، فيستوي في ذلك مع العدل فتثبت له ولاية التزويج.

·      أن سبب الولاية القرابة، وشرطها النظر، وهذا قريب ناظر، فيلي كالعدل.

الترجيح:

لعل القول الثاني هو الأرجح للاعتبارات التالية:

·      أن العدالة والفسق أمر نسبي لا يمكن الجزم به في أكثر الأحوال.

·  أن اشتراط العدالة يفوت على الكثير من النساء فرصة تزويجهن من طرف أوليائهن خاصة مع انتشار مظاهر الانحراف في كثير من المجتمعات الإسلامية.

·  أن العبرة في حسن التصرف وهو الأصلح للبنت، ولذلك قد يحرم العدل من الولاية على بناته إن كان لا يحسن التصرف.

6 ـ الرشد:

اختلف الفقهاء في في اشتراط الرشد في الولي وعدمه، وبالتالي الحكم بزوال ولاية السفيه أوبقائها على قولين:

القول الأول: تزول ولاية الولي بالسفه، وهو المذهب عند الشافعية وقول لمالك[91]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - :(لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان) [92]،فهو يدل على اعتبار الرأي.

·  أنه لا يصلح لأمر نفسه , فكيف يصلح لأمر غيره , فلا يصح إيجابه أصالة ولا وكالة أذن الولي أم لم يأذن , أما القبول فتصح وكالته فيه.

القول الثاني: بقاء الولاية له، وهو مذهب الحنفية والحنابلة والرأي الثاني للشافعية , والمشهور من مذهب مالك، واستدلوا على ذلك بأن رشد المال غير معتبر في النكاح، وأنه كامل النظر في أمر النكاح , وإنما حجر عليه لحفظ ماله.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار الرأي والحجر على السفيه في هذا الباب كالحجر عليه في المال سواء بسواء،، فالحرص على المحافظة على العرض أهم من الحرص على المحافظة على المال.

والسفيه عادة يمثل شخصية مستعجلة متقلبة لا تتبصر العواقب، فلذلك يكون توليه لأمر المرأة خطرا عليها، بل غير العدل البصير أولى من العدل السفيه.

وقد ذكر المالكية في هذا قولا وسطا يمكن العمل به، وهو التمييز بين أنواع السفه، فقد يكون السفيه ذا عقل ودين إنما سفهه بعدم حفظه لماله، فلهذا أن يتولى العقد ويستحسن مطالعته وصيه , أما إن كان ناقص التمييز فيخص بالنظر في تعيين الزوج وصيه وتزوج ابنته كيتيمة[93].

7 ـ من تثبت عليه الولاية

أولا: تزويج الصغار

ويتعلق بتزويج الصغار من الذكور والإناث المسائل التالية[94]:

من له حق الولاية في تزويج الصغار:

اختلف الفقهاء فيمن يلي تزويج الصغار[95] على قولين:

القول الأول: يجوز لكل الأولياء تزويج الصغير والصغيرة، وأنها تزوج بدون إذنها , ولها الخيار إذا بلغت وهو قول الحنفية وأحمد في إحدى الروايتين، واستدلوا على ذلك بما يلي[96]:

·        قوله تعالى:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾(النساء:3) الآية، ومعناه في نكاح اليتامى , وإنما يتحقق هذا إذا قيل بجواز نكاح اليتيمة، وقد نقل عن عائشة رضي الله عنها في تأويل الآية أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها يرغب في مالها وجمالها , ولا يقسط في صداقها، فنهوا عن نكاحهن حتى يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق.

·  قوله تعالى:﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ ﴾(النساء:127) ،قالت عائشة: إنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها , ولا يرغب في نكاحها لدمامتها, ولا يزوجها من غيره كي لا يشاركه في مالها فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر الأولياء بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم فذلك دليل على جواز تزويج اليتيمة.

·      أن اليتيمة هي الصغيرة التي لا أب لها بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -(لا يتم بعد الحلم) [97]

·  زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنت عمه حمزة - رضي الله عنه -   من عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه -  وهي صغيرة.

·  الآثار في جواز ذلك مشهورة عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم -

·      أنه وليها بعد البلوغ فيكون وليا لها في حال الصغر كالأب والجد.

·  أن الحاجة إلى الكفء ثابتة، لأن مقاصد النكاح إنما تتم معه، وإنما يظفر به في وقت دون وقت، والولاية لعلة الحاجة، فيجب إثباتها إحرازها لهذه المصلحة، مع أن أصل القرابة داعية إلى أن في هذه القرابة قصورا أظهرناه في إثبات الخيار لها إذا بلغت.

القول الثاني: لا يجوز تزويج الصغار إلا للأصول، وهو قول المالكية والشافعية، وقد اختلفوا في من يتولى تزويجها من الأصول على رأيين:

الرأي الأول: ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة، وهو رأي المالكية، واستدلوا على ذلك بالقياس على أنه لا يجوز تزويجهما إلا أنهم تركوا القياس في حق الأب للآثار المروية فيه، فبقي ما سواه على  أصل القياس.

الرأي الثاني: ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة،وهو رأي الشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -(لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر) [98]، فقد نفى في هذا الحديث نكاح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر.

·  عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -  قال: توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، فخطبت إلى قدامة ابنة عثمان بن مظعون، فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة إلى أمها، فأرغبها بالمال، فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبتا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله أخي وأوصى بها إلي فزوجتها ابن عمها عبد الله بن عمر، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة، وانما حطت إلي هوى أمها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها)، قال:(فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة ابن شعبة) [99].

·  أن مزوج اليتيمة قاصر الشفقة عليها، ولقصور الشفقة لا تثبت ولايته في المال، وحاجتها إلى التصرف في المال في الصغر أكثر من حاجتها إلى التصرف في النفس، فإذا لم يثبت للولي ولاية التصرف في مالها مع الحاجة إلى ذلك، فلأن لا يثبت له ولاية التصرف في نفسها أولى.

القول الثالث: أنها لا تزوج إلا بإذنها , ولا خيار لها إذا بلغت، وهو المشهور في مذهب أحمد، وقد انتصر له ابن تيمية، واستدل له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تستأمر اليتيمة في نفسها , فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها) [100]

قال ابن تيمية: (فهذه السنة نص في القول الثالث , الذي هو أعدل الأقوال, أنها تزوج خلافا لمن قال: إنها لا تزوج حتى تبلغ , فلا تصبر يتيمة , والكتاب والسنة صريح في دخول اليتيمة قبل البلوغ في ذلك , إذ البالغة التي لها أمر في مالها يجوز لها أن ترضى بدون صداق المثل, ولأن ذلك مدلول اللفظ وحقيقته , ولأن ما بعد البلوغ وإن سمي صاحبه يتيما مجازا , فغايته أن يكون داخلا في العموم , وإما أن يكون المراد باليتيمة البالغة دون التي لم تبلغ , فهذا لا يسوغ حمل اللفظ عليه بحال) [101]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو قول الإمام مالك من أنه لا يتولى زواج الصغار قبل البلوغ إلا آباؤهم، لأن زواج الصغار قد يحمل غررا كبيرا، وذلك الغرر لا ينتفى إلا بولي وافر الشفقة ووافر العلم بحال موليته، وليس ذلك لغير الأب.

ولذلك لا يصح أن تزوج اليتيمة إلا بعد بلوغها السن الذي تتمكن فيه من الاستئمار كما عبر - صلى الله عليه وسلم -، وهو كما قال الشوكاني: (يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا) [102]

ولذلك لا يصح ما قاله ابن تيمية من أن ذلك أعدل الأقوال، فأي عدل في تزويج يتيمة صبية لا تعقل ولم تكلف بالزواج، لتبقى طول حياتها رهينة زوج ربما خدعها عن نفسها بلعبة أو قطعة حلوى.

وإذا كان الشرع لم يكلفها بالعبادة المفروضة، وهي مسؤولية قاصرة، فكيف نكلفها نحن بتأسيس أسرة، وهي مسؤولية متعدية.

أما استدلال الحنفية بورود النص بإباحة زواج اليتيمة وأن اليتم لا يكون بعد البلوغ، فالدليل النصي على ذلك لايصح كما وضحناه في هامش الحديث، ولا يصح من جهة اللغة كما قال الخطابي:(اليتيمة ههنا هي البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها، فلزمها اسم اليتيم فدعيت به وهي بالغة، والعرب ربما دعت الشيء بالاسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم، ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الإسم) [103]

وقد ذكر شراح الحديث فائدة ذكر اليتيمة بهذه الصفة مع وفور الدلائل على بلوغها،لأجل (مراعاة حقها والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح، فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة) [104]

وقد ذكر القرطبي دليلا قرآنيا صريحا من قوله تعالى:﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ﴾(النساء:127)قال:(والنساء اسم ينطلق على الكبار كالرجال في الذكور، واسم الرجل لا يتناول الصغير، فكذلك اسم النساء، والمرأة لا يتناول الصغيرة، وقد قال ﴿ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ﴾، والمراد به هناك اليتامى هنا كما قالت عائشة رضي الله عنها، فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الآية، فلا تزوج إلا بإذنها، ولا تنكح الصغيرة إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها لكن لا تزوج إلا بإذنها) [105]

حكم تزويج الوصي للصغيرة:

اختلف الفقهاء في جواز تزويج الوصي للصغيرة على قولين:

القول الأول: لا يجوز لغير الولي تزويج الصغير والصغيرة، وهو مذهب الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      قوله  - صلى الله عليه وسلم - (لا نكاح إلا بولي)، والوصي ليس بولي في التزويج.

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -: (النكاح إلى العصبات) [106]،والوصي ليس بعصبة إذا لم يكن من قرابته فهو كسائر الأجانب في التزويج , وإن كان الوصي من القرابة بأن كان عما أو غيره فله ولاية التزويج بالقرابة لا بالوصاية.

القول الثاني: يجوز للوصي أن يزوج الصغيرة، وهو قول ابن أبي ليلى، وقال مالك: إن نص في الوصاية على التزويج فله أن يزوجها كما لو وكل بذلك في حياته , وإن لم ينص على ذلك فليس له أن يزوج، وقال مالك: ووصي الوصي بمنزلة الوصي في النكاح وغيره[107]، واستدلوا على ذلك بأن وصي الأب قائم مقام الأب فيما يرجع إلى النظر للمولى عليه بدليل أنه في التصرف في المال يقوم مقامه, فكذلك في التصرف في النفس.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول ـ كما بينا سابقا ـ لتقييد النصوص تزويج اليتيمة باستئمارها، وذلك لا يتحقق إلا بالبلوغ.

حكم تزويج الصغار من غير الأكفاء أو بأقل من صداق المثل:

اختلف الفقهاء فيما لو زوج الأب ابنته الصغيرة ممن لا يكافئها أو زوج ابنه الصغير امرأة ليست بكفء له، أو بأقل من مهر المثل على قولين:

القول الأول: جواز ذلك، وهو قول الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة رضي الله عنها على صداق خمسمائة درهم[108] زوجها منه أبو بكر - رضي الله عنه - ، ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلها، وقد ثبت أن رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -تزوج عائشة وهي بنت سبع، وبنى بها وهي بنت تسع، وتوفي عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة[109].   

·  أن عليا - رضي الله عنه -  تزوج فاطمة رضي الله عنها بأقل من صداق مثلها، فعن ابن عباس - رضي الله عنه -   قال:(ما استحل علي فاطمة  رضي الله عنهما إلا ببدن من حديد) [110]

·  أن النكاح يشتمل على مصالح وأغراض ومقاصد جمة، والأب وافر الشفقة، ينظر لولده فوق ما ينظر لنفسه، فالظاهر أنه إنما قصر في الكفاءة  والصداق ليوفر سائر المقاصد عليها, وذلك أنفع لها من الصداق والكفاءة، فكان تصرفه واقعا بصفة النظر، فيجوز كالوصي إذا صانع في مال اليتيم جاز ذلك لحصول النظر في تصرفه.

·  أنه لم يحق للمرأة تزويج نفسها من غير كفء، لأنها سريعة الانخداع، ضعيفة الرأي متابعة للعاطفة عادة، فيكون تقصيرها في الكفاءة والصداق لمتابعة الهوى، لا لتحصيل سائر المقاصد، زيادة على ذلك أن سائر المقاصد تحصل لها دون الأولياء، وبسبب عدم الكفاءة والنقصان في الصداق يتعير الأولياء , وليس بإزاء هذا النقصان في حقهم ما يكون جابرا فلهذا يثبت لهم حق الاعتراض.

القول الثاني: عدم جواز ذلك، وهو قول أبي يوسف ومحمد،  واستدلوا على ذلك  بالقياس، ووجه الاستدلال به كما يلي:

·   أن ولاية الأب مقيدة بشرط النظر , ومعنى الضرر في هذا العقد ظاهر، فلا يملكها الأب بولايته كما لا يملك البيع والشراء في ماله بالغبن الفاحش.

·  أنه لو زوجت هي نفسها من غير كفء أو بدون صداق مثلها يثبت حق الاعتراض للأولياء فهذا أولى.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو جواز تزويج الأب لابنته الصغيرة إذا دعت الضرورة لذلك بشرط تحقق الكفاءة، كما وضحناها في الفصل الخاص بها، أما مهر المثل فلا يشترط، لأن المهر ليس من الأسس التي يقوم عليها الزواج بخلاف الكفاءة، وسنرى ذلك في محله[111].

أما ما استدلوا به من جواز تخلف الكفاءة قياسا على نقصان المهر، فلا حجة فيه، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة - رضي الله عنه - ، ولا نظير له، أما علي - رضي الله عنه -  فكان أكفأ الأكفاء لفاطمة رضي الله عنها، وقد تقدمه كما دلت النصوص الخطاب إليها، ولو كان القصد هو الزواج ولو جرد الزواج من الكفاءة لزوجت ممن سبق لخطبتها.

ولنتأكد من وجه الدليل نسوق قصة زواج علي - رضي الله عنه -  كما يخبر بها عن نفسه، قال: أردت أن أخطب إلى رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ابنته، وذكرت أنه لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها، فقال أين درعك الحطمية التي أعطينكها في يوم كذا وكذا؟قال: هي عندي قال فأعطها إياها.

وعنه - رضي الله عنه -  قال: لقد خطبت فاطمة  بنت النبي  - صلى الله عليه وسلم -، فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة  تخطب؟ قلت: لا أو نعم قالت: فاخطبها إليه قال: قلت: وهل عندي شيء أخطبها عليه، قال: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت عليه، وكنا نجله ونعظمه فلما جلست بين يديه ألجمت حتى ما استطعت الكلام قال: هل لك من حاجة،فسكت قالها: ثلاث مرات قال: لعلك جئت تخطب فاطمة، قلت: نعم يا رسول الله، قال: هل عندك من شيء تستحلها به، قال: قلت: لا والله يا رسول الله قال: فما فعلت بالدرع التي كنت سلحتكها، قال علي: والله إنها لدرع حطمية ما ثمنها إلا أربعمائة  درهم، قال اذهب فقد زوجتكها،وابعث بها إليها فاستحلها به[112].

حق الصغار في الخيار بعد البلوغ:

اختلف الفقهاء[113] القائلون بثبوت الولاية لغير الأب والجد في تزويج الصغار، وهو قول الحنفية، في ثبوت الخيار للصغار بعد البلوغ إن كان المزوج أبا أو جدا[114] على قولين:

القول الأول: أن لهما الخيار إذا أدركا، وقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وبه كان يقول أبو يوسف  ثم رجع , وقال: لا خيار لهما، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   أنه زوجها من هو قاصر الشفقة عليها، فإذا ملكت أمر نفسها كان لها الخيار كالأمة إذا زوجها مولاها , ثم أعتقها.

·  أن أصل الشفقة وإن كان موجودا للولي , لكنه ناقص يظهر ذلك عند المقابلة بشفقة الآباء , وقد ظهر تأثير هذا النقصان حكما حين امتنع ثبوت الولاية في المال للأولياء فلاعتبار وجود أصل الشفقة نفذنا العقد ولاعتبار نقصان الشفقة أثبتنا الخيار.

·  أن سبب ثبوت الولاية في صغرها هو أن لا يفوت الكفء الذي خطبها، فيكون مقصوده النظر لها , وإنما يتم النظر بإثبات الخيار حتى ينظر لنفسه بعد البلوغ، بخلاف الأب، فإنه وافر الشفقة تام الولاية فلا حاجة إلى إثبات الخيار في عقده , وكذلك في عقد الجد ; لأنه بمنزلة الأب حتى تثبت ولايته في المال والنفس.

القول الثاني: أنه ليس لهما الخيار إذا بلغا، وهو قول أبي يوسف، وقد وجه قوله بما يلي:

·        أن هذا عقد عقد بولاية مستحقة بالقرابة فلا يثبت فيه خيار البلوغ كعقد الأب والجد.

·  أن القرابة سبب كامل لاستحقاق الولاية , والقريب بالتصرف ينظر للمولى عليه لا لنفسه , وهو قائم مقام الأب في التصرف في النفس كالوصي في التصرف في المال فكما أن عقد الوصي يلزم ويكون كعقد الأب فيما قام فعله مقامه , فكذلك عقد الولي.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في حال حصول مثل هذا الزواج ثبوت الخيار للصغار إذا بلغوا درءا للمفسدة بعد حصولها، وإن كان الأولى هو درء المفسدة قبل حصولها بعدم التزويج إلا بعد البلوغ، وبعد تمكن الطرفين من الإدلاء برأيهما بعد الإدراك التام الذي يحصل بالبلوغ.

وليس منع زواج الصغار من المسائل المجمع عليها، فيكون الخلاف فيها شذوذا في الرأي، وإنما هو خلاف قديم، قال الجصاص: (إن للأب تزويج ابنته الصغيرة... إذ كان هو أقرب الأولياء , ولا نعلم في جواز ذلك خلافا بين السلف والخلف من فقهاء الأمصار إلا شيئا رواه بسر بن الوليد عن ابن شبرمة أن تزويج الآباء على الصغار لا يجوز , وهو مذهب الأصم)

ولكن الأدلة النصية مع ذلك على خلاف قول ابن شبرمة ومذهب لأصم، فالله تعالى يقول: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾(الطلاق:4)، فحكم بصحة طلاق الصغيرة التي لم تحض , والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح , فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة، ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة وهي بنت ست سنين , زوجها إياه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -.

وإنما أوردنا هذا الخلاف من باب التوسعة التي تتيح لولي الأمر أن يسن من القوانين ما يمنع زواج الصغار خشية الغرر، حتى لو كان الولي أبا، فإنا نرى ونسمع الأخبار الكثيرة عن الآباء الذي يبيعون أولادهم وبناتهم بأسماء مختلفة، وقد يكون من بينها اسم الزواج، فلذلك يجوز لولي الأمر أن يغلق هذا الباب من غير أن يكون بذلك مخالفا إجماع الأمة أو المعلوم من الدين بالضرورة.

من له الحق في التفريق بعد الاختيار:

اتفق الفقهاء القائلون بثبوت الخيار للصغار إذا بلغوا على أنه لا تقع الفرقة إلا بحكم الحاكم، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن السبب مختلف فيه من العلماء من رأى ومنهم من أبى.

·  أنه غير متيقن به، فإن السبب قصور الشفقة , ولا يوقف على حقيقته فكان ضعيفا في نفسه فلهذا توقف على قضاء القاضي.

ثانيا ـ زواج البكر

ويتعلق بزواج البكر المسائل التالية:

حكم إجبار البكر:

اختلف الفقهاء في حق المرأة  البكر البالغة  في رفض تزويج أبيها لها على قولين:

القول الأول: النكاح جائز عليها، وإذا أبت وردت لم يجز العقد، فالعقد موقوف على موافقتها،وهو قول الحنفية[115]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  حديث الخنساء، فإنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه وأنا لذلك كارهة فقال: - صلى الله عليه وسلم -أجيزي ما صنع أبوك فقالت ما لي رغبة فيما صنع أبي فقال - صلى الله عليه وسلم -: اذهبي فلا نكاح لك انكحي من شئت فقالت أجزت ما صنع أبي ولكني أردت أن يعلم النساء أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء) [116], ولم ينكر عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالتها , ولم يستفسر أنها بكر أو ثيب فدل أن الحكم لا يختلف.

·  عن ابن عباس - رضي الله عنه -  أن جارية بكرا أتت النبي فذكرت له أن أباها زوجها كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - [117]، قال ابن القيم:(وهذه غير خنساء، فهما قضيتان قضى في إحداهما بتخيير الثيب،وقضى في الأخرى بتخيير البكر) [118] 

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -:(البكر تستأمر في نفسها وسكوتها رضاها) [119]. فدل أن أصل الرضا منها معتبر.

·  أن الشرع أقام البلوغ عن عقل مقام التجربة تيسيرا للأمر على الناس , وسقط اعتبار الاهتداء الذي يحصل قبل البلوغ بسبب التجربة , وسقط اعتبار الجهل الذي يبقى بعد البلوغ ; لعدم التجربة.

القول الثاني: النكاح جائز ولا يعتبر رفضها، وهو قول ابن أبي ليلى والشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -:(ليس للولي مع الثيب أمر) [120] فتخصيص الثيب بالذكر عند نفي ولاية الاستبداد للولي بالتصرف دليل على أنه يستبد بتزويج البكر.

·  أن هذه بكر فيملك أبوها تزويجها كما لو كانت صغيرة، لأن البلوغ لا يحدث لها رأيا في باب النكاح , فإن طريق معرفة ذلك التجربة.

·  أن للأب أن يقبض صداقها بغير أمرها إذا كانت بكرا، فإذا جعل حكمها في حق قبض الصداق كأنها صغيرة حتى يستبد الأب بقبض صداقها فكذلك في تزويجها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح من خلال النصوص الكثيرة عدم أحقية أي ولي مهما كان في إجبار أي امرأة صغيرة كانت أو كبيرة ثيبا كانت أو بكرا على الزواج بأي كان كفؤا أو غير كفء، لتنافي الزواج ـ كمسؤولية ورغبة ـ مع الإجبار، وقد ذكر ابن القيم الأقوال الواردة في الإجبار بمختلف أشكاله، وفندها جميعا بالأدلة الصريحة، وقد سبق ذكر ذلك في الجزء الأول من هذه المجموعة.

قال ابن القيم بعد سرده لبعض الأحاديث الواردة في هذا الباب:(وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح ولا تزوج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه وهو القول الذي ندين به ولا نعتقد سواه وهو الموافق لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره ونهيه وقواعد شريعته أمته) [121]

ثم ساق الأدلة النصية والمقاصدية على هذا الترجيح، وقد سبق ذكرها.

علامات إذن البكر:

سدا لذريعة استغلال الولي، أو سوء فهمه لموقف موليته من القبول أو الرفض بحث الفقهاء الأمارات الدالة على الموافقة والرفض، وقد ذكروا لذلك العلامات التالية:

الكلام:

اتفق الفقهاء على اعتبار الكلام من أبلغ صيغ تعبير البكر عن إذنها، لأن الكلام لا يحتمل إلا شيئا واحدا بخلاف الصمت، واتفقوا كذلك على عدم اشتراطه بدون تفريق بين الأولياء، وخالف الشافعية في حق غير الأب فلهم فيه وجهان،  أحدهما اشتراط الكلام، لأن الصمت عدم الإذن , فلا يكون إذنا , ولأنه يحتمل الرضا والحياء وغيرهما , فلا يكون إذنا , كما في حق الثيب , واكتفوا به في حق الأب دون غيره , لأن رضاءها غير معتبر عندهم في هذه الولاية.

ونرى أن الأفضل هو محاولة التعرف على تصريح المولى عليها بصريح العبارة، خاصة في المواقف التي تكون فيها التهمة، ولو كان الولي أبا.

أما إن لم يكن الموضع موضع تهمة فالأرجح هو بقاء الحديث على عمومه، قال النووي:(أما قوله  - صلى الله عليه وسلم - في البكر (اذنها صماتها)،فظاهره العموم في كل بكر ولكل ولي، وأن سكوتها يكفي مطلقا، وهذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: ان كان الولي أبا أو جدا فاستئذانه مستحب، ويكفىРفيه سكوتها وان كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحي من الأب أكثر من غيرهما، والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث لوجود الحياء) [122]

الصمت:

اتفق الفقهاء على جواز الاكتفاء من إذن البكر[123] بصمتها بدون تفريق بين كون الولي أبا أو غيره[124]، وبين كونه قبل العقد أو بعده[125]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر , ولا تنكح البكر حتى تستأذن. فقالوا: يا رسول الله , فكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) [126].

·      عن عائشة , أنها قالت: (يا رسول الله , إن البكر تستحيي، قال: رضاها صماتها) [127]

·  عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الثيب تعرب[128] عن نفسها , والبكر رضاها صمتها) [129].

·  أن الحياء عقلة على لسانها , يمنعها النطق بالإذن , ولا تستحيي من إبائها وامتناعها , فإذا سكتت غلب على الظن أنه لرضاها , فاكتفي به.

البكاء:

اختلف الفقهاء في اعتبار البكاء من علامات الإذن على قولين:

القول الأول: أن البكاء إذن، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -: (تستأمر اليتيمة , فإن بكت أو سكتت فهو رضاها , وإن أبت فلا جواز عليها) [130]

·      أنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان , فكان إذنا منها كالصمت أو الضحك.

·  أن البكاء يدل على فرط الحياء , لا على الكراهة , ولو كرهت لامتنعت , فإنها لا تستحي من الامتناع.

القول الثاني: أن البكاء ليس بإذن، وهو قول أبي يوسف ومحمد، لأنه يدل على الكراهية, وليس بصمت , فيدخل في عموم الحديث، وقصر بعض المتأخرين من الحنفية هذا على بكائها بصوت كالويل، فأما إذا خرج الدمع من عينها من غير صوت البكاء لم يعتبروه ردا بل قد يعتبر حزنا على مفارقة بيت أبويها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو النظر إلى الملابسات المرتبطة ببكائها، وهو ما لحظه الحنفية من اعتبار الصوت في البكاء وعدمه، ولكن ذلك غير منضبط، فيبقى لكل حالة حكمها الخاص، ولايمكن البت في ذلك عموما، أما الاحتجاج بالحديث ـ إن صح الاحتجاج به ـ فإنه لا يعدو أن يمثل بذلك لحالة من حالات القبول.

الضحك:

اتفق الفقهاء على اعتبار الضحك مثل الصمت في التعبير عن الرضا، بل اعتبروا الضحك أدل على الرضا بالتصرف من السكوت، أما إن ضحكت كالمستهزئة، فإن ذلك لا يكون رضا، لعدم دلالته عليه.

علامات إذن من زالت بكارتها بالحرام:

اختلف الفقهاء فيمن زالت بكارتها بالحرام، هل تلحق بالثيب أم بالبكر على قولين[131]:

القول الأول: أنها بكر، فلذلك علامات إذنها هي علامات إذن البكر، وهو قول الحنفية والمالكية على المشهور , وهو ما حكي عن الشافعي في القديم، واستدلوا على ذلك بما يلي

أن علة الاكتفاء بصمات البكر الحياء , والحياء من الشيء لا يزول إلا بمباشرته , وهذه لم تباشر الإذن في النكاح , فيبقى حياؤها منه بحاله.

إنما جعل سكوتها رضا لا للبكارة بل لعلة الحياء , فإن عائشة رضي الله عنها لما أخبرت أنها تستحي، حينئذ قال: سكوتها رضاها , وغلبة الحياء هنا موجودة فإنها وإن ابتليت بالزنا مرة لا ينعدم حياؤها بل يزداد ; لأن في الاستنطاق ظهور فاحشتها, وهي تستحي من ذلك غاية الاستحياء , وهذا الاستحياء محمود منها.

أن الشرع حث على الستر حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: (من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله) [132]

القول الثاني: أنه لا فرق في الثيوبة بين الوطء الحلال والحرام إذا كان في القبل، ولا فرق في ذلك بين المكرهة والمطاوعة، وهو قول الشافعية والحنابلة، وقول للمالكية وأبي يوسف ومحمد من الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن الشرع قسم النساء قسمين , فجعل السكوت إذنا لأحدهما , فوجب أن يكون الآخر بخلافه.

·  الدلالة اللغوية لأن الثيب اسم لامرأة يكون مصيبها عائدا إليها مشتق من قولهم ثاب أي: رجع والبكر اسم لامرأة مصيبها يكون أول مصيب لها ; لأن البكارة عبارة عن أولية الشيء , ومنه يقال لأول النهار: بكرة , وأول الثمار: باكورة.

·  أن الحياء بعد هذا يكون رعونة منها فإنها لما لم تستح من إظهار الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه فكيف تستحي من إظهار الرغبة على أحسن الوجوه.

·  أن التعليل بالحياء غير صحيح , فإنه أمر خفي لا يمكن اعتباره بنفسه , وإنما يعتبر بمظنته , وهي البكارة، وزيادة على ذلك فإن التعليل به يفضي إلى إبطال منطوق الحديث , فيكون باطلا في نفسه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار من زالت بكارتها عن طريق حرام بكرا، لأن هذه مصطلحات الشرعية، فلا تحمل إلا على الدلالة الشرعية، أما الدلالة اللغوية فهي محتملة لا يصح الاحتجاج بها هنا.

ومن باب رعاية المقاصد الشرعية، فإن الشرع حث على عدم إشاعة الفاحشة، ومن وسائل ذلك الستر على أصحاب الفواحش، ومعاملتهم بما يقتضيه ظاهرهم، خاصة إذا بدا منهم ما يدل على صدق التوبة، ولنتصور هذا الجفاء من ولي متعصب حرفي وهو يخاطب موليته بقوله: (أنت لا يكتفى منك بالصمت، فإن الحياء منك رعونة)، أو يقول لها:(إذا لم تستحي من إظهار الرغبة في الرجال على أفحش الوجوه، فكيف تستحين من إظهار الرغبة على أحسن الوجوه)، ولا نرى أعمق في الدلالة على قبح ذلك من تصور ما يتركه ذلك الكلام في نفس المولى عليها، وهي تريد أن تبدأ حياتها الجديدة.

ولنقارن مثل هذا الولي بما روي عن عمر - رضي الله عنه - ، وهو من يحاول البعض أن يحملوا كل جفائهم وغلظتهم وخشونتهم عليه، فقد روى مالك عن أبي الزبير المكي أن رجلا خطب إلى رجل أخته، فذكر أنها قد كانت أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه، أو كاد يضربه، ثم قال:(مالك وللخبر) قال الباجي: إخبار الرجل عن أخته إذا خطبت إليه أنها أحدثت يريد أنه قد أصابها ما يوجب عليها حد الزنى[133].

كيفية الاستئمار:

اتفق الفقهاء على اشتراط تعيين الزوج للمرأة لتعبر عن قبولها أو رفضها له، واختلفوا في اشتراط ذكر الصداق على قولين:

القول الأول: عدم اشتراط ذكره، وهو قول جمهور الفقهاء، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن اختلاف رغبتها يكون باختلاف الزوج لا باختلاف المهر.

·  أن الأب لا يقف على مرادها في حق الزوج، فأما في حق الصداق فالأب يعلم بمرادها في ذلك وهو صداق مثلها , فلا حاجة إلى تسمية ذلك.

·      أن الشرط في أصل النكاح تسمية الزوجين لا المهر ففي الاستئمار أولى.

القول الثاني: اشتراط تسمية المهر، وهو قول بعض المتأخرين من الفقهاء، واستدلوا على ذلك بأن رغبتها قد تختلف باختلاف الصداق في القلة والكثرة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة أن يعين الزوج فقط دون تعيين للمهر حتى لا تكون حاجتها المادية العاجلة سببا لزواجها ممن لا ترغب فيه، ويكون بذلك ذكر المهر حائلا بينها وبين التفكير السليم في الموافقة أو الرفض.

وسنرى في الفصل الخاص بالمهر المقاصد الشرعية من المهر، وهي تتناسب مع هذا الترجيح، والله أعلم.

ثالثا ـ زواج الثيب

ويختلف حكم استئثارها بحسب سنها على حسب الحالتين التاليتين:

الثيب الكبيرة:

اتفق الفقهاء[134] على أن الثيب الكبيرة لا يجوز تزويجها إلا بإذنها، ومن الأدلة على ذلك: 

·      أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر) [135]

·      عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال: (ليس للولي من الثيب أمر) [136]

·      قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الأيم أحق بنفسها من وليها) [137]

الثيب الصغيرة:

اختلف الفقهاء فيما لو مات زوج الصغيرة عنها بعد ما دخل بها أو طلقها وانقضت عدتها، هل يجوز لأبيها أن يزوجها أم لا على قولين:

القول الأول: يجوز لأبيها وغيره من الأولياء أن يزوجها قبل البلوغ، وهو قول الحنفية والمالكية , والحنابلة في وجه، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أن الولي ولى من لا يلي نفسه وماله فيستبد بالعقد عليها كالبكر.

·  أن الشرع اعتبارا لصغرها أقام رأي الولي مقام رأيها كما في حق الغلام، وكما في حق المال، وبالثيوبة لا يزول الصغر.

·      أن الرأي الذي تتمكن به من الإدلاء برأيها لا يحصل لها بالثيوبة في حالة الصغر.

·  أنه ولو ثبت لها رأي فهي عاجزة عن التصرف بحكم الرأي، فيقام رأي الولي مقام رأيها كما أنها لما كانت عاجزة عن التصرف في ملكها أقيم تصرف الولي مقام تصرفها.

·  أن المراد بالحديث البالغة، لأنه علق به ما لا يتحقق إلا بعد البلوغ، وهو المشاورة وكونها أحق بنفسها، وذلك إنما يتحقق في البالغة دون الصغيرة ولئن ثبت أن الصغيرة مراد فالمراد المشورة على سبيل الندب دون الحتم كما أمر باستئمار أمهات البنات.

القول الثاني: ليس للأب أن يزوج الثيب الصغيرة حتى تبلغ فيشاورها، وهو قول الشافعية والحنابلة في وجه آخر، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -(والثيب تشاور)، فقد علق هذا الحكم باسم مشتق من معنى، وهو الثيوبة فكان ذلك المعنى هو المعتبر في إثبات هذا الحكم كالزنا والسرقة لإيجاب الحد.

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -(الأيم أحق بنفسها من وليها)، والمراد بالأيم الثيب بدليل أنه قابلها بالبكر، فقال (البكر تستأمر في نفسها (

·      أنها ثيب ترجى مشورتها إلى وقت معلوم فلا يزوجها وليها بدون رضاها  كالنائمة والمغمى عليها.

·      أن عبارتها في الأمر غير معتبرة لصغرها.

·  أن الإجبار يختلف بالبكارة والثيوبة لا بالصغر والكبر وفي تأخيرها فائدة , وهي أن تبلغ فتختار لنفسها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني، لأن الولي الذي تسبب في ثيوبتها وهي لا تزال لم تبلغ لا ينبغي أن يوكل إليه أمر تزويجها، وهي لا تستطيع، بعد، التعرف على وجه مصلحتها.

والقول الأول يلزم عنه أحد أمرين:

إما أن يطبق الحديث، فتستشار من غير قدرة لها على إبداء رأيها، فيحتال عليها بصنوف الحيل، حتى يصير رأيها مطابقا لمبتغاهم منها، وفي ذلك احتيال على الحديث نفسه بتطبق حروفه ومناقضة مقصده.

أو لا يطبق الحديث، ولا تستشار، وفي ذلك ترك لأمر وردت به النصوص الصحيحة القطعية من غير مبرر شرعي.

فهم بين أمرين إما ترك الحديث حرفا ومقصدا، وإما الإكتفاء بحروفه والاحتيال على روحه، وكلا الأمرين سواء.

كيفية إذن الثيب:

اتفق الفقهاء على أن إذن الثيب النطق من الناطقة , والإشارة أو الكتابة من غيرها، واستدلوا على ذلك با لأحاديث السابقة الدالة على ذلك، وبأن النطق لا يعتبر عيبا منها.

ومع ذلك، فإنه يمكن الاكتفاء منها بالأساليب الأخرى للتعبير إن منعها الحياء من التصريح مع دلالة الدلائل على موافقتها، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصد الأعم الأغلب، ولم يقصد الأحوال النادرة، والعبرة بالرضى، وهو قد يظهر منها بالوسائل المختلفة كما يظهر من البكر.

رابعا ـ المعتوه

ويتعلق بحكم تزويج الولي للمعتوه المسائل التالية[138]:

التعريف:

لغة: العته هو نقص العقل من غير جنون أو دهش , والمعتوه المدهوش من غير مس أو جنون.

اصطلاحا:

قال في حاشية ابن عابدين: (واختلفوا في تفسير المعتوه، وأحسن ما قيل فيه: هو من كان قليل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبير، إلا أنه لا يضرب ولا يشتم، كما يفعل المجنون) [139]، وفي مقابل هذا عرفه صاحب المغني بقوله: (وهو الزائل العقل بجنون مطبق) [140]

ولا نرى تعارضا بين كلا التعريفين، لأن صاحب المغني ومن نهج نهجه عرفه بدوام الحالة الزمني، حتى يفرق بيها وبين العته المتقطع، وغيره وصف الحالة، وفرق بينها وبين الجنون المطبق، وقد أشار في الحاشية إلى هذ التفرق بقوله: (ولا يجوز تصرف المجنون المغلوب بحال، وقد يراد به من صار مغلوبا للجنون بحيث لا يفيق، أي لا يزول عنه ما به من الجنون قويا كان أو ضعيفا، فيدخل فيه المعتوه، ويحترز به عمن يجن ويفيق) [141]

حكم تزويج الولي للمعتوه:

اختلف الفقهاء في حكم تزويج الولي للمعتوه بحسب الحالتين التاليتين:

المعتوه الصغير:

اختلف الفقهاء في حكم تزويج الولي للمعتوه الصغير على قولين:

القول الأول: أن لأبيه تزويجه، وهو قول جمهور الفقهاء، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أنه غير بالغ , فملك أبوه تزويجه , كالعاقل.

·  أنه إذا ملك تزويج العاقل مع أن له عند احتياجه إلى التزويج رأيا ونظرا لنفسه فلأن يجوز تزويج من لا يتوقع فيه ذلك أولى.

القول الثاني: لا يجوز لأبيه تزويجه، وهو قول الشافعية، واستدلوا على ذلك بأنه يلزمه بالتزويج حقوقا من المهر والنفقة , مع عدم حاجته , فلم يجز له ذلك , كغيره من الأولياء.

الترجيح: نرى أن الأرجح في المسألة هو تأخير زواج الصغير مطلقا، فكيف بالصغير المعتوه.  

البالغ المعتوه:

اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز تزويج صاحب الجنون المتقطع إلا بإذنه، لأن من أمكن أن يتزوج لنفسه , لم تثبت الولاية عليه كالعاقل،ومثله من زال عقله بمرض مرجو الزوال , فهو كالعاقل , لأن ذلك لا يثبت الولاية على ماله.

واختلفوا في جواز تزويج الأب للبالغ المعتوه عتها دائما على قولين:

القول الأول: ليس للأب تزويجه بأي حالة من الحالات وهو رواية في مذهب أحمد، واستدلوا على ذلك بأنه رجل , فلم يجز إجباره على النكاح كالعاقل.

القول الثاني: إن طرأ عليه الجنون بعد البلوغ , لم يجز تزويجه , وإن كان مستداما , جاز  وهو قول زفر.

القول الثالث: أن للأب تزويجه، وهو قول الجمهور، واختلفوا في اشتراط الحاجة وعدم اشتراطها على رأيين:

الرأي الأول: أن للأب تزويجه مطلقا مع ظهور أمارات الشهوة وعدمها، وهو ظاهر كلام أحمد , والخرقي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·   أنه غير مكلف , فجاز لأبيه تزويجه كالصغير , فإنه إذا جاز تزويج الصغير , مع عدم حاجته في الحال , وتوقع نظره عند الحاجة , فهاهنا أولى.

·  أنه معنى يثبت الولاية , فاستوى طارئه ومستدامه , كالرق , ولأنه جنون يثبت الولاية على ماله , فأثبتها عليه في نكاحه , كالمستدام.

·  أن الحاجة لا تنحصر في قضاء الشهوة , فقد تكون حاجته إلى الإيواء والحفظ , وربما كان دواء له , ويترجى به شفاؤه , فجاز التزويج له , كقضاء الشهوة

الرأي الثاني: إنما يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه، وهو مذهب الشافعي، واستدل على ذلك بأن في تزويجه مع عدم حاجته إضرارا به , بإلزامه حقوقا لا مصلحة له في التزامها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو التفريق بين أنواع الحالات التي يكون بها الشخص معتوها، فإن كانت حالة المعتوه الصحية تسمح له ولزوجته بحياة عادية، أو قريبة من العادية، وكان في حاجة إلى هذا الزواج فالأولى تزويجه بشرط بيان حاله، وإلا كان ذلك من العيوب التي توجب التفريق، والأولى في تزويجه إن كانت له قدرة على التمييز تعيين من يزوج بها، والتعرف على علامات إذنه أو عدم إذنه، فلا يزوج إلا بإذنه وعلمه.

ونرى أن هذه من المسائل التي يمكن للطبيب أن يتدخل فيها، فالطبيب العدل الخبير هو الذي يمكنه أن يفتي في هذه المسألة بوجوب التزويج أو بعدم وجوبه، بل لو أفتى بحرمة التزويج خوفا على الزوجة أو الأولاد أو صحة المعتوه كان الأخذ بقوله في كل ذلك حتما لازما.

ونرى أن سبب الخلاف في تعريف المعتوه ـ كما مر ـ هو صلة هذه المسألة بالطب، فالأمراض العقلية والنفسية كثيرة جدا، ويصعب انحصارها في لفظي العته والجنون، فلذلك من الأولى مزج الكلام الفقهي في هذه النواحي بكلام أهل الاختصاص من الأطباء.

من يتولى تزويج المعتوه:

اختلف الفقهاء في من يتولى تزويج المعتوه على قولين:

القول الأول: لا يجوز لغير الأب ووصيه تزويجه، وهو قو ل المالكية.

القول الثاني: أن للحاكم تزويجه إذا ظهر منه شهوة النساء , بأن يتبعهن ويريدهن، وهو قول الشافعي.

الترجيح:

نرى أن كل من صحت ولايته ـ على ما ذكرنا سابقا ـ يجوز له تزويجه إن أثبت الطبيب العدل الخبير حاجته إلى الزواج وصلاحيته له، أما تحديد الزوجة فلا يكون إلا بعد إذنه وعلمه، أما الإجراء الشكلي لعقد الزواج فيمكن أن يخضع فيه للترتيب الذي نص عليه الفقهاء بتقديم الأقرب فالأقرب.

خامسا ـ السفيه المحجور عليه

يمكن حصر الحالات التي ترتبط فيها الولاية بزواج السفيه المحجور عليه في ما يلي[142]:

الحالة الأولى: تزويج الولي له:

اتفق الفقهاء على أن لولي السفيه تزويجه , إذا علم حاجته إلى النكاح بقوله أو بغير قوله، وتستوي في ذلك حاجته إلى الاستمتاع أو إلى الخدمة , فإن لم يكن به حاجة إليه , لم يجز تزويجه ; لأنه يلزمه بالنكاح حقوقا ; من المهر , والنفقة , والعشرة , والمبيت , والسكنى , فيكون تضييعا لماله ونفسه في غير فائدة كتبذير ماله، واستدلوا على جواز تزويجه بأن الغرض من الحجر عليه خدمة مصالحه، والزواج من  مصالحه , لأنه يصون به دينه وعرضه ونفسه.

ولكنه مع جواز تزويج الولي له لا يصح الزواج إلا بعد استئذانه[143] وتعيين المرأة له للأدلة التالية:

·      أنه يملك الطلاق فلم يجبر على النكاح , كالرشيد والعبد الكبير.

·  أن إجباره على النكاح مع ملك الطلاق , مجرد إضرار , فإنه يطلق فيلزمه الصداق مع فوات النكاح.

·  أنه قد يكون له غرض في امرأة , ولا يكون له في أخرى , فإذا أجبر على من يكرهها , لم تحصل له المصلحة منها , وفات عليه غرضه من الأخرى , فيحصل مجرد ضرر مستغنى عنه.

الحالة الثانية: إذن الولي له بالزواج:

اتفق الفقهاء على  أن للولي أن يأذن له في التزويج عند الحاجة ; لأنه من أهل النكاح فهو عاقل مكلف , ولذلك يملك الطلاق والخلع , فجاز أن يفوض إليه ذلك , واختلف الفقهاء في الحجر عليه في التعيين على قولين:

القول الأول: أن الولي مخير في هذا الإذن بين أن يعين له المرأة , أو يأذن له مطلقا، وهو قول الجمهور، لأنه أذن في النكاح , فجاز من غير تعيين.

القول الثاني: أن الولي يحتاج إلى التعيين له، وهو قول بعض الشافعية، لئلا يتزوج من يكثر مهرها ونفقتها , فيتضرر بذلك.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة عدم ارتباط السفه بحرية اختيار الزوجة، فلذلك لا يصح أن نفرض عليه زوجة معينة، ثم نعرض الزوجة بعد ذلك للطلاق، لأن الزواج لم يقم على أساس صحيح، وكان الأولى بمن يقول بلزوم تعيين الزوجة أن يقول مع ذلك بعدم صحة طلاقه، وإلا كان تزويجه مع التعيين عبثا، فالولي يدخل عليه من يختارها مستبدا بالولاية من باب، والسفيه يخرجها بالعصمة التي في يده من باب آخر.

ولا بأس أن ننقل هنا بعض ما قاله الفقهاء في هذا المجال ليكون وحده كافيا في ترجيح ما ذكرنا بعد عرضه على مقاصد الشريعة من الزواج، قال في روضة الطالبين:(فعلى الصحيح إن عين له امرأة لم يصح نكاح غيرها، ولينكحها بمهر المثل أو أقل، فإن زاد فحكى ابن القطان قولا مخرجا أن النكاح باطل، والمشهور صحته، لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح، فعلى هذا تبطل الزيادة ويجب مهر المثل... وإن قال له الولي انكح إمرأة من بني فلان فلينكح واحدة منهن بمهر المثل... ولو جمع الولي في الإذن بين تعيين المرأة وتقدير المهر، فقال: انكح فلانة بألف، فإن كان مهر مثلها دون الألف فالإذن باطل، وإن كان ألفا فنكحها بألف أو أقل صح النكاح بالمسمى، وإن زاد سقطت الزيادة، وإن كان مهر مثلها أكثر من ألف فإن نكح بألف صح النكاح بالمسمى، وإن زاد لم يصح النكاح) [144]

وذكر آخر أنه إن لم يتزوج من عينها له (لم يصح النكاح،وإن كانت المعدول إليها دونها مهرا، وخيرا منها جمالا ونسبا ودينا) [145]، وكأن تسلط الولي هو الأساس في الإذن وعدمه لا مصلحة السفيه.

ولم يكتف بعض الفقهاء بذلك، بل ألزموا الولي بالتعيين:  (أما إذا أطلق الولي الإذن فقال تزوج فوجهان أحدهما: وهو محكي عن أبوي علي ابن خيران والطبري، وعن الداركي أنه يلغو الإذن ولا بد من تعيين إمرأة أو قبيلة أو مهر) [146]

ولسنا ندري المصلحة المقصودة للسفيه، والتي يحرص الولي على تنفيذها من تزويجه من امرأة معينة أو قبيلة معينة. 

الحالة الثالثة: زواجه من غير إذن الولي:

اتفق الفقهاء على أن السفيه إن طلب من وليه النكاح , فأبى أن يزوجه , فإن له أن يتزوج إن كانت له حاجة إليه لأن حقه متعين فيه , فصح استيفاؤه بنفسه , كما لو استوفى دينه الحال عند امتناع وليه من  استيفائه، واختلفوا في صحة زواجه من غير استئذان وليه على قولين:

القول الأول: صحة الزواج إذا كان محتاجا , فإن عدمت الحاجة لم يجز ; لأنه إتلاف لماله في غير فائدة، وهو قول الحنابلة.

القول الثاني: إن أمكنه استئذان وليه , لم يصح إلا بإذنه ; لأنه محجور عليه, فلم يصح منه التصرف بغير إذنه، وهو قول الشافعية.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة عدم ارتباط السفه بالزواج، فلذلك يصح زواجه من غير إذن وليه إلا أنه يستحب استئذانه، لارتباط الزواج ببعض الحقوق المالية، فإن أبى الولي تزويجه كان له أن يتزوج من غير إذنه، ويلزم ولي الأمر وليه بتسديد حاجته المادية في ذلك الزواج على خلاف ما ذكر بعضهم من أنه (لو نكح السفيه بغير إذن الولي لا يجب المهر كما لو بيع منه شيء، فأتلفه) [147]

أما ربط المسألة بحاجة السفيه إلى الزواج، فإن ذلك غير ظاهر ولا منضبط، لأن نوع الحاجة للزواج يختلف من شخص لآخر، ولا يمكن التعرف عليها ـ أحيانا كثيرة ـ بالعلامات، فيكفي في الدلالة على ذلك إعلانه عن رغبته في الزواج.

8 ـ الوكالة في الزواج

ويتعلق بها المسائل التالية[148]:

تعريف الوكالة:

لغة: يُقال وَكَّلَهُ بأمر كذا تَوْكِيلاً، والاسم الوِكَالَةُ بفتح الواو وكسرها، والتَّوَكُّلُ إظهار العجز والاعتماد على غيرك،والاسم التُّكْلانُ واتَّكَلَ على فلان في أمره إذا اعتمده، ووَكَلَهُ إلى نفسه من باب وعد، ووُكُولاً أيضا وهذا الأمر مَوْكُولٌ إلى رأيك،  ووَاكَلَهُ مُوَاكَلَةً إذا اتَّكَل كل واحد منهما على صاحبه[149].

اصطلاحا: من التعاريف الاصطلاحية للوكالة:

·        تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة[150].

·      نيابة ذي حق غير ذي إمرة , ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته[151].

أولا ـ حكم الوكالة

اتفق الفقهاء على جواز التوكيل في عقد النكاح، فيقوم الوكيل نيابة عن الولي أو الزوج بالإيجاب والقبول، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  وكل عمرو بن أمية , وأبا رافع , في قبول النكاح له[152].

·  أن الحاجة تدعو إليه , فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد , ولا يمكنه السفر إليه , فالنبي - صلى الله عليه وسلم -  تزوج أم حبيبة , وهي يومئذ بأرض الحبشة.

·  أن ركن العقد هو الإيجاب والقبول، وذلك من حق المتعاقدين , فإذا أضافاه إلى محل قابل للعقد فإنه يتم به الانعقاد، إذ لا ضرر على الغائب في انعقاد العقد , وإنما الضرر عليه في التزام العقد , وقد يتراخى الالتزام عن أصل العقد فتثبت صفة الانعقاد ; لأنه حق المتعاقدين, ويتوقف تمامه وثبوت حكمه على إجازة من وقع العقد له دفعا للضرر عنه.

من يثبت له حق التوكيل:

اتفق الفقهاء على أن الشخص إن كان لا يملك القدرة على التصرف بنفسه، إما لعدم أهليته للتصرف، أو عدم ولايته عليه، لا يصح له أن ينيب غيره فيه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، أما إن كان الشخص يملك عقده بنفسه في موضع جاز له أن يوكل غيره ليقوم بدله في إنشائه، واختلفوا بناء على ذلك فيمن يملكه من الرجال والنساء على قولين:

القول الأول: أنه يصح التوكيل فيه للرجل والنساء على السواء ما دام كل منهما توفرت فيه أهلية إنشائه، وهو مذهب الحنفية كما هو مقرر عندهم في الولاية.

القول الثاني: أنه لا يملك التوكيل في الزواج إلا الرجل سواء بالنسبة لنفسه أو لمن في ولايته، وهو قول الجمهور من لمالكية والشافعية والحنابلة، واختلفوا في توكيله من يزوج  موليته بغير إذنها على رأيين:

الرأي الأول: أنه لا يملك التوكيل إلا بإذنها، وهو قول عند الشافعية، واستدلوا على ذلك بأنه لا يملك التزويج إلا بإذنها.

الرأي الثاني: أنه يملك التوكيل على ذلك بدون إذنها، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي: 

·        أن ولايته من غير جهتها , فلم يعتبر إذنها في توكيله فيها , كالأب , بخلاف الوكيل.

·  أنه متصرف بحكم الولاية الشرعية , فأشبه الحاكم , لأن الحاكم يملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن النساء.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول بناء على ما سبق ذكره في الولاية، أما توكيل من يجبرها على الزواج بناء على حق الأب في الإجبار فهو قول بعيد لا دليل عليه، إلا إذا كانت الوكالة من باب الإجراء الشكلي الذي ينوب فيه الوكيل عن الولي في الإيجاب أو القبول، فلا حرج في ذلك، ولا حاجة لاستئذان المتولى عليها لعدم تضررها بذلك. 

توكيل غير الأب والجد:

اختلف الفقهاء في توكيل غير الأب والجد على قولين:

القول الأول: لا يجوز توكيل غير الأب والجد، وهو وجه في مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك  بأنه يلي بالإذن , فلم يجز التوكيل له , كالوكيل.

القول الثاني: جواز التوكيل مطلقا، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·        أنه يلي شرعا , فكان له التوكيل كالأب.

·      أن ولايته ثابتة قبل إذنها , وإنما إذنها شرط لصحة تصرفه , فأشبه ولاية الحاكم عليها.

الترجيح:

الأرجح هو ثبوت الوكالة لكل من ثبتت له الولاية بالشروط المتقدمة، لأن دور الولي أو الوكيل لا يعدو الوساطة بين الزوج والمتولى عليها، فلا حرج لذلك أن يستنيب أي قريب من أقاربها في حال فقد أصولها أو فروعها من يتولى الولاية عليها بشرط رضاها بالوكيل وقبولها بوكالته.

صيغة التوكيل:

لا يشترط في التوكيل أن يكون مكتوباً بل يجوز مشافهة أو كتابة، ولا تتوقف صحته في الزواج على الإشهاد عليه، بل يجوز بدون شهود، لأنه ليس جزءاً من عقد الزواج المشترط فيه الإشهاد، وإن كان الإشهاد عليه أو توثيقه مستحسناً حتى لا يكون عرضة للإنكار أو يحصل نزاع في صفة العاقد.

توكيل الوكيل غيره:

يتوقف حكم توكيل الوكيل غيره على صيغة التوكيل بحسب إطلاقها وتقييدها كما يلي:

عند إطلاق الوكالة: بأن قال له: وكلتك في زواجي ولك أن توكل من تشاء، أو قال: فوضت أمر زواجي إلى رأيك، ففي هذه الحالة يملك الوكيل توكيل غيره، ويكون الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكل الأصلي، فإذا عزل الموكل الوكيل الأول قبل الزواج فإن الوكيل الثاني لا ينعزل بعزله، لأن وكالته مستمدة من الموكل فيبقى على وكالته ما لم يعزله عنها.

عند تقييد الوكالة: إذا لم يطلق الموكل في وكالته فليس للوكيل أن يوكل غيره، لأن ولاية الوكيل مستمدة من الموكل، فالولاية له وحده دون غيره، حيث رضي الموكل رأيه هو دون سواه، فإن فعل وتولى وكيل الوكيل العقد كان موقوفاً على إجازة الموكل الأصلي لأن متوليه في هذه الحالة فضولي.

حدود دور الوكيل:

دور الوكيل ـ كما بينا سابقا ـ محدود بالعقد،فلذلك لا علاقة له بما يترتب عن العقد من مهر وغيره إلا إذا وكل بذلك، فدور الوكيل ـ انطلاقا من ذلك ـ يقتصر على ما يلي:

أولا: أن يضيف العقد إلى موكله، فلا يرجع إليه شيء من حقوق العقد ولا يضمن شيئاً من ذلك إلا إذا تكفل به، وحينئذ تكون الحقوق راجعة إليه باعتباره كفيلاً، لا باعتباره وكيلاً.

ثانيا: أن لا يقبض مهر الزوجة إلا إذا كان مأذوناً بذلك صراحة أو دلالة[153]، فلو سلم الزوج المهر إليه ولم يكن مأذوناً في قبضه، ولم ترض الزوجة بهذا القبض لا تبرأ ذمة الزوج منه ولها المطالبة به، أما إذا كان مأذوناً بذلك، فإن ذمة الزوج تبرأ منه وليس لها حق المطالبة به بعد ذلك، إلا إذا كانت ثيباً أو كان الوكيل غير الأب والجد فإن السكوت لا يعتبر رضا بل لابد من الأذن الصريح ولا تبرأ ذمة الزوج بتسليم المهر للوكيل.

ثانيا ـ أنواع الوكالة

تنقسم الوكالة بحسب صيغتها وحدود دور الوكيل فيها إلى نوعين هما:

النوع الأول: الوكالة المقيدة

وهي أن يقول طالب الزواج لآخر: وكلتك بتزويجي بفلانة، وسمى امرأة بعينها، أو وكله في تزويجه من أسرة معينة أو بمهر معين، أو تقول المرأة لرجل: وكلتك في تزويجي من فلان، أو بمهر معين أو ما شاكل ذلك، وحكم هذا النوع من الوكالة يختلف بحسب تنفيذ الوكيل ما شرط عليه في الوكالة أو عدم تنفيذه وتفصيل ذلك كما يلي:

الحالة الأولى: عدم مخالفة الوكيل مقتضى الوكالة:

فبالنسبة للرجل إذا زوجه بالمرأة التي عينها وبالمهر الذي حدده[154]، فإنه ينفذ العقد ويلزم الموكل، لأنه ملك الوكيل تصرفاً معيناً فأتى به حسبما رسمه له.

وبالنسبة للمرأة، فإن زوجها بمن عينته، وبما حددته من المهر، فإن العقد ينفذ إذا كان الزوج كفئاً والمهر مهر المثل، ويلزم سواء كان لها ولي عاصب أو لا.

أما إن كان الزوج غير كفء أو المهر أقل من مهر المثل، فإن حكم ذلك يختلف بحسب وجود الأولياء وعدمهم، كما يلي:

عند وجود الولي العاصب: لا يصح العقد في حالة عدم كفاءة الزوج، لأنها لا تملك تزويج نفسها بغير الكفء على الرأي المفتى عند الحنفية، وإذا كانت لا تملكه هي فإن الوكيل لا يملكه أيضا، وفي حالة نقصان المهر يلزم العقد في جانبها ولا يلزم وليها فلذا يكون له الحق في طلب تكميل فإن لم يفعل الزوج كان له الحق في طلب فسخه.

ونرى في هذه الحالة حق الأولياء في الرد لأجل الكفاءة بحسب خصالها الشرعية، أما الرد لنقصان المهر، فإن المهر حق المرأة، ولا يحق لأوليائها التدخل في تحديده بالزيادة أو النقصان، فكيف بإبطال الزواج بمن ترغب فيه مع كفاءته لأجل نقصان المهر.

عند عدم الولي العاصب: ينفذ الزواج ويلزم دون توقف على شيء، لأن الكفاءة والمهر المماثل حقها وحدها وقد أسقطتهما، والوكيل لم يخالف ما رسمته له.

الحالة الثانية: مخالفة الوكيل مقتضى الوكالة:

وهو ما يسمى بعقد الفضولي، وقد اختلف الفقهاء في تصرفاته المختلفة، ومن بينها هذه المسألة، ويمكن حصر الخلاف في ذلك في القولين التاليين[155]:

القول الأول: بطلان تصرفات الفضولي وعدم توقفها على الإجازة، وهو قول أبي ثور وابن المنذر وأحمد في أصح الروايتين عنه، وهو القول المشهور عندالشافعية،وقول الظاهرية[156]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      قول الله تعالى :﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾(الأنعام:164)

·  حديث حكيم بن حزام قال (سألت رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك) [157]

·  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا طلاق إلا فيما تملك ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك، ولا وفاء نذر إلا فيما تملك) [158]

·  أن رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - أرسل عتاب بن أسيد إلى أهل مكة:(أن أبلغهم عني أربع خصال أنه لا يصلح شرطان في بيع، ولا بيع وسلف، ولا تبع ما لم تملك ولا ربح ما لم تضمن) [159]

القول الثاني: صحة العقد، وتوقفه على الإجازة، فإن أجازه من عقد  له صح، وإلا بطل، وهو قول الحنفية، ولهم في المسألة التفصيل التالي:

فبالنسبة للرجل إذا زوجه الوكيل بامرأة غير التي عينها، أو من أسرة أخرى غير التي عينها أو بمهر أكثر مما حدده[160]، فإنه في هذه الحالة يتوقف العقد على إجازة الموكل، فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه بطل، لأنه بمخالفته خرج عن مقتضى الوكالة فيكون فضولياً، وعقد الفضولي عند الحنفية موقوف على إجازة صاحب الشأن.

أما إذا زوجه بأقل من المهر الذي عينه، فإنه لا يتوقف العقد على إجازته، لأن المخالفة هنا صورية حيث فيها خير للموكل، لأن من يرضى التزوج بالكثير يرضى به بالقليل.

وبالنسبة للمرأة، فإن مخالفة الوكيل مقتضى الوكالة، بأن زوجها من غير من عينته أو بأقل من المهر الذي حددته،فإن العقد يتوقف على إجازتها حتى ولو كان الزوج كفئاً، لأنه خرج عن مقتضى الوكالة، فقد ترغب المرأة في الزواج بمن هو أعلى منها ولا ترضى بزواج من يساويها.

فإن ردته بطل، وإن أجازته لزم في حقها وحق الولي إن كان الزوج كفئا،ً والمهر مهر المثل، أما إن كان الزوج غير كفء فإن العقد يبطل رغم إجازتها، لأنها لا تملك ذلك، وإن كان كفئاً والمهر أقل من مهر المثل لزم في جانبها دون جانب الولي، فله حق الاعتراض.

ومن النصوص التي استدل بها أصحاب هذا القول على صحة عقد الفضولي وتوقفه على إجازة صاحب العقد:

·  حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاه ديناراً يشتري له به أضحية، فاشترى به أضحية وباعها بدينارين، واشترى أضحية بدينار، وجاءه بأضحية ودينار فتصدق النبي  - صلى الله عليه وسلم -  بالدينار ودعا له بالبركة[161].

·  حديث عروة الباقي، قال: دفع إليَّ رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ديناراً لأشتري له شاة، فاشتريت له شاتين فبعت إحداهما بدينار، وجئت بالشاة والدينار إلى رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -   فذكر له ما كان من أمره، فقال بارك الله لك في صفقة يمينك، فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة فيربح الربح العظيم، فكان من أكثر أهل الكوفة مالا[162].

·  حديث ابن عمر في قصة الثلاثة أصحاب الغار أن النبي  - صلى الله عليه وسلم - قال: (قال الثالث: اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم إلا رجل واحد، ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى الغرماء منه الأموال فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أد إلى أجري، فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزىء بي، فقلت: لا أستهزىء فأخذه كله، فاستاقه فلم يترك منه شيئاً) [163]

الترجيح:

نرى من باب التيسير ورفع الحرج صحة القول الثاني بالضوابط المذكورة إلا ما يتعلق بالمهر، فقد يكون هذا الذي اصطلح عليه فضوليا رأى فرصة لصالح موكله، فلم يرد أن يضبعها، فعقد العقد بناء على ما عرفه من رغبة موكله، خاصة وأنه لم يوكل إلا لثقة الموكل فيه.

وليس هناك أي ضرر يلحق بأي جهة من الجهات لوقوع العقد صحيحا وتوقف لزومه على إجازة الموكل.

فاجتمعت في ذلك المصلحة ودرئت المفسدة، ودلت النصوص المذكورة بفحواها على صحة هذا التصرف إن تحققت فيه المصلحة، فاجتمعت بذلك كل الأدلة على رجحان هذا القول.

أما ما استدل به ابن حزم من الآية أو من الاستصحاب، فإن المجيز قد تصرف بإجازته تصرفا مسؤولا، لأن العقد يبقى متوقفا على إجازته، أما سائر النصوص فلا تعارض ما ذكرنا، ويمكن الجمع بينها بعدم اعتبار تصرف الفضولي تصرفا مطلقا، أو نهي الفضولي عن التصرف في ما لا يعنيه إن لم يتيقن المصلحة.

وقد يقال: إننا اليوم، لا نحتاج إلى مثل هذه الأقوال لتوفر وسائل الاتصال الكثيرة، كما زعم بعضهم بأن الساعة تغنينا الآن عن التطلع للشمس لمعرفة أوقات الصلاة، والبحث عن تفاصيل وقوتها، والإجابة على ذلك بأن الأحكام الشرعية لا تتوقف على هذه الوسائل، فقد تحول الظروف بين الشخص وبين استعمالها، وليس ذلك ببعيد.

النوع الثاني: الوكالة المطلقة

تنقسم الوكالة المطلقة بحسب الموكل إلى قسمين:

1 ـ وكالة من الرجل:

وقد اتفق الفقهاء على جواز التوكيل المقيد برجل بعينه، واختلفوا في التوكيل المطلق وهو تزويج من يرضاه الموكل أو من يشاء، كأن يقول: وكلتك في أن تزوجني دون أن يعين له امرأة[164] أو مهراً، أو تقول لرجل: وكلتك في أن تزوجني دون أن تزيد على ذلك شيئاً، على قولين:

القول الأول: الجواز، ولا يلزمه إلا إذا كانت المرأة سليمة من العيوب مكافئة له وبمهر المثل أو يزيد قليلاً مما يتساهل فيه الناس، فإن كان بغير ذلك توقف على إجازته، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  ما روي أن رجلا من العرب ترك ابنته عند عمر - رضي الله عنه - ، وقال: إذا وجدت لها كفؤا فزوجه إياها , ولو بشراك نعله، فزوجها عمر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، فهي أم عمر بن عثمان، واشتهر ذلك، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة[165].

·      أنه إذن في النكاح , فجاز مطلقا , كإذن المرأة , أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقا.

القول الثاني: منع التوكيل المطلق، وهو قول لبعض الشافعية. 

الترجيح: نرى أن الأرجح صحة التوكيل المطلق، وتوقف لزوم العقد على إجازة صاحب العقد.

2 ـ وكالة من المرأة:

يختلف حكم الوكالة المطلقة بحسب نوع الموكل، فإذا كان الموكل وليها، فإن الوكيل يملك ما يملكه الولي من التزويج، لأن الوكيل يستمد سلطانه من الموكل، فإن ملك التزويج بغير الكفء وبأقل من مهر المثل نفذ تزويج الوكيل بهذا، أما إن كان الولي لا يملك إلا التزويج بالكفء وبمهر المثل تقيد الوكيل بذلك.

أما إن كانت المرأة هي نفسها الموكلة، وكانت بالغة عاقلة، فإن كان لها ولي عاصب تقيد تزويج الوكيل بالكفء بالاتفاق، فإن زوجها بغير الكفء كان الزواج غير صحيح لأنها لو فعلت ذلك بنفسها كان زواجها غير صحيح على الرأي المفتى به عند الحنفية، وإن لم يكن لها ولي عاصب وزوجها بغير الكفء كان الزواج على إجازتها باتفاق الحنفية.

 



([1])   لسان العرب: 15/406.

([2])   درر الحكام:1/59.

([3])   المدونة :2/110 ،الأم:5/20، المحلى:9/32، التمهيد: 19/84، المنتقى:3/267، الفتاوى الكبرى: 3/192، تبيين الحقائق: 2/100، فتح القدير:3/257 ،الإنصاف :8/66، التاج والإكليل :5/71 ،أسنى المطالب: 3/125.

([4])   نيل الأوطار:6/251.

([5])   ولهؤلاء الفقهاء تفاصيل مختلفة تتعلق بالمسألة تقربهم من القول الثاني، سنذكرها في محلها.

([6])   التمهيد: 19/90.

([7])   تفسير القرطبي:13/271.

([8])   قال الشوكاني:« وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش، ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا، وقد جمع الإشارة الدمياطي من المتأخرين، وقد اختلف في وصله وإرساله، فرواه شعبة والثوري عن أبي اسحاق مرسلا، ورواه إسرائيل عنه فأسنده، وأبو إسحاق مشهور بالتدليس ،وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل» انظر :نيل الأوطار:6/249، سنن الدارقطني: 3/220، صحيح ابن حبان: 9/389، أبو داود: 2/229، المستدرك:2/183، سنن ابن ماجة:1/605.

([9])   تفسير القرطبي: 3/72، وانظر: التمهيد: 19/89.

([10])   حاشية ابن القيم: 6/74، وانظر: التحقيق في أحاديث الخلاف: 2/257.

([11])   شرح عمدة الأحكام: 1/151.

([12])   حديث ضعيف رواه البيهقي والدارقطني، انظر: مغني المحتاج:3/163.

([13])   قال ابن حجر: رواه ابن ماجة والدارقطني من طريق بن سيرين عن أبي هريرة، وفي لفظ: وكنا نقول: إن التي تزوج   نفسها  هي الزانية، ورواه الدارقطني أيضا من طريق أخرى إلى ابن سيرين فبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة، ورواه البيهقي من طريق عبد السلام بن حرب عن هشام عنه بها، تلخيص الحبير:3/157، وانظر: التحقيق في أحاديث الخلاف: 2/259، الدراية في تخريج أحاديث الهداية:2/80.

([14])   الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان وأخرجه ابن عدي كلهم من طريق سليمان بن موسى عن ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قال في رواية ابن عدي قال: ابن جريج فلقيت الزهري فقال :أخشى أن يكون سليمان وهم، قال الترمذي وضعف يحيى بن معين رواية إسماعيل هذه، وقال ابن حبان: ليس هذا مما يقدح في صحة الخب،ر لأن الضابط قد يحدث ثم ينسى فإذا سئل عنه فلا يكون نسيانه دالا على بطلان الخبر، وقال الحاكم نحو ذلك، ثم أسند عن أبي حاتم الرازي عن أحمد أنه ذكر هذه الحكاية فقال ابن جريج: له كتب مدونة ليس هذا فيها وذكر البيهقي في المعرفة عن بعض الناس: أنه أعل هذا الحديث بهذه الحكاية، ثم رد عليه بتوهين أحمد وابن معين، انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية:2/60، التحقيق في أحاديث الخلاف: 2/255، نصب الراية: 3/184.

([15])   مسلم: 2/1037، الموطأ: 2/524، الترمذي: 3/416، الدارمي: 2/186، البيهقي: 7/115، الدارقطني: 3/240، ابن حبان: 9/367، النسائي: 3/280.

([16])   كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: 32/24.

([17])   للحنفية في استقلال المرأة بالولاية سبع روايات هي: روايتان  عن أبي حنيفة: 1 ـ  تجوز مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقا إلا أنه خلاف المستحب، وهو ظاهر المذهب , 2 ـ رواية الحسن عنه: إن عقدت مع كفء جاز ومع غيره لا يصح , واختيرت للفتوى لما ذكر أن كم من واقع لا يرفع وليس كل ولي يحسن المرافعة والخصومة ولا كل قاض يعدل , ولو أحسن الولي وعدل القاضي فقد يترك أنفة للتردد على أبواب الحكام واستثقالا لنفس الخصومات فيتقرر الضرر فكان منعه دفعا له.

وعن أبي يوسف ثلاث روايات: 1 ـ لا يجوز مطلقا إذا كان لها ولي 2 ـ ثم رجع إلى الجواز من الكفء لا من غيره  3 ـ ثم رجع إلى الجواز مطلقا من الكفء وغيره.

وروايتان عن محمد: 1 ـ انعقاده موقوفا على إجازة الولي إن أجازه نفذ وإلا بطل, إلا أنه إذا كان كفئا وامتنع الولي يجدد القاضي العقد ولا يلتفت إليه. 2 ـ ورواية رجوعه إلى ظاهر الرواية. فانتهى الخلاف إلى اتفاق الثلاثة على الجواز مطلقا من الكفء وغيره , وهذا الوجه الذي ذكرناه عن أبي يوسف من ترتيب الروايات عنه وهو ما ذكره السرخسي، انظر: المبسوط:5/10، تبيين الحقائق: 5/218، حاشية ابن عابدين: 3/57، شرح فتح القدير:3/255.

([18])   وعلى عكس ذلك استدل الشافعي بالآية فقال: « وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى تدل على أن النكاح لا يجوز بغير ولي ; لأنه نهى الولي عن المنع وإنما يتحقق المنع منه إذا كان الممنوع في يده» الأم:5/166.

([19])   انظر تفصيل الوجوه في ذلك :أحكام القرآن للجصاص: 1/545.

([20])   مسلم: 2/1037، الموطأ: 2/524، الترمذي: 3/416، الدارمي: 2/186، البيهقي: 7/115، الدارقطني: 3/240، ابن حبان: 9/367، النسائي: 3/280.

([21])   المبسوط: 5/12.

([22])   شرح فتح القدير:3/259.

([23])   حاشية ابن عابدين: 3/56..

([24])   سبق تخريجه.

([25])   النسائي: 3/286، ابن حبان: 7/212، البيهقي: 7/131، أحمد: 6/317.

([26])   بداية المجتهد:2/9.

([27])   المصنف :3/276.

([28])   المصنف :3/427.

([29])   سبق تخريجه.

([30])   سبق تخريجه.

([31])   التمهيد: 19/94.

([32])   أحكام القرآن للجصاص:2/102.

([33])   المنتقى:3/270 ،خرشي :3/181.

([34])   المحلى :9/33.

([35])   الأم:7/222.

([36])   التمهيد:19/90.

([37])   التمهيد:19/90.

([38])   هي المتعلقة بشئون غيره كأن يزوج ابنته أو حفيدته أو يتصرف في ماله وأولاده، وهي نوعان:

      ولاية على النفس: وهي التي تتيح لصاحبها التصرف في الأمور المتعلقة بشخص المولى عليه كالتربية والتعليم والتزويج.

      ولاية على المال: وهي التي تتيح لصاحبها التصرف في إنشاء العقود الخاصة بالأموال وتنفيذها.

([39])   المبسوط :5/2، بدائع الصنائع: 2/24 ،قواعد الأحكام:2/192 ،الفروع :5/172، التاج والإكليل :5/54 ،أسنى المطالب: 3/127 ،وغيرها.

([40])   سنفصل الكلام في هذه المسألة في المبحث الثالث الخاص بمن تثبت عليه الولاية.

([41])   نص الشافعية والحنابلة بأن من شروط تزويج الأب لابنته بغير إذنها أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، بأن يطلع عليها أهل  محلها , فإن كان بينه وبينها عداوة ظاهرة فليس له تزويجها إلا بإذنها , بخلاف العداوة غير الظاهرة ; لأن الولي يحتاط لموليته لخوف العار وغيره ،انظر: حاشية البجيرمي على المنهج:3/328.

([42])   بدائع الصنائع :2/249 ،الفروع:5/180، المنثور في القواعد الفقهية:1/433 ،الجوهرة المنيرة:2/12 ،شرح الهجة:4/115 ،الفتاوى الفقهية الكبرى:4/102 ،الخرشي:3/189، الموسوعة الفقهية:30/144.

([43])   ويستعمل هذا المصطلح في الخلع أيضا بمعنى: الإضرار بالزوجة بالضرب والتضييق عليها , أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفتدي نفسها منه.

([44])   اشترط المالكية قصد الإضرار في العضل إذا كان الولي هو الأب، قال ابن القاسم: «لا يكون الأب عاضلا لابنته البكر البالغ في رده أول خاطب أو خاطبين حتى يتبين ضرره »«التاج والإكليل :9/73»، واستدلوا على ذلك بما جبل الأب عليه من الحنان والشفقة على ابنته , ولجهلها بمصالح نفسها , إلا إذا تحقق أنه قصد الإضرار بها.

([45])   لم يعتبر المالكية الكفاءة إلا في الدين، وفي المدونة سئل ابن القاسم: رأيت إن كانت ثيبا فخطب الخاطب إليها نفسها , فأبى والدها أو وليها أن يزوجها فرفعت ذلك إلى السلطان وهو دونها في الحسب والشرف إلا أنه كفء في الدين فرضيت  به وأبى الولي ؟ قال: يزوجها السلطان ولا ينظر إلى قول الأب والولي إذا رضيت به وكان كفؤا في دينه، قال: وهذا قول مالك.»المدونة:2/106.

([46])   انظر: حاشية ابن عابدين:3/82.

([47])   لا يعتبر في هذه الحالة إنكار ورثة الزوج , بل يبقى القول قولها ; لأنه اختلاف في أمر يختص بها , صادر من جهتها , فالقول قولها فيه , كما لو اختلفوا في نيتها فيما تعتبر فيه نيتها , ولأنها تدعي صحة العقد , وهم يدعون فساده , فالظاهر معها، المغني: 7/36، وانظر: المبسوط:5/5.

([48])   مسلم: 3/1336، البخاري: 2/888، ابن حبان: 11/476، الترمذي: 3/626، الدارقطني: 4/157، أبو داود: 3/311، النسائي: 3/485.

([49])   فتح الباري: 5/283.

([50])   راجع في هذا المبحث: المدونة:2/105 ،الأم:4/127، بدائع الصنائع:2/250، المغني :7/10، الفروع :5/173، العناية شرح الهداية:3/274 ،التاج والإكليل :5/65.

([51])   قال في مجمع الزوائد:واه أبو يعلي وفيه أبو حريز وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات، رواه البزار والطبراني في الكبير وفي الأوسط منه، مجمع الزوائد:4/154، وانظر:البيهقي: 7/480، مسند الشافعي: 202، ابن ماجة: 2/769، المعجم الأوسط: 4/31، أحمد: 2/204، أبو يعلى:10/99.

([52])   أنوار البروق :3/102.

([53])   مسلم: 3/1291، الترمذي: 4/30، البيهقي: 8/118، النسائي: 4/208.

([54])   الترمذي: 4/321، أحمد: 2/185، مجمع الزوائد:8/14، مسند الحميدي: 2/168.

([55])   أحمد: 5/323، مجمع الزوائد: 1/127.

([56])   البيهقي: 7/105، أبو داود: 2/229.

([57])   النسائي: 3/286، ابن حبان: 7/212، البيهقي: 7/131، أحمد: 6/317.

([58])   نفس الخلاف هنا نجده في بني الإخوة والأعمام وبنيهم.

([59])   سبق تخريجه.

([60])   المدونة :2/107.

([61])   المدونة:2/108.

([62])   سبق تخريجه.

([63])   حاشية ابن القيم:6/70.

([64])   رواه البخاري تعليقا، وقال:واختلفوا في صحة هذا الخبر، البخاري:6/2473،وقال الترمذي:هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب، ويقال موهب عن تميم الداري، وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب، ولا يصح رواه يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر وزاد فيه قبيصة بن ذؤيب، قال: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو عندي ليس بمتصل، الترمذي:4/427، وانظر:الدارمي: 2/471، البيهقي:10/296، الدارقطني: 4/181، أبو داود: 4/88، ابن ماجة: 2/919، أحمد: 4/102.

([65])   لإنصاف للمرداوي: 8/77، منار السبيل: 2/142، المغني: 7/23، إعانة الطالبين: 2/130، الإقناع للشربيني:2/411، فتح الوهاب:2/63، البحر الرائق:3/119، مواهب الجليل: 3/437.

([66])   هو الاستبداد بالرأي , والسبق بفعل شيء دون استئذان من يجب استئذانه , أو من هو أحق منه بالأمر فيه , والتعدي على حق من هو أولى منه. واستعمله الفقهاء بهذا المعنى ،الموسوعة الفقهية:5/280.

([67])   البحر الرائق: 3/119.

([68])   اختلف قول المالكية في هذه المسألة، فقيل: إن أنكح الأبعد مع وجود الأقرب نفذ، وقيل ينظر فيه السلطان، وقيل للأقرب أن يفسخه ما لم يدخل بها، وذلك موضع الإجبار ،فإنه لا خلاف في المذهب في فسخ الأب البكر مع حضوره إلا إذا عقد الأخ نكاح أخته البكر بغير إذن أبيها، فإن كان بأمر أبيه جاز إن أجازه الأب، انظر: القوانين الفقهية: 134.

([69])   النسائي: 3/286، ابن حبان: 7/212، البيهقي: 7/131، أحمد: 6/317.

([70])   اختلف الحنفية في مدة الغيبة على أقوال كثيرة  أدناها أن  مدة السفر تكفي لذلك , وهو ثلاثة أيام ولياليها ; لأنه ليس لأقصى مدة السفر نهاية فيعتبر الأدنى، وأقصاها من المشرق إلى المغرب، المبسوط:4/220.

([71])   نص المالكية على  أن الحاكم أو غيره من الأولياء كأخ وجد إذا زوج المرأة المجبرة بكرا كانت أو ثيبا صغيرة أو كبيرة مجنونة في غيبة أبيها غيبة قريبة كعشرة أيام ونحوها فإن التزويج يفسخ , وإن ولدت الأولاد أو أجازه الأب ما لم يتبين ضرر الأب بها وإلا زوجت ويصير كالعاضل الحاضر فتتقدم إلى الإمام إما أن يزوجها وإلا زوجها عليه، وأن للحاكم كذلك أن يزوج ابنة المجبر إذا غاب عنها غيبة بعيدة وغايتها كما قاله مالك مسافة إفريقية أي القيروان، أما في حال كون الولي الأقرب غير مجبر فإنه إذا غاب غيبة مسافتها من بلد المرأة ثلاث  ليال أو نحوها ودعت لكفء وأثبتت ما تدعيه من الغيبة والمسافة والكفاءة فإن الحاكم يزوجها لا الأبعد ; لأن غيبة الأقرب لا تسقط حقه والحاكم وكيل الغائب انظر: الخرشي :3/186، ولهم حكم خاص في التفريق بين الشريفة والدتيئة في ذلك.

([72])   مواهب الجليل:3/437.

([73])   الإنصاف :8/110، أسنى المطالب: 3/137، الفتاوى الفقهية الكبرى: 4/97، الفتاوى الهندية: 1/291.

([74])   تتمة الحديث:«ولم يفرض لها صداقا، ولم يعطها شيئا، وكان ممن شهد الحديبية، وكان له سهم بخيبر ،فلما حضرته الوفاة قال إن رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا، ولم أعطها شيئا، وإني أشهدكم أني أعطيتها صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهما فباعته بمائة ألف»، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، انظر: المستدرك: 2/198، أبو داود: 2/238، ابن حبان: 9/381، البيهقي: 7/230.

([75])   البخاري:5/1972.

([76])   سبق تخريجه.

([77])   سبق تخريجه.

([78])   البخاري: 2/883، مسلم:4/2313، أبو داود: 2/224، النسائي: 3/315، البيهقي: 7/141، الدارقطني: 3/264، ابن حبان: 9/382.

([79])   فتح الباري:9/189.

([80])   القرطبي: 5/15.

([81])   المغني :7/16 ،التاج والإكليل: 5/71 ،تبيين الحقائق: 5/218، تحفة المحتاج:10 /419 ،الخرشي :3/187.

([82])   للشافعية قول باشتراط البصر ،انظر: المجموع شرح المهذب: 9/369.

([83])   الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس بإسناد لا بأس به، قال في قوله U :) وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفا﴾(هود: من الآية91) قال: كان مكفوف البصر , قد اختلف في الذي زوج موسى واستأجره , هل هو شعيب - عليه السلام - أو غيره , فالأكثر على أنه شعيب - عليه السلام - انظر: التلخيص الحبير:3/333.

([84])   راجع في بيان مبررات هذا الترجيح محله من فصل الإشهاد على الزواج.

([85])   منار السبيل: 2/140، الروض المريع:23/72، حاشية البجيرمي: 2/174، كفاية الطالب: 2/96، الفواكه الدواني: 2/28، البحر الرائق: 7/95.

([86])   المبسوط:4/216.

([87])   اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط البلوغ فأطلق الخلاف في بعض مصنفات الحنابلة على روايتين:

      الرواية الأولى: يشترط بلوغه نص عليه في رواية ابن منصور والأثرم وعلى ابن سعيد وحرب، وهذا ظاهر المذهب، قال الزركشي: هذه الرواية هي المشهورة نقلا واختيارا ويحتمله كلام.

      الرواية الثانية: لا يشترط بلوغه،  فعليها يصح تزويج ابن عشر، قال الإمام أحمد رحمه الله إذا بلغ عشرا زوج وتزوج قدمه في القواعد الأصولية وعنه اثني عشر، انظر:الإنصاف للمرداوي:8/73.

([88])   قال ابن الجوزي: في هذا الإسناد عدي قال يحيى ليس بثقة لا يكتب حديثه، وقال أبو حاتم الرازي متروك الحديث وفيه عبد الله بن عثمان قال يحيى ليس أحاديثه بالقوية، انظر: التحقيق في أحاديث الخلاف:2/260، سنن الدارقطني: 3/221، البيهقي: 7/124.

([89])   قال أحمد: ترك الناس حديث العرزمي وقال الفلاس والنسائي هو متروك وقال يحيى لا يكتب حديثه وقد حدث عنه شعبة وسفيان وقطر بن نسير ضعيف، التحقيق في أحاديث الخلاف: 2/260.

([90])   المراد بالفسق هنا الفسوق القاصر غير المؤثر في حسن التصرف، ولذلك فإن الفاسق إن كان متهتكاً لا يبالي بقبح ما يصنع فإنه يشترط لتنفيذ عقد زواجه لابنته أن تتوافر فيه المصلحة، بأن يكون الزواج من الكفء وبمهر المثل، فإن لم يكن كذلك لا ينفذ، ويكون حكمه في ذلك مشابها لحكم الأب المعروف بسوء الرأي والاختيار وهو عدل فإنه لا تسلب ولايته على ابنته الصغيرة بسوء رأيه، ولكن عقده لها مشروط بالمصلحة.

([91])   اختلف المالكية في اعتبار الحجر على السفه على قولين :

      القول الأول: أن السفيه أولى بالعقد عند ابن القاسم، واستدل على ذلك بأن الولاية عليه إنما هي في ماله وأما إذا كان معه من الميز ما يأنف به من وضع وليته عند غير كفؤ فهو أولى بالعقد إلا أن يكون من الضعف بحيث لا يظن به مثل هذا ويكون حضوره فيه كمغيبه فقد قال ابن القاسم لا يعقد وإنما اعتبر مع ذلك ابن القاسم إذن الولي لئلا يخلو من تسديده

      القول الثاني: أن الولي أولى به عند ابن وهب، واستدل على ذلك بأن ذلك في السيد المحجور عليه لأن الحجر عليه ينافي عقده، وأما إذا لم يكن محجورا عليه فنكاحه ماض، وإن كان فعله صوابا يشير إلى اعتبار ذلك فإن لم يثبت ما يوجب الفسخ والرد أمضى، انظر: المنتقى:3/271.

([92])   البيهقي: 7/111، الدارقطني: 3/228.

([93])   التاج والإكليل :5/72.

([94])   المدونة:2/100، الأم: 5/21، المصنف :3/184 ،أحكام القرآن للجصاص: 2/80 ،المحلى:9/38 ،المبسوط :4/212، بدائع الصنائع: 2/315، المغني: 7/30.

([95])   اعتبر الحنفية المجنون المغلوب بمنزلة الصبي في الأحكام المتعلقة بتزويج الصغار، واختلفوا في الجنون الطارئ  فقيل إنه لا يكون للمولى عليه ولاية التزويج ; لأنه ثبت له الولاية على نفسه عند بلوغه والنكاح يعقد للعمر , ولا تتجدد الحاجة إليه في كل وقت فبصيرورته من أهل النظر لنفسه يقع الاستغناء فيه عن نظر الولي، وقيل: تثبت الولاية عليه لعجز المولى عليه عن النظر لنفسه، فربما لم يتفق له كفء في حال إفاقته حتى جن أو ماتت زوجته بعد ما جن فتتحقق الحاجة في الجنون الطارئ كما تتحقق في الجنون الأصلي ،انظر: المبسوط:5/2.

([96])   انظر هذه الأدلة في: المبسوط:4/214، شرح فتح القدير:3/276.

([97])   نص الحديث بطوله :« لا يتم بعد الحلم، ولا عتق قبل ملك، ولا رضاعة بعد فطام، ولا طلاق قبل نكاح، ولا صمت يوم الى الليل، ولا وصال في الصيام، ولا نذر في معصية الله، ولا يمين في قطيعة، ولا تغرب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا يمين للمملوك مع سيده، ولا يمين لزوجة مع زوجها، ولا يمين لولد مع والده ،ولو أن صغيرا حج عشر حجج كانت عليه حجة الإسلام إذا عقل إن استطاع اليه سبيلا، ولو أن مملوكا حج عشر حجج كانت عليه حجة ان استطاع اليه سبيلا، ولو أن أعرابيا حج عشر حجج كانت عليه حجة إذا هاجر ان استطاع اليه سبيلا »في إسناد الحديث حرام بن عثمان، قال عنه ابن حزم: ساقط مطرح لا تحل الرواية عنه، المحلى:8/49، وانظر: مسند الحارث« زوائد الهيثمي»:1/439، والأشبه أن الحديث في حال صحته موقوف على علي t فهو أشبه بتعبيره، وقد قال الثوري لراوي الحديث:يا أبا عروة، إنما هو عن علي موقوف، فأبى عليه معمر إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، انظر:مصنف عبد الرزاق: 6/416.

([98])   المسند المستخرج على صحيح مسلم: 4/85، البيهقي: 7/122، أبو داود: 2/231، النسائي: 3/282.

([99])   قال في مجمع الزوائد: روى ابن ماجه طرفا منه رواه احمد ورجاله ثقات، مجمع الزوائد: 4/280، وانظر: البيهقي: 7/113، الدارقطني:3/230، أحمد:2/130.

([100])   الترمذي: 3/417، الدارمي: 2/185، مجمع الزوائد: 4/280، البيهقي: 7/118، الدارقطني: 3/239 أبوداود: 2/231، المجتبى: 6/87.

([101])   الفتاوى الكبرى لابن تيمية:3/92.

([102])   نيل الأوطار:  6/254.

([103])   عون المعبود:6/83.

([104])   عون المعبود :6/82.

([105])   تفسير القرطبي: 5/13.

([106])   قال في الدراية: لم أجده، الدراية: 2/62، وذكره في نصب الراية، ولم يشر إلى تخريجه،نصب الراية:3/195، ولا نرى صحة هذا الحديث، ولو كان صحيحا، لكان حجة في أكثر مسائل الولاية في الزواج، ويظهر أنه من الأحكام الفقهية التي حولها البعض إلى أحاديث، كالقاعدة الفقهية المشهورة:« اجعلوا الأخوات مع البنات عصبات»

([107])   المدونة: 4/331.

([108])   مسلم:2/1042، المستدرك:4/23، البيهقي:7/234، الدارقطني: 3/222، ابن ماجة: 1/607، أحمد: 6/933.

([109])   قال في مصباح الزجاجة: هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع أبو عبيدة لم يسمع من أبيه قاله شعبة وأبو حاتم وابن حبان في الثقات والترمذي في الجامع والمزي في الأطراف وغيرهم وله شاهد من حديث عائشة رواه النسائي في الصغرى وغيره، انظر: مصباح الزجاجة: 2/102.

([110])   البيهقي :7/234.

([111])   انظر: الفصل الخاص بحق الزوجة في المهر.

([112])   انظر هذه الآثار في زواج علي من فاطمة :سنن البيهقي الكبرى:7/234.

([113])   الإنصاف :8/110، أسنى المطالب: 3/137، الفتاوى الفقهية الكبرى: 4/97، الفتاوى الهندية: 1/291.

([114])   أما إذا كان القاضي هو الذي زوج اليتيمة، ففي ظاهر الرواية يثبت لها الخيار، لأن ولاية القاضي متأخرة عن ولاية العم والأخ فإذا ثبت الخيار في تزويج الأخ والعم، ففي تزويج القاضي أولى لأن شفقة القاضي إنما تكون لحق الدين والشفقة لحق الدين  لا تكون إلا من المتقين بعد التكلف فيحتاج إلى إثبات الخيار لهما إذا أدركا.

(4) وروى خالد بن صبيح المروزي عن أبي حنيفة أنه لا يثبت الخيار، ، لأن للقاضي ولاية تامة تثبت في المال والنفس جميعا فتكون ولايته في القوة كولاية الأب، انظر :المبسوط :4/214.

([115])   ما قبض الصداق فعند الحنفية لو نهت الأب عن قبض صداقها لم يكن له أن يقبض , ولكنه عند عدم النهي له أن يقبض لوجود الإذن دلالة فإن الظاهر أن البكر تستحي من قبض صداقها , وأن الأب هو الذي يقبض لتجهيزها بذلك مع مال نفسه إلى بيت زوجها فكان له أن يقبض.

([116])   سبق تخريجه.

([117])   سبق تخريجه.

([118])   زاد المعاد:5/95.

([119])   سبق تخريجه.

([120])   سبق تخريجه.

([121])   زاد المعاد: 5/96.

([122])   شرح النوي على مسلم:9/202.

([123])   أما سكوت للذكر الكبير فغير معتبر باتفاق الفقهاء، بل يشترط الرضا بالكلام أو بفعل يكون دليل الرضا، واستدلوا على ذلك بما يلي:

ـ أن جعل السكوت في حق الأنثى علامة الرضا لعلة الحياء , وهو لا يوجد في الذكر الكبير، لأنه لا يستحي من الرغبة في النساء.

 ـ  أن السكوت من البكر محبوب في الناس عادة , وفي حق الغلام السكوت مذموم ; لأنه دليل على التخنث فلهذا لا يقام سكوته مقام رضاه.

([124])   أما الأجنبي فلا يعتبر سكوتها معه، فقد يكون سبب سكوتها عدم التفاتها إلى استئماره، فكأنها تقول له: مالك وللاستئمار؟ إلا أن يكون الذي استأمرها رسول الول،ي فحينئذ الرسول قائم مقام المرسل، وحكي عن الكرخي أن سكوتها عند استئمار الأجنبي يكون رضا ; لأنها تستحي من الأجنبي أكثر مما تستحي من الولي، انظر: المبسوط:5/4.

([125])   وخالف في ذلك محمد بن مقاتل ففرق بين استئمارها قبل العقد وبعده، فأجاز قبل العقد الصمت لأنه رضا منها بالنص , فأما إذا بلغها العقد فسكتت لا يتم العقد ; لأن الحاجة إلى الإجازة هنا , والسكوت لا يكون إجازة منها ; لأن هذا ليس في معنى المنصوص فإن السكوت عند الاستئمار لا يكون ملزما وحين يبلغها العقد الرضا يكون ملزما فلا يثبت ذلك بمجرد السكوت.

([126])   البخاري:5/1974، مسلم: 2/1036، النسائي: 3/281، ابن ماجة: 1/601، أحمد: 2/434، الدارمي: 2/186، الدارقطني: 3/283.

([127])   البخاري: 6/2556.

([128])   تعرب:  أي تبين وتتكلم قال الزمخشري الإعراب والتعريب الإبانة يقال أعرب عنه لسانه وعرب عنه، فيض القدير: 3/342.

([129])   مجمع الزوائد: 4/279، البيهقي: 2/101، ابن ماجة: 1/602، أحمد: 4/192.

([130])   قال ابن حجر: قال أبو داود وهم إدريس الأودي في قصة « بكت » وليست بمحفوظة، تلخيص الحبير:3/161، وانظر: مصنف عبد الرزاق: 6/145، وقد نسبه إلى الشعبي.

([131])   اختلف كذلك فيمن زالت عذرتها بغير جماع , فحكمها حكم الأبكار عند الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في الأصح. ويرى الشافعية في وجه أنها كالثيب لزوال العذرة.

([132])   الموطأ: 2/825.

([133])   المنتقى:3 /352.

([134])   وخالف في ذلك الحسن البصري فقال: للأب تزويج الثيب الكبيرة وإن كرهت.

([135])   سبق تخريجه.

([136])   سبق تخريجه.

([137])   سبق تخريجه.

([138])   الروض المربع: 3/70، الكافي في فقه ابن حنبل: 3/25، كشاف القناع: 5/44، حاشية ابن عابدين: 3/66، بدائع الصنائع: 9/171، روضة الطالبين:7/99.

([139])   حاشية ابن عابدين: 6/145، وانظر: أصول السرخسي: 1/348.

([140])   المغني: 7/38.

([141])   انظر تفاصيل الخلاف في تعريف المعتوه في: حاشية ابن عابدين: 6/145.

([142])   دقائق المنهاج: 67، إعانة الطالبين: 3/329، حاشية البجيرمي: 3/358، حواشي الشرواني: 7/290، التاج والإكليل: 3/454، جواهر العقود: 2/10.

([143])   قال بعض الحنابلة: يصح مع عدم استئذانه ; لأنه عقد معاوضة , فملكه الولي في حق المولى عليه , كالبيع , ولأنه محجور عليه , أشبه الصغير والمجنون.

([144])   روضة الطالبين:7/97.

([145])   حاشية البجيرمي:3/358.

([146])   روضة الطالبين:7/98.

([147])   قال صاحب المنثور:« واستشكله الرافعي من جهة أن المهر حق للزوجة، وقد تزوج، ولا شعور لها بحال الزوج، فكيف يبطل حقها » المنثور: 1/353.

([148])   الإنصاف :8/110، أسنى المطالب: 3/137، الفتاوى الفقهية الكبرى: 4/97، الفتاوى الهندية: 1/291.

([149])   مختار الصحاح:306.

([150])   أسنى المطالب:2/260.

([151])   التعريف لابن عرفة نقلا عن: فروق القرافي:4/28.

([152])   سبق تخريجه.

([153])   من الإذن بالقبض دلالة، أن يقبض الأب أو الجد مهر البكر الرشيدة وتسكت عن المطالبة به عند العقد فإن هذا السكوت يعتبر إذناً بالقبض فتبرأ ذمة الزوج به، لأن العادة جرت بأن يقبض الآباء مهور بناتهم الأبكار والجد مثل الأب في ذلك.

([154])   اختلف قول الحنفية فيمن وكل رجلا بأن يزوجه امرأة بعينها، فزوجها إياه بأكثر من مهر مثلها فأجاز ذلك أبو حنيفة بناء على أصله في أن المطلق يجري على إطلاقه حتى يقوم دليل التقييد , وعند أبي يوسف ومحمد لا يلزمه النكاح إذا زاد أكثر مما يتغابن الناس فيه ; لأن التقييد عندهما يثبت بدليل العرف، انظر: المبسوط:19/117.

([155])   الإنصاف :8/110، أسنى المطالب: 3/137، الفتاوى الفقهية الكبرى: 4/97، الفتاوى الهندية: 1/291.

([156])   المحلى: 8/436.

([157])   الموطأ: 2/642، الترمذي:3/534، البيهقي:5/267، أبو داود: 3/283، النسائي: 4/39، ابن ماجة: 2/737،، أحمد: 3/402.

([158])   أبو داود:2/252.

([159])   البيهقي: 5/339، المعجم الأوسط: 2/137.

([160])   في حالة تزويجه بأكثر من المهر يتوقف على رضى الموكل، ولو تعهد الوكيل بدفع الزيادة، لأن الموكل قد لا يرضى بهذا التعهد لما فيه من المنَّة، والإنسان الحر لا يرضى بمنة غيره عليه وبخاصة في مهر زوجته.

([161])   قال في الدراية: أخرجه أحمد والأربعة سوى النسائي وأخرجه البخاري في أثناء حديث، انظر:الدراية: 2/174، البخاري:3/1332، البيهقي: 6/111، الدارقطني:3/9، أبو داود: 3/256،مجمع الزوائد: 4/161.

([162])   الترمذي: 3/559، الدارقطني:3/10، المعجم الكبير:17/160.

([163])   البخاري:2/793.

([164])   اختلف قول الحنفية فيما لو وكله أن يزوجه امرأة لم يسمها فزوجه ابنته على قولين :

القول الأول: لا يصح العقد إلا أن يرضى الزوج ،وهو قول أبي حنيفة للأصل الذي قدمناه بأن مطلق التوكيل عند أبي حنيفة لا يملك التصرف مع ولده للتهمة فالتهمة دليل تقييد المطلق، ولذلك فإنه لو زوجه أخته جاز ; لأنه غير متهم في حقها، وكذا لو زوجه امرأة عمياء أو معتوهة أو رتقاء أو ذمية أو مفلوجة.

القول الثاني: يصح العقد إذا كانت كبيرة ورضيت بذلك، وهو قول الصاحبين، انظر: المبسوط: 19/118.

([165])   المغني: 7/15.