الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: الحقوق المادية للزوجة

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

ثانيا ـ حق الزوجة في النفقة

1 ـ أحكام النفقة

أولا ـ تعريف النفقة

ثانيا ـ حكم النفقة على الزوجة

من القرآن الكريم:

من السنة النبوية الشريفة:

وقت تسليم النفقة:

حكم رد النفقة المعجلة عند زوال الموجب:

الترجيح:

صفة وجوب النفقة:

كيفية تفادي التقصير في النفقة:

ثالثا ـ الآثار العملية لوجوب النفقة على الزوجة

أخذ المرأة من مال زوجها عند تقصيره في النفقة:

إنفاق الزوجة الغنية على زوجها المعسر:

3 ـ شروط وجوب النفقة وموانعها

أولا ـ آراء المذاهب الإسلامية في الشروط الموجبة للنفقة:

مذهب الحنفية:

مذهب المالكية:

مذهب الشافعية:

مذهب الحنابلة:

مذهب الإمامية:

مذهب الزيدية:

مذهب الإباضية:

مذهب الظاهرية:

ثانيا ـ تفاصيل الشروط الوجبة للنفقة وأدلتها

الشرط الأول: تسليم المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم

الأعذار المعتبرة لعدم التسليم:

طلب استيفاء مهرها العاجل:

عدم قبولها ببيت الدخول:

عدم الانتقال لأجل المرض:

الشرط الثاني: أن تكون مطيقة للمعاشرة الجنسية

الصغر:

صغر المرأة:

صغر الزوج:

المرض:

الحبس:

ثالثا ـ موانع النفقة

1 ـ المطلقة طلاقا بائنا:

الحامل المطلقة ثلاثا:

علة الإنفاق على الحامل:

الحامل المتوفى عنها زوجها:

وقت دفع نفقة الحامل:

2 ـ  الناشز:

تعريف النشوز:

صوره:

حكم نفقة الناشز:

نفقة الحامل الناشز:

3 ـ  سفر الزوجة:

السفر المباح:

السفر الحرام:

4 ـ  الزوجة العاملة:

الحالة الأولى: الخروج إلى العمل برضا الزوج وموافقته:

الحالة الثانية:عدم رضا الزوج عن عملها:

5 ـ الزوجة المرتدة

 

3 ـ الإجراءات القضائية في حال عدم النفقة

أولا ـ الإجراءات الإلزامية:

من يعتبر في النفقة:

ما يراعيه القاضي في النفقة:

حالة الزوج المالية:

توقيت الدفع:

حالة الأسعار:

ثانيا ـ الإجراءات العقابية

السجن:

محل سجن الزوج في حال عدم الوفاء بالنفقة:

التفريق:

ثالثا ـ الخلاف بين الزوجين في النفقة وكيفية حله

الاختلاف في أصل الإنفاق:

الاختلاف في فرض الحاكم للنفقة أو في وقتها:

الاختلاف في انتهاء العدة:

الاختلاف في وقت التطليق:

الاختلاف في تسلم النفقة:

الاختلاف في يسار الزوج وإعساره:

    رابعا ـ أحوال الزوج المالية وعلاقتها بتحديد النفقة

الحالة الأولى: إعسار الزوج:

تعريف الإعسار:

ما لا يعتبر في الإعسار:

زواج المرأة من المعسر مع علمها بإعساره:

تكليف القاضي للمعسر بالعمل:

الحالة الثانية: يسار الزوج:

تعريف اليسار:

بيع القاضي مال الموسر للنفقة على زوجته:

الحالة الثالثة  ـ غياب الزوج:

تعريف الغائب:

الإجراءات المتخذة مع الزوج الغائب

1 ـ إطلاق يدها في أخذ حاجتها من مال زوجها:

2 ـ صرف الزوجة على نفسها من مالها:

4 ـ التفريق بسبب عدم النفقة في الغيبة:

 4 ـ أنواع النفقة ومقاديرها

النوع الأول ـ الطعام

جنس القوت الواجب في النفقة:

مقدار القوت الواجب في النفقة:

الأدم:

أنواع الإدام الواجبة على الزوج:

النوع الثاني: الكسوة

الفراش ومستلزماته:

وسائل التنظيف والزينة:

النوع الثالث: المسكن

التعريف:

حق المرأة في السكنى:

صفات بيت الزوجية:

النوع الرابع: الخادم

تعريف:

حق الزوجة في الخادم:

إخدام المعسر:

خدمة الزوج لزوجته بدل الخادم:

طلب الزوجة أجرة الخادم:

صفات الخادم:

تعدد الخادم:

تبديل الخادم:

حق المرأة في المؤنسة:

النوع الخامس: التداوي

التعريف:

حق الزوجة في التدوي:

نفقة القابلة:

 

ثانيا ـ حق الزوجة في النفقة

إن أحكام النفقة كما نص عليها الفقهاء تستلزم الحديث عن النواحي التالية:

·  أحكام النفقة، والحديث فيها عن الحكم الشرعي للنفقة مع أدلته التفصيلية، ثم بعض ما يتعلق بهذا الحكم من أحكام وآثار.

·  شروط وجوب النفقة على المنفق وموانعها، لأن حكم الوجوب متعلق بالمكلف، وليس كل مكلف صالح بأن تجب عليه النفقة، ولا كل امرأة بصالحة لأن ينفق عليها.

·  الإجراءات القضائية التي يتخذها القاضي عند تخلي المكلف عن هذا الواجب، لأن مسألة النفقة لها شقان: شق ديني توجيهي، وشق قضائي.

·  أنواع النفقة ومقاديرها المختلفة، باعتبارها مادة النفقة، حتى لا يتلاعب بها، ويتحول الوجوب صوريا بعدم مراعاتها.

وهي نواح يتضمنها تساؤل يطرحه كل من يريد أن يبحث عن النفقة، فيتساءل عن حكم النفقة؟ وعلى من تجب؟ وفيم تجب؟وما عقوبة من لم يؤدها؟

وهذه الأسئلة الأربعة، هي التي أفرزت هذا الفصل، وقد خصصنا للإجابة عن كل واحد منها مبحثا خاصا، ونعتذر لطول الفصل، لأن معظم المسائل فيه من المسائل المعاصرة المهمة التي يكثر السؤال عنها، وتعم بها البلوى، فلذلك كان لزاما أن لا تتركها مراعاة لقصر الفصل.

1 ـ أحكام النفقة

أولا ـ تعريف النفقة

لغة: يقال: نَفَقَ الفرسُ والدابةُ وسائر البهائم يَنْفُقُ نُفُوقاً: مات، ونَفَقَ البـيع نَفَاقاً: راج، ونَفَقت السِّلْعة تَنْفُق نَفاقاً، بالفتـح: غَلَتْ ورغب فـيها، وأَنْفَقَها هو، وأَنْفَقَ القوم: نَفَقت سوقهم، ونَفَق   مالُه ودرهمه ونَفَقَتِ الدابة ماتت وبابه دخل ونَفَقَ   البيع ينفُقُ بالضم نَفَاقا راج، والنِّفَاقُ بالكسر فعل المُنَافِقِ، وأَنْفَقَ الرجل افتقر وذهب ماله، ومنه قوله تعالى:﴿ إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق﴾

و أَنْفَقَ الـمال: صرفه، واسْتَنْفَقه: أَذهبه. والنَّفَقة: ما أُنفِق، والـجمع نفاق. حكى اللـحيانـي: نَفِدت نِفاقُ القوم ونَفَقاتهم، بالكسر، إِذا نفدت وفنـيت. والنِّفاقُ، بالكسر: جمع النَّفَقة من الدراهم، ونَفِقَ   الزاد يَنْفَقُ نَفَقاً أَي نفد، وقد أَنفَقت الدراهم من النَّفَقة. ورجل مِنْفاقٌ أَي كثـير النَّفَقة. والنَّفَقة: ما أَنفَقْت، واستنفقت علـى العيال وعلـى نفسك[1].

اصطلاحا: ما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وكل ما يلزم لها حسبما تعارفه الناس.

وعرفها بعض الحنفية بأنه الإدرار على شيء بما فيه بقاؤه[2].

وعرفها ابن عرفة بأنها: ما به قوام معتاد حال آدمي دون سرف[3]

ثانيا ـ حكم النفقة على الزوجة

اتفق الفقهاء على وجوب إنفاق الزوج على زوجته، واستدلوا على ذلك بما يلي:

من القرآن الكريم:

ورد التصريح بالأمر بالنفقة على الزوجة في الآيات التالية:

·  قوله تعالى في شأن المطلقات: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾(الطلاق:6)، قال الطبري في معنى الآية:(يقول تعالى ذكره أسكنوا مطلقات نسائكم من الموضع الذي سكنتم من وجدكم، يقول: من سعتكم التي تجدون، وإنما أمر الرجال أن يعطوهن مسكنا يسكنه مما يجدونه حتى يقضين عددهن) [4]، ودلالة الآية على وجوب النفقة وتحديدا نوعا منها، وهو السكن واضحة، لأن المطلقة قبل البينونة في حكم الزوجة، بل إنه إذا استحقت المطلقة هذا النوع من النفقة فالزوجة أولى منها بها.

·  قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)، ووجه الاستدلال بالآية، أن النفقة إن كانت واجبة على المطلقة الحامل، فأولى من ذلك الزوجة، وبما أن المطلقة تجب لها النفقة إجماعا، فأولى الزوجة، قال القرطبي:(أجمع أهل العلم على أن نفقة المطلقة ثلاثا أو مطلقة للزوج عليها رجعة وهي حامل واجبة) [5]

·  قوله تعالى:﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سيجعل الله بعد عسر يسرا ﴾(الطلاق: 7) في هذه الآية نلاحظ الأمر الصريح بالإنفاق، وإلزام الزوج به، ولكنه يحيط هذا الأمر بما يوحي بيسر هذا الدين وحنيفيته، وأن الزوج لا يكلف إلا بحدود طاقته، فإذا ما رزقه الله، فلا ينبغي أن يبخل على نفسه وأهله، وقد ورد في تأويل الآية وعمل الصحابة - رضي الله عنهم -  بها مع زهدهم وورعهم، أن أبا سنان قال: سألت عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة، فقيل: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه بألف دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها، فما لبث أن لبس اللين من الثياب، وأكل أطيب الطعام، فجاءه الرسول فأخبره، فقال: رحمه الله تعالى تأول هذه الآية:﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ (الطلاق:7) [6]

من السنة النبوية الشريفة:

دلت النصوص النبوية الكثيرة على وجوب النفقة علىالزوجة، مما لا يمكن حصره هنا، ولكنا سنذكر في هذا المحل ما يدل خصوصا على وجوب النفقة أو على فضلها، لنعلم كيف عالجت السنة النبوية الشريفة موضوع النفقة، مع ما يقتضي ذلك من شرح أو تعليق، فمن النصوص الخاصة في ذلك:

·      عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال:(إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة) [7]، فقد نص - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث على أنه إذا أنفق الرجل على أهله أي زوجته وأقاربه، أو زوجته ومن هم ملحقون بها، وهو يحتسبها، أي والحال أنه يقصد بها الاحتساب، وهو طلب الثواب من الله تعالى كانت له صدقة، أي يثاب عليها كما يثاب على الصدقة، والملاحظ في الحديث كما في أكثر أحاديث الترغيب ربط الجزاء بالاحتساب، وذلك يدل على أن الغافل عن نية التقرب لا تكون له صدقة، ومثله نفقته على نفسه ودابته، فإن نوى بها وجه الله تعالىأثيب، وإلا لم يثب.

وقد تقع الشبهة على عدم وجوب النفقة من إطلاق لفظ الصدقة، وقد أجاب العلماء على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن إطلاق الصدقة على الثواب مجاز، والصارف عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت الصدقة عليها، والعلاقة بين المعنى الموضوع له وبين المعنى المجازي ترتب الثواب عليهما، وتشابههما فيه، والتشبيه في أصل الثواب لا في كميته وكيفيته، فسقط ما قيل: الإنفاق واجب، والصدقة لا تطلق إلا على غيره فكيف يتشابهان.

الوجه الثاني: أن تسمية النفقة صدقة كتسمية الصداق نحلة، فلما كان احتياج المرأة للرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتحصين وطلب الولد كان الأصل أن لا يلزمه لها شيء، لكنه تعالى خصه بالفضل والقيام عليها، فمن ثم أطلق على الصداق والنفقة  صدقة[8].

·  عن جابر - رضي الله عنه -  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال في خطبته في حجة الوداع:(فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتن فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [9]،في هذا الحديث جمع - صلى الله عليه وسلم - حقوق الزوجية الواجبة، ومن بينها حق الزوجة في النفقة، وفيه تصريح بالوجوب، وتعليل لسببه.

·  عن معاوية القشيري - رضي الله عنه -  قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) [10]، وفي هذا الحديث عد لما يجب على الرجل نحو زوجته، وقد ذكر منها نفقة الطعام والكسوة، وفيه دليل على أنه لا يكلف في ذلك إلا بطاقته، فلا يطعمها إلا كما يطعم، ولا يكسوا إلا كما اكتسى، وللحديث تفاصيل أخرى نراها في محلها من هذا الجزء.

·  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك) [11]، في هذا الحديث تقديم لنفقة الأهل على كل النفقات الأخرى، وهو دليل على فضل النفقة ووجوبها، قال المناوي: (والنفقة على الأهل أعم من كون نفقتهم واجبة أو مندوبة، فهي أكثر الكل ثوابا، واستدل به على أن فرض العين أفضل من الكفاية، لأن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في   سبيل الله، وهو الجهاد الذي هو فرض كفاية) [12]

·  عن جابر - رضي الله عنه -  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) [13]، في هذا الحديث دليل على وجوب النفقة لأنه رتبها مباشرة بعد الإنفاق على النفس، مما يدل على توكيدها، قال النووي:(في هذا الحديث فوائد منها الابتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب، ومنها أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد، ومنها أن الأفضل في صدقة التطوع أن ينوعها في جهات الخير ووجوه البر بحسب المصلحة ولا ينحصر في جهة بعينها) [14]ويوضح الجانب من هذا الحديث الحديث التالي:

·  عن أبي هريرة - رضي الله عنه -  قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا،قال: رجل عندي دينار،قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي دينار آخر،قال: تصدق به على زوجتك قال: عندي دينار آخر،قال: تصدق به على ولدك قال: عندي دينار آخر قال تصدق به على خادمك، قال عندي دينار آخر قال: أنت أبصر به[15]، وفي هذا الحديث تعليم منه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه لكيفية تنظيم المصاريف حتى لا يطغى جانب عل جانب.

·  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت[16])[17]، ودلالة هذا الحديث واضحة على وجوب النفقة لربطه - صلى الله عليه وسلم - الإثم العظيم الذي يكتفى به جراء التفريط، قال المناوي: وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه، لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر، فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم، فمع الخوف على ضياعهم، هو مضطر إلى الطلب لهم، لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية[18].

الإجماع:

انعقد إجماع الأمة في كل العصور على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، ولم يخالف في ذلك أحد لما سبق من النصوص الصريحة في ذلك.

وقت تسليم النفقة:

ويختلف ذلك باختلاف نوع النفقة، وقد اتفق الفقهاء على أن الكسوة تقدم للزوجة بحسب وقتها من صيف أو شتاء كما سيأتي، واختلفوا في غير ذلك من النفقات على أقوال منها:

القول الأول: أن تسلم النفقة للزوجة يوميا، وهو قول الظاهرية، وبمثله قال الشافعية، وقد ذهب ابن حزم إلى أنه إن تعدى من أجل ذلك وأخر عنها الغداء , أو العشاء أدب على ذلك.

ونص الشافعية على أن نفقة الزوجة وخادمها تجب بطلوع الفجر كل يوم ; لأنها تستحقها يوما فيوما لكونها في مقابلة التمكين الحاصل في اليوم، فلها المطالبة بها عند طلوع الفجر، وقد نصوا على أنها تجب به وجوبا موسعا كالصلاة،أو أنه إن قدر وجب عليه التسليم لكن لا يحبس ولا يخاصم، وإذا أراد سفرا طويلا فلها مطالبته بنفقتها لمدة ذهابه ورجوعه كما لا يخرج إلى الحج حتى يترك لها هذا القدر, ولو أنه هيأ ذلك إلى نائبه ليدفعه إليها يوما بيوم كفى، ولا يكلف إعطاءه لها دفعة واحدة.

وقد استدل ابن حزم لهذا القول بما يلي:

·  أن من قضى لها بأكثر من نفقة المياومة، فقد قضى بالظلم الذي لم يوجبه الله تعالى , وأي حد حد - من جمعة أو شهر أو سنة - كلف البرهان على ذلك من القرآن , أو من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجده.

·  أن ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم، أو ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي أزواجه كل سنة ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير، فليس في هذا بيان أنه كان يدفعه إليهن مقدما.

القول الثاني: أن ذلك يقدر بحاله من يوم , أو جمعة، أو شهر, أو سنة، بحسب الزوج، وبحسب الوقت الذي ينال فيه أجرته، وهو قول المالكية، وقد أجاز ابن القاسم أن يفرض سنة، وقال سحنون: لا يفرض سنة ; لأن الأسواق تتحول، والأسعار تتغير[19].

القول الثالث: أن وقت تسليم النفقة مهما كان نوعها هو  أول وقت الحاجة , فإن اتفقا على تأخيرها جاز ; لأن الحق لها في ذلك , فإذا رضيت بتأخيره جاز، وإن اتفقا على تعجيل نفقة عام أو شهر , أو أقل من ذلك أو أكثر , أو تأخيره , جاز ; لأن الحق لهما , لا يخرج عنهما , فجاز من تعجيله وتأخيره ما اتفقا عليه، قال ابن قدامة:(وليس بين أهل العلم في هذا خلاف علمناه) [20]، لكن ما ذكرناه من الأقوال السابقة يشير إلى الخلاف في المسألة خاصة قول الظاهرية.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن ذلك يخضع في الحالة العادية للعرف الذي تعارفوا عليه، أما في حال الخصومة في النفقة، فالعبرة بحاجتها، وبقدرة الزوج، وبنوع النفقة، وسنفصل كيفية ذلك في الأحكام القضائية المتعلقة بالنفقة.

فالقوت الأساسي تكون الحاجة إليه يومية، وهناك أقوات تحتمل التعجيل كمؤونة البيت، وهناك نفقات قد تكون سنوية كالكسوة.

وقول ابن حزم بالمياومة مع ذلك له ناحية مصلحية معتبرة، فقد نص على أنه لو تطوع الزوج بتعجيل النفقة قبل موعدها دون قضاء قاض، فتلف بغير عدوان منها، فإن عليه نفقتها ثانية , وكسوتها ثانية, لأنها لم تتعد , فلا شيء عليها وحقها باق قبله , إذ لم يعطه إياها بعد.

وهي ناحية مهمة، فالعبرة بتوفير حاجة الزوجة اليومية، أما أن تكلف بضمان التالف وحراسته، ثم عقوبتها بالحرمان من النفقة في حال التلف، فإن فيه مضرة بالغة عليها.

حكم رد النفقة المعجلة عند زوال الموجب:

اختلف الفقهاء فيما لو عجل لها نفقة شهر أو عام , ثم طلقها , أو ماتت قبل انقضائه, أو بانت بفسخ أو إسلام أحدهما أو ردته، فهل له أن يسترجع نفقة سائر الشهر أم لا؟ على قولين:

القول الأول: له أن يسترجع نفقة سائر الشهر، وهو قول الشافعي، ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل بشرط أن يعلمها أنها نفقة الشهر، فإن لم يعلمها لا يسترجع نفقته، لأنه تبرع بدفع ما لا يلزمه من غير إعلام الآخذ بتعجيله، فلم يرجع به، كمعجل الزكاة، بل ذهب ابن حزم إلى أنه (إن أعطاها أكثر من حقها، فماتت , أو طلقها ثلاثا , أو طلقها قبل المسيس, أو أتمت عدتها وعندها فضل يوم أو غداء أو عشاء قضي عليها برده إليه، لأنه ليس من حقها قبله, وإنما جعله عندها عدة لوقت مجيء استحقاقها إياه, فإذا لم يأت ذلك الوقت ولها عليه نفقة فهو عندها أمانة، ولا ظلم أكثر من أن لا يقضى عليها برد ما لم تستحقه قبله) [21]

واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أنه سلم إليها النفقة سلفا عما يجب في الثاني , فإذا وجد ما يمنع الوجوب , ثبت الرجوع , كما لو أسلفها إياها فنشزت , أو عجل الزكاة إلى الساعي فتلف ماله قبل الحول.

·      أنها عوض عن التمكين , وقد فات التمكين.

القول الثاني: ليس له أن يسترجع نفقة سائر الشهر، وهو قول أبي حنيفة , وأبي يوسف، واستدلوا على ذلك بأنها صلة , فإذا قبضتها , لم يكن له الرجوع فيها , كصدقة التطوع.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن حكم المسألة يتغير بحسب حال المنفق، وحال المنفق عليها، والسبب المفرق بينهما والذي قيل بموجبه بلزوم الرد، ونع النفقة التي يطالب الزوج بردها، ولكنه في الأحوال العادية العامة نرى أن المرأة إذا كان لها مسكن خاص، أي ليست مرتبطة في نفقها بغيرها من أهل الزوج، ثم قيل لها هذه نفقتك مثلا، فإنه من الحرج الشديد مطالبتها بها بعد حصول الفراق، لأن النفقة وإن كان ظاهرها معاوضة منفعة المرأة بها، فتزول بزوال المنفعة إلا أنها أقرب إلى الصلة منها إلى المعاوضة، بل نرى من الخطأ التعامل مع حقوق الزوجية بمثل التعامل مع المعاوضات المالية، فلا جامع بينهما أصلا حتى يصح القياس بينهما.

صفة وجوب النفقة:

اتفق الفقهاء على أن المسكن إمتاع للزوجة وليس تمليكا لها، واختلفوا في سائر أنواع النفقات، هل هي تمليك للزوجة أم إمتاع لها على قولين:

القول الأول:  أنها إمتاع للمرأة، وليست تمليكا، ولا يجب أن يفرض لها شيئا ; بل يطعمها ويكسوهما بالمعروف، وهو آراء وتوجيهات في المذاهب الفقهية المختلفة، وبحسب نوع النفقة:

فالشافعية ـ مثلا ـ نصوا في الشراب على أنه إمتاع لا تمليك، قال في أسنى المطالب:(يكون إمتاعا لا تمليكا، حتى لو مضت عليه مدة , ولم تشربه لم تملكه , وإذا شرب غالب أهل البلد ماء ملحا وخواصها عذبا وجب ما يليق بالزوج) [22]، ثم قال (ومقتضى كلام الشيخين وغيرهما أنه تمليك)

وهو قول ابن حزم في مستلزمات الفراش، واستدل على ذلك بأن عليه إسكانها , وذلك يقتضي أن عليه من الفرش والغطاء ما يكون دافعا لضرر الأرض عن الساكن فهو له , لأن ذلك لا يسمى كسوتها، ثم استدل لذلك بنص صريح في المسألة وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:(ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه) [23]، فنسب - صلى الله عليه وسلم - الفرش إلى الزوج فواجب عليه أن يقوم لها به, وهو للزوج لا تملكه هي.

وقد ورد مثل هذا الخلاف في بعض المسائل عند الحنابلة[24]، وقد رجحه ابن تيمية[25]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن هذه عادة المسلمين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه، لا يعلم قط أن رجلا فرض لزوجته نفقة ; بل يطعمها ويكسوها، وإذا كان كذلك كان له ولاية الإنفاق عليها , كما له ولاية الإنفاق على سائر من تجب نفقته.

·  النصوص الدالة على سيادة الزوج، ومنها قول الله تعالى:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء:34)، ولهذا أباح الله للرجل بنص القرآن أن يضربها , وإنما يؤدب غيره من له عليه ولاية، قال زيد بن ثابت:(الزوج سيد في كتاب الله وقرأ قوله تعالى: ﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾(يوسف: من الآية25)، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (النكاح رق ; فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته)، ويدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(اتقوا الله في النساء , فإنهن عوان عندكم , وإنكم أخذتموهن بأمانة الله , واستحللتم فروجهن بكلمة الله) [26] فقد أخبر أن المرأة عانية عند الرجل ; والعاني الأسير وأن الرجل أخذها بأمانة الله , فهو مؤتمن عليها.

·  النصوص التي قرنت نفقة الزوجة بالمماليك، كقوله - صلى الله عليه وسلم -:(لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، ومثله قال المملوك:(وكسوته بالمعروف)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (حقها أن تطعمها إذ طعمت , وتكسوها إذا اكتسيت) كما قال في المماليك: (إخوانكم خولكم , جعلهم الله تحت أيديكم , فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس) [27]

القول الثاني: أنها تمليك لها بحسب الحاجة إليها، وهو ظاهر قول جمهور العلماء، قال في أسنى المطالب:(كيفية الإنفاق في هذه الواجبات وكل ما يستهلك كطعام وأدم وطيب يستحق تمليكه لها بأن يسلمه له بقصد أداء ما لزمه، كسائر الديون من غير افتقار إلى لفظ وكذا الكسوة والفرش والآلة أي آلة الطعام والشراب والتنظيف كمشط ودهن واعتبر في ذلك التمليك) [28]

وهو ظاهر قول ابن حزم في الكسوة، فقد قال فيها:(أما الكسوة - فإنها إذا وجبت لها فهي حقها , وإذ هو حقها فهو لها , فسواء ماتت إثر ذلك أو طلقها ثلاثا , أو أتمت عدتها , أو طلقها قبل أن يطأها: ليس عليها ردها , لأنه لو وجب عليها ردها لكانت غير مالكة لها حين تجب لها - وهذا باطل. وكذلك لو أخلقت ثيابها أو أصابتها وليست من مالها فهي لها , فإذا جاء الوقت الذي يعهد في مثله إخلاق تلك الكسوة فهي لها , ويقضى لها عليه بأخرى - فلو امتهنتها ضرارا أو فسادا حتى أخلقت قبل الوقت الذي يعهد فيه إخلاق مثلها فلا شيء لها عليه, إنما عليه رزقها وكسوتها بالمعروف والمعروف هو الذي قلنا)

واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أنه من المعاشرة بالمعروف.

·  القياس على الكسوة في الكفارة ; لأن الله تعالى جعل كسوة الأهل أصلا للكسوة في الكفارة كالطعام , والكسوة تمليك منها فوجب هنا مثله بخلاف المسكن فإنه إمتاع  ; لأنه لمجرد الانتفاع كالخادم ; ولأن الزوج يسكنه بخلاف تلك الأشياء فإنها تدفع إليها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة الجمع بين القولين، فكلاهما له ناحية حق يرجح على أساسها، ففي الحالة العادية التي لا تقع فيها الخصومة بين الزوجين بسبب النفقة، وهو معظم أحوال الناس لا حق للمرأة بالمطالبة بتمليك النفقة لأنها تتمكن منها كلما احتاجت إليها.

أما في حال الخصومة، أو حال شح الزوج على زوجته بالنفقة أو مضارته لها بذلك، فإن الأرجح في هذه الحال هو تمليكها النفقة بمقاديرها التي نص عليها العلماء، والتي سنتكلم عنها عند الحديث عن أنواع النفقة ومقاديرها.

ولعل كلا الفريقين نظر إلى المسألة من ناحية من النواحي فقال بقوله نتيجة له، ويكون الخلاف بذلك صوريا، فقد قال ابن تيمية، وهو من المناصرين للتمكين:(لو طلبت المرأة أن يفرض لها نفقة يسلمها إليها مع العلم بأنه ينفق عليها بالمعروف فالصحيح من قولي العلماء في هذه الصورة أنه لا يفرض لها نفقة, ولا يجب تمليكها ذلك , كما تقدم ; فإن هذا هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار المبني على العدل) [29]

وقد نص على هذا الجمع بين التمكين والتمليك السرخسي في قوله: (طريق إيصال النفقة إليها شيئان التمكين أو التمليك , حتى إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير , تتمكن هي من تناول مقدار كفايتها , فليس لها أن تطالب الزوج بفرض النفقة , فإن لم يكن بهذه الصفة فخاصمته في النفقة , فرض لها عليه من النفقة كل شهر ما يكفيها بالمعروف ; لأن النفقة مشروعة للكفاية. فإنما يفرض بمقدار ما يعلم أنه تقع به الكفاية. ويعتبر المعروف في ذلك , وهو فوق التقتير ودون الإسراف ; لأنه مأمور بالنظر من الجانبين وذلك في المعروف , وكذلك يفرض لها من الكسوة ما يصلح لها للشتاء والصيف فإن بقاء النفس بهما وكما لا تبقى النفس بدون المأكول عادة لا تبقى بدون الملبوس عادة والحاجة إلى ذلك تختلف باختلاف الأوقات والأمكنة فيعتبر المعروف في ذلك.) [30]

ومع ذلك فإن الخلاف له بعض الثمار العملية كاختلافهم في الكسوة إذا انقضت السنة , وهي صحيحة  فهل عليه كسوة السنة أم لا يلزمه، قال المرداوي نقلا عن الرعاية:(إن قلنا هي تمليك: لزمه. وإن قلنا إمتاع: فلا , كالمسكن وأوعية الطعام والماعون والمشط) [31]، وقال السرخسي:(إن أخذت الكسوة ورمت بها حتى جاء الوقت وقد بقيت تلك الكسوة عندها يفرض لها كسوة أخرى ; لأنها لو لبست لتخرق ذلك فبأن لم تلبس لا يسقط حقها , ويجعل تجدد الوقت كتجدد الحاجة) [32]

ونفس الخلاف يجري في عكس هذه المسألة، وهو ما لو بليت قبل ذلك , لكثرة استعمالها, فإنه على القول بالتمليك لا يلزمه إبدالها ; لأنه ليس بوقت الحاجة إلى الكسوة في العرف[33]، وقد علل ذلك السرخسي بقوله:(ذا أعطاها كسوة فعجلت تمزيقها , أو هلكت منها لم يكن عليه أن يكسوها حتى يأتي الوقت ; لما بينا أن أحوال الناس تختلف في صيانة الثياب وتمزيقها فيتعذر تعليق الحكم بحقيقة تجدد الحاجة فيقام الوقت مقامه تيسيرا فما لم يأت الوقت لا تتجدد الحاجة فلا يتجدد سبب الوجوب لها، فلم يكن لها أن تطالبه بشيء.) [34]

ومثل ذلك في سائر أنواع النفقات، والقائلون بالتمليك يوجبون على الزوجة نفقة جديدة ـ خلافا للقائلين بالتمكين ـ إذا أخذت المرأة نفقة شهر فلم تنفقها , ثم جاء الشهر الثاني وهي معها , فلها أن تطالبه بنفقة الشهر الثاني، وهذا خلافا لقولهم في نفقة الأقارب، وقد بين الكرابيسي الفرق بينهما بقوله:(والفرق أنها استغنت بما عندها عن مال الزوج , ونفقة الزوجة تجب مع الغنى , فجاز أن تجب، وليس كذلك نفقة ذوي الأرحام, لأنه استغنى بما عنده عن مال القريب , ونفقة ذوي الأرحام لا تجب مع الغنى , كما لو كان غنيا في الأصل) [35]

والأرجح في هذه الحالة القول بالتمكين إلا أن يكون ميسور الحال فيستحب الإحسان إلى زوجته بالتوسيع في النفقة، بغض النظر عن الحاجة التي قد تدعو إلى ذلك، أما الأخذ بقول من يرى التمليك فإن فيه مشقة كبيرة، لأن الزوج ملزم بكسوة كاملة للشتاء، وكسوة مثلها للصيف كل سنة، ومثل ذلك قد لا يطيقه الكثير من الناس في كثير من المجتمعات.

كيفية تفادي التقصير في النفقة:

اختلف الفقهاء فيمن ترك الإنفاق الواجب لزوجته مدة , هل يسقط بذلك, أو يبقى ذلك التقصير دينا في ذمته على قولين[36]:

القول الأول: أنه لا يسقط بذلك، بل يبقى دينا في ذمته سواء ترك النفقة  لعذر  أو غير عذر , ودين النفقة يتغير بتغير حال الزوج من اليسر والإعسار، فإن ترك الإنفاق عليها مع يساره , فعليه النفقة بكمالها , وإن تركها لإعساره , لم يلزمه إلا نفقة المعسر ; لأن الزائد سقط بإعساره، وهو قول الحسن ومالك , والشافعي , وإسحاق , وابن المنذر ورواية عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن عمر - رضي الله عنه -   كتب إلى أمراء الأجناد , في رجال غابوا عن نسائهم , يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا , فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى[37].

·      أنها حق يجب مع اليسار والإعسار , فلم يسقط بمضي الزمان , كأجرة العقار والديون.

·  أنه لا يوجد دليل يضاهي الأدلة التي ثبتت بها النفقة، قال ابن المنذر:(هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع , ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها) [38]

·  أنه لا يصح قياسها على نفقة الأقارب، لأنها عوض واجب فأشبهت الأجرة، واختلفت عن نفقة الأقارب لأنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له , وهي وقتية فإذا مضى زمنها استغنى عنها بخلاف النفقة على الزوجة.

القول الثاني: تسقط نفقتها إلا إذا كان الحاكم قد فرضها لها، وهو قول أبي حنيفة ورواية عند الحنابلة وروي عن مالك[39]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتعذر عليه نفقة أهله أياما حتى سألته إياها , ولم يقل لهن: هي باقية في ذمتي حتى يوسع الله وأقضيكن , ولما وسع الله عليه لم يقض لامرأة منهن ذلك , ولا قال لها: هذا عوض عما فاتك من الإنفاق.

·  أنه لم يعرف أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ـ مع أنهم أئمة الناس في الورع والتخلص من الحقوق والمظالم ـ أنه قضى لامرأة بنفقة ماضية، أو استحل امرأة منها، أما قول عمر - رضي الله عنه -   للغياب: (إما أن تطلقوا وإما أن تبعثوا بنفقة ما مضى)، فإن في ثبوته نظر , ولو قدرت صحته فهو حجة عليهم , ودليل على أنهم إذا طلقوا لم يلزمهم بنفقة ما مضى[40].

·  أن مثال هذه المرأة كرجل حاز دارا متصرفا فيها مدة طويلة، وهو ينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه، ثم جاء بعد تلك المدة إنسان كان حاضرا  يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة , دون أن يعارضه فيها , ولا مانع يمنعه من خوف أو شركة في ميراث , ونحو ذلك , فادعاها لنفسه , فدعواه غير مسموعة فضلا عن إقامة بينته، فكذلك إذا كانت المرأة مع الزوج مدة سنين يشاهده الناس والجيران داخلا بيته بأنواع النفقة , ثم ادعت بعد ذلك أنه لم ينفق عليها في هذه المدة ; فدعواها غير مسموعة , فضلا عن أن يحلف لها , أو يسمع لها بينة.

·      أن نفقة الماضي قد استغني عنها بمضي وقتها , فتسقط , كنفقة الأقارب.

·      أن كل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة مرفوضة غير مسموعة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو التفصيل بين الحالة العادية، حين تدعي الزوجة نفقة ماضية على زوجها المعسر، وتطالبه بالوفاء بها مع إعساره، فإن الأرجح في هذه الحالة هو القول بعدم وجوب الوفاء بذلك.

أما إن كان الزوج ميسور الحال، ومنعها حقها من النفقة مع قدرته على ذلك، فإن حق الماضي لا يسقط بالتقادم إلا إذا سمحت فيه الزوجة.

وقد قال بهذا التفصيل، وجمع به بين القولين ابن القيم، فقال:(إن الأزواج إذا امتنعوا من الواجب عليهم مع قدرتهم عليه لم  يسقط بالامتناع ولزمهم ذلك، وأما المعذور العاجز فلا يحفظ عن أحد من الصحابة أنه جعل النفقة دينا في ذمته أبدا)، وعقب على ذلك بقوله:(وهذا التفصيل هو أحسن ما يقال في هذه المسألة) [41]

وقد ذكر ابن القيم مع تشدده في إنكار الحيل حيلتين للتخلص من دعوى الزوجة دين النفقة على زوجها بغير حق، كشأنه في كثير من الحيل الشرعية التي تحفظ بها الحقوق، فقال: (يحتاج الزوج إلى طريق تخلصه من هذه الدعوى , ولا ينفعه دعوى النشوز , فإن القول فيه قول المرأة , ولا يخلصه دعوى عدم التسليم الموجب للإنفاق لتمكن المرأة من إقامة البينة عليه ; فله حيلتان)،ثم ذكر الحيلتين، وهما:

الحيلة الأولى: أن يقيم البينة على نفقته وكسوته لتلك المدة , بالاستفاضة والقرائن المفيدة للقطع ; فإن الشاهد يشهد بما علمه بأي طريق علمه , وليس على الحاكم أن يسأل البينة عن مستند التحمل , ولا يجب على الشاهد أن يبين مستنده في الشهادة.

الحيلة الثانية: أن ينكر التمكين الموجب لثبوت المدعى به في ذمته , ويكون صادقا في هذا الإنكار ; فإن التمكين الماضي لا يوجب عليه ما ادعت به الزوجة إذا كان قد أداه إليها، والتمكين الذي يوجب ما ادعت به لا حقيقة له ; فهو صادق في إنكاره.

ثالثا ـ الآثار العملية لوجوب النفقة على الزوجة

من الآثار التي تنتج عن القول بوجوب النفقة للزوجة ما نتحدث عنه في المسائل التالية:

أخذ المرأة من مال زوجها عند تقصيره في النفقة:

اتفق الفقهاء على أنه إذا لم يدفع الزوج إلى امرأته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة , أو دفع لها أقل من كفايتها , فلها أن تأخذ من ماله الواجب أو تمامه, بإذنه وبغير إذنه واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  عن عائشة،رضي الله عنها،  أن هندا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال:   (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)[42] والحديث دليل على أنه يجوز لمن وجبت له النفقة شرعا على شخص أن يأخذ من ماله ما يكفيه إذا لم يقع منه الامتثال وأصر على التمرد[43].

·  أنه موضع حاجة , فإن النفقة لا غنى عنها , ولا قوام إلا بها , فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها , أفضى إلى ضياعها وهلاكها.

·  أن النفقة تتجدد بتجدد الزمان شيئا فشيئا , فتشق المرافعة إلى الحاكم , والمطالبة بها في كل الأوقات.

·  أن نفقة الزوجة تسقط بفوات وقتها عند بعض العلماء , ما لم يكن الحاكم فرضها لها , فلو لم تأخذ حقها أفضى إلى سقوطها , والإضرار بها.

إنفاق الزوجة الغنية على زوجها المعسر:

اختلف الفقهاء في وجوب إنفاق الزوجة الغنية على زوجها في حال إعساره على قولين:

القول الأول: لا يجب عليها ذلك، فإن فعلت وجب عليه أن يرد ما أنفقت عليه في حال يساره إلا إذا تطوعت به، وهو قول جمهور العلماء، خلافا لابن حزم، فقد نص المالكية ـ مثلا ـ على أن المرأة لا يلزمها أن تنسج ولا أن تغزل ولا أن تخيط للناس بأجرة وتدفعها لزوجها ينفقها ; لأن هذه الأشياء ليست من أنواع الخدمة، وإنما هي من أنواع التكسب , وليس عليها أن تتكسب له إلا أن تتطوع بذلك , ولو كانت عادة نساء بلدها جارية بالنسج والغزل[44]

قال المتيطي: لم يختلف قول مالك إن الرجل إذا أكل مال زوجته وهي تنظر ولا تغير، أو أنفقت عليه ثم طلبته بذلك، أن ذلك لها، وإن كان عديما في حال الإنفاق , ويقضى لها عليه بعد يمينها أنها لم تنفق، ولا تتركه يأكل إلا لترجع عليه بحقها , ومن المدونة: إن أنفقت عليه في ذاته وهو حاضر مليء أو معدم، فلها اتباعه بذلك إلا أن يرى أن ذلك معنى الصلة[45].

والدليل على ذلك ما ذكر سابقا من أن النفقة حق على الزوج لزوجته، وهو وجوب عام يشمل الزوج معسرا أو موسرا، للزوجة غنية أو فقيرة.

القول الثاني: أن على الزوجة الإنفاق على زوجها في حال إعساره إذا كانت غنية, ولا ترجع عليه بشيء من ذلك إن أيسر , وقد انفرد بهذا القول ابن حزم على ما نص عليه الصنعاني والشوكاني[46]، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾(البقرة:233)، ووجه استدلاله بالآية أن الزوجة وارثة فلذلك عليها نفقته بنص القرآن الكريم[47].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن النفقة واجبة على الزوج لزوجته، لأن له حق القوامة عليها، ومع ذلك يستحب للزوجة أن تنفق على زوجها في حال حاجته، من دون أن تطالبه بعد ذلك بإرجاع ما أنفقته عليه، لأن بيت الزوجية مشترك بينهما، فلا مال لأحدهما ينفرد به عن الآخر.

وفي نفس الوقت يستحب للزوج أن يعف عن مال زوجته، فإن احتاج إليه وأنفق منه لضرورة من الضرورات، فإن حسن العشرة تدعوه إلى أن يرجع لها حقها إما في صورته المالية التي أخذها، أو على الأقل في صورة هدايا يصلها بها، إن علم عدم مطالبتها بما أنفقته عليه.

3 ـ شروط وجوب النفقة وموانعها

أولا ـ آراء المذاهب الإسلامية في الشروط الموجبة للنفقة:

اختلفت المذاهب الإسلامية في الشروط الموجبة للنفقة، وأكثر خلافهم في تصنيفها، وسنعرض هنا آراءهم العامة وبعض الفروع المرتبطة بها، ثم نذكر في تفاصيل الشروط أدلة هذه الأقوال ومنازعها، وما نراه من ترجيح، والغرض من هذا المطلب هو إعطاء صورة عامة لمواقف المذاهب الإسلامية من هذه الشروط، لإمكانية الرجوع إليها عند الحاجة لبعض التفريعات: 

مذهب الحنفية:

اشترط الحنفية[48] لوجوب النفقة على الزوج الشروط التالية:

·  أن يكون العقد صحيحاً، فلو عقد عليها فاسداً أو باطلاً وأنفق عليها، ثم ظهر فساد العقد أو بطلانه فإن له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه.

·  أن تكون الزوجة مطيقة للوطء منه أو من غيره، ولا يشترط لذلك سن خاص، بل يقدر بحسب حال الزوجة، إذ قد تكون صغيرة بدينة تطيق، وقد تكون كبيرة هزيلة لا تطيق، فإذا كانت صغيرة تطيق الوطء وسلمت نفسها، فإن النفقة تجب على الزوج، ولو كان صغيراً لا يعرف الوطء، مع وجوبها في مال الصغير لا في مال الأب، فإن لم يكن للصغير مال، فإن الأب لا يلزم بالانفاق على زوجته، ولكن يلزم بالاستدانة والإنفاق، ثم عند بلوغ الصغير ويساره يرجع عليه بما أنفق.

ويجب لها النفقة أيضا ـ عندهم ـ إذا كانت تشتهي للمباشرة والتلذذ بها في غير الفرج، ولو لم تطق الجماع في الفرج، كما إذا كانت رتقاء أو قرناء، فإذا لم تطق الوطء ولم تصلح للاستمتاع بها، فإذا كانت تصلح للخدمة والاستئناس بها، وأمسكها في بيته، فإن النفقة تجب لها.

·  أن تسلم نفسها، فإن كانت ناشزا، فلا تجب لها نفقة، والناشز هي التي تخرج من بيت زوجها بدون إذنه بغير حق، أو تمتنع من تسليم نفسها إليه، فلا تدخل داره، أما إذا لم تطاوعه في الجماع، فإن هذا، وإن كان حراماً عليها، ولكن لا تسقط به نقتها، لأن الحبس الذي تستحق به النفقة موجود.

وإذا كانت في منزل مملوك لها ومنعته من الدخول عليها، فإنها تكون ناشزا بذلك، فخرجت بغير إذنه، أو سافرت بغير إذنه، ثم عادت ثانياً، فإن النفقة تعود لها.

·  أن لا تكون مرتدة، فإذا ارتدت سقطت نفقتها، بخلاف ما إذا كانت ذمية تحت مسلم، فها تجب لها النفقة، سواء كانت نفقة زوجية أو عدة فإذا تابت المرتدة وأسلمت، وهي في العدة فإن نفقتها لا تعود بخلاف الناشز، وذلك لأن ردتها ترتب عليها فرقة جاءت من قبلها، فأبطلت نفقتها، ومتى بطلت النفقة بالفرقة فإنها تعود، بخلاف النشوز فإنه أمر عرضي يوقف النفقة ولا يبطلها.

·  أن لا تفعل ما يوجب حرمة المصاهرة فلو طاوعت ابن زوجها، أو أب زوجها، ومكنته من نفسها، أو لمسته بشهوة، فإنها تبين منه ولا نفقة لها عليه، لأنها فعلت ما يوجب الفرقة، فكانت فرقة من قبلها مبطلة للنفقة فإن كانت مطلقة وفعلت ذلك في العدة، فإن كانت معتدة عن طلاق رجعي، فإن نفقتها تسقط، أما إذا كانت معتدة عن طلاق بائن، أو عن فسخ بدون طلاق، فإن لها النفقة والسكنى.

·      أن لا تكون معتدة عدة وفاة.

ونرى من خلال هذه الشروط أن مدارها على حبس المرأة نفسها في منزل زوجها بالفعل أو بالقوة، فلا يشترطون لوجوب النفقة الدخول، كما لا يشترطون مطالبة الزوج بالدخول، إنما الشرط أن لا تخرج إلا بإذنه، ولا يشترطون أن لا يكون بها مانع يمنع الوطء كرتق ونحوه، كما إذا كانت عجوزاً غير صالحة للوطء، ومثلها المجنونة إذا سلمت له نفسها ومنعته من الوطء، كما لا يشترطون كون الزوج بالغاً.

مذهب المالكية:

قسم المالكية[49] شروط وجوب النفقة للزوجة على زوجها إلى قسمين: شروط لوجوبها قبل الدخول وشروط لوجوبها بعد الدخول:

شروط الوجوب قبل الدخول: اشترط المالكية لوجوب النفقة قبل الدخول أربعة شروط، هي:

·  أن تدعوه الزوجة أو وليها المجبر إلى الدخول فلم يدخل، فإذا لم تدعه إلى الدخول فلا حق لها في النفقة.

·  أن تكون مطيقة للوطء، فإذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنه لا تجب عليها نفقتها إلا إذا دخل بها، ولا يجب عليه الدخول إذا دعته ولا يجبر عليه.

·  أن لا تكون مريضة مرضاً شديداً بحيث أصبحت في حالة النزع أو كان هو مريضاً كذلك، وإلا فلا نفقة لها.

·      أن يكون الزوج بالغاً، فلو كان الزوج صغيراً فإن نفقتها لا تجب عليه ولو كان قاراً على وطئها.

شروط الوجوب بعد الدخول: نص المالكية في هذه الحالة على أنه تجب عليه نفقتها، سواء كانت الزوجة تطيق الوطء أو لا، وسواء كانت مريضة مرض الموت أو لا وسواء كان بالغاً أو لا، وهذا هو الظاهر عندهم، وفي المسألة خلاف، فذهب بعضهم إلى أنها لا تجب على الصغير ولو دخل بها ووطئها، وكما لا تجب على الكبير إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء، ومثل ذلك المريضة التي بلغت حد النزع، فإنه لا نفقة لها في هذه الحالة، ويشترط لوجوبها بعد الدخول أن تمكنه من الوطء بحيث إذا طلبه منها لا تمتنع، وإلا فلا حق لها في النفقة، وأن تكون سليمة من عيوب النكاح، كالرتق ونحوه، فإذا كانت كذلك فلا حق لها في النفقة، إلا إذا تلذذ بها بغير الوطء وكان عالماً بالعيب. فإن النفقة تجب عليه في هذه الحالة.

مذهب الشافعية:

اشترط الشافعية لوجوب النفقة على الزوج الشروط التالية:

·  أن تمكنه من نفسها، ويتحقق ذلك بأن تعرض نفسها عليه، كأن تقول: إني مسلمة نفسي إليك. فإن لم يكن حاضراً عندها بعثت إليه تقول: أنني مسلمة نفسي إليك، فاختر وقتاً أجيء فيه إليك أو تجيء إليّ أو نحو ذلك، فإن لم يكن حاضراً في  البلد أنذرته النفقة، فإذا لم تخطره بذلك فإنها لا حق لها في النفقة حتى ولو كانت لا تمتنع إذا طلبها، ويجب أن تمكنه من نفسها في أي وقت يجب، فإذا كان لها عمل بالنهار لا يتمكن منها فيه فإن نفقتها لا تجب عليه، فإذا كانت صغيرة أو مجنونة عرضها وليها. 

·  أن تكون مطيقة للوطء، فإذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنها لا تستحق النفقة سواء كان زوجها بالغاً يريد الوطء أو صغيراً لا يطأ، وإذا كان صغيراً فإن النفقة لا تجب عليه إلا إذا سلمت الزوجة لوليه، وكذا إذا كان مجنوناً، فإن النفقة لا تجب عليه إلا إذا سلمت زوجته للولي فلو استمتع المجنون بها بدون أن يستلمها وليه، فلا نفقة عليه بذلك وبعضهم يقول: إذا كان الزوج صغيراً لا يطأ مثله، وكانت الزوجة صغيرة لا تطيق الوطء فإن نفقتها تجب، وذلك لأن المانع منهما معاً لا من الزوجة وحدها، بخلاف ما إذا كان الزوج كبيراً وهي صغيرة لا تطيق الوطء فإن المانع من جهتها وحدها فلا تستحق.

·  أن لا تكون ناشزا، أي خارجة عن طاعة زوجها، ومن الصور التي ذكروها لذلك أن تمنعه من الاستمتاع بها من لمس وتقبيل ووطء ونحو ذلك، فإذا منعته سقطت نفقتها في اليوم الذي منعته فيه، ومنها أن تخرج من المسكن بدون إذنه، فإذا خرجت بدون إذنه فلا تجب عليه نفقتها، إلا إذا خرجت لعذر كخوف من انهدام مسكن أو لعيادة أهلها ونحو ذلك، مما لا يغضب أمثاله عرفاً. ومنها أن تسافر لقضاء حاجة لغير زوجها ولو بإذنه، فإن نفقتها تسقط بذلك أما إذا سافرت لقضاء حاجة له بإذنه فإن نفقتها لا تسقط.  ومثل ذلك ما إذا سافرت معه ولو بدون إذنه..

مذهب الحنابلة:

اشترط الحنابلة[50] لوجوب نفقة الزوجية على الزوج الشروط التالية:

·  أن تسلم له نفسها تسليماً تاماً في أي بلدة أو مكان يليق بها، فإذا امتنعت عن تسليم نفسها في بلد دون بلد فإن نفقتها تسقط.

·  أن تكون ممن يوطأ مثلها، أي بأن تكون صالحة للوطء، وقيد ذلك بعضهم بشرط أن تكون بنت تسع سنين، فإذا كانت ضخمة تطيق الوطء، وهي دون تسع، فإنها لا نفقة لها على هذا القيد، فإن كانت صغيرة تطيق الوطء فإن على وليها أن يقول لزوجها: تعال استلم زوجتك، فمتى سلمت الزوجة نفسها أو أسلمها وليها، وكانت تطيق الوطء وجبت نفقتها على الزوج، وسواء كان صغيراً أو كبيراً، وسواء كان يمكنه الوطء أو لا، كما إذا كان مجبوباً، أو عنيناً، لأن النفقة تجب في مقابل الاستمتاع، فمتى سلمت نفسها وجبت عليه نفقتها، سواء استمتع بالفعل أو لا، وإذا تعذر وطؤها لمرض أو حيض أو نفاس أو رتق أو قرن، أو هزال، فإنه لا يمنع نفقتها، وإنما لمدار على تسليم نفسها ما دامت بلغت تسع سنين، سواء حدث لها ذلك قبل الدخول، أو حدث لها وهي عنده فإذا كانت صحيحة وبذلت نفسها ليستمتع بها بغير الوطء، فإنها لا حق لها في النفقة، فإذا امتنعت من تسليم نفسها للجماع سقطت نفقتها، فإذا عرض لها عارض يمنع من الوطء سلمت نفسها بعد ذلك فإن نفقتها لا تعود ما دامت مريضة عقوبة لها على منع نفسها وهي صحيحة، وإذا ادعت أن بها آلاماً لا تطيق معها الوطء، فإن قولها يقبل إذا عرضت نفسها على امرأة ثقة وأقرت دعواها، ولا تسقط نفقتها.

·  أن لا تكون ناشزاً، ومن الصور التي ذكروها للنشوز: أن تخرج من منزله بدون إذنه، أو أن لا تمكنه من وطئها، أو أن تسافر بدون إذنه،، أو أن تتطوع بحج أو بصوم نفل أو تحرم بحج منذور في الذمة ولو بإذنه، فإنها إن فعلت ذلك ودعاها للفراش فأبت سقطت نفقتها، فإن له أن يبطل صوم التطوع ونحوه، أو أن لا تبيت معه في فراشه، أو أن تمنعه من الاستمتاع بها بغير الوطء، كالتقبيل ونحوه، أو أن لا تسافر بغير إذنه لحاجته، فإن سافرت لحاجته بإذنه.

·  أن لا تلزمها عدة بوطء غيره، كما إذا وطئها شخص بشبهة فاعتدت منه، فلا نفقة لها عليه، ولا فرق في النشوز بين قدرة الزوج على ردها أو لا، فإن عادت عن النشوز وسلمت له نفسها عادت لها النفقة، وإذا أسلمت المرتدة عادت لها نفقتها، وإذا أطاعته نهاراً وعصته ليلاً كان لها نصف نفقة مثلها.

·  أن لا يحول بينه وبينها حائل، كما إذا حبست ولا يستطيع الوصول إليها، فإن حقها يسقط في النفقة، وكذا إذا حبست الزوج من أجل نفقتها أو صداقها، فإنها لا نفقة لها إلا إذا كان الزوج موسراً مماطلاً وحبسته، فإن نفقتها لا تنقطع، لأنه يكون في هذه الحالة ظالماً.

مذهب الإمامية:

نص الإمامية[51] على الشرطين التاليين:

·      أن يكون العقد دائما.

·  التمكين الكامل , وهو التخلية بينها وبينه , بحيث لا تخص موضعا ولا وقتا فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان , أو مكان دون آخر , مما يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل التمكين.

ومن فروع التمكين: أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها , سواء كان زوجها كبيرا أو صغيرا , ولو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء ; لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه في الغالب، أما لو كانت كبيرة , وزوجها صغيرا، ففيه خلاف بينهم والأشبه عندهم وجوب الإنفاق لحصول التمكين، ولو كانت مريضة أو رتقاء أو قرناء , لم تسقط النفقة ; لإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا , وظهور العذر فيه.

ولو سافرت الزوجة بإذن الزوج لم تسقط نفقتها , سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح، ومثله ما لو سافرت في واجب بغير إذنه , كالحج الواجب , أما لو سافرت بغير إذنه , في مندوب أو مباح , سقطت نفقتها , ولو صلت أو صامت أو اعتكفت بإذنه , أو في واجب وإن لم يأذن , لم تسقط نفقتها , وكذا لو بادرت إلى شيء من ذلك ندبا ; لأن له فسخه , ولو استمرت مخالفة , تحقق النشوز , وسقطت النفقة.

وتثبت النفقة للمطلقة الرجعية , كما تثبت للزوجة، وتسقط نفقة البائن وسكناها , سواء كانت عن طلاق أو فسخ نعم لو كانت المطلقة حاملا , لزم الإنفاق عليها حتى تضع , وكذا السكنى, وفي الحامل المتوفى عنها زوجها , روايتان: أشهرهما أنه لا نفقة لها , والأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها , وتثبت النفقة للزوجة مسلمة كانت أو ذمية أو أمة.

مذهب الزيدية:

نص الزيدية[52] على أن النفقة تجب للزوجة مطلقا من مال الزوج أو من مال وليه، ولو كان الزوج حملا أو مجنونا, ولو زوج لغير مصلحة، ويبدأ هذا الوجوب من يوم العقد، ويستوي عندهم أن تكون الزوجة كبيرة ولو شيخة , أم صغيرة صالحة للجماع أم لا , دخل بها أم لا , حيث لم يطلب ولا امتنعت , سليمة من العيب أم معيبة, وسلمت تسليما مستداما يوما وليلة فما فوق , مسلمة أم ذمية مع ذمي أو مع مسلم عند من يجيز نكاح الكتابيات , وتجب لها نفقة سفر حيث أحرمت بحجة الإسلام ولو بغير إذنه أو نفلا بإذنه، فإن نفقتها واجبة في ذلك كله على الزوج.

وتجب النفقة للمعتدة وتوابعها كالباقية تحت زوجها , سواء كانت معتدة عن موت قبل الدخول أم بعده، أو عن طلاق بعد دخول لا بعد خلوة فقط , أو كانت العدة عن فسخ بعيب فيه أو فساد عقد، فإن النفقة تجب في العدة إلا أن يكون ذلك الفسخ بحكم حاكم, فإذا كان الفسخ بحكم فلا نفقة لها في العدة على الزوج غالبا احترازا من بعض الصور، فإن الفسخ يكون بالحكم وتلزم النفقة، وذلك كالصغيرة إذا بلغت وفسخت النكاح واحتاجت إلى الحكم لأجل التشاجر.

ولو كان الفسخ لأمر يقتضي النشوز من المرأة فإنها لا تستحق نفقة في العدة , وذلك الأمر إما ذنب كأن ترتد عن الإسلام والزوج باق , أو يسلم الزوج أو أحد أبويه وهو صغير وتبقى على الكفر وهي بالغة عاقلة فقد وقع الفسخ لأمر يقتضي النشوز من المرأة فلا نفقة لها في العدة، أما إذا أسلم زوجها وهي صغيرة أو مجنونة فلا تسقط النفقة لعدم النشوز منها , وكذا لو ارتد الزوج وبقيت هي على الإسلام أو أسلمت هي وبقي على الكفر فإنها لا تسقط نفقتها في الوجهين، أو عيب، وذلك مثل أن يفسخها الزوج بعد الدخول بأحد العيوب.

مذهب الإباضية:

تجب النفقة عندهم[53] بالدخول أو بالدعاء إلى الدخول , بشرط أن لا يكون أحدهما مريضا مرض السياق والزوج بالغ والزوجة مطيقة , وجعل بعضهم السلامة من المرض والبلوغ في الزوجة وإطاقة الوطء في الزوجة شرطا في الدعاء إلى الدخول , فإذا دعاها وقد اختل أحد هذه الشروط فلا تجب , وإن دخل وجبت بلا شرط , وجعلها بعضهم شرطا في الدخول , وفي الدعاء إليه فلا تجب نفقة الزوجة ولو دخل بها إلا إذا بلغ الزوج وأطاقت الزوجة الوطء.

مذهب الظاهرية:

وهو أشد المذاهب في وجوب النفقة على الزوجة في جميع أحوالها بدون تقييد بأي شرط، قال ابن حزم:(على الزوج كسوة الزوجة - مذ يعقد النكاح - ونفقتها , وما تتوطاه وتتغطاه وتفترشه , وإسكانها كذلك أيضا، صغيرة أو كبيرة، ذات أب أو  يتيمة، غنية أو فقيرة، دعي إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز، حرة كانت أو أمة، بوئت معه بيتا أو لم تبوأ)[54]

ثانيا ـ تفاصيل الشروط الوجبة للنفقة وأدلتها

من خلال العرض السابق للشروط التي ذكرها الفقهاء لاستحقاق المرأة النفقة على زوجها، نرى أنه يمكن تلخيصها وحصرها في الشرطين التاليين، ومع استبعاد بعض الشروط التي لا علاقة لها بالنفقة:

الشرط الأول: تسليم المرأة نفسها إلى الزوج وقت وجوب التسليم

وذلك بأن تقصر نفسها على زوجها[55]، بحيث يتمكن من الانتفاع بثمرات الزواج، وقد عرف الكاساني التسليم بقوله:(هو أن تخلي بين نفسها وبين زوجها، برفع المانع من وطئها أو الاستمتاع بها حقيقة إذا كان المانع من قبلها، أو من قبل غير الزوج) [56]

وقد اختلف الفقهاء في اشتراط التسليم لوجوب النفقة على الزوج على قولين[57]:

القول الأول: لا يشترط التسليم، بل إن الزوجة تستحق النفقة من يوم العقد عليها حتى ولو تأخر الدخول، بل ولو كان العقد من المهد، وهو قول الظاهرية، قال ابن حزم:(وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها دعي إلى البناء أو لم يدع - ولو أنها في المهد) [58]، واستدل على ذلك بما يلي:

·  قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النساء: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [59]،  وهذا يوجب لهن النفقة من حين العقد.

·  عدم ورود أي دليل يشترط التسليم، قال ابن حزم:(وقال قوم: لا نفقة للمرأة إلا حيث تدعى إلى البناء بها وهذا قول لم يأت به قرآن , ولا سنة , ولا قول صاحب , ولا قياس , ولا رأي له وجه)[60]

القول الثاني: اشتراط التسليم لوجوب النفقة، وذلك بأن تسلم نفسها له حقيقة أو حكماً بدخولها في طاعته بالفعل، أو باستعدادها لهذا الدخول ما لم يوجد مانع شرعي يمنعها من ذلك، وهو قول جمهور الفقهاء، وقد نص بعض الحنفية على أن هذا الشرط ليس بلازم، وأن النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت الزوج ; لأن الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيته كان لها أن تطالبه بالنفقة، وذلك لأن النفقة حق المرأة، والانتقال حق الزوج , فإذا لم يطالبها بالنقلة فقد ترك حقه، وهذا لا يوجب بطلان حقها[61].

وهو خلاف صوري لأن ما ذكره اتفق الفقهاء على القول به، ولهذا نصوا على أنها لو منعت نفسها أو منعها أولياؤها , أو تساكتا بعد العقد , فلم تبذل ولم يطلب , فلا نفقة لها , وإن أقاما على ذلك زمنا , ومن الأدلة على عدم وجوب النفقة عليه في هذه الحالة:

·  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة،رضي الله عنها، ودخلت عليه بعد سنتين , ولم ينفق إلا بعد دخوله , ولم يلتزم نفقتها لما مضى.

·  أن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح , فإذا وجد استحقت , وإذا فقد لم تستحق شيئا.

ويتحقق التسليم بانتقالها إلى بيته، فإذا  تزوج بالغة صحيحة سليمة ونقلها إلى بيته، فلها النفقة لوجود سبب الوجوب وشرطه، ويستوي في ذلك ما لو تزوجها ولم ينقلها وهي لا تمنع نفسها، وطلبت منه النفقة ولم يطالبها بالانتقال فلها النفقة في كل ذلك ; لأنه وجد سبب الوجوب وهو كونها محبوسة له، وشرطه وهو التسليم.

وقد اختلف الفقهاء أصحاب هذا القول في اشتراط الدخول لوجوب النفقة، فنص  المالكية على أن النفقة لا تجب على الزوج حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول بها، وهي ممن توطأ وهو بالغ[62]، بينما ذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه  يلزم غير البالغ النفقة إذا كانت هي بالغا، أما إذا كان هو بالغا والزوجة صغيرة، فللشافعي قولان أحدهما مثل قول مالك، والقول الثاني أن لها النفقة بإطلاق، وهذا مبني ـ كما قال ابن رشد ـ على خلافهم في علة النفقة،  هل هي لمكان الاستمتاع، أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريض[63].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة ارتباط وجوب النفقة بالتسليم،كما هو متعارف عليه، إلا إذا كان التقصير من الزوج، بأن طالت المدة، ولم يطلب المرأة للدخول، فإن عليه النفقة لتأخره، ومثل ذلك ما لو رفضت الزوجة التسليم بسبب مشروع من جهتها، مع مطالبة الزوج بذلك، ولكنها امتنعت بسبب شرعي، فإن لها الحق في النفقة، بشرط أن تكون الأعذار معتبرة.

أما ما استدل به ابن حزم من الحديث، فلا يصح الاستدلال به لأن سياق الحديث يدل على أن الزوجة في بيت زوجها أو قد سلمت نفسها له، ثم إن الشرع اعتبر التفريق بين الزوجية قبل الدخول وبعده، فلهذا فرض للمرأة نصف المهر إن حصل الطلاق قبل الدخول بناء على عدم اكتمال الزوجية بسبب عدم حصول الدخول.

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم، ألا وان الرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، ألا وإن   المرأة راعية على بيت زوجها، وهي مسئولة عنهم ألا والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) [64] وجوها من الدلالة على ذلك، منها أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن الرجل راع على أهل بيته، والمرأة قبل التسليم لا تعتبر من أهل بيته، وإن عقد عليها، ومنها أن المرأة راعية على بيت زوجها، وهو يشير إلى أن حقها في النفقة مرتبط بهذه الرعاية، وهي لا تتحقق إلا بالدخول، أو بالتسليم.

الأعذار المعتبرة لعدم التسليم:

من الأعذار المعتبرة التي ذكرها الفقهاء القائلون باشتراط التسليم الأعذار التالية:

طلب استيفاء مهرها العاجل:

إذا طلبت الزوجة من زوجها استيفاء مهرها العاجل، فلم يبذله لها، فإن لها الحق في عدم التسليم، ومع ذلك تجب لها النفقة، للأدلة التالية:

·  أنه لا يجب عليها التسليم قبل استيفاء العاجل من مهرها , فلم يوجد منها الامتناع من التسليم وقت وجوب التسليم.

·  أن تسليم نفسها قبل تسليم صداقها يفضي إلى أن يستوفي منفعتها المعقود عليها بالوطء , ثم لا يسلم صداقها , فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها , بخلاف المبيع إذا تسلمه المشتري ثم أعسر بالثمن , فإنه يمكنه الرجوع فيه.

أما إن كان الزوج قد أوفاها مهرها أو كان مؤجلا ; فلا نفقة لها لانعدام التسليم حال وجوب التسليم، فلم يوجد شرط الوجوب فلا تجب.

عدم قبولها ببيت الدخول:

ومن الأمثلة التي ذكرها الفقهاء لذلك، والتي نصوا فيها على وجوب النفقة على اختلاف بينهم في بعضها:

·  أن تقول: أسلم إليك نفسي في منزلي دون غيره، أو في الموضع الفلاني دون غيره فإنها تستحق النفقة إذا شرطت ذلك في العقد، بأن شرطت دارها أو بلدها , بناء على القول باعتبار هذا الشرط[65] ; أما إذا لم ينص على ذلك في العقد، فإنها إن لم تبذل التسليم الواجب بالعقد , فلا تستحق النفقة.

·  لو طالبها بالانتقال إلى بيته بعد ما أوفاها المهر إلى دار مغصوبة فامتنعت، فلها الحق في النفقة،لأن امتناعها بحق فلم يجب عليها التسليم فلم تمتنع من التسليم حال وجوب التسليم.

·  لو كانت ساكنة منزلها فمنعته من الدخول عليها، لا على سبيل النشوز، بل قالت: حولني إلى منزلك، أو اكتر لي منزلا أنزله، فإني أحتاج إلى منزلي هذا لكرائه، فإن لها الحق في النفقة، لأن امتناعها عن التسليم في بيتها لغرض التحويل إلى منزله أو إلى منزل الكراء امتناع بحق.

عدم الانتقال لأجل المرض:

إذا امتنعت من الانتقال إلى بيته بعلة مرضها، فإن ذلك يفوت على الزوج احتباسها وهو المقابل للنفقة، ولذلك نص الفقهاء والحنفية خصوصا على عدم استحقاق النفقة لذلك، والعلة هنا ليس في مرض الزوجة لأن المرض طارئ يمكن زواله، وعقد الزواج عقد للدوام فلا يسقط الحق الدائم بعارض من العوارض لا دخل للزوجة فيه، وإنما هو عدم انتقالها إلى بيت الزوجية أو امتناعها عن الانتقال إليه، فهي بذلك تعتبر ناشزا، فإذا انتفت هذه العلة فالمفتى به في المذهب الحنفي أنه يجب لها النفقة بعد انتقالها بالفعل إلى بيت الزوجية أو عدم ممانعتها في الانتقال وإن لم تنتقل إليه إن كان ذلك في استطاعتها.

ونرى أن الأرجح في المسألة هو النظر إلى نوع المرض، وإمكانية توفير ما تحتاجه من وسائل الصحة في بيت زوجها، فإن كان يشبه في ذلك بيت أهلها، فإنه لا حق لها في النفقة لعدم تسليم نفسها له، أما إن لم تتوفر في بيت زوجها هذه الوسائل، فإن على الزوج أحد أمرين:

·      إما توفيرها، حتى يقطع العذر عن زوجته في عدم ذهابها لبيته.

·      أو النفقة عليها في بيت أهلها.

ويختلف ذلك بحسب نوع المرض، فمن الأمراض ما تحتاج فيه المرأة إلى خدمة النساء، ولا حرج في اعتبار النواحي النفسية في ذلك.

الشرط الثاني: أن تكون مطيقة للمعاشرة الجنسية

ويتحقق ذلك ببلوغها، وعدم الموانع التي تحول بينها وبين المعاشرة، وقد ذكر الفقهاء هنا بعض الحالات التي تمنع من هذه المعاشرة، ومنها:

الصغر:

وهو من الموانع التي تحول بينه وبين معاشرتها جنسيا، ولهذا المانع حالتان:

صغر المرأة:

اختلف الفقهاء[66] فيما لو كانت المرأة صغيرة غير مطيقة للوطء على الأقوال التالية:

القول الأول: لا نفقة لها إن كانت صغيرة لا تحتمل الوطء، وهو قول الحسن , وبكر ابن عبد الله المزني , والنخعي , وإسحاق , وأبي ثور , والحنفية، وهو المنصوص عن الشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع , ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع , فلم تجب نفقتها , كما لو منعه أولياؤها من تسليم نفسها.

·      أن الصغيرة تختلف عن المريضة في أن الاستمتاع بها ممكن , وإنما نقص بالمرض.

·  أنها غير مسلمة نفسها إلى زوجها في منزله فلا تستوجب النفقة عليه كالناشز وهذا ; لأن الصغيرة جدا لا تنتقل إلى بيت الزوج بل تنقل إليه، ولا تنقل إليه للقرار في بيته، فتكون كالمكرهة إذا حملت إلى بيت الزوج.

·  أن نفقتها عليه باعتبار تفريغها نفسها لمصالحه، فإذا كانت لا تصلح لذلك لمعنى فيها كان ذلك بمنزلة منع جاء من قبلها، فلا نفقة لها على الزوج.

القول الثاني: لها النفقة مطلقا، وهو قول الثوري، ومذهب الظاهرية، ورواية عن الشافعي، وقول مالك كما في المدونة، فقد سئل ابن القاسم: أرأيت إن كانت صغيرة لا تجامع مثلها لصغرها فقالوا له ادخل على أهلك أو أنفق عليها؟ قال: قال مالك: ينفق عليها ولا يلزمه أن يدفع الصداق حتى تبلغ حد الجماع[67].

وقد استدلوا على ذلك بأن تعذر الوطء لم يكن بفعلها , فلم يمنع وجوب النفقة لها , كالمرض.

القول الثالث: لها النفقة، ولكن بشروط تقيدها، وقد اختلف في هذه الشروط، على الآراء التالية:

الرأي الأول: بلوغها تسعا، وهو مذهب الحنابلة، فقد سئل أحمد: متى يؤخذ من الرجل نفقة الصغيرة، فقال: إذا كان مثلها يوطأ، كبنت تسع سنين، وقد استدلوا على ذلك بقول عائشة،رضي الله عنها:(إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة) وقد قيد أصحابه ذلك بأنه لا تجب النفقة عليه إلا بالتسليم، أو بذلت له بذلا يلزمه قبوله لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع وذلك ممكن منه[68].

الرأي الثاني: أنه إذا كانت الصغيرة تخدم الزوج، وينتفع الزوج بها بالخدمة، فسلمت نفسها إليه، فإن شاء ردها وإن شاء أمسكها، فإن أمسكها فلها النفقة، وإن ردها فلا نفقة لها، وهو قول أبي يوسف، ووجه الحنفية قوله بما يلي[69]:

·  أنها لم تحتمل الوطء لم يوجد التسليم الذي أوجبه العقد، فكان له أن يمتنع من القبول فإن أمسكها فلها النفقة.

·  أنه حصل له منها نوع منفعة، وضرب من الاستمتاع وقد رضي بالتسليم القاصر , وإن ردها فلا نفقة لها حتى يجيء حال يقدر فيها على جماعها لانعدام التسليم الذي أوجبه العقد وعدم رضاه بالتسليم القاصر.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني بناء على حصول الدخول واعتبار المرأة زوجة، تنطبق عليها جميع النصوص الخاصة بوجوب النفقة على الزوجات.

ثم إن القول بعدم وجوب النفقة لعدم القدرة على المعاشرة الجنسية يحصر الزواج في هذه الدائرة الضيقة، مع أن المقاصد الشرعية من الزواج أعظم من أن تنحصر فيها، بل إن أكثر النصوص القرآنية والنبوية لم تعتبرها غاية الزواج القصوى، بل نص القرآن الكريم على أن الزواج سكن ومودة، والسكن والمودة قد تتحققان مع وجود المعاشرة وعدمها.

ثم كيف نستجيز أن نحبس المرأة في بيت الزوجية، ثم نقول لها: لسنا مكلفين بالنفقة عليك، إن هذا لو عومل به مجرم سجن، أو محارب أسر لم يكن عملا شرعيا، فكيف بالزوجة، وهي السكن والمودة، وقد أشار إلى ذلك حديث اختلف في رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين فيه علة وجوب النفقة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -  قال: قال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -:(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تنفق علي أو تطلقني، ويقول الابن: إلى من تكلني ويقول: العبد أنفق علي واستعملني) [70]

صغر الزوج:

بحيث لا يصلح للمعاشرة الجنسية مع صلاحيتها لذلك، وقد اختلف الفقهاء في وجوب النفقة عليه على قولين[71]:

القول الأول: إن على زوجها الصبي نفقتها،وهو قول أحمد،والشافعي في أحد قوليه، وبناء على هذا القول فإن الولي يجبر على نفقتها من مال الصبي ; لأن النفقة على الصبي , وإنما الولي ينوب عنه في أداء الواجبات عليه , كما يؤدي أروش جناياته , وقيم متلفاته , وزكواته.

فإن لم يكن له مال , فاختارت فراقه , فرق الحاكم بينهما , فإن كان له مال , وامتنع الولي من الإنفاق , أجبره الحاكم بالحبس , فإن لم ينفق , أخذ الحاكم من مال الصبي , وأنفق عليها , فإن لم يمكنه , وصبر الولي على الحبس , وتعذر الإنفاق , فرق الحاكم بينهما , إذا طلبت ذلك، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أنها سلمت نفسها تسليما صحيحا , فوجبت لها النفقة , كما لو كان الزوج كبيرا.

·      أن الاستمتاع بها ممكن , وإنما تعذر من جهة الزوج , كما لو تعذر التسليم لمرضه أو غيبته.

القول الثاني: لا نفقة لها، وهو قول مالك،وقول للشافعي، واستدلوا على ذلك بأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها , فلم تلزمه نفقتها , كما لو كانت غائبة أو صغيرة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة وجوب النفقة على ولي الزوج، لأنه هو الذي تولى هذا الزواج، ولا يجب من مال الصغير ـ إن كان له مال ـ لأنه غير مكلف بالنفقة على غيره،  ونرى في مثل هذه المسائل المختلف فيها أن لا تزوج المرأة إلا بعد اشتراط النفقة أو الحقوق التي قد تخاف ضياعها.

وإن بلغ الصغير، فإنه غير مكلف بإعادة ما أنفق على زوجته إلا إذا رضي بذلك من باب التطوع، لأن زواجه وهو صغير، ولو فرض أنه حصل بعد استئذانه، إلا أن قدرته العقلية لا تسمح له بالبت في مثل هذا، فلهذا لا يتحمل تبعات قرار وليه.

المرض:

اتفق الفقهاء[72] على أن الزوجة إن نقلت وهي صحيحة ثم مرضت في بيت الزوج مرضا لا تستطيع معه الجماع لم تبطل نفقتها، ومثله ما لو نقلها ثم ذهب عقلها فصارت معتوهة مغلوبة أو كبرت فطعنت في السن حتى لا يستطيع زوجها جماعها أو أصابها بلاء، فلها النفقة في كل ذلك[73]، واستدلوا على ذلك بما يلي[74]:

·      أن التسليم المطلق وهو التسليم  الممكن من الوطء والاستمتاع قد حصل بالانتقال.

·      أنها كانت صحيحة، ثم قصر التسليم لعارض يحتمل الزوال فأشبه الحيض.

الحبس:

اختلف الفقهاء[75] في حق المحبوسة في النفقة على قولين:

القول الأول:: أنه لا تجب النفقة على الزوج لزوجته المحبوسة في دين ولو ظلما بأن كانت معسرة، وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة لفوات الاحتباس وكون الامتناع ليس من جهته.

القول الثاني: أن لها النفقة إن لم تكن مماطلة , سواء كان الحبس في دين الزوج أو غيره ; لأن الامتناع ليس من جهتها، وهو قول المالكية وبعض الشافعية.  وفرق النووي بين حبس الزوجة المقرة بدين فلا نفقة لها على زوجها وبين حبس من قامت البينة على استدانتها فلها النفقة، وفرق بعضهم بين ما لو حبسها الزوج بغير حق، فلا تسقط نفقتها ولا قسمها، وإن حبسها بحق سقطا كما لو حبسها أجنبي مطلقا بحق أو لا , وحبسها للزوج إن كان بحق لم يسقطا وإلا سقطا ; لأن المانع من جهتها[76].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو النظر إلى المتسبب في سجنها، فإن كان الزوج هو السبب، بأن اضطرها لذلك لأمر من الأمور، فإن النفقة واجبة عليه طيلة مدة سجنها، ولو كان السجن يقوم لها بنفقتها، أما إن كان السبب أجنبيا، فلا يجب على الزوج الإنفاق عليها إلا فيما تحتاجه مما لا يوفره لها السجن.

وليس هذا لأجل عدم التمكين، فإن النفقة ـ كما ذكرنا ـ تستحقها الزوجة باسم الزوجية، وإنما لأن السجين عادة تقدم له النفقة الأساسية التي يحتاجها، فإن فرض عدم تقديم السجن لها ذلك، فإنه يجب على الزوج توفيره لها أو التفريق بينه وبينها.

ثالثا ـ موانع النفقة

1 ـ المطلقة طلاقا بائنا:

اختلف الفقهاء في حق المطلقة ثلاثا في النفقة والسكنى على الأقوال التالية[77]:

القول الأول: أن لها السكنى وليس لها النفقة، وهو قول عمر , وابنه وابن مسعود , وعائشة, وفقهاء المدينة السبعة ومالك , والشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول الله تعالى: تعالى:﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)، ووجه الاستدلال بالآية كما ذكر ابن العربي أن الله تعالى لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة، فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها[78].

وقد استدل الشافعي بسياق الآية، فالله تعالى ذكر المطلقة الرجعية وأحكامها أول الآية إلى قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾(الطلاق:2)ثم ذكر بعد ذلك حكما يعم المطلقات كلهن من تعديد الأشهر وغير ذلك وهو عام في كل مطلقة، فرجع ما بعد ذلك من الأحكام إلى كل مطلقة، قال الشافعي في بيان وجه الاستدلال بالآية:(فكان بينا (والله أعلم) في هذه الآية أنها في المطلقة لا يملك زوجها رجعتها ; من قبل أن الله تعالى لما أمر بالسكنى عاما ; ثم قال في النفقة: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6) فدل ذلك على أن الصنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن , صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن، لأنه إذا وجب لمطلقة بصفة ; نفقة ففي ذلك , دليل على أنه لا يجب نفقة لمن كانت في غير صفتها من المطلقات، ولما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها ; في معاني الأزواج: كانت الآية على غيرها من المطلقات) [79]

·  واستدلوا لإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)، فإن مفهومه أن الحامل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى والسياق يفهم أنها الرجعية، لأن نفقة الرجعية واجبة لو لم تكن حاملا.

القول الثاني: لا سكنى لها , ولا نفقة , وهو قول علي , وابن عباس , وجابر , وعطاء , وطاوس , والحسن وعكرمة , وميمون بن مهران , وإسحاق, وأبي ثور , وداود والظاهر عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  ما روت فاطمة بنت قيس , (أن زوجها طلقها ألبتة وهو غائب , فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته , فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فذكرت ذلك له , فقال: ليس لك عليه نفقة ولا سكنى فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك) [80]،وفي لفظ: (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على  زوجها ما كانت له عليها الرجعة, فإذا لم يكن له عليها الرجعة , فلا نفقة ولا سكنى)، وهذا الحديث هو المعول عليه عند أصحاب هذا القول، بل هو حجة المسألة، قال ابن القيم:(وأسعد الناس بهذا الخبر من قال به، وأنه لا نفقة لها ولا سكنى، وليس مع رده حجة تقاومه ولا تقاربه) [81]، وقال ابن عبدالبر:(أما من طريق الحجة وما يلزم منها، فقول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأرجح، لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصا صريحا، فأي شيء يعارض هذا إلا مثله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  الذي هو المبين عن الله مراده، ولا شيء يدفع ذلك)

 وقد تعرض الحديث للتأويل من طرف أصحاب القولين الأول والثالث، ومن أهم التأويلات ما قاله الشافعي في القديم أنه (إنما أمرت به، لأنها استطالت على أحمائها، فأمرت بالتحول عنهم للشر بينها وبينهم، فكأنهم أحبوا لها ذكر السبب الذي له أخرجت، لئلا يذهب ذاهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قضى أن تعتد المبتوتة حيث شاءت)، وهذا الذي ذكره الشافعي هو تأويل عائشة، وبه أجابت مروان لما احتج عليها بالحديث، وقد أجاب ابن القيم على ذلك التأويل بالوجوه التالية:

الوجه الأول: أنه ليس بمذكور في القصة، ولا علق عليه الحكم قط لا باللفظ ولا بالمفهوم، وإن كان واقعا فتعليق الحكم به تعليق على وصف لم يعتبره النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا في لفظه قط ما يدل على إسقاط السكنى به، وترك لتعليق الحكم بالوصف الذي اعتبره وعلق به الحكم وهو عدم ثبوت الرجعة.   

الوجه الثاني: أن المتأولين للحديث لا يقولون به، فإن المرأة ولو استطالت ولو عصت بما عسى أن تعصى به لا يسقط حقها من السكنى، كما لو كانت حاملا، بل كان يستكري لها من حقها في مال زوجها، وتسكن ناحية.

الوجه الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  ذكر لها السبب الذي من أجله سقط حقها من السكنى، وهو سقوط حق الزوج من الرجعة، وجعل هذا قضاء عاما لها ولغيرها، فكيف يعدل عن هذا الوصف إلى وصف لو كان واقعا لم يكن له تأثير في الحكم أصلا.

الوجه الرابع: أنه لو كان التعليل بسلاطة اللسان مع هذا البيان صحيحا لما احتاج عمر- رضي الله عنه -  في رده إلى قوله:(لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة)،بل كان يقول:(لم يخرجها من السكنى إلا بذاؤها وسلطها)، ولم يعللها بانفراد المرأة به، وقد كان عمر - رضي الله عنه -   يقف أحيانا في انفراد بعض الصحابة، كما طلب من أبي موسى شاهدا على روايته وغيره.

الوجه الخامس: أن فاطمة،رضي الله عنها،  ردت على من أنكر عليها وانتصرت لروايتها ومذهبها.

·  أنه لا يصح الاستدلال بالآية، لأن الله تعالى قال:﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾(الطلاق:6) وقال:﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾(الطلاق:1)، وهذا لو كان كما ظنوه لكان في السكنى خاصة، وأما إيجاب النفقة لها، فليس في القرآن إلا ما يدل على أنه لا نفقة لهن، لأن الله تعالى شرط في وجوب الإنفاق أن يكن من أولات الحمل، وقد قالت فاطمة بنت قيس،رضي الله عنها، وهي صاحبة القصة في ردها على مروان حين بلغها إنكاره بقولها: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾(الطلاق:1)، قالت: هذا لمن كانت له مراجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث، وإذا لم يكن لها نفقة، وليست حاملا فعلام يحبسونها؟

وقد وافق فاطمة على أن المراد بقوله تعالى يحدث بعد ذلك أمر المراجعة قتادة والحسن والسدي والضحاك ولم يحك عن أحد غيرهم خلافة.

·  أنه لم يصح عن عمر - رضي الله عنه -  أنه قال: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة، لأن أحمد أنكره وقال أما هذا فلا، ولكن قال لا نقبل في ديننا قول امرأة، وهذا أمر يرده الإجماع على قبول المرأة في الرواية، فأي حجة في شيء يخالفه الإجماع وترده السنة ويخالفه فيه علماء الصحابة[82].

·  أن قول عمر , ومن وافقه من الصحابة - رضي الله عنهم -  خالفه فيه علي وابن عباس - رضي الله عنهم - , ومن وافقهما , ولو لم يخالفه أحد منهم , لما قبل قوله المخالف لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فإن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  حجة على عمر وعلى غيره.

·  أن رد خبرها لأنها امرأة مما لا يقول به أحد، وقد أخذ الناس برواية من هو دون فاطمة، وبخبر الفريعة وهي امرأة، وبحديث النساء كأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن من الصحابيات، بل قد احتج العلماء بحديث فاطمة هذا بعينه في أحكام كثيرة[83].

·  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في المتلاعنين أن لا يبت لها عليه ولا قوت، قال ابن القيم:(ولو لم يكن في المسألة نص لكان القياس يقتضي سقوط النفقة والسكنى، لأنها إنما تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع، والبائن قد فقد في حقها ذلك ولهذا وجبت للرجعية لتمكنه من الاستمتاع بها، وأما البائن فلا سبيل له إلى الاستماع بها إلا بما يصل به إلى الأجنبية، وحبسها لعدته لا يوجب نفقة كما لو وطئها اليسرى وكالملاعنة والمتوفى عنها زوجها) [84] 

·  أنه لا سكنى إلا للرجعية لقوله تعالى:﴿لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾، أما قوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾(الطلاق:6)، فهو راجع إلى ما قبله، وهي المطلقة الرجعية.

·      أن السكنى تابعة للنفقة وجارية مجراها، فلما لم تجب للمبتوتة نفقة لم يجب لها سكنى.

القول الثالث: لها السكنى والنفقة، وهو قول ابن شبرمة , وابن أبي ليلى , والثوري , والحسن بن صالح , وأبي حنيفة وأصحابه , والبتي , والعنبري، وروي عن عمر , وابن مسعود، واستدلوا على ذلك بما يلي[85]:

·      عن عمر - رضي الله عنه -  أنه قال في المطلقة ثلاثا: لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة، وعنه قال: لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة، وكان يجعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة، وعنه أنه قال:(لا ندع كتاب ربنا وسنة رآه لقول امرأة لها السكنى والنفقة)، وروي عن شريح في المطلقة ثلاثا، قال: لها النفقة والسكنى[86].

·  أن ما احتج به عمر - رضي الله عنه -   في دفع حديث فاطمة بنت قيس حجة صحيحة , لأن الله تعالى قال:﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾(الطلاق:1)،ثم قال: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾(الطلاق:1)، وقد أجمعوا أن ذلك الأمر هو المراجعة، ثم قال تعالى:﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾(الطلاق:6) ثم قال: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾(الطلاق:1) يريد في العدة، فكانت المرأة إذا طلقها زوجها اثنتين للسنة , على ما أمره الله تعالى به , ثم راجعها , ثم طلقها أخرى للسنة , حرمت عليه , ووجبت عليها العدة التي جعل الله لها فيها السكنى , أو أمرها فيها أن لا تخرج , وأمر الزوج أن لا يخرجها، ولم يفرق الله عز وجل بين هذه المطلقة للسنة التي لا رجعة عليها , وبين المطلقة للسنة التي عليها الرجعة، فلما جاءت فاطمة بنت قيس , فروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  أنه قال لها: (إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليها الرجعة) خالفت بذلك كتاب الله نصا , لأن كتاب الله تعالى قد جعل السكنى لمن لا رجعة عليها, وخالفت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  لأن عمر - رضي الله عنه -   قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  خلاف ما روت, فخرج المعنى الذي منه أنكر عليها عمر - رضي الله عنه -  ما أنكر خروجا صحيحا , وبطل حديث فاطمة , فلم يجب العمل به أصلا[87].

·      قوله تعالى: وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾(الطلاق:6), وترك النفقة من أكبر الأضرار.

·      أنها معتدة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية.

·      أنها محبوسة عليه لحقه فاستحقت النفقة كالزوجة.

·      أنها مطلقة , فوجبت لها النفقة والسكنى , كالرجعية.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة أنها من مسائل الخلاف الطويلة، والتي تتكافؤ فيها الأدلة، ولا يمكننا طرح حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تأويله، ولا يمكننا مع ذلك طرح رأي عمر - رضي الله عنه -  بحجة مناقضته لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما كان عمر - رضي الله عنه -  يجرؤ على ذلك، ولو لم يبلغ الحديث عمر، أو لو لم يرو عنه بلوغه، لكان في الأخذ بحديث فاطمة حجة لازمة لا يمكن التنازل عنها أو طرحها بأي ضرب من ضروب التأويل، فكيف يمكن الجمع بين الأمرين، وهل هناك إلا الأخذ بأحد القولين؟

والجواب على ذلك، والله أعلم، أن عمر - رضي الله عنه -  صح عنده الحديث، ولكنه عمل بخلافه[88]، لأنه من معرفته لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكيفية تعامله في قضاياه، ومن معرفته كذلك لفاطمة بنت قيس وقصتها علم أن المسألة ليست حكما شرعيا لازما، وإنما هي تصرف منه - صلى الله عليه وسلم - باعتباره وليا للأمر، فلذلك اختار هو في زمانه واختار شريح وهو قاض من قضاة المسلمين، واختار من بعدهما عمر بين عبد العزيز خلاف حديث فاطمة، لأن حديثها كان خاصا بها، وبمن يشبه حالتها.

ولكن القول بهذا قد يجعل هذا الأمر لعبة بأيدي أولياء الأمور، والكثير منهم ليس في عدل عمر ولا بصيرة شريح، فما الحل في ذلك؟

نرى في هذا والله أعلم أن النفقة والسكنى،  بالنسبة للمطلقة ثلاثا حق وليست واجبا، ومعنى كونها حقا، أن لها الخيار في أن تأخذ النفقة وتسكن السكنى، أو أن تترك ذلك جميعا، وهذا ما يفرقها عن المطلقة الرجعية، ولهذا اعتبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا التفريق، فأخبرها أن ذلك للمطلقة الرجعية، أي على سبل الوجوب، أما المطلقة البائن فهو حق قد تأخذ به للضرورة، وقد تتركه إذا لم تدع الضرورة إلى ذلك، والنساء يختلفن في ذلك، والظروف تختلف كذلك، فلذلك لم يرد نص صريح عام يقطع الخلاف.

فكان الأوفق لمصلحة المرأة هو ما تراه مناسبا لها، ولهذا من الحرج، ومن التضييق على الناس إلزامهم بقول واحد، وقد كانت  فاطمة بنت قيس،رضي الله عنها،  عندما جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترغب في أن لا تعتد في بيت زوجها، فلذلك بلغها رغبتها، وهذا ما فهمه العلماء الفحول من السلف الصالح فعن عمرو بن ميمون , عن أبيه , قال: قلت لسعيد بن المسيب: أين تعتد المطلقة ثلاثا؟ فقال: في بيتها , فقلت له: أليس قد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم؟ فقال: تلك المرأة فتنت الناس واستطالت على أحمائها بلسانها فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم , وكان رجلا مكفوف البصر)

والنصوص المختلفة التي روي بها حديث فاطمة تؤكد هذا المعنى، وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة من روايات، فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام عليها، وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش من القول[89].

قال ابن حجر:(فإذا جمعت ألفاظ الحديث من جميع الإشارة، خرج منها أن سبب استئذانها في الانتقال ما ذكر من الخوف عليها، واستقام الاستدلال حينئذ على أن السكنى لم تسقط لذاتها، وإنما سقطت للسبب المذكور)،.

وقد روي في بعض روايات الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرها أن تنتقل حين خافت زوجها عليها، فقد روي أنها قالت: يا رسول الله إن زوجي طلقني , وإنه يريد أن يقتحم, قال انتقلي عنه، وقد وجه الطحاوي بعض ما يبدو من تناقض بين هذه الرواية وما روي في هذا الباب أنه طلقها وهو غائب , أو طلقها ثم غاب فخاصمت ابن عمه في نفقتها ,فقال:(ما تضادا, لأنه قد يجوز أن تكون فاطمة لما طلقها زوجها , خافت على الهجوم عليها، وسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتاها بالنفقة ثم غاب بعد ذلك , ووكل ابن عمه بنفقتها , فخاصمت حينئذ في النفقة وهو غائب , فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(لا سكنى لك ولا نفقة) [90]

أما ما روي من تخطئة عمر - رضي الله عنه -  والسلف الصالح لها، فليس من باب الإنكار على تحديثها، فهم يعرفون عدالتها وعقلها ودينها، ولكنها كانت تدعو إلى ذلك وتخالف ولي الأمر فيه مما قد يتناقض مع مصالح المسلمين.

وقد روى الشعبي ما يدل على هذا، فقد قال: لقيني الأسود بن يزيد فقال: يا شعبي اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة، قلت: لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالشعبي كان يرى استمرار الحديث، ومن نصحه بعدم خلاف عمر - رضي الله عنه -  نصحه بعدم خلاف ولي الأمر، لأن الشعبي وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم -  خالفوا عمر - رضي الله عنه -  في كثير من المسائل مما لا علاقة لها بولي الأمر، ولم ينكر عليهم في ذلك.

أما الاستدلال بالقرآن الكريم، فإن القرآن حمال وجوه، ولا يمكننا أن ننصر وجها من الوجوه إلا وجدنا من ينصر غيره، وليس عقلنا بأقوم ممن استدل من القرآن بأي وجوه من الوجوه، فلذلك نرى في هذا حكمة الأسلوب القرآني في تحميل النص احتمال التأويل والتوجيهات المختلفة، ليفتح بذلك دائرة أوسع مما تحتمله العبارة، بل نرى في عدم التصريح القرآني الذي يقطع الخلاف إرادة كل ما توجه إليه الخلاف.

ثم لا ينبغي بعد هذا بدعوى التعصب للسنة، ثم نرى حديث فاطمة، أن نرى كل من ترك القول بذلك مبتعدا عن السنة، ولا ينبغي أن نقول ما قالوا:إن الحديث أولى من قول عمر، لأن الذي أتى بالسنة هو الذي أمر بالاهتداء بهدي عمر، فترك قول عمر ترك للسنة، ثم إن فهمنا للحديث وملابساته لن يصل أبدا إلى جزء ضئيل مما وصل إليه فهم عمر - رضي الله عنه -  والسلف الصالح من حوله ومن بعده.

ثم نسأل هؤلاء، بأي حق، أم بأي دين، نقول للمطلقة ثلاثا بمجرد بينونتها من زوجها: اخرجي إلى الشارع، فلا مكان لك هنا ولا نفقة، قد يكون للمرأة أهل تأوي إليهم أو بيت تسكن فيه، فتستغني عن الزوج بذلك، ولكن هناك بجانبها الكثيرات ممن قد لا يجدن أهلا ولا مالا، وقد يطلقن ليلا، فلا يصبح لهن على مقتضى قولهم حق في المبيت، أليس من الأجدى، ومن الأوفق بمقاصد الشرع أن نجعل لهن مدة يتبصرن فيها ما يعملن، وكيف يتصرفن، ويكون للمتسبب في الضرر تكاليف تلك المدة، أم نأمرهن بالخروج ليفسحن المجال لغيرهن، ثم لا نهتم بعد ذلك بمصيرهن.

قد يقال: إن المجتمع سيكفلهن كما وجدت فاطمة بيت ابن أم مكتوم، ولكن، هل في كل المجتمعات من هو كابن مكتوم، وهل شرعت الشرائع للأجيال الفريدة، والأحوال المثالية أم شرعت لكل الأحوال.

إن نظرة للمسألة ـ وهي ليست مسألة نادرة، بل إنها على اعتبار قول الجمهور الذين يفسخون عقدة الزواج لأتفه الألفاظ والأسباب، مسألة كثيرة الحدوث ـ تحتاج إلى نظرة أكثر واقعية، وبعين الشرع الرحيم، فلا ننظر فقط إلى الزاوية التي ترى أن العدة مرتبطة فقط باحتمال رجوعها لزوجها، بل تراها كذلك فرصة للملمة الجراح، والتفكير المنطقي، فلا تفاجأ المرأة بين عشية وضحاها بنفسها، وهي تجوب أنحاء الشوارع.  

وقد يقال بعد هذا، فأين القول الأول، وهو قول وسط، فلماذ لا يكون راجحا؟ والجواب على ذلك عدم انسجام هذا القول مع المقاصد الشرعية من وجوب الإنفاق على من وجب له الإيواء، فكيف نؤويها في بيتها ونحبسها فيه ثم نحرمها من نفقتها، وقد قالت فاطمة بنت قيس في مثل هذا: (فكيف تحبس امرأة بغير نفقة) [91]

بل إن القول الذي حكاه الشوكاني عن الزيدية في هذا وروي عن أحمد من أنها تستحق النفقة دون السكنى[92]، أولى من هذا القول، لأن المرأة بالنسبة للسكنى قد تجد من يؤويها، لكنها لا تجد من يطعمها.

الحامل المطلقة ثلاثا:

أجمع العلماء[93] على أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا سواء كان ثلاثا , أو بخلع , أو بانت منه بفسخ , وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول الله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾(الطلاق:6)، فالآية صريحة في وجوب الإنفاق على الحامل حتى تضع حملها.

·      في بعض أخبار فاطمة بنت قيس: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا) [94]

·  أن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه , إلا بالإنفاق عليها , فوجب, كما وجبت أجرة الرضاع.

علة الإنفاق على الحامل:

اختلف الفقهاء في علة الإنفاق على الحامل، هل هي من أجل الحمل، أو للحمل على قولين[95]:

القول الأول:  تجب للحمل، وهي رواية عند الحنابلة وقول عند الشافعية، لأنها تجب بوجوده , وتسقط عند انفصاله , فدل على أنها له.

القول الثاني: أنها  تجب لها من أجله، وهو رواية عند الحنابلة وقول عند الشافعية، لأنها تجب مع اليسار والإعسار , فكانت له كنفقة الزوجات , ولأنها لا تسقط بمضي الزمان , فأشبهت نفقتها في حياته.

القول الثالث: أنها تجب لها خصوصا، لا لأجله، وهو قول الحنفية، وقول من يقول بأن للمطلقة ثلاثا النفقة والسكنى، وقد أسهب الطحاوي في بيان الدليل العقلي على ذلك، وهو استدلال مهم مرتبط بالمقاصد الشرعية من النفقات، ولا بأس أن نلخصه هنا، فقد انطلق في استدلاله من أن الإجماع انعقد على أن المطلقة طلاقا بائنا , وهي حامل من زوجها , أن لها النفقة على زوجها , لقوله تعالى:﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)

وتلك النفقة المأمور بها يحتمل أن تكون جعلت على المطلق , لأنه يكون عنها ما يغذي الصبي في بطن أمه فيجب ذلك عليه لولده , كما يجب عليه أن يغذيه في حال رضاعه بالنفقة على من ترضعه , ويحتمل أن تكون قد جعلت للمطلقة خاصة , لعلة العدة , لا لعلة الولد الذي في بطنها، فإن كانت النفقة على الحامل إنما جعلت لها لمعنى العدة , ثبت قول الذين قالوا (للمبتوتة النفقة والسكنى حاملا كانت أو غير حامل) وإن كانت العلة التي بها وجبت النفقة هي الولد , فإن ذلك لا يدل على أن النفقة واجبة لغير الحامل.

والدليل على ذلك أن الرجل يجب عليه أن ينفق على ابنه الصغير في رضاعه حتى يستغني عن ذلك , وينفق عليه بعد ذلك ما كان الصبي محتاجا إلى ذلك، فإن كان غنيا عنه بمال له لم يجب على أبيه أن ينفق عليه من ماله،ولو أنفق عليه الأب من ماله على أنه فقير إلى ذلك , بحكم القاضي عليه , ثم علم أن الصبي قد كان وجب له مال قبل ذلك , بميراث أو غيره , كان للأب أن يرجع بذلك المال الذي أنفقه في مال الصبي الذي وجب له[96].

أما الرجل فإنه إذا طلق امرأته وهي حامل , فحكم القاضي لها عليه بالنفقة , فأنفق عليها حتى وضعت ولدا حيا , وكان لهذا الولد مال من إرث أو غيره،فإنه ليس للأب , في قولهم جميعا , أن يرجع على ابنه بما كان أنفق على أمه بحكم القاضي لها عليه بذلك , إذا كانت حاملا به، فثبت بذلك أن النفقة على المطلقة الحامل , هي لعلة العدة التي هي فيها , من الذي طلقها , لا لعلة ما هي به حامل منه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثالث بناء على أن للمطلقة ثلاثا حق النفقة والسكنى كما مر بيانه في المسألة السابقة.

أما على عدم اعتبار ذلك، فإن الأرجح من القولين هو القول الثاني لعدم انفصال حملها عنها، وإنما اخترنا هذا القول لما ينبي على الخلاف بين القولين الأولين من الآثار التي قد تتضرر بها الزوجة بناء على القول الأول، ومن تلك الآثار:

·  أن الزوجة إن كانت حاملا من نكاح فاسد , أو وطء شبهة , فعلى القول الأول هي على الزوج والواطئ ; لأنه ولده , فلزمته نفقته مثلما تلزمه  بعد الوضع، أما على القول الثاني فإنه لا نفقة عليه ; لأنها ليست زوجة يجب الإنفاق عليها.

·  أنه إن نشزت امرأة , وهي حامل , فعلى القول الأول لم تسقط نفقتها ; لأن نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه أما على القول الثاني فلا نفقة لها ; لأنها ناشز.

الحامل المتوفى عنها زوجها:

اختلف الفقهاء في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها على الأقوال التالية[97]:

القول الأول: لا نفقة لها، وهو قول جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك ابن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  حديث فاطمة بنت قيس أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال:(إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة) وفي لفظ آخر:(إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة. فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى)، قال الشوكاني:(وهو نص في محل النزاع , والقرآن والسنة إنما دلا على أنه يجب على المتوفى عنها زوجها لزومها لبيتها , وذلك تكليف لها،وحديث الفريعة إنما دل على هذا فهو واضح في أن السكنى والنفقة ليستا من تكليف الزوج , ويؤيد هذا أن الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير , وفي البقرة إيجابها للمطلقات , وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا أن تكون حاملا، وخرجت أيضا المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب فخرجت المتوفى عنها من ذلك)

·  عن جابر- رضي الله عنه -  عن النبي  - صلى الله عليه وسلم - قال في الحامل المتوفى عنها زوجها(لا نفقة لها) [98]

·      أن الأصل براءة الذمة ووجوب التربص أربعة أشهر وعشرا لا يوجب النفقة.

·      أن نفقة الحامل لا تخلو من أحد ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن تكون واجبة على حسب وجوبها بدءا حين كانت عدتها حولا في قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾(الطلاق:240)، وهذا  باطل ; لأنها كانت واجبة على وجه الوصية والوصية للوارث منسوخة.

الوجه الثاني: أن تكون واجبة على حسب وجوبها للمطلقة المبتوتة , وهذا لا يصح أيضا , من قبل أن النفقة لم تكن واجبة  في حال الحياة وإنما تجب حالا فحالا على حسب مضي الأوقات وتسليم نفسها في بيت الزوج.

الوجه الثالث: أن تجب للحامل دون غيرها لأجل الحمل، وهذا لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون وجوبها متعلقا بكونها في العدة أو لأجل الحمل , وإيجابها لأجل العدة غير جائز, ولا يجوز إيجابها لأجل الحمل ; لأن الحمل نفسه لا يستحق نفقته على الورثة ; إذ هو موسر مثلهم بميراثه , ولو ولدته لم تجب نفقته على الورثة , فكيف تجب له في حال الحمل؟ فلم يبق وجه يستحق به النفقة.

·  أنه لا يجوز إيجاب النفقة بعد الموت، لأن سبيلها أن يحكم بها الحاكم على الزوج ويثبتها في ذمته وتؤخذ من ماله , وليس للزوج ذمة فتثبت فيها , فلم يجز أخذها من ماله إذا لم تثبت عليه.

·  أن الميراث قد انتقل إلى الورثة بالموت ; إذ لم يكن هناك دين عند الموت , فغير جائز إثباتها في مال الورثة ولا في مال الزوج فتؤخذ منه.

·  أنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل اولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه.

·  أن نفقة الحمل ليست بدين ثابت فتتعلق بماله بعد موته بدليل أنها تسقط عنه باعسار فبأن تسقط بالموت اولى وأحرى.

·  أجابوا عن استدلال المخالفين بقوله تعالى:﴿ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ بأنها كانت تجب النفقة بالوصية كما دل لها قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾(الطلاق:240)، فنسخت الوصية بالمتاع، إما بقوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾(البقرة:234)، وإما بآية المواريث، وإما بقوله - صلى الله عليه وسلم -:(لا وصية لوارث)، وقد روي من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -  أنها نسخت آية ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾(الطلاق:240)بآية الميراث بما فرض الله لهن من الربع والثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا[99]، قال الشافعي: (حفظت عمن أرضى به من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوختان بآية الميراث، ولم أعلم  مخالفا في نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة)

·  أن قوله تعالى:﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)  واردة في المطلقات , فلا تتناول المتوفى عنها.

القول الثاني: أن لها النفقة من جميع المال، وروى هذا القول عن علي وعبد الله وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي وجلاس بن عمرو وحماد ابن ابي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد، وقد حكي الشوكاني القول بوجوب نفقة المتوفى عنها عن ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله تعالى:﴿ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾(الطلاق:240)، ووجه الاستدلال بالآية أن نسخ المدة من الآية لا يوجب نسخ النفقة.

·  قوله تعالى:﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)، وفيها الأمر بالإنفاق على الحوامل.

·      أنها محبوسة بسببه فتجب نفقتها.

القول الثالث: التفصيل، وقد ذكره الجصاص، قال: روى الحكم عن إبراهيم قال: (كان أصحاب عبد الله يقضون في الحامل المتوفى عنها زوجها إن كان المال كثيرا فنفقتها من نصب ولدها , وإن كان قليلا فمن جميع المال) [100]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة القول بالتفصيل الذي ذكره أصحاب القول الثالث بناء على الظروف المختلفة التي تكون عليها الحامل، ومن نصيبها المقدر لها، فإن كان هذا النصيب كثيرا كافيا، فإنها لا تحتاج للأخذ من مال الورثة، أما إن كان النصيب قليلا لا يكفيها لظرفها الطارئ، ووضعها لا يتحمل أي عمل أو مشقة، فإن لها الحق في أن تأخذ من المال جميعا ما يسد هذه الحاجة، والآية بذلك تحتملها،وهي قوله تعالى:﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)، لأن الإنفاق عليها إما أن يكون من الزوج في حال حياته، أو من ماله في حال موته.

ونرى أن هذا القول لازم عن القول الأول الذي دلت عليه الأدلة الكثيرة، وهو لا يتناقض معه، وإنما هو حالة من حالاته التي أشار إليها القرآن الكريم، ولأجل التوسعة بها وقع الخلاف.

وقت دفع نفقة الحامل:

اختلف الفقهاء في الوقت الذي تدفع فيه نفقة الحامل على قولين:

القول الأول: يلزم الزوج دفع نفقة الحامل المطلقة إليها بحسب حاجتها كزوجته العادية، وهو قول الحنابلة وقول عند الشافعية، فمتى ادعت الحمل فصدقها , دفع إليها , فإن كان حملا, فقد استوفت حقها , وإن بان أنها ليست حاملا , أرجعت إليه نفقته , سواء دفع إليها بحكم الحاكم أو بغيره , وسواء شرط أنها نفقة أو لم يشترط، وإن أنكر حملها , نظر النساء الثقات , فرجع إلى قولهن , ويقبل قول المرأة الواحدة إذا كانت من أهل الخبرة والعدالة ; لأنها شهادة على ما لا يطلع عليه الرجال، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      قول الله تعالى:﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(الطلاق:6)

·      أنها محكوم لها بالنفقة , فوجب دفعها إليها , كالرجعية.

·  أن الحمل يثبت بالأمارات , وتثبت أحكامه في النكاح , والحد , والقصاص ,  والمنع من الأخذ في الزكاة , ووجوب الدفع في الدية , فهو كالمتحقق.

·  أن النفقة تجب بمجرد الحمل , ولا تختلف باختلافه, بخلاف الميراث، لأن الميراث لا يثبت بمجرد الحمل , فإنه يشترط له الوضع والاستهلال بعد الوضع.

القول الثاني: لا يلزمه دفعها إليها حتى تضع، وهو قول عند الشافعية، واستدلوا على ذلك بأن الحمل غير متحقق ولهذا قالوا بوقف الميراث إلى تبين الحمل.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول لأن الأساس في تشريع النفقة هو الحاجة، فإذا تركنا الحامل في فترة حاجتها للجوع والعطش والعري، فما يجديها بعد ذلك إن سلمت وسلم حملها أن ندفع لها حق ولادته، مع أن النص صريح في أن النفقة مأمور بها إلى غاية حددها الشرع بـ ﴿ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾(الطلاق:6) ولم يقل النص القرآني(حين يضعن حملهن)

2 ـ  الناشز:

ويتعلق بها المسائل التالية[101]:

تعريف النشوز:

لغة [102]: أصل النشز الارتفاع ومنه قيل قد نشز الغلام إذا ارتفع طوله وشب ومنه نشوز  المرأة على زوجها، ومن ذلك قيل للمكان المرتفع من الأرض نشز ونشز ونشازة فإذا أردت أنك رفعته قلت أنشزته إنشازا ونشز هو إذا ارتفع، يقال نشزت تنشز فهي ناشز بغير هاء ونشصت تنشص وهي السيئة للعشرة وقال إبن فارس ونشزت المرأة استصعبت على بعلها ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها قال إبن دريد نشزت المرأة ونشست ونشصت بمعنى واحد.

اصطلاحا: هو أن تنفر عنه بحيث لا تطيعه إذا دعاها للفراش , أو تخرج من منزله بغير إذنه, ونحو ذلك مما فيه امتناع عما يجب عليها من طاعته[103].

صوره:

سنفصل ضوابط النشوز في الفصل الذي خصص لحق الرجل في القوامة، ولكن لا بأس أن ننقل هنا بعض ما ذكره الفقهاء من الصور التي يتحقق بها النشوز، فمنها:

·      إذا تركت الزوجة بيت الزوجية وخرجت من الطاعة وأبت أن تنتقل إليه بدون مبرر شرعي.

·      إذا منعت زوجها من دخول بيتها الذي يقيم معها فيه دون طلب مسبق بإقامتها في بيته.

·      إذا امتنعت من فراشه, أو من السفر معه.

حكم نفقة الناشز:

نص الفقهاء على أن النفقة من الزوج على زوجته تسقط طيلة مدة نشوزها لعدم تحقق شرط التسليم، كما مر بيانه، والكثير يصور المسألة على هذه الصورة، وكأنها محل اتفاق، قال ابن المنذر: (لا أعلم أحدا خالف هؤلاء إلا الحكم , ولعله يحتج بأن نشوزها لا يسقط مهرها , فكذلك نفقتها)، وقال الطحاوي:(لم يختلفوا أن   الناشز  لا تستحق النفقة ولا الكسوة لعدم التسليم) [104]، وقال في جواهر العقود:(واتفقوا على أن   الناشز  لا   نفقة  لها) [105]، لكن المسألة فيها خلاف قديم ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار، فقد اختلف الفقهاء في حكم نفقة الناشز على قولين:

القول الأول: سقوط النفقة عليه بسبب نشوزها، وهو القول المتفق عليه عند جمهور الفقهاء، ومن الأدلة التي استدل بها العلماء على سقوط نفقة الناشز:

·  أن النفقة إنما تجب في مقابلة تمكينها , بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه , وإذا منعها النفقة كان لها منعه التمكين , فإذا منعته التمكين كان له منعها من النفقة.

·  أنه لا يجب بمجرد العقد بل يالتسليم , ولذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة.

·  أما إذا كان له منها ولد , فعليه نفقة ولده ; لأنها واجبة له , فلا يسقط حقه بنشوزها , فيعطيها إياها إذا كانت هي حاضنته أو مرضعته , وكذلك يلزمه تسليمه أجر رضاعها , لأنه أجر ملكته عليه بالإرضاع , لا في مقابلة الاستمتاع , فلا يزول بزواله.

القول الثاني: وجوب النفقة على الزوج في حال نشوز الزوجة، وقد ذكر ابن رشد هذا القول واعتبره شاذا في المسألة[106]، مع أنه قول الظاهرية، وقول كثير من المالكية[107]، فقد اختلف المالكية في وجوب نفقة الناشز على زوجها على رأيين:

·      فعند ابن المواز وهو مذكور عن مالك ورواه عن ابن القاسم ومثله سحنون أن لها النفقة.

·  وقال البغداديون من المالكية: لا نفقة لها لأنها منعته من الوطء الذي هو عوض النفقة، واعتلوا بإيجاب النفقة على الزوج إذا دعي للبناء.

·      وقد ذكر ابن حزم الأدلة الكثيرة على هذا القول، ومنها:

·  أن الله تعالى بين ما على الناشز فقال: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾(النساء:34)، فأخبر تعالى أنه ليس على الناشز إلا الهجر والضرب , ولم يسقط عز وجل نفقتها ولا كسوتها.

·  عن حكيم بن معاوية القشيري قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال:(أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت , ولا تضرب الوجه , ولا تقبح , ولا تهجر إلا في البيت) [108] فعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل النساء ولم يخص ناشزا من غيرها , ولا صغيرة ولا كبيرة , ولا أمة مبوأة بيتا من غيرها.

·  أنه قد روي عن السلف القول بذلك، فعن ابن عمر - رضي الله عنه -  قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: أن انظروا إلى  من طالت غيبته أن يبعثوا بنفقة أو يرجعوا - وذكر باقي الخبر , فلم يستثن عمر امرأة من امرأة، وقال شعبة: سألت الحكم بن عتيبة عن امرأة خرجت من بيت زوجها غاضبة هل لها نفقة؟ قال: نعم.

·  أن اعتبار النفقة مقابل الجماع , والطاعة غير صحيح، وأول من يبطله من يستدل به (أما الحنفيون , والشافعيون فيوجبون النفقة على الزوج الصغير على الكبيرة , ولا جماع هنالك ولا طاعة. والحنفيون , والمالكيون , والشافعيون: يوجبون النفقة على المجبوب والعنين  ولا خلاف في وجوب النفقة على المريضة التي لا يمكن جماعها) [109]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني لعدم أي دليل نصي صريح يدل على عدم النفقة للناشز مقابل وجود الأدلة الصريحة الكثيرة على استحقاقها النفقة، وقد تقدم ذكر بعضها، بل نرى أنه - صلى الله عليه وسلم - أشار في خطبته في حجة الوداع إلى هذا إشارة صريحة حين قال:(فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه , فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، فإنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الرزق والكسوة بعد الضرب، وهو لا يكون إلا بعد نشوزها ومعصيتها لزوجها، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يمنعكم تأديبكم لهن من إعطائهن حقهن في النفقة والكسوة، وفي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكسوة في هذا الموضع إشارة إلى مدى تأثير ذلك في رفع النشوز عن الزوجة وإعادة الأسرة إلى جو السلام العائلي، وهو معروف مجرب واقعيا.

أما استدلال المخالفين فلا يعدو أن يكون فهوما تفتقر إلى تصريح النصوص أو أقيسة لا ترتفع لمعارضة النقول، وقد ذكر ابن رشد أن سبب الخلاف معارضة العموم للمفهوم، فعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -:(ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [110] يقتضي أن الناشز وغير الناشز في ذلك سواء،والمفهوم من أن النفقة هي في مقابلة الاستمتاع يوجب أن لا نفقة للناشز[111].

وليس هناك دليل واحد على اعتبار العلة في النفقة الاستمتاع، أو أن العقد هو على مجرد المتعة، أو أن المهر مقابل المتعة، وإلا لارتفعت العلة بارتفاع المعلول، وبطل العقد بانتفاء سببه الموجب له.

أما الاستدلال بكونها ظالمة، فقد بين المنهج الشرعي طريقة التعامل مع ظلمها، مما سنرى تفاصيله في محلها، وليس منها منع النفقة عنها، وقد ذكر ابن حزم أن هذا النهج هو نهج الظلمة من الحكام الذين يمنعون حق الرعية في المال العام إذا أرادوا عقوبتهم، قال ابن حزم:(فإن قالوا: إنها ظالمة بنشوزها؟ قلنا: نعم , وليس كل ظالم يحل منعه من ماله إلا أن يأتي بذلك نص , وإلا فليس هو حكم الله ; هذا حكم الشيطان , وظلمة العمال والشرط، والعجب كله أنهم لا يسقطون قرضا أقرضته إياه من أجل نشوزها؟ فما ذنب نفقتها تسقط دون سائر حقوقها إن هذا لعجب عجيب؟)[112]

ثم بعد هذا، ماذا ينتظر من امرأة بلغ بها الغضب حد النشوز، وقد يكون لها سبب شرعي تخفيه أو تظهره، فنأتي بالفتاوى والأقضية لنضرم النار فيها، أو نزيد طينتها بلة، أليس من الأجدى أن نطالب الرجل في حالها تلك بالإحسان إليها بالنفقات والهدايا تأليفا لقلبها، وإصلاحا لسلوكها، كما قال تعالى:﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم﴾ (فصلت:34)

والتأمل في القرآن الكريم والسنة المطهرة وأخلاق السلف الصالح يدل على هذا وأكثر منه، فكيف يظهر حسن الخلق، أو الخيرية في زوج كلما عصته زوجته جوعها، وكلما رفعت صوتها أمامه تصورها ناشزا وأدبها بما يمليه فهمه الخاطئ للدين، والذي أفرزه تجبره وتعاليه باسم رجولته وحق قوامته.

ولكن هذا الترجيح الذي رأيناه لا نراه قولا لازما في كل حالة، ومن الخطأ أن نحكم في قضايا جميع المجتمعات وجميع النسوة وجميع الأزواج وجميع الظروف حكما واحدا مع ما قد يحمله من جور وتعسف، فلذلك قد يخضع هذا الأمر لبعض الاستحسان أو للمصالح المرسلة أو لسد الذرائع في ظروف معينة وأحوال خاصة.

ولا بأس أن نذكر هنا بعض الاستحسانات الفقهية من أئمة من المالكية، لا نذكرها على سبيل صحتها المطلقة، وإنما من باب كونها نماذج للتعامل مع الأحوال الخاصة[113]:

قال الشيخ أبو عمران:(وأستحسن في هذا الزمان أن يقال لها إما أن ترجعي إلى بيتك وتحاكمي زوجك وتنصفيه وإلا فلا نفقة لك، لتعذر الأحكام والإنصاف في هذا الوقت، فيكون قول البغداديين حسنا في هذا، ويكون الأمر على ما قاله الآخرون إذا كان الزوج يقدر على محاكمتها، فلم يفعل، فيؤمر بإجراء النفقة، حتى إذا لم تمكنه المحاكمة، ولم يتمكن له حالة تنصفه، ولم تجبه هي إلى الإنصاف، فأستحسن أن لا نفقة  لها)

وقال الشيخ أبو بكر بن عبد الرحمن:(إنما فرق بين المرأة تسكن بيت الزوج أنها لا كراء لها في ذلك، وبين ما إذا هربت منه أن لها أن تطلبه بالنفقة، لأن السكنى حق لها فتركته، وسكنت في موضع آخر، وأما التي هربت منه فقد كان له أن يرجعها إلى الحاكم، ويردها إلى بيتها، فحكم النفقة قائم ساقط عنه، ولو كان لا يعلم أين هربت أو تعذر عليها رفعها للحاكم،ونحو هذا من الأعذار فلا شيء عليه فيستوي حكم ذلك وحكم السكنى)

وقال ابن فرحون:(ولا خلاف أنها إذا خرجت وسكنت في موضع، فلا كراء لها على زوجها، وهذا بخلاف النفقة)

فهذه الأقوال نماذج عن كيفية التعامل مع الأحوال الخاصة، وهي مما يربط القول الأول والثاني بما فيه مصلحة الأسرة، لأن مصلحة الأسرة قد تقتضي تصرفات حاسمة مؤقتة في بعض الأحيان غرضها رأب الصدع لا توسيع الهوة، ولا ينبغي أن تؤخذ بالضرورة بحروفها، بل يلبس لكل حالة لبوسها، ويتعامل مع كل حالة بحسبها.

نفقة الحامل الناشز:

اختلف الفقهاء القائلون بعدم النفقة للناشز في وجوب النفقة للحامل الناشز على قولين:

القول الأول: لا تسقط نفقة الحامل الناشز ; وهو قول المالكية، وإحدى الروايتين عند الحنابلة وقول عند الشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن النفقة حيث لم تحمل خاصة لها فتسقط بالنشوز , ومع حملها تجب النفقة لها وللحمل.

·      أن النفقة للحمل نفسه , والحامل طريق وصول النفقة إليه لأنه يتغذى بغذاء أمه.

القول الثاني: أن نفقة الحامل تسقط بنشوزها، وهو القول المعتمد عند الشافعية وهو الرواية الثانية عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن النفقة لها لا للحمل ; لأنها لو كانت له لتقدرت بقدر كفايته.

·      أنها تجب على الموسر والمعسر , ولو كانت له لما وجبت على المعسر.

·      أنه إذا كان أصل النفقة لها لا للحمل فتسقط بنشوزها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول بناء على ما سبق ذكره من أدلة، ولأن النصوص صريحة في تخصيص الحوامل بالنفقة، وهو يشير إلى حاجتهن الشديدة إليها، وقد أثبت العلم الحديث ذلك، فنقصان معدن واحد من غذائها، أو تخلف فيتامين قد تنتج عنه تشوهات تظل مع المولود طول حياته، أو قد يقضي ذلك الفقر الغذائي عليها وعليه.

أما استدلال أصحاب القول الثاني بأنها لو كانت له لتقدرت بقدر كفايته، فإن كفايته في كفاية أمه وصحته في صحتها، وهل يمكن أن نسقي ورقة من شجرة بغير سقي جذورها.

ثم إن أصحاب القول الثاني يتفقون على وجوب النفقة على الولد، فكيف يستجيزون عدم النفقة عليه في أشد أوقاته حاجة إلى الغذاء، بل إن نوع غذاءه في تلك الفترة هو الذي يحدد عقله وجسمه، بل سلوكه وشخصيته.

3 ـ  سفر الزوجة:

يختلف حكم استحقاق المرأة للنفقة بسبب سفرها بحسب نوع السفر مباحا كان أو حراما، وسنفصل الكلام في هذين النوعين من السفر في محلهما من فصل القوامة، ولكن سنشير هنا إلى ما يتعلق من هذا بالنفقة:

السفر المباح:

اتفق الفقهاء على  أنها إن سافرت بإذنه , في حاجته , فلها نفقتها ; لأنها سافرت في شغله ومراده , أما إن كان في حاجة نفسها , فقد اختلف في ذلك، فقيل بسقوط  نفقتها ; لأنها فوتت التمكين لحظ نفسها , وقضاء حاجتها , فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها, إلا أن يكون مسافرا معها , متمكنا من الاستمتاع بها , فلا تسقط نفقتها ; لأنها لم تفوت التمكين , فأشبهت غير المسافرة.

وقيل بعدم سقوط نفقتها، وإن لم يكن معها ; لأنها مسافرة في سفر مباح وبإذنه , فأشبه ما لو سافرت في حاجته , وهو الأرجح لأن اسم الزوجية لم يزل عنها بسفرها، ولم يوجد أي مانع يمنعها من نفقتها، حتى ولو قلنا بتأثير النشوز في النفقة، فإنها تستحقها لأنها خرجت بإذنه.

ويستوي في هذا الحكم ما لو سافرت لتجارة , أو حج تطوع , أو زيارة أما إذا سافرت بعد الزفاف لحج الفريضة مع محرم منها غير زوجها فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه لا نفقة لها لتفويتها حق الزوج، أما إذا سافر معها فتجب لها النفقة، وهو مذهب أبي حنيفة.

القول الثاني: إذا أحرمت بالحج الواجب , أو العمرة الواجبة , في الوقت الواجب , من الميقات , فلها النفقة في ذلك كله، وهو قول الحنابلة، لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع في وقته , فلم تسقط نفقتها , كما لو صامت رمضان، أما لو قدمت الإحرام على الميقات , أو قبل الوقت لم تجب لها النفقة ; لأنها فوتت عليه التمكين بشيء مستغنى عنه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن وجود الرجل مع زوجته في السفر أو عدم وجوده لا علاقة له بالنفقة، لأن النفقة حق الزوجة باسم زوجيتها، وغيابها عنه للحج أو غيره ما دام مباحا كغيابه عنها، سواء بسواء، فكيف نفرض لها النفقة في حال غيابه عنها، ثم نحرمها منها في حال غيابها عنه مع أن في كليهما يتضرر الجانبان بغيبة الآخر.

السفر الحرام:

نص أكثر الفقهاء على أنه إذا سافرت الزوجة وحدها أو مع غير محرم منها أو بغير إذنه قبل الزفاف أو بعده مطلق سفر فلا نفقة لها، لأنها فوتت حق الاحتباس على الزوج، ولأنها عاصية بهذا السفر الذي لم يصحبها محرم فيه.

وليس هذا القول على عمومه، لأن في بعض المسائل المذكورة خلاف بين العلماء سنذكره في محله من الفصل الخاص بالقوامة.

4 ـ  الزوجة العاملة:

إذا كانت الزوجة تحترف عملاً يضطرها إلى الخروج من بيت الزوجية طول النهار أو أكثره أو الليل كله أو أكثره ثم ترجع إليه بعد فراغها منه، فإن الحكم فيها يختلف بحسب الأحوال التالية:

الحالة الأولى: الخروج إلى العمل برضا الزوج وموافقته:

إذا خرجت الزوجة برضا الزوج وموافقته، فإنها لا تسقط نفقتها عليه، ولو أدى ذلك إلى تفريطها في بعض حقوقه الواجبة عليها، والتي بموجبها تستحق النفقة، وذلك لأنه برضاه وموافقته أسقط حقه في تفرغ زوجته التام له، واكتفى منه بالناقص.

ومثل هذه الحالة ما لو شرطت عليه في العقد العمل على أن تكون نفقتها عليه، فوافق على ذلك، ورضي به، فإنه ليس له بعد ذلك أن يمنعها بناء على القول باعتبار الشروط المقيدة لمقتضى العقد، وله أن يمنعها بناء على عدم القول بذلك، وبناء عليه لا تستحق النفقة إذا ما رفضت أمره بلزوم البيت.

الحالة الثانية:عدم رضا الزوج عن عملها:

إذا خرجت الزوجة إلى العمل بدون رضا الزوج وموافقته، أو شرط عليها ترك عملها عند عقد الزواج ولم توف بهذا الشرط فإنها تسقط نفقتها بذلك، لا لكونها ناشزا، فالنشوز حالة مؤقتة لها علاجها الشرعي الخاص، وإنما لكونها لم تعطه حقه من التفرغ الكامل، فنقص حقها من النفقة بقدر ذلك التفريط.

أما إذا رضي بعملها أول الأمر، ثم طلب منها الامتناع عن العمل لما يترتب عليه من أضرار له ولأسرته، فلم تجبه إلى طلبه، فإن المسألة تحتاج إلى نظر، والأرجح فيها، والله أعلم، سقوط نفقتها، لا لكونها ناشزا كما ذكرنا وإنما جزاء لتفريطها في حق بيتها.

أما لو كان عملها في بيتها، وكان لا يعطلها عن القيام بواجبات الزوجية، فإنه لا يسقط حقها في النفقة باتفاق العلماء، وسنعود لمزيد من التفاصيل المتعلقة بهذه المسألة في الفصل الخاص بحق الرجل في القوامة.

5 ـ الزوجة المرتدة

اختلف الفقهاء في حكم النفقة بحسب اختلافهم في تعجيل الفرقة بعد الردة وعدم التعجيل، وبحسب كون المرتد الزوج أو الزوجة،كما يلي[114]:

القول الأول: تتعجل الفرقة، وروي ذلك عن الحسن , وعمر بن عبد العزيز , والثوري , وهو قول أبي حنيفة , ومالك، وزفر , وأبي ثور , وابن المنذر، واستدلوا على ذلك بأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده , كالرضاع.

وبناء على هذا القول فإنه لا نفقة لها ; لأنها بائن منه، ولكن هذا الأصل لا يتعلق بالسكنى في مذهب الحنفية، قال السرخسي:(وإن جاءت الفرقة من قبل المرأة بالمعصية كالردة ومطاوعة ابن الزوج على الجماع وما أشبه ذلك،فلا نفقة لها إن أصرت على ذلك , أو رجعت وتابت من الردة , أما السكنى فواجبة لها ; لأن القرار في البيت مستحق عليها فلا يسقط ذلك بمعصيتها , أما النفقة فواجبة لها فتسقط بمجيء الفرقة من قبلها بالمعصية) [115]

القول الثاني: لا تتعجل الفرقة، بل يتوقف الأمر على انقضاء العدة , فإن أسلم المرتد قبل انقضائها , فهما على النكاح , وإن لم يسلم حتى انقضت , بانت منذ اختلف الدينان، وهذا مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أنه لفظ تقع به الفرقة , فإذا وجد بعد الدخول , جاز أن يقف على انقضاء العدة , كالطلاق الرجعي , أو اختلاف دين بعد الإصابة , فلا يوجب فسخه في الحال , كإسلام الحربية تحت الحربي.

·      أن قياسه , على إسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع.

وبناء على هذا القول، فإنه إن كانت المرأة هي المرتدة , فلا نفقة لها ; لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها , وتلافي نكاحها , فلم يكن لها نفقة، أما إن كان هو المرتد , فعليه النفقة للعدة , لأنه يمكن أن يعود إليها بإسلامه, ويمكنه تلافي نكاحها , فكانت النفقة واجبة عليه , كزوج الرجعية.

لو ارتدت امرأته , سقطت نفقتها , فإن عادت إلى الإسلام , عادت نفقتها بمجرد عودها; لأن المرتدة إنما سقطت نفقتها بخروجها عن الإسلام , فإذا عادت إليه , زال المعنى المسقط , فعادت النفقة.

3 ـ الإجراءات القضائية في حال عدم النفقة

إذا امتنع الزوج من أداء حق زوجته في النفقة كان لزوجته أن ترفعه إلى القاضي الذي يتخذ معه الإجراءات التالية:

أولا ـ الإجراءات الإلزامية:

أول إجراء يتخذه القاضي هو أن يفرض لها النفقة، وتراعى في ذلك الكفاية، فإن قدم لها ما يكفيها، فلا داعي لتقدير النفقة، وليس لها أن تطلب ذلك، أما إن امتنع عن إطعامها أو كسوتها أو قصر فيه فلها الحق في أن تطلب منه تقديراً معيناً لتقوم بنفسها بشراء ما تحتاجه، ويجب عليه إجابة طلبها، وفي حال تقصير الزوج بعد طلبها رفعت أمرها إلي القاضي الذي يقدر لها كفايتها حسب حال الزوج المالية وذلك بطريقتين:

الطريقة الأولى:أن يفرض لها أصنافاً من الطعام والكسوة يكلف الزوج بإحضارها، وقد اختلف الفقهاء في كيفية هذا الفرض، فنصوا في ذلك على مقدار النفقة وأجناسها وأنواعها، كما سنرى بعض تفاصيله في المبحث الرابع، لكن الأرجح في ذلك اختلافه ورجوعه إلى ما يتعارف عليه الناس، قال ابن تيمية:(الصواب المقطوع به عند جمهور العلماء أن نفقة الزوجة مرجعها إلى العرف , وليست مقدرة بالشرع ; بل تختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة وحال الزوجين وعادتهما ; فإن الله تعالى قال: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(النساء:19)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:(خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [116]

الطريقة الثانية: أن يقدر لها مقداراً من النقود لتشتري هي به ما تحتاج إليه، وهذه الطريقة أيسر وأضبط  وعليها ينبغي أن تسير المحاكم.

من يعتبر في النفقة:

اختلف الفقهاء في من يراعى في النفقة، هل الزوج أو الزوجة أو هما جميعا على الأقوال التالية[117]:

القول الأول: الاعتبار بحال الزوج وحده من يسره وعسره، ولا يعتبر بحالها وكفايتها، فيجب لابنة الخليفة ما يجب لابنة الحارس، فإن كان الزوج موسرا لزمه مدان وإن كان متوسطا فمد ونصف، وإن كان معسرا فمد، وهو قول الشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول الله تعالى:﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾(الطلاق:7)، فجعل الاعتبار بالزوج في اليسر والعسر دونها.

·  قوله تعالى:﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة: 236)

·  أن الاعتبار بكفايتها، لا سبيل إلى علمه للحاكم ولا لغيره، فيؤدي إلى الخصومة لأن الزوج يدعي أنها تلتمس فوق كفايتها، وهي تزعم أن الذي تطلب تطلبه قدر كفايتها، فلذلك كان الأصلح تقديرها قطعا للخصومة.

القول الثاني: يعتبر حال المرأة على قدر كفايتها، وهو قول أبي حنيفة ومالك، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾(البقرة:233)، والمعروف الكفاية , ولأنه سوى  بين النفقة والكسوة , والكسوة على قدر حالها , فكذلك النفقة.

·  قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). فاعتبر كفايتها دون حال زوجها.

·  أن ما استدل به المخالفون من الآيات التي تجعل النفقة بحسب حال الزوج لا تعطي أكثر من فرق بين نفقة الغني والفقير، وأنها تختلف بعسر الزوج ويسره، وهو مسلم، أما أنه لا اعتبار بحال الزوجة على وجهه فليس فيها ذلك.

·  أن الشرع علق ذلك بالمعروف في حقهما، وليس من المعروف أن يكون كفاية الغنية مثل نفقة الفقيرة.

·      أن ما ذكروه من التحديد يحتاج إلى توقيف والآية لا تقتضيه.

·  أن نفقتها واجبة لدفع حاجتها , فكان الاعتبار بما تندفع به حاجتها , دون حال من وجبت عليه , كنفقة المماليك , ولأنه واجب للمرأة على زوجها بحكم الزوجية لم يقدر , فكان معتبرا بها , كمهرها وكسوتها.

القول الثالث: أن نفقتها معتبرة بحال الزوجين جميعا؛ فإن كانا موسرين، فعليه لها نفقة الموسرين، وإن كانا معسرين، فعليه نفقة المعسرين، وإن كانا متوسطين، فلها عليه نفقة المتوسطين، وإن كان أحدهما موسرا، والآخر معسرا، فعليه نفقة المتوسطين، أيهما كان الموسر، وهو قول الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      الجمع بين الأدلة السابقة من حيث رعاية الدليل النقلي.

·      رعاية كلا الجانبين من حيث المصلحة الشرعية.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن العبرة بحال الزوج يسرا وعسرا لصراحة النصوص الدالة على ذلك، وهو مقتضى جميع الأحكام الشرعية لأنها مناطة بالقدرة ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ (الطلاق:7)

أما اعتبار حال الزوجة، فإنه قد ينتح عنه تفرقة نهى عنها الشرع، وهو يعني أن المرأة الفقيرة في بيت والديها تبقى فقيرة دائما، ولو زوجت بميسور الحال، والغنية غنية أبدا، ولو زوجت بفقير، بل يفرض على الفقير أن يقدم فوق طاقته ليحافظ لها على مستوى معيشتها التي ربيت عليها، فإن أخل في ذلك ـ كما سنرى ـ حاكمته عند القاضي الذي يسأل عن حالها قبل الزواج ليفرض لها ما تمليه طبقتها الاجتماعية.

إن في هذا وأمثاله من الأحكام تكريس للطبقية التي نهى عنها الإسلام، لا في فروعه التشريعية، بل حتى في أصوله العقدية.

ولنقرأ هذا النص الذي يتردد مثله في كتب الفقه والتفسير وغيرها، وكأنه حقيقة مسلمة، والأدهى من ذلك أن يستدل لها بالقرآن الكريم مع أن القرآن كله رد عليها، جاء في القرطبي عن بعض الفقهاء قولهم:(لو اعتبرنا حال الرجل وحده لزم منه أنه لو تزوج امرأتين إحداهما شريفة والأخرى دنية، ثم طلقها قبل المسيس ولم يسم لهما يكونان متساويتين في المتعة، فيجب للدنية ما يجب للشريفة، وهذا خلاف ما قاله الله تعالى:﴿ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ﴾(البقرة:236) ويلزم منه أن الموسر العظيم اليسار إذا تزوج امرأة دنية أن يكون مثلها) [118]

وقد رد ابن حزم على هذا التفريق بين المؤمنين، بحدة وغضب، وكأننا نبصرهما يفوحان من كل كلمة من كلماته، قال:(ما علمنا الدناءة إلا معاصي الله تعالى، وأما السوداء , والمولاة فقد كانت أم أيمن - رضي الله عنها - سوداء ومولاة , ووالله ما بعد أزواجه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأمة امرأة أعلى قدرا عند الله تعالى وعند أهل الإسلام كلهم منها، وأما الفقيرة، فما الفقر دناءة , فقد كان في الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الفقير الذي أهلكه الفقر، وهم أهل الشرف والرفعة حقا، وقد كان قارون , وفرعون , وهامان من الغنى بحيث عرف - وهم أهل الدناءة والرذالة حقا - وأما النبطية، فرب نبطية لا يطمع فيها كثير من قريش ليسارها , وعلو حالها في الدنيا , ورب بنت خليفة هلكت فاقة وجهدا وضياعا) [119]

ويكفي للرد على مثل هذا القول أن يقال: لو أن رجلا تزوج نسوة مختلفات في أحوالهن يسارا وعسرا، فكيف ينفق عليهن، أيطعم بعضهن القمح والشعير كما هو فرض الفقيرة، بينما تتمتع الموسرات بأصناف الطعام، ويلبس بعضهن الوبر والصوف، وتلبس الأخريات الديباج والحرير، وللأسف نرى أن مثل هذا قد قيل ـ كما سنرى في الفصول القادمة إن شاء الله ـ وهو يتنافى تماما مع العدل الذي فرضه الله تعالى بين الزوجات، ويحتج هؤلاء بأن هذا هو المعروف الذي نص عليه في القرآن الكريم، ولسنا ندري ما المعروف، هل هو المعروف عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، أم المعروف عند من قصر في دين الله وفرط.

ثم إن المرأة التي تزوجت بالرجل، وهي تعلم حاله من العسر يفرض عليها وفقا لموافقتها ورضاها بالزواج به أن تصبر معه على إعساره، فإن طرأ عليه الإعسار فذلك أشد في طلب الصبر، وهو ما يدعو إليه الشرع بجانبيه التوجيهي والتشريعي.

أما القول الثالث، فهو كالقول الأول يحمل عنصرية بالنسبة للمرأة، وتكليفا بالنسبة للرجل، وكلاهما نهى عنه الشرع.

ما يراعيه القاضي في النفقة:

اتفق الفقهاء على أن كل ما يرجع لتقدير النفقة موكل إلى اجتهاد القاضي، وقد جمع بعض المالكية ما يراعيه القاضي عند تقدير النفقة بقوله:

وكل ما يرجع لافتراض     موكل إلى اجتهاد القاضي

بحسب الأقوات والأعيان     والسعر والزمان والمكان[120]

فالقاضي يجتهد فيه بحسب جنس القوت وقدره وبحسب عين ما فرض له أو عليه وباعتبار السعر من رخاء وغلاء وباعتبار الزمان من شتاء وصيف وباعتبار المكان في عادة أهله , ومثله الكسوة والمسكن يلاحظ فيها هذه الاعتبارات، ويمكن تلخيصها فيمنا يلي:

حالة الزوج المالية:

بقطع النظر عن كون الزوجة غنية أو فقيرة، ولهذا يختلف إنفاقه بحسب حاله لا بحسب حالها:

·      فإن كان الزوج موسراً فرض لها نفقة اليسار ولو كانت الزوجة فقيرة.

·      وإن كان معسراً فرض لها نفقة بقدر ما يستطيعه ولو كانت الزوجة موسرة.

·      وإن كان متوسط الحال فرض لها نفقة وسطاً بين نفقة الموسرين والمعسرين.

·  وإن تغير حاله بعد أن فرض القاضي نفقة شهر ـ مثلا ـ  وهو معسر ثم أيسر قبل تمام الشهر يزيدها في الفرض ; لأن النفقة تختلف باختلاف اليسار والإعسار.

قال القرطبي:(ينفق الزوج على زوجته وعلى ولده الصغير على قدر وسعه حتى يوسع عليهما إذا كان موسعا عليه، ومن كان فقيرا فعلى قدر ذلك، فتقدر النفقة بحسب الحالة من المنفق والحاجة من المتفق عليه، بالاجتهاد على مجرى حياة العادة فينظر المفتي إلى قدر حاجة المنفق عليه، ثم ينظر إلى حالة المنفق، فإن احتملت الحالة أمضاها عليه، فإن اقتصرت حالته على حاجة المنفق عليه ردها إلى قدر احتماله) [121]

توقيت الدفع:

بأن يراعي حالة الزوج من جهة قدرته على الدفع فيتبع ما هو أيسر عليه فإن كان من أصحاب الدخل اليومي كعمال اليومية قدرها عليه يومياً، وإن كان ممن يأخذون أجرهم كل أسبوع قدرها عليه كل أسبوع، وإن كان من أصحاب المرتبات الشهرية كالموظفين فرضها عليه كل شهر.

حالة الأسعار:

فيلاحظ فيه ارتفاعها وانخفاضها، لأنه لا يفرض لها إلا ما يلزمها من حاجيات، فإذا لم يراع الأسعار وقت الفرض لحق الضرر بأحد الزوجين، وقد نص الحنفية على أنه لو فرض القاضي لها فريضة للوقت والسعر رخيص، ثم غلا فلم يكفها ما فرض لها فإنه يزيدها في الفرض ; لأن الواجب كفاية الوقت وذلك يختلف باختلاف السعر.

ثانيا ـ الإجراءات العقابية

من الإجراءت العقابية التي ذكرها الفقهاء لمن رفض تسليم النفقة:

السجن:

اختلف الفقهاء في سجن القاضي للزوج في حال عدم الوفاء بنفقة زوجته على قولين[122]:

القول الأول: حبس الرجل في نفقة زوجته، وهو قول الحنفية، فقد نصوا على أن للقاضي أن يحبسه شهرين , أو ثلاثة ليسأل عن حاله فإن لم ينكشف له مال خلى سبيله، وقيل: ما بين أربعة أشهر إلى ستة أشهر، والأصح عندهم أن هذا ليس بتقدير وإنما هو على حال المحبوس، فمن الناس من يضجره الحبس القليل، ومنهم من لا يضجره الكثير فوقف ذلك على رأي الحاكم فيه، فإذا لم يتبين للحاكم أن له مالا بأن قامت البينة , أو سأل جيرانه العارفين به فلم يوجد له شيء أخرجه ولا يقبل قول البينة إنه لا مال له قبل حبسه ; لأن البينة[123] لا تطلع على إعساره ولا يساره لجواز أن يكون له مال مخبوء لا يطلع عليه فلا بد من سجنه ليضجر بذلك.

القول الثاني: إنه لا يحل حبسه بمجرد قول المرأة: إنه مليء , وإنه غيب ماله، وهو قول جمهور العلماء، فيما إذا كان عليه دين عن غير عوض مالي، أما البديل لذلك، فهو أن يتثبت الحاكم ويتحرى، فإن تبين له مطله وظلمه ضربه إلى أن يوفي أو يحبسه , وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه ولو أنكرت الزوجة إعساره، وقد سبق ذكر أدلة هذا القول في الفصل السابق عند بيان حكم حبس المرأة لزوجها لماطلته في المهر.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو تحري القاضي عن يسار الزوج أو إعساره، ثم تكليفه بالنفقة على أساس ذلك، أما السجن،فإنه لا مصلحة فيه لا للمرأة ولا لزوجها، فكيف يمكن أن تستقيم حياة الزوج مع زوجته إن سجن بسببها، ثم كيف يطالب بالإنفاق عليها وهو سجين، ثم ما الفائدة التي تجنيها المرأة بحصول العقوبة لزوجها.

إن هذا وغيره يدعو القاضي إلى البحث عن طرق مثلى لإلزام الرجل بالنفقة، قد تختلف هذه الطرق من شخص لآخر، ولكن السجن مع ذلك يظل أسوأ للجميع.

محل سجن الزوج في حال عدم الوفاء بالنفقة:

نص الفقهاء على أن السجن الذي يكون سببه الخلافات المالية بين الزوجين كالنفقة وغيرها ليس كالسجون العادية، بل هو سجن صوري، الغاية منه تعويقه عن الخروج، ليؤدي ما عليه لا عقوبته المجدة، وقد ذكر الباجي في الفرق بين السجن العادي، وسجن المحبوس في حقوق زوجته، فقال:(أما تمكين مثل هذا  يعني الممتنع عن الوفاء ظلما من فضل الأكل والنكاح فهذا محل اجتهاد , فإنه من نوع التعزير.. ولكن المحبوسون على حقوق النساء ليسوا من هذا الضرب , فإن لم يحصل المقصود بحبسهما جميعا إما لعجز أحدهما عن حفظ الآخر أو لشر يحدث بينهما ونحو ذلك , وأمكن أن تسكن في موضع لا تخرج منه , وهو ينفق عليها , مثل أن يسكنها في رباط نساء أو بين نسوة مأمونات فعل ذلك) [124]

وقد نص الحنابلة في هذا على أنه لا يجب حبسه  في مكان معين , فيجوز حبسه في دار ولو في دار نفسه , بحيث لا يمكن من الخروج، ويجوز أن يحبس وترسم هي عليه إذا حصل المقصود بذلك بحيث يمنعه من الخروج , فإذا لم يكن للزوج من يحفظ امرأته غير نفسه , وأمكن أن يحبسهما في بيت واحد , فتمنعه هي من الخروج , ويمنعها هو من الخروج , فعل ذلك , فإن له عليها حبسها في منزله , ولها عليه حبسه في دينها , وحقه عليها أوكد , فإن حق نفسه في المبيت ثابت ظاهرا وباطنا , بخلاف حبسها له فإنه بتقدير إعساره , لا يكون حبسه مستحقا في نفس الأمر إذ حبس العاجز لا يجوز[125].

بل ذهبوا إلى جواز معاشرتها، وهو سجين، ووجوب تمكينه من نفسها[126]، وحفظ جميع حقوقه عليها، قال ابن تيمية: (لو ادعت امرأة على زوجها بحقها وحبسته لم يسقط من حقوقه عليها شيء قبل الحبس , بل يستحقها عليها  بعد الحبس كحبسه في دين غيرها فله إلزامها ملازمة بيته , ولا يدخل عليها أحد بلا إذنه ولو خاف خروجها من منزله بلا إذنه أسكنها حيث شاء , ولا يجب حبسه بمكان معين فيجوز حبسه في دار نفسه , بحيث لا يمكن من الخروج , ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك , إذ التعزير لا يختص بنوع معين , وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في     نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله)، وقد استدلوا على ذلك بما يلي:

·      أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الغريم بملازمة غريمه وقال له:(ما فعل أسيرك)

·  أن في هذا من  المصالح التي لا يجوز إهمالها، ومنها أن في حبسه خارج منزله تمكين لامرأته من الخروج من منزله , وإسقاط حقه عليها، وذلك لا يجوز لا سيما، وأنه مظنة لمضارتها له أو فعلها للفواحش.

·  أن تعويقه عن التصرف هو الحبس , وهو كاف في المقصود إذا لم يظهر امتناعه عن أداء الواجبات.

·      أن حبسها له عقوبة حتى يؤدي الواجب عليه , وحبسه لها حق يثبت بموجب العقد , وليس بعقوبة , بل حقه عليها كحق المالك على المملوك , ولهذا كان النكاح بمنزلة الرق والأسر للمرأة.

التفريق:

وسنرى تفصيل هذا الإجراء في محله من الفصل الخاص بالتفريق القضائي بين الزوجين.

ثالثا ـ الخلاف بين الزوجين في النفقة وكيفية حله

من المسائل التي تستدعيها الإجراءات القضائية في النفقة معرفة المدعي والمنكر، لأن أحكام الخلاف تنبني عليهما، فالقول قول المنكر، وعلى المدعي البينة أو اليمين، ومن أمثلة مسائل الخلاف بين الزوجين في النفقة، والتي يمكن الاستدلال من خلالها على غيرها من المسائل:

الاختلاف في أصل الإنفاق:

اختلف الفقهاء[127] فيما لو أنكرت المرأة أصل إنفاق زوجها عليها، هل يصدق قولها أم لا على قولين:

القول الأول: إذا كانت المرأة مقيمة في بيت زوجها، ثم تنازع الزوجان في ذلك، وادعت عدم النفقة وأنكر الزوج، فإن القول قول من يشهد له العرف والعادة, فإذا كانت العادة أن الرجل ينفق على المرأة في بيته ويكسوها، وادعت أنه لم يفعل ذلك فالقول قوله مع يمينه، وهو قول مالك[128]، وأبي حنيفة وقول في مذهب أحمد،وقد انتصر له ابن تيمية، وابن القيم، ومن الأدلة التي سيقت لذلك:

·  أن الأصل المستقر في الشريعة أن اليمين مشروعة في جانب أقوى المتداعيين ; سواء ترجح ذلك البراءة الأصلية ; أو اليد الحسية , أو العادة العملية،  ولهذا إذا ترجح جانب المدعي كانت اليمين مشروعة في حقه، والنبي - صلى الله عليه وسلم -  جعل البينة على المدعى عليه إذا لم يكن مع المدعي حجة ترجح جانبه.

·  أن الصحابة والتابعين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وخلفائه الراشدين لم يعلم منهم امرأة قبل قولها في ذلك , ولو كان قول المرأة مقبولا في ذلك لكانت الهمم متوفرة على دعوى النساء , كما هو الواقع، فعلم أنه كان مستقرا بينهم أنه لا يقبل قولها.

·  أنه إذا كان الزوج مؤتمنا عليها , وله عليها ولاية: كان القول قوله فيما اؤتمن عليه وولي عليه , كما يقبل قول الولي في الإنفاق على اليتيم , وكما يقبل قول الوكيل والشريك والمضارب والمساقي والمزارع فيما أنفقه على مال الشركة، بل إن قبول قوله في ذلك أولى من قبول قول أحد الشريكين.

·  أن العادة جارية بأن الرجل ينفق على امرأته ويكسوها فإن لم يعلم لها جهة تنفق منها على نفسها أجري الأمر على العادة.

·  أنه لو كان القول قولها لم يقبل قول الرجل إلا ببينة , فكان يحتاج إلى الإشهاد عليها كلما أطعمها وكساها , وكان تركه ذلك تفريطا منه إذا ترك الإشهاد على  الدين المؤجل ومعلوم أن هذا لم يفعله مسلم على عهد السلف.

·  أن الإشهاد في هذا متعذر أو متعسر فلا يحتاج إليه , كالإشهاد على الوطء ; فإنهما لو تنازعا في الوطء وهي ثيب لم يقبل مجرد قولها في عدم الوطء عند الجمهور ; مع أن الأصل عدمه، والإنفاق في البيوت بهذه المثابة , ولا يكلف الناس الإشهاد على إعطاء النفقة لما فيه من الحرج والمشقة.

·  أن هذه المرأة لا بد أن تكون أكلت واكتست في الزمان الماضي , وذلك إما أن يكون من الزوج , وإما أن يكون من غيره. والأصل عدم غيره , فيكون منه , لأن الحكم الحادث يضاف إلى السبب المعلوم، ويدل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفتى عدي بن حاتم فيما إذا رمى الصيد وغاب عنه ولم يجد فيه أثرا غير سهمه أنه يأكله.

القول الثاني: أن القول قول المرأة، وهو قول الجمهور، لأن النفقة وجبت بطريق المعاوضة , فلا تسقط بمضي الزمان، قال الشافعي:(إن اختلفا فقال قد دفعت إليها نفقتها وقالت لم يدفع إلي شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضها) [129]، وقد استدل على ذلك الكاساني بأن الزوج يدعي قضاء دين عليه وهي منكرة فيكون القول قولها مع يمينها كما في سائر الديون[130]. 

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة في الحالة العادية هو القول الأول، للمضار التي قد تحدث للزوج بسبب القول الثاني، وقد أشار إلى هذه المضار من رجح هذا القول من العلماء، قال ابن تيمية بعد استدلاله لهذا القول:(وهذه المعاني من تدبرها تبين له سر هذه المسألة, فإن قبول قول النساء في عدم النفقة في الماضي فيه من الضرر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، وهو يؤول إلى أن المرأة تقيم مع الزوج خمسين سنة , ثم تدعي نفقة خمسين سنة وكسوتها , وتدعي أن زوجها مع يساره وفقرها لم يطعمها في هذه المدة شيئا , وهذا مما يتبين الناس كذبها فيه قطعا ; وشريعة الإسلام منزهة عن أن يحكم فيها بالكذب والبهتان , والظلم والعدوان) [131]

وهو كذلك ما جعل ابن القيم يختار هذا القول وينصره، وقد بين مأخذه في ذلك بقوله:(وهذا المذهب هو الذي ندين الله به , ولا يليق بهذه الشريعة الكاملة سواه , وكيف يليق بالشريعة أن تسمع مثل هذه الدعوى التي قد علم الله وملائكته والناس أنها كذب وزور؟ وكيف تدعي المرأة أنها أقامت مع الزوج ستين سنة أو أكثر لم ينفق عليها فيها يوما واحدا ولا كساها فيها ثوبا، ويقبل قولها عليه، ويلزم بذلك كله؟ ويقال: الأصل معها وكيف يعتمد على أصل يكذبه العرف والعادة والظاهر الذي بلغ في القوة إلى حد القطع) [132] 

ولهذا انتصر له كذلك العز بن عبد السلام مع مخالفته لقول الشافعي، فقد قال في قواعد الأحكام في بيان الفرق بين النفقة وسائر الديون:(إذا اختلف الزوجان في النفقة مع اجتماعهما وتلازمهما ومشاهدة ما ينقله الزوج إلى مسكنهما من الأطعمة والأشربة، فالشافعي يجعل القول قول المرأة ; لأن الأصل عدم قبضها كسائر الديون , ومالك يجعل القول قول الزوج ; لأنه الغالب في العادة , وقوله ظاهر , والفرق بين النفقة وسائر الديون أن العادة الغالبة مثيرة للظن بصدق الزوج بخلاف الاستصحاب في الديون فإنه لا معارض له , ولو حصل له  معارض كالشاهد واليمين لأسقطناه , مع أن الظن المستفاد من الشاهد واليمين أضعف من الظن المستفاد من العادة المطردة في إنفاق الأزواج على نسائهم مع المخالطة الدائمة , نعم لو اختلفنا في نفقة يوم أو يومين لم يبعد ما قاله الشافعي رحمه الله) [133]

وقد رجع كثير من علماء المذاهب المتأخرين إلى هذا القول، قال ابن رجب:(إذا ادعت الزوجة بعد طول مقامها مع الزوج أنه لم توصلها النفقة الواجبة ولا الكسوة. فقال الأصحاب: القول قولها مع يمينها ; لأن الأصل معها مع أن العادة تبعد ذلك جدا , واختار الشيخ تقي الدين الرجوع إلى العادة) [134]

الاختلاف في فرض الحاكم للنفقة أو في وقتها:

اختلف الفقهاء في اختلاف الزوجين  في فرض الحاكم للنفقة , أو في وقتها, كأن قال: فرضها منذ شهر، فقالت: بل منذ عام،  على قولين:

القول الأول: إن القول قوله , وهو قول الشافعي والحنفية، لأن قوله يوافق الأصل, فقدم, كما لو كان مقيما معها.

القول الثاني: إن كان مقيما معها , فالقول قوله , وإن كان غائبا عنها , فالقول قول المرأة من يوم رفعت أمرها إلى الحاكم، وهو قول المالكية.

الترجيح:

لا حاجة لمثل هذه المسألة حاليا لأن القضاء يوثق هذه القضايا، فلا يعرف الحق فيها إلا بالتوثيق، ولو غاب التوثيق مثلا، فالقول قول الجمهور لأن الزوج منكر، وهي المدعية، فيكتفى ببينتها أو يمينه، ومع ذلك فلقول المالكية وجه حق باعتبار الغائب قد يغفل عن تاريخ فرض النفقة بخلاف الحاضر.

ثم إن هذه المسألة إنما تطرح على اعتبار أن للمرأة الحق في دين النفقة، وهي مسألة خلافية طرحناها في المبحث الأول.

الاختلاف في انتهاء العدة:

اتفق الفقهاء[135] على أنه إن اختلفا في انقضاء العدة فالقول قولها مع يمينها ; لأن ما في رحمها لا يعلمه غيرها فتكون أمينة فيه مقبولة القول , ولأنها متمسكة بالأصل والأصل بقاء العدة , واستحقاق النفقة كان ثابتا لها فيبقى ما لم يظهر انقضاء العدة , وبقول الزوج ذلك لا يظهر في حقها ; لأن قوله ليس بحجة عليها , فإن أقام الزوج البينة على إقرارها بانقضاء العدة برئ من النفقة ; لأن ثبوت إقرارها بالبينة كثبوته بالمعاينة.

إذا ادعت المطلقة أنها آيسة وقد انقضت عدتها بالأشهر، فإن ناكرها زوجها في مضي الأشهر فعليها البينة، وإن ناكرها في الإياس فإن كان الإياس لصغر، فالقول قولها إذ هو الأصل، وإن كان لكبر فعليه البينة ببلوغها مدة الإياس.

وفي حال ادعاء المرأة انتهاء العدة في مدة يستحيل انتهاؤها فيها، فإنه لا تصدق المرأة في ذلك إذا أنكر الزوج قولها, وقد اختلف الفقهاء في المدة التي يستحيل فيها انتهاء عدتها على قولين:

القول الأول: أن العبرة ليست بالمدة، وإنما بإقامة المرأة البينة على ذلك، وهي أربع عدول من النساء عالمات , يشهدن أنها حاضت حيضا أسود ثم طهرت منه، وهكذا إلى ثلاثة أقراء، أو بشهادة امرأتين كذلك مع يمينها، وهو قول ابن حزم، ومن الأدلة على ذلك:

·  أن الله تعالىلم يحد في ذلك حدا , ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن الباطل المتيقن أن يكون تعالى أراد أن يكون للأقراء مقدار لا يكون أقل منه ثم يسكت عن ذلك.

·  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم بالبينة على من ادعى , وهي مدعية بطلان حق ثابت لزوجها في رجعتها، أحبت أم كرهت - فلا تصدق إلا ببينة عدل.

·  عن الشعبي , قال: جاءت امرأة إلى علي بن أبي طالب قد طلقها زوجها فادعت أنها حاضت ثلاثة حيض في الشهر؟ فقال علي لشريح: قل فيها؟ فقال شريح: إن جاءت ببينة - ممن يرضى دينه , وأمانته - من بطانة أهلها أنها حاضت في شهر ثلاثا: طهرت عند كل قرء وصلت , فهي صادقة؟ وإلا فهي كاذبة , فقال علي: قالون - يعني: أصبت بالرومية.

·  عن قتادة قال: إن امرأة طلقت فحاضت في نحو من أربعين ليلة ثلاث حيض , فاختصموا إلى شريح فرفعهم إلى علي بن أبي طالب؟ فقال علي: إن شهد أربعة من نسائها أن حيضها كان هكذا أبانت منه , وإلا فلتعتد ثلاث حيض في ثلاثة أشهر.

·  عن إبراهيم النخعي في امرأة حاضت في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض؟ قال: إذا شهدت لها العدول من النساء أنها قد رأت ما يحرم عليها الصلاة من طموث النساء الذي هو الطموث المعروف , فقد خلا أجلها.

القول الثاني: تحديد مدة العدة، وهو قول الجمهور، وقد اختلفوا في هذا التحديد بناء على أقوالهم في مدد الحيض والنفاس، ومن الأقوال في ذلك:

·  لا تصدق في انقضاء العدة في أقل من ستين يوما، ولا تصدق النفساء في أقل من خمسة وثمانين يوما، وهو قول أبي حنيفة.

·  لا تصدق في انقضاء العدة في أقل من تسعة وثلاثين يوما، وهو قول أبي يوسف , ومحمد بن الحسن , وسفيان في أحد قوليه، لأنه يجعلها مطلقة في آخر طهرها , ثم ثلاث حيض , كل حيضة من ثلاثة أيام - وهو أقل الحيض عندهم - وطهران , كل طهر خمسة عشر يوما - وهو أقل الطهر عندهم.

·      لا تصدق المعتدة بالأقراء في أقل من خمسة وأربعين يوما، وهو قول الحسن ابن حي.

·      لا تصدق في أقل من أربعين يوما، وهو قول الأوزاعي.

·      إن لم تأت ببينة لم تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، وهو قول أبي عبيد.

·  لا تصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوما وبعض يوم, وهو أحد أقوال الشافعي; لأن أقل الحيض عنده في هذا القول يوم , , وأقل الطهر خمسة عشر يوما.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أنها من المسائل التي يستفتى فيها أهل الاختصاص من الأطباء وغيرهم، والظاهر فيها، والله أعلم، أن المدة العادية تقارب ثلاثة أشهر، والدليل على ذلك هو أن الله تعالى جعل عدة اليائس ثلاثة أشهر في مقابل القروء الثلاثة لغيرها، وهو يدل على أن المدتين تتقاربان.

الاختلاف في وقت التطليق:

إن طلق امرأته , وكانت حاملا فوضعت , فقال: طلقتك حاملا , فانقضت عدتك بوضع الحمل , وانقطعت نفقتك ورجعتك، فقالت: بل طلقتني بعد الوضع , فلي النفقة , ولك الرجعة، فالقول قولها ; لأن الأصل بقاء النفقة , وعدم المسقط لها , وعليها العدة , ولا رجعة للزوج ; لإقراره بعدمها إلا إذا رجع إلى قولها فصدقها , فله الرجعة ; لأنها مقرة له بها.

أما لو قال: طلقتك بعد الوضع , فلي الرجعة , ولك النفقة، فقالت: بل طلقتني وأنا حامل. فالقول قوله ; لأن الأصل بقاء الرجعة , ولا نفقة لها , ولا عدة عليها ; لأنها حق لله تعالى , فالقول قولها فيها. وإن عاد فصدقها , سقطت رجعته , ووجب لها النفقة.

وربما يكون الأرجح في هذا هو اعتبار عدالة الزوج وصدقه، لأنه هو المطلق، وهو أدرى بالوقت الذي طلق فيه، وقد قال ابن تيمية:(إذا أقر الزوج أنه طلق زوجته من مدة تزيد على العدة الشرعية فإن كان المقر فاسقا أو مجهول الحال لم يقبل قوله في انقضاء العدة التي فيها حق الله تعالى، وإن كان عدلا غير متهم مثل أن يكون غائبا فلما حضر أخبرها أنه طلقها من مدة كذا وكذا. فهل العدة حين بلغها الخبر إذ لم تقم بذلك بينة أو من حين الطلاق؟ كما لو قامت به بينة فيه خلاف مشهور عند أحمد والمشهور عنه هو الثاني) [136]

الاختلاف في تسلم النفقة:

ومن الصور التي ذكرها الفقهاء لهذا النوع من الاختلاف ما إذا اختلفا فيما بعث لها، فقالت هو هدية، وقال الزوج هو من الكسوة فالقول قول الزوج مع يمينه ; لأنه هو المملك للثوب منها فالقول قوله في بيان جهته إلا أن تقيم المرأة البينة أنه بعث به هدية , وإن أقاما البينة فالبينة بينة الزوج ; لأنه يثبت ببينته فراغ ذمته عن حقها من الكسوة , ومثله ما لو أقام كل واحد منهما البينة على إقرار الآخر بما ادعاه ; لأن الزوج هو المدعي للقضاء فيما عليه من الحق فمعنى الإثبات في بينته أظهر[137].

الاختلاف في يسار الزوج وإعساره:

إذا اختلف الزوج والزوجة في يساره، فقال الزوج: أنا فقير، وقالت المرأة: هو غني، فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى المرأة البينة، وقد ذكر الكرابيسي الفرق بين قبول قول الزوج هنا مع عدم قبوله إن ادعت في دين لها عليه فادعى الإعسار بأن الفرق هو أنه في النفقة لم يوجد منه إقرار بدخول بدله في ملكه،فهي (لا تجب بدلا عما هو مال , وإنما تجب على طريق الصلة بدلا عن تسليم النفس , وهو ليس بمال , ولم يكن بالشروع في العقد مقرا بحصول مال له بإزاء ما يوجب عليه , فصارت تدعي اليسار , وهو ينكر , والأصل في الناس الإعسار, فمن ادعى ما يوافق الظاهر , فالقول قوله وليس كذلك في سائر الديون , لأن الظاهر وجوبها بحق العقد والعقد يقتضي بدلا عما هو مال , فصار بالشروع في العقد مقرا بأنه مالك لمبدله وهو مال فصار كما لو أقر اليسار) [138]

فإن أقامت المرأة البينة أنه موسر وأقام الزوج البينة أنه محتاج أخذ القاضي ببينة المرأة ; لأنها قامت على الإثبات ولأن شهود الزوج اعتمدوا في شهادتهم ما هو الأصل وشهود المرأة عرفوا الغنى العارض فلهذا يفرض لها عليه نفقة الموسرين.

فإن لم يكن لها بينة على يساره وسألت القاضي أن يسأل عن يساره في السر فليس ذلك على القاضي ; لأنه وجد دليلا يعتمده لفصل الحكم وهو التمسك بالأصل , فليس عليه أن يطلب دليلا آخر , وإن فعله فأتاه من أخبر عنه أنه موسر لا يعتمد ذلك أيضا إلا أن يخبره بذلك رجلان عدلان.  

رابعا ـ أحوال الزوج المالية وعلاقتها بتحديد النفقة

يختلف تحديد القاضي للنفقة كما ذكرنا باخلاف حال الزوج، ولا يخلو الزوج من الأحوال التالية:

الحالة الأولى: إعسار الزوج:

ويتعلق بهذه الحالة المسائل التالية:

تعريف الإعسار:

لغة: مصدر أعسر , وهو ضد اليسار , والعسر: اسم مصدر وهو الضيق والشدة والصعوبة , قال تعالى:﴿) سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾(الطلاق: من الآية7) عسر يسرا ﴾،وقال تعالى:﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾(البقرة: من الآية280) والعسرة: قلة ذات اليد , وكذلك الإعسار[139].

اصطلاحا: هو عدم القدرة على النفقة , أو أداء ما عليه بمال ولا كسب. وقيل: هو زيادة خرجه عن دخله[140].

ما لا يعتبر في الإعسار:

لا يعتبر الزوج معسرا إن أصابته فاقة مؤقتة أو كان عمله يقتضي هذه الفاقة المؤقتة، ومن الحالات التي ذكرها الفقهاء،ولم يعتبروا صاحبها معسرا: إن لم يجد النفقة إلا يوما بيوم، أو وجد في أول النهار ما يغديها , وفي آخره ما يعشيها , أو كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع كله , أو تعذر عليه الكسب في بعض زمانه , أو تعذر البيع، أو عجز عن الاقتراض أياما يسيرة، أو  مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة،ويقاس عليها غيرها من الحالات، وفي حكمها ما لو كان عسره بما زاد على نفقة المعسر , لأن تلك الزيادة تسقط بإعساره , ويمكن الصبر عنها , ويقوم البدن بما دونها كإعساره عن اللحم والفواكه أو أعسر بنفقة الخادم، أو كان عسره بالنفقة الماضية , لأنها دين يقوم البدن بدونها , فأشبهت سائر الديون.

زواج المرأة من المعسر مع علمها بإعساره:

اختلف الفقهاء فيما لو رضيت الزوجة بالمقام معه مع عسرته أو ترك إنفاقه , ثم لم تصبر على ذلك فبدا لها الفسخ , أو تزوجت معسرا عالمة بحاله , راضية بعسرته , أو شرط عليها أن لا ينفق عليها ـ عند من يقول اعتبار هذا الشرط ـ  ثم بدا لها الفسخ، فهل لها الحق في ذلك أم لا، على قولين:

القول الأول: إن لها ذلك، وهو قول الشافعي، واستدلوا على ذلك بأن وجوب النفقة يتجدد في كل يوم , فيتجدد لها حق الفسخ بتجدده , ولا يصح إسقاط حقها فيما لم يجب لها, كإسقاط شفعتها قبل البيع.

القول الثاني: ليس لها الفسخ ,، وهو قول مالك وظاهر كلام أحمد، واستدلوا على ذلك بأنها رضيت بعيبه , ودخلت في العقد عالمة به , فلم تملك الفسخ , كما لو تزوجت عنينا  عالمة بعنته.

وقد رتبوا على عدم إعطائها الحق في الفسخ ما يلي:

·  أنه لا يلزمها تمكينه من معاشرتها جنسيا ; لأنه لم يسلم إليها عوضه , فلم يلزمها تسليمه , كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع , لم يجب تسليمه إليه.

·  أن عليه تخلية سبيلها , لتكتسب لها , وتحصل ما تنفقه على نفسها ; لأن في حبسها بغير نفقة إضرارا بها، وهو لا يملك حبسها حتى لو كانت موسرة  لأنه إنما يملك حبسها لعلتين قد انتفتا جميعا، فلا هو كفاها المؤونة , وأغناها عما لا بد لها منه , ولا هو قادر على الاستمتاع الواجب عليها، فلذلك لم يملك حبسها.

ولهذه المسألة تفاصيل خاصة، نذكر رأينا فيها في الفصل الخاص بالتفريق بين الزوجين.

تكليف القاضي للمعسر بالعمل:

إن كان سبب عدم نفقة الزوج إعساره، وكان سبب إعساره عدم عمله كلفه القاضي وألزمه بالعمل، وقد نص الفقهاء على أن المعسر القادر على العمل يلزمه الكسب للإنفاق عليها مثلما يلزمه لنفقة نفسه، بل إنه لو قدر على تكسب نفقة الموسر لزمه تعاطيه[141].

الحالة الثانية: يسار الزوج:

ويتعلق بيسار الزوج المسائل التالية:

تعريف اليسار:

لغة: اليسار بالفتح لا غير الغنى والثروة،وأيسر بالألف صار ذا يسار والميسرة بضم السين وفتحها والميسور أيضا واليسر بضم السين وسكونها ضد العسر. وفي التنزيل ﴿ إن مع العسر يسرا ﴾ فطابق بينهما ويسر الشيء مثل قرب قل فهو يسير ويسر الأمر ييسر يسرا من باب تعب، ويسر يسرا من باب قرب، فهو يسير أي سهل، ويسره الله فتيسر واستيسر بمعنى ورجل أعسر يسر بفتحتين يعمل  بكلتا يديه[142].

اصطلاحا: هو نفس المعنى اللغوي، أي الغنى، أو كون الشخص غير معسر[143].

بيع القاضي مال الموسر للنفقة على زوجته:

من الإجراءات التي يتخذها القاضي مع  الزوج الموسر زيادة على ما سبق، في حال لم يستجب لما فرضه القاضي من نفقة، فإن للقاضي أن يأخذ النفقة من ماله, أو يكلف الزوجة بأن تأخذ من ماله كما مر في حديث هند، وقد اختلف الفقهاء ـ هنا ـ فيما لو لم يجد القاضي إلا عروضا أو عقارا , فهل له الحق في بيعها لتسديد النفقة أم لا على قولين[144]:

القول الأول: للقاضي الحق في بيعها لأجل النفقة، وهو قول مالك , والشافعي , وأبي يوسف , ومحمد , وأبي ثور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      قول النبي - صلى الله عليه وسلم -  لهند:(خذي ما يكفيك) [145] ولم يفرق.

·      أن ذلك مال له , فتؤخذ منه النفقة , كالدراهم والدنانير.

·      أن للحاكم ولاية عليه إذا امتنع , بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره.

القول الثاني: ليس للقاضي الحق في بيعها لأجل النفقة، وهو قول أبي حنيفة، واستدل على ذلك بأن بيع مال الإنسان لا ينفذ إلا بإذنه , أو إذن وليه , ولا ولاية على الرشيد.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن للقاضي الحق في بيع ماله إذا اقتضت الضرورة ذلك، لأن الزوجة مدينة للزوج بنفقتها، فيحق لها أن تأخذ حقها منها، كما يحق للمدين، وحديث هند يدل على ذلك، فإجازة النبي - صلى الله عليه وسلم - لها أخذ ما يكفيها وولدها يدل على أن لها حقا في المال.

ويستحب مع ذلك أن لا يبيع القاضي ما أراد من العروض والعقارات إلا بعد استئذانه في ذلك أو في العرض الذي يستغني عنه فيقدم على بيعه، في حال عدم إذنه.  

الحالة الثالثة  ـ غياب الزوج:

تعريف الغائب:

الغائب هنا هو من يتعذر إحضاره إلى مجلس القضاء لمخاصمته في النفقة التي تطالب بها زوجته سواء كان ذلك بسبب سفره أو باختفائه في البلد الذي تقيم فيه زوجته.

الإجراءات المتخذة مع الزوج الغائب

تختلف الإجراءات المتخذة حول نفقة الزوج الغائب بحسب حال المال الذي تركه الزوج الغائب ظهورا واختفاء، كما يلي:

1 ـ إطلاق يدها في أخذ حاجتها من مال زوجها:

إذا ترك مالاً ظاهراً من جنس ما تقدر به النفقة كالنقود والحبوب، وكان تحت يد الزوجة كان لها أن تأخذ منه مقدار نفقتها بالمعروف من غير حاجة إلى قضاء القاضي[146]، كما مر في قضائه - صلى الله عليه وسلم -  في قصة هند امرأة أبي سفيان.

فإن ترك مالا ظاهرا ولكنه لم يكن تحت يدها بل كان عند غيرها وديعة أو ديناً في ذمته وطلبت الزوجة فرض النفقة فيه أجابها القاضي وأمر من عنده المال إبقاءها مقدار النفقة إن كان من عنده المال معترفاً به وبالزوجية أو كان القاضي يعلم بهما بلا خلاف.

أما إذا لم يعترف من عنده المال بهما أو بأحدهما ولا علم للقاضي بهما: فإن أثبتت المرأة زوجيتها بالبينة مع ملكيته لذلك المال أجابها القاضي إلى فرض النفقة فيه.

وقبل الحكم يستوثق القاضي من صدق المرأة في دعواها فيحلفها اليمين بأن زوجها لم يعجل لها النفقة وأنها ليست ناشزا ولا مطلقة انتهت من عدتها ثم يأخذ منها كفيلاً بالنفقة، حتى إذا تبين كذبها وعاد زوجها رجع عليه أو عليها بما أخذته.

فإذا امتنعت الزوجة عن اليمين وتقديم الكفيل لا يحكم لها بالنفقة.

أما إذا لم يكن له مال أصلاً فرض لها النفقة وأذن لها بالاستدانة على الزوج بعد أن يحلفها اليمين السابقة ويأخذ منها كفيلاً بالنفقة المفروضة.

إن لم تجد من يدينها أمر القاضي قريبها الذي تجب عليه نفقتها لو لم تكن متزوجة بإدانتها.

2 ـ صرف الزوجة على نفسها من مالها:

إن لم يترك الزوج مالا ظاهرا،ولها مال، فإنها تصرف على نفسها من مالها، وقد اختلف الفقهاء في إرجاع الزوج لها ما أنفقته على نفسها على الأقوال التالية:

القول الأول: يجب لها إذا  أنفقت على نفسها ثم قدم زوجها فأقر بذلك إرجاع ما أنفقته إلا أن يكون أكثر مما يفرض لمثلها على مثله فله أن يمنع الزائد على ذلك , وهو قول الحسن البصري , والشافعي , وأبي سليمان، وقد سئل ابن شهاب عن المرأة تنفق على نفسها من الذي لها وتتسلف؟ قال: نرى أن يؤخذ به زوجها بالسداد إلا أن يكون له بينة أنه وضع لها ما يصلحها.

القول الثاني: أن ما أنفقت من مالها فلا شيء لها فيه , وما استدانت فهو على الزوج، وهو مروي عن إبراهيم النخعي. 

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الزوج إذا أقر بأنه لم يترك للزوجة ما يكفيها من النفقة، فإن الواجب عليه تسديد حق ما أنفقته على نفسها سواء كان ذلك من مالها أو من دين استدانته، لأن الزوج هو المكلف بالإنفاق على زوجته حضورا وغيابا، وليس له الحق في استغلال مالها، ولو بأن تنفق منه على نفسها.

أما إن أقر بخلاف ذلك، فقد قال فيه ابن حزم:(إن ادعى أنه أنفق فهو مدع لسقوط حق لها ثبت قبله، فالبينة عليه، واليمين عليها[147] (

4 ـ التفريق بسبب عدم النفقة في الغيبة:

إذا لم يترك الزوج نفقة لزوجته، ولم تجد ما تنفق به على نفسها، فإنه يحق لها لذلك أن تطالب بالتفريق بينها وبينه، وقد اعتبر المالكية مدة ذلك بشهر واحد، قال الناظم:

وزوجة الغائب حيث أملت فراق زوجها بشهر أجلت

وبانقضاء الأجل الطلاق مع     يمينها وباختيارها يقع[148]

وقد فسر ذلك بأن من غاب عن زوجته ولم يترك لها نفقة، وأرادت فراقه فإنها تؤجل شهرا، فإذا انقضى الشهر خيرت في البقاء والطلاق , فإن اختارته فإنها تطلق عليه بعد يمينها أنه لم يترك لها نفقة،ولا بعث بها ووصلتها

وهذا الطلاق من جهة النفقة لا من جهة الفقد كما تطلق على العديم الحاضر، ويجب لذلك أن تثبت عدم الغائب وغيبته , ثم يستأني بعد ذلك كما يستأني على الحاضر , ثم يقضى عليه وترجى له الحجة لمغيبه.

وكذلك إن  كانت غيبته قبل البناء , ولم يترك مالا فإنها تطلق عليه إذا دعت إلى ذلك على الصحيح وقيل لا تطلق عليه ; لأن النفقة لا تجب لها حتى تطلبها وبغيبته عدم ذلك.

ومن الوثائق المهمة التي نص عليها فقهاء المالكية في كيفية التطليق بعد انقضاء الشهر، وهي تتضمن القيود التي تحكم هذا التفريق:(لما انصرم الأجل المقيد في كذا ولم يئب الزوج المذكور في كذا لزوجته المذكورة فيه من الغيبة المشهود بها في كذا , وسألت الزوجة من القاضي فلان وفقه الله النظر لها في ذلك اقتضى نظره إحلافها فحلفت بحيث يجب. وكما يجب يمينا قالت فيها: بالله الذي لا إله إلا هو لقد غاب عني زوجي فلان المذكور في كذا الغيبة المشهود بها في كذا ولا رجع من مغيبه سرا ولا جهرا وتركني دون نفقة ولا شيء أمون به نفسي ولا بعث إلي بشيء فوصلني ولا أقام لي بذلك كفيلا ولا من ينوب عنه ولا قام عنه أحد بشيء من ذلك ولا أذنت له في سفره ولا رضيت بالمقام معه دون النفقة ولا أعلم مالا أعدي له فيه بذلك ولا أن عصمة النكاح انفصلت بيني وبينه بوجه حتى الآن , ولما كملت يمينها وثبتت لديه أذن لها في تطليق نفسها إن شاءت فطلقت نفسها عليه واحدة قبل البناء بها ملكت بها أمر نفسها , أو بعد البناء بها طلقة رجعية يملك بها رجعتها إن قدم موسرا في عدتها وأمرها بالاعتداد من الآن، وإرجاء الحجة للغائب متى قدم ومن حضر اليمين المنصوصة واستوعبها من الحالف ويعرف الإذن فيها وفي الطلاق وأشهدته الحالفة بما فيه عنها وعرفها قيد بذلك شهادته في كذا) [149]

ونرى لهذا القول قيمته في الحفاظ على حقوق المرأة التي يغيب عنها زوجها لسبب أو غير سبب دون أن يهتم بحاجاتها، فيكون في هذا القول رادعا له على ذلك، وللمسألة تفاصيلها وأدلتها في الفصل الخاص بالتفريق بين الزوجين.

4 ـ أنواع النفقة ومقاديرها

كما تحدث الفقهاء عن الشروط الموجبة للنفقة حتى لا تفرض إلا على من تحققت فيه شرائطها، فإنهم فصلوا الكلام كذلك في أنواع النفقات، درءا للخلاف، فلا تزعم الزوجة أنه قصر في حقها، ولا يتلاعب الزوج بالوجوب المفروض عليه فيجعله وجوبا صوريا، ونلاحظ هنا قبل استعراض أنواع النفقات أن الفقهاء تحدثوا عن هذه النفقات بحسب أعرافهم وبيئاتهم، وذلك لا يمنع من القياس عليها ما استجد في عصرنا من أنواع النفقات.

النوع الأول ـ الطعام

ويتعلق بهذا النوع من النفقة المسائل التالية:

جنس القوت الواجب في النفقة:

اختلف الفقهاء في جنس القوت[150] الواجب في النفقة على قولين[151]:

القول الأول: الواجب فيها الحب، حتى لو دفع إليها دقيقا أو سويقا أو خبزا , لم يلزمها قبوله، وهو قول الشافعية[152]، فيما لو كان الحب غالب قوتهم , فإن غلب غير الحب كتمر ولحم وأقط فهو  الواجب ليس غير , لكن عليه مؤونة اللحم وما يطبخ به.

فإن نزلت عليه في بلده اعتبر غالب قوت بلده , وإن نزل عليها في بلدها اعتبر غالب قوت بلدها , وإن نزل ببلدة ولم تألف خلاف قوت بلدها قيل لها: هذا حقك فأبدليه قوت بلدك إن شئت , ولو انتقلا عن بلدهما لزمه من غالب قوت ما انتقلا إليه دون ما انتقلا عنه , سواء كان أعلى أم أدنى , فإن كان كل واحد ببلد أو نحوها اعتبر محلها[153], واستدلوا على ذلك بالقياس على الإطعام في الكفارة , فإنه لا يلزم المسكين ذلك في الكفارة.

القول الثاني: لا يجب فيها جنس بعينه، بل يعتبر في ذلك عرف أهل البلد، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله تعالى:﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾(المائدة:89)،لأن الوسط بمعنى الأعلى والخيار وهو هنا منزلة بين منزلتين ونصفا بين طرفين.

·  عن ابن عباس - رضي الله عنه -  قال:كان الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة، فنزلت: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾(المائدة:89)، والدليل على عدم حصرها في جنس بعينه اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم -  في هذا الوسط، فقال ابن عباس: الخبز والزيت. وعن ابن عمر: الخبز والسمن , والخبز والزيت , والخبز والتمر , ومن أفضل ما تطعمونهن الخبز واللحم. ففسر إطعام الأهل  بالخبز مع غيره من الأدم[154].

·  أن الشرع ورد بالإنفاق مطلقا من غير تقييد ولا تقدير , فوجب أن يرد إلى العرف, كما في القبض والإحراز.

·      أن أهل العرف إنما يتعارفون فيما بينهم في الإنفاق على أهليهم الخبز والأدم , دون الحب, والنبي - صلى الله عليه وسلم -  وصحابته إنما كانوا ينفقون ذلك , دون ما ذكروه , فكان ذلك هو الواجب.

·      أنها نفقة قدرها الشرع بالكفاية , فكان الواجب الخبز.

·  أن الحب تحتاج فيه إلى طحنه وخبزه , فمتى احتاجت إلى تكلف ذلك من مالها لم تحصل الكفاية بنفقته.

·  أن الإطعام في النفقة يفارق الإطعام في الكفارة , لأنها لا تقدر بالكفاية , ولا يجب فيها الأدم، ويفارق الطعام في الكفارة كذلك لأنه حق الله تعالى , وليس هو لآدمي معين , فيرضى بالعوض عنه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم تحديد شيء من ذلك، وتركه للأعراف المختلفة، فعلى أساسها يحدد القاضي ما يجب للمرأة في حال الاختلاف، والدليل على ذلك عدم بيان النصوص الأجناس والمقادير وترك ذلك للعرف، قال ابن تيمية:(والصواب المقطوع به ما عليه الأمة علما وعملا قديما وحديثا ; فإن القرآن قد دل على ذلك، فأمرها أن تأخذ الكفاية بالمعروف , ولم يقدر لها نوعا ولا قدرا , ولو تقدر ذلك بشرع أو غيره لبين لها القدر والنوع , كما بين فرائض الزكاة والديات) [155]

ثم إن الشرع قد أمر في هذا بالكفاية، وهي تتنوع بحالة الزوجة في حاجتها , ويتنوع الزمان والمكان , ويتنوع حال الزوج في يساره وإعساره , (وليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة , ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف , ولا كفاية طعامه كطعامه , ولا طعام البلاد الحارة كالباردة , ولا المعروف في بلاد التمر والشعير , كالمعروف في بلاد الفاكهة والخمير)

وعندما سأل المستفتي - صلى الله عليه وسلم - عن حق الزوجة، قال:(تطعمها إذا أكلت , وتكسوها إذا اكتسيت) , فلم يأمر في شيء من ذلك بقدر معين ; لكن قيد ذلك بالمعروف تارة , وبالمواساة بالزوج أخرى.

وقد ذكر ابن تيمية خلاف العلماء في المسألة، وبين جواز جميع ما قالوا، قال:(أما النوع, فلا يتعين أن يعطيها مكيلا كالبر , ولا موزونا كالخبز , ولا ثمن ذلك كالدراهم ; بل يرجع في ذلك إلى العرف، فإذا أعطاها كفايتها بالمعروف , مثل أن يكون عادتهم أكل التمر والشعير فيعطيها ذلك،  أو يكون أكل الخبز والإدام فيعطيها ذلك، وإن كان عادتهم أن يعطيها حبا فتطحنه في البيت فعل ذلك. وإن كان يطحن في الطاحون ويخبز في البيت فعل ذلك. وإن كان يخبز في البيت فعل ذلك. وإن كان يشتري خبزا من السوق فعل ذلك. وكذلك الطبيخ ونحوه فعلى ما هو المعروف , فلا يتعين عليه دراهم , ولا حبات أصلا ; لا بشرع , ولا بفرض ; فإن تعين ذلك دائما من المنكر ليس من المعروف , وهو مضر به تارة وبها أخرى وكذلك القدر , لا يتعين مقدار مطرد ; بل تتنوع المقادير بتنوع الأوقات) [156]

مقدار القوت الواجب في النفقة:

اختلف الفقهاء في مقدار القوت الواجب في النفقة على قولين:

القول الأول: أن النفقة مقدرة بمقدار شرعي، وهو قول الشافعي ورواية عند الحنابلة، واختلفوا في مقدارها الشرعي على رأيين:

الرأي الأول: هي مقدرة بمقدار لا يختلف في القلة والكثرة , والواجب رطلان من الخبز في كل يوم , في حق الموسر والمعسر، وهو قول القاضي واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      قياس الإطعام على الكفارت.

·  أن الموسر والمعسر سواء في قدر المأكول , وفيما تقوم به البنية , وإنما يختلفان في جودته , فكذلك النفقة الواجبة.

الرأي الثاني:التفريق بين الموسر والمعسر، وهو قول الشافعية، فاعتبروا نفقة المقتر مدا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -  واستدلوا على ذلك بأن أقل ما يدفع في الكفارة إلى الواحد مد، والله تعالى اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل , فقال تعالى: ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾(المائدة:89)، أما الموسر فعليه مدان، واستدلوا على ذلك بأن أكثر ما أوجب الله سبحانه للواحد مدين في كفارة الأذى، أما المتوسط فعليه مد ونصف , نصف نفقة الموسر , ونصف نفقة الفقير.

القول الثاني: أن النفقة مقدرة بالكفاية , وتختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  الأدلة السابقة في اعتبار المعروف كقوله - صلى الله عليه وسلم - لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). فأمرها بأخذ ما يكفيها من غير تقدير , ورد الاجتهاد في ذلك إليها.

·  أن قدر كفايتها لا ينحصر في المدين , بحيث لا يزيد عنهما ولا ينقص، وإيجاب أقل من الكفاية من الرزق ترك للمعروف , وإيجاب قدر الكفاية , وإن كان أقل من مد أو من رطلي خبز , إنفاق بالمعروف , فيكون ذلك هو الواجب بالكتاب والسنة.

·  أن اعتبار النفقة بالكفارة في القدر لا يصح ; لأن الكفارة لا تختلف باليسار والإعسار , ولا هي مقدرة بالكفاية , وإنما اعتبرها الشرع بها في الجنس دون القدر, ولهذا لا يجب فيها الأدم.

 الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة ـ كما ذكرنا سابقا ـ ترك ذلك للعرف، ولكن مع ملاحظة ينبغي ذكرها هنا هي التعرف في ذلك على رأي المختصين من الأطباء وعلماء التغذية، لمعرفة الغذاء الصحي نوعا وكمية، لأن القول بالعرف المجرد عن نظر المختصين قد يكون فيه إساءة للناحية الصحية للزوجة، لأن بعض الأعراف تتعود غذاء يسيء لصحتها، ويصيبها لأجل ذلك بالعلل، فلا ينبغي أن يتخذ مثل هذا العرف مقياسا لذلك.

والملاحظة الثانية، أن يلاحظ في تقدير القوت كمية ونوعا الحالة الصحية للمرأة، لأن الغذاء يختلف باختلاف حالتها، فقد تكون مرضعا أو حاملا، أو مريضة مرضا يدعو إلى غذاء خاص، وذلك يتطلب أن يوفر لها الغذاء الذي ينصح به الطبيب، لذلك تختلف النفقات بحسب الأحوال أكثر مما تختلف بحسب الأعراف.

الأدم:

تعريفه:

لغة: الأدم، بفتحتين اسم لجمع أديم وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدباغ، من الإدام وهو ما يؤتدم به،والجمع أدم بضمتين، قال ابن الأنباري: معناه الذي يطيب الخبز ويصلحه، ويلتذ به الآكل والأدم مثله، والجمع آدام كحلم وأحلام[157].

اصطلاحا: هو ما جرت العادة بأكل الخبز به، أي ما يغمس فيه الخبز.

ومن الأمثلة التي ذكرها الفقهاء له: الطبيخ والمرق والخل والزيت والسمن والشيرج واللبن والدبس والعسل أو جامد كالشواء والجبن والباقلاء والزيتون والبيض والملح والتمر والزبيب ونحوه من كل ما جرت العادة بأكل الخبز به[158].

وقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة بعض أنواع الأدم،فقال - صلى الله عليه وسلم -: (نعم الإدام الخل) [159]، وقال::(ائتدموا بالزيت وادهنوا به) [160]، وفي الحديث:(سيد إدامكم الملح) [161]،  ومضغ - صلى الله عليه وسلم - تمرة على كسرة وقال: هذه إدام هذه[162].

أنواع الإدام الواجبة على الزوج:

ذكرنا سابقا خلاف الفقهاء فيمن يعتبر في النفقة، وهذا الاعتبار يظهر خاصة في الأدم، وسنذكر هنا بعض الأمثلة التي ذكرها الفقهاء لذلك، مع ملاحظة أن ما نرجحه من الرأي هو عدم التفريق بين الموسرة والمعسرة، لا كما سنذكر من آراء، وقد سبق بيان دليل ذلك:

نص الحنابلة على أن الحاكم يفرض للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد ودهنه وأدمه الذي جرت عادة أمثالها بأكله من الأرز واللبن وغيرهما مما لا تكره عرفا، وإن تبرمت بأدم نقلها إلى أدم غيره، ويفرض لها لحما عادة الموسرين بذلك الموضع ويفرض لها حطبا وملحا لطبخه، لأنها لا تستغني عنه، وقدر اللحم رطل عراقي، وقيل في الجمعة مرتين[163].

ويعتبر الأدم عند الشافعية بغالب عادة أهل البلد , كالزيت بالشام , والشيرج بالعراق , ويعتبر قدر الأدم بالقوت , فإذا قيل: إن الرطل تكفيه الأوقية من الدهن. فرض ذلك. وفي كل يوم جمعة رطل لحم , فإن كان في موضع يرخص اللحم , زادها على الرطل شيئا، وقالوا بأن الواجب من جنس قوت البلدة , لا يختلف باليسار والإعسار سوى المقدار.

وقد نصوا على أنه ينبغي أن يجب نحو القهوة إذا اعتيدت، ونحو ما تطلبه المرأة عند الوحم من نحو ما يسمى بالملوحة إذا اعتيد ذلك , وأنه حيث وجبت الفاكهة والقهوة ونحو ما يطلب عند الوحم يكون على وجه التمليك , فلو فوته استقر لها ولها المطالبة به , ولو اعتادت نحو اللبن والبرش بحيث يخشى بتركه محذور من تلف نفس ونحوه لم يلزم الزوج لأن هذا من باب التداوي.

ونصوا على أنه يؤخذ من قاعدة الباب وإناطته بالعادة وجوب ما يعتاد من الكعك في عيد الفطر واللحم في الأضحى , لكن لا يجب عمل الكعك عندها بأن يحضر إليها مؤنة من الدقيق وغيره ليعمل عندها إلا إن اعتيد ذلك لمثله فيجب , فإن لم يعتد ذلك لمثله بل اعتيد لمثله تحصيله لها بأي وجه كان فيكفي تحصيله لها بشراء أو غيره , ولا يجب الذبح عندها حيث لم يعتد ذلك لمثله , بل يكفي أن يأتي لها بلحم بشراء أو غيره على العادة , حتى لو كان له زوجتان فعمل الكعك عند إحداهما لها وذبح عندها واشترى للأخرى كعكا أو لحما كان جائزا بحسب العادة.

قال في نهاية المحتاج بعد ذكر بعض ما سبق من أمثلة:(وقياس ما ذكره في الكعك ولحم الأضحية وجوب ما جرت به العادة في مصرنا من عمل الكشك في اليوم المسمى بأربعاء أيوب، وعمل البيض في الخميس الذي يليه، والطحينة بالسكر في السبت الذي يليه، والبندق الذي يؤخذ في رأس السنة لما ذكر من العادة) [164]

ونص المالكية على أنه يلزم الزوج لزوجته الزيت لأكلها ووقيدها والادهان على العادة، ويلزمه لها أيضا الحطب للطبخ وللخبز، ويلزمه الخل والملح لأنه مصلح، ويلزمه اللحم لمن اعتاده المرة بعد المرة، وقد قدر ذلك في حق القادر ثلاث مرات يوما بعد يوم والمتوسط مرتين والمنحط الحال مرة[165]

النوع الثاني: الكسوة

اتفق الفقهاء على وجوب كسوتها , لأنها لا بد منها على الدوام , فلزمته , واختلفوا في مقدارها وميقاتها على قولين:

القول الأول: أنها معتبرة بكفايتها , وليست مقدرة بالشرع، وهو قول عند الحنابلة، قال ابن تيمية:(إذا انقضت السنة والكسوة صحيحة. قال أصحابنا: عليه كسوة السنة الأخرى , وذكروا احتمالا أنه لا يلزمه شيء وهذا الاحتمال قياس المذهب لأن النفقة والكسوة غير مقدرة عندنا فإذا كفتها الكسوة عدة سنين , لم يجب غير ذلك) [166]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      قول الله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(البقرة:233)

·  قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [167]. والكسوة بالمعروف هي الكسوة التي جرت عادة أمثالها بلبسه.

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -:(إن حقها عليك أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت) [168]

القول الثاني: أنها مقدرة، وهو قول الجمهور، وقد اختلفوا في وقت هذا التقدير، وفيما يقدر، ولا يمكن حصر ذلك في أقوال بعينها، فذلك يطول، ولا حاجة إليه لتغير الأعراف، فنكتفي بهذه الأمثلة عن بعض الآراء الفقهية:

فقد نص الحنفية على أنها تفرض في السنة مرتين في كل ستة أشهر مرة , فإن فعل ذلك لم يجدد لها الكسوة حتى يبلغ ذلك الوقت , إلا أن تكون لبست لبسا معتادا فتخرق قبل مجيء ذلك الوقت , فحينئذ تجدد لها الكسوة.

وقد ذكروا ما يعتبر في الكسوة، بل سموا الثياب التي يجب على الزوج تمليكها لزوجته، بناء على أعرافهم فعلى المعسر في  الشتاء درع وملحفة زطية وخمار سابوري وكساء كأرخص ما يكون كفايتها مما يدفئها , وفي الصيف درع وملحفة وخمار , وإن كان موسرا فالكسوة للمرأة في الشتاء درع يهودي أو هروي وملحفة دينورية وخمار إبريسم وكساء أذربيجاني، وفي الصيف درع سابوري وملحفة كتان وخمار إبريسم.

قال السرخسي بعد ذكره لذلك:(وما ذكر من الثياب فهو بناء على عادتهم أيضا وذلك يختلف باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد , وباختلاف العادات فيما يلبسه الناس في كل وقت , فيعتبر المعروف من ذلك فيما يفرض) [169]

ونص الحنابلة على أن عليه دفع الكسوة إليها في كل عام مرة ; لأنها العادة , ويكون الدفع إليها في أوله ; لأنه أول وقت الوجوب. فإن بليت الكسوة في الوقت الذي يبلى فيه مثلها , لزمه أن يدفع إليها كسوة أخرى ; لأن ذلك وقت الحاجة إليها , وإن بليت قبل ذلك , لكثرة دخولها وخروجها أو استعمالها , لم يلزمه إبدالها ; لأنه ليس بوقت الحاجة إلى الكسوة، وقد سبق ذكر الخلاف في المسألة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن ذلك يختلف باختلاف حال الزوج يسرا وعسرا، وباختلاف الزوجة قناعة وحرصا، فإن كان الزوج موسرا كان الأولى أن ينفق عليها احتاجت أو لم تحتج بشرط عدم الإسراف لتحريمه على كل حال، والمستحب للزوجة في هذه الحالة الترفع والرضا بما يكفيها عن الفضول الذي قد تحاسب عليه، أما إن كان معسرا، فإن الشرع لم يكلف المعسر فوق طاقته، بل قد لبس الصحابة ونساؤهم وهم خير الخلق بعد الأنبياء البالي والمرقع بدون حرج ولا تكلف.

أما أن نكلف المعسر بالإنفاق مما لا يجده، فإن فيه دعوة إلى أحد أمرين: إما سلوك سبيل التكسب المحرم، أو أن يمد يده للناس سائلا، وفي كليهما المضرة الدائمة في الدنيا والآخرة.

الفراش ومستلزماته:

ألحق الفقهاء بالكسوة ما تحتاج إليه المرأة للنوم , من الفراش واللحاف والوسادة , وغيرها على حسب العادة في ذلك، وقد اختلفوا هنا كما اختلفوا سابقا في تمليك ذلك أو كونه على سبيل المنفعة، فنص ابن حزم خلافا لقوله في الكسوة على أن الفراش من ملحقات السكن، واستدل لذلك بديل صريح قوي، قال ابن حزم:(أما الوطاء والغطاء - فبخلاف ذلك , لأن عليه إسكانها , فإذ عليه إسكانها فعليه من الفرش والغطاء ما يكون دافعا لضرر الأرض عن الساكن فهو له , لأن ذلك لا يسمى كسوتها - وبين ذلك الخبر الذي أوردناه مسندا من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:(ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه)، فنسب - صلى الله عليه وسلم - الفرش إلى الزوج فواجب عليه أن يقوم لها به , وهو للزوج لا تملكه هي) [170]

وسائل التنظيف والزينة:

مما يلحق بالكسوة وسائل التنظيف والزينة، وقد نص الفقهاء عليها على اختلاف بينهم في بعضها مع التنبيه إلى أن لكل بيئة وعصر الوسائل الخاصة بذلك.

فنص الشافعية على أنه يجب لها آلة تنظيف، وإن غاب عنها غيبة طويلة، ومن الأمثلة التي ضربوها، وفصلوا أحكامها: المشط، والسواك، والدهن ولو لجميع بدنها ويتبع في الدهن عرف بلدها، فإن ادهن أهله بزيت كالشام أو شيرج كالعراق أو سمن كالحجاز أو زيت مطيب ببنفسج أو ورد وجب ويرجع في مقداره إلى كفايتها كل أسبوع، ويجب لها أجرة حمام بحسب العادة إن كان عادتها دخوله للحاجة إليه عملا بالعرف , وذلك في كل شهر مرة على الأقل، وقيل: ينبغي أن ينظر في ذلك لعادة مثلها، ويختلف باختلاف البلاد حرا وبردا، ويجب لهما ثمن ماء غسل جماع ونفاس من الزوج إن احتاجت لشرائه، ويجب لها ما يغسل به الرأس.

أما ما تتزين به كما جرت به العادة من استعمال الورد ونحوه في الأصداغ ونحوها للنساء، فلا يجب على الزوج، لكن إذا أحضره لها وجب عليها استعماله إذا طلب تزينها به[171].

ونص المالكية على أنه يفرض لها منها ما يزيل الشعث كالمشط والمكحلة والنضوح ودهنها وحناء رأسها، وليس عليه صبغ ثيابها، ولا طيب ولا زعفران ولا خضاب يديها ورجليها، وليس عليه نضوح ولا صباغ ولا المشط ولا المكحلة.

قال الباجي: معنى هذا عندي أن ليس عليه من زينتها إلا ما تستضر بتركها كالكحل والمشط بالحناء والدهن لمن اعتاد ذلك. والذي نفى ابن القاسم إنما هو المكحلة لا الكحل نفسه، فتضمن القولان أن الكحل يلزمه لا المكحلة , وعليه يلزمه ما تمتشط به من  الدهن والحناء لا آلة المشط[172].

النوع الثالث: المسكن

التعريف:

لغة:  السكنى اسم مصدر من السكن , وهو القرار في المكان المعد لذلك , والمسكن بفتح الكاف وكسرها , المنزل أو البيت , والجمع مساكن. والسكون ضد الحركة , يقال: سكن بمعنى هدأ , وسكت.

اصطلاحا: هي المكث في مكان على سبيل الاستقرار والدوام.

حق المرأة في السكنى:

اتفق الفقهاء على أنه يجب على الزوج أن يوفر لزوجته المسكن اللائق بها بالمعروف، بل وقع الإجماع على ذلك، وننبه هنا إلى أن كل الفقهاء متفقون على أن ذلك على سبيل التمكين لا التمليك، ولم نر من قال بخلاف ذلك، قال زكريا الأنصاري:(اعلم أن المسكن والخادم إمتاع يفوتان بمضي الزمن بخلاف غيرهما، فإنه تمليك لا يفوت به) [173]، ولا يشترط لذلك أن يكون ملكا للزوج، بل يصح، أن يكون مؤجرا[174]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾(الطلاق:6)، فإذا وجبت السكنى للمطلقة , فللتي في صلب النكاح أولى.

·      قال الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(النساء:19)، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن.

·      أنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون , وفي التصرف , والاستمتاع , وحفظ المتاع.

·      أنه واجب لها لمصلحتها في الدوام , فجرى مجرى النفقة والكسوة.

صفات بيت الزوجية:

لبيت الزوجية مواصفات ذكرها الفقهاء، سنذكرها في محلها من فصل القوامة الزوجية لعلاقتها بالقوامة.

النوع الرابع: الخادم

ويتعلق به المسائل التالية[175]:

تعريف:

لغة: خَدَمَه يَخْدُمه ويَخدِمه؛ خَدْمَةً، عنه، وخِدْمة، مَهَنَهُ، وقـيل: الفتـح الـمصدر، والكسر الاسم، والذكر خادم، والـجمع  خُدَّام.   والـخَدَمُ: اسم للـجمع كالعَزَبِ والرَّوَح، والأُنثى خادِم وخادِمة، وخَدَم نفسَه يَخْدُمُها ويَخْدِمُها كذلك، واستـخدَمَه فأَخدَمَه: استوهَبَه خادِماً فَوَهَبَه له. ويقال: أَخْتَدَمْتُ فلاناً واسْتَـخْدَمْتُهُ أَي سأَلتُهُ أَن يَخْدُمنـي. وقومٌ مُخَدَّمُون أَي مَخْدُومُون، يراد به كثرةُ الـخَدَم والـحَشَمِ. وأَخدمتُ فلاناً: أَعطيتُه خادماً يخدمُ[176].

اصطلاحا:  هو من يقوم بالأعمال التي يحتاجها بيت الزوجية، سواء كانت في الداخل أو الخارج.

حق الزوجة في الخادم:

اختلف الفقهاء في اعتبار الخادم من حقوق الزوجة على زوجها، على قولين:

القول الأول: لا يجب على الزوج أن ينفق على خادم لزوجته، وهو قول ابن حزم، قال في المحلى:(ليس على الزوج أن ينفق على خادم لزوجته، ولو أنه ابن الخليفة وهي بنت خليفة،  إنما عليه أن يقوم لها بمن يأتيها بالطعام والماء, مهيأ ممكنا للأكل، غدوة وعشية، وبمن يكفيها جميع العمل من الكنس والفرش، وعليه أن يأتيها بكسوتها كذلك, لأن هذه صفة الرزق والكسوة) [177]

واستدل على ذلك بأنه (لم يأت نص قط بإيجاب نفقة خادمها عليه, فهو ظلم وجور، وأما من كلفها العجين والطبخ , ولم يكلفها حياكة كسوتها وخياطتها فقد تناقض , وظهر خطؤه)

وهو مبني كذلك على قوله بوجوب خدمة الزوجة لنفسها ولزوجها، وهو ما سنراه في الفصل الخاص بحق الزوج في القوامة.

القول الثاني: إن الخادم من حقوق الزوجة على زوجها، وأنه من مكملات النفقة، وهو قول جمهور العلماء على اختلاف بينهم في بعض التفاصيل والفروع.

وقد اتفقوا على أنه يجب على الزوج إخدام زوجته التي لا يليق بها خدمة نفسها، بأن كانت تخدم في بيت أبيها , أو كانت من ذوي الأقدار , لكون هذا من حقها في المعاشرة بالمعروف المأمور بها في قوله تعالى:﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(النساء:19)، ولأن هذا من كفايتها ومما يحتاج إليه في الدوام فأشبه النفقة.

واتفقوا كذلك على أن الإخدام يجب على الزوج للزوجة المريضة , والمصابة بعاهة لا تستطيع معها خدمة نفسها , وإن كانت ممن لا يخدم مثلها ; لأن مثل هذه لا تستغني عن الخدمة.

وقد نص الشافعية على أن الزوج ولو معسرا يلزمه إخدام المريضة مطلقا وغيرها إن خدمت في بيت أبيها، واختلفوا في المجنونة، هل هي كالمريضة أو لا، وحينئذ لو احتيج لإخدام المجنونة، ولم تندفع حاجتها إلا بالزوج اتجه أن للسلطان تزويجها لحاجة الخدمة، إن جعلناها كالمريضة، أو إن كانت تخدم لوجوب خدمتها على الزوج[178].

وقد نص الحنفية على أنه إذا امتنعت المرأة عن الطحن والخبز , إن كانت ممن لا يخدم, أو كان بها علة فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ , وإلا بأن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليه , ولا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك , لوجوبه عليها ديانة ولو شريفة, لأنه - صلى الله عليه وسلم - قسم الأعمال بين علي وفاطمة , فجعل أعمال الخارج على علي - رضي الله عنه -، وأعمال الداخل على فاطمة، رضي الله عنها، مع أنها سيدة نساء العالمين فإن كان لها خادم فعلى الزوج نفقته.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم ورود أي دليل صريح في وجوب إخدام الرجل لزوجته، ولا دليل يدل عليه من المصالح الشرعية، بل هو من الرفاهية  التي قد يحسن بها الرجل إلى زوجته، وتكون مستحبة بذلك، وقد يكون من الترف الذي تضيع بموجبه الحقوق وتقع الحرمات فيحرم بسبب ذلك.

وما نسمع عنه في الواقع أو ما نراه ربما يوجه القول إلى الحرمة أكثر من توجيهه للاستحباب، فالخادم تهان، وقد يستعلى عليها، وقد تتهم في عرضها، والزوجة تتربع في بيتها، كسلطانة على عرشها، تأمر وتنهى، ولا تنشغل بغير زينتها، وبغير أخلاق الترف التي زاد فيها استخدامها للخدم، فهي رعناء كسول مستعلية متكبرة.

وقد ترمي بأولادها إلى الخادم تطعمهم، وتسقيهم، وتربيهم كما تشاء، فلا يعرفون إذا شبوا أما لهم غير الخادم، أما أمهم فهم منشغلة عنهم بنفسها أو ترفها[179].

وكل هذا وغيره ـ وإن كنا لا نقول بتعميمه ـ يميل بالقول إلى التحريم أكثر مما يميل به إلى الاستحباب. 

أما الموضع الوحيد الذي نراه للاستخدام، فهو أن تكون المرأة مريضة أو لها أشغال تحول بينها وبين الأداء الأكمل لوظائف بيتها، فحينئذ يمكن لزوجها أن يحسن إليها بخادم تلبي حاجتها وتصلح شأن بيتها، مع ضرورة بقاء اهتمام المرأة ببيتها اهتماما لا تصرفها عنه الصوراف.

أما ما ذكره المالكية وغيرهم من التفريق في ذلك بين الشريفة والدنية أو الموسرة والمعسرة، أو كونها من قوم يخدمون أنفسهم أولا يخدمون، فكل ذلك توجيهات وتخريجات لا دليل عليها، ربما تتحكم فيها الأعراف أكثر من تحكم النصوص، والأصول الشرعية تنفيها بل تحذر منها، فمن الخطأ العظيم التفريق بين مسلمتين في بيت واحد لأن إحداهما موسرة أو شريفة والأخرى معسرة أو دنية.

إخدام المعسر:

الاتفاقات الفقهية السابقة تخص الزوج الموسر، أما إن كان الزوج معسرا، فقد اختلفت آراء الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: إن وجوب الإخدام على الزوج الموسر فقط، أما إذا كان الزوج معسرا فلا يجب عليه الإخدام، وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة، ويجب على الزوجة في هذه الحالة أن تخدم نفسها الخدمة الداخلية , وعلى الزوج أن يكفيها الأعمال الخارجية،  واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله تعالى:﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾(الطلاق:7) وهذا معسر لم يؤته شيئا فلا يكلف بشيء.

·  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم الأعمال بين علي - رضي الله عنه -   , وبين فاطمة رضي الله عنهما , فجعل أعمال الخارج على علي - رضي الله عنه -  , وأعمال الداخل على فاطمة رضي الله عنها.

·      أن الضرر لا يزال بالضرر.

القول الثاني: أنَّه يجب عليه أن يأتيها بخادم إذا كانت ممن لا يخدم نفسها، ولو كان معسراً، وإلا فلا يجب عليه إلا إذا كانت مريضة أو هرمة وإن لم تكن ممن يخدم عادة، وهو قول الشافعية.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول بناء على أن الزوج المعسر لا يكلف من النفقات الضرورية إلا حسب طاقته، فكيف بهذا النوع، وهو من الكماليات التي تستغني عنها المرأة حاليا خاصة مع توفر الكثير من الوسائل التي قد تستخدمها المرأة وتغنيها عن الخادم.

خدمة الزوج لزوجته بدل الخادم:

اختلف الفقهاء فيما لو رضي الزوج بخدمة زوجته ليسقط مؤونة الخادم على قولين:

القول الأول: ليس له ذلك، ولا يلزمها قبول ذلك، وهو قول الحنفية والشافعية في الأصح عندهم والحنابلة في الراجح عندهم، لأن في هذا غضاضة عليها لكون زوجها خادما لها وتعير به.

ويرى بعض الشافعية أن للزوج أن يخدم زوجته فيما لا يستحي منه , كغسل الثوب , واستقاء الماء , وكنس البيت والطبخ دون ما يرجع إلى خدمة نفسها كصب الماء على يدها , وحمله إلى المستحم ونحوهما.

القول الثاني: إن للرجل أن يخدم زوجته بنفسه ويلزمها الرضا به , وهو قول المالكية وأحد الأقوال عند الشافعية والحنابلة، لأن الكفاية تحصل بهذا.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني، لأن الغاية هو حصول الخدمة التي تحتاجها، بغض النظر عن الطريقة التي حصلت بها، أما اعتبار ذلك مهانة فهو بعد عن السنة المطهرة، ولا ينبغي للفقهاء أن يشجعوا مثل هذه المرأة المتعالية عليه.

فعن الأسود قال سألت عائشة،رضي الله عنها: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -  يصنع في بيته، قالت:كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، وأجابت في رواية أخرى بقولها: (كما يصنع أحدكم يخصف نعله ويرقع ثوبه)، وفي وراية أخرى:(كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه)، وفي رواية (وكان يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)[180]

وهذه الرواية الأخيرة دليل على أن ذلك كان سنة السلف الصالح - رضي الله عنهم -  التي تعلموها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما اتخاذ الخدم والحشم فهو سنة الأكاسرة والقياصرة، وما دب الضعف في هذه الأمة إلا بسبب المبالغة في ذلك.

فلا ينبغي للأعراف أن تتدخل في دين الله بالتغيير والتبديل، فالشرع جاء لإصلاح العرف وتوجيهه، لا ليخضع الشرع ويخضع معه الفقهاء لموروثات الأمم الغابرة بحجة المعروف، واحترام العرف.

طلب الزوجة أجرة الخادم:

نص الفقهاء على أن الزوجة لو رضيت بخدمة نفسها، وطلبت الأجرة أو نفقة الخادم لا يلزمه قبول ذلك; لأن في إخدامها توفيرها على حقوقه وترفيهها, وذلك يفوت بخدمتها لنفسها; ولأنها لو أخذت الأجرة على ذلك لأخذتها على عمل واجب عليها فكان فيه معنى الرشوة.

صفات الخادم:

نص الفقهاء على أنه يجب أن يكون الخادم إما امرأة مسلمة, أو صبيا مميزا لم يبلغ الحلم , أو محرما للزوجة المخدومة ,، واتفقوا على أنه لا يجوز أن يكون رجلا كبيرا ممن لا يحل له النظر إليها ; لأن الخادم يلزم المخدوم في غالب أحواله فلا يسلم من النظر[181].

ونصوا على جواز خدمة الممسوح الذي لا يقرب النساء، وهي إباحة عجيبة لعدم الدليل عليها، قال ابن عقيل مشيرا إلى ما ذكره الفقهاء في ذلك:(يحرم خلوه النساء بالخصيان والمجبوبين إذ غاية ما تجد فيهم عدم العضو أو ضعفه، ولا يمنع ذلك لإمكان الاستمتاع بحسبهم من القبلة واللمس والاعتناق، والخصى يقرع قرع الفحل، والمجبوب يساحق، ومعلوم أن النساء لو عرض فيهن حب السحاق، ومنعنا خلوة بعضهن ببعض، فأولى أن يمنع خلوة من هو في الأصل على شهوته للنساء) [182]

وقد اختلف الفقهاء في المرأة الذمية، هل يجوز أن تكون خادما لامرأة مسلمة على قولين[183]:

القول الأول: عدم جواز ذلك، وهو قول الحنفية والشافعية والحنابلة في أحد الوجهين، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أنه لا تؤمن عداوتها الدينية.

·  أن نظر الذمية إلى المسلمة حرام , لقوله تعالى:﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾(النور:31)، والعلة في ذلك أنها ربما تحكيها للكافر.

·      صح عن عمر - رضي الله عنه -  أنه منع الكتابيات دخول الحمام مع المسلمات.

·      أن الذمية لا تتعفف من النجاسة.

القول الثاني: يجوز أن تخدم الذمية المرأة المسلمة، وهو الوجه الآخر عند الحنابلة ; لأن نظرها إلى المسلمة عندهم جائز.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة في حال الضرورة هو القول الأول، لا للاعتبارات التي ذكرها أصحابه، وإنما لما نراه في عصرنا من رغبة المسلمين عن استخدام المسلمات الفقيرات واتخاذ خدم أجانب، وهذا كما يقال: أحشفا وسوء كيلة، زيادة على ذلك عدم تورع هؤلاء الأجانب الكافرات عن الحرام.

ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حث على اختيار الصاحب فقال: (لا   تصاحب  إلا   مؤمنا  ولا يأكل طعامك إلا تقي) [184]، وقال:(الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) [185] فكيف يرضى مسلم بعد هذا أن يصاحب لا في الخارج، بل في جوف بيته من يكفر بالله ورسوله، وكيف ترضى مسلمة لولدها أن تربيه من لا تعرف الشهادة، ومن لا تعلمه الآداب الشرعية.

ثم إن الخطر لا يتوقف على الأفراد أو الأسرة وحدها، بل يعم المصلحة العامة، فمن يضمن أن لا يندس بين هؤلاء الخدم من يتجسس على المسلمين، أو يفسد أخلاقهم أو ينشر الأمراض بينهم، وهل ما حصل في التاريخ لا يكفي للاعتبار بذلك؟

أما ما ذكره الفقهاء من اعتبارات فهي ضئيلة جدا بجنب هذه الاعتبارات.

تعدد الخادم:

اختلف الفقهاء في إلزام الزوج بأكثر من خادم على قولين:

القول الأول:  أنه لا يلزمه أكثر من خادم واحد ; وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة، لأن المستحق خدمتها في نفسها ويحصل ذلك بخادم واحد.

القول الثاني: أنه إذا كان حالها ومنصبها يقتضي , خادمين أو أكثر فلها ذلك، وهو قول المالكية وأبي يوسف من الحنفية.

قال أبو يوسف: إن المرأة إذا كانت غنية وزفت إليه بخدم كثير استحقت نفقة الجميع, وكذلك إذا كانت ممن يجل مقدارها عن خدمة خادم واحد , فعلى الزوج أن ينفق على من لا بد منه من الخدم ممن هو أكثر من الخادم الواحد , أو الاثنين أو أكثر من ذلك[186].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة، وفي حال الضرورة التي تستدعي ذلك الاكتفاء من الخدم بما تمس الحاجة إليه، والخادم الواحدة تكفي لذلك، ولا بأس أن تكون هناك للضرورة ممرضة لعلاجها، أو معلمة لأولادها، وغير ذلك مما تحدد فيه المسؤوليات، ولا يعتبر مؤديها خادما بمعنى الكلمة.

أما ما ذكره المالكية وأبو يوسف، ففيه بعد، لأن الغرض من هذا الكم من الخدم الكثير ليس الحاجة وإنما الفخر والتعالي، ويكفي في النهي عليه ما ورد من النصوص في ذلك، ولسنا ندري كيف أصبح العرف سائدا في مثل هذا والشرع معزولا، مع أن القرآن الكريم نص على أن ذلك شأن أهل الترف من الدنيا كقارون الذي ذمه الله تعالى بقوله:﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾(القصص: من الآية79)، وكان من زينته كما يذكر ابن كثير: أنه كان  راكبا  على البغال الشهب، وعليه وعلى خدمه ثياب الأرجوان المصبغة[187]، فأي فارق بين هذا وبني ما قال أبو يوسف،رحمه الله.

أما الأدلة على تحريم الخيلاء والفخر، فهي مما لا يمكن استيعابه هنا، ولا نرى مقصدا من كل ذلك الخدم الذي ذكره أصحاب القول الثاني إلا الفخر والخيلاء، فأي فرق في الحاجات أو في الخدمات بين ذات المنصب الرفيع، وذات المنصب الوضيع إن صحت هذه التفرقة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

تبديل الخادم:

اختلف الفقهاء في جواز تبديل الزوج خادمها الذي حملته معها, أو أخدمها إياه بعد إلفها إياه على قولين:

القول الأول: عدم جواز ذلك له، إلا إن ظهرت منه ريبة , أو خيانة , أو تضرر بوجوده، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية، أما إذا ظهرت منه ريبة , أو خيانة , أو تضرر منه بأن كان يختلس من ثمن ما يشتريه أو أمتعة بيته فله الإبدال , والإتيان بخادم أمين , ولا يتوقف هذا على رضاها إلا أن الحنفية يرون أن هذا إذا لم تستبدل غيره به، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      تضررها بقطع المألوف.

·      أنها قد لا تتهيأ لها الخدمة بالخادم  الذي يجيء به الزوج بدل خادمها.

القول الثاني: أن للزوج إبدال خادم آخر بخادمها إذا أتاها بمن يصلح للخدمة، وهو قول الحنابلة، لأن تعيين الخادم إليه وليس إليها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو قول بين القولين، فلا يحق لأحدهما التصرف في مثل هذا دون مشورة الآخر، أما كلا القولين فقد راعيا مصلحة طرف من الأطراف وأهملا مصلحة الطرف الآخر، والشرع إنما جاء ليراعي كل المصالح.

فمن المفاسد التي قد تحدث على الأخذ بالقول الثاني ما ذكره أصحاب القول الأول، وهي مفاسد حقيقية مراعاة لحقوق المرأة النفسية التي دل عليها النهي عن المضارة، فمن الضرر الكبير تبديل امرأة تألفها بامرأة قد تؤذيها ولو بمجرد وجودها.

أما المفاسد التي قد ينتجها القول الأول، فإن الرجل قد يرى في الخادم ما يدعوه إلى تبديلها، ثم لا يستطيع أن يفصح بذلك، وتلزمه الزوجة بقبولها، فيقع الحرج للزوج في هذا القول كما وقع مع المرأة في القول الآخر.

وسبب هذا هو قصر النظر على اعتبار الخادم حقا للزوجة أو للزوج، مع أنه ما دام في البيت يكون حقا لكليهما، فكلاهما تصله منافعه وتصيبه مضاره، لذلك كان تعيينه مرتبطا بهما جميعا.

حق المرأة في المؤنسة:

مما قد يلحق بحق المرأة في الخادم، حقها في المؤنسة، وقد اختلف الفقهاء[188] في وجوب إتيان الرجل بمؤنسة لزوجته إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كخوف مكانها، أو خوفها على نفسها من عدو يتربص بها على قولين:

القول الأول: إن المؤنسة واجبة للزوجة على زوجها عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، وهو قول الحنفية في المشهور عندهم والحنابلة[189]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن إلزام الزوجة بالإقامة بمكان لا تأمن فيه على نفسها , ولا يوجد معها فيه مؤنس من المضارة المنهي عنها , لقوله تعالى:﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾(الطلاق:6),

·  أن ترك الزوجة كذلك ليس معه المعاشرة بالمعروف المأمور بها بقوله تعالى:﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾(النساء:19)

القول الثاني: إن المؤنسة ليست بلازمة على الزوج، وهو قول الشافعية، وبه قال بعض الحنفية[190].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الحاجة للمؤنسة تختلف باختلاف السكن والمرأة، فمن السكن ما يكون منفردا، ومع ذلك تكون المرأة قوية، لا تحتاج إلى مؤنسة، وفي هذه الحالة لا لزوم لها، وقد تكون المرأة بين جيران ومع ذلك تخاف لطبيعة فيها، أو لسبب يدعوها إلى ذلك، وفي هذه الحالة يجب على الزوجة أن يؤنسها هو أو يحضر لها من تؤنسها، سواء من الأقارب، أو غيرهم ولو بالأجرة.

قال ابن عابدين:(لا يلزم من كون المسكن بين جيران عدم لزوم المؤنسة إذا استوحشت بأن كان المسكن متسعا كالدار وإن كان لها جيران، فعدم الإتيان بالمؤنسة في هذه الحالة لا شك أنه من المضارة، لا سيما إذا خشيت على عقله، فتحصل أنه مختلف باختلاف المساكن ولو مع وجود الجيران، فإن كان المسكن بحال لو استغاثت بجيرانها أغاثوها سريعا لما بينهم من القرب لا تلزمه المؤنسة وإلا لزمته) [191]

ثم ذكر الاعتبار الآخر، وهو اعتبار الأشخاص، فقال:(وينبغي أن يكون مختلفا أيضا باختلاف الأشخاص، فإن بعض الناس حتى من الرجال لا يمكنه أن يبيت وحده في بيت خال ولو صغيرا بين جيران، فإن كان زوجها يبيت في بيت ضرتها مثلا، وكانت تخشى على عقلها من البيتوتة وحدها، ينبغي أن يؤمر بالمؤنسة في ليلة ضرتها، ولا سيما إذا كانت الزوجة صغيرة نفيا للمضارة المنهي عنها بنص القرآن العزيز) [192]

أما القول بعدم لزوم المؤنسة، ففيه بعد، لأن نفقة المرأة لا تقتصر على جانبها المادي، بل تمتد لتشمل جانبها النفسي، فكيف نرضى لامرأة يرميها زوجها بين كثبان الرمال، أو في قمم الجبال، ثم يغيب عنها ما شاء، ثم لا نكلفه بما يوفر للمرأة من أسباب الأنس إذا ما احتاجت لذلك.

النوع الخامس: التداوي

التعريف:

لغة: مصدر تداوى أي: تعاطى الدواء , وأصله دوي يدوي دوى أي مرض, وأدوى فلانا يدويه بمعنى: أمرضه , وبمعنى: عالجه أيضا , فهي من الأضداد , ويداوي: أي يعالج , ويداوي بالشيء أي: يعالج به , وتداوى بالشيء: تعالج به , والدواء: ما داويته به[193].

اصطلاحا: هو العلاج من الأمراض مهما اختلفت أنواعها.

حق الزوجة في التدوي:

اختلفت أقوال العلماء في تكليف الزوج بمصاريف علاج الزوجة على قولين:

القول الأول: أنها لا تجب عليه لأنها ليست من النفقة، بل تجب في مالها إن كانت غنية وفي مال من تلزمه نفقتها إن كانت فقيرة إذا لم تكن متزوجة، وهو مذهب أكثر العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية في المشهور عندهم.

حتى أنهم نصوا على أن هذا النوع من النفقة يجب للعبد ولا يجب للزوجة، (فالسيد أحق بنفقته ومؤنته، ولهذا النفقة المختصة بالمرض تلزمه من الدواء  وأجرة الطبيب بخلاف الزوجة) [194]

ونصوا على أنه (ولا دواء مرض، ومنه ما تحتاج إليه المرأة بعد الولادة لما يزيل ما يصيبها من الوجع الحاصل ونحوه، فإنه لا يجب عليه لأنه من   الدواء) [195]

ونص الحنفية على (وإنما لم يجب الدواء لأنه من العوارض،كدواء المرأة فإنه لا يجب على الزوج) [196]

ونص المالكية على أنه (لا يلزمه لها الدواء لمرضها ولا أجرة نحو الحجامة ولا المعالجة في المرض) [197]

القول الثاني: أنه يجب عليه علاجها، وقد ذكره الشوكاني، قال:(أما إيجاب الدواء فوجهه أن وجوب النفقة عليه هي لحفظ صحتها والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها) [198]، وذهب بعض علماء المالكية إلى أنه يفترض عليه أن يعالجها بقيمة النفقة التي تفترض لها، وهي سليمة من المرض.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة إلزام الزوج بنفقات زوجته العلاجية، لعدم الفرق بينها، وبين سائر النفقات، بل قد تكون نفقتها العلاجية أعظم خطرا من سائر النفقات، ونعجب كيف يفرض الفقهاء على الزوج أنواع النفقات المرهقة من مأكل وملبس ومسكن وخادم، والكثير منها مما تتطلبه الرفاهية، فإذا ما أتوا إلى نفقات العلاج قصروا فيها، أو اعتبروها ترفا لا داعي له.

ونحن لا نستعجل بالإنكار على الفقهاء القائلين بهذا قبل أن نعرف عذرهم في ذلك، فمن التجني الحكم عليهم قبل معرفته، ونرى من خلال موقفهم من التداوي عامة أن لهم في ذلك ثلاثة أعذار:

أما العذر الأول، وهو وجه حق دعاهم لتلك المقالة، وهو أن الطب في عهدهم يختلط فيه الحق والباطل، ويمارسه المحق والمبطل، وكان بالنسبة لكثير من الأمراض توهم وتخريص، فلذلك بنوا رأيهم في هذا على هذا الأساس.

أما العذر الثاني الذي دفعهم إلى ذلك، وهو عذر خاطئ ناتج عن سوء الفهم لبعض النصوص، فهو تصورهم أن التداوي مكروه لمنافاته التوكل، كما هو مذهب جمهور الحنابلة، ونص عليه أحمد.

أما العذر الثالث، وهو ناتج عن العذرين السابقين، فهو موقفهم من الحكم الشرعي من التداوي، فجمهورهم على كونه مباحا، وذهب الشافعية , والقاضي وابن عقيل وابن الجوزي من الحنابلة إلى استحبابه.

فهذه الأمور الثلاثة، والتي اعتبرناها أعذارا هي التي فرضت على الفقهاء القول بعدم لزوم نفقة العلاج للمرأة، ونعيذهم، وهم من هم، أن يكون مقصدهم حرمان المرأة من حق وجب لها.

ولذلك، فإن انتفاء الأعذار الثلاثة يعيد الأمر إلى نصابه، ويلزم الرجل بعلاج المرأة كما يلزمه بسائر نفقاتها، لأن القول بوجوب التداوي وعدم منافاته التوكل، وتيقن نتيجته أو حصول الظن الغالب فيها، يجعله ضرورة من الضرورات التي تتطلبها حياة المرأة، وبالتالي لا تستقيم حياتها ولا حياة زوجها معها إلا بوجودها.

أما العذر الأول فإن الطب في هذا العصر علم من العلوم له أصوله القطعية ونتائجه الحتمية التي لا ينكرها إلا مكابر، فلذلك لو رأى الفقهاء الضرورات التي تحتم اللجوء إلى الأطباء في عصرنا لذهبوا إلى القول بوجوبها على الزوج، ولقد ذكر الشافعية عند بيان محل استحباب التداوي عدم القطع بإفادته، أما لو قطع بإفادته كعصب محل الفصد فإنه واجب.

أما العذر الثاني، فقد رد عليه ابن القيم بقوله::(في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي , وأنه لا ينافي التوكل , كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها , بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا , وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل , كما يقدح في الأمر والحكمة , ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل , فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع  العبد في دينه ودنياه , ودفع ما يضره في دينه ودنياه , ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب , وإلا كان معطلا للحكمة والشرع , فلا يجعل العبد عجزه توكلا , ولا توكله عجزا)

أما العذر الثالث، فتنفيه النصوص الصحيحة التي تأمر بالتداوي من غير أن تكون فيها قرينة تصرفها إلى الإباحة أو الاستحباب.

ومن النصوص التي تدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:(إن الله أنزل الداء والدواء , وجعل لكل داء دواء , فتداووا , ولا تتداووا بالحرام) [199] , وفي حديث أسامة بن شريك - رضي الله عنه -   قال: قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى؟ قال: نعم عباد الله تداووا , فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحدا. قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم[200].

بل قد مارس فضلاء الصحابة والصحابيات التداوي، فعن عروة أنه قال لعائشة: يا أمتاه , لا أعجب من فقهك , أقول: زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابنة أبي بكر , ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام  الناس , أقول: ابنة أبي بكر , وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس , ولكن أعجب من علمك بالطب , كيف هو؟ ومن أين هو؟ قال: فضربت على منكبيه , وقالت:(أي عرية؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم عند آخر عمره , وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه , فكانت تنعت له الأنعات , وكنت أعالجها له , فمن ثم علمت) [201]، وفي رواية:  (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثرت أسقامه , فكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم , فيصفون له فنعالجه)

فهذه النصوص وغيرها تدل على وجوب التداوي، ولا تعارض بغيرها، فلكل حديث دلالته الخاصة.

فإذا انتفت هذه الأعذار الثلاثة، وأصبح القول بوجوب علاج الشخص لنفسه واجبا صار القول بوجوب علاج الزوجة واجبا بذلك، لأن ما وجب للفرد في نفسه وجب على وليه أو القيم عليه في حال عجزه، فعلاج الصبي الصغير والشيخ الكبير والمرأة على من يتكلف بحوائجهن سواء كان أبا أو ابنا أو زوجا.

ولو فرض غير هذا القول، فإلى من تلتجئ الزوجة إن لم يعالجها زوجها، أما أبوها إن كان حيا، فسيقول: زوجتكها سليمة صحيحة، فلما أنهكتها وأسقمتها أرسلتها إلي، وله الحق في ذلك، لأن الضمان على من أتلف، والأب لم يتلف شيئا حتى يكلف بضمانه، فلماذا لا يصح هذا القياس مع أن الفقهاء يستخدمونه كثيرا في العلاقات الزوجية.

والخلاصة أن حق التداوي واجب للزوجة على زوجها، ولا نظن أن هناك من المعاصرين من يخالف في ذلك إلا من يتناول نصوص الفقهاء كما يتناول القرآن الكريم.

 

نفقة القابلة:

من التداوي الذي تحدث عنه الفقهاء، واختلفوا فيه وجوب أجرة القابلة على الزوج، فقد اختلفوا في ذلك على قولين:

القول الأول: أجرة القابلة على من استأجرها من الزوج والزوجة , وهو قول الحنفية: فإن جاءت بغير استئجار - من أحدهما - فيحتمل عندهم أن تكون أجرتها على الزوج , لأنها مؤنة من مؤن الجماع , ويحتمل أن تكون على الزوجة كأجرة الطبيب[202].

القول الثاني: أن أجرة القابلة على الزوج , كما أن عليه أن يقوم بجميع مصالح زوجته عند ولادتها , سواء أكانت في عصمته أم كانت مطلقة , وهو قول للمالكية[203]، لأن ذلك من مؤن الجماع , ولأنه لمنفعة ولده، وهو الأشبه عند الشافعية لأنهم أوجبوا عليه كل ما ترتب على سبب تسبب هو فيه , كثمن ماء غسل الجماع والنفاس , ونحوهما من مؤن الجماع فيجب على الزوج توفيره لها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني، يناء على ما ذكرنا سابقا،ولأن العلاج في هذه الحالة لا يتعلق بحق المرأة وحدها، بل هو علاج لولدها كذلك، فالمسؤولية في هذه الحالة مضاعفة، والتقصير في هذه الحالة خطير.


 



([1])   لسان العرب:357، مختار الصحاح:280.

([2])   رد المحتار :3/572.

([3])   خرج بالتعريف ما به قوام معتاد غير آدمي , وما ليس معتادا في حال الآدمي, لأنه ليس بنفقة شرعا، انظر :شرح ميارة:1/249..

([4])   الطبري:28/145، ابن كثير:4/384.

([5])   القرطبي:3/185.

([6])   ابن كثير:4/384.

([7])   البخاري: 1/30، ابن حبان: 10/50، البيهقي:4/178، مجتبى النسائي: 5/69.

([8])   انظر في شرح الحديث: فيض القدير:1/306، فتح الباري:9/498.

([9])   مسلم:2/889، ابن خزيمة:4/251، ابن حبان: 4/311، الدارمي:2/69، البيهقي:5/8، أبو داود: 2/185، النسائي:2/421، ابن ماجة: 2/1025، أحمد: 5/72.

([10])   رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم ،قال الحاكم صحيح الإسناد، وألزم الدارقطني الشيخين تخريج هذه الترجمة، خلاصة البدر المنير:2/253، وانظر:أبو داود: 2/244، النسائي: 5/273، البيهقي:7/305، أحمد: 4/447.

([11])   مسلم: 2/692، البيهقي:7/467، أحمد: 2/473.

([12])   فيض القدير:3/536.

([13])   مسلم: 2/692، ابن حبان:8/128، البيهقي:4/178، النسائي:2/37.

([14])   شرح النووي على مسلم:7/83.

([15])   ابن حبان: 8/126، النسائي: 2/34، مجتبى النسائي: 5/62، أحمد: 2/251.

([16])   قاته يقوته إذا أطعمه قوتا ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه وكان الله على كل شيء مقيتا، فيض القدير:4/552.

([17])   الحاكم: 1/575، ابن حبان:10/51، البيهقي:9/25، أبو داود: 2/132، النسائي: 5/374، أحمد: 2/160.

([18])   فيض القدير:4/552.

([19])   منح الجليل:4/396.

([20])   المغني: 8/161.

([21])   المحلى: 10/90.

([22])   أسنى المطالب:3/427.

([23])   سبق تخريجه.

([24])   الإنصاف :9/373.

([25])   الفتاوى الكبرى:3/379.

([26])   سبق تخريجه.

([27])   البخاري: 1/20، أحمد: 5/161، شعب الإيمان: 6/371.

([28])   أسنى المطالب:3/430.

([29])   الفتاوى الكبرى:3/382..

([30])   المبسوط:5/181.

([31])   الإنصاف :9/373.

([32])   المبسوط:5/183.

([33])   انظر: المغني:8/162.

([34])   المبسوط:5/196.

([35])   الفروق:1/135.

([36])   انظر: المغني: 8/166، فتح القدير: 4/394، أسنى المطالب:3/42، مواهب الجليل: 4/202، تحفة المحتاج 8/335.

([37])   الأم:5/91.

([38])   المغني: 8/166.

([39])   وهو الأصل عنده لأنه لا يسمع الدعوى التي يكذبها العرف والعادة , ولا يحلف عنده فيها , ولا يقبل فيها بينة، انظر:إعلام الموقعين:3/273.

([40])   إعلام الموقعين:3/273.

([41])   إعلام الموقعين: 3/274.

([42])   لبخاري:2/769، 5/2052، البيهقي:7/466، النسائي:5/378، المجتبى:8/246، ابن ماجة:2/769، أحمد:6/39..

([43])   نيل الأوطار:7/131، وفي الحديث فوائد كثيرة تتعلق بالنفقات، ولهذا سيكثر الاستدلال به في هذا الفصل، انظر في عد فوائده:فتح الباري:9/510، 13/139، تحفة الأحوذي:4/400.

([44])   حاشية الدسوقي:2/510.

([45])   التاج والإكليل:5/560.

([46])   سبل السلام:2/328، نيل الوطار:6/384.

([47])   المحلى:9/254.

([48])   انظر: بداية المبتدي: 88، الهداية: 2/42، البحر الرائق: 3/142، حاشية ابن عابدين: 3/572، 3/634، بدائع الصنائع: 4/18، لسان الحكيم: 337..

([49])   حاشية الدسوقي: 2/508، الفواكه الدواني: 2/23، حاشية العدوي: 2/88، القوانين الفقهية: 147.

([50])   المبدع: 8/201، الكافي في فقه ابن حنبل: 3/355، المغني: 7/193.

([51])   شرائع الإسلام:2/293.

([52])   التاج المذهب:2/277.

([53])   شرح النيل:14/13.

([54])   المحلى:9/112.

([55])   اتفق الفقهاء على أن النفقة تشمل المسلمة وغير المسلمة دون تفريق، قال ابن قدامة :« والذمية كالمسلمة في النفقة والمسكن والكسوة , في قول عامة أهل العلم، وبه يقول مالك , والشافعي , وأبو ثور , وأصحاب الرأي; لعموم النصوص والمعنى »، المغني: 8/162.

([56])   بدائع الصنائع:4/18.

([57])   انظر: بدائع الصنائع: 4/19، العناية شرح الهداية:4/378، معين الحكام:150 ن مواهب الجليل :4/182.

([58])   المحلى:9/249.

([59])   سبق تخريجه.

([60])   المحلى:9/249.

([61])   العناية :4/378.

([62])   جاء في المدونة: أرأيت إذا تزوج متى يؤخذ بالنفقة على امرأته أحين عقد النكاح أم حتى يدخل ؟ قال: قال مالك: إذا دعوه إلى الدخول فلم يدخل لزمته النفقة، المدونة:2/177.

([63])   بداية المجتهد:2/41.

([64])   البخاري:5/1996، البيهقي:7/291.

([65])  انظر تفصيل الخلاف في اعتبار هذا الشرط في فصل :الشروط المقيدة لمقتضى العقد .

([66])   المغني :8/182، المبدع:8/201، الكافي في فقه ابن حنبل:3/355، إعانة الطالبين:3/394، حاشية البجيرمي:3/369، حواشي الشرواني:7/383، الهداية:2/40، حاشية ابن عابدين:3/574، الفواكه الدواني:3/23، حاشية الدسوقي:2/508.

([67])   المدونة:2/177.

([68])   المبدع:8/200.

([69])   بدائع الصنائع:4/19.

([70])   منشأ الخلاف في رفعه هو قول أبي هريرة عندما سئل:هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لا، هذا من كيسي، النسائي:5/384، قال المنذري: ولعل قوله تقول امرأتك إلى آخره من كلام أبي هريرة مدرج،الترغيب والترهيب:2/13، وانظر:المنتقى لابن الجارود:188، البيهقي:7/466، مسند الشافعي:266.

([71])   المدونة:2/177، بدائع الصنائع: 4/19، الفروع:5/484، حاشية البجيرمي على المنهج:4/193.

([72])   وقد خالف بعض المالكية في بعض ذلك، فقد نصوا على أنه إن كان الزوجان صحيحين أو كان أحدهما مريضا مرضا خفيفا يمكن معه الاستمتاع، فالمرض المذكور لا يمنع من وجوب النفقة لها، بل تجب لها في تلك الحالة اتفاقا، وفي وجوبها مع المرض الشديد الذي لا يمكن معه الاستمتاع ولم يبلغ صاحبه حد السياق قولان: مذهب المدونة الوجوب، خلافا لسحنون، حاشية الدسوقي:2/508.

([73])   اختلف الحنفية في وجوب النفقة للرتقاء والقرناء قبل الانتقال فظاهر الرواية على أن لها النفقة، وروي عن أبي يوسف أن لهما النفقة بعد الانتقال فأما قبل الانتقال فلا نفقة لهما، البحر الرائق:4/197.

([74])   المغني: 8/183، البحر الرائق:4/197، رد المحتار: 3/578، منح الجليل:3/427.

([75])   منح الجليل: 4/403، رد المحتار: 3/578، الموسوعة الفقهية:16/324.

([76])   حاشية البجيرمي:3/436.

([77])   الأم:5/116، المغني: 8/185، بداية المجتهد:2/71، اختلاف العلماء:147، القرطبي:18/166، شرح معاني الآثار:3/72، أحكام القرآن للشافعي:261.

([78])   تفسير القرطبي:18/168.

([79])   أحكام القرآن للشافعي:261.

([80])   ورد الحديث بروايات مختلفة، وهذه بعض المراجع التي روي فيها هذا الحديث: مسلم:2/1114، فما بعدها، البخاري:5/2039، الترمذي:3/484، الدارمي:2/218، البيهقي:7/136، الدارقطني: 4/22، أبو داود:2/286، النسائي: 3/399، ابن ماجة: 1/656، الموطأ:2/580.

([81])   حاشية ابن القيم:6/278.

([82])   حاشية ابن القيم:6/278.

([83])   حاشية ابن القيم:6/278.

([84])   حاشية ابن القيم:6/282.

([85])   ذكر الشوكاني من الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول بعض الروايات عن عمر أنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:لها السكنى والنفقة، ولم أجد من استدل بذلك من أصحاب هذا القول، وقد قال الإمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر، وقال الدارقطني السنة بيد فاطمة قطعا، ثم إن تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين، قال ابن القيم: ونحن نشهد بالله شهادة نسأل عنها إذا لقيناه أن هذا كذب على عمر، وكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،وينبغي أن لا يحمل الإنسان فرط الانتصار للمذاهب والتعصب على معارضة السنن النبوية الصريحة الصحيحة بالكذب البحت، فلو يكون هذا عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لخرست فاطمة وذووها ولم ينبزوا بكلمة ولا دعت فاطمة إلى المناظرة»، انظر: نيل الأوطار:7/106، ونرى أنه لو صح هذا الحديث عن عمر لقطع النزاع ولكفى وحده للاستدلال، وذلك وحده دليل على عدم صحته.

([86])   انظر هذه الآثار بأسانيدها ودرجتها في :التمهيد:19/142.

([87])   انظر: شرح معاني الآثار:3/72.

([88])   ذكر ابن حزم أنه لو تلي على عمر t قوله U :) لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ﴾، لرجع كما رجع عن قوله , إذ منع من أن يزيد أحد على  أربعمائة درهم في صداق امرأة حين ذكرته امرأة بقول الله U : ) وآتيتم إحداهن قنطارا ﴾ فتذكر ورجع، وكما ذكره أبو بكر إذ سل سيفه وقال: لا يقولن أحد: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  مات إلا ضربته بالسيف ؟ فلما تلا عليه أبو بكر قول الله U : ) إنك ميت وإنهم ميتون ﴾ سقط إلى الأرض.المحلى:10/100،  ونحن أن نستبعد أن لا يذكر عمر t بهذا ومثله من الأدلة، فمجالس الصحابة - رضي الله عنهم -  مجالس علم وقرآن ،ولم يكن يغيب عنها مثل هذا، خاصة، وأنه لم يذكر عن عمر t خلافه ولا عمن بعده من السلف الصالح - رضي الله عنهم -.، بل قد كانت فاطمة ،رضي الله عنها،  تناظر بهذه الآية، ويستبعد أن لا يكون قد سمع حجتها.

([89])   فنح الباري:9/479.

([90])   انظر: شرح معاني الآثار: 3/72.

([91])   مصنف عبد الرزاق:7/23.

([92])   ذكر الشوكاني من أدلتهم على وجوب النفقة قوله U :) وللمطلقات متاع بالمعروف﴾ البقرة الآية، وبقوله U :) لا تضاروهن ﴾،  وبأن الزوجة المطلقة بائنا محبوسة بسبب الزوج، واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله U :)أسكنوهن من حيث سكنتم ﴾،فإنه أوجب أن تكون حيث الزوج وذلك لا يكون في البائنة.انظر: نيل الأوطار:7/106.

([93])   انظر حكاية الإجماع في شرح النووي على مسلم:10/96..

([94])   انظر هذه الرواية من حديث فاطمة بنت قيس في:مسلم:2/1117، البيهقي:7/472، أبو داود:2/287، مصنف عبد الرزاق:7/22.

([95])   انظر الخلاف في المسألة في: القواعد لابن رجب: 405، الإنصاف: 9/365، الأشباه والنظائر:38.

([96])   انظر: شرح معاني الآثار:3/72..

([97])   تفسير القرطبي:3/185.

([98])   أخرجه البيهقي  ورجاله ثقات لكن قال: المحفوظ وقفه، البيهقي:7/430، وانظر: الدارقطني:4/22، مصنف عبد الرزاق:7/38..

([99])   سبل السلام:2/324.

([100])   أحكام القرآ للجصاص:1/574.

([101])   ستأتي المزيد من التفاصيل المتعلقة بالنشوز في محلها من هذا الجزء.

([102])   تفسير الطبري: 3/43، الزاهر :1/322، أنيس الفقهاء: 1/162.

([103])   الفتاوى الكبرى: 3/338.

([104])   مختصر اختلاف العلماء:2/371.

([105])   جواهر العقود:2/174.

([106])   بداية المجتهد: 2/41.

([107])   مواهب الجليل:4/183، التاج والإكليل:4/188، حاشية الدسوقي:2/343.

([108])   سبق تخريجه.

([109])   المحلى: 9/510.

([110])   سبق تخريجه.

([111])   بداية المجتهد: 2/41.

([112])   المحلى:9/511.

([113])   انظر هذه النصوص وغيرها في: مواهب الجليل:4/183.

([114])   المغني :8/189.

([115])   المبسوط:5/204.

([116])   الفتاوى الكبرى:3/382.

([117])   المغني: 8/156.

([118])   القرطبي:3/202.

([119])   المحلى:9/34.

([120])   شرح ميارة: 1/260.

([121])   القرطبي:18/170.

([122])   المدونة: 4/60، المنتقى: 5/81، الفتاوى الكبرى: 5/397، الطرق الحكمية: 58، الفروع: 4/293، الجوهرة النيرة: 1/246، التاج والإكليل: 6/616.

([123])   اختلف الحنفية فيما لو أقام البينة قبل الحبس على إفلاسه، فقيل: تقبل , وفي الرواية الأخرى: لا تقبل، وعلى الثانية عامة المشايخ, وأما بعد الحبس فهي تقبل رواية واحدة، الجوهرة النيرة:1/247.

([124])   المنتقى: 5/81.

([125])   الفروع:4/294.

([126])   وقد خالف في ذلك بعض المالكية، فقد نص في المنتقى على أن المسجون في دين امرأته أو غيرها ليس له أن تكون معه امرأته, ولا أن تدخل عليه لأنه سجن للتضييق عليه فإذا لم تمنع لذته لم يضيق عليه قاله سحنون , ولو سجن الزوجان في حق لم يمنعا أن يجتمعا إذا كان السجن خاليا , ولو كان فيه رجال ونساء حبس الزوج مع الرجال , وحبست المرأة مع النساء , ووجه ذلك أنهما مسجونان فلم يقصد لكونها معه إدخال الراحة عليه والرفق به , وإنما قصد بذلك استيفاء حق على كل واحد منهما فإذا وجب السجن عليهما لم يمنعا الاجتماع لأن التفريق ليس بمشروع، انظر: المنتقى:5/81.

([127])   المبسوط: 5/206، بدائع الصنائع: 4/29، المغني: 8/167، مواهب الجليل:4/205، حاشيتا قليوبي وعميرة:4/72.

([128])   فقد نص في المدونة على أن القول قول الزوج إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان , فاستعدت في مغيبه , فإن ذلك يلزم الزوج من يوم رفعت ولا يبرئه إلا أن يأتي بمخرج من ذلك , وإن قال: بعثت إليك لم ينفعه ذلك , المدونة:2/181..

([129])   الأم:5/96.

([130])   بدائع الصنائع:4/29.

([131])   الفتاوى الكبرى: 3/380.

([132])   إعلام الموقعين: 3/273.

([133])   قواعد الأحكام:2/54.

([134])   قواعد ابن رجب:339.

([135])   المحلى:10/56، الأم: 6/173، المدونة: 2/53، المبسوط:5/204، شرائع الإسلام:3/26، الفتاوى الكبرى: 5/510، التاج المذهب: 2/215.

([136])   الفتاوى الكبرى:5/510.

([137])   المببسوط: 5/195.

([138])   الفروق: 1/137.

([139])   انظر: مختار الصحاح:181.

([140])   الموسوعة الفقهية:5/246.

([141])   مغني المحتاج:5/187، حاشية الجمل :4/488.

([142])   المصباح المنير في غريب الشرح الكبير:680.

([143])   انظر: طلبة الطلبة:46.

([144])   المغني:8/164.

([145])   سبق تخريجه.

([146])   اتفق الفقهاء على أنه إذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب , ثم بان أنه قد مات قبل إنفاقها , حسب عليها ما أنفقته من ميراثها , سواء أنفقته بنفسها , أو بأمر الحاكم، فإن فضل لها شيء فهو لها وإن فضل عليها شيء , وكان لها صداق أو دين على زوجها , حسب منه , وإن لم يكن لها شيء من ذلك , كان الفضل دينا عليها، قال ابن قدامة:)وبهذا قال أبو العالية ومحمد بن سيرين , والشافعي , وابن المنذر , ولا أعلم عن غيرهم خلافهم (ووجه ذلك بأنها أنفقت ما لا تستحق، انظر: المغني: 8/166.

([147])   المحلى :9/255.

([148])   شرح ميارة:1/265.

([149])   شرح ميارة:1/265.

([150])   يقصد الفقهاء بالقوت الخبز وحبة من بر وشعير وذرة ودخن ونحوه، ودقيقه وسويقه والفاكهة اليابسة، كتمر وزبيبومشمش وتين وتوت، واللحم واللبن ونحوه، أما الطعام فهو أعم لأنه عبارة عما يؤكل ويشرب من قوت وأدم وحلو وجامد ومائع وما جرت العادة بأكله من نبات الأرض لا ماء ودواء وورق شجر ونشارة خشب وتراب،  لأن أهل العرف لا يطلقون اسم الطعام على هذه.انظر: كشاف القناع:6/257.

([151])   المغني: 8/157، الفتاوى الكبرى: 3/229، الفروع: 5/581، مواهب الجليل: 4/123، حاشية الجمل:4/488.

([152])   فقد نصوا على أن واجب الزوج لزوجته تمليكها الطعام حبا سليما لأنه أكمل في النفع من الخبز والدقيق فتتصرف فيه كيفشاءت قياسا على الكفارة وزكاة الفطر، انظر:مغني المحتاج:5/124.

([153])   تحفة المحتاج:8/305.

([154])   القرطبي:6/276.

([155])   كتب ورسائل ابن تيمية في الفقه:34/86.

([156])   الفتاوى الكبرى: 3/229.

([157])   المغرب:22.

([158])   كشاف القناع:6/257.

([159])   مسلم: 3/1621، الترمذي: 4/279، الدارمي: 2/138، البيهقي: 7/179، أبو داود: 3/359، ابن ماجة: 2/1102..

([160])   ابن ماجة: 2/1103، مسند البزار: 1/397،شعب الإيمان: 5/100..

([161])   ابن ماجة: 2/1102، المعجم الأوسط: 8/354 مسند الشهاب: 2/265، مسند أبي يعلى: 6/377، قال في كشف الخفاء: هو ضعيف لأن في سنده مبهما أثبته بعضهم وحذفه آخرون ورواه بعضهم بلفظ « سيد  الادام   الملح » ورواه بعض آخر بلفظ «عليكم بالملح فانه شفاء من سبعين داء منها الجنون والجذام والبرص» ولعله موضوع وقال ابن الغرس: وأما حديث عليكم بالملح فان فيه شفاء من سبعين داء فقد نص ابن قيم الجوزية أنه موضوع. كشف الخفاء:1/556.

([162])   مجمع الزوائد: 5/40، البيهقي: 10/63، أبو داود: 3/225.

([163])   كشاف القناع:5/460.

([164])   نهاية المحتاج:7/192.

([165])   الخرشي:4/185..

([166])   الفتاوى الكبرى:5/516.

([167])   سبق تخريجه.

([168])   سبق تخريجه.

([169])   المبسوط:5/183.

([170])   المحلى: 9/252.

([171])   انظر:حاشية البجيرمي:4/93.

([172])   انظر: التاج والإكليل:5/544.

([173])   شرح البهجة:4/391.

([174])   نهاية المحتاج:7/197، وقد نص الشافعية في هذا على أنه لو تزوج امرأة، فزفت إلى الزوج في منزلها، فدخل عليها بإذنها، فلا أجرة لمدة سكنه، وإن كانت سفيهة أو بالغة، فسكنت ودخل عليها بإذن أهلها، وهي ساكتة، فعليه الأجرة لمدة إقامته معها، لأنه لا ينسب إلى ساكت قول، ولأن عدم المنع أعم من الإذن، ومثل هذا نصوا عليه فيما لو استعمل الزوج أواني المرأة وهي ساكتة على جري العادة، فإنه تلزمه الأجرة، انظر: حاشية الجمل:4/240.

([175])   التاج والإكليل:5/546، شرح ميارة:1/266، الخرشي: 4/186، حاشية الدسوقيك 2/510، فتح العلي المالك: 2/84، تخفة المحتاج: 8/316، مغني المحتاج: 5/162، العناية: 4/387، الجوهرة النيرة: 2/86، فتح القديرك 4/387.

([176])  لسان العرب: 12/167 .

([177])   المحلى:9/251.

([178])   تحفة المحتاج:7/286.

([179])   فللخدم ـ على حسب ما نرى في الواقع، وعلى حسب ما تدل الإحصائيات ـ تأثير كبير على الأبعاد التي جاء الشرع لترسيخها في نفس النش المؤمن الصالح، وكأمثلة على ذلك:

على التربية الإيمانية: أفادت إحدى الدراسات الميدانية في إحدى الدول الخليجية أن (60 - 75%) غير مسلمات، وأن (97.5%) منهن يمارسن طقوسهن الدينية، ونسبة كبيرة منهن وثنيات، كما أن (50%) منهن يقمن بالإشراف الكامل على الأطفال وأن (25%) منهن يكلمن الأولاد في قضايا الدين والعقيدة.

فكيف يتسنى للطفل أن يتربى تربية إيمانية سليمة وقوية، وهو يتعرض لهذه الزوابع العظيمة من دواعي الانحراف.

على التربية الأخلاقية: أثبتت الدراسات الميدانية أن (58.6%) من الخادمات (المربيات) جئن من مجتمعات تحبذ إقامة العلاقات الجنسية قبل الزواج، فلا يتورعن عن الاختلاط بالرجال، ولا مانع لديهن من تناول الخمر والسجائر، والأغرب من ذلك أن (68.3%) منهن لا تزيد أعمارهن عن العشرين، و(42.4%) منهن لم يسبق له الزواج.

وفي دراسة أُخرى دلّت على أن (58.6%) منهن يحبذن ممارسة  الجنس قبل الزواج، و(36.2%) منهن جئن من مجتمعات تتناول أطعمة محرمة، و(43%) منهن جئن من مجتمعات تتناول الخمور بصورة عادية، و(14%) منهن يستقبلن أصدقائهن (الرجال) في البيوت التي يعملن بها و(51.18%) منهن يشرحن لأطفالهن عن حياة الأطفال في مجتمعاتهن.

على البعد المعرفي: فالمربية أتت من مجتمعات مختلفة في ثقافتها ولغتها، وهي نفسها قد تكون ضائعة بين ثقافتين، حائرة بين نظامين، فلا هي تجيد اللغة العربية حتى تنقل ثقافتنا العربية الإسلامية للطفل، ولا هي تستطيع نقل ثقافتها الأجنبية والنتيجة عزلة عن ثقافته.

ولا شك أن الخادمات والمربيات يحاولن تنشئة الأبناء حسب قناعاتهم، فهي إن كانت مثقفة - كما هو الحال في الأسر الغنية - فإنها تؤثر في الأطفال أكثر من والديهم لإنشغال الوالدين وتخليهما عن مهمة التربية للخادمة (المربية)، بدعوى أنها مثقفة ومتخصصة في التربية، كما أن لهؤلاء المربيات - في تلك الأسر - مقدرة على الإقناع والتأثير على الوالدين، فضلاً عن الأبناء.

وبالتالي تنقل عدوى المفاهيم غير الإسلامية إلى البيوت المسلمة، فالمربية هي التي تختار ملابس الأطفال وبخاصة البنات، وهي التي تؤثر عليهن في نظرتهن إلى الحجاب والأزياء، وغير ذلك من الآداب والأخلاق.

زيادة على هذا، فإن لها تأثيرها الخطير على اللغة، فمن المعلوم أن المربية تلازم الطفل في مرحلة نموه الأولى والتي يكتسب فيها اللغة، ومن البديهي أن الطفل يلتقط منها ما يسمعه من ألفاظ، فيها من العربية الركيكة، والإنجليزية الركيكة، والأوردو وغير ذلك، مما يعتبر حاجزًا يعوّق نمو الطفل اللغوي، إذ يضطر إلى محاكاتها.

وقد دلّت الدراسات على أن (8%) من مجموعة المربيات في بعض دول الخليج لهن إلمام باللغة العربية، وفي بعض الدول الأخرى (6.2%) فقط، وأن (25%) من أطفال الأسر الغنية يقلدون المربيات في اللهجة، وأكثر من (40%) منهم تشوب لغتهم لغة أجنبية، ويتعرضون لمضايقات من أقرانهم بسبب ذلك.

وبسبب هذه الآثار السلبية السيئة التي يفرزها هذا المرض الداخلي العُضال على المجتمع الخليجي، خاصة، سارع مكتب التربية العربي لدول الخليج إلى توجيه كتاب إلى مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في الدول العربية الخليجية في دورته الرابعة بالرياض (يناير 1982م) والذي نظم بدوره ندوة علمية حول أثر المربيات الأجنبيات على تقاليد الأسرة المسلمة في منطقة الخليج، ناقشت المخاطر الناجمة عن الآثار الاجتماعية والدينية والثقافية والتربوية للمربيات الأجنبيات على المجتمع الإسلامي.

انظر: تفاصيل أكثر في الجزء الخاص ب «  الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد ».

([180])   انظر روايات الحديث في :البخاري:5/2052، أحمد:6/106،وغيرهما.

([181])   مغني المحتاج:5/162.

([182])   بدائع الفوائد:3/278.

([183])   أسنى المطالب:3/428.

([184])   ابن حبان: 2/314، أبو داود: 4/259، الترمذي:4/600.

 ([185]) قال الترمذي:هذا حديث حسن غريب، الترمذي:4/589، أبو داود:4/259، أحمد: 2/303، الحاكم:4/189.

([186])   فتح القدير:4/389، العناية شرح الهداية:4/389.

([187])   ابن كثير:3/402.

([188])   المراد منها في عرف الفقهاء من تؤنس الزوجة إذا خرج الزوج ولم يكن عندها أحد.

([189])   مطالب أولي النهى:5/622.

([190])   وقد حمل قول من قال ذلك من الحنفية على ما إذا أسكنها بين جيران صالحين , وعلى عدم الاستيحاش. قال الشرنبلالي: قال في النهر: لم نجد من كلامهم ذكر المؤنسة , إلا أنه يسكنها بين قوم صالحين , بحيث لا تستوحش. وهذا ظاهر من وجوبها فيما إذا كان البيت خاليا من الجيران , ولا سيما إذا كانت تخشى على عقلها من سعته،انظر:رد المحتار:3/602، البحر الرائق:4/211.

([191])   تنقيح الفتاوى الحامدية:1/23.

([192])   تنقيح الفتاوى الحامدية:1/23.

([193])   لسان العرب: 14/280.

([194])   كشاف القناع: 5/490.

([195])   حاشية البجيرمي:4/110.

([196])   البحر الرائق: 7/270، وانظر: المبسوط: 21/105.

([197])   الفواكه الدواني: 2/23.

([198])   السيل الجرار:2/448.

([199])   الترمذي:  4/383، مصباح الزجاجة: 4/49، البيهقي: 9/343، النسائي: 4/194، ابن ماجة:2/1137.

([200])   أحمد: 4/278، المعجم الكبير: 1/183، الترمذي: 4/383.

([201])   أحمد: 6/67.

([202])   فتح القدير:4/388.

([203])   وللمالكية قولان آخران هما: أن أجرة القابلة على الزوجة. والثاني: أن أجرة القابلة على الزوج إن كانت المنفعة للولد،  وقال ابن القاسم , إن كان عمل القابلة يستغني عنه النساء فهو على المرأة , وإن كان لا يستغني عنه النساء فهو على الزوج , وإن كانا ينتفعان به جميعا فهو عليهما جميعا على قدر منفعة كل واحد في ذلك، التاج والإكليل:5/544.