الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: الحقوق المادية للزوجة

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثالثا ـ حق التوارث بين الزوجين وأحكامه

1 ـ أحوال التوارث بين الزوجين وأحكامها

مشروعية التوارث بين الزوجين:

التوارث بين الزوجين حال اعتدال المسائل أو عولها:

1 ـ أحوال الزوج:

حالات الزوجة:

التوارث بين الزوجين حال الرد:

2 ـ ضوابط التوارث بين الزوجين

أولا: شروط التوارث بين الزوجين

1 ـ أن تكون الزوجية صحيحة:

2 ـ قيام الزوجية عند الوفاة:

حكم الزواج في حال المرض المخوف:

 

ثانيا ـ ذرائع الفرار من التوارث بين الزوجين وأحكامها

1 ـ الفرار بالطلاق:

شفاء المريض المبين لزوجته:

الطلاق الثلاث قبل الدخول:

موت المطلق قبل تعيين مطلقته:

2 ـ الفرار بالخلع:

الحالة الأولى: مرض الموجب في الخلع:

الحالة الثانية: مرض المختلعة:

ميراث المطلقة برغبتها:

حصول ما علق عليه الطلاق في حال المرض:

تطليق المريض ثم زواجه في مرضه:

3 ـ الميراث التابع لأحكام الزوجية

أولا: إرث الحمل:

كيفية توريث الحمل:

شروط ميراث الحمل:

ميراث الحمل الميت بجناية:

ثانيا: ميراث ابن اللعان:

ثالثا ـ حق التوارث بين الزوجين وأحكامه

نتناول في هذا الفصل حقا من الحقوق المالية التي ترتبط بالزوجية بعد الوفاة، وهو حق التوارث بين الزوجين، وذلك تتمة للبحث عن حقوق الزوجة المالية، وبما أن للميراث كتبه الخاصة به، والتي تحوي تفاصيل مسائله، فإنا سنقتصر في هذا الفصل على أهم المسائل التي حصل فيها الخلاف بين الفقهاء، مع اعتقادنا أن للناحية المقاصدية دورا في الترجيح في هذا الخلاف.

وقد تحدثنا في هذا الفصل القصير عن ثلاث نواح هي:

·      أحوال التوارث بين الزوجين وأحكامها.

·  ضوابط التوارث بين الزوجين، وقد تحدثنا فيه عن شروط الإرث، وأعذار الفرار من التوريث وأحكامها.

·      الميراث التابع للزوجية من الحمل وابن اللعان.

ولم نوثق لكثير من المسائل الواردة هنا باعتبارها من البديهيات التي لا يخلو منها كتاب فقهي سواء كان مختصا بالمواريث أم كتابا فقهيا عاما.

1 ـ أحوال التوارث بين الزوجين وأحكامها

مشروعية التوارث بين الزوجين:

نص القرآن الكريم على ميراث الزوجين في قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم﴾(النساء:12)، فالآية تبين أن كلا من الزوجين لا يرث إلا بطريق الفرض.

وقد أجمع العلماء على ذلك.

التوارث بين الزوجين حال اعتدال المسائل أو عولها:

بناء على ما سبق من مشروعية التوارث بين الزوجين، فإن للزوجين نصيبا في الميراث لا يخلو من حالتين اثنتين سنستعرضهما فيما يلي بناء على كل واحد منهما:

1 ـ أحوال الزوج:

الحالة الأولى: يرث الزوج نصف ميراث زوجته بطريق الفرض , إذا لم يكن لها فرع وارث بطريق الفرض أو التعصيب , وهو الابن وابن الابن وإن نزل , والبنت وبنت الابن وإن نزل , سواء أكان هذا الفرع الوارث من الزوج أم من غيره , وتشمل هذه الحالة ما إذا لم يكن للزوجة فرع أصلا وما إذا كان لها فرع غير وارث بطريق الفرض أو التعصيب , وهو بنت البنت أو ابن البنت.

الحالة الثانية: يرث الربع بطريق الفرض , وذلك إذا كان للزوجة فرع وارث بطريق الفرض أو التعصيب , سواء أكان هذا الفرع الوارث من هذا الزوج أم من غيره.

حالات الزوجة:

لا ترث الزوجة إلا بطريق الفرض , ولها حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون فرضها الربع , وذلك إذا لم يكن لزوجها فرع وارث بطريق الفرض أو التعصيب , وهو الابن وابن الابن وإن نزل , والبنت وبنت الابن وإن نزل , سواء أكان هذا الفرع الوارث ولدا له من هذه الزوجة أم ولدا له من غيرها. فيدخل في هذه الحالة ما إذا لم يكن للزوج فرع أصلا , وما إذا كان له فرع غير وارث بطريق الفرض أو التعصيب وهو بنت البنت أو ابن البنت.

وترث الزوجات فيه كنصيب الزوجة الواحدة، قال ابن قدامة: (وإنما جعل للجماعة مثل ما للواحدة ; لأنه لو جعل لكل واحدة الربع , وهن أربع , لأخذن جميع المال , وزاد فرضهن على فرض الزوج) [1]

الحالة الثانية: أن يكون فرضها الثمن , وذلك  إذا كان للزوج فرع وارث منها أو من غيرها.

التوارث بين الزوجين حال الرد:

اختلف الفقهاء في نصيب الزوجين حال كون المسألة ردية[2] على قولين:

القول الأول: الرد على ذوي الفروض جميعا ما عدا الزوجين، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين عنه , وقد أجمع متأخرو فقهاء الشافعية , وهم من بعد الأربعمائة , على أنه يرد على ذوي الفروض , ويورث ذوو الأرحام إذا كان بيت المال غير منتظم , وذلك بألا يكون هناك إمام أصلا , أو وجد وفقد بعض شروطه , وقال بعضهم , إذا فقد الإمام بعض الشروط لكن توفرت فيه العدالة , وأوصل الحقوق إلى أصحابها , كان بيت المال منتظما، ومن الأدلة على ذلك:

·  قوله تعالى: ﴿ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال:75) فإن معناها بعضهم أولى بميراث بعض بسبب الرحم , فقد دلت على أن ذوي الرحم يستحقون جميع الميراث بصلة الرحم، والمتبادر من الميراث المراد في الآية مجموعه، وإرادة البعض خلاف الظاهر، ولذلك فإن الأولوية المفهومة من الآية تحصل بإعطاء كل ذي فرض فرضه , لأن إعطاء الفرض حصل من آية أخرى هي آية النساء , وحمل آية الأنفال على التأسيس وإفادة حكم جديد أولى من حملها على تأكيد ما في آية الفرض , فيجب العمل بما في الآيتين , ومن أجل ذلك فلا يرد على الزوجين , لانعدام الرحم في حقهما.

·  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده في مرضه قال سعد: أما إنه لا يرثني إلا ابنة لي , أفأوصي بجميع مالي؟ إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: الثلث، والثلث كثير[3]، وهذا يدل على أن سعدا اعتقد أن البنت ترث جميع المال , ولم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -, ومنعه عن الوصية بما زاد عن الثلث , مع أنه لا وارث له إلا ابنة واحدة , فدل ذلك على صحة القول بالرد ; إذ لو لم تكن ابنته تستحق ما زاد على فرضها - وهو النصف بطريق الرد - لجوز له الرسول - صلى الله عليه وسلم - الوصية بالنصف.

·  أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورث الملاعنة جميع مال ولدها , ولا يكون ذلك إلا بطريق الرد، فقال - صلى الله عليه وسلم - (تحرز المرأة ميراث لقيطها وعتيقها  والابن الذي لوعنت به) [4]

·  إن أصحاب الفروض قد شاركوا المسلمين في الإسلام , وترجحوا على غيرهم بالقرابة , ومجرد القرابة في أصحاب الفروض وإن لم تكن علة العصوبة لكن يثبت بها الترجيح , بمنزلة قرابة الأم في حق الأخ لأب وأم , فإن قرابة الأم , وإن لم توجب بانفرادها العصوبة إلا أنه يحصل بها الترجيح. ولما كان هذا الترجيح بالسبب الذي استحقوا به الفريضة كان مبنيا على الفريضة , فيرد الباقي كله عليهم بنسبة أنصبائهم , وكما يسقط اعتبار الأقرب والأقوى في أصل الفريضة يسقط أيضا في اعتبار الرد.

القول الثاني: أنه يرد على جميع أصحاب الفروض مع الزوجين، وقد روي عن عثمان جابر بن عبد الله، واحتج عثمان للرد على الزوجين بأن الغنم بالغرم , فكما أن بالعول تنقص سهامهما , فيجب أن تزاد بالرد.

القول الثالث: يرد على ذوي الفروض إلا على ستة: الزوجين , وابنة الابن مع ابنة الصلب , والأخت لأب مع الأخت الشقيقة , وأولاد الأم مع الأم , والجدة مع ذي سهم أيا كان، وهو قول عبد الله بن مسعود.

القول الرابع: أنه استثنى جهة الرد على الزوجين , وأولاد الأم مع الأم , والجدة مع ذي سهم فقط وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد.

القول الخامس: أنه يرد على أصحاب الفروض إلا ثلاثة: الزوجين والجدة، وقد روي عن عبد الله بن عباس.

القول السادس:  لا يرد على أحد من أصحاب الفروض , فإذا لم تستغرق الفروض التركة , وبقي منها شيء , ولم يوجد في الورثة عاصب يرث الباقي , فإنه يكون لبيت المال , لأن هذا الفريق لا يرى توريث ذوي الأرحام , ولا الرد على ذوي الفروض , وقد ذهب إلى ذلك زيد بن ثابت , وبه أخذ عروة والزهري والإمامان مالك والشافعي.

وقيد بعض أئمة المالكية الدفع لبيت المال , إذا لم يوجد عاصب نسبي أو سببي بما إذا كان الإمام عدلا , يصرف المال في مصارفه الشرعية , فإن لم يكن عدلا فإنه يرد على أصحاب الفروض , فإن لم يوجدوا فلبيت المال. وهم يعتبرون بيت المال عاصبا يلي في الرتبة العاصب النسبي والسببي، ومن الأدلة على ذلك:

·  آية المواريث , فإن الله - تعالى - بين فيها نصيب كل وارث من أصحاب الفرائض. والتقدير الثابت بالنص يمنع الزيادة عليه. لأن في الزيادة مجاوزة الحد الشرعي , وقد قال الله تعالى بعد آية المواريث: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾(النساء:14), فقد ألحق الوعيد بمن جاوز الحد المشروع.

·  أن الزائد على الفروض مال لا مستحق له , فيكون لبيت المال , كما إذا لم يترك وارثا أصلا , لأن الرد إما أن يكون باعتبار الفرضية , أو العصوبة أو الرحم , ولا يجوز أن يكون باعتبار الفرضية , لأن كل ذي فرض قد أخذ فرضه , ولا باعتبار العصوبة , لأن باعتبارها يقدم الأقرب فالأقرب , ولا باعتبار الرحم , لأنه في إرث ذوي الأرحام يقدم الأقرب، فإذا بطلت هذه الوجوه بطل القول بالرد.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو القول بالرد على جميع الورثة من أصحاب الفروض بما فيهم الزوجين، وهو مذهب عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وذلك لعدم الدليل الذي يخرج الزوجين من الإرث بالرد، أما قوله تعالى:﴿ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(الأنفال:75) فليس دليلا على إخراج الزوجين، بل فيه إثبات لأولوية ذوي الأرحام، وأولويتهم لا تعني نفي أولوية الإرث بالزوجية وإلا لورثوا بدلها.

ثم لماذا نغرم الزوجين في حال العول، فيتضرران كما يتضرر سائر الورثة، فإذا ما جاءت الفائدة بالرد حرمناهما منها؟

2 ـ ضوابط التوارث بين الزوجين

أولا: شروط التوارث بين الزوجين

نص الفقهاء على أنه يشترط للميراث بالزوجية شرطان:

1 ـ أن تكون الزوجية صحيحة:

اتفق الفقهاء على أن الزوجية الصحيحة توجب الحق في الميراث، واتفقوا على أنه لا فرق في ميراث الزوجين بين ما قبل الدخول وبعده ; لعموم الآية , ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى لبروع بنت واشق بالميراث , وكان زوجها مات عنها قبل أن يدخل بها , ولم يفرض لها صداقا[5]. ولأن النكاح صحيح ثابت , فيورث به , كما بعد الدخول.

واختلفوا في الزواج الفاسد على قولين:

القول الأول: لا توارث بين الزوجين في العقد الفاسد، ولو استمرت العشرة بمقتضاه إلى الوفاة , وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، قال ابن قدامة: (النكاح الفاسد لا يثبت به التوارث بين الزوجين ; لأنه ليس بنكاح شرعي) [6] وقد اختلف أصحاب هذا القول فيما لو اشتبه من نكاحها فاسد بمن نكاحها صحيح على رأيين:

الرأي الأول: يقرع بينهما, فالمنقول عن أحمد , أنه قال في من تزوج أختين , لا يدري أيتهما تزوج أول: فإنه يفرق بينهما. وتوقف عن أن يقول في الصداق شيئا. قال أبو بكر: يتوجه على قوله أن يقرع بينهما[7]، فعلى هذا الوجه يقرع بينهما في الميراث إذا مات عنهما.

الرأي الثاني:  أن المهر والميراث يقسم بينهن على حسب الدعاوى والتنزيل , كميراث الخناثى، وقد روي عن النخعي , والشعبي , وهو قول الحنفية.

الرأي الثالث:  يوقف المشكوك فيه من ذلك حتى يصطلحن عليه , أو يتبين الأمر، وهو قول الشافعية.

 القول الثاني: صحة التوارث بين الزوجين في النكاح الفاسد المختلف فيه حال عدم الفسخ، وهو قول المالكية، فقد نصوا على أن سبب الفساد إن كان متفقا عليه كتزوج خامسة وفي عصمته أربع , أو تزوج المحرمة رضاعا جاهلا بسبب التحريم فإنه لا توارث , سواء أمات أحدهما قبل المتاركة والفسخ , أم مات بعدهما , وإن كان السبب الموجب للفساد غير متفق عليه كعدم الولي في النكاح في زواج البالغة العاقلة , ففي هذه الحالة وأمثالها إن كانت الوفاة بعد الفسخ فلا توارث , لعدم قيام السبب الموجب للميراث ; إذ انتهت الزوجية. وإن كانت الوفاة قبل الفسخ فيكون الميراث ثابتا , لقيام الزوجية على رأي من يرى صحة الزواج.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة التفريق بين الزواج الفاسد والباطل مثلما ذكر المالكية، فإن كان الزواج باطلا أي مجمعا على عدم صحته لم يتحقق به التوارث دخل بها أو لم يدخل، بخلاف الزواج الفاسد لما ذكرنا سابقا من أن الأرجح في تسميته هو كونه زواجا مختلفا فيه، ولا يصح أن نحرم مستحقا للميراث بسبب خلاف فقهي.

2 ـ قيام الزوجية عند الوفاة:

وذلك بأن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة حقيقة , أو أن تكون قائمة حكما , وذلك بأن تكون الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا , وهي في العدة. أما إذا كان الطلاق بائنا فإنه لا توارث بينهما، ولو كانت الوفاة في حال العدة , إلا إذا كان من تولى سبب الفرقة قد اعتبر فارا من الميراث , وذلك إذا كان مريضا مرض الموت.

حكم الزواج في حال المرض المخوف:

اختلف الفقهاء في حكم الزواج في حال المرض المخوف على قولين:

القول الأول: صحة الزواج، وهو قول أكثر الفقهاء، وقد اختلفوا في حق التوارث في هذه الحالة على الآراء التالية:

الرأي الأول: أن حكم النكاح في المرض والصحة سواء في صحة العقد , وتوريث كل واحد منهما من صاحبه , وهو قول الجمهور، ومن الأدلة على ذلك:

·      أنه عقد معاوضة يصح في الصحة , فيصح في المرض كالبيع.

·      أنه نكاح صدر من أهله في محله بشرطه , فيصح كحال الصحة.

·  أن عبد الرحمن بن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة , أصدق كل واحدة ألفا ليضيق بهن على  امرأته , ويشركنها في ميراثها , فأجيز ذلك.

·      أنه إذا ثبت صحة النكاح , ثبت الميراث بعموم الآية.

الرأي الثاني: النكاح صحيح , ولا ميراث بينهما، وهو قول الأوزاعي.

الرأي الثالث: الصداق والميراث من الثلث، وهو قول ربيعة , وابن أبي ليلى.

الرأي الرابع: إن قصد الإضرار بورثته , فالنكاح باطل , وإلا فهو صحيح، وهو قول القاسم بن محمد والحسن.

القول الثاني: أي الزوجين كان مريضا مرضا مخوفا حال عقد النكاح , فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها , فيكون لها المسمى في ثلاثة مقدما على الوصية، وهو قول المالكية وعن الزهري , ويحيى بن سعيد.

وقد اختلف المالكية في نكاح من لم يرث , كالأمة والذمية , فقال بعضهم: يصح ; لأنه لا يتهم بقصد توريثها. ومنهم من أبطله ; لجواز أن تكون وارثة.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذهب إليه الجمهور من استحقاق المرأة للإرث في حال زواجها بالمريض مرض الموت، وذلك لصحة الزوجية وعدم الدليل على بطلانها، وصحة الزوجية كافية لاستحقاق الزوجة الإرث، فلا يصح أن نعتبرها زوجة، ثم نحرمها من الميراث.

ثانيا ـ ذرائع الفرار من التوارث بين الزوجين وأحكامها

الفرار هو الاحتيال على الأحكام الشرعية بالتذرع بالوسائل المختلفة لعدم تحقيق مقاصدها، ومن ذرائع الفرار من التوارث بين الزوجين:

1 ـ الفرار بالطلاق:

اتفق الفقهاء على أنه إذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك رجعتها في عدتها , لم يسقط التوارث بينهما , ما دامت في العدة , سواء كان في المرض أو الصحة، قال ابن قدامة: (بغير خلاف نعلمه، وروي ذلك عن أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي , وابن مسعود - رضي الله عنهم - )، ومن الأدلة على ذلك أن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه , ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد.

أما إن طلقها في الصحة طلاقا بائنا أو رجعيا , فبانت بانقضاء عدتها , فإنهما لا يتوارثان بإجماع العلماء، أما إن طلقها في المرض المخوف , ثم مات من مرضه ذلك في عدتها , فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه لا توارث بينهما، وقد وروي عن علي , وعبد الرحمن بن عوف، وعتبة بن عبد الله بن الزبير، وهو قول الشافعي الجديد ; ومن الأدلة على ذلك:

·      أنها بائن , فلا ترث , كالبائن في الصحة , أو كما لو كان الطلاق باختيارها.

·      أن أسباب الميراث محصورة في رحم ونكاح وولاء , وليس لها شيء من هذه الأسباب.

القول الثاني: ترثه، ولا يرثها إن ماتت، وهو قول الجمهور، وقد أشار ابن تيمية إلى وقوع الإجماع في المسألة في عهد الصحابة - رضي الله عنهم -، فقال:(المطلقة إن كانت مطلقة طلاقا رجعيا , ومات زوجها , وهي في العدة ورثته باتفاق المسلمين، وإن كان الطلاق بائنا كالمطلقة ثلاثا ; ورثته أيضا عند جماهير أئمة الإسلام , وبه قضى أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -  لما طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته بنت الأصبغ الكلبية طلقها ثلاثا. في مرض موته , فشاور عثمان الصحابة فأشاروا على أنها ترث منه , ولم يعرف عن أحد من الصحابة في ذلك خلاف، وإنما ظهر الخلاف في خلافة ابن الزبير , فإنه قال: لو كنت أنا لم أورثها , وابن الزبير قد انعقد الإجماع قبل أن يصير من أهل الاجتهاد، وإلى ذلك ذهب أئمة التابعين , ومن بعدهم وهو مذهب أهل العراق: كالثوري وأبي حنيفة , وأصحابه , ومذهب أهل المدينة كمالك , وأصحابه , ومذهب فقهاء الحديث: كأحمد بن حنبل , وأمثاله , وهو القول القديم للشافعي) [8]

 ومن الأدلة على ذلك:

·  أن عثمان - رضي الله عنه -  ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف , وكان قد طلقها في مرضه فبتها، واشتهر ذلك في الصحابة فلم ينكر , فكان إجماعا ولم يثبت عن علي ولا عبد الرحمن خلاف في هذا , وقد روى عروة عن عثمان أنه قال لعبد الرحمن: لئن مت لأورثنها منك، قال: قد علمت ذلك.

·      أن ما روي عن ابن الزبير إن صح مسبوق بالإجماع.

·  أن المريض مرض الموت قد تعلق الورثة بماله من حين المرض ; وصار محجورا عليه بالنسبة إليهم , فلا يتصرف في مرض موته من التبرعات إلا ما يتصرفه بعد موته ; فليس له في مرض الموت أن يحرم بعض الورثة ميراثه , ويخص بعضهم بالإرث , كما ليس له ذلك بعد الموت وليس له أن يتبرع لأجنبي بما زاد على الثلث في مرض موته ; كما لا يملك ذلك بعد الموت وفي الحديث: (من قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة) [9]،  وإذا كان كذلك فليس له بعد المرض أن يقطع حقها من الإرث ; لا بطلاق ; ولا غيره، وإن وقع الطلاق بالنسبة له , إذ له أن يقطع نفسه منها , ولا يقطع حقها منه.

·  أنه قصد قصدا فاسدا في الميراث , فعورض بنقيض قصده , كالقاتل القاصد استعجال الميراث يعاقب بحرمانه.

وقد اختلف أصحاب هذا القول في الوقت الذي ينتهي فيه ميراثها من زوجها على الآراء التالية:

الرأي الأول: أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج،  وقد روي عن أبي بن كعب، وهو قول البتي , وحميد , وابن أبي ليلى , وأصحاب الحسن , والمشهور عن أحمد, ومن الأدلة على ذلك:

·  ما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن , أن أباه طلق أمه وهو مريض , فمات , فورثته بعد انقضاء العدة.

·      أن سبب توريثها فراره من ميراثها , وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة.

·      وقد استدلوا على عدم توريثها بعد زواجها بالأدلة التالية:

·      أنها وارثة من زوج , فلا ترث زوجا سواه , كسائر الزوجات.

·      أن التوارث من حكم النكاح , فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر , كالعدة.

·      أنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول لها , فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها.

الرأي الثاني: أنها لا ترثه بعد انتهاء العدة، وهو قول عروة , والحنفية, وقول الشافعي القديم وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا، ومن الأدلة على ذلك:

·      أنها تباح لزوج آخر , فلم ترثه , كما لو كان في الصحة.

·      أن توريثها بعد العدة يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة , فلم يجز ذلك , كما لو تزوجت.

الرأي الثالث: أنها ترثه مطلقا، ولو بعد زواجها، وهو قول مالك، لأنها شخص يرث مع انتفاء الزوجية , فورث معها , كسائر الوارثين.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو القول بأنها ترثه بعد العدة إلا إذا تزوجت، لأن زواجها يدل على انقطاع صلتها تماما بزوجها.

شفاء المريض المبين لزوجته:

اختلف الفقهاء فيما لو صح من مرضه ذلك , ثم مات بعده , هل ترثه أم لا على قولين:

القول الأول: لا ترثه , وهو قول الجمهور، ومن الأدلة على ذلك:

·      أن هذه بائن بطلاق في غير مرض الموت , فلم ترثه , كالمطلقة في الصحة.

·      أن حكم هذا المرض حكم الصحة في العطايا والإعتاق والإقرار , فكذلك في الطلاق.

·      أن ما ذكره المخالفون يبطل بما إذا قصد الفرار بالطلاق في صحته.

القول الثاني: أنها ترثه  وقد روي عن النخعي والشعبي والثوري وزفر, لأنه طلاق مرض قصد به الفرار من الميراث , فلم يمنعه , كما لو لم يصح.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو النظر إلى علة تطليقه لها في مرضه المخوف، فإن كان بقصد حرمانها من الميراث ورثت سواء صح بعده أو لم يصح، أما إن كانت العلة غير ذلك، فإنها لا ترث منه في هذه الحالة.

ولا يعسر التعرف على قصده، لأن ملابسات التطليق تكفي وحدها لاتهامه أو عدم اتهامه، وللقضاء دوره في ذلك.

الطلاق الثلاث قبل الدخول:

اختلف الفقهاء فيما لو طلق امرأته ثلاثا في مرضه قبل الدخول بها، هل ترث منه أم لا، على قولين:

القول الأول: أنه ترث منه وهو قول الحسن , وعطاء , وأبي عبيد ومالك ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بأن الميراث ثبت للمدخول بها لفراره منه , وهذا فار مثله.

وقد اختلفوا في حقها في الصداق كاملا على رأيين:

الرأي الأول: لها الصداق كاملا والميراث, وهو قول الحسن , وعطاء , وأبي عبيد ; ورواية عن أحمد، واختلفوا في وجوب العدة عليها فذهب جمهور القائلين بهذا القول إلى وجوبها، وذهب عطاء إلى عدم وجوبها بناء على أن العدة حق عليها , فلا يجب بفراره.

 الرأي الثاني: لها الميراث ونصف الصداق , وعليها العدة، وهو قول مالك, لأن من ترث يجب أن تعتد , ولا يكمل الصداق ; لأن الله تعالى نص على تنصيفه بالطلاق قبل المسيس , ولا تجوز مخالفته.

القول الثاني:  لا ميراث لها , ولا عدة عليها , ولها نصف الصداق، وهو قول جابر بن زيد , والنخعي , وأبي حنيفة [10], والشافعي , ونسبه ابن قدامة إلى قول أكثر أهل العلم، ومن الأدلة على ذلك:

·  أن الله تعالى نص على تنصيف الصداق , ونفى العدة عن المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى:﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾(البقرة:237)، وقوله تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾(الأحزاب:49) ولا يجوز مخالفة نص الكتاب بالرأي والتحكم.

·      أنها لا ترث لأنها ليست بزوجة ولا معتدة من نكاح , فأشبهت المطلقة في الصحة.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذهب إليه الجمهور من الاكتفاء باستحقاقها نصف المهر في الحالة العادية، لكن إن طال انتظار المرأة للدخول إلى أن حصل له ما حصل فطلقها، فإن الأرجح هو أن لها الحق في الإرث زيادة على نصف الصداق.

موت المطلق قبل تعيين مطلقته:

وذلك في حالة تطليق الرجل امرأة من نسائه، ثم موته قبل أن يعينها[11]، وقد اختلف الفقهاء فيها على قولين[12]:

القول الأول: يقسم الميراث بين الجميع , وهو قول الحنفية، واستدلوا على ذلك بأنهما قد تساويا في سبب الاستحقاق , لأن حجة كل واحدة منهما كحجة الأخرى , فوجب أن يتساويا في الإرث , كما لو أقامت كل واحدة منهما البينة بالزوجية.

القول الثاني: يوقف ميراث الزوجات حتى يصطلحن عليه، وهو قول الشافعية، وهو مذهب الشافعية في معظم المسائل التي لا يستبين فيها وجه الحق.

القول الثالث: إذا طلق إحدى نسائه , ومات قبل البيان , فإن الورثة يقرعون بينهن , فمن وقعت عليها القرعة لم ترث , وهو قول الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  أن القرعة تخلص من المفاسد التي تلزم من القولين السابقين، فإن لازم القول الأول توريث من يعلم أنها أجنبية , لأنها مطلقة في حال الصحة ثلاثا , ولازم القول الثاني وقف المال , وتعريضه للفساد والهلاك , وعدم الانتفاع به , وإن كان حيوانا فربما كانت مئونته تزيد على أضعاف قيمته , وهذا لا مصلحة فيه، ثم إنهن إذا علمن أن المال يهلك إن لم يصطلحن عليه كان ذلك إلجاء لهن إلى إعطاء غير المستحقة.

·  أنه بما أن المستحقة للميراث إحداهما دون الأخرى , فوجب أن يقرع بينهما كما يقرع بين العبيد إذا أعتقهم في المرض , وبين الزوجات إذا أراد السفر بإحداهن.

·  أن الحاكم إنما نصب لفصل الأحكام , لا لوقفها وجعلها معلقة , فتوريث الجميع  على ما فيه أقرب للمصلحة من حبس المال وتعريضه للتلف , مع حاجة مستحقيه إليه.

·  أن الأصل العام في الشريعة عدم وقف القضايا على اصطلاح المتخاصمين , بل يشير عليهما بالصلح , فإن لم يصطلحا فصل الخصومة , وبهذا تقوم مصلحة الناس.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول لأن تعيين المطلقة إنما يكون بيد الزوج، والزوج قد مات، فكيف تحرم حقها الثابت بالأدلة القطعية بمجرد توهم أن الزوج طلقها، من غير بينة تثبت ذلك.

2 ـ الفرار بالخلع:

نص الفقهاء على هذه المسألة، وهي عكس الفرار بالطلاق، لأن المختلعة قد تختلع من زوجها بإعطائها مالها، لتحرم أهلها من ميراثها، ولهذه المسألة حالتين:

الحالة الأولى: مرض الموجب في الخلع:

اتفق الفقهاء على أن خلع الزوج المريض مرض الموت جائز ونافذ, سواء أكان بمهر المثل أم أقل منه ; لأنه لو طلق بغير عوض لصح , فلأن يصح بعوض أولى ; ولأن الورثة لا يفوتهم بخلعه شيء.

وقد اتفقوا على أنه لا توارث بينهما سواء أمات في العدة أم بعدها وخالف ذلك المالكية[13] فنصوا على أن زوجته المطلقة في المرض ترثه إن مات من مرضه المخوف الذي خالعها فيه , ولو خرجت من العدة وتزوجت غيره ولو أزواجا , أما هو فلا يرثها إن ماتت في مرضه المخوف الذي طلقها فيه، ولو كانت هي مريضة أيضا ; لأنه الذي أسقط ما كان بيده، ففي المدونة:( قلت: أرأيت إن اختلعت منه في مرضه فمات من مرضه ذلك أترثه في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: نعم , ترثه. قلت: وكذلك إن جعل أمرها بيدها أو خيرها فطلقت نفسها وهو مريض أترثه في قول مالك؟ قال: قال مالك: نعم ترثه. قلت: ولم وهو لم يفر منها إنما جعل ذلك إليها ففرت بنفسها؟ قال: قال مالك: كل طلاق وقع في مرض فالمبارأة للمرأة إذا مات من ذلك المرض وبسببه كان ذلك لها([14]

ونص الحنفية على أنه لو خلعها أجنبي من الزوج بمال ضمنه للزوج , وكان ذلك في مرض موت الأجنبي جاز , ويعتبر البدل من ثلث مال الأجنبي، فلو كان الزوج مريضا حين تبرع الأجنبي بخلعها، فلها الإرث لو مات الزوج من مرضه ذلك , وهي في العدة لأنها لم ترض بهذا الطلاق فيعتبر الزوج فارا[15].

ولو أوصى الزوج لها بمثل ميراثها أو أقل صح; لأنه لا تهمة في أنه أبانها ليعطيها ذلك فإنه لو لم يبنها لأخذته بميراثها , وإن أوصى لها بزيادة عليه فللورثة منعها ذلك ; لأنه اتهم في أنه قصد إيصال ذلك إليها ; لأنه لم يكن له سبيل إلى إيصاله إليها وهي في عصمته , فطلقها ليوصل ذلك إليها فمنع منه كما لو أوصى لوارث.

الحالة الثانية: مرض المختلعة:

اتفق الفقهاء على أنه يجوز للزوجة المريضة مرضا مخوفا أن تخالع زوجها في مرضها لأنه معاوضة كالبيع , قال ابن قدامة:( المخالعة في المرض صحيحة , سواء كان المريض الزوج أو الزوجة , أو هما جميعا ; لأنه معاوضة , فصح في المرض , كالبيع. ولا نعلم في هذا خلافا ([16]واختلفوا في المقدار الذي يأخذه الزوج في مقابل ذلك مخافة أن تكون الزوجة راغبة في محاباته على حساب الورثة على قولين:

القول الأول: أن اختلعت المريضة بمهرها الذي كان لها على زوجها , ثم ماتت في العدة, فله الأقل من ميراثه , ومن المهر إن كان يخرج من ثلث مالها مهر , وإن لم يكن لها مال سوى ذلك , فله الأقل من ميراثه منها , ومن الثلث , وإن ماتت بعد انقضاء العدة, فله المهر من ثلث مالها , وهو قول الحنفية خلافا لزفر الذي اعتبار البدل  من جميع المال , لا من ثلثه، واعتبر الخلع بالنكاح , فإن المريض لو تزوج امرأة بصداق مثلها اعتبر من جميع ماله ; لأن ذلك من حوائجه, وكذلك المريضة إذا اختلعت ; لأن ذلك من حوائجها لتتخلص به من أذى الزوج[17].

القول الثاني: أن الخلع إن كان بمهر المثل نفذ دون اعتبار الثلث, وإن كان بأكثر فالزيادة كالوصية للزوج, وهو قول الشافعية وتعتبر الزيادة الثلث، ولا تكون كالوصية للوارث لخروجه بالخلع عن الإرث , ولو اختلعت بجمل قيمته مائة درهم ومهر مثلها خمسون درهما فقد حابت بنصف الجمل , فينظر إن خرجت المحاباة من الثلث , فالجمل كله للزوج عوضا ووصية[18]. 

القول الثالث: أن للزوج ما خالعته عليه إن كان قدر ميراثه منها فما دون , وإن كان بزيادة فله الأقل من المسمى في الخلع أو ميراثه منها ; وهو قول الحنابلة، ومن الأدلة على ذلك، أن ذلك لا تهمة فيه بخلاف الأكثر منها , فإن الخلع إن وقع بأكثر من الميراث تطرقت إليه التهمة من قصد إيصالها إليه شيئا من مالها بغير عوض على وجه لم تكن قادرة عليه أشبه ما لو أوصت أو أقرت له , وإن وقع بأقل من الميراث فالباقي هو أسقط حقه منه فلم يستحقه , فتعين استحقاقه الأقل منهما , وإن شفيت من مرضها ذاك الذي خالعته فيه فله جميع ما خالعها به كما لو خالعها في الصحة ; لأنه ليس من مرض موتها[19].

القول الرابع: أنه يجوز خلع الزوجة المريضة مرضا مخوفا إن كان بدل الخلع بقدر إرثه أو أقل لو ماتت، ولا يتوارثان، وهو قول المالكية[20]، أما إن زاد بأن كان إرثه منها عشرة وخالعته بخمسة عشر وأولى لو خالعته بجميع مالها فيحرم عليه لإعانته لها على الحرام , وينفذ الطلاق ولا توارث بينهما إن كان الزوج صحيحا، ولو ماتت في عدتها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الرابع، وقريب منه القول الثالث، فهما أحوط الأقوال، وأكثرها سدا للذريعة، وأجلبها لمصلحة الزوجة وورثتها، لأن الخلع في مرض الموت أو المرض المخوف لا مبرر له، وربما كان المبرر الوحيد الذي يسوغه أن يتحيل الزوج بطلب الخلع إسقاط حق الورثة في الميراث، ويستغل في ذلك مرض الزوجة المخوف ليملي لها بهذه الحيلة.

وفي تيسير مثل هذه الحيلة بالقول بإيقاعها ضرر للمرأة ولورثتها، أما المرأة فقد يضارها زوجها في تلك الحالة لتطلب منه فداء نفسها، والمضارة هنا كما قد يفهم، ليس المراد منها المضارة التي يفرق بسببها القاضي، لأن المضارة التي يلحظها القاضي لا تتعدى المضار المادية بخلاف الأضرار النفسية والمعنوية، والتي تتفاقم في حال مثل هذا المرض الخطير، فلذلك عدم اعتبار المخالعة في تلك الحالة يسد عليه باب الشر في نفسه وباب الشر عن زوجه.

أما الورثة، فإن الشرع أعطاهم حقوقهم بسبب قربهم وحاجتهم كما أعطى الزوج حقه من الميراث، فلا يتعدى أحدهما حق الآخر، فتعدي أي طرف لذلك يعامل بنقيضه، ولنتصور لتقريب المسألة امرأة يكون لها أب ضعيف أو أم محتاجة، فيأتي هذا الزوج الجشع ليأخذ كل مالها، ويحرمها ويحرم من أعطاهم الشرع من الميراث لأنه لم يخسر شيئا، فالزوجة على أبواب الموت.

ثم إن الأدب الشرعي الذي يلزم الشرع بتطبيقه تشريعا وتوجيها يقتضي الوقوف مع المرأة في هذه الحالة، وإلزام الزوج بمساندتها ولو بتطليقها بغير عوض، لا أن يزيد طينتها بلة، ويأخذ منها مالها بغير حق.

ميراث المطلقة برغبتها:

اختلف الفقهاء فيما لوطلقت برغبتها كما لو سألته الطلاق في مرضه , أو علق الطلاق على مشيئتها فشاءت , أو على فعل من جهتها لها منه بد ففعلته , أو خيرها فاختارت نفسها على قولين:

القول الأول: لا ترثه ; وهو قول أبي حنيفة , والشافعي وهو رواية عن أحمد، لأنه ليس بفار، وبناء على هذا، فإنهم نصوا على أنها لو لم تعلم بتعليق طلاقها , ففعلت ما علق عليه , ورثته ; لأنها معذورة فيه، ومثله ما لو سألته طلقة , فطلقها ثلاثا , ورثته ; لأنه أبانها بما لم تطلبه منه، أو أن يعلق طلاقها على فعل لا بد لها منه , كصلاة مكتوبة , وصيام واجب في وقته , ففعلته , فحكمه حكم طلاقها ابتداء.

القول الثاني:  ترثه، وهو قول مالك، لأنه طلقها في مرضه.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو النظر إلى مقصده من تطليقها، فإن كان لحرمانها من الميراث ورثت ولو طلقت برغبتها سدا للذريعة، ولاحتمال أن رغبتها كانت تابعة لرغبته، أما إن لم يقصد ذلك ودلت العلامات على حرصه عليها، ولكنه طلقها تلبية لرغبتها، فإنها لا ترث منه، لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

حصول ما علق عليه الطلاق في حال المرض:

اختلف الفقهاء القائلون بالطلاق المعلق فيما لو علق طلاقها في الصحة على شرط وجد في المرض , كقدوم زيد , على قولين:

القول الأول:  بانت ولم ترث ; وهو رواية عن أحمد، لأن اليمين كانت في الصحة، أما لو علقه على فعل نفسه , ففعله في المرض ورثته ; لأنه أوقع الطلاق بها في المرض , فأشبه ما لو كان التعليق في المرض.

القول الثاني: أنها ترث , وهو قول مالك ; لأن الطلاق وقع في المرض.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم اعتبار التعليق في الطلاق طلاقا كما سنرى في محله، وبناء على ذلك، فإنه إن حصل التطليق في مرض الموت ورثت منه بغض النظر عن كونه معلقا أو غير معلقا كما ذهب إليه المالكية.

تطليق المريض ثم زواجه في مرضه:

اختلف الفقهاء فيما لو طلق المريض امرأته , ثم نكح أخرى , ومات من مرضه في عدة المطلقة على قولين:

القول الأول: أنهما يرثانه جميعا، وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق , ورواية عن أحمد، وأحد قولي الشافعي، لأنها إنما ترث ما كانت ترث لو لم يطلقها , ولو لم يطلقها وتزوج عليها, لم ترث إلا نصف ميراث الزوجات , فكذلك إذا طلقها.

وعلى هذا القول لو أنه تزوج ثلاثا في مرضه , فليس للمطلقة إلا ربع ميراث الزوجات , ولكل واحدة من الزوجات ربعه.

القول الثاني: لا ترث المبتوتة , وهو قول للشافعي، فيكون الميراث كله للثانية.

القول الثالث:  الميراث كله للمطلقة، وهو قول مالك; بناء على أن نكاح المريض عنده غير صحيح، كما سبق ذكره، وهو وجه عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأنها ترث منه ما كانت ترث قبل طلاقها , وهو جميع الميراث , فكذلك بعده.

3 ـ الميراث التابع لأحكام الزوجية

وسنقتصر هنا على نوعين من الإرث تابعان للزوجية بحيث لا يتحققان بدونها، وهما: ميراث الحمل، وميراث ابن اللعان:

أولا: إرث الحمل:

المراد بالحمل الجنين مادام في بطن أمه، ويتعلق بميراث الحمل المسائل التالية:

كيفية توريث الحمل:

اتفق الفقهاء على أن الحمل يرث , وأن له نصيبه الشرعي في مال مورثه قبل أن يولد , واتفقوا على أنه إذا طالب الورثة بالقسمة , لم يعطوا كل المال , بغير خلاف , إلا ما حكي عن داود , والصحيح عنه مثل قول الجماعة، واختلفوا في كيفية توريثه على قولين:

القول الأول: تقسم التركة بين سائر الورثة إذا طالبوا بذلك من غير انتظار للولادة , ويدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه , وإلى من ينقصه أقل ما يصيبه , ولا يدفع شيء من الميراث إلى من يسقطه الحمل ويوقف للحمل نصيبه، وهو قول الحنفية والحنابلة، وقول عند الشافعية، واختلفوا في عدد الحمل المقدر على رأيين:

الرأي الأول: يقدر واحدا، وهو قول الحنفية , لأنه هو الغالب المعتاد , فيوقف له نصيب ذكر أو أنثى أيهما كان أكثر.

الرأي الثاني:  يوقف نصيب ذكرين , إن كان ميراثهما أكثر , أو ابنتين إن كان نصيبهما أكثر، وهو قول محمد بن الحسن واللؤلؤي، وهو قول الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأن ولادة التوأمين كثير معتاد , فلا يجوز قسم نصيبهما , كالواحد , وما زاد عليهما نادر , فلم يوقف له شيء كالخامس , والسادس.

الرأي الثالث: يوقف نصيب أربعة , وهو قول شريك، وروي عن أبي حنيفة , ورواه الربيع عن الشافعي.

القول الثاني: يوقف التقسيم كله حتى تضع الحامل , أو يظهر عدم حملها بانتفاء عدة الوفاة وليس بها حمل ظاهر، وهو قول المالكية، وقول آخر عند الشافعية، فإن قالت: لا أدري أخر الإرث حتى يتبين أن لا حمل فيها بأن تحيض حيضة , أو يمضي أمد العدة ولا ريبة حمل بها.

واستدلوا على ذلك بأن الحمل لا حد له ولذلك لا يعلم كم يترك له. وقد حكى الماوردي, قال: أخبرني رجل من أهل اليمن , ورد طالبا للعلم , وكان من أهل الدين والفضل , أن امرأة ولدت باليمن شيئا كالكرش , فظن أن لا ولد فيه , فألقي على قارعة الطريق , فلما طلعت الشمس وحمي بها , تحرك فأخذ وشق , فخرج منه سبعة أولاد ذكور , وعاشوا جميعا , وكانوا خلقا سويا , إلا أنه كان في أعضادهم قصر , قال: وصارعني أحدهم فصرعني , فكنت أعير به , فيقال: صرعك سبع رجل وقد أخبرني من أثق به سنة ثمان وستمائة , أو سنة تسع , عن ضرير بدمشق أنه قال: ولدت امرأتي في هذه الأيام سبعة في بطن واحد , ذكورا وإناثا , وكان بدمشق أم ولد لبعض كبرائها , وتزوجت بعده من كان يقرأ علي , وكانت تلد ثلاثة في كل بطن. وقال غيره: هذا نادر , ولا يعول عليه , فلا يجوز منع الميراث من أجله , كما لو لم يظهر بالمرأة حمل.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو أنه من اليسير في عصرنا اللجوء للطبيب الذي يحدد عدد الأجنة، أو جنس الجنين، وبالتالي يمكن الاستعانة به، وتقسيم التركة على أساس ذلك من غير انتظار لولادته بشرط الجزم والتحقيق.

شروط ميراث الحمل:

اتفق الفقهاء على أنه لا يرث الحمل إلا بشرطين:

صحة نسبته من المتوفى: ويعلم ذلك بما ذكرنا في الفصل السابق من ضوابط وشروط، وأهمها الإمكان العادي، وقد تحدث الفقهاء هنا عن أقل فترة الحمل وأكثرها، وقد سبق الحديث عن ذلك في محله من الفصل السابق.

أن تضعه حيا: فإن وضعته ميتا لم يرث , وقد اتفق الفقهاء على اعتبار هذا الشرط، واختلفوا فيما تثبت به الحياة على الأقوال التالية:

القول الأول:  أنه إذا استهل[21] صارخا ورث , وورث، ولا يقوم غيره مقامه، وقد روي ذلك عن ابن عباس , والحسن بن علي , وأبي هريرة , وجابر , وسعيد بن المسيب , وعطاء , وشريح , والحسن , وابن سيرين , والنخعي , والشعبي , وربيعة , ويحيى بن سعيد , وأبي سلمة بن عبد الرحمن , ومالك , وأبي عبيد , وإسحاق ; وهو المشهور عن أحمد، ومن الأدلة على ذلك:

·  أن مفهوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(إذا استهل المولود ورث) [22] أنه لا يرث بغير الاستهلال.

·  أن الاستهلال لا يكون إلا من حي , والحركة تكون من غير حي , فإن اللحم يختلج سيما إذا خرج من مكان ضيق , فتضامت أجزاؤه , ثم خرج إلى مكان فسيح فإنه يتحرك من غير حياة فيه , ثم إن كانت فيه حياة , فلا نعلم كونها مستقرة. لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح , فإن الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة , وهي في حكم الميت.

القول الثاني:  إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره , ورث , وثبت له أحكام المستهل , لأنه حي فتثبت له أحكام الحياة , كالمستهل، وهو قول الثوري , والأوزاعي, والشافعي , وأبو حنيفة , وأصحابه , وداود، وهو قول ابن حزم، بل نص على ما هو أبعد من ذلك، فقال:(ومن ولد بعد موت موروثه فخرج حيا كله - أو بعضه أقله أو أكثره - ثم مات بعد تمام خروجه - عطس أو لم يعطس - وصحت حياته بيقين بحركة عين , أو يد , أو نفس , أو بأي شيء صحت , فإنه يرث ويورث , ولا معنى للاستهلال) [23]

ثم قال رأيه الذي انفرد به في المسألة:(إن قيل: هلا ورثتموه وإن ولد ميتا بحياته في البطن؟ قلنا: لو أيقنا حياته لورثناه , وقد تكون لحركة ريح - والجنين ميت - وقد ينفش الحمل , ويعلم أنه ليس حملا وإنما كان علة , فإنما نوقن حياته إذا شاهدناه حيا) [24]

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذكره ابن حزم، لأن قواعد الميراث تشترط حياة الوارث عند موت المورث بغض النظر عن وفاته بعد ذلك، فإذا ثبتت هذه الحياة بأي وسيلة تدل على اليقين بذلك صح إرثه من غير انتظار لولادته.

أما حديث الاستهلال، فإن المراد من الاستهلال تيقن الحياة، وهو عادة لا يكون إلا عن طريق الاستهلال، فجرى الحديث على الغالب، وقد قال ابن حزم في مناقشته للمخالفين:(هذا فبضرورة الحس والمشاهدة ندري يقينا أنه عليه الصلاة والسلام إنما عني بذلك من استهل منهم , وبقي حكم من لم يستهل؟ فنقول لهم: أخبرونا أيوجد مولود يخرج حيا ولا يستهل؟ أم لا يوجد أصلا؟ فإن قالوا: لا يوجد أصلا كابروا العيان وأنكروا المشاهدة , فهذا موجود كثير لا يستهل إلا بعد أزيد من ساعة زمانية , وربما لم يستهل حتى يموت؟ ثم نقول لهم: فإذ لا يوجد هذا أبدا فكلامكم وكلامنا فيها عناء , وبمنزلة من تكلم فيمن يولد من الفم ونحو ذلك من المحال) [25]

وما ذكره ابن حزم من اليسير التعرف عليه الآن بما لا يدع مجالا للشك.

ميراث الحمل الميت بجناية:

اتفق الفقهاء على أن الحمل إذا ولد ميتا بغير جناية على أمه، ولم يكن هناك دليل على حياته فيما قبل , لا يكون وارثا, لأن شرط الميراث حياة الوارث، أما إذا نزل من بطن أمه بجناية عليها، فقد اختلف الفقهاء في حقه في الإرث على قولين:

القول الأول: لا يرث، وهو قول جمهور الفقهاء , لعدم وجود دليل على حياته.

القول الثاني:  يرث, وهو قول الحنفية, لأن الشارع اعتبره حيا قبل الجناية ; إذ أوجب على الجاني (الغرة) ووجوبها للجناية على الحي دون الميت , وكذلك يرث عندهم مورثه الذي مات , وهو في بطن أمه , ثم يرثه ورثته.

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني على ما ذكرنا في المسألة السابقة، لأن شرط الميراث هو ثبوت حياة الوارث عند موت المورث.

ثانيا: ميراث ابن اللعان:

اتفق الفقهاء على أن الرجل إذا لاعن امرأته , ونفى ولدها , وفرق الحاكم بينهما ; انتفى ولدها عنه , وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن , على الشروط التي ذكرناها في محلها، وفي هذه الحالة لا يرثه هو ولا أحد من عصباته , وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم , وينقطع التوارث بين الزوجين[26].

واختلف الفقهاء في ميراث الولد المنفي باللعان على قولين:

القول الأول:  أن عصبته عصبة أمه، ويروى ذلك عن علي , وابن عباس , وابن عمر. وبه قال الحسن , وابن سيرين , وجابر بن زيد , وعطاء , والشعبي , والنخعي , والحكم , وحماد , والثوري , والحسن بن صالح , ورواية عن أحمد، إلا أن عليا يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أحق ممن لا سهم له , وقدم الرد على غيره.

وقد انتصر له ابن القيم، قال:(وهذا القولُ هو الصواب)، وقال بعد عرضه لأدلة المسألة: (فهذا محضُ القياس، وموجبُ الأحاديث والآثار، وهو مذهب حَبرِ الأمة وعالِمها عبدِ الله بن مسعود، ومذهبُ إمامي أهل الأرض في زمانهما، أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعليه يَدُلُّ القرآن بألطف إِيماء وأحسنه،فإن الله سبحانه جعل عيسى مِن ذرية إبراهيم بواسطة مريم أمه، وهيَ مِن صَميم ذرية إبراهيم) [27]، ومما استدل به لذلك:

·  عن واثلة بن الأسقع، عن النبـي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تَحُوزُ المَرأَةُ ثَلاثَةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقها، ولَقِيطَها، وَوَلَدَها الذي لاَعَنَت عَلَيهِ[28]

·  عن عمرو بن شعيب، عن أبـيه، عن جده، عن النبـي - صلى الله عليه وسلم -، أنه جعل مِيرَاثَ ابن المُلاَعَنَةِ لأمه ولِورثتِهَا مِن بَعدِهَا.

·  عن مكحول، قال: جعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ميراثَ ابنِ المُلاَعَنَةِ لأُمه ولِورثتِها مِن بَعدِهَا.

·  أن النسَب في الأصل للأب، فإذا انقطع مِن جهته صار للأم، كما أن الولاء في الأصل لمعتق الأب، فإذا كان الأب رقيقاً، كان لمعتق الأم، فلو أعتق الأبُ بعد هذا، انجر الولاءُ مِن موالي الأم إِليه، ورجع إلى أصله، وهو نظيرُ ما إذا كذب الملاعن نفسه، واستلحق الولد، رجع النسبُ والتعصيب من الأم وعصبتها إليه.

·  إن خروجَ الولدِ منها أمر محقق، فلا بد في الإلحاق من أمر زائد عليه، وعلى ما كان حاصلاً مع ثبوتِ النسب من الأب.

·  أن ما ورد في حديث سهل في قصة اللعان: وفي آخره:(ثم جرت السنةُ أن يَرِثَ مِنهَا وتَرِثَ منه ما فرضَ الله لها)، فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله:(نتلقاه بالقبول والتسليم والقول بموجبه، وإن أمكن أن يكون مدرجاً من كلام ابن شهاب وهو الظاهِرُ، فإن تعصيبَ الأم لا يُسقط ما فرض الله لها من ولدها في كتابه، وغايتُها أن تكونَ كالأب حيث يجتمع له الفرض والتعصيب، فهي تأخذ فرضها ولا بُد فإن فضل شيءٌ أخذته بالتعصيب، وإلا فازت بفرضها)

القول الثاني: أن أمه عصبته , فإن لم تكن فعصبتها عصبته، وهو قول ابن مسعود، وروي نحوه عن علي , ومكحول , والشعبي ; وهو رواية عن أحمد، قال ابن القيم:(وأصح هذه الأقوال أن أمه نفسها عصبة وعصبتها من بعدها عصبة له هذا مقتضى الآثار والقياس)، ومن الأدلة على ذلك:

·  ما روي عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده , أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها، ورواه أيضا مكحول , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا.

·  عن واثلة بن الأسقع , عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تحوز المرأة ثلاثة مواريث ; عتيقها , ولقيطها , وولدها الذي لاعنت عليه)

·  عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: (كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة , لمن قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكتب إلي ; إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه , هي بمنزلة أبيه وأمه)

·      أنها قامت مقام أبيه وأمه في انتسابه إليها , فقامت مقامهما في حيازة ميراثه.

·      أن عصبات الأم أدلوا بها , فلم يرثوا معها , كأقارب الأب معه.

القول الثالث: أن المرأة ليست عصبة ابنها , ولا عصبتها عصبته، فإن كانت أمه مولاة لقوم جعل الباقي من ميراثها لمولاها , فإن لم تكن مولاة جعله لبيت المال، وهو قول زيد بن ثابت، وروي عن ابن عباس نحوه , وبه قال سعيد بن المسيب , وعروة , وسليمان بن يسار , وعمر بن عبد العزيز , والزهري , وربيعة , وأبو الزناد , ومالك , وأهل المدينة , والشافعي , وأبو حنيفة, وصاحباه , وأهل البصرة.

واستدلوا على ذلك بأن الميراث إنما ثبت بالنص , ولا نص في توريث الأم أكثر من الثلث, ولا في توريث الأخ من الأم أكثر من السدس , ولا في توريث أبي الأم وأشباهه من عصبات الأم, ولا قياس أيضا, فلا وجه لإثباته.

  الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني بناء على عدم إلحاق ابن اللعان بأبيه، وذلك فيما لم يدعه أحد، لأن تفرده بالنسبة إلى أمه يجعل لها حقين: حق الأمومة بالفرض، وحق الأبوة بالتعصيب، ولا يصح أن نكلفها بإلحاقه بها من كل جهة، ثم نحرمها من ثمرات هذا الإلحاق.


 



([1])   المغني: 6/170، وانظر: كشاف القناع: 4/406.

([2])   الرد :لغة: الرجع. يقال: رجعت بمعنى رددت. ومنه رددت عليه الوديعة ورددته إلى منزله فارتد إليه.

اصطلاحا: دفع ما فضل من فروض ذوي الفروض النسبية إليهم بقدر حقوقهم , عند عدم استحقاق الغير. فالرد لا يتحقق إلا إذا ثبت أمران: أولهما: ألا تستغرق الفروض التركة; إذ لو استغرقتها لم يبق شيء حتى يرد. ثانيهما: ألا يوجد عاصب نسبي أو سببي على الخلاف في ذلك. فلو وجد عاصب نسبي ولو كان من أصحاب الفروض , وهو الأب أو الجد أخذ الباقي تعصيبا بعد الفرض..

([3])   مسلم: 3/1253، البخاري: 1/435، ابن خزيمة: 4/61، الترمذي: 4/430.

([4])   ذكره في المحلى: 8/275..

([5])   سبق تخريجه.

([6])   المغني: 6/266.

([7])   المغني: 6/266.

([8])   مجموع الفتاوى: 31/370.

([9])   شعب الإيمان: 6/224.

([10])   وقد نص الحنفية على أنه لو خلا بها , وقال: لم  أطأها، وصدقته , فلها الميراث , وعليها العدة للوفاة , ويكمل لها الصداق;  لأن الخلوة تكفي في ثبوت هذه الأحكام، وقد سبق ذكر أدلتهم في ذلك في الفصل الخاص بأحكام المهر.

([11])   سنعرض لهذه المسألة بوجوهها المختلفة في الفصل الخاص بمن يقع عليها الطلاق.

([12])   الطرق الحكمية:262.

([13])   هذا على المشهور، ومقابله ما روي عن مالك من عدم إرثها لانتفاء التهمة لكونها طالبة للفراق، بلغة السالك:2/527..

([14])   المدونة:2/254.

([15])   البحر الرائق:4/80..

([16])   المغني: 7/270.

([17])   المبسوط: 6/192، بدائع الصنائع:3/149.

([18])   الأم:5/214.

([19])   المغني:6/115.

([20])   عن مالك في ذلك روايتان:

1. لا يجوز الخلع، وهو مروي في كتاب ابن المواز عن مالك، لأنه عاوضها بالطلاق على أمر لا تملكه، لأن الزوجة لا تملك تصيير ما لها إليه حال مرضها.

2. جواز ذلك،  رواه ابن عبد الحكم عنه; لأن مرض أحد الزوجين لا يمنع وقوع الطلاق فلم يمنع المقصود به من إزالة الملك.انظر: المنتقى:4/66.

([21])   سمي الصراخ من الصبي الاستهلال تجوزا , والأصل فيه أن الناس إذا رأوا الهلال صاحوا عند رؤيته , واجتمعوا , وأراه بعضهم بعضا , فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا , ثم سمي الصوت من الصبي المولود استهلالا ; لأنه صوت عند وجود شيء يجتمع له , ويفرح به.

([22])   البيهقي: 4/8، أبو داود: 3/128، النسائي: 4/77، ابن ماجة: 2/919.

([23])   المحلى: 8/343.

([24])   المحلى: 8/343.

([25])   المحلى: 8/345.

([26])   أما إن مات أحدهم قبل تمام اللعان من الزوجين , ورثه الآخران في قول الجمهور. وقال الشافعي رضي الله عنه: إذا أكمل الزوج لعانه لم يتوارثا. وقال مالك: إن مات الزوج بعد لعانه , فإن لاعنت المرأة لم ترث , ولم تحد , وإن لم تلاعن , ورثت , وحدت. وإن ماتت هي بعد لعان الزوج , ورثها في قول جميعهم , إلا الشافعي، المغني :6/225، وستأتي تفاصيل المسألة في محلها من الأجزاء التالية.

([27])   زاد المعاد:  5/401.

([28])   قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، الحاكم: 4/378، الترمذي: 4/429، أحمد: 3/490.