الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: أحكام العشرة الزوجية وآدابها

الناشر: دار الكتاب الحديث

الفهرس

ثالثا ـ المعاشرة الجنسية بين الزوجين

1 ـ أحكام المعاشرة الجنسية

أولا ـ الحكم الأصلي للمعاشرة الجنسية

1 ـ حكمها بالنسبة للرجل:

حكمها بالنسبة للمرأة:

تمنع المرأة عن زوجها بسبب العبادات التطوعية :

2 ـ الحد الواجب في المعاشرة :

ثانيا: العجز المرضي عن المعاشرة الجنسية وأحكامه

1  ـ مفهوم العنة وضابطها

تعريف العنين :

ضابط العنة :

ما تثبت به العنة:

مذهب الحنفية:

مذهب المالكية:

مذهب الشافعية:

مذهب الحنابلة:

مذهب الإمامية:

الترجيح:

2 ـ حكم التفريق بالعنة

حكم الفسخ فيما لو علمت بعنته قبل الزواج:

3 ـ إصلاح العيوب الجنسية وأحكامه

حكم زراعة الأعضاء التناسلية:

زرع الغدد التناسلية :

زرع أعضاء الجهاز التناسلي:

حكم نصب الأجهزة التعويضية للأعضاء التناسلية:

ترقيع غشاء البكارة:

استعمال الأدوية المقوية للغريزة الجنسية :

ثالثا: التحريم العارض للمعاشرة الجنسية

1 ـ معاشرة المرأة وهي في حال تعبد

المعاشرة حال الصوم :

المعاشرة حال الاعتكاف:

المعاشرة حال الإحرام:

 

2 ـ معاشرة المرأة في حال الحيض والنفاس

ما يجوز التمتع به من الحائض  :

عقوبة إتيان المرأة في حال الحيض:

قدر الكفارة :

وجوب الكفارة في الوطء  بعد الطهر وقبل الغسل :

وجوب الكفارة على الجاهل والناسي:

مخاطبة المرأة بالكفارة :

حكم المعاشرة الجنسية لمن طهرت قبل الاغتسال :

حكم تطهر الحائض بالتيمم بدل الماء:

المعاشرة الجنسية للمستحاضة :

   المعاشرة الجنسية للمريضة:

مستحبات المعاشرة الجنسية

أولا: الآداب السابقة للمعاشرة

تقديم النية الصالحة عند المعاشرة:

ذكر الله تعالى قبل المعاشرة:

التطهر قبل المعاشرة:

اختيار الوقت الصالح للمعاشرة:

ثانيا: آداب المعاشرة نفسها

الملاعبة:

الاستتار عند المجامعة:

التستر عن الناس :

حكم استقبال القبلة حال الجماع :

الصبر عليها إلى قضاء حاجتها:

ثالثا: الآداب التالية للمعاشرة

مراعاة النظافة بعد المعاشرة الجنسية:

عدم إفشاء أسرار المعاشرة الجنسية:

3 ـ مباحات المعاشرة الجنسية

1 ـ الهيئات الجائزة للمعاشرة الجنسية

2 ـ النظر إلى العورة  ولمسها

3 ـ الملاعبة في الفم :

4 ـ رضاعة ثدي الزوجة:

5 ـ الكلام أثناء المعاشرة:

4 ـ محرمات المعاشرة الجنسية

1 ـ إتيان المرأة في الدبر

الحكمة من تحريم المعاشرة الجنسية في الدبر:

آثار المعاشرة الجنسية الشاذة في الدبر :

2 ـ تعمد إزالة البكارة بغير جماع

3 ـ تخيل امرأة أجنبية عند المعاشرة

4 ـ النزوات الشاذة

 

ثالثا ـ المعاشرة الجنسية بين الزوجين

قد يعتبر البعض تخصيص فصل لهذا الموضوع في كتاب لفقه الزواج حشوا فارغا لا مبرر له، وقد يعتبر البعض ذلك من الثقافة الجنسية التي لا ينبغي الحديث عنها في كتب الفقه والشريعة، فإذا ما احتيج للحديث عنها اكتفي بسطر أو سطرين مما يفي بالغرض دون الحاجة لذكر التفاصيل، ونرى أن كلتا النظرتين خاطئة تتنافى مع طريقة الشرع في التعامل مع هذه الناحية وغيرها من النواحي.

أما النظرة الأولى، فسبب خطئها هو اعتبارها هذه العلاقة أمرا هامشيا لا تأثير له في الحياة الزوجية، أو أنه أمر يترك للحرية الشخصية، وهي نظرة تختلف مع الأحكام الشرعية التي تهتم بالدقيق كما تهتم بالجليل، وتراعي حاجات الناس وتجيب عن أسئلتهم الواقعية، فكثيرا ما يبحث الناس عن هذه الأمور فيقف الحياء بينهم وبين التعرف عليها، فيضطرون إلى الكبت والكتمان، أو يمارسون ما يريدون مع الشعور بالإثم وتأنيب الضمير، فلذلك كان الكلام في هذا جزءا من الكلام عن الحياة الزوجية، بل نراه لأهميته أكثر حاجة من التفاصيل التي خص بها المهر والولي وغيرهما من مسائل الزواج.

أما النظرة الثانية، وهي اعتبار هذا من الثقافة الجنسية التي تفسد أكثر مما تصلح فخطأ كبير، فالمصادر الأصلية لهذا الدين من القرآن الكريم والسنة المطهرة تحوي الكلام عن هذا، ونتعبد لله بقراءة ما يتعلق بهذه الناحية ونحن نتوجه لله بالعبادة، والمصادر المفسرة للمصادر الأصلية من كتب التفسير وشروح الحديث والفقه تتكلم عن هذه الناحية أيضا، ولا ترى أي حرج في ذلك.

فالقرآن الكريم لا ينظر إلى هذه الناحية إذا ما تعلقت بالعلاقة الزوجية أي حرج، بل إنه ينص على مراعاة هذه الحاجة، بل نجده في سياق آيات الصيام وهو عبادة محضة،  بعد قوله تعالى ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186) وهي الآية التي تصل بالعبد إلى قمة الروحانية والتقرب، يقول مباشرة: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾(البقرة:187)، وهو تعبير راق يحمل الواقعية مع الأدب، ويصف علاقة المباشرة باللباس، فيصورها تصويرا لطيفا جميلا يحتمل ما لا تحصيه المعاني.

وفي السنة كما سنرى التفاصيل الكثيرة التي تبين آداب المعاشرة الجنسية وسننها وتفصل ما ورد في القرآن الكريم من جميع ذلك، ومنها ما هو من السنن الفعلية التي تنقلها أمهات المؤمنين ويسندها عنهن سماعا نفر من رجال التابعين.

فلم يكن أمرا محرجا، أو يدعو إلى الحياء ما دام مضبوطا بالضوابط الشرعية، ولنقرأ هذا النص الذي يسأل فيه رجل امرأة عن هذا الجانب، فعن عبد الرحمن بن سابط قال: دخلت على حفصة ابنة عبد الرحمن فقلت: إني سائلك عن أمر وأنا أستحيي أن أسألك عنه، فقالت: لا تستحيي يا ابن أخي قال: عن إتيان النساء في أدبارهن قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يجبون النساء وكانت اليهود تقول إنه من جبى امرأته كان ولده أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فجبوهن، فأبت امرأة أن تطيع زوجها فقالت لزوجها: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخلت على أم سلمة فذكرت ذلك لها، فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، استحت الأنصارية أن تسأله، فخرجت، فحدثت أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ادعي الأنصارية، فدعيت فتلا عليها هذه الآية ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾(البقرة:223) صماما واحدا[1].

وفي كتب الفقه والشريعة نجد ـ أيضا ـ هذه المسائل تطرح طرحا عاديا، ولا نرى الفقيه يقطر حياء وهو يذكرها، لأنه لا يتكلم على ناحية محرمة أو مستبشعة، وقد عد الفقهاء في ذلك المسائل الكثيرة، فقد نقل في أسنى المطالب عدد المسائل في ذلك ،نقلا عن ابن سراقة في خاتمة كتابه في أحكام الوطء بقوله:(إذا قيل لك كم مسألة تتعلق بالوطء فقل نحو ألف مسألة، فإن قيل كم حكما يتعلق بالوطء فقل خمسة وثمانون حكما فإن قيل دون حكم يثبت بالوطء أو غيره فقل ثلاثون حكما، فإن قيل: كم حكما ينفرد به القبل عن الدبر فقل: عشرون حكما منها عشرة من أحكام الوطء وعشرة من غير أحكام الوطء ([2]

لكن مع ذلك فقد دخل في هذه الناحية من الفقه الإسلامي ما دخل في سائر النواحي مما لا علاقة له بالفقه، وشاعت فيه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وصار أقرب إلى ملح العلم والنكت منه إلى العلم، زيادة على أن هذه الناحية لا نجد لها من التفاصيل فيما يتعلق بفقه الزواج ما نجد في نواح أخرى أقل أهمية، فلذلك رأينا الحاجة إلى هذه الجزء، وقد قسمناه إلى أربعة مباحث:

·      الأول في الأحكام المتعلقة بهذه الناحية سواء الأصلية أو العارضة.

·      الثاني في المستحبات المرتبطة بالكيفية التي تمارس بها العملية الجنسية.

·      الثالث في المباحات المرتبطة بالكيفية التي تمارس بها العملية الجنسية.

·      الرابع في المحرمات المرتبطة بالكيفية التي تمارس بها العملية الجنسية.

ونحب أن ننبه ـ هنا ـ إلى أنا اضطررنا إلى بعض التفاصيل اضطرارا، ولولا الحاجة إلى ذكرها لما أقدمنا على ذكرها خشية أن يقع هذا في يد من لا يحسن فهمه أو من الشباب الذي لم يتزوج بعد، فيتضرر بقراءته.

وذلك لأنا نرى خطأ تعميم ما يسمى بالثقافة الجنسية، والتي هي جزء من انحرافات المجتمعات الغربية، لأن البالغ الأعزب يكون خياله في قمة نشاطه وقد يستحوذ هذا الجانب على خياله فيشده إلى التفكير في هذه الأمور، مما يوقعه في خطر الإنحراف خاصة مع وجود المؤثرات وتأخر الزواج.

ولهذا، فإن التصريح بمثل هذه الأمور لا يصح أن يكون إلاّ قبيل الزواج بفترة قصيرة جداً، وذلك حرصا على الخواطر من أي شائبة قد تؤثر في دين صاحبها.

1 ـ أحكام المعاشرة الجنسية

أولا ـ الحكم الأصلي للمعاشرة الجنسية

 

بما أن المعاشرة الجنسية لا تتم إلا بالزوج والزوجة، فإن الفقهاء تحدثوا عن حكم المعاشرة المتعلق بكليهما، فقد يكون الإباء من الرجل، فيحتاج لمعرفة الحكم المتعلق به، وقد يكون للمرأة، فتحتاج لنفس الشيء :

1 ـ حكمها بالنسبة للرجل:

اختلف الفقهاء في حكم المعاشرة الجنسية المتعلق بالرجل على قولين:

القول الأول: أن المعاشرة الجنسية واجبة على الرجل، إذا لم يكن له عذر، وقد عزاه ابن تيمية إلى الجمهور، قال:(وطؤها واجب عليه عند أكثر العلماء، وقد قيل: إنه لا يجب اكتفاء بالتباعث الطبيعي, والصواب: أنه واجب كما دل عليه الكتاب والسنة والأصول) [3]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول النبي - صلى الله عليه وسلم -  لعبد الله بن عمرو بن العاص: يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل ؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعل، صم، وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا[4]، ومثله ما روي أن سلمان الفارسي قال لأبي الدرداء إن لجسدك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، أعط كل ذي حق حقه: صم، وأفطر، وقم، ونم، وأت أهلك فأخبر أبو الدرداء بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  مثل قول سلمان) [5]، قال في تحفة الأحوذي:( وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله:( ولأهلك عليك حقا (، قال:( وائت أهلك(كما في رواية الدارقطني([6]

·  أن كعب بن سور كان جالسا عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، فجاءت امرأة، فقالت: يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائما، ويظل نهاره صائما، فاستغفر لها، وأثنى عليها، واستحيت المرأة، وقامت راجعة، فقال كعب: يا أمير المؤمنين،  هلا أعديت المرأة على زوجها ؟ فقال: وما ذاك ؟ فقال إنها جاءت تشكوه، إذا كانت حاله هذه في العبادة، متى يتفرغ لها ؟ فبعث عمر إلى زوجها، فجاء، فقال لكعب: اقض بينهما، فإنك فهمت من أمرهما ما لم أفهم. قال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة، هي رابعتهن، فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر، اذهب فأنت قاض على أهل البصرة وفي رواية، فقال عمر: نعم القاضي أنت[7]، وهذه قضية انتشرت فلم تنكر، فكانت إجماعا.

·      أنه لو لم يكن حقا، لم تستحق الزوجة فسخ النكاح لتعذره بالجب والعنة، وامتناعه بالإيلاء.

·  أنه لو لم تكن المعاشرة حقا للمرأة، لملك الزوج تخصيص إحدى زوجتيه به، وقد سبق بيان حرمة ذلك.

·  أن المعاشرة شرعت لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما، فلذلك كان من مقتضياتها دفع ضرر الشهوة عن المرأة كدفعها عن الرجل.

·  أن المعاشرة الجنسية ليست حقا للرجل وحده، وإنما هي حق لهما جميعا، ولو لم يكن لها فيه حق، لما وجب استئذانها في العزل.

القول الثاني: أنها غير واجبة على الرجل، وهو قول الشافعية، واستدلوا على ذلك بأنه حق له فلا يجب عليه، كسائر حقوقه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن وجوبها أو استحبابها متعلق بحاجة الزوجة، فإن كانت راغبة في ذلك وجبت عليه، لوجوب تحصينها عليه، ويدل على ذلك أن الأحكام الشرعية المرتبطة بهذه الناحية كالإيلاء والعنة تتعلق بمطالبة الزوجة.

ولكن رغبة الزوجة لا يشترط أن تترجم بالمطالبة اللسانية، فقد تستحي من ذلك، بل يجب على الرجل أن يلحظ هذه الرغبة من سلوكها معه، وقد لوحظ أن للتقصير في هذه الناحية أو الإفراط فيها تأثيرا كبيرا في العلاقات الزوجية، فلذلك يعالج الزوج ذلك بما تقتضيه كل حالة.

حكمها بالنسبة للمرأة:

شدَّد الشرع على المرأة أن تستجيب لرغبة زوجها إذا دعاها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:( إذا دعا الرجل زوجته إلى فراشه فأبت عليه فبات وهو عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تُصبح([8]، والفراش هنا كناية عن الجماع، ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - :( الولد للفراش [9] (أي لمن يطأ، والكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة.

وتخصيص الحديث اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا، لقوله- صلى الله عليه وسلم - :( حتى تصبح(فيه تأكيد ذلك، لأنه يحصل عادة في الليل، لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ:( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعوا امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عنها(، وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -:( ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة: العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى(، وهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار.

وفي تقييده - صلى الله عليه وسلم - وجود اللعنة بالغضب دليل على أن المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك، فلا تكون المعصية متحققة، لأنه إما أن يكون قد عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك[10].

وفي حديث آخر أمر منه - صلى الله عليه وسلم - للزوجة بسرعة الإجابة لزوجها إذا دعاها لهذه الناحية، ولو كانت منشغلة بأي شغل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور([11]، فالحاجة المرادة في الحديث كناية عن المعاشرة الجنسية، وهذا ما ذكره معظم الشراح، قال المناوي:( فلتمكنه من نفسها وجوبا فورا حيث لا عذر، وإن كانت على إيقاد التنور الذي يخبز فيه لتعجل قضاء ما عرض له، فيرتفع شغل باله ويتمخض تعلق قلبه، فالمراد بذكر التنور حثها على تمكينه، وإن كانت مشغولة بما لا بد منه([12]

وقد قيد العلماء هنا الإجابة الواردة في الحديث بما لم يترتب على تقديم حظه منها إضاعة مال أو اختلاف حال، قال ابن الملك:( هذا بشرط أن يكون الخبز للزوج لأنه دعاها في هذه الحالة، فقد رضي بإتلاف مال نفسه وتلف المال أسهل من وقوع الزوج في الزنا([13]، ونرى أن الحديث لا يقصد بالضرورة التنور بعينه، وإنما يقصد الإلحاح في سرعة الإجابة، ولو فرضت أن للزوج حاجة شديدة، فإن الواجب على الزوجة تحصين زوجها في هذه الناحية بغض النظر عن المفاسد المالية الحاصلة، فهي أقل شانا من المفسدة المترتبة على عدم إجابة الزوج، فالمال في الشرع أهون من العرض.

تمنع المرأة عن زوجها بسبب العبادات التطوعية :

اتفق الفقهاء على أنه لا يحل للزوجة أن تتذرع بالعبادات التطوعية للامتناع عن إجابة زوجها إذا طلبها[14]، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ (النساء:34)فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة، أي مداومة على طاعة زوجها، فمتى امتنعت عن إجابته إلى الفراش كانت عاصية ناشزة.

·  إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم على المرأة أن تصوم تطوعا إذا كان زوجها شاهدا إلا بإذنه فتمنع بالصوم بعض ما يجب له عليها، فكيف يكون حالها إذا طلبها فامتنعت.

·  أن طاعته إذا طلبها إلى الفراش فرض واجب عليها، وأما قيام الليل وصيام النهار فتطوع، فكيف تقدم مؤمنة النافلة على الفريضة ؟

2 ـ الحد الواجب في المعاشرة :

اختلف الفقهاء في الحد الأدنى الواجب في المعاشرة الجنسية للزوجة باعتبار الزمن[15] على الأقوال التالية:

القول الأول: وجوب المعاشرة مرة في كل طهر على الأقل، وهو قول ابن حزم، يقول في المحلى:(فرض على الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته، وأدنى ذلك مرة في كل طهر - إن قدر على ذلك - وإلا فهو عاص لله I ) [16]، وقال :(ويجبر على ذلك من أبى بالأدب، لأنه أتى منكرا من العمل)، واستدل على ذلك بما يلي:

·  قول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾(البقرة:222)

·  عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: إنا لنسير مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -  بالرف من جمدان إذ عرضت له امرأة من خزاعة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين إني امرأة أحب ما تحب النساء من الولد، وغيره، ولي زوج شيخ، ووالله ما برحنا حتى نظرنا إليه يهوي شيخ كبير، فقال لعمر:( يا أمير المؤمنين إني لمحسن إليها وما آلوها ؟ فقال له عمر: أتقيم لها طهرها؟ فقال: نعم، فقال لها عمر: انطلقي مع زوجك، والله إن فيه لما يجزي، أو قال: يغني المرأة المسلمة.

القول الثاني: التفريق بين وجوبه ديانة ووجوبه قضاء، وهو قول الحنفية[17]، على التفصيل التالي :

·  وجوبه ديانة: ليس له مدة محددة، وإنما للزوج أن يطالبها بالوطء متى شاء إلا عند اعتراض أسباب مانعة من الوطء كالحيض والنفاس والظهار والإحرام وغيرها، وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء، لأن حله لها حقها كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب على الزوج.

·  وجوبه قضاء[18]: يجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه، وبين الله تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح، فلا يجب عليه في الحكم عند بعض الحنفية، وعند بعضهم يجب عليه في الحكم.

القول الثالث: وجوبه عليه في كل أربعة أشهر مرة، إن لم يكن به عذر، وهو المشهور في مذهب أحمد، وهو من مفردات المذهب، وللحنابلة أقوال أخرى من المفردات أيضا، وهي أنه يرجع فيه إلى العرف، وقول آخر هو وجوب الوطء بقدر كفايتها ما لم ينهك بدنه، أو يشغله عن معيشته من غير تقدير بمدة[19].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن ذلك حق لكلا الزوجين، فيجب على الزوج ديانة مراعاة زوجته في هذه الناحية، ويجب على الزوجة كذلك إجابة زوجها لما طلبها، ولو استدعى ذلك اللجوء إلى التداوي أو استعمال كلا الطرفين ما يحتاجه من وسائل لتلبية هذه الرغبة وفق ما ذكره الفقهاء في ذلك، والذي سنوضحه في محله من هذا الفصل.

أما تحديد مدة لذلك، فإنه يفتقر إلى دليل صريح، وإنما لم تأت الأدلة الصريحة بذلك لاختلاف أحوال الناس من الحاجة وعدمها، فلذلك كان تحديد المدة راجعا للزوجين ديانة بل وقضاء،وقد ذكرنا في الأجزاء الماضية أن أكثر النواحي المرتبطة بحقوق الزوجين موكولة للمعروف، وقد سئل ابن تيمية عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها فهل عليه إثم أم لا ؟ وهل يطالب الزوج بذلك، فأجاب:(يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه أعظم من إطعامها. والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة. وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين) [20]

ثانيا: العجز المرضي عن المعاشرة الجنسية وأحكامه

 

يعبر الفقهاء غالبا عن العجز الجنسي عند الرجل عن المعاشرة الجنسية بالعنة، فلذلك سنتحدث في هذا المطلب عن أحكامها، وما يتعلق بها:

1  ـ مفهوم العنة وضابطها

تعريف العنين :

لغة: العِنِّـينُ: هو الذي لا يأْتـي النساء، ولا يريدهن بَـيِّنُ العَنَانة والعِنِّـينة والعِنـيِّنِـيَّة. وعُنِّنَ عن امرأَته إِذا حكم القاضي علـيه بذلك أَو مُنِعَ عنها بالسحر، والاسم منه العُنَّة، كأَنه اعترضه ما يَحْبِسُه عن النساء، وامرأَة عِنِّـينة كذلك، لا تريد الرجال ولا تشتهيهم، وهو فِعِّيلٌ بمعنى مفعول مثل خِرِّيج؛ قال: وسُمِّيَ عِنِّـيناً لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل الـمرأَة من عن يمينه وشماله فلا يقصده. ويقال: تَعَنَّنَ الرجل إِذا ترك النساء من غير أَن يكون عِنِّـيناً لثأْر يطلبه[21].

اصطلاحا: هو من لا يقدر على الجماع مطلقا، أو يصل إلى الثيب لا الأبكار , أو لا يصل إلى امرأة واحدة بعينها[22].

ضابط العنة :

نص الفقهاء على أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالعنة تشمل جميع أنواع العجز عن ممارسة العملية الجنسية سواء كان ذلك بسبب نفسي أو بمرض عضوي:

ومن الأمثلة التي ذكروها للحالة النفسية ما لو كان لرجل امرأتان فعن عن إحداهما دون الأخرى , أو كان له أربع نسوة فوطئ ثلاثا منهن ثم عن عن الرابعة، فإنه يكون عنينا بالنسبة لها، وذلك لانحباس الشهوة عن امرأة معينة بسبب نفرة أو حياء , ويقدر على غيرها لميل أو أنس، أو عجز عن البكر وقدر على الثيب , أو عجز عن القبل وقدر على الدبر.

أما المرض العضوي، فهو العجز خلقة وجبلة، وهو لا يختلف باختلاف النسوة، ككونه مقطوع الذكر إذا بقي قدر رأس الذكر فأكثر وعجز عن الجماع به، أو من كان ذكره صغيرا جدا كالزر لا يمكن الجماع به، أوالخصي مقطوع الأنثيين إذا وجدت العنة عنده.

وقد اتفق الفقهاء على أن العنة لا تثبت إلا بالشروط التالية:

عدم القدرة على تغييب الحشفة[23] في الفرج: لأن الأحكام المتعلقة بالوطء تتعلق بتغييب الحشفة، فكان الجماع الصحيح مرتبطا بها.

أن يكون عجزه عن الجماع متعلقا بالفرج: فلا يخرج عن العنة بالوطء في الدبر، لأنه ليس بمحل للوطء، فأشبه الوطء فيما دون الفرج، ولذلك لا يتعلق به الإحلال للزوج الأول، ولا الإحصان.

حلية المعاشرة الجنسية: وقد اختلف الفقهاء في اشتراط الحل في  الوطء  لثبوت العنة أو عدم ثبوتها على قولين:

القول الأول: أنه لو وطئها وطئا حراما كأن وطئها في القبل وهي حائض، أو نفساء، أو محرمة، أو صائمة، لم يخرج به عن العنة، وهو رواية عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج الأول.

·      أنه وطء محرم، أشبه الوطء في الدبر.

القول الثاني: أن الوطء الحرام يخرج به الزوج عن عيب العنة، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·      أنه وطء في محل الوطء، فخرج به عن العنة، كما لو وطئها وهي مريضة يضرها الوطء.

·  أن العنة هي العجز عن الوطء، ولا يبقى هذا العيب مع وجود الوطء، فإن العجز ضد القدرة، فلا يبقى مع وجود ضده.

·  أن ما ذكروه من أحكام يجوز أن تنتفي مع وجود سببها لمانع، أو لفوات شرط، أما العنة فهي في نفسها أمر حقيقي.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الوطء الحرام لا يخرج به الزوج عن العنة، بل يجب أن يكون وطئا شرعيا صحيحا، فلا ينبغي للحاكم أن يقر على معصية.

ما تثبت به العنة:

اختلفت المذاهب الفقهية في طرق التعرف على ثبوت العنة، ومن الطرق في ذلك:

مذهب الحنفية:

ذهب الحنفية إلى أن العنة تثبت بإقرار الزوج بعدم الوصول إليها , فإن اختلف الزوج والمرأة في الوصول إليها، فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه ; لأنه ينكر استحقاق حق الفرقة , والأصل السلامة في الجبلة , فإن حلف بطل حقها، وإن نكل يؤجل سنة , وإن كانت بكرا نظر إليها النساء , فإن قلن: هي بكر أجل سنة لظهور كذبه , وإن قلن: هي ثيب يحلف الزوج، فإن حلف لا حق لها، وإن نكل يؤجل سنة [24].

مذهب المالكية:

ونصوا على أن الزوجة إذا ادعت على زوجها عنة، فإن أقر بها يؤجل سنة وإن أنكرها فالقول قوله بيمينه، وصدق في نفيها سواء كانت الزوجة بكرا أو ثيبا على المشهور , وروي عن مالك أن النساء ينظرن إلى البكر , ويدين في الثيب , وقيل: لا يدين فيها[25].

مذهب الشافعية:

وقد نصوا على أنه تثبت العنة بإقرار  الزوج بها عند الحاكم كغيرها من الحقوق , أو ببينة تقام عند الحاكم على إقراره , وكذا تثبت العنة بيمينها المردودة بعد إنكاره العنة ونكوله عن اليمين في الأصح , وإنما جاز لها الحلف لأنها تعرف ذلك بالقرائن والممارسة , ومقابل الأصح أنه لا يرد اليمين عليها ويقضي بنكوله[26].

مذهب الحنابلة:

وقد نصوا على أنه تثبت العنة بالإقرار بها أو بالبينة على إقراره , فإن لم يوجد إقرار ولا بينة عليه وادعت الزوجة عجز زوجها لعنة فأنكر , والمرأة عذار فالقول قولها , وإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه في ظاهر المذهب , لأن هذا أمر لا يعلم إلا من جهته , والأصل السلامة، وإن أقر بالعجز أو ثبت ببينة على إقراره أو أنكر وطلبت يمينه فنكل ثبت عجزه[27].

مذهب الإمامية:

وقد نصوا على أنه لا يثبت العنن , إلا بإقرار الزوج , أو البينة بإقراره , أو نكوله، ولو لم يكن ذلك , وادعت عننه فأنكر , فالقول قوله مع يمينه، وقيل: يقام في الماء البارد , فإن تقلص حكم بقوله , وإن بقي مسترخيا حكم لها , وليس بشيء , ولو ثبت العنن , ثم ادعى الوطء , فالقول قوله مع يمينه وقيل: إن ادعى الوطء قبلا , وكانت بكرا , نظر إليها النساء فإن كانت ثيبا , حشي قبلها خلوقا , فإن ظهر على العضو صدق , وهو شاذ. ولو ادعى أنه وطئ غيرها, أو وطئها دبرا , كان القول قوله مع يمينه , ويحكم عليه إن نكل وقيل: بل يرد اليمين عليها , وهو مبني على القضاء بالنكول[28].

الترجيح:

نرى أن جميع المذاهب الفقهية راعت أمرين:

·  حق الزوج في عدم التفريق بينه وبين زوجته، وذلك بسد الذريعة على الزوجة حتى لا تتخذ من ادعاء عجزه الجنسي وسيلة للتفريق بينها وبين زوجها.

·      استصحاب الأصل الذي هو السلامة من العنة، لأن الغالب في الرجال سلامتهم منها.

ولكن هذين الأصلين اللذين بنت عليهما هذه المذاهب آراءها في ثبوت العنة قد يضر بحق المرأة في ثبوت الخيار لها بهذا السبب، وخاصة إن كانت ثيبا، فقد تكون صادقة في دعواها، وقد يكون الرجل مخالفا لحال الرجال في هذا، وليس كلا الأمرين ببعيد.

فهل نحكم لها لو حلف الزوج على عدم عنته بالبقاء طول حياتها وهي في حالة لا ترضاها، فلا هي مزوجة ولا هي مطلقة؟

لذلك نرى أن الأسلم في هذا والأرعى لمصلحة كلا الزوجين أن لا نصدق أي واحد منهما، وأن نكل الأمر للبينة، والبينة هي التعرف على قدرته الجنسية والتثبت منها، وللقاضي وسائله في ذلك، ولعل أهمها قول أهل الاختصاص من الأطباء والمختصين النفسيين.

2 ـ حكم التفريق بالعنة

اختلف الفقهاء فيما لو كان الرجل عنينا، هل هو عيب به , ويستحق به فسخ النكاح، بعد أن تضرب له مدة يختبر فيها , ويعلم حاله بها أم لا على قولين:

القول الأول: لا يثبت الفسخ بالعنة, وهي امرأته، وهو قول الحكم بن عيينة , وداود، وقد استدلوا على ذلك بما روي عن عائشة، رضي الله عنها، قالت جاءت امرأة رفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -  فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن ابن الزبير، وإن ما معه مثل هدبة الثوب[29]، فتبسم رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - فقال:(أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك([30]ووجه الدليل أنه لم يضرب له مدة للتفريق.

القول الثاني: هو عيب يستحق به فسخ النكاح , بعد أن تضرب له مدة يختبر فيها، وهو قول عمر , وعثمان , وابن مسعود , والمغيرة بن شعبة , w، وبه قال سعيد بن المسيب , وعطاء , وعمرو بن دينار , والنخعي , وقتادة , وحماد بن أبي سليمان، ومالك , وأبو حنيفة وأصحابه والثوري , والأوزاعي والشافعي , وإسحاق , وأبو عبيد، وقد استدلوا على ذلك بإثبات خطأ الاستدلال بالحديث الصحيح السابق وذلك بذكر رواياته المختلفة والموضحة للمقصود منه، وثانيا ببيان وجه فهم السلف الصالح - رضي الله عنهم -  لذلك، وفيما يلي تفصيل لهذين الدليلين:

أولا ـ أن الخبر الذي أورده المخالفون لا حجة لهم فيه للوجوه التالية:

الوجه الأول: ما روي أن الرجل أنكر ذلك , فإنه لما سمع زوجها، جاء ومعه ابنان له من غيرها، فقالت: والله مالي إليه من ذنب الا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت والله يا رسول الله إني لانفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد رفاعة.

وفي قصة أخرى ما يفسر هذا فعن عبيد الله بن العباس أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبي  - صلى الله عليه وسلم - تشكو من زوجها أنه لا يصل إليها فلم يلبث أن جاء فقال انها كاذبة ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول فقال:( ليس ذلك لها حتى تذوق عسيلته(

الوجه الثاني: أنها ذكرت ضعفه , وشبهته بهدبة الثوب مبالغة , ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  ) حتى تذوقي عسيلته (والعاجز عن الوطء لا يحصل منه ذلك.

الوجه الثالث: أن الرجل طلقها حين اعترض عنها، فكيف يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما بعد طلاقه لها، قال ابن عبد البر:(وقد شبه به على قوم منهم ابن علية وداود لما فيه من قوله)فاعترض عنها(فجاءت رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ،فذكرت زوجها وقالت: إنما معه مثل هدبة الثوب(، فظنوا أنها أتت شاكية بزوجها، فلم يسأله عن ذلك، ولا ضرب له  أجلا وخلاها معه...فخالفوا جمهور سلف المسلمين من الصحابة والتابعين في تأجيل العنين لما توهموه في حديث هذا الباب وليس فيه موضع شبهة لأن مالكا وغيره قد ذكروا طلاق عبدالرحمان بن الزبير للمرأة فكيف يضرب أجل لمن قد فارق امرأته وطلقها قبل أن يمسها([31]ثم روى في ذلك عن عائشة، رضي الله عنها، أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها، فأراد الأول أن يتزوجها فقال النبي  - صلى الله عليه وسلم - :( لا حتى تذوقي عسيلته(، قال ابن عبد البر:( فقد بان بهذا الحديث أنه طلقها قبل أن يدخل بها، وهو حديث لا مطعن لأحد في ناقليه، وكذلك حديث مالك في ذلك فيه)فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها(وإذا صحت مفارقته لها وطلاقه إياها بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث(

الوجه الرابع :أن المدة إنما تضرب له مع اعترافه, وطلب المرأة ذلك, ولم يوجد واحد منهما.

ثانيا ـ أنه قد قضى بتأجيل العنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم من الصحابة إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب مختلف فيه ذكره ابن عيينة عن هانئ بن هانئ قال: أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -  فقالت: هل لك في امرأة لا أيم ولا ذات زوج فقال: أين زوجها، فذكر الحديث وفيه فقال لها علي ابن أبي طالب: اصبري فلو شاء الله أن يبتليك بأشد من ذلك لابتلاك.

قال ابن عبد البر:( وليس هذا الإسناد مع اضطرابه مما يحتج به(ثم ذكر روايتين عن علي - رضي الله عنه -  تنفيان هذا هما قوله:( يؤجل العنين سنة فإن أصابها وإلا فهي أحق بنفسها(، وعن الضحاك بن مزاحم أن عليا أجل العنين سنة، قال ابن عبد البر:( وهذان الإسنادان إن لم يكونا مثل إسناد هانئ وعمارة لم يكونا أضعف، والأسانيد عن سائر الصحابة ثابتة من قبل الأئمة وعليها العمل وفتوى فقهاء الأمصار([32]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ثبوت الحق للزوجة في الخيار، لأن المعاشرة الجنسية ركن من أركان الحياة الزوجية، فلذلك كان للزوجة حق القبول به أو رفضه، وقد عبر الفقهاء هنا على ما يمكن تسميته بالحق الجنسي للزوجة، وهو من الحقوق المعنوية للزوجة بالإضافة إلى الحقوق التي سبق ذكرها، وقد عبر السرخسي عن هذا الحق بقوله عند بيان العلة في التفريق بين الزوجين للعنة:(  لأنه ينسد عليها باب قضاء الشهوة بنكاحه، ولا حاجة به إليها، فوجب رفع الظلم عنها، ولأن مقصودها بالعقد قد فات، لأن مقصودها أن تستعف به وتحصل به صفة الإحصان لنفسها، وفوات المقصود بالعقد أصلا يثبت للعاقد حق رفع العقد([33]

وقد كان من حكمة الشارع التأجيل، لأن هذه الحالة قد تكون مرضا مؤقتا، قد يجد الزوج علاجا لها، وقد تكون حالة نفسية تزول بمرور الأيام وتعاقب الفصول، فلذلك كان في ثبوت هذا الحق مع التأجيل رعاية كبرى لمصالح كلا الزوجين.

وقد أشار السرخسي كذلك إلى الحكمة في اختيار السلف الصالح - رضي الله عنهم -  التأجيل سنة فذكر بأن العجز قد يكون لآفة في أصل الخلقه، وقد يكون لعارض، وإنما يتبين أحدهما عن الآخر بالمدة، فلهذا يؤجل والأجل في هذا سنة كما اتفق الصحابة - رضي الله عنهم - ، قال:( وإنما قدرنا بالسنة لأن التأجيل لإبلاء العذر، والحول حسن في ذلك كما قال قائلهم: ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر، ولأن العجز عن الوصول قد يكون بعلة الرطوبة، وإنما يعالج ذلك في فصل الحر واليبوسة من   السنة، وقد يكون لغلبة الحرارة وإنما يعالج ذلك في فصل البرد، وقد يكون لغلبة اليبوسة وإنما يعالج في فصل الرطوبة، فقدرنا الأجل بحول حتى يعالج نفسه فيوافقه العلاج في فصل من فصول السنة فيبرأ، فإذا مضت السنة ولم يصل إليها علم أن الآفة في أصل الخلقة([34]

ولهذا فإن الأرجح في تحديد السنة هو ما ذكره السرخسي من السنة الشمسية[35]، وقد علل ذلك بقوله:( السنة قد فسرت بالشمسية أخذا بالاحتياط, فربما تزول العلة في الأيام التي يقع فيها التفاوت بين القمرية والشمسية([36]

حكم الفسخ فيما لو علمت بعنته قبل الزواج:

اختلف الفقهاء فيما لو أقرت المرأة , أو ثبت ببينة أنها كانت تعلم بعنته قبل الزواج، أو أنه أعلمها بعنته قبل الزواج ،هل يحق لها طلب التفريق أم لا على قولين:

القول الأول: أن المرأة إذا علمت عنة الرجل وقت العقد, هي امرأته لا تؤجل، فإن ادعى عليها العلم بعنته , فأنكرته , فالقول قولها مع يمينها ; لأن الأصل عدم العلم , وإن أقرت, أو ثبتت ببينة , ثبت نكاحها , وبطل خيارها، وهو قول أكثر العلماء، منهم ; عطاء , والثوري وابن القاسم , والحنفية والحنابلة، وهو قول الشافعي القديم، ومن الأدلة على ذلك:

·      أنها رضيت بالعيب , ودخلت في العقد عالمة به , فلم يثبت لها خيار , كما لو علمته مجبوبا.

·  أنها لو رضيت به بعد العقد أو بعد المدة , لم يكن لها الفسخ , فكذلك إذا رضيت به في العقد , كسائر العيوب.

·      أن العنة جبلة وخلقة لا تتغير ظاهرا , ولذلك ثبت لها الفسخ بعد المدة. 

القول الثاني: أنه يؤجل، وهو قول الشافعي الجديد، لأنه قد يكون عنينا في نكاح دون نكاح.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو قول الجمهور، لأن في قبولها بعد علمها عذر له، فلذلك ليس لها الحق في الفسخ الذي قد يضر الزوج ماديا بعد تكلفه المهر ونحوه، ولكن مع ذلك يثبت لها الحق في التفريق بعد التعويض عن الضرر الذي أصابه، وذلك بالخلع.

3 ـ إصلاح العيوب الجنسية وأحكامه

حكم زراعة الأعضاء التناسلية:

قرر الفقهاء المعاصرون[37] في هذه المسألة التفريق بين شيئين: زرع الغدد التناسلية، وزرع أعضاء الجهاز التناسلي، وحكمهما كما يلي:

زرع الغدد التناسلية :

وهي الخصية والمبيض، وقد اتفقوا على أن زرعهما محرم شرعاً، لأن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعها في متلق جديد.

زرع أعضاء الجهاز التناسلي:

وقد أجازوا زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية - ما عدا العورات المغلظة - لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية، وقد حددت هذه الضوابط الشرعية في القرار رقم (1) للدورة الرابعة لهذا المجمع[38] تحت عنوان :انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً، وخلاصة الضوابط المتعلقة بهذه الناحية هي:

أولا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر.

ثانيا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة وليّ المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

ثالثا: أن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال، أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.

حكم نصب الأجهزة التعويضية للأعضاء التناسلية:

إن الاكتشافات العلمية في هذه الناحية كسائر النواحي تتقدم يوما بعد يوم، وقد تم حديثا اكتشاف علاج أكيد وفعال للضعف الجنسي، وهو عبارة عن أجهزة تعويضية يتم تركيبها داخل جسم الرجل فتؤدي الوظيفة المطلوبة منها دون أن تتأثر قدرته على الإنجاب، وهذه الأجهزة تعيش مع الرجل طوال حياته دون أن تتلف، ويتم إدخالها للجسم بعملية جراحية بسيطة لا تستغرق أكثر من ساعة واحدة، ويستخدمها حالياً الكثير من الرجال في العالم.

ولا بأس قبل بيان الحكم الشرعي أن نتصور المسألة من ناحيتها العلمية، فالحكم فرع التصور، ولكي نفهم ذلك يجب أن نعرف كيف تتم عملية الانتصاب أساساً، أو بالأحرى كيف يحدث الجنس؟ وما هى القوة الجنسية للرجل؟ وما هى مقوماتها؟

الجنس هو وظيفة عامة من الوظائف التى يؤديها جسم الإنسان، ولابد لكى يؤديها على الوجه الأكمل أن تتوافر عدة عناصر منها:

·  أن تكون الخصيتان فى حالة طبيعية، من حيث التركيب، ومن حيث إفراز المنى، وهو السائل المنوى الذى يؤدى إلى حدوث الإنجاب وهرمون الخصية هو أهم الهرمونات التى تسيطر على القوة الجنسية للرجل، إن هذا الهرمون تفرزه خلايا خاصة فى الخصيتين، فإذأ قل أو أنعدم قلت بالتالى أو انعدمت القوة الجنسية، ولذلك فإن أهم عنصر من عناصر القوة الجنسية هو إفراز هذا الهرمون بطريقة طبيعية.

·  أن يحدث الانتصاب بطريقة طبيعية، وهو يحدث نتيجة تنبيهات الجهاز العصبى الذى يسيطر على النشاط الجنسى مثلما يسيطر على أى نشاط آخر بالجسم، وفى هذا الجهاز مركزان: الأول فى المخ، والثانى فى الجزء القطنى من النخاع الشوكى.

 فعندما يثار الرجل ترتسم صورة الإثارة فى المخ، فيتأثر المركز العصبى الخاص بالنشاط الجنسى فيه، ويترتب على ذلك وصول إشارات إلى أعصاب النخاع الشوكى، التى ترسل بدورها تنبيهات إلى أعصاب الأوعية الدموية الخاصة بعضو التناسل، عندئذ تفتح وتمتلىء بالدم فيحدث الانتصاب هناك إلى جانب هذه الوظائف عوامل أخرى مساعدة، وهى عوامل هامة وضرورية فى تشكيل القوة الجنسية للرجل.

ومنها نوع الغذاء الذى يتناوله الشخص، بكل ما يحتاجه من عناصر الطاقة والبناء، فالجسم السليم النشيط يؤدى كافة وظائفه بطريقة سليمة وصحية، والطعام هو الوقود اللازم للجسم كله ولإتمام تأدية الوظائف الضرورية.

ومنها العامل النفسى، وهو عامل مهم فى القوة الجنسية للرجل فلابد أن يكون هناك حب بين الزوج وزوجته، وأن يكون هذا الحب هو أساس العلاقة بينهما والمعروف والملاحظ أن المشاكل النفسية والاجتماعية تعوق أداء الرجل لدوره المنوط به وتؤثر على قدرته الجنسية.

 انطلاقا من هذا فقد نص الأطباء أن الانتصاب يتم عندما تكون لدى الإنسان رغبة في هذه الممارسة، فيعطى المخ إشارة للدم لكي يتدفق الجسم الكهفي الموجود في العضو التناسلي الذكري، وبعد ذلك تقوم الأوردة بحبس هذا الدم داخل العضو فتحدث عملية الانتصاب.

فإذا حدث أي عطل في الأعصاب الموصلة بين المخ والجهاز التناسلي أو في شرايين العضو الذكري أو في الأوردة لا تحدث عملية الانتصاب بصورة كاملة وفعالة وهو ما نطلق عليه الضعف الجنسي، فقد يعالج هذا الضعف من خلال عملية جراحية لتوسيع الشرايين أو ربط الأوردة ولكن هذه العملية صعبة جداً ولا تتعدى نسبة نجاحها40 % تقريباً، كما أن هناك نوعية معينة من الناس لا يمكن إجراء عمليات جراحية معقدة لهم مثل مرضى السكر والقلب والفشل الكلوي، وبصفة عامة كان تركيب الأجهزة التعويضية أكثر أماناً وفاعلية لمعظم مرضى الضعف الجنسي.

وهذه الأجهزة التعويضية تقوم بدور الدم الذي يتدفق داخل الجسم الكهفي للعضو الذكري، فإذا لم يتدفق بشكل كاف بسبب عطل في الشرايين أو يتسرب سريعاً بسبب عطل في الأوردة فيمكن تركيب الأجهزة التعويضية إلى الجسم الكهفي لتجعل العضو منتصباً، ويستطيع المريض بفضلها ممارسة العملية الجنسية في أي وقت.

ويوجد من هذه الأجهزة الآن نوعان، النوع الأول هو القابل للتمدد والثاني القابل للانثناء.

أما النوع الأول فيتكون من أنبوبتين ومضخة يتم تركيب الأنبوبتين في الجسم الكهفي بينما توضع المضخة داخل الكيس الذي يحمي الخصيتين وعندما يرغب الرجل يضغط على المضخة فتتمدد الأنابيب، وحينما ينتهي من الممارسة يستطيع الضغط على المضخة مرة أُخرى فتنكمش الأنابيب، وميزة هذا الجهاز هي أنه يجعل العضو الذكري يبدو كما لو كان طبيعياً.

أما النوع الثاني هو القابل للانثناء، وهو يتيح ممارسة طبيعية جدا، كما أنه أرخص كثيراً من النوع الأول وتركيبه يتم بسهولة أكثر ولكن مشكلته أنه يجعل العضو كبيراً بصفة مستمرة، ولذلك يمكن التغلب على هذا الحجم الكبير بثني القضيب إلى أسفل أو إلى أعلى وعند الممارسة تجعل وضعه أفقياً.

بعد هذا البيان للصورة الواقعية لهذه الأجهزة لا نرى حرجا في استعمالها، بل نرى وجوب ذلك في حال عروض العنة ومطالبة الزوجة بحقها في الاستمتاع، فإن الزوج مطالب في ذلك إما باستعمال هذه الأجهزة ونحوها إن ثبت جدواها، وإما بالتفريق مراعاة لحق الزوجة في هذه الناحية، ولكن إباحة ذلك أو وجوبه تتقيد بقيدين:

·  ثبوت عدم ضررها، لأن الكثير من الاكتشافات الطبية تروج كما تروج السلع الاستهلاكية دون بيان أخطارها الصحية، فلذلك يجب البحث في جدوى الجهاز وعدم مضرته قبل استعماله لقوله - صلى الله عليه وسلم - :( لا ضرر ولا ضرار) [39]

·      أن يخبر من يريد الزواج بها بذلك نفيا للغرر، لأن الأجهزة الاصطناعية لا تحل محل الخلقة الأصلية.

ترقيع غشاء البكارة:

غشاء البكارة هو غشاء موجود حول فتحة المهبل الخارجية، ويتكون من طبقتين من الجلد الرقيق بينهما نسيج رخو، غني بالأوعية الدموية، ولفتحة غشاء البكارة أشكال متعددة، فمنها المستدير والهلالي والغربالي والمنقسم طولياً وقد يكون مصمتا، أي بدون فتحة في بعض الحالات النادرة مما لا يسمح بمرور دم الطمث للخارج وتراكمه في المهبل ثمّ في الرحم[40].

ويكون هذا الغشاء في أغلب الأحيان رقيقاً، إلاّ أنه في أحيان أُخرى يكون سميكاً لدرجة الاحتياج لإجراء عملية جراحة لفضه عند الزواج، كما أنّ درجة مرونته وتمدده تختلف من فتاة لأخرى، وهناك نوع يسمى بالغشاء المطاطي المتمدد والذي يمكن معه إتمام الجماع بدون أنْ يتمزق[41].

وفي هذا النوع قد لا يحدث إلاّ ألم بسيط أثناء أوّل جماع بعد الزواج، وقد لا يحدث نزول دم إطلاقا لمرونة الغشاء وتمدده وعدم تمزقه، وقد يظنون بها أنّها ليست عذراء[42].

يصاحب فض غشاء البكارة في ليلة الزفاف بعض الألم والنزيف الذي يختلف من فتاة لأخرى، ويعتمد على حد كبير على درجة تمزق الغشاء والذي يعتمد بدوره على نوع الغشاء ومدى سمكه ومرونته، وقد يكون النزيف شديداً بحيث يستدعي إسعاف الفتاة والتدخل الجراحي بربط الشرايين النازفة وخياطة مكان التمزق لوقف النزيف.

وسبب تمزق غشاء البكارة قبل الزواج أمران:

1.       الدخول سواء كانت الفتاة راضية به أو مكرهة.

2.       وقوع حادث أدّى إلى إصابات بمنطقة الفرج، ويمكن للطبيب المتخصص معرفة تمزق غشاء البكارة عن حادث أو اغتصاب بسهولة إذ أن التمزق في هذه الحالة يكون حديثاً ومصحوباً بكدمات وإصابات أُخرى بمنطقة الفرج وما حولها[43].

ويتم حاليا وبسهوله رتق غشاء البكارة وهذا يدعو إلى التساؤل عن حكم هذه العملية، وهل هي من الخداع والتغرير المحرم، أم من العمل الإنساني الذي يمارسه الطبيب؟

وليس من السهولة الإجابة عن مثل هذا السؤال الذي تتعارض فيه المصالح والمفاسد، فتغلب في بعض نواحيه المفاسد المحضة، كرتق غشاء بكارة مرتكبة الفاحشة الراضية بارتكابها، وتغلب في بعضها المصالح، فيما لو تمزق الغشاء من غير العملية الجنسية، ويشتبه في بعضها كالإكراه على الفاحشة.

ولذلك، فإن حكم إجراء مثل هذه العملية يرتبط بسبب التمزق، والدوافع الداعية إليه، وهو في عموم أحواله أقرب إلى التغرير المحرم، والأورع في مثل هذا هو إخبار الزوج بتمزق الغشاء ليقدم أو يعرض.

استعمال الأدوية المقوية للغريزة الجنسية :

نص الفقهاء على جواز استعمال الرجل للأدوية المقوية للغريزة الجنسية إن كان متزوجا، وقصد من ذلك إعفاف زوجته، قال القرطبي:( ثم عليه أن يتوخى أوقات حاجتها إلى الرجل فيعفها ويغنيها عن التطلع إلى غيره، وإن رأى الرجل من نفسه عجزا عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدوية التي تزيد في باهه، وتقوي شهوته حتى يعفها([44]

ولكن يشترط لاستعمال ذلك وغيره شرطان:

1.       ثبوت الحاجة إلى استعمال هذه الأدوية والمنشطات، فإن لم تكن هناك حاجة داعية كان إسرافا زيادة على الضرر الذي قد يصيب جسمه لذلك.

2.       ثبوت عدم خطر ذلك على صحته، وهو شرط أساسي، ولا يكفي في ذلك أن يجربه غيره، فقد تكون مناعة غيره ومقاومته للأمراض أكثر منه، وقد تكون به من الأمراض ما يتعارض مع استعمال تلك الأدوية، فلذلك لا يجوز استعمال هذه الأدوية إلا بعد استشارة الطبيب الخبير.

وفي مقابل ذلك نص الفقهاء على جواز استعمال الأدوية للحد من الشهوة لمن ليست له القدرة على الزواج، ونرى أنه يلحق بذلك من كانت له زوجة لا تسمح حالتها الصحية بمعاشرتها في أوقات معينة، وقد استدل العلماء لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - :( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج. فإنه أغض للبصر , وأحصن للفرج , ومن لم يستطع فعليه بالصوم , فإنه له وجاء ([45]

فقد استدل به الخطابي على جواز التداوي لقطع الشهوة بالأدوية , وقد تعقب على ذلك بأنه يحمل على دواء يسكن الشهوة , ولا يقطعها بالأصالة لأنه قد يقوى على وجدان مؤن النكاح، بل قد وعد الله من يستعف أن يغنيه من فضله لأنه جعل الإغناء غاية للاستعفاف , ولأنهم اتفقوا على منع الجب والإخصاء فيلحق بذلك ما في معناه[46].

فلذلك لا يجوز استعمال الأدوية القاطعة للشهوة كليا، قال في طرح التثريب:(لا يلزم من الإرشاد للصوم لكسر الشهوة الإرشاد لاستعمال ما يقطعها فإنه قد تحصل السعة ; لأن المال غاد ورائح فيجد شهوته ويتمكن من تحصيل مقاصد النكاح الدينية والدنيوية , وإذا استعمل ما يقطعها فات ذلك , وقد قال أصحابنا: إنه لا يكسرها بالكافور ونحوه فما ذكره ليس هو المنقول ولا يصح استنباطه من الحديث([47]

وقال البغوي:( يكره أن يحتال لقطع شهوته ونقله في المطلب عن الأصحاب وقيل يحرم وجزم به في الأنوار والأولى حمل الأول على ما إذا لم يغلب على ظنه قطع الشهوة بالكلية بل يفترها في الحال ولو أراد إعادتها باستعمال ضد تلك الأدوية لأمكنه ذلك والثاني على القطع لها مطلقا([48]

ثالثا: التحريم العارض للمعاشرة الجنسية

التحريم العارض للمعاشرة الجنسية لا يخلو من حالتين، هما :

1.       أن يكون الزوجة أو الزوجة في حالة تعبد مخصوص، لتنافي المعاشرة الجنسية مع ما تقتضيه العبادة من توجه وخشوع لله تعالى.

2.       أن تكون المرأة في حالة لا تسمح لها بالمعاشرة، وهي أن تكون حائضا أو نفساء، للأخطار الصحية والنفسية الناجمة عن المعاشرة في هذه الحالة.

وسنتحدث عن كلتا الحالتين في هذا المطلب:

1 ـ معاشرة المرأة وهي في حال تعبد

الأصل في العبادة الشعائرية هو التوجه المطلق لله تعالى بحيث ينشغل المتعبد بالله عن أي شاغل آخر، فلذلك كانت حالة العبادة منافية لهذه الممارسة الجنسية.

وقد خصت النصوص القرآنية هذه الناحية بالذكر، بل فرضت في بعضها العقوبات والكفارات، لأن الذي لم يتمالك نفسه وهو في حالة تعبد لله يحتاج إلى نوع من الترويض يعيد لنفسه استقامتها.

وقد خصت النصوص، وخص الفقهاء تبعا لها حال العبادة بثلاث عبادات هي الصوم والحج والاعتكاف، وإنما خصت لطولها الزمني نسبيا بخلاف الصلاة، فإنها لقصرها لم تذكر، ومع ذلك يحرم أن يأتي الرجل أهله، وهي في الصلاة.

وقد اقتصرنا من أحكام هذه المسائل الثلاث بذكر حالتي العمد والنسيان لعلاقتهما بالموضوع دون التفاصيل التي نجد محلها في الجانب التعبدي من الفقه الإسلامي:

المعاشرة حال الصوم :

اتفق الفقهاء على أن المعاشرة الجنسية في نهار رمضان مع العمد والذكر حرام، وأنه يفسد الصوم , وعلى فاعل ذلك القضاء والكفارة , سواء أنزل أم لم ينزل , لقوله تعالى:﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾(البقرة:187) والرفث[49] هنا الجماع.

ومثل الجماع في الحرمة وإفساد الصوم ووجوب القضاء الإنزال بمباشرة أو بقبلة أو بلمس ولو بدون جماع , فإن قبل أو لمس أو ضمها إليه فلم ينزل لم يفسد صومه.

وقد اختلف الفقهاء فيمن جامع ناسيا على قولين:

القول الأول: أنه لا يفسد الصوم، وهو قول الحنفية والشافعية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأكل ويشرب ناسيا:( فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ([50]،وإذا ثبت هذا في الأكل والشرب ثبت في الجماع للاستواء في الركنية.

القول الثاني: أن الناسي كالمتعمد فيفسد صومه إذا جامع ناسيا، وهو قول المالكية والحنابلة في ظاهر النص عندهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي جامع في نهار رمضان بالكفارة ولم يسأله عن كونه عمدا، ولو افترق الحال لسأل واستفصل ; ولأنه يجب التعليل بما تناوله لفظ السائل وهو الوقوع على المرأة في الصوم , ولأن الصوم عبادة يحرم الوطء فيه , فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو استواء العامد والناسي في الجماع نهار رمضان عقوبة على نسيان حق هذا الشهر، خاصة وأن النسيان لم يكن من طرف واحد، بل كان من الطرفين جميعا، ولم يكن كذلك في لحظة كشربة ماء أو لقمة طعام سرعان ما تتدارك، بل في حالة قد تحتاج إلى زمن، فلذلك كان الأشبه في هذه الحالة هو القول بوجوب الكفارة.

المعاشرة حال الاعتكاف:

اتفق الفقهاء على أن المعاشرة الجنسية حال الاعتكاف محرمة[51] ; لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾(البقرة: 87) فإن جامع متعمدا فسد اعتكافه بإجماع العلماء ; قال القرطبي:(أجمع أهل العلم على أن من جامع امرأته وهو معتكف عامدا لذلك في  فرجها أنه مفسد لاعتكافه([52]

أما المباشرة فإن قصد بها التلذذ فهي محرمة، قال ابن عبد البر:( وأجمعوا على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل (، ويفسد اعتكافه إن أنزل لعموم قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾(البقرة: 87)

فإن لم يقصد التلذذ لم تكره، لأن عائشة، رضي الله عنها، كانت ترجل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف[53]، وكانت لا محالة تمس بدنه - صلى الله عليه وسلم - بيدها، فدل بذلك على أن المباشرة غير محظورة.

واختلفوا في الجماع ناسيا على قولين:

القول الأول:  إن جامع المعتكف ليلا أو نهارا عامدا أو ناسيا بطل اعتكافه، وهو قول الجمهور; لأن ما حرم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده كالخروج من المسجد.

القول الثاني:  إن جامع ناسيا فلا يبطل اعتكافه، وهو قول الشافعية.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني لتنافي الاعتكاف مع هذه الممارسة، ولأن الأصل في الاعتكاف هو لزوم مخصوص للمسجد، ومن المستبعد جدا حصول النسيان فيه.

المعاشرة حال الإحرام:

اتفق الفقهاء على أن المعاشرة الجنسية حرام حال الإحرام، وأنها تفسد نسكه ; لأن النهي يقتضي الفساد , ووجب عليه القضاء والكفارة إن كان عامدا، ومن الأدلة على ذلك:

1.       قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ﴾(البقرة:197)

2.       عن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر عن رجل طاف بالبيت العمرة، ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -  فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وسألنا جابر بن عبد الله فقال لا يقربنها حتى يطوف بين الصفا والمروة[54]، قال النووي:( وهذا الحكم الذي قاله ابن عمر - رضي الله عنه -  هو مذهب العلماء كافة، وهو لا يتحلل الا بالطواف والسعى والحلق إلا ما حكاه القاضي عياض عن ابن عباس واسحاق بن راهويه أنه يتحلل بعد الطواف، وإن لم يسع، وهذا ضعيف مخالف للسنة([55]

واختلفوا في معاشرة المحرم ناسيا على قولين:

القول الأول:  هو كمن جامع عمدا، وهو قول الجمهور، لأن الفساد باعتبار معنى الارتفاق في الإحرام ارتفاقا مخصوصا , وهذا لا ينعدم بهذه العوارض , والحج ليس بمعنى الصوم , لأن حالات الإحرام مذكرة له كالصلاة ; ولأنه شيء لا يقدر على رده كالشعر إذا حلقه , والصيد إذا قتله , فهذه الثلاثة يستوي فيها العمد , والنسيان.

القول الثاني: لا يفسد حجه، وهو قول الشافعية; لأنه عبادة تتعلق الكفارة بإفسادها , فتختلف بالمذكورات في الحكم كالصوم.

2 ـ معاشرة المرأة في حال الحيض والنفاس

اتفق الفقهاء على حرمة وطء الحائض في الفرج لقوله تعالى: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾(البقرة:222)، أي اجتنبوا مجامعتهم، وإنما وصفه بأنه أذى ورتب الحكم عليه بالفاء إشعارا بأنه العلة، وفي قوله تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾(البقرة:222) تأكيد للحكم وبيان لغايته[56].

وقد نقل الإجماع على ذلك , واستثنى الحنابلة من به شبق لا تندفع شهوته بدون الوطء في الفرج , ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ , ولا يجد غير الحائض , بأن لا يقدر على مهر امرأة أخرى[57]، ولا نرى مثل هذا عذرا لمخالفة القرآن والإجماع لإمكانية التمتع بالحائض بما عدا الجماع.

وقد بين - صلى الله عليه وسلم - نوع الاعتزال المأمور به في الآية، وأنه مقصور على الجماع بقوله - صلى الله عليه وسلم - :( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ([58]، وفي هذا اقتصاد بين إفراط اليهود وتفريط النصارى فإنهم كانوا يجامعوهن ولا يبالون بالحيض، بخلاف اليهود الذين كانوا يعتزلونهن اعتزالا كليا، فعن أنس - رضي الله عنه -  أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -  النبي - صلى الله عليه وسلم -  فأنزل الله I: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾(البقرة:222) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( اصنعوا كل شيء إلا النكاح( فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -  فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما[59].

وقد كانت العرب عند نزول النهي تقف نفس هذه المواقف المتناقضة، فكانوا في المدينة وما والاها قد استنوا باليهود في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، وكان منهم من يتجنبون النساء في الحيض ويأتوهم في أدبارهن مدة زمن الحيض[60].

وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يبين سنته - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع نسائه في فترة الحيض، قالت عائشة، رضي الله عنها:( إن كنت لأشرب من القدح، وأنا حائض، فيضع النبي  - صلى الله عليه وسلم - فاه على المكان الذي شربت منه، وآخذ العرق فانهش منه فيضع فاه على المكان الذي نهشت منه([61]وقالت:( كان رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  يتكىء في حجري وأنا حائض، ويقرأ القرآن([62]

ما يجوز التمتع به من الحائض  :

اتفق الفقهاء على أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع، والوطء في الفرج محرم بهما، وقد اختلفوا فيما عدا ذلك على قولين:

القول الأول: لا يباح التمتع إلا بما أجمع على الترخيص فيه، وهو قول أبي حنيفة[63]، ومالك، والشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض[64].

·  عن عمر - رضي الله عنه -  قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال: فوق الإزار[65].

·  أن وفدا سألوا عمر - رضي الله عنه -   عما يحل للرجل من امرأته الحائض وعن قراءة القرآن في البيوت وعن الاغتسال من الجنابة فقال: أسحرة أنتم لقد سألتموني عما سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فقال: للرجل من امرأته ما فوق المئزر وليس له ما تحته وقراءة القرآن نور فنور بيتك ما استطعت وذكر الاغتسال من الجنابة[66].

·  أن الاستمتاع في موضع الفرج محرم عليه وإذا قرب من ذلك الموضع فلا يأمن على نفسه أن يواقع الحرام فليجتنب من ذلك بالاكتفاء بما فوق المئزر احتياطا لقوله - صلى الله عليه وسلم - :(ألا إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه) [67]

القول الثاني: أنه يباح التمتع بجميع جسدها، ماعدا الموضع المحرم، وهو قول أحمد، وروي ذلك عن عكرمة، وعطاء، والشعبي، والثوري، وإسحاق، وقد انتصر له ابن تيمية[68]، ومن الأدلة التي ساقها لذلك[69]: 

·  قول الله تعالى: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾(البقرة:222)، والمحيض إما أن يكون اسما لمكان الحيض كالقبل والمنبت فيختص التحريم بمكان الحيض وهو الفرج، أو هو الحيض وهو الدم نفسه، لقوله ﴿ أذى﴾، أو نفس خروج الدم الذي يعبر عنه بالمصدر، وقوله تعالى على هذا التقدير في المحيض يحتمل مكان الحيض، ويحتمل زمانه وحاله، فإن كان الأول فمكان المحيض هو الفرج، وإن كان المراد فاعتزلوا النساء في زمن المحيض فهذا الاعتزال يحتمل اعتزالهن مطلقا كاعتزال المحرمة والصائمة، ويحتمل اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج وهذا هو المراد بالآية لأنه قال: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾(البقرة:222) فذكر الحكم بعد الوصف بحرف الفاء، وهو يدل على أن الوصف هو العلة لا سيما وهو مناسب للحكم،  كقوله تعالى:﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(المائدة:38)، وقوله تعالى:﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ﴾(النور:2)، فإذا كان الأمر باعتزالهن من الإيذاء إضرارا أو تنجيسا، وهذا مخصوص بالفرج فيختص بمحل سببه.

·  أن الإجماع منعقد على أن اعتزال جميع بدن المرأة ليس هو المراد كما فسرته السنة المستفيضة، فانتفت الحقيقة المعنوية فتعين حمله على الحقيقة العرفية، وهو المجاز اللغوي وهو اعتزال الموضع المقصود في الغالب وهو الفرج، لأنه يكنى عن اعتزاله باعتزال المرأة كثيرا، كما يكنى عن مسه بالمس والافضاء مطلقا وبذلك فسره ابن عباس - رضي الله عنه -.

·  أن السنة فسرت هذا الاعتزال بأنه ترك الوطء في الفرج، كما في سبب نزول الآية حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( اصنعوا كل شيء إلا النكاح (وفي لفظ)إلا الجماع(والجماع عند الاطلاق هو الايلاج في الفرج، فأما في غير الفرج فليس هو كالجماع ولا نكاح، وإنما يسمى به توسعا عند التقييد.

·  أن جميع الأحكام المتعلقة بالجماع إنما تتعلق بالإيلاج لا سيما الاستمتاع في الفرج، فما فوق السرة جائز إجماعا، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد من   الحائض   شيئا ألقى على فرجها شيئا، وعن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ما يحل للرجل من امرأته الحائض، فقال: تجنب شعار الدم.

·  أنه محل حرم للأذى، فاختص التحريم بمحل الأذى كالوطء في الدبر، ولا يقال بأن هذا يخشى منه مواقعة المحظور، لأن الأذى القائم بالفرج ينفر عنه كما ينفر عن الوطء في الدبر، ولذلك أبيح له ما فوق الإزار إجماعا، ثم إنه إذا أراد ذلك ألقى على فرجها شيئا كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لئلا يصيبه الأذى، ولو روعي هذا فحرم جميع بدنها كالمحرمة والصائمة والمعتكفة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو توقف ذلك على قدرة الشخص على ضبط نفسه، فإن قدر على ذلك جاز له الاستمتاع بغير محل الأذى، وإن خاف على نفسه أخذ احتياطا بما ذهب إليه أصحاب القول الأول، فهذا مثل مسألة القبلة في رمضان، فيرخص فيها لمن يملك نفسه، ولا يرخص فيها لغيره.

عقوبة إتيان المرأة في حال الحيض:

اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة على أتى الحائض في الفرج على قولين[70]:

القول الأول: لا كفارة عليه، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :(من أتى كاهنا فصدقه بما قال، أو أتى امرأته في دبرها، أو أتى حائضا، فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -)[71]، ولم يذكر كفارة.

·  ما روي أن رجلا جاء إلى الصديق - رضي الله عنه -   وقال: إني رأيت في المنام كأني أبول دما فقال: أتصدقني قال: نعم قال: إنك تأتي امرأتك في حالة الحيض فاعترف بذلك فقال أبو بكر - رضي الله عنه -  : استغفر الله ولا تعد ولم يلزمه الكفارة[72].

·      أنه وطء نهي عنه لأجل الأذى، فأشبه الوطء في الدبر.

·  أن حديث الكفارة غير ثابت، فمداره على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وقد قيل لأحمد: في نفسك منه شيء ؟ قال: نعم لأنه من حديث فلان. أظنه قال: عبد الحميد  وقال: لو صح ذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كنا نرى عليه الكفارة[73].

القول الثاني: تجب عليه كفارة، وهو رواية عند الحنابلة وقول عند الشافعية، واستدلوا على ذلك بما روي عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: (يتصدق بدينار أو بنصف دينار) [74]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول بلزوم الكفارة للأسباب التالية:

·  من باب الاحتياط والورع، فالأحاديث المروية في الباب وإن كان ضعيفة إلا أنها محتملة القبول، ولولا احتمال قبولها ما اختلف في الأخذ بها فحول العلماء في الحديث والسنن، فسبب الاختلاف في المسألة لا يعود إلا إلى هذا، قال ابن رشد:( وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم في صحة الأحاديث الواردة في ذلك أو وهيها، فمن صح عنده شيء من هذه الأحاديث صار إلى العمل بها، ومن لم يصح عنده شيء منها وهم الجمهور عمل على الأصل الذي هو سقوط الحكم حتى يثبت بدليل([75] 

·  أن حرمة إتيان الحائض لا يقل عن حرمة الجماع نهار رمضان، وقد رتبت على التهاون في رمضان وانتهاك حرمته الكفارة، فلا عجب أن توضع الكفارة لمن أتى الحائض.

·  أن هذه العقوبة نوع من الردع للذين لا يهمهم حكم الحرمة بقدر ما يهمهم الخوف من العقوبة الدنيوية بالكفارة ونحوها. 

قدر الكفارة :

اختلف الفقهاء القائلون بوجوب الكفارة على من أتى امرأته الحائض في قدر الكفارة ومن الأقوال في المسألة[76]:

القول الأول:  أنها دينار[77]، أو نصف دينار، على سبيل التخيير، أيهما أخرج أجزأه، روي ذلك عن ابن عباس، وهو رواية عن أحمد ،لقوله - صلى الله عليه وسلم - :(يتصدق بدينار أو بنصف دينار) [78]

القول الثاني:  أن الدم إن كان أحمر فهي دينار، وإن كان أصفر، فنصف دينار. وهو قول إسحاق، ورواية عن أحمد، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :(إن كان دما أحمر فدينار، وإن كان دما أصفر فنصف دينار) [79]

القول الثالث:  إن كان في فور الدم فدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار، وهو قول  النخعي ،وهوقول للشافعية[80].

القول الرابع: يتصدق بخمسي دينار، وهو قول الأوزاعي.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن جميع الأقوال محتملة لورود الأحاديث بها، ولكن أقواها هو القول الأول لقوة حديثه، ولأن [ أو ] تفيد التخيير، ولكن هذا التخيير يختلف باختلاف الفقر والغنى لا تخيير شح وكرم.

وجوب الكفارة في الوطء  بعد الطهر وقبل الغسل :

اختلف الفقهاء القائلون بوجوب الكفارة على من أتى امرأته الحائض في وجوب الكفارة في الوطء  بعد الطهر، وقبل الغسل على الأقوال التالية:

القول الأول: لا كفارة عليه، وهو قول الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأن وجوب الكفارة بالشرع، وإنما ورد بها الخبر في الحائض، وغيرها لا يساويها، لأن الأذى المانع من وطئها قد زال بانقطاع الدم.

القول الثاني: عليه نصف دينار. ولو وطئ في حال جريان الدم، لزمه دينار، لأنه حكم تعلق بالوطء في الحيض، فثبت قبل الغسل، كالتحريم، وهو قول قتادة، والأوزاعي.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول لما سنرى من أدلة جواز إتيان الحائض بعد طهرها، وقبل اغتسالها.

وجوب الكفارة على الجاهل والناسي:

اختلف الفقهاء القائلون بوجوب الكفارة على من أتى امرأته الحائض فيمن وطئ طاهرا، فحاضت في أثناء وطئه، على قولين كلاهما مروي عند الحنابلة :

القول الأول: أنها تجب لعموم الخبر، ولأنها كفارة تجب بالوطء، أشبهت كفارة الوطء في الصوم والإحرام.

القول الثاني: لا تجب لقوله - صلى الله عليه وسلم -  :(عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان) [81]، ولأنها تجب لمحو المأثم، فلا تجب مع النسيان، ككفارة اليمين.

الترجيح:

نرى أن الأرجح هو القول الثاني لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :(عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان) [82].

مخاطبة المرأة بالكفارة :

اتفق القائلون بالكفارة على أن المرأة إن كانت مكرهة أو غير عالمة، فإنه لا كفارة عليها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)، واختلفوا في غيرها على قولين:

القول الأول: أن عليها الكفارة، وهو مروي عن أحمد، قال أحمد في امرأة غرت زوجها: إن عليه الكفارة وعليها، وذلك لأنه وطء يوجب الكفارة، فأوجبها على المرأة المطاوعة، ككفارة الوطء في الإحرام.

القول الثاني: لا تجب عليها الكفارة، لأن الشرع لم يرد بإيجابها عليها، وإنما يتلقى الوجوب من الشرع.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن حكم المرأة يختلف باختلاف تساهلها في ذلك وعدم تمنعها أو كون المعاشرة برغبتها، فإن في هذه الحالات جميعا تجب عليها الكفارة كالرجل سواء بسواء، ولا معنى للتفريق بينهما في ذلك ولا دليل عليه، لأن الأمر الواحد يعم الرجال والنساء، فإخراج النساء يحتاج إلى دليل خاص.

حكم المعاشرة الجنسية لمن طهرت قبل الاغتسال :

اختلف الفقهاء في حكم الوطء بعد الطهر وقبل الاغتسال على قولين:

القول الأول: إن انقطع الدم لأكثر الحيض، حل وطؤها، وإن انقطع لدون ذلك، لم يبح حتى تغتسل، أو تتيمم، أو يمضي عليها وقت صلاة[83]، لأن وجوب الغسل لا يمنع من الوطء بالجنابة، وهو قول الحنفية ، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1.       قراءة قوله تعالى:﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾(البقرة:222) بتخفيف الطاء، وذلك يجعل الطهر غاية للحرمة وما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

2.       أن الحيض لا يزيد على عشرة أيام، فيحكم بطهارتها لمضي العشرة انقطع الدم أو لم ينقطع.

3.       أن قوله تعالى: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾(البقرة:222) يقتضي النهي وقت قيام الحيض بهن فصار المنهي عنه وطء الحائض، ومن طهرت ليست بحائض.

4.       أن الاغتسال إنما صار غاية للحرمة لحل أداء الصلاة بعده، وأنه من أحكام الطاهرات وهذا المعنى موجود فيما إذا مضى وقت الصلاة لوجوبها في الذمة فيثبت الحكم فيه دلالة.

5.       أنها لما حل لها الصلاة ـ عند القائلين باشتراط الغسل ـ بلا اغتسال ولا تيمم عند فقد الماء والتراب النظيف فلأن يجوز الوطء أولى.

6.       أنها قرئت بالتخفيف، وهي تقتضي انقطاع الدم لا غير، فتكون قراءة التشديد محمولة على ما إذا انقطع لأقل من عشرة والتخفيف على ما إذا انقطع لعشرة توفيقا بين القراءتين.

وذهبوا إلى أن النصرانية  تحل معاشرتها بنفس الانقطاع قبيل العشرة، لأنه لا ينتظر في حقها أمارة زائدة ولا يتغير بإسلامها بعده للحكم  بخروجها من الحيض، أما لو انقطع الحيض دون عادتها فوق الثلاث فلا يقربها وإن اغتسلت حتى تمضي عادتها، لأن العود في العادة غالب وتصلي وتصوم للاحتياط.

القول الثاني: اعتبار التطهر مهما اختلف نوعه، وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد والظاهرية، يقول ابن حزم معبرا عن هذا القول: (أما وطء زوجها لها إذا رأت الطهر فلا يحل إلا بأن تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء، أو بأن تتيمم إن كانت من أهل التيمم، فإن لم تفعل، فبأن تتوضأ وضوء الصلاة أو تتيمم إن كانت من أهل التيمم، فإن لم تفعل، فبأن تغسل فرجها بالماء ولا بد)[84]، ثم قال:(أي هذه الوجوه الأربعة فعلت حل له وطؤها)، واستدل على ذلك بما يلي:

·  أن قول الله I: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾(البقرة:222) هو صفة فعلهن، وهو يصدق على كل ما ذكر، فهو يسمى في الشريعة وفي اللغة تطهرا وطهورا وطهرا، كما قال I :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا ﴾، وقد جاء النص والإجماع بأن المراد من تطهرهم هو غسل الفرج والدبر بالماء.

·  قوله - صلى الله عليه وسلم -: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) [85] يدل على أن التيمم للجنابة وللحدث طهور.

·  أن قوله  - صلى الله عليه وسلم -:(لا يقبل الله صلاة بغير طهور) [86] يعني الوضوء، فاعتبر - صلى الله عليه وسلم -، الوضوء طهورا.

·  أن من اقتصر بقوله I: ﴿ فإذا تطهرن ﴾ على غسل الرأس والجسد كله دون الوضوء ودون التيمم ودون غسل الفرج بالماء  قد قصر في حمل النص على بعض أجزائه دون بعض، وليس في ذلك دليل يدل عليه.

·  أن الله I  لو أراد بالتطهر بعض ما يقع عليه اللفظ دون بعض لما أغفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  بيان ذلك.

·  أنه لا عبرة بمن يقول بوجوب الغسل احتياطا لأن الأحوط أن لا يحرم عليه ما أحله الله تعالى من الوطء بغير يقين.

·      اعتبارهم حل المعاشرة مرتبطا بحل الصلاة منتقض بحل معاشرة المرأة حيث لا تحل لها الصلاة، وهو كونها مجنبة ومحدثة، ثم لماذا لم يقولوا بأنه :لا يحل  له وطؤها إلا بما يحل لها به الصوم، وهو يحل لها عندهم برؤية الطهر فقط.

القول الثالث: أن وطء الحائض قبل الغسل حرام، ولو انقطع دمها، وهو قول الجمهور، قال ابن المنذر: هذا كالإجماع منهم. وقال أحمد بن محمد المروذي: لا أعلم في هذا خلافا[87]، واستدلوا على ذلك بما يلي[88]:

·  قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾(البقرة:222)، يعني بالتطهر الاغتسال، كما فسره ابن عباس - رضي الله عنه -.

·  أن تطهرن هو تفعلن والتفعل وقوع الفعل ممن يضاف إليه، فهذا مقتضاه في كلام العرب وهو يمنع من حمله على انقطاع الدم، لأن ذلك ليس من فعل النساء وقولهم)تطهرت الأرض وتكسر الكوز(على سبيل التجوز والاتساع لأن ذلك ليس من فعلها وإنما معناه طهرت لما يقال طال الزرع وكثر الماء وإن لم يكن شيء من ذلك من فعلهما ولكنه يضاف إليهما مجازا واتساعا، ولا يجوز أن يصرف اللفظ عن موضوعه ومقتضاه إلى مجاز له إلا بدليل.

·  أن الله تعالى قال في الآية: ﴿ ويحب المتطهرين ﴾،  فأثنى عليهم بالتطهر، وهو يدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به، وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم.

·  أن الله I شرط لإباحة الوطء شرطين: انقطاع الدم، والاغتسال، فلا يباح إلا باجتماعهما، كاشترطه I لدفع المال لليتامى بلوغ النكاح والرشد، في قوله I : ﴿ وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم  ﴾، ومثله قوله تعالى في المطلقة ثلاثا: ﴿ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ﴾، ثم جاءت السنة باشتراط الوطء، فوقف التحليل على الأمرين جميعا، وهما انعقاد النكاح، ووقوع الوطء.

·      أنها ممنوعة من الصلاة لحدث الحيض، فلم يبح وطؤها كما لو انقطع لأقل الحيض.

·      أن حدث الحيض آكد من حدث الجنابة، فلا يصح قياسه عليه.

·  أنه إذا حملنا اللفظ على الطهارة بالماء كنا قد حفظنا الآية من التخصيص والأدلة من التناقض، وإذا حملنا (تطهرن)على انقطاع الدم كنا قد خصصنا الآية وتحكمنا على معنى لفظها بما لا يقتضيه ولا يشهد له فرق فيه، وتناقضنا في الأدلة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو عدم اعتبار الطهر المجرد عن التطهر مبيحا للمعاشرة الجنسية كما نصت على ذلك الآية، لكن ما هو نوع التطهر المبيح للمعاشرة؟ هل هو الاغتسال بمعناه التعبدي كالاغتسال للصلاة، أم يكفي فيه مجرد تطهير المحل الذي أصابه الأذى؟ والحكم في هذا يتوقف على الإجابة على تساؤل آخر هو:هل تطهر الحائض مسألة تعبدية أم مرتبطة بالأذى؟

نرى أن الأكمل في هذا والأورع هو الغسل كما قال جمهور العلماء، ولكن مع ذلك يجوز للحاجة أن تكتفي المرأة بغسل محل الأذى لأنه هو المقصود في المعاشرة الجنسية، أما سائر جسمها فطهارته تتعلق بالعبادة المحضة التي هي الصلاة ونحوها لا المعاشرة.

ويدل على هذا أن لفظ التطهر في القرآن الكريم لا يراد به الغسل فقط، بل لم يرد للدلالة على الغسل إلا في موضع واحد هو قوله تعالى :﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾

بينما ورد للدلالة على إزالة الأذى في مواضع كثيرة، لعل أصرحها وأقربها لما نحن فيه ـ كما جاءت في ذلك الروايات الكثيرة في سبب النزول ـ هو قوله تعالى :﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين﴾َ(التوبة:108)فهذه الآية تتناسق تماما مع قوله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾(البقرة:222)

ومن الروايات الواردة في سبب نزول الآية ما يشير إلى نوع التطهر[89]، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾، قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية([90]

وعن عويم بن ساعدة الأنصاري أنه حدثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في مسجد قباء فقال: إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهارون به، فقالوا:( والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا([91]

حكم تطهر الحائض بالتيمم بدل الماء:

اختلف الفقهاء القائلون بوجوب التطهر في صحة التطهر بالتيمم إذا لم تجد التي انقطع دم حيضتها الماء على الأقوال التالية:

القول الأول: لا يجوز وطؤها بطهر التيمم، وهو المشهور من مذهب مالك، واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  قوله I: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ ﴾ (البقرة:222)والتيمم ليس تطهرا.

·      من القياس أن الوطء يتقدمه معنى يبطل التيمم وهو المباشرة فلم يجز بعده الوطء كما لو رأى الماء.

القول الثاني: يجوز وطؤها بالتيمم، وهو قول الشافعي وقول عند المالكية[92]، وقال أبو حنيفة إن صلت بالتيمم جاز وطؤها وإن لم تصل لم يجز وطؤها.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من وجوب تطهير المحل، ولا بأس بعد ذلك من التيمم إن كانت المرأة من أهل التيميم لاحتمال علاقة هذه الناحية بالجانب التعبدي المحض.

المعاشرة الجنسية للمستحاضة :

اختلف الفقهاء في  حكم معاشرة المستحاضة[93] على قولين:

القول الأول: حرمة المعاشرة إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور، وهو مذهب ابن سيرين، والشعبي، والنخعي، والحاكم، ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي[94]:

·      عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها[95].

·  أن الله I منع وطء الحائض معللا ذلك بالأذى بقوله I: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾(البقرة:222)، فأمر I باعتزالهن عقيب الأذى مذكورا بفاء التعقيب.

·  أن الحكم إذا ذكر مع وصف يقتضيه ويصلح له صلح التعليل به، كقوله I : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾(المائدة:38)، والأذى يصلح أن يكون علة، فلذلك يصح أن يعلل به، وهو موجود في المستحاضة، فيثبت التحريم في حقها.

القول الثاني: إباحة وطئها مطلقا، من غير شرط، وهو قول الجمهور، قال ابن عبد البر:( وممن روي عنه إجازة وطء المستحاضة عبدالله بن عباس وابن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعطاء وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وكان أحمد بن حنبل يقول أحب إلي ألا يطأها ([96]واستدلوا على ذلك بما يلي:

·  عن حمنة بنت جحش، أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها، وقال: كانت أم حبيبة تستحاض، وكان زوجها يغشاها[97].

·  عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش، وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين، فشكت ذلك للنبي  - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي  - صلى الله عليه وسلم - :( إن هذه ليست بالحيضة إنما هو عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي(قالت عائشة، رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة ثم تصلي وكانت تقعد في مركن لأختها زينب بنت جحش حتى إن حمرة الدم لتعلو الماء[98].

·  أن حمنة كانت تحت طلحة، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف وقد سألتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  عن أحكام المستحاضة، فلو كان حراما لبينه لهما.

·      قال ابن عباس - رضي الله عنه -:( المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها(

·      أنه إذا جازت الصلاة للمستحاضة، فجواز الوطء أولى لأن أمر الصلاة أعظم من أمر الجماع.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو كونها من المسائل الطبية التي يتوقف الحكم فيها على قول الأطباء، وذلك قد يختلف باختلاف الأحوال، ولهذا لم يرد دليل قطعي في المسألة، وكل ما قيل فيها مما ذكرناه اجتهادات محضة، وقد قال الشوكاني عن رأي الجمهور:( وفي احتجاجهم بروايتي عكرمة نظر لأن غايتهما أنه فعل صحابي ولم ينقل فيه التقرير من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الإذن له بذلك، ولكنه ينبغي التعويل في الاستدلال على أن التحريم إنما يثبت بدليل ولم يرد في ذلك شرع يقتضي المنع منه([99]

فالدليل كما ذكر ابن حزم هنا هو عدم الدليل، وعدم الدليل يدل على اختلاف المسألة بحسب الأحوال، فقد يصيب المرأة الضرر بمعاشرة زوجها لها وهي في هذه الحالة، وقد يتضرر الرجل بما يصيبه من أذى، وقد تتخذ بعض الإجراءات التي تحول دون وقوع الضرر لكليهما، فلذلك كان المفتي في هذه المسائل هو الطبيب الخبير الثقة كما في كثير من مسائل الحيض والنفاس، فهي مسائل طبية شرعية، فلا يصح أن يستأثر بها أحدهما دون الآخر.

المعاشرة الجنسية للمريضة:

ومن المواضع التي تحرم فيها المعاشرة الجنسية حرمة عرضية مرض الزوجة الذي يمنعها من ممارسة هذه العملية.

ولعل أقرب الأمثلة إلى هذا النوع معاشرة الحامل[100] التي تتأذى من ذلك، فقد أجمعت الدراسات على أن هناك بعض الحالات التي يكون فيها الاتصال الجنسي مضرا لصحة المرأة وجنينها، ومن هذه الحالات[101]:

·  عندما تكون المرأة قد عانت مسبقا من إجهاض متكرر أو ولادة مبكّرة أووجود المشيمة (البلاسنتا) في غير وضعها الطبيعي.

·      ظهور نزيف أثناء الحمل، وظهور ماء الولادة.

·  إذا كان الزوج مصابا بأمراض جنسية معدية مثل الهربس والكلاميديا الأمر الذي قد تنتقل فيه هذه الأمراض للزوجة وبالتالي للجنين مسببا أمراض خطيرة.

زيادة على ذلك، فإن الاتصال الجنسي بين الزوجين أثناء الحمل يختلف باختلاف أشهر الحمل: ففي الأشهر الثلاثة الأولى تعاني المرأة الحامل عادة من أعراض مثل الغثيان والقيء والتعب وعدم الرغبة في الطعام الأمر الذي لا يظهر الرغبة الجنسية لديها فعلى الزوج أن يكون مقدّرا ومتفهما لحالة زوجته.

ومع بداية الشهر الرابع تكون الأعراض السابقة قد انتهت ويكون مهبل المرأة اكثر احتقانا وهو ما يزيد الرغبة الجنسية لديها، ويكون الاتصال الجنسي أكثر سهولة وتصل المرأة عادة إلى نشوة الجماع. لذلك تعتبر الأشهر من الرابع حتى السادس من انسب الشهور للاتصال الجنسي بين الزوجين.

وانقسمت الدراسات العلمية حول صحّية الاتصال الجنسي بين الزوجين أثناء الحمل في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فمنهم من يقول بعدم صحية الاتصال الجنسي، ومنهم وهم الأكثر قبولا يقول بصحّية الاتصال الجنسي حتى الأيام الأخيرة من الحمل إلا انه ينصح ببعض الوسائل التي من شانها أن تمنع ظهور أي مضاعفات، ومنها:

·  اختيار الوضع الجانبي أو الخلفي للجماع بدلا من الوضع البطني وهذا سوف يساعد على تجنب الضغط على بطن الحامل.

·      يفضل عدم إيصال المرأة إلى نشوة الجماع لما يسببه من انقباض في عضلات الرحم.

·  يجب أن يكون الزوج لطيفا أثناء الاتصال الجنسي، حيث إن التعمّق الكثير للعضو الذكري قد يكون مضرا للحامل.

·  استعمال الزوج للعازل المطاطي والذي يساعد في الإقلال من حدوث العدوى وعدم نزول المني في المهبل، حيث ذكرت بعض الدراسات علاقة المني بالولادة المبكرة في الأشهر الأخيرة من الحمل.

وقد ذكروا لذلك وضعيات خاصة بالحمل، لا بأس من إيرادها هنا، وقد رتبوها بحسب مناسبتها للمرأة الحامل كما يلي:

·  الوضعية الخلفية الجانبية؛ أي باستلقاء الزوجين على جانبيهما غير متقابلين، ولكن يأتي الرجل زوجته من الخلف، ويتم الإدخال من الخلف للأمام أي للمهبل، وهي ليست وضعية صعبة، لكن تتطلب فقط مساعدة المرأة لزوجها ليتمكن من الإيلاج.

·  الوضعية الخلفية الاستلقائية بحيث تستلقي المرأة على بطنها، لكن ترفعه عن الفراش ليتمكن الزوج من الإدخال؛ وكي لا يحصل ضغط على الجنين.

·  الوضعية الخلفية العمودية بحيث تجثو المرأة على ركبتيها، ونصفها الأعلى موازٍ للفراش وعمودي على الساقين، ويداها عموديتان على الفراش، وكفاها مستندتان إليه، بينما يكون الرجل جاثيا أي جالسا بشكل قائم على ركبتيه، ويتم الإدخال من الخلف للأمام.

·  الوضعية الأمامية العمودية بحيث تكون المرأة مستلقية على ظهرها فقط بينما نصفها الأسفل مرتفع، ويشكل زاوية قائمة أو منفرجة قليلا مع نصفها الأعلى، ويجلس الرجل جاثيا، وقد تكون هذه الوضعية صعبة على الحامل إذا لم تكن معتادة عليها.

مستحبات المعاشرة الجنسية

 

وهي السنن والخلال الطيبة التي تحول هذه العملية إلى عبادة لله تعالى، وذلك بالاستنان فيها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، المحققة للمقاصد الشرعية، فهي تخرج هذه العملية عن معناها البهيمي إلى معناها الإنساني الراقي، بل إلى معان روحية تعبدية، وسنرى معاني ذلك وأدلته في هذا المطلب، وقد قسمنا الآداب بحسب علاقتها بالممارسة الجنسية إلى ثلاثة أنواع هي:

أولا: الآداب السابقة للمعاشرة

وهي الآداب التي تسبق العملية الجنسية، وتستمر معها في نفس الوقت، وترجع إلى ملاحظة المعاني التعبدية التي ترتقي بالعملية عن السلوك البهيمي، ومن هذه الآداب:

تقديم النية الصالحة عند المعاشرة:

إن حياة المؤمن كلها تتحول بالنية الصالحة إلى محراب لعبادة ربه تعالى حتى قضاء شهوته يتحول إلى عبادة بهذه النية الصالحة، فلهذا يبحث المؤمن عن النية الصالحة في كل عمل يعمله، بل يستكثر من النيات، وقد روي في أن رجلاً مرَّ بكثبان من رمل في مجاعة فقال في نفسه: لو كان هذا الرمل طعاماً لقسمته بـين الناس، فأوحى الله تعالى إلى نبـيهم أن قل له إن الله تعالى قد قبل صدقتك، وقد شكر حسن نيتك وأعطاك ثواب ما لو كان طعاماً فتصدّقت به.

فلذلك يستكثر المؤمن ما أطاق من النيات في كل عمل يعمله، وهذا يحتاج إلى التعرف على المقاصد الصحيحة للأعمال، وقد ذكر ابن القيم مقاصد المعاشرة الجنسية بقوله:( فإن الجماع وضع بالأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية أحدها: حفظ النسل ودوام النوع الإنساني إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم الثاني: إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن الثالث: قضاء الوطر ونيل اللذة والتمتع بالنعمة، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة إذ لا تناسل هناك ولا احتقان يستفرغه الإنزال([102]

ومن النيات الصالحة، التي ذكرها العلماء، للمؤمن عند معاشرته لزوجته أن ينوي عند الجماع أن يكون بينهما ولد يكثر به أمة الإسلام , ويكون من العلماء الصالحين , وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -  :( إني لأتزوج النساء , وما لي إليهن حاجة , وأطأهن وما لي إليهن شهوة قيل له: ولم ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال: رجاء أن يخرج الله من ظهري من يكاثر به محمد - صلى الله عليه وسلم - الأمم يوم القيامة (

وينبغي له إذا نوى في هذه النية أن يكل ذلك إلى مشيئة ربه تعالى , وأن يفتقر إليه فيه ويتبرأ من مشيئة نفسه، وأن يكون إذ ذاك متواضعا متذللا، وقد جاء في الحديث الصحيح عن نبي الله سليمان u أنه قال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له الملك: قل: إن شاء الله فلم يقل: إن شاء الله ،فطاف عليهن  جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون ([103]

ومن النيات الصالحة في ذلك أن ينوي به غض البصر والعفة عن الحرام وتحصيل ذلك لزوجته، فينفع نفسه في دنياه وأخراه وينفع المرأة، وهي نيات معتبرة شرعا، فقد اعتبر - صلى الله عليه وسلم - من أغراض الزواج غض البصر وحفظ الفرج،فقال:( يا معشر الشباب من استطاع منك الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء([104]ولما تزوج جابر ثيبا قال له:( هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك([105]، وفي ذلك دليل على أن هذه ناحية معتبرة شرعا كما ذكرنا ذلك عند بيان المقاصد الشرعية من الزواج.

ومن النيات الصالحة في ذلك أن ينوي تحصيل الأجر الذي وعد به - صلى الله عليه وسلم - في قوله:( وفي بضع أحدكم صدقة(، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال:(أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [106]

ومن النيات الصالحة في ذلك أن ينوي المحافظة على صحته بممارسة هذه العملية في إطارها الشرعي، وقد أشار العلماء إلى مضار احتقان المني في الجسد، والفوائد الصحية من إخراجه، قال ابن القيم :(وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد اسباب حفظ الصحة، قال جالينوس: الغالب على جوهر  المني   النار والهواء ومزاجه حار رطب، لأن كونه من الدم الصافي الذي تغتذي به الأعضاء الأصلية، وإذا ثبت فضل  المني فاعلم أنه لا ينبغي إخراجه إلا في طلب النسل أو إخراج المحتقن منه، فإنه إذا دام احتقانه أحدث أمراضا رديئة منها: الوسواس والجنون والصرع وغير ذلك، وقد يبرىء استعماله من هذه الأمراض كثيرا، فإنه إذا طال احتباسه فسد واستحال إلى كيفية سمية توجب أمراضا رديئة كما ذكرنا، ولذلك تدفعه الطبيعة بالاحتلام إذا كثر عندها من غير جماع)

ثم نقل عن بعض السلف قوله :(ينبغي للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلاثا: أن لا يدع المشي، فإن احتاج إليه يوما قدر عليه، وينبغي أن لا يدع الأكل فإن أمعاءة تضيق، وينبغي أن لا يدع الجماع، فإن البئر إذا لم تنزح ذهب ماؤها)

ونقل عن محمد بن زكريا قوله :(من ترك الجماع مدة طويلة ضعفت قوى أعصابه، وانسدت مجاريها، وتقلص ذكره)، ثم قال :(ورأيت جماعة تركوه لنوع من التقشف فبردت أبدانهم، وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم كآبة بلا سبب، وقلت شهواتهم وهضمهم) [107]

وقد ذكر المعاصرون بالإضافة إلى ما ذكره ابن القيم الكثير من الفوائد الصحية لا بأس من إيراد ما أمكن منها هنا:

·  أنها تشفى من خلالها أمراض متنوعة، منها الصداع والأمراض النفسية، ويزول الضيق والهم من النفوس وتخفف الكلسترول في الدم وتحرق السعرات الحرارية الزائدة وتقوي جهاز المناعة.

·  يزداد هرمون أندروفين في الدم، وبالتالي تزيد السعادة لدى الإنسان، ويزداد لدى المرأة هرمون الاستروجين، وبالتالي تزداد جمالا وصحة، كما يفيد هذا الهرمون الشعر والجلد.

·      المعاشرة الجنسية بالمداعبة المطلوبة كالسباحة في الحوض عشرين مرة أكبر لياقة بدنية للجسم.

·  بالمعاشرة الزوجية مرة واحدة تحرق السعرات الحرارية من 200 إلى 600 سعرات حرارية (أي قيادة الدراجات الهوائية ساعة ونصف).

·      بالمعاشرة الزوجية يخفف الصداع الذي لا يخفف بواسطة الحبوب (البندول).

·      بالمعاشرة الزوجية تلين أعصاب الجسم كلها.

·      بالمعاشرة الزوجية تخفف أخطار الجسم وتحصل الراحة التامة.

·  لعدم المعاشرة الزوجية يصيب الإنسان بالمرض وضيق الصدر ويحول الأمراض النفسية إلى أمراض عضوية.

·      المعاشرة الزوجية تقوي جهاز المناعة فتخفف أمراض الحمي والأنفلونزا وغيرها.

ذكر الله تعالى قبل المعاشرة:

وهو مما يؤكد المعاني التعبدية التي أراد الشرع ربطها بهذه الممارسة كما ربط سائر المباحات، وقد قيل في قوله تعالى: ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ﴾(البقرة:223) كما قال ابن عباس وعطاء: هي التسمية عند الجماع[108]، وأصرح من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبدا) [109]

فهذا الجزاء العظيم لمن ذكر الله تعالى في تلك الحالة ولم تشغله شهوته عن ربه، وقد اختلف العلماء في ماهية الضرر المنفي عن الولد، بعد اتفاقهم على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر، وإن كان الحديث ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال لوجود النفي مع التأييد، ومن الأقوال التي ذكرها الشراح في ذلك، والتي يحتملها الحديث كما يحتمل غيرها[110]:

·  سبب ذلك ما تقدم في بدء الخلق من أن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد إلا من استثنى، فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة.

·  أنه لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم أن ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾ ويؤيده مرسل الحسن عنه - صلى الله عليه وسلم - قال:( إذا أتى الرجل أهله، فليقل: بسم الله، اللهم  بارك لنا فيما رزقتنا، ولا تجعل للشيطان نصيبا فيما رزقتنا، فكان يرجى أن حملت أن يكون ولدا صالحا([111]

·  أن المراد لم يصرعه في بدنه، أو في دينه أيضا، ولكن بعده انتفاء العصمة وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له، قال ابن الحاج:( ولا شك أن من امتثل السنة في ذلك خرج ولده كما ذكر - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل قد نجد كثيرا من أولاد المباركين يخرجون على صفة من الصفات الذميمة فالجواب: أن والده لو امتثل السنة فيما تقدم ذكره ما حصل شيء من ذلك , والقليل من الناس من يثبت لامتثال السنة في ذلك الوقت لغلبة قوة باعث النفس على تحصيل لذاتها وشهواتها([112].

·      لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية.

·  عدم مشاركة الشيطان لأبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد: أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه، قال ابن حجر:( ولعل هذا أقرب الأجوبة ([113]

التطهر قبل المعاشرة:

ويقصد بالتطهر هنا أمران:

1. طهارة الجسم جميعا، حتى لا تنبعث منه الروائح الكريهة المنفرة، والتي قد توتر العلاقة الجنسية بين الزوجين، ولهذا يستحب التعطر قبل المعاشرة، وقد ورد في هذا حديث اختلف في معناه كثيرا قد يستدل به على هذا، وهو ما روي عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:(يرحم الله أبا عبد الرحمن، كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فيطوف على نسائه، ثم يصبح محرما ينضخ طيبا) [114]

2. طهارة المحل الذي تتعلق به المعاشرة الجنسية، ولا شك في وجوب طهارته للأضرار الصحية الناتجة عن عدم الطهارة، وقد تحدث الفقهاء هنا على من بال ولم يستنج أو استنجى بحجر هل يحرم عليه الوطء أم لا، وقد اختلفوا في الإجابة على ذلك، فذهب بعضهم إلى أن الظاهر أنه يحرم عليه الوطء لما فيه من التضمخ بالنجاسة وهو حرام.

وقد سئل السبكي عن ذلك، فأجاب بأن في ذلك تفصيلا لا بد منه، وهو أنه إن استنجى  بالحجر لعدم الماء جاز له الوطء للحاجة أو مع وجود الماء لم يجز له ; إذ لا حاجة حينئذ بدليل أنه يجوز للرجل أن يتوطن بادية لا ماء بها وأن يجامع زوجته بلا كراهة , وبذلك قال أكثر العلماء، وصح أن أبا ذر - رضي الله عنه -  كان يقيم بالربذة , وهي بادية قريبة من المدينة ويفقد الماء أياما، وذلك صريح في جواز الوطء عند الاستجمار بالحجر لفاقد الماء , ويوافق ذلك ما ذكر من قول الجمهور في وطء المستحاضة بلا كراهة، وإن كان الدم يجري [115].

وفي فتاوى السبكي كذلك:(ولم أر تعرضا للمرأة المستجمرة بالحجر , وظاهر أنها كالرجل فيما ذكروا , وأن العبرة في فرجها بمجاوزة شفريها قياسا على حشفة الذكر وأن ذكر مجامعها لا يعفى عما يصيبه من رطوبة فرجها ما دامت مستجمرة بالحجر) [116]

وهذا الذي ذكره الفقهاء هو الذي دلت عليه الدراسات الاجتماعية الحديثة، فالكثير من النساء يشكين من نفرة أزواجهن من العلاقة الزوجية (ويعتقدن بأن سبب ذلك هو مشكلة جمالية، مثل كبر حجم الأنف أو صغر حجم الصدر أو بروز الكرش أو ظهور النمش والكلف وبالرغم أنهن يرغبن في العلاقة الزوجية ويستمتعن بها إلا أنهن يرتكبن أخطاء عديدة تجعل الزوج ينفر بشدة من العلاقة الزوجية) [117]، ثم ذكر من هذه الأشياء المنفرة:

عدم الاهتمام بنظافة الجسم: مما يؤدي لظهور روائح كريهة منفرة وظهور حب الشباب والدمامل بسبب الوسخ.. اتساخ في البطن والسرة وعدم الاهتمام بنظافة الأظافر أو تهذيبها وعدم الاهتمام بإزالة الشعر الزائد من الجسم والوجه والصدر والظهر.

عدم الاهتمام بالزينة: كعدم الاهتمام بتجميل الشعر وتمشيطه أو الشعر المنكوش أو القذر فقد يكون منفرا بشكله ورائحته.

إهمال الملابس المثيرة للزوج: فإهمال الزوجة للملابس الجميلة الأنيقة والمثيرة وارتدائها ملابس المطبخ قد تنفر الزوج وتدمر رغبته الجنسية، لأن الزوج يستثار بالنظر للمرأة الجميلة.

انبعاث الروائح الكريهة: سواء من الفم والأسنان بسبب إهمال النظافة أو رائحة الإفرازات المهبلية المنفرة التي قد تستلزم المراحعة الطبيبة للعلاج، أو لغزارة شعر العانة وعدم الاستحمام ورائحة العرق الرديئة.

النكد الزوجي المستمر: ومطالب الزوجة الكثيرة ساعة الجماع تجعل الزوج ينفر من الزوجة.

اختيار الوقت الصالح للمعاشرة:

وقد تحدث الفقهاء هنا على مواقيت مختلفة للمعاشرة أكثرها اجتهادات محضة، أو هي من باب مراعاة الصحة، أو هي من الأمور الغيبية التوقيفية التي لا دليل صحيح يدل عليها، أو مما شهدت به النصوص ودلت عليه الآثار.

فمن تلك الأقوال مثلا مما يتعلق بالجانب الغيبي المحض أنه يكره له الجماع في ثلاث ليال من الشهر: الأول، والآخر، والنصف، وقد ذكره الغزالي، وعلل ذلك بأن الشيطان يحضر الجماع في هذه الليالي، ويقال: إن الشياطين يجامعون فيها، وروى كراهة ذلك عن علي وأبـي هريرة - رضي الله عنهم - [118]

وذكر الإمامية أنه يكره الجماع في أوقات ثمانية هي: ليلة خسوف القمر , ويوم كسوف الشمس , وعند الزوال , وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق , وفي المحاق , وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس , وفي أول ليلة من كل شهر إلا في شهر رمضان , وفي ليلة النصف , وفي السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به , وعند هبوب الريح السوداء والصفراء , والزلزلة[119].

ومنها أنه يندب فعله ليلة الجمعة ويومها قبل الذهاب إليها، تحقيقاً لأحد التأويلين من قوله - صلى الله عليه وسلم -(رَحِمَ الله مَنْ غَسَلَ وَاغْتَسَلَ)   الحديث ويسن أن لا يتركه عند قدوم من سفر بأن يفعله في الليلة التي تعقب يوم قدومه بل في يوم القدوم إن اتفقت له خلوة[120]

ومما يتعلق بالجانب الصحي ما ذكره ابن القيم من أن أنفع أوقاته ما كان بعد انهضام الغذاء في المعدة وفى زمان معتدل لا على جوع، فإنه يضعف الحار الغريزي ولا على شبع فإنه يوجب أمراضا سددية، ولا على تعب ولا إثر حمام ولا استفراغ ولا انفعال نفساني كالغم والهم والحزن وشدة الفرح وأجود أوقاته بعد هزيع من الليل إذا صادف انهضام الطعام ثم يغتسل أو يتوضأ[121]

قال: (وأنفع الجماع ما حصل بعد الهضم، وعند اعتدال البدن وفي حره وبرده ويبوسته ورطوبته وخلائه وامتلائه وضرره عند امتلاء البدن أسهل وأقل من ضرره عند خلوه، وكذلك ضرره عند كثرة الرطوبة وأقل منه عند اليبوسة وعند حرارته اقل منه عند برودته، وإنما ينبغي أن يجامع إذا اشتدت الشهوة، وحصل الانتشار التام الذي ليس عن تكلف ولا فكر في صورة ولا نظر متتابع ولا ينبغي أن يستدعى الشهوة ويتكلفها ويحمل نفسه عليها وليبادر إليه إذا هاجت به كثرة المنى واشتد شبقه) [122]

وقد تحدث الفقهاء كذلك عن المعاشرة ليلا، وما يستحب منها، هل هو أول الليل أم آخره، وقد اتفقوا على أنه  مخير في فعل ذلك أول الليل أو آخره لكن أول الليل أولى ; لأن وقت الغسل يبقى زمنه متسعا بخلاف آخر الليل فإنه قد يضيق عليه , وقد يئول إلى تفويت الصبح  في جماعة أو إلى إخراج الصلاة عن وقتها المختار.

ومن العلل التي ذكروها بالإضافة إلى مراعاة وقت الصلاة أن آخر الليل إذا فعل ذلك فيه كان عقيب نوم , وقد يتعلق بالفم والأنف شيء من بخار المعدة مما يغير رائحة الفم أو الأنف , فإذا شمها أحدهما كان ذلك سببا لكراهة أحدهما في صاحبه , ومراد الشارع دوام الألفة والمحبة, وذلك ينافيها.

ومن المواقيت التي ذكرها الفقهاء والتي ترجع إلى مراعاة المصالح الشرعية في هذه الناحية بالإضافة إلى دلالة الآثار عليها هو مراعاة رغبة الزوجين، وذلك أولى الأقوال وأحقها، لأن القول بكراهة الجماع في أوقات معينة قد يسبب حرجا للزوجين لم يكلفهم الشارع بتحمله.

قال ابن الحاج في بيان وجوب مراعاة حاجة الزوجة:( فيعمل على أن يوفي لها ذلك إذا أرادته , وهو لا يطلع على إرادتها ; لأنها لا تطلب ذلك في الغالب , فإذا رأى منها أمارات الطلب لذلك فليرضها , وذلك مثل أن تتزين وتتعطر , وتلبس إلى غير ذلك , فالحاصل أنه يكون غرضه تابعا لغرضها فيتصف إذ ذاك بقوله - صلى الله عليه وسلم -:( المؤمن يأكل بشهوة عياله (, وقوله - صلى الله عليه وسلم -:( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه (إلى غير ذلك , وهو كثير) [123]

وقد تحدث كثير من الفقهاء هنا على مسألة أقحمت في الفقه واعتبرت كمسلمة من غير دليل يدل عليها، بل ولا حاجة تستفاد منها، وهي أيهما أشد شهوة الرجال أم النساء ؟  بل رووا في ذلك حديثا  عن أبي هريرة موقوفا ومرفوعا، لا يصح الاحتجاج به يقول:( فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من اللذة أو قال من الشهوة , لكن الله ألقى عليهن الحياء) [124]، وقد رد بعض العلماء على ذلك بقوله: لو كان هذا ما كان له أن يتزوج بأربع وينكح ما شاء من الإماء، ولا تزيد المرأة على رجل , ولها من القسم الربع، وحاشا حكمته أن تضيق على الأحوج[125].

وقال - صلى الله عليه وسلم - في مراعاة حاجة الرجل:( من رأى منكم امرأة تعجبه فليأت أهله, فإن الذي عند هذه عند هذه ([126]، وعن جابر - رضي الله عنه -  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة[127] لها، فقضى حاجته[128] ثم خرج إلى أصحابه، فقال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه) [129]، وفي رواية: (إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه)، وهذه الرواية الثانية مبينة للأولى، قال النووي:(معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء, والالتذاذ بنظرهن, وما يتعلق بهن, فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له) [130]

فالتوقيت المعتبر إذن، وهو الأصل، مراعاة حاجة الزوجين، ولا مانع بعد ذلك من اختيار وقت معين بحسب أحوال الزوجين من غير تكليف شرعي بذلك إلا ما دعت المصلحة الصحية له كما سبق ذكره من كلام ابن القيم، وفي ذلك قد يستشار أهل الاختصاص من الأطباء، فهم أولى من يفتي في هذه الأحوال.

ثانيا: آداب المعاشرة نفسها

وهي الآداب التي تتزامن مع العملية الجنسية، وترجع في مجموعها إلى ملاحظة إرواء الغريزة الجنسية، لتحقيق مقصد الإحصان لكلا الزوجين، وهي في نفس الوقت تلطف وترفع من المستوى الأخلاقي للعملية بعيدا عن السلوك البهيمي، ومن هذه الآداب:

الملاعبة:

وهي المقدمات المختلفة للجماع، والتي سنذكر بعضها عند الحديث عن مباحات المعاشرة الجنسية، فهي مباحة من حيث النوع مستحبة من حيث كونها من الملاعبة.

وقد نصت الأدلة على استحباب الملاعبة قبل الجماع، فعن النبي - صلى الله عليه وسلم -  أنه قال: (لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك، لكي لا تسبقها بالفراغ. قلت: وذلك إلي ؟ قال: نعم، إنك تقبلها، وتغمزها، وتلمزها، فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك، واقعتها[131]، وفي حديث آخر عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -  قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المواقعة قبل الملاعبة[132].

قال ابن الحاج عند ذكره لآداب المعاشرة الجنسية:( وينبغي له إذا عزم على الاجتماع بأهله أن يتحرز مما يفعله بعض العوام , وهو منهي عنه وهو أن يأتي زوجته وهي على غفلة , بل حتى يلاعبها ويمازحها بما هو مباح مثل الجسة , والقبلة , وما شاكل ذلك , حتى إذا رأى أنها قد انبعثت لما هو يريد منها , وانشرحت لذلك , وأقبلت عليه فحينئذ يأتيها) [133]، والحكمة من ذلك أن المرأة تحب من الرجل ما يحب منها , فإذا أتاها على غفلة قد يقضي هو حاجته , وتبقى هي فقد يشوش عليها ذلك , وقد لا ينصان دينها , فإذا فعل ما ذكر تيسر عليها الأمر , وانصان دينها.

وقد أكدت الدراسات العلمية ما ورد في النصوص، وما نص عليه الفقهاء، فقد ذكرت أن الرجل يهمه الإيلاج أكثر من المداعبة بينما المرأة تهمها المداعبة أكثر من الإيلاج، فالمرأة تأخذ وقتا أطول حتى تصل إلى الاثارة الجنسية والإيلاج نادر جدا أن يوصل المرأة إلى النشوة.

قال بعض المختصين عن ذلك :(اكتشفت عن طريق المقابلات الشخصية أن هناك كثيرًا من الرجال يعتقدون أن هدف الجنس عند المرأة كهدف الجنس عند الرجل، وأن شهوة المرأة الجنسية أقوى من شهوة الرجل، وأن الاستثارة الجنسية عند المرأة مثلها عند الرجل، وأن خطوات الجماع واحدة عند كلاهما وتنحصر في العملية الجنسية نفسها، وهذا كله خطأ محض وجهل بطبيعة المرأة وغريزتها الجنسية، فالرجل يُثار جنسيًا بسهولة وتتركز الإثارة عنده في الأعضاء التناسلية، ويمكنه أن يمارس الجماع بعد لحظات من التفكير فيه دون حاجة إلى مقدمات، والجماع عنده ينحصر في العملية الجنسية نفسها التي تبدأ بالانتصاب والإيلاج وتنتهي بالقذف)

أما المرأة فتختلف عن الرجل اختلافا تاما، وقد ذكر الكاتب أن الجنس والجماع عند المرأة له ثلاثة مراحل نلخصها يما يلي:

التهيئة النفسية: فهي تثار بالكلمة الحلوة وباللباقة وبالرائحة الزكية، ولهذا فالخطوة الأولى بعد التزيُّن والتطيُّب تكون بتوجيه كلمات الحب والغزل إليها، ووصف محاسنها وجمالها، فهذا ما تحبه المرأة ويثيرها وهي تحتاج إليه بسبب طبيعتها العاطفية حتى ولو كان هذا الكلام تكلفًا.

الإثارة الحسية: وذلك عن طريق الأماكن ذات الحساسية الجنسية من جسمها، وهي تتطلب من الزوج نوعًا من الرقة والحنان وهي من الأعمال الناجحة التي تريح الزوجة نفسيًا، وتؤنسها عاطفيًا، وتمتعها بدنيًا، وتحثها على الاستجابة، وتمكِّن الزوجين من إرواء عاطفي عميق... وتحتاج المرأة إلى وقت من هذه المداعبة حتى تُثار وتتهيأ تمامًا للجماع.

ومن نتائج هذه المداعبة خروج الإفرازات الملينة للمهبل لتسهيل حركة العضو فيه، وعدم خروج هذه الإفرازات - بسبب عدم حصول هذه المداعبة أو بسبب عدم رغبة المرأة في الجماع أو لأي سبب آخر - قد يجعل المرأة تشعر ببعض الألم عند الجماع وربما حدثت خدوش في المهبل.

التهدئة: وهي لا تقل أهمية عن المرحلة الأولى، وتزداد أهميتها خاصة في المرات التي يقضي الرجل فيها حاجته دون زوجته؛ فإتمامًا لسعادتها وسرورها على الرجل أن لا يفارقها عقب الانتهاء من الجماع مباشرة، أو يدير ظهره لها ويستغرق في النوم وكأن شيئًا لم يحدث بينهما، فإن ذلك يضايقها، بل عليه أن يواصل معها لبعض الوقت حديث الحب والغزل، والقبلات، والضم، والمداعبات الرقيقة، واللمسات الحانية.

فالزوج الذي يفعل ذلك بعد الفراغ من العملية الجنسية إنما يعبر تعبيرًا أكيدًا عن مدى الرابطة والحب الذي يكنه لزوجته، وفي الوقت نفسه تشعر المرأة بأنها لم تكن مجرد ملهاة جنس ومتعة لحظات للرجل.

هذه هي المراحل الثلاثة التي تحتاجها المرأة للوصول إلى الاستمتاع الكامل من الجماع، وبها يتم إشباع المرأة عاطفيًا وجنسيًا.

وقد وجد أن المحيط المهبلي يصبح أكثر قلويا كلما كانت المداعبة أطول فالمداعبة الأطول تساعد المرأة على الإخصاب أكثر، والترطيب يجعل المداعبة اليدوية التي يقوم بها الرجل للمرأة وعملية الإيلاج أسهل.

 وقد ذكر بعضهم فوائد المداعبة السابقة للعملية الجنسية، ومما ذكره من فوائد :

أن المرأة المشبعة جنسيا والتي تأخذ حقها من زوجها تبذل قصارى جهدها حتى تجعل هذه العملية متعة له أيضا.

أن الإشباع الجنسي ينعكس على باقي الأمور وكثيرا ما نجد الزوجة غير المشبعة ليها إضطرابات نفسية وعدم توافق في حياتها وحتى علاقتها مع أطفالها وفي عملها نجدها متوترة.

أن الشعور بضرورة الإشباع المتبادل يخلق نظرة إيجابية تجاه الجنس فيكون هناك حالة بحث عن الجديد من أجل إمتاع الجسد ويخلق نظرة إيجابية عامة تجاه الجنس في الحياة.

أن العملية الجنسية فيها مساواة، وليس فيها تسلط وهي لعبة فيها لمسة فن , إن الحركة والإيماءة واللفظ الجنسي فن , إن قدرة أحد الشريكين على فتح شهية الطرف الثاني للمارسة الجنسية فن وترك النفس تستمتع بتلقائية ذكية فن.

ولن نتكلم هنا عن هيئة الملاعبة، فذلك يختلف باختلاف رغبة الزوجين، ولكن  سنخص منها ناحية ورد الحث الشرعي عليها على الخصوص، وهي القبلة، فقد وردت في استحبابها النصوص الكثيرة سواء لغرض الجماع أو لغيره حتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل زوجاته وهو صائم، فعن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيقبل الصائم فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له.

وقد خصص الحكيم الترمذي أصلا من الأصول للقبلة ومعانيها الشرعية وحكمها، فقال :( القبلة على وجوه: قبلة شهوة وقبلة رحمة وقبلة حنين وقبلة اشتياق، وكلها عبادة إذا أريد بها وجه الله تعالى، وأصلها من القلب لأن الرأفة والرحمة معدنهما القلب ([134]

وتكلم عن وجه العلاقة بين الرحمة والمودة الزوجية والشهوة الجنسية، فقال:( وإذا فار القلب بالرأفة خرجت حرارته من فم القلب إلى الصدر، وفار إلى الحلق فاستعمل الشفتين بذلك، وهو تقبيلهما لتقليب القلب بالرأفة، فقبل وقلب بمعنى واحد، إلا أن في الشفتين قبل، وفي القلب قلب... إذا عرفت هذا فقبلة الشهوة للزوجة وذاك من الرحمة والمودة التي جعلت بين الزوجي، والرأفة والرحمة يهيجان الشهوة، لأنها حارة وكان رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -   يقبل عائشة ويمص لسانها وهو صائم([135]

الاستتار عند المجامعة:

وذلك بتغطية العورة بالثوب ونحوه، وقد وردت في ذلك بعض الأحاديث والآثار التي تدل بمجموعها على الكراهة التنزيهية للتجرد التام، ومن تلك الأحاديث وأشهرها قوله - صلى الله عليه وسلم -) إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد البعير([136]، وفي رواية أخرى فسر ذلك بقوله:( إذا أتى أحدكم أهله فليلق على عجزه وعجزها شيئا، ولا يتجردان تجرد العيرين[137] (

قال المناوي:( فإن فعل أحدهما ذلك كره تنزيها لا تحريما إلا إن كان هناك من ينظر إلى شيء من عورته فيحرم وجزم الشافعية بحل نظر الزوج إلى جميع عورة زوجته حتى الفرج بل حتى ما لا يحل له التمتع به كحلقة دبرها([138]

وقد علل ذلك في أحاديث أخرى بالحياء من الله تعالى والأدب مع الملائكة والحذر من حضور الشيطان، فعن أبي هريرة:( إذا أتى أحدكم أهله، فليستتر فإنه إذا لم يستتر استحيت الملائكة، فخرجت وبقى الشيطان، فإذا كان بينهما ولد كان للشيطان فيه نصيب([139]، وعن ابن عمر - رضي الله عنه -  عن - صلى الله عليه وسلم - قال :( إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله(

وزيادة على تلك الأحاديث ما ورد من الحث العام على ستر العورة حياء من الله تعالى، فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يراها قال: قلت: إذا كان أحدنا خاليا قال: فالله أحق أن يستحيا من الناس([140]

قال الشوكاني:( في الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال والإذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور([141]

وقد كان ذلك من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفعلية، فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  إذا دخل الخلاء غطى رأسه، وإذا أتى أهله غطى رأسه ([142]

وقد ورد مقابل هذه الأحاديث ـ لو صح الاحتجاج به ـ ما يدل على أن ذلك يختلف باختلاف الناس، فمنهم من يغلب عليه الحياء في هذه الحال، فتنفر نفسه من التجرد التام، ومنهم من لا يحصل له ذلك ولا يتحرج منه، فقد أتى عثمان بن مظعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني أستحي أن يرى أهلي عورتي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ولم، وقد جعلك الله تعالى لهم لباسا وجعلهم لك؟ قال: أكره ذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: فإنهن يرونه مني وأراه منهن قال: أنت قال: أنا قال: فمن بعدك إذا يا رسول الله قال فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن ابن مظعون لحيي ستير ([143]

ولكن الأمر بالاستتار والنهي عن التجرد التام لا يفهم منه النهي عن التعري أثناء الجماع، بل إن المستحب هو التعري كما نص على ذلك ابن الحاج بقوله:(وكذلك يحذر من هذه البدعة التي اعتادها بعضهم من أنهم ينامون في ثيابهم , والسنة الفراش , والتجريد من الثياب ما لم يجاوز الأربعين، وقد جاء في الحديث على ما ذكره مسلم ما هو صريح في الدلالة على التجريد والفراش , وفيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قامت من فراشها قالت: فجعلت درعي في رأسي , واختمرت , وتقنعت إزاري إلى أن قال: فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت فناداني فأخفيته منك , ولم يكن يدخل عليك , وقد وضعت ثيابك (

ومن الحكم التي ذكرها ابن الحاج للتعري من الثياب) أنه يريح البدن من حرارة حركة النهار , ويسهل  عليه التقليب يمينا وشمالا , وفيه إدخال السرور على أهله , وفيه زيادة التمتع بالأهل بخلاف ما يفعله أكثر الناس اليوم ; لأن التمتع عندهم إنما هو في المحل ليس إلا , إذ أن الرجل ثيابه عليه , والمرأة مثله , وفيه التواضع , وفيه امتثال السنة كما تقدم , وفيه امتثال الأمر; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -  نهى عن إضاعة المال , والنوم في الثوب هو من ذلك الباب , فإن الثوب الذي عمره سنة إذا نام فيه نقص عن ذلك , وفيه قاعدة من قواعد السنة , وهي النظافة إذ أن الثوب الذي ينام فيه يكثر فيه هوام بدنه , ويتقذر إلى غير ذلك من الفوائد) [144]

وللمسألة علاقة بحكم النظر إلى العورة، وسنتحدث عنها في محلها في مباحات المعاشرة الجنسية.

التستر عن الناس :

وهو من الآداب الواجبة في المعاشرة الجنسية، فيحرم أن يجامع بحيث يراهما أحد، أو يسمع حسهما، ولا يقبلها ويباشرها عند الناس، قال أحمد: ما يعجبني إلا أن يكتم هذا كله، وقال الحسن، في الذي يجامع المرأة، والأخرى تسمع، قال: كانوا يكرهون الوجس، وهو الصوت الخفي.

وقد عد ابن حجر هذا من الكبائر، حيث قال :(أن يجامع حليلته بحضرة امرأة أجنبية أو رجل أجنبي، وعد هذا كبيرة واضح لدلالته على قلة اكتراث مرتكبه بالدين ورقة الديانة ; ولأنه يؤدي ظنا بل قطعا إلى إفساده بالأجنبية أو إفساد الأجنبي بحليلته , ومن عد نحو النظر كبيرة فالأولى أن يعد هذا ; لأنه أقبح وأعظم مفسدة.) [145]

وهو زيادة على ذلك من مفسدات المعاشرة ومنغصاتها، قال ابن الحاج:( فإن كانت له حاجة إلى أهله، فالسنة الماضية في ذلك أنه لا يكون معه أحد في البيت غير زوجته أو جاريته , إذ ذاك وقد كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -  إذا كانت له حاجة إلى أهله أخرج الرضيع من البيت , وقد قالوا لا ينبغي أن يفعل ذلك , وهر في البيت , وذكر الهر منهم تنبيه على غيره , والمقصود أنه يكون سالما من عينين تنظران إليه ; إذ أن ذلك عورة , والعورة يتعين سترها) [146]

حكم استقبال القبلة حال الجماع :

اختلف الفقهاء في حكم استقبال القبلة أو استدبارها حال الجماع على قولين[147]:

القول الأول: جواز استقبال القبلة من غير كراهة، وهو قول الجمهور، لأن الشرع ورد في البول والغائط.

القول الثاني: كراهة استقبال القبلة حال الجماع، وهو قول ابن حبيب من المالكية، قال الباجي عند ذكر خلاف المالكية في المسألة:( اختلف في الوطء وهو مستقبل القبلة فحكى القاضي أبو محمد عن ابن القاسم إباحته وعن ابن حبيب كراهيته والذي في المدونة عن ابن القاسم أنه سئل أيجامع الرجل إلى القبلة فقال لا أحفظ عن مالك فيه شيئا وأرى أنه لا بأس به لأنه لا يرى بالمراحيض بأسا في المدن وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن جوابه إنما كان في البنيان , وأما في الصحاري فلم  يجب عنها. والوجه الثاني: ما تأوله القاضي أبو محمد أن المنع إنما كان لاستقبال القبلة بالغائط والبول في الصحاري إكراما للقبلة لعدم السترة فإذا ستر البنيان القبلة جاز ذلك وإذا كان الوطء المباح لا يكون إلا تحت سترة لم يكن فيه استقبال القبلة بفرج فجاز ذلك([148]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو جواز استقبال القبلة أو استدبارها من غير كراهة، لأن النصوص الناهية عن استقبال القبلة تخص قضاء الحاجة، ولا يصح قياس قضاء الحاجة على المعاشرة، زيادة على أن في ذلك من الحرج على الزوجين ما لم يكلفهما الله تعالى بتحمله.

الصبر عليها إلى قضاء حاجتها:

فلا يستعجل القيام قبل قضاء حاجتها، لأن ذلك يؤذيها،ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الزوج عن النزع حتى تفرغ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إذا جامع الرجل أهله فليصدقها، ثم إذا قضى حاجته، فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها) [149]، ولأن في ذلك ضررا عليها، ومنعا لها من قضاء شهوتها.

قال المناوي في شرح الحديث:( أي فليجامعها بشدة وقوة وحسن فعل جماع ووداد ونصح، فإن سبقها في الإنزال وهي ذات شهوة فلا يعجلها، أي فلا يحملها على أن تعجل فلا تقضي شهوتها، بل يمهلها حتى تقضي وطرها كما قضى وطره فلا يتنحى عنها حتى يتبين له منها قضاء أربها، فإن ذلك من حسن المباشرة والإعفاف والمعاملة بمكارم الأخلاق والالطاف[150] (

وفي حديث آخر عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -  مرفوعا:(إذا خالط الرجل أهله فلا ينزو نزو الديك،  وليثبت حتى تصيب منه مثل الذي أصاب منها([151] 

ولهذا نص العلماء هنا على أن الرجل إذا كان سريع الإنزال بحيث لا يتمكن معه من إمهال زوجته أنه يندب له التداوي بما يبطئ الإنزال، فإنه وسيلة إلى مندوب، وللوسائل حكم المقاصد.

وقد نص على هذا الأدب ابن الحاج بقوله :( وينبغي له أن يراعي حق زوجته في الجماع, وأن يأتيها ليصون دينها , ويكون قضاء حاجته تبعا لغرضها فيحصل إذ ذاك في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه (, وكثير من الناس من لا يعرف السنة في ذلك يأتي زوجته على غفلة فيقضي حاجته منها , وهي لم تقض منه وطرا , كما تفعل البهائم فيكون ذلك سببا لأحد شيئين إما فساد دينها وإما تبقى متشوشة متشوفة لغيره([152]

وقال في موضع آخر:( وينبغي له إذا قضى وطره أن لا يعجل بالقيام ; لأن ذلك مما يشوش عليها بل يبقى هنيهة حتى يعلم أنها قد انقضت حاجتها , والمقصود مراعاة أمرها ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -  كان يوصي عليهن , ويحض على الإحسان إليهن , وهذا موضع لا يمكن الإحسان إليها من غيره فليجتهد في ذلك جهده ([153]

وقد ذكر بعضهم ثمرات المداعبة التي تحصل ما بعد الجماع، ومنها[154]:

أنها قد تكون بابًا لحل مشكلات تأخر الشهوة عند المرأة أو سرعة القذف عند الرجل، مع عدم تجاهل محاولة علاج المشكلة الأصلية إذا كانت تحتاج لاستشارة نفسية أو طبية متخصصة.

أن مداعبة ما بعد الجماع كما تحقق متعة أكيدة للمرأة فإنها قد تكون ضرورية في حالات توتر الرجل وعجزه عن المعاشرة لأسباب نفسية عارضة أو تأخره في القذف أو فشله في الولوج بشكل كامل لإجهاده أو قلقه من أمر ما خارج العلاقة الزوجية -وهو ما يحدث في بعض الأحيان– وعندئذ تكون المداعبة أداة أساسية لبث الثقة في نفسه وإشعاره بالأمان والدفء والحب واسترجاع الرغبة والقدرة وإرسال رسالة حب قوية من الزوجة.

أن المداعبة والكلام بعد الجماع وفي مرحلة السكينة التي تعقبه هي مساحة مثالية للتعبير عن الرغبات الجنسية التي لم تتحقق أو التي قد يخجل أحد الطرفين في المطالبة بها في الأوقات العادية أو قبل اللقاء الزوجي، وبذا يكون السياق ملائمًا لمناقشة ما قد يتردد الزوجان في مناقشته في لحظات أخرى.

أن المداعبة بعد الجماع هي وسيلة مثالية لقول الكلام الجميل والتعبير عن الحب وكل المشاعر الجميلة التي قد تؤدي الرغبة الجنسية المشتعلة إلى تجاوزها إلى "الرفث" والكلام المثير، وبعد أن تهدأ عاصفة الشهوة يفسح المجال للقلب والروح للتعبير عن دواخل النفس وتبادل العبارات واللمسات العاطفية.

 

ثالثا: الآداب التالية للمعاشرة

وهي الآداب التي تلي العملية الجنسية، وترجع إلى ملاحظة معنيين هما النظافة والستر، وكلاهما يرتقيان بالغريزة عن السلوك البهيمي الذي يتجسد في عدم رعاية هذين الأدبين:

مراعاة النظافة بعد المعاشرة الجنسية:

ويتحقق ذلك بأمرين كلاهما وردت به السنة المطهرة:

الأول: هو أن يتخذا خرقة خاصة بالتنظيف،  قالت عائشة، رضي الله عنها: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة، أن تتخذ خرقة، فإذا جامعها زوجها، ناولته، فمسح عنه، ثم تمسح عنها، فيصليان في ثوبهما ذلك، ما لم تصبه جنابة[155].

ومن الآداب التي ذكرها الفقهاء لهذه الخرقة ما قال أبو حفص: ينبغي أن لا تظهر الخرقة بين يدي امرأة من أهل دارها، وقال الحلواني: يكره أن يمسح ذكره بالخرقة التي تمسح بها فرجها[156].

الثاني: الوضوء بعد الجماع، فيستحب للمجامع بعد انتهائه تطهير ما أصابه من أذى،  والوضوء سواء نام بعده أو أراد العودة إلى معاشرة زوجته قبل الغسل، وقد وردت في ذلك الأحاديث الصحيحة[157]، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - :(إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ)، وعن ابن عمر- رضي الله عنه -  أن عمر استفتى النبي  - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل ينام أحدنا وهو جنب قال: نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء، وعنه أنه ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله  - صلى الله عليه وسلم - أنه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( توضأ واغسل ذكرك ثم نم)، وعن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث قلت: كيف كان يصنع في الجنابة، أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

فهذه الأحاديث كلها تدل على استحباب مراعاة النظافة بعد التطهر، خاصة طهارة المحل من الأذى، قال النووي:(حاصل الأحاديث كلها أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال، وهذا مجمع عليه وأجمعوا على أن بدن الجنب وغرقه طاهران، وفيها أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها، ولا سيما إذا أراد جماع من لم يجامعها، فإنه يتأكد استحباب غسل ذكره([158]

ومن الحكم التي ذكرها العلماء لهذه الطهارة،) أنه يخفف الحدث ولاسيما على القول بجواز تفريق الغسل، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس الصحابي قال: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ، فإنه نصف غسل الجنابة،  وقيل الحكمة في الوضوء أنه إحدى الطهارتين وقيل إنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل([159]

وقد نبه ابن القيم إلى الفوائد الصحية التي هدى إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه السنة، فقال:(وفي الغسل والوضوء بعد الوطء من النشاط وطيب النفس وإخلاف بعض ما تحلل بالجماع وكمال الطهر والنظافة واجتماع الحار الغريزي إلى داخل البدن بعد انتشاره بالجماع وحصول النظافة التي يحبها الله ويبغض خلافها ما هو من أحسن التدبير في الجماع وحفظ الصحة والقوى فيه) [160] 

وقد اختلف الفقهاء في دلالة هذه الأحاديث الحكمية، هل هي على سبيل الاستحباب أم على سبيل الوجوب، وهل هي معقولة المعنى أم تعبدية؟ على قولين:

القول الأول: أن الوضوء فرض على من أراد معاودة الجماع، وهو قول ابن حزم، واستدل لذلك بالحديث السابق، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود   فليتوضأ بينهما وضوءا (، قال ابن حزم:( ولم نجد لهذا الخبر ما يخصصه ولا ما يخرج إلى الندب إلا خبرا ضعيفا([161]، وهو قول ابن حبيب من المالكية حيث قال:( لا ينام الجنب حتى يتوضأ فإن تعذر عليه فليتيمم, ولا ينام إلا بوضوء أو تيمم (

 قال الشوكاني:( وحديث عمر جاء بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط وهو متمسك لمن قال بوجوب الوضوء على الجنب إذا أراد أن ينام قبل الاغتسال وهم الظاهرية وابن حبيب من المالكية([162]

القول الثاني: أن الوضوء هنا على سبيل الاستحباب، وأن المراد به التطهر والنظافة، وهو قول الجمهور، وقد اختلفوا في المراد منه هل هو حقيقة الوضوء أي وضوء الصلاة، أم المراد به مطلق التطهر.

والجمهور على أنه كوضوء الصلاة، لأنه هو الحقيقة الشرعية، وهي مقدمة على غيرها، وقد صرحت بذلك عائشة في حديث الباب المتفق عليه كما مر.

وجنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي هذا الحديث، وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب،ولا يغسل رجليه كما رواه مالك في الموطأ عن نافع.

وقد حمل الجمهور ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر، فلا يصح الاستدلال به[163].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو قول الجمهور من استحباب الطهارة الصغرى بمعناها التعبدي، فإن لم يستطع يكتفى بالتطهر الذي ذهب إليه الطحاوي، فإن لم يستطع يكتفى بغسل موضع الأذى رعاية لصحته وصحة الزوجة، فهذه مراتب بعضها أكمل من بعض، وما لا يدرك كله لا يترك كله، قال المناوي:( كمال السنة إنما يحصل بكمال الوضوء الشرعي، وأصلها يحصل بالوضوء اللغوي وهو تنظيف الفرج([164]

عدم إفشاء أسرار المعاشرة الجنسية:

ذكرنا في الآداب الماضية أن الغرض من هذه الآداب جميعا مستحباتها ووجباتها الترقي بهذا السلوك الغريزي إلى أعلى مستوياته الأخلاقية، فلذلك كان مبناه على الستر سواء قبل الممارسة، بكونه في خلوة، أو أثناء الممارسة بعدم التكشف، أو بعد الممارسة بعدم إفشاء أسرار المعاشرة الجنسية.

وقد عد ابن حجر إفشاء أسرار المعاشرة الجنسية من الكبائر، واستدل لذلك بالأحاديث الكثيرة، قال ابن حجر الهيثمي :(وهو ظاهر ; لما فيه من إيذاء المحكي عنه وغيبته , وهتك ما أجمعت العقلاء على تأكد ستره , وقبح نشره) [165].

ومن الأحاديث المصرحة بالتحريم، بل تعتبر فاعل هذا السلوك قد بلغ قمة الشر عند الله تعالى يوم القيامة قوله - صلى الله عليه وسلم - :(إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي[166] إلى امرأته أو تفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه) [167]، وفي رواية: (من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها).

ومن المخاطر الاجتماعية لهذا السلوك أن ينتشر الفحش في المجتمع، وهو مما حذر منه الإسلام، أما خطورته على الأسرة نفسها وعلى المرأة خصوصا أن الرجل قد يطلق المرأة أو يموت عنها، فيقف هذا السلوك حاجبا بينها وبين من يقصدها للزواج، لأن زوجها فضحها بينهم.

ولأجل هذا، ودرءا لهذا الخطر على الأسرة والمجتمع، خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - به مؤنبا على مجتمع كان فيه الرجال والنساء جميعا، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  والرجال والنساء قعود عنده فقال: لعل رجلا يقول ما فعل بأهله , ولعل امرأة تخبر ما فعلت مع زوجها فأرم القوم[168]، فقلت: إي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن , قال لا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون) [169]، وفي رواية :(ألا عسى أحدكم أن يخلو بأهله يغلق بابا ثم يرخي سترا ثم يقضي حاجته , ثم إذا خرج حدث أصحابه بذلك , ألا عسى إحداكن أن تغلق بابها وترخي سترها , فإذا قضت حاجتها حدثت صواحبها فقالت امرأة سفعاء الخدين والله إنهن يا رسول الله ليفعلن وإنهم ليفعلون , قال فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق فقضى حاجته منها ثم انصرف وتركها)

فقد شبه - صلى الله عليه وسلم - من يفعل هذا السلوك بالشيطان، لأن الحياء أساس كل خلق نبيل، فإذا ذهب الحياء، بل أصل الحياء لأن من يحدث عن فعل نفسه بأهله قد ألقى الحياء عنه إلقاء تاما، فلا يرجى منه أي خير كما لا يرجى من الشيطان، ولذلك أخبر عنه في الحديث السابق بأنه شر الناس عند الله يوم القيامة.

وقد ذكر ابن الحاج انتشار مثل هذا السلوك في واقعه بين السفهاء من الناس، وكأنه يحدث بذلك عن بعض ما يجري بواقعنا، فقال:( وينبغي له أنه إذا اجتمع بأهله , وكان بينهما ما كان فلا يذكر شيئا من ذلك لغيرها , وكثيرا ما يفعل بعض السفهاء هذا المعنى فيذكر بين أصحابه , وغيرهم ما كان بينه , وبين زوجته أو جاريته , وهذا قبيح من الفعل كفى به أنه لم يكن من فعل من مضى , والخير كله في الاتباع لهم في المصادر , والموارد كما تقدم , وكما لا يحدث أحدا من الناس بما ذكر فكذلك لا يحدث أهله بشيء جرى بينه , وبين غيرهم كائنا ما كان) [170]

ولكن مع ذلك كله تظل الحرمة مقرونة بعدم المصلحة، فإذا وجدت مصلحة شرعية معتبرة جاز الإفشاء، فقد نص العلماء على أن) حرمة إفشاء هذا السر إذا لم يترتب عليه فائدة وإلا كأن تدعي عجزه عن الجماع أو إعراضه عنها، ونحو ذلك فلا يحرم، بل لا يكره ([171]

 

3 ـ مباحات المعاشرة الجنسية

 

وترجع إلى الهيئات المختلفة للجماع، أو أنواع الملاعبات، وقد ذكرنا هنا بعض ما تمس الحاجة إليه ذاكرين آراء الفقهاء في ذلك، والأصل فيها كما سنرى مراعاة رغبات الزوجين المضبوطة بالضوابط الشرعية :

1 ـ الهيئات الجائزة للمعاشرة الجنسية

بما أن البعض قد يتحرج من بعض الوضعيات ورعا واحتياطا وخوفا من الوقوع في الحرام وردت النصوص، ونص العلماء تبعا لها على جواز بعض الهيئات.

وقد حصل نوع من هذا الحرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عباس - رضي الله عنه -  قال: جاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله هلكت قال: وما أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة قال: فلم يرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قال: فأنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ﴾(البقرة:223)، فقال - صلى الله عليه وسلم - (أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة ([172]

وقد كانت تنتشر بعض الخرافات في العرب في هذا المجال، ومنها أن اليهود كانت تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾(البقرة:223)وهذه الآية مع وجازتها تجيب عن كل الأسئلة التي تخص هذه الناحية، فهي تحتمل المعاني الكثيرة، فعن الشافعي قال:(احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة حيث شاء زوجها، لأن أتى بمعنى أين شئتم، واحتملت أن يراد بالحرث موضع النبات، والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه([173]

وقد ذكر ابن حجر مناظرة جرت بين الشافعي وبين محمد الحسن في ذلك وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج، فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين سافيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث؟ قال: لا قال: أفيحرم قال: لا قال: فكيف تحتج بما لا تقول به ؟

وقد ذكر ابن القيم بعض أشكال الجماع وبين الفاضل منها من غيره، وهي آراء ترجع إلى اجتهادات شخصية معتبرة يدعمها العلم والواقع، ولكنها في نفس الوقت لا يصح اعتبارها حكم شرعيا لافتقارها إلى الدليل النصي المصرح، لأن الأدلة أباحت ذلك إباحة مطلقة، وتركت الخيار لرغبات الزوجين.

قال ابن القيم:( وأحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشا لها، وبعد الملاعبة والقبلة([174]

واستدل على ذلك بأن المرأة سميت فراشا كما قال - صلى الله عليه وسلم -:( الولد للفراش ([175]، وأن هذا كذلك من تمام قوامية الرجل على المرأة ،، وقد قال الله تعالى :﴿هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾، قال ابن القيم:( وأكمل اللباس وأسبغه على هذه الحال، فإن فراش الرجل لباس له، وكذلك لحاف المرأة لباس لها، فهذا الشكل الفاضل مأخوذ من هذه الآية وبه يحسن موقع استعارة اللباس من كل من الزوجي،ن للاخر وفيه وجه آخر وهو أنها تنعطف عليه أحيانا فتكون عليه كاللباس كما قال الشاعر:

إذا ما الضجيع ثنى عطفه     ثنت فكانت عليه لباسا (

أما أردأ اشكال المعاشرة ـ كما يرى ابن القيم ـ فهو أن تعلوه المرأة، ويجامعها على ظهره، قال:( وهو خلاف الشكل الطبيعى الذى طبع الله عليه الرجل والمرأة، بل نوع الذكر والانثى، وفيه من المفاسد أن المنى يتعسر خروجه كله فربما بقى في العضو منه بقية فيتعفن ويفسد فيضر، وأيضا فربما سال إلى الذكر رطوبات من الفرج، وأيضا فإن الرحم لا يتمكن من اشتمال على الماء واجتماعه فيه، وانضمامه عليه لتخليق الولد، وأيضا فإن المرأة مفعول بها طبعا وشرعا، واذا كانت الفاعلة خالفت مقتضى الطبع والشرع([176]

ونرى أن ما ذكره ابن القيم يحتاج إلى بحث طبي يبين الوضعيات الصحية لكل شكل من أشكال الجماع، وقد يختلف ذلك باختلاف النساء والرجال، وقد نص الفقهاء عل اعتبار الناحية الصحية في هذا، فقد نص في الآداب الشرعية:( وقد كره أحمد رحمه الله للمرأة تستلقي على قفاها , وقال: يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كرهه , ولعل المراد غير حال المجامعة مع أن كراهته , تفتقر إلى دليل , والأصل عدمه، وقد ذكر  الأطباء: أن الجماع على جنب مضر ربما أورث وجع الكلى وأن الجماع من قعود يضر بالعصب ([177]

2 ـ النظر إلى العورة  ولمسها

اتفق الفقهاء على أنه يجوز للزوج مس فرج زوجته، وقد سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليها، هل ترى بذلك بأسا ؟قال: لا، وأرجو أن يعظم الأجر[178].

 وقال الحطاب: قد روي عن مالك أنه قال لا بأس أن ينظر إلى  في حال الجماع، وزاد في رواية ويلحسه بلسانه، وهو مبالغة في الإباحة، وليس ذلك على ظاهره.

وقال الفناني من الشافعية: يجوز للزوج كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها، ولو بمص بظرها،  وصرح الحنابلة بجواز تقبيل الفرج قبل الجماع، وكراهته بعده.

فهذه النصوص تبين موقف الفقهاء العام من لمس وملاعبة كلا الزوجين لعورة صاحبه، ولكنهم اختلفوا في حكم النظر إلى العورة، وهل يحل للرجل أن ينظر إلى عورة زوجته من غير كراهة، وهل لها أن تنظرا إلى عورته كذلك، أم لا؟ 

وقد كانت أقوالهم في ذلك مختلفة لا يمكن حصرها، فلذلك نكتفي بذكر بعض النقول الدالة على وجهات النظر الفقهية المختلفة في المسألة، ونعقبها بالأدلة المبينة لحكم ذلك:

قال ابن حزم:( وحلال للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته زوجته وأمته التي يحل له وطؤها , وكذلك لهما أن ينظرا إلى فرجه , لا كراهية في ذلك أصلا([179]، ويقول:(من العجب أن يبيح بعض المتكلفين من أهل الجهل وطء الفرج ويمنع من النظر إليه) [180]

قال السرخسي:( أما نظره إلى زوجته ومملوكته فهو حلال من قرنها إلى قدمها عن شهوة أو عن غير شهوة(، وذكر في ذلك أن ابن عمر - رضي الله عنه -  كان يقول: الأولى أن ينظر ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة[181].

لكنه يعقب على ذلك بقوله:( مع هذا الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه(، واستدل لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا رأى مني مع طول صحبتي إياه، وقال - صلى الله عليه وسلم - :( إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ما استطاع ولا يتجردان تجرد العير ([182]،  ولأن النظر إلى العورة يورث النسيان، وفي شمائل الصديق  - رضي الله عنه -  ما نظر إلى عورته قط ولا مسها بيمينه فإذا كان هذا في عورة نفسه فما ظنك في عورة الغير[183].

وقال ابن العربي:( قد اختلف الناس في جواز نظر الرجل إلى فرج زوجته على قولين: أحدهما: يجوز ; لأنه إذا جاز له التلذذ فالنظر أولى. وقيل: لا يجوز لقول عائشة في ذكر حالها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيت ذلك منه ولا رأى ذلك مني، والأول أصح، وهذا محمول على الأدب ; فقد قال أصبغ من علمائنا: يجوز له أن يلحسه بلسانه.( [184]

قال الكاساني:( منها حل النظر , والمس من رأسها إلى قدميها في حالة الحياة ; لأن الوطء فوق النظر والمس , فكان إحلاله إحلالا للمس , والنظر من طريق الأولى ([185]

قال ابن قدامة:( ويباح لكل واحد من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه ولمسه حتى الفرج لما روى بهز بن حكيم عن أبيه , عن جده قال: قلت: يا رسول الله , عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ فقال: احفظ عورتك , إلا من زوجتك , وما ملكت يمينك([186]; ولأن الفرج يحل له الاستمتاع به , فجاز النظر إليه ولمسه , كبقية البدن. ويكره النظر إلى الفرج، فإن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت فرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قط ،وقال أحمد في رواية جعفر بن محمد في المرأة تقعد بين يدي زوجها وفي بيتها مكشوفة في ثياب رقاق: فلا بأس به قلت: تخرج من الدار إلى بيت مكشوفة الرأس وليس في الدار إلا هي وزوجها ؟ فرخص في ذلك([187]

قال العز بن عبد السلام:( ستر العورات والسوآت واجب وهو من أفضل المروآت وأجمل العادات ولا سيما في النساء الأجنبيات , لكنه يجوز للضرورات والحاجات، أما الحاجات فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه([188]

وفي الخرشي:( وحل لهما حتى نظر الفرج كالملك وتمتع، وروى الشيخ: لا بأس بنظر فرجها. زاد أصبغ: ولحسه بلسانه تحقيقا لإباحة النظر لاعتقاد العوام حرمته.( [189]

في حاشية الدسوقي:( أي فيحل لكل من الزوجين نظر فرج صاحبه سواء كان في حالة الجماع أو في غيرها وما ذكره المصنف من الجواز قال الشيخ زروق في شرح الرسالة وهو وإن كان متفقا عليه لكن كرهوا ذلك للطب ; لأنه يؤذي البصر ويورث قلة الحياء في الولد([190]

فهذا ما نص عليه الفقهاء مع اختلاف وجهات نظرهم في المسألة، وسنورد هنا بعض ما أوردوا من الأدلة على حكم ذلك، والتي قد تفيد في مجموعها الإباحة العامة التي ترفع الحرج عن الزوجين، ويبقى حكم الكراهة مرتبطة باختيارهما كما سنرى في الترجيح :

قول الله تعالى:﴿  وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾﴾(المؤمنون:5، 6)، فأمر عز وجل بحفظ الفرج إلا على الزوجة، وملك اليمين، وهو عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته. الأخبار المشهورة من طريق عائشة، وأم سلمة، وميمونة: أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - أنهن كن يغتسلن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  من الجنابة من إناء واحد.

في خبر ميمونة بيان أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بغير مئزر، لأن في خبرها أنه - صلى الله عليه وسلم -  أدخل يده في الإناء ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله.

أنه لو لم يكن النظر مباحا ما تجرد كل واحد منهما بين يدي صاحبه ولأن ما فوق النظر وهو المس والغشيان حلال بينهما.

ضعف ما استدل به المخالفون من نصوص، فالحديث الذي استندوا إليه (لم ير مني الرسول ولم أر منه) ضعيف جداً وبعضهم قال أنه موضوع.

أن ما ذكره القائلون بالكراهة مخالف للثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وعن أمهات المؤمنين، جاء عن عائشة وعن أم سلمة وعن ميمونة w  أنهن كُنَّ يغتسلن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  من إناء واحد، وكان مجرداً من الإزار، وقالت ميمونة أنه أخذ من الإناء بيمينه وصب على شماله وغسل فرجه.

بعد هذا العرض لكلام الفقهاء في المسألة، فإنا نرى أن حكمها يختلف باختلاف أحوال الناس وأذواقهم، فيكره هذا في حق من يتأذى بذلك، ويباح في حق من لا يرى بأسا به، لأن الحكم يختلف باختلاف نتيجته، فإذا ما تسبب النظر إلى العورة في  أي حرج لأحد الزوجين، فالأولى اجتنابه رعاية لحق العلاقة، وهو ما يمكن حمله على ما روي عن عائشة، رضي الله عنها، أو بعض الصحابة - رضي الله عنهم -  من الاستحياء من النظر إلى العورة، والحياء هنا طبعي لا يمكن رفعه، فلذلك كان الأولى العمل بمقتضاه فمن الصعب مغالبة الطبع.

قال في غذاء الألباب:(لو قيل إن حكم هذه المسائل يختلف باختلاف الناس ومقاصدهم واستحسانهم لكان صوابا لا كما هو مشاهد في الخارج والله تعالى أعلم([191]

وقد أورد لذلك عن عامر بن الظرب، وكان من حكماء العرب أنه قال لامرأته: مري ابنتك أن تكثر من استعمال  الماء ولا طيب أطيب من الماء , ولا تكثر مضاجعة زوجها، فإن الجسد إذا مل مل القلب ولتخبأ عروتها منه.

ثم نقل عن ابن الجوزي قوله تعقيبا على قول عامر:( قلت وهذا عين الصواب , فإن الفرج غير مستحسن الصورة من الزوجين , والاطلاع على بعض العيوب يقدح في المحبة , فينبغي لهما جميعا الحذر من ذلك ([192]

فالمسألة إذن مسألة شخصية، تختلف باختلاف الناس، أما ربط ذلك بالنواحي الصحية، فليس هذا مجال الفقهاء، ولذلك استدل من أجاز النظر من غير كراهة بذلك، قال أصبغ:( من كره النظر إلى الفرج إنما كره بالطب لا بالعلم، ولا بأس به وليس بمكروه ([193]

وقد رووا في ذلك حديثا موضوعا، نذكره هنا على سبيل التحذير لوروده في بعض كتب الفقه، هو) إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها لأن ذلك يورث العمى(قال ابن حبان: هذا موضوع وكأن بقية سمعه من كذاب فأسقطه، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه موضوع وأورد الأزدي في الضعفاء في ترجمة إبراهيم ابن محمد الفريابي بإسناده عن أبي هريرة مثله وفي إسناده من لايقبل قوله[194]، ومثل هذا روي في الكلام عند المعاشرة ونصه) ولا يكثر الكلام فإنه  يورث  الخرس في المتكلم والولد([195]

ومع ذكر بعض الفقهاء لوضع هذا الحديث إلا أنه عقب عليه بقوله:( لكن كرهوه للطب لأنه يؤذي البصر ويورث قلة الحياء في الولد والله أعلم، قال في النصيحة يكره نظر كل واحد من الزوجين لفرج صاحبه، لأنه يؤذي البصر  ويذهب الحياء، وقد يرى ما يكره فيؤدي إلى البغاء([196]

3 ـ الملاعبة في الفم :

وهي من المسائل التي يسأل بعض الناس عنها، ولم أرها في أي كتب من الكتب القديمة، وقد سئل عنها الشيخ يوسف القرضاوي فأجاب عنها مشافهة:(بالنسبة لقضية الفم أول ما سُئلت عنها في أمريكا وفي أوروبا عندما بدأت أسافر إلى هذه البلاد في أوائل السبعينات، بدأت أُسأل عن هذه الأشياء، هذه الأشياء لا نُسأل عنها في بلادنا العربية والإسلامية، إذا كان المقصود به التقبيل فالفقهاء أجازوا هذا، إن المرأة لو قبَّلت فرج زوجها ولو قبَّل الزوج فرج زوجته هذا لا حرج فيه، وإذا كان القصد منه الإنزال فهذا الذي يمكن أن يكون فيه شيء من الكراهة، ولا أستطيع أن أقول الحرمة لأنه لا يوجد دليل على التحريم القاطع، فهذا ليس موضع قذر مثل الدبر، ولم يجئ فيه نص معين إنما هذا شيء يستقذره الإنسان، إذا كان الإنسان يستمتع عن طريق الفم فهو تصرف غير سوي، إنما لا نستطيع أن نحرمه خصوصاً إذا كان برضا المرأة وتلذذ المرأة ([197]

وهذه المسألة فيما نرى تحتاج إلى بحث في آثارها من الناحية الصحية والنفسية، لأن الأدلة الشرعية قد نصت على اعتبار الأذى من علل التحريم في هذه العلاقة، فلذلك حرم الشارع الجماع في حال الحيض وحرم الجماع في الدبر حذرا من الأذى الذي قد يصيب الزوج أو الزوجة.

ونرى عموما أن الأذى قد يكون محققا في هذه الحالة لأن السوائل التي تفرز من الرجل لا تليق بالفم، وقد تحمل خطرا على الصحة، ولعل في قوله تعالى :﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾(البقرة:223)﴾ دليل على أن الإنزال لا يليق بهذا الموضع. 

4 ـ رضاعة ثدي الزوجة:

نص الفقهاء على أن من مباحات المعاشرة الجنسية ملاعبة الثدي، قال في الآداب الشرعية:( أن الرجل إذا فرك حلمتي المرأة اغتلمت ثم يعلوها مستفرشا لها([198]

وحدث مثل هذا في عصر الصحابة - رضي الله عنهم -  فعن أبي عطية الوادعي أن رجلا مص من ثدي امرأته، فدخل اللبن في حلقه، فسأل أبا موسى الأشعري عن ذلك فقال له أبو   موسى: حرمت عليك امرأتك، ثم سأل ابن مسعود عن ذلك، فقام ابن مسعود وقمنا معه حتى أتى أبا موسى الأشعري فقال: أرضيعا ترى هذا، إنما الرضاع ما أنبت اللحم والعظم فقال أبو موسى:( لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر  بين أظهركم([199]

ويخرج الأمر من الإباحة إلى الاستحباب إن كان ذلك برغبة المرأة أو كان في ذلك تحصينا لها، كما ذكرنا سابقا من أن المباحات المذكورة هنا مباحة من حيث التفصيل مستحبة من حيث الكل.

وقد سبق ذكر سؤال أبي أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليها، هل ترى بذلك بأسا ؟قال: لا، وأرجو أن يعظم الأجر[200].

5 ـ الكلام أثناء المعاشرة:

وهو كذلك مثلما سبق بيانه يختلف باختلاف الناس، فلذلك من الحرج الحكم بكراهته مطلقا، قال أبو الحسن بن القطان:(لا يكره نخرها للجماع ولا نخره، وقال  الإمام مالك:  لا بأس بالنخر عند الجماع([201]

وقد كره الكلام بعض العلماء، قال ابن الحاج:( وينبغي له أن يتجنب ما يفعله بعض الناس , وقد سئل مالك رحمه الله عنه فأنكره وعابه , هو النخير , والكلام السقط. قال ابن رشد رحمه الله: وإنما أنكر مالك رحمه الله ذلك ; لأنه لم يكن من عمل السلف (،واستدل بعض الفقهاء هنا بحديث لا يصح الاحتجاج به هو :(إذا جامع أحدكم فلا ينظر إلى الفرج، فإنه يورث العمى، ولا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس في المتكلم والولد([202]

فلذلك كان الأرجح في هذا هو ترك هذا للرغبات المختلفة للزوجين بشرط أن يكونا في خلوة تامة لا يسمعهما أحد كما سبق ذكره.

ولكن مع ذلك، فإن الكلام أثناء المعاشرة إن كان سبيلا من سبل إرواء الجوع الجنسي لأحد الطرفين، أو هو السبيل الوحيد لتحصينه، فإنه ينتقل من الإباحة إلى الاستحباب، ذلك لأن الإشباع الجنسي هو أحد مرتكزات الحياة الزوجية السعيدة، فكثير من المشاكل الأسرية من طلاق وتفكك وخيانة وبرود عاطفي وعنف ترجع بالدرجة الأولي إلي صعوبات التعبير الجنسي.

والتعبير عن الشعور بالرغبة واللذة الجنسية يتخذ الصور التالية:

·      إظهار الرغبة الجنسية بشكل صريح وواضح كالتحرشات والمداعبات الجسدية واللفظية.

·  إظهار درجة الإشباع الجنسي أو إشعار الطرف الآخر بقوة الإشباع والاستثارة الجنسية ويكون ذلك باستخدام الإيحاءات والإيماءات اللفظية كالآهات والحركات الجسمية.

ولكن بعض المفاهيم الخاطئة قد تصرف بعض النساء المتزوجات عن هذا نتيجة الشعور بالخجل أو الخوف من إظهار درجة إشباعهن الجنسي، بسبب  الخوف من انتقاد الزوج أو تقليله من قيمتها، أو نتيجة الاعتقاد بأن المرأة المتزنة أو الشريفة والطاهرة لا تصدر آهات اللذة ولا تظهر رغبتها الصريحة في الجنس.

قال بعضهم يذكر آثار التعبير عن اللذة الجنسية في نفس الزوج، وهو ما يؤكد الحكم الذي ذكرناه سابقا :(إن إصدار آهات اللذة من قبل الزوجة بالذات يعطي الزوج مؤشراً إيجابياً علي أن زوجته تستمتع بالمعاشرة مثله تماماً، وأن شريكته بالمعاشرة تشعر بالسعادة وتتجاوب معه في أسلوب المعاشرة وطريقتها، إن المباشرة الجنسية الفعالة تتطلب التفاعل الإيجابي المشترك بين الزوجين وعدم الشعور بالحرج من ترجمة هذا التفاعل إلي إشارات وإيماءات وألفاظ تعبر عن اللذة والنشوة الجنسية، إن مشاكلنا الزوجية تبدأ عندما ننظر إلي آهات النشوة الجنسية بصورة رسمية متحفظة محاطة بطقوس من الخجل والتردد، ولقد أثبتت الأبحاث النفسية في مجال الجنس أن من أهم أسباب سوء التوافق الجنسي أو الشذوذ الجنسي امتناع الزوجة أو الزوج عن إظهار آهات المتعة والنشوة الجنسية والتصرف بطريقة نمطية رسمية خلال المعاشرة) [203]

وهذا الشعور ليس خاصا بهذا الكاتب فقط، بل هو شعور يكاد يكون عاما، ولهذا، فإن ضرورة إرواء كلا الطرفين للآخر تستدعي توفير هذه المتعة المباحة له، وهو مأجور على ذلك.

4 ـ محرمات المعاشرة الجنسية

 

وهي ترجع في مجموعها إلى  بعض الممارسات الشاذة التي لا تليق بالفطرة السوية، وهي مع ذلك لا تروي الجوع الجنسي عند أكثر الناس، وإنما تجر إليها الأهواء، والمبالغة في اعتقاد الحرية الشخصية.

ولها زيادة على ذلك كله من الآثار الصحية والنفسية ما يبعد هذه الممارسة عن الهدف الذي وضعت من أجله.

ولا يمكننا إحصاء ما يتعلق بهذه الناحية من أنواع الشذوذ، ولكنا سنشير إلى بعض ما ذكره الفقهاء، أو ما نسمع عن وقوعه في بعض المجتمعات، وإلا فإن للشيطان من اللعب ببني آدم في ذلك ما له، وقد قال متوعدا :﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)(النساء: من الآية119)

ومن تغيير خلق الله بعض ما سنذكره من ممارسات:

1 ـ إتيان المرأة في الدبر

أجمع العلماء عل حرمة إتيان المرأة في الدبر، قال ابن القيم :(وأما الدبر فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء، ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطء الزوجة في دبرها فقد غلط عليه) [204]

وقد ذكر ابن قدامة ما يوهم وجود الخلاف في المسألة بذكره أن الحرمة في قول أكثر أهل العلم، ثم ذكر أنه رويت إباحته عن ابن عمر، وزيد بن أسلم، ونافع، ومالك[205]، وروى عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني في أنه حلال، وذكر أن أهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك[206].

وأكبر العجب من ابن العربي فقد بالغ في نقل الخلاف في المسألة حتى قال:(اختلف العلماء في جواز نكاح المرأة في دبرها، فجوزه طائفة كثيرة، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن، وأسند جوازه إلى زمرة كريمة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة) [207]، وليس لهذا الكلام مايدل عليه.

وقد نقل ابن القيم منشأ هذا الخطأ وتلك الرواية عن السلف الصالح، وهو ما رواه أبو نعيم أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أتيان النساء في أدبارهن فقال: حلال، فلما ولى دعاه فقال: كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخزرتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها، فلا إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء أدبارهن)، وعلق عليه ابن القيم بقوله :(ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقا إلى الوطء في الفرج فيطأ من الدبر لا في الدبر فاشتبه على السامع من بفي ولم يظن بينهما فرقا فهذا الذي اباحه السلف والأئمة فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه) [208]

وربما يكون منشأ الخطأ كذلك جواز التلذذ بين الأليتين من غير إيلاج والذي لا خلاف في جوازه، لأن السنة إنما وردت بتحريم الدبر، فهو مخصوص بذلك، ولأنه حرم لأجل الأذى، وذلك مخصوص بالدبر، فاختص التحريم به.

وقد روي عن السلف ما يفيد إنكار تلك الرواية عنهم[209]، فعن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري فنحمض لهن، قال: وما التحميض ؟ قال: نأتيهن في أدبارهن ؟ قال ابن عمر: أف أف أف، أو يعمل هذا مسلم ؟

وعن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر: قد أكثر عليك القول، إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى بأن يأتوا النساء في أدبارهن. قال نافع: لقد  كذبوا علي، ولكن سأخبرك كيف كان الأمر، إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾(البقرة:223) قال: يا نافع، هل تعلم ما أمر هذه الآية ؟ قلت: لا، قال لنا: كنا معشر قريش نجيء النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا وإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾(البقرة:223)

انطلاقا من هذا الإجماع، والذي قد يكتفى به في الاستدلال، فإن الأدلة الشرعية متوافرة على حرمة هذا الفعل واعتباره من الكبائر، ومن تلك الأدلة:

·  قال I :﴿ فأتوهن من حيث أمركم الله ﴾، وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها حيث أنه أباح إتيانها في الحرث وهو موضع الولد لا في الحش الذي هو موضع الأذى.

·  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(ملعون من أتى المرأة في دبرها)، وفي رواية:(لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها) [210]، وفي لفظ آخر:(من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)

·  عن ابن عباس - رضي الله عنه -  قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله هلكت فقال وما الذي أهلكك قال حولت رحلي البارحة قال فلم يرد عليه شيئا فأوحى الله إلى رسوله: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾(البقرة:223)، فقال - صلى الله عليه وسلم - :(أقبل أدبر واتق الحيضة والدبر) [211]

·  عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -  يرفعه :(كفر بالله العظيم عشرة من هذه الأمة القاتل والساحر والديوث وناكح المرأة في دبرها ومانع الزكاة ومن وجد سعة فمات ولم يحج وشارب الخمر والساعي في الفتن وبائع السلاح من أهل الحرب ومن نكح ذات محرم منه) [212]

·  أنه إذا حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض بالحيض فما الظن بالدبر الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل.

·  أن للمرأة حق على الزوج في الوطء ووطؤها في دبرها يفوت حقها ولا يقضي وطرها ولا يحصل مقصدها.

·  أن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ولم يخلق له وإنما الذي هيئ له الفرج فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه.

الحكمة من تحريم المعاشرة الجنسية في الدبر:

ذكر الفقهاء كثيرا من الحكم التي يعود إليها سبب تحريم المعاشرة الجنسية في الدبر، ولعل خير من تكلم في ذلك جامعا بين الشرع والطب والنفس والاجتماع ابن القيم، فقد أحصى الكثير من المضار الصحية والنفسية والاجتماعية الناشئة عن هذا النوع من الشذوذ، والتي سنجتزئ منها ما يلي:

قال ابن القيم:(إنه محل القذر والنجو فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه، وهو يضر بالمرأة جدا لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية المنافرة ، وهو يحدث الهم والغم والنفرة عن الفاعل والمفعول، وهو يسود الوجه ويظلم الصدر ويطمس نور القلب ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة.

وهو يوجب النفرة والتباغض الشديد والتقاطع بين الفاعل والمفعول ولا بد، وهو يفسد حال الفاعل والمفعول فسادا لا يكاد يرجى بعده صلاح إلا ان يشاء الله بالتوبة النصوح، وهو يذهب بالمحاسن منها ويكسوهما ضدها كما يذهب بالمودة بينهما ويبدلهما بها تباغضا وتلاعنا، وهو من أكبر أسباب زوال النعم وحلول النقم فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله وإعراضه عن فاعله وعدم نظره إليه فأي خير يرجوه بعد هذا وأي شر يأمنه وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته وأعرض عنه بوجهه ولم ينظر إليه، وهو يذهب بالحياء جملة والحياة هو حياة القلوب فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن وحينئذ فقد استحكم فساده.

وهو يحيل الطباع عما ركبها الله ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئا من الحيوان بل هو طبع منكوس وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختياره، وهو يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه، وهو يورث من المهانة والسفال والحقارة مالا يورثه غيره، وهو يكسو العبد من حلة المقت والبغضاء وازدراء الناس له واحتقارهم أياه واستصغارهم له ما هو مشاهد بالحس)، وختم ذلك وغيره بقوله - رضي الله عنه -  :(فصلاة الله وسلامة على من سعادة الدنيا والآخرة في هدية واتباع ما جاء به وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفته هدية وما جاء به) [213]  

وقد أيد العلم الحديث هذا الموقف الفقهي الذي أجمعت عليه الأمة، فقد دلت الدراسات على أن هناك قائمة طويلة من البكتريا المسالمة تعيش في المستقيم الشرجي دون أن تسبب في أية مشاكل، وفي حالة انتقالها من مكانها الدائم إلى مكان آخر(جلد القضيب وفتحة قناة البول) تصبح عدوانية وتتكاثر بصورة مرضية، فإذا انتقلت هذه البكتيريا مجرى البول, استمرت في مسيرتها نحور البروستاتا حيث تصيبها بالتهابات مزمنه قد يردي تكرارها إلى الإصابة بالعقم في نهاية المطاف.

وأغلب من يلجأون إلى الوطء في الدبر أصحاب فطرة غير سوية, ولهم علاقات غير شرعية مشبوهة ومتعددة. ويمثل ذالك خطورة كبيرة حيث يساهم في إنتشار العدو بين الناس أصحاب الأهواء المنحرفة,وهذه كارثة تهدد المجتمع.

وبالنسبة للأنثى فإن تكرار الوطء في الدبر يؤدي إلى حدوث تهتك بعضلات الشرج ينتج عنه في النهاية عدم القدرة على التحكم في التبرز، وذالك بالإضافة لظهور البواسير الشرجية.

وتأتي الطامة الأكبر عند قذف السائل المنوي داخل الشرج، فوجود شروخ في الغشاء المبطن للمستقيم الشرجي وهو أمر طبيعي لمن يداومون على الوطء في الدبر يؤدي إلى نفاذ بعض الحيوانات المنوية داخل مجرى الدم، ونظر لأن الحيوانات المنوية تعتبر جسماً غريبا بالنسبة لجسم الأنثى, فإن جسمها يفرز أجساما مضادة لمهاجمة الدخيل الغريب ينتج عن ذالك وجود أجسام مضادة للحيوانات المنوية بصفة دائمه في دماء الأنثى، وعند حدوث جماع طبيعي (في المهبل) تهاجم هذه الأجسام المضادة الحيوانات المنوية المقذوفة داخل المهبل وتشل حركتها, وينتج عن ذالك العقم التام مدى الحياة.

آثار المعاشرة الجنسية الشاذة في الدبر :

اتفق الفقهاء على أن المعاشرة الجنسية الشاذة للزوجة لا توجب الحد لأن له في ذلك شبهة، ولكنه مع ذلك يعزر لفعله المحرم، قال ابن تيمية: (من وطئها في الدبر وطاوعته , عزرا جميعا , فإن لم ينتهيا وإلا فرق بينهما , كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به) [214]

أما عن تأثير هذه المعاشرة في العبادات فقد اتفق الفقهاء على أن حكمها حكم الوطء في القبل في إفساد العبادات، وتقرير المهر، ووجوب العدة، ولا يحصل به إحصان لزوجته، إنما يحصل بالوطء الكامل، ولا يحصل به الإحلال للزوج الأول، لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل، ولا تحصل به الفينة، ولا الخروج من العنة، لأن الوطء فيهما لحق المرأة، وحقها الوطء في القبل.

أما إن كانت المعاشرة لأجنبية، فقد اختلف العلماء في حكم الحد عليه على قولين:

القول الأول: أنه لا حد عليه ويعزر ويودع في السجن، وهو قول أبي حنيفة[215]، واستدل على ذلك بما يلي:

·  أنه ليس بزنا لاختلاف الصحابة w  في موجبه من الإحراق بالنار وهدم الجدار والتنكيس من مكان مرتفع باتباع الأحجار وغير ذلك، ولا هو في معنى الزنا لأنه ليس فيه إضاعة الولد واشتباه الأنساب.

·      أنه أندر وقوعا لانعدام الداعي من أحد الجانبين، بخلاف الداعي إلى الزنا.

القول الثاني: وجوب الحد عليهما، وهو قول الجمهور ،وقد اختلفوا في نوع الحد على الرأيين التاليين:

الرأي الأول: هو كالزنا، فلذلك يحد حد الزنى، وهو قول الجمهور، وقول الصاحبين، لأنه في معنى الزنا لأنه قضاء الشهوة في محل مشتهى على سبيل الكمال على وجه تمحض حراما لقصد سفح الماء.

الرأي الثاني: هو كاللواط، فلذلك يحدان حد اللواط، وهو القتل بكل حال، وهو أحد قولي الشافعي.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو الأخذ بقول الشافعي للحاجة إلى التشديد على من يسلك هذه السلوكات الشاذة، فلا معنى للتفريق بين الذكر والأنثى في ذلك، خاصة وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمى ذلك [ لوطية صغرى] [216]، وإنما أطلق عليها صغرى لكونها للزوجة، أما لغير الزوجة، فلا شك في كبرها.

2 ـ تعمد إزالة البكارة بغير جماع

وهو من السلوكات التي يمارسها بعض الجهلة اعتقادا منهم بضرورة إزالة البكارة ليلة الدخول، وقد اختلف الفقهاء في حكم هذا النوع من الإزالة على قولين[217]:

القول الأول: أن الزوج إذا تعمد إزالة بكارة زوجته بغير جماع، كأصبع، لا شيء عليه، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة، والشافعية في الأصح عندهم، واستدلوا على ذلك بأنه لا فرق بين آلة وآلة في هذه الإزالة، وقالوا :إن الإزالة من استحقاق الزوج.

وقد اختلفوا فيمن أزال بكارة زوجته بغير جماع، ثم طلقها قبل المسيس على المذاهب التالية:

مذهب الحنفية: يجب لها جميع مهرها، إن كان مسمى ولم يقبض، وباقيه إن قبض بعضه، لأن إزالة البكارة بأصبع ونحوه لا يكون إلا في خلوة.

مذهب الشافعية والحنابلة: يحكم لها بنصف صداقها واستدلوا على ذلك بما يلي:

مفهوم قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾(البقرة: 237) لأن المراد بالمس الجماع، ولا يستقر المهر باستمتاع وإزالة بكارة بلا آلة، فإن طلقها وجب لها الشطر دون أرش البكارة.

أن هذه مطلقة قبل المسيس والخلوة، فلم يكن لها سوى نصف الصداق المسمى.

أنه أتلف ما يستحق إتلافه بالعقد، فلا يضمنه بغيره.

القول الثاني: إزالة البكارة بالأصبع حرام، وإذا أزال الزوج بكارة زوجته بأصبعه تعمدا، يلزمه حكومة عدل (أرش) يقدره القاضي، ويؤدب الزوج عليه، أما لو طلقها قبل الدخول فإنه يلزمه أرش البكارة التي أزالها بأصبعه، مع نصف صداقها، وهو مذهب المالكية[218].

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذهب إليه المالكية من التشديد في القول بالحرمة للضرر الذي يصيب المرأة بهذا الفعل، أما في حال طلاقها بعد ذلك، فيرجح المذهب الحنفي من وجوب المهر كاملا، لأن غاية الدخول قد تحققت ولو بعدم المسيس، أما مذهب الشافعية والحنابلة في المسألة فهو أبعد الأقوال عن المصالح الشرعية المراعاة في هذه النواحي، وما استدلوا به من عدم المسيس لا يصح، وقد سبق بيان حكم اعتبار الخلوة موجبة للمهر كاملا في محلها من هذه السلسلة.

3 ـ تخيل امرأة أجنبية عند المعاشرة

اختلف الفقهاء فيمن تخيل امرأة أجنبية عند معاشرته لزوجته على قولين[219]:

القول الأول: إباحة ذلك، وقد قال به جمع من المتأخرين كابن الفركاح وجمال الإسلام ابن البزري والكمال الرداد شارح الإرشاد والجلال السيوطي، واقتضاه كلام التقي السبكي في كلامه على قاعدة سد الذرائع، بل نقل ابن الحاج عن بعض العلماء أنه يستحب فيؤجر عليه، لأنه يصون به دينه واستقر به بعض المتأخرين إذا صح قصده بأن خشي تعلقها بقلبه واستأنس له بما في الحديث الصحيح من أمر (من رأى امرأة فأعجبته أنه يأتي امرأته فيواقعها) [220]، ومن الأدلة على ذلك:

·      قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها)

·  أن المحرم هو التصميم والعزم على الزنا بخلاف الهاجس والواجس وحديث النفس والعزم وما نحن فيه ليس بواحد من هذه.

·  أنه لم يخطر له عند ذلك التفكر والتخيل فعل زنا ولا مقدمة له فضلا عن العزم عليه، وإنما الواقع منه تصور قبيح بصورة حسن فهو متناس للوصف الذاتي، متذكر للوصف العارض باعتبار تخيله، وذلك لا محذور فيه إذ غايته أنه تصور شيء في الذهن غير مطابق للخارج.

·  أنه لو فرضنا أنه يضم إليه خطور الزنا بتلك الحسناء لو ظفر بها حقيقة لم يأثم إلا إن صمم على ذلك، فاتضح أن كلا من التفكر والتخيل حال عن تلك الخواطر الخمسة، وأنه لا إثم إلا إن صمم على فعل المعصية بتلك المتخيلة لو ظفر بها في الخارج.

·  أن القول بالكراهة تتطلب نهيا خاصا وإن استفيد من قياس، أو قوة الخلاف في وجوب الفعل فيكره تركه كغسل الجمعة أو حرمته فيكره كلعب الشطرنج إذ لم يصح في النهي عنه حديث.

القول الثاني: حرمة ذلك، وقد نص عليه، مع المبالغة في التشديد ابن الحاج، فهو زعيم من يقول بالتحريم، حتى أنه شبهه بالزنا، قال في المدخل:(يتعين عليه أن يتحفظ في نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول  من هذه الخصلة القبيحة التي عمت بها البلوى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأة أعجبته، وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوع من الزنا لما قاله علماؤنا رحمة الله عليهم فيمن أخذ كوزا يشرب منه الماء، فصور بين عينيه أنه خمر يشربه أن ذلك الماء يصير عليه حراما، وهذا مما عمت به البلوى حتى لقد قال لي من أثق به: إنه استفتى في ذلك من ينسب إلى العلم فأفتى بأن قال: إذا جعل من رآها بين عينيه عند جماع زوجته فإنه يؤجر على ذلك، وعلله بأن قال إذا فعل ذلك صان دينه فإنا لله وإنا إليه راجعون على وجود الجهل والجهل بالجهل([221]

وذكر أن الحرمة تتعلق بهما جميعا، قال:( وما ذكر لا يختص بالرجل وحده بل المرأة داخلة فيه بل هي أشد، لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج أو النظر من الطاق فإذا رأت من يعجبها تعلق بخاطرها، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني نسأل الله السلامة بمنه، ولا يقتصر على اجتناب ذلك ليس إلا، بل ينبه عليه أهله وغيرهم، ويخبرهم بأن ذلك حرام لا يجوز، وقد ذكر الطرطوشي رحمه الله في ذلك حديثا عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (: إذا شرب العبد الماء على شبه المسكر كان ذلك الماء عليه حراما) [222]

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة والأوفق بالمقاصد الشرعية والأقرب لسد الذرائع هو الأخذ بالقول الثاني، فهو أدل على إخلاص الزوجين لبعضهما، أما ما ذكروه من أن ذلك قد يشغله عن من اشتغل خاطره بها، وهو من أقوى أدلتهم حتى ذهب بعضهم إلى القول بالاستحباب بسببها، فإنه لا يصح لأن) إدمان ذلك التخيل يبقي له تعلقا ما بتلك الصورة فهو باعث على التعلق بها لا أنه قاطع له، وإنما القاطع له تناسي أوصافها وخطورها بباله ولو بالتدريج حتى ينقطع تعلقه بها رأسا([223]

قال في طرح التثريب:(كما اشترطوا النية في العبادة اشترطوا في تعاطي ما هو مباح في نفس الأمر أن لا يكون معه نية تقتضي تحريمه ،كمن جامع امرأته أو أمته ظانا أنها أجنبية أو شرب شرابا مباحا , وهو ظان أنه خمر أو أقدم على استعمال ملكه  ظانا أنه لأجنبي ونحو ذلك, فإنه يحرم عليه تعاطي ذلك اعتبارا بنيته , وإن كان مباحا له في نفس الأمر غير أن ذلك لا يوجب حدا ولا ضمانا لعدم التعدي في نفس الأمر، بل زاد بعضهم على هذا بأنه لو تعاطى شرب الماء , وهو يعلم أنه ماء ولكن على صورة استعمال الحرام كشربه في آنية الخمر في صورة مجلس الشراب صار حراما لتشبهه بالشربة , وإن كانت النية لا يتصور وقوعها على الحرام مع العلم بحله ونحوه لو جامع أهله , وهو في ذهنه مجامعة من تحرم عليه وصور في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة , فإنه يحرم عليه ذلك وكل ذلك لتشبهه بصورة الحرام ([224]

4 ـ النزوات الشاذة

من الأمور التي قد يفتى فيها بالحرمة بعض النزوات التي تعتري البعض نتيجة إدمانه للعملية الجنسية وانشغال خاطره بها، متصورا أنه من خلالها يقاوم ما يسمى بالملل الجنسي.

وهذه النزوات في حقيقتها إرث من إرث انغماس المسلمين في أنماط الحياة الغربية، أو هي نتيجة للانحرافات النفسية التي تحاول أن تلبس لباس الفطرة.

ولا نستطيع أن نحصر هذه النزوات، ولا أن نحكم عليها حكما واحدا، ولكنا سنذكر هنا انطلاقا مما وصف وكتب غير متأكدين من وقوع بعض ذلك أو عدم وقوعه، لأن الغرض هو التنبيه إلى الابتعاد عن هذه النزوات والاكتفاء بالممارسة الفطرية السليمة المهذبة.

ومن هذه النزوات[225]:

إخضاع الشريك: يتلذذ بعض الرجال بإخضاع زوجاتهم أثناء الممارسة الجنسية إخضاعا تاما، يجعلها أداة وليست شريكة. وتصور لهم نزواتهم، أن فرض السيطرة المطلقة على جسد المرأة، وإذلالها نفسيا عن طريق تصورها وكأنها جارية في الفراش، يتيح لهم أن يحصلوا على متعة فائقة، وخصوصا عندما يصدرون الأوامر القاطعة التي تجعل المرأة أداة طيعة لممارسة الجنس الذي يشتهون.

إيلام الشريك: لا شك أن بعض العنف، أو القليل منه تحديدا، يضفي مزيدا من الإثارة والديناميكية على العملية الجنسية، وأن الأصوات التي تطلقها المرأة في حالة نشوة، ترضى أحاسيس الرجل لأنها مؤشر على نجاحه في إمتاع زوجته، لكن يجب التمييز بين الناتجة الناجمة عن النشوة، وبين الأصوات الناجمة عن الألم، وخصوصا أن هناك من يعشقون إيلام زوجاتهم أثناء الممارسة، كواحدة من النزوات الجنسية التي يتعلقون بها.. من دون أن يفكروا أن الكثير من الألم يحول الممارسة الجنسية إلى عقوبة حقيقية.

تجويع الشريك: هذه نزوة قد يمارسها الرجال على النساء، أو النساء على الرجال أيضا.. وهي تعتمد على شدة إثارة الشريك بالكلمات أو الإيماءات، أو مداعبته في الفراش، ثم تركه هائجا، يرجو ويشتهي إتمام العملية الجنسية.

والتجويع الجنسي للشريك قد يأخذ أشكالا أخرى، منها الهجر في الفراش من دون سبب موجب، سوى حب الإثارة، والاستحواذ على مشاعره ورغباته بغية رفع حرارة الممارسة الجنسية واستثارة غريزته الجنسية بشكل لاهب.

و هذه النزوة قد تدفع الشريك إلى ردة فعل معاكسة، وخصوصا عندما يشعر أن الأمر ينطوي على ابتزاز لمشاعره، وان تلبية الرغبة الجنسية، لا تتم بشكل عفوي وطبيعي، وإنما عبر افتعال إثارة تنهك قدرته على الاحتمال أحيانا.. وتجعله يقع فريسة التوتر الناجم عن صعوبة تفريغ طاقته الجنسية الفائضة.. مما يهدد بفقدان حرارة الممارسة الجنسية.. ويدفع إلى الخيانة الزوجية.

الاستغراق في الإيهام: يحب بعض الأزواج، أن يمزج الممارسة الجنسية بشيء من لعبة الإيهام والتمثيل، فيطلب من زوجته مثلا، أن تمثل دور المرأة المغتصبة، أو أن تمثل دور المرأة التي تريد اغتصاب زوجها لأنها تشتهيه، أو المرأة الخائفة من شيء ما، والتي تلتجئ إلى حضن زوجها لتداري خوفها فيكون الجنس هو الدواء الناجع.

ومن النزوات التي ينبغي التشديد فيها ما سئل عنه الشيخ القرضاوي من أن يصور الزوج نفسه مع زوجته ليرونه في وقت آخر للإثارة.

وقد أفتى الشيخ القرضاوي في ذلك بقوله :(قد يقع هذا الشريط في يد أحد آخر فيشاهده أو يستخدمه، فَسَدَّاً للذريعة لا داعي لهذا، هما أحرار طالما أن الأمر فيما بينهما إنما خشية أن يطَّلع عليه أحد فلا داعي لهذا)[226]

 



([1])   ابن أبي شيبة: 3/517، شرح معاني الآثار: 3/42.

([2])   أسنى المطالب: 3/185.

([3])   السياسة الشرعية:209.

([4])   البخاري:2/697، مسلم: 2/813، البيهقي:4/299، أحمد:2/197.

([5])   سبق تخريجه.

([6])   تحفة الأحوذي: 7/81.

([7])   مصنف عبد الرزاق: 7/148، الإصابة:5/646.

([8])   ابن حبان: 9/473، الأحاديث المختارة: 8/160، الترمذي:3/465، مجمع الزوائد: 4/295، البيهقي:7/292، المعجم الكبير:8/331.

([9])   سبق تخريجه.

([10])   انظر في شرح الحديث:نيل الأوطار:6/361، تحفة الأحوذي:4/272.

([11])   قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، الترمذي:3/465، ابن حبان:9/473، البيهقي:7/292.

([12])   فيض القدير:1/343.

([13])   تحفة الأحوذي:4/272.

([14])   القتاوى الكبرى: 3/145.

([15])   أما الحد الواجب باعتبار الكيفية فسنتكلم عنه عند الحديث عن ضابط العنة.

([16])   المحلى:9/174.

 ([17])   بدائع الصنائع: 2/331.

([18])   نص الفقهاء على أن طلب المرأة الوطء عند الحاكم لا يناقض الحياء الممدوح ولا المروءة المستحسنة ; لأنه مقصود النكاح. فإذا عقدته علم الكل أنه له , فإذا تعذر جاز طلبه دينا وحسن مروءة.

([19])   الإنصاف :8/354.

([20])   الفتاوى الكبرى: 1/294.

([21])   لسان العرب:13/291.

([22])   انظر: درر الحكام:1/399.

([23])   أما إن كان الذكر مقطوع الحشفة , فقد اختلف فيه على قولين كلاهما مروي عند الحنابلة والشافعية، وهما :

1. لا يخرج عن العنة إلا بتغييب جميع الباقي ; لأنه لا حد هاهنا يمكن اعتباره , فاعتبر تغييب جميعه ; لأنه المعنى الذي يتحقق به حصول حكم الوطء.

2. يعتبر تغييب قدر الحشفة , ليكون ما يجزئ من المقطوع مثل ما يجزئ من الصحيح. انظر: المغني:7/155.

([24])   الجوهرة النيرة: 2/22.

([25])   ومن الأقوال عند المالكية يقام في الماء البارد , فإن تقلص حكم بقوله , وإن بقي مسترخيا حكم لها , وليس بشيء , ولو ثبت العنن , ثم ادعى الوطء , فالقول قوله مع يمينه وقيل: إن ادعى الوطء قبلا , وكانت بكرا , نظر إليها النساء فإن كانت ثيبا , حشي قبلها خلوقا , فإن ظهر على العضو صدق , وهو شاذ، ولو ادعى أنه وطئ غيرها , أو وطئها دبرا , كان القول قوله مع يمينه , ويحكم عليه إن نكل وقيل: بل يرد اليمين عليها , وهو مبني على القضاء بالنكول. تبصرة الحكام: 2/197.

([26])   أسنى المطالب: 2/182.

([27])   انظر: الفروع: 5/228.

([28])   شرائع الإسلام: 2/265.

([29])   هو طرف الثوب الذي لم ينسج، مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن، وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار، فتح الباري:9/465.

([30])   البخاري: 5/2014، البيهقي: 7/374.

([31])   التمهيد:13/225.

([32])   التمهيد:13/226.

([33])   المبسوط:5/101.

([34])   المبسوط:5/101.

([35])   تعارف الفقهاء على أنه إذا أطلقت الأشهر فإنما يقصد بها الهلالية , قال ابن الهمام: الصحيح أن المراد بالسنة السنة القمرية وإذا أطلق لفظ السنة انصرف إلى ذلك ما لم يصرحوا بخلافه , وقال صاحب الإنصاف: المراد اثنا عشر شهرا هلالية. قال الشيخ تقي الدين: هو هذا , ولكن تعليلهم بالفصول يوهم خلاف ذلك.

([36])   المبسوط:5/101.

([37])   مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14- 20 آذار (مارس) 1990م، اعتمادا على على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410هـ الموافق 23- 26/10/1990م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإِسلامية للعلوم الطبية.

([38])   مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادي الآخرة 1408 هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988.

([39])   سبق تخريجه.

([40])   في هذا الفرض لا بد من اجراء جراحة ويقوم الطبيب بعمل فتحة في الغشاء لنزول دم الحيض المجتمع في المهبل والرحم ويجب ان ينتبه الجراح إلى ترك جزء كاف من الغشاء حول الفتحة التي يفتحها، ليفض عند الزواج، الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية: 427.

([41])   الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية: 425.

([42])   الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية: 427.

([43])   الرؤية الاسلامية لبعض الممارسات الطبية: 428.

([44])   القرطبي:3/124.

([45])   سبق تخريجه.

([46])   سبل السلام:7/160.

([47])   طرح التثريب :7/2.

([48])   تحفة المحتاج:7/186.

([49])   الرفث بفتح الراء والفاء - في اللغة: الجماع وغيره مما يكون بين الرجل والمرأة من تقبيل ونحوه مما يكون في حالة الجماع , ويطلق على الفحش.

([50])   البخاري: 2/682، مسلم: 2/809، الدارمي:2/23، مجمع الزوائد:3/157، البيهقي: 4/229، النسائي: 2/244 ،ابن ماجة:1/535.

([51])   واختلفوا فيما عليه إن فعل ذلك على قولين:

القول الأول: إن فعل شيئا من ذلك فسد اعتكافه، وهو قول مالك والشافعي كما قال المزني.

لقول الثاني:  لايفسد الاعتكاف من الوطء إلا ما يوجب الحد، واختاره المزني قياسا على أصله   في  الحج والصوم، لأن الجماع إذا حرم في العبادة أفسدها كالحج والصوم، القرطبي:2/332.

([52])   القرطبي:2/332.

([53])   المسند المستخرج على مسلم: 1/355، مسند أبي عوانة: 1/355، الدارمي: 1/264، النسائي: 2/267، أحمد: 6/170.

([54])   البخاري:1/154، مسلم: 2/906، البيهقي: 5/97، مسند أبي يعلى: 9/477.

([55])   شرح النووي عل مسلم:8/219.

([56])   البيضاوي:1/509.

([57])   كشاف القناع:1/198، ونفس الحكم فيما لو كان صائما في رمضان، فقد نصوا على أنه »إذا خاف من به شبق  تشقق أنثييه أو به مرض ينتفع فيه بوطء ساغ له الوطء وقضى بلا كفارة إن لم   تندفع  شهوته  بغيره وإلا لم يجز، وكذا إن أمكنه أن  لا  يفسد صوم زوجته لم يجز وإلا جاز للضرورة فوطء صائمة أولى من حائض ،وقيل يتخير«، انظر:المبدع: 3/15، الفروع:3/21، ونرى أن سد هذا الباب أولى من فتحه، فخطورة فتحه المؤدية إلى  التساهل في الأحكام الشرعية المجمع عليها والمعلومة من الدين بالضرورة لا يمكن درؤها.

([58])   مسلم: 1/246، ابن حبان: 4/196، أبو يعلى: 6/238.

([59])   سبق تخريجه.

([60])   القرطبي:3/81.

([61])   البيهقي: 1/312.

([62])   مسلم:1/246، البيهقي: 1/312، أحمد: 6/117، مسند إسحق بن راهويه: 3/676.

([63])   قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: له أن يستمتع بما فوق المئزر وليس له ما تحته وقال محمد رحمه الله تعالى: يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وذكر الطحطاوي قول أبي يوسف مع أبي حنيفة رحمهم الله تعالى وذكره الكرخي مع محمد، المبسوط: 10/159.

([64])   البخاري: 1/115، الدارمي:1/263، أحمد: 6/55.

([65])   الدارمي:1/259، مجمع الزوائد: 1/281.

([66])   مجمع الزوائد: 1/270، البيهقي:1/312.

([67])   البخاري:1/28،مسلم: 3/1219، ابن حبان:12/380،الترمذي:3/511، الدارمي:2/319.

([68])   ومع ذلك قال: » ومع هذا فالأفضل أن يقتصر في الاستمتاع على ما فوق الإزار لأنه هو الغالب على استمتاع النبي r  بأزواجه«، انظر: شرح العمدة:1/463.

([69])   انظر: شرح العمدة:1/461.

([70])   المبدع: 1/265، الكافي في فقه ابن حنبل:1/74، المغني:1/203، المهذب:1/38، حواشي الشرواني: 1/390، المبسوط:10/159، التمهيد: 3/175، مختصر اختلاف العلماء: 1/174، بداية المجتهد: 1/43.

([71])   الحاكم: 1/49، الدارمي: 1/175، مجمع الزوائد: 5/117، البيهقي: 7/198، أبو داود: 4/15، ابن ماجة: 1/209.

([72])   استدل به في المبسوط: 10/159.

([73])   وقال في موضع: ليس به بأس , وقد روى الناس عنه. فاختلاف الرواية عند الحنابلة في الكفارة مبني على اختلاف قول أحمد في الحديث، المغني:1/204،  وانظر نقد ابن حزم لأحاديث المسألة في: المحلى:2/189.

([74])   قال الحاكم: هذا حديث صحيح فقد احتجا جميعا بمقسم بن نجدة فأما عبد الحميد بن عبد الرحمن فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري ثقة مأمون، الحاكم: 1/278، الدارمي: 1/270، البيهقي:1/314، أبو داود: 1/69، النسائي: 5/347، أحمد:1/229..

([75])   بداية المجتهد:1/43.

([76])   انظر: القرطبي:3/87، وانظر الآثار الواردة في المسألة في الدارمي:1/271.

([77])   وقد اختلفوا في إخراج القيمة على رأيين:

      الرأي الأول:  يجوز إخراج القيمة ; لأن المقصود يحصل بإخراج هذا القدر من المال , على أي صفة كان من المال , فجاز بأي مال كان , كالخراج والجزية.

      الرأي الثاني :لا يجوز إخراج القيمة ; لأنه كفارة , فاختص ببعض أنواع المال , كسائر الكفارات.

([78])   سبق تخريجه.

([79])   الدارمي:1/271.

([80])   وللشافعية قول شاذ عندهم هو أن الكفارة الواجبة عتق رقبة بكل حال ; لأنه روي ذلك عن عمر بن الخطاب t  وهذا شاذ مردود. قال صاحب الحاوي: قال الشافعي في القديم: إن صح حديث ابن عباس قلت به. قال: فكان أبو حامد الإسفراييني وجمهور البغداديين يجعلونه قولا قديما , وكان أبو حامد المروزي وجمهور البصريين لا يجعلونه قولا قديما ولا يحكونه مذهبا للشافعي ; لأنه علق الحكم على صحة الحديث ولم يصح , وكان ابن سريج يقول: لو صح الحديث لكان محمولا في القديم على الاستحباب لا على الإيجاب، انظر: المجموع شرح المهذب: 2/390.

([81])   ابن حبان: 16/202، الحاكم: 2/216، مجمع الزوائد: 6/250.

([82])   مجمع الزوائد: 6/250، الدارقطني: 4/170، ابن ماجة: 1/659.

([83])   أدنى وقت صلاة ـ عند الحنفية ـ هو ما إذا أدركت من الوقت بقدر أن تقدر على الاغتسال والتحريمة، وعللوا هذا الحكم بأن زمان الاغتسال هو زمان الحيض فلا تجب الصلاة في ذمتها ما لم تدرك قدر ذلك من الوقت، ولهذا لو طهرت قبيل الصبح بأقل من ذلك لا يجزيها صوم ذلك اليوم ولا يجب عليها صلاة العشاء فكأنها أصبحت وهي حائض ويجب عليها الإمساك، انظر:تبيين الحقائق: 1/59.

([84])   المحلى: 1/391.

([85])   البخاري: 1/128، ابن خزيمة: 2/5، الحاكم: 2/460، الترمذي: 4/123، الدارمي: 1/374، البيهقي: 1/212، ابن ماجة: 1/188.

([86])   ابن خزيمة: 1/8، ابن حبان: 4/604، الدارمي: 1/185، البيهقي: 1/42، أبو داود: 1/16 النسائي: 2/31، ابن ماجة: 1/100، أحمد: 2/19.

([87])   المغني:1/205.

([88])   القرطبي:3/89،التمهيد:21/171،المنتقى:1/118،شرح الزرقاني:1/170.

([89])   انظر هذه الروايات بتخريجها في: ابن كثير:2/390.

([90])   رواه الترمذي وابن ماجة من حديث يونس بن الحارث وهو ضعيف وقال الترمذي غريب من هذا الوجه، ابن كثير:2/390.

([91])   انظر: ابن كثير:2/390.

([92])   للمالكية ثلاثة أقوال في المسألة ، والمشهور عندهم المنع والجواز في المبسوطة عن ابن نافع، ونقل عياض أن بعض البغداديين تأول قول مالك عليه والثالث الكراهة لابن بكير، انظر: مواهب الجليل:1/374.

([93])   اتفق الفقهاء على أنه إذا انقطع دمها , أبيح وطؤها من غير غسل لأنه ليس بواجب عليها , وهو يشبه سلس البول.

([94])   انظر: شرح النووي على مسلم:4/17.

([95])   ابن أبي شيبة:3/543.

([96])   التمهيد:16/70.

([97])   البيهقي: 1/329، أبو داود: 1/83، ابن ماجة: 1/205، مصنف ابن أبي شيبة: 1/120.

([98])   ابن ماجة: 1/205، البيهقي:1/339، ابن أبي شيبة: 1/120.

([99])   نيل الأوطار:1/356.

([100])   أكدت العديد من الدراسات العلمية إلى إن الاتصال الجنسي إثناء الحمل هو من الأمور العادية والتي لاتحمل أي أضرار للمرأة أو جنينها.

([101])   انظر: موقع « عالم الحياة الزوجية »  .

([102])   الطب النبوي:194.

([103])   البخاري:3/1038، الترمذي:4/108، النسائي:6/385.

([104])   سبق تخريجه.

([105])   سبق تخريجه.

([106])   مسلم: 2/697، ابن حبان: 9/475، البيهقي: 4/188، البزار: 9/353، أحمد: 5/167.

([107])   زاد المعاد: 4/49.

([108])   القرطبي:3/96.

([109])   البخاري:1/65، ابن حبان: 3/263، الترمذي: 3/401، الدارمي: 2/195، النسائي:5/327.

([110])   انظر: فتح الباري: 9/229، عون المعبود: 6/139، شرح النووي على مسلم: 10/5، فيض القدير: 5/306.

([111])   انظر: فتح الباري:9/229.

([112])   المدخل:2/186.

([113])   فتح الباري:9/229.

([114])   البخاري: 1/104، ابن خزيمة: 4/157، المجتبى: 1/209.

([115])   الفتاوى الفقهية الكبرى: 1/41.

([116])   الفتاوى الفقهية الكبرى: 1/41.

([117])   من موقع « عالم الحياة الزوجية »  .

([118])   الإحياء: 2/50.

([119])   شرائع الإسلام:2/212.

([120])   حاشية الجمل:4/132.

([121])   الطب النبوي:205.

([122])   الطب النبوي:197.

([123])   المدخل:2/186.

([124])   شعب الإيمان: 6/145، نوادر الأصول: 4/46، قال المناوي: وفيه داود مولى أبي مكمل  قال في الميزان قال: البخاري منكر الحديث، ثم ساق له هذا الخبر، قال المناوي: فيه أيضا ابن لهيعة وأسامة بن زيد الليثي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: فيه لين ورواه الطبراني والديلمي عن ابن عمر، فيض القدير: 4/440.

([125])   الآداب الشرعية:2/389.

([126])   الترمذي: 3/464، مصنف ابن أبي شيبة: 4/5.

([127])   المعس: الدلك , و(المنيئة) بميم مفتوحة ثم نون مكسورة ثم همزة ممدودة ثم تاء تكتب هاء: هي الجلد أول ما يوضع الدباغ , وقال الكسائي: يسمى منيئة ما دام في الدباغ , وقال أبو عبيدة: هو في أول الدباغ منيئة، انظر: تحفة الأحوذي: 4/270، النووي على مسلم: 9/178، عون المعبود:6/132.

([128])   قال العلماء: إنما فعل هذا بيانا لهم , وإرشادا لما ينبغي لهم أن يفعلوه , فعلمهم بفعله وقوله. وفيه أنه لا بأس بطلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وغيره , وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه , لأنه ربما غلبت على الرجل شهوة يتضرر بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره،النووي على مسلم:9/178.

([129])   مسلم: 2/1021، البيهقي: 7/90، أبو داود:2/246، النسائي: 5/351، أحمد: 3/330.

([130])   النووي على مسلم:9/178.

([131])   ذكره ابن قدامة في المغني مرسلا عن عمر بن عبد العزيز:7/228، ولم أجد تخريجه.

([132])   قال المناوي: فيه خلف بن محمد الخيام قال في الميزان قال الحاكم سقط بروايته هذا الحديث، وقال الخليلي: خلط وهو ضعيف جدا روى متونا لا تعرف، وفيه عبد الله العتكي أدخله البخاري في الضعفاء ونوزع، فيض القدير:6/323، وانظر: ميزان الاعتدال: 2/453، لسان الميزان: 2/404.

([133])   المدخل:2/186.

([134])   نوادر الأصول:2/19.

([135])   نوادر الأصول:2/19.

([136])   رواه ابن ماجة والطبراني من حديث عتبة بن عبد بلفظ ولا يتجرد، وأخرجه النسائي والطبراني وابن عدي من حديث عبدالله بن سرجس، وأخرجه ابن أبي شيبة والبزار وابن عدي والعقيلي والطبراني من حديث أبي وائل عن عبدالله بن مسعود ليث قبله، قال البزار تفرد به مندل عن الأعمش وأخطأ فيه، وقال ابو زرعة أخطأ فيه مندل ونقل إذنه أن الأعمش بلغه ذلك فقال كذب مندل إنما هو عن عاصم عن أبي قلابة وهذا كله يدل على أن الذي أخرجه الطبراني عن على بن عبدالعزيز عن أبي غسان عن إسرائيل عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود خطأ إما من إسرائيل أو ممن دونه، انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية:2/228، نصب الراية: 4/246، مجمع الزوائد: 4/293، البيهقي: 7/193، النسائي: 5/327، ابن ماجة: 1/618، مصنف ابن أبي شيبة: 4/45، عبد الرزاق: 6/194.

([137])   العير هو الحمار الأهلي وغلب على الوحشي، قال المناوي: وخص ضرب المثل بالحمار زيادة في التنفير والتقريع واستهجانا لذلك الأمر الشنيع ولأنه أبلد الحيوان وأعدمه فهما وأقبحه فعلا، فيض القدير:1/238.

([138])   فيض القدير:1/238.

([139])   أخرجه الطبراني في الأوسط والبزار، وفي إسناده ضعف،  انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية:2/228.

([140])   قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، الترمذي:5/112.

([141])   نيل الأوطار:6/345.

([142])   البيهقي: 1/96.

([143])   رواه عبدالرزاق والطبراني، انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية:2/228.

([144])   المدخل:2/282.

([145])   الزواجر عن اقتراف الكبائر: 2/47.

([146])   المدخل:2/186.

([147])   المجموع:2/94، الإنصاف:8/358.

([148])   المنتقى:1/336، المدونة:1/117.

([149])   مصنف عبد الرزاق: 6/194، قال المناوي: إسناده حسن، فيض القدير:1/325.

([150])   فيض القدير:1/325.

([151])   الفردوس بمأثور الخطاب:1/294.

([152])   المدخل:2/186.

([153])   المدخل:2/186.

([154])   انظر التفاصيل في موقع « عالم الحياة الزوجية ».

([155])   ابن خزيمة: 1/142، مجمع الزوائد:3/22، البيهقي: 2/411، تلخيص الحبير:1/34.

([156])   كشاف القناع:5/194.

([157])   انظر هذه الأحاديث في :مسلم: 1/249، ابن خزيمة: 1/109، ابن حبان: 4/11، البيهقي: 1/203، الترمذي: 1/261، أبو داود: 1/56.

([158])   شرح النووي على مسلم:3/217.

([159])   نيل الأوطار:1/171.

([160])   زاد المعاد: 4/254.

([161])   المحلى:1/88.

([162])   نيل الأوطار:1/271.

([163])   انظر: نيل الأوطار:1/271، سبل السلام:1/89، عون المعبود: 1/255.

([164])   فيض القدير:1/238.

([165])   الزواجر عن اقتراف الكبائر: 2/45.

([166])   أي يصل إليها استمتاعا فهو كناية عن الجماع، وتفضي إليه أي تستمع به وأصله من الفضاء      قال الراغب: الفضاء المكان الواسع ومنه أفضى بيده وأفضى إلى امرأته قال U:)وقد أفضى بعضكم إلى بعض النساء﴾، فيض القدير:2/534.

([167])   مسلم: 2/1060، مسند أبي عوانة: 3/86، البيهقي: 7/193، أبو داود: 4/268.

([168])   أي بفتح الراء وتشديد الميم: سكتوا , وقيل سكتوا من خوف ونحوه، الترغيب والترهيب:3/61.

([169])   رواه أحمد، الترغيب والترهيب:3/61.

([170])   المدخل:2/195.

([171])   فيض القدير:2/534.

([172])   الأحاديث المختارة: 10/100، الترمذي: 5/216، البيهقي: 7/198، النسائي: 5/314، أحمد: 1/297، أبو يعلى:5/121.

([173])   فتح الباري:8/192.

([174])   الطب النبوي:198.

([175])   سبق تخريجه.

([176])   الطب النبوي:198.

([177])   الآداب الشرعية:2/389.

([178])   رد المحتار :6/367.

([179])   المحلى:9/164.

([180])   المحلى:9/165.

([181])   قال في الدراية: لم أجده، الدراية:2/229.

([182])   سبق تخريجه.

([183])   المبسوط:10/149.

([184])   أحكام القرآن لابن العربي:3/383.

([185])   بدائع الصنائع:2/331.

([186])   سبق تخريجه.

([187])   المغني:7/77.

([188])   قواعد الأحكام:2/165.

([189])   التاج والإكليل:5/23.

([190])   حاشية الدسوقي:2/215.

([191])   غذاء الألباب:1/98.

([192])   غذاء الألباب:1/98.

([193])   منح الجليل:3/256.

([194])   الدراية:2/229، المجروحين: 202، فيض القدير: 1/326.

([195])   فيض القدير:1/326.

([196])   منح الجليل:3/256.

([197])   د.يوسف القرضاوي: برناحج الشريعة والحياة ليوم: 25/10/1998.

([198])   الآداب الشرعية:2/389.

([199])   المحلى:10/18.

([200])   رد المحتار :6/367.

([201])   كشاف القناع:5/194.

([202])   رواه الأزدي في كتاب الضعفاء عن إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي عن محمد التستري عن مسعر بن كدام عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال مخرجه الأزدي: إبراهيم ساقط، ونوزع والخليلي في مشيخته من هنا الوجه عن أبي هريرة، ثم قال تفرد به محمد بن عبد الرحمن التستري وهو شامي يأتي بمناكير، فيض القدير:1/326.

([203])   من موقع « عالم الحياة الزوجية ».

([204])   زاد  المعاد:4/257.

([205])   سبب اشتهار هذا القول عن مالك هو الكتاب المنسوب إليه، والمسمى بكتاب السر، قال ابن الحاج عند حديثه عن هذه المسألة:« هي مسألة معضلة في الإسلام , وليتهم لو اقتصروا على ذلك لكنهم نسبوا ذلك إلى الجواز , ويقولون: إنه مروي عن مالك رحمه الله , وهي رواية منكرة عنه لا أصل لها ; لأن من نسبها إلى مالك إنما نسبها لكتاب السر , وإن وجد ذلك في غيره فهو متقول عليه , وأصحاب مالك رحمه الله مطبقون على أن مالكا لم يكن له كتاب سر , وفيه من غير هذا أشياء كثيرة منكرة يجل غير مالك عن إباحتها فكيف بمنصبه »المدخل :2/192، وقال الحطاب :« القول بالجواز منسوب لمالك في كتاب السر وموجود له في اختصار المبسوط قاله ابن عبد السلام قال: قال مالك: إنه أحل من شرب الماء البارد »، قال ابن فرحون عن هذا الكتاب:« وقفت عليه , فيه من الغض من الصحابة والقدح في دينهم خصوصا عثمان t  ومن الحط على العلماء والقدح فيهم ونسبتهم إلى قلة الدين مع إجماع أهل العلم على فضلهم خصوصا أشهب ما لا أستبيح ذكره وورع مالك ودينه ينافي ما اشتمل عليه كتاب السر وهو جزء لطيف نحو ثلاثين الذي وضع باسمه » انظر: مواهب الجليل :3/407،  ونرى أن مثل هذه الكتب الموضوعة هي التي يشير إليها الفقهاء عند نسبة الأقوال الشاذة إلى الأئمة والعلماء من غير تحقيق، فالوضع لم يكن في الحديث فقط، بل شمل كل العلوم الشرعية.

([206])   المغني: 7/225، وروي ذلك عن الشافعي أيضا أنه قال :« لم يصح في تحليله , ولا تحريمه شيء , والقياس أنه حلال »، وقد رد الربيع ذلك بقوله :« والله الذي لا إله إلا هو لقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب »، سبل السلام: 2/202.

([207])   أحكام القرآن لابن العربي: 1/238.

([208])   زاد المعاد:4/261.

([209])   انظر :المحلى: 9/220.

([210])   أحمد: 2/444.

([211])   سبق تخريجه.

([212])   انظر: الفردوس بمأثور الخطاب: 3/307، فيض القدير:5/7.

([213])   زاد المعاد :4/262.

([214])   الفتاوى الكبرى:3/104.

([215])   قال في الهداية: «وما رواه محمول على السياسة أو على المستحل إلا أنه يعزر عنده لما بيناه فإن ذلك يوجب حد اللوطي » قال الشارح والرأي فيه إلى الإمام إن شاء قتله إن اعتاد ذلك , وإن شاء ضربه وحبسه، العناية شرح الهداية: 5/263.

([216])   انظر: البيهقي: 7/198، النسائي: 5/319، مجمع الزوائد: 4/298، أحمد: 2/182، شعب الإيمان: 4/356.

([217])   فتح العلي المالك:1/423، رد المحتار:3/102، حاشية البجيرمي:3/387.

([218])   قال ابن شاس إن أزالها بأصبعه ثم طلقها فعليه بقدر ما شانها مع نصف صداقها , وينظر إلى ما شانها عند الأزواج في حالها وجمالها، وقال ابن القاسم عليه المهر كاملا، انظر: منح الجليل :9/1260.

([219])   تحفة المحتاج: 7/205، الفتاوى الفقهية الكبرى:4/88، الآداب الشرعية:1/97.

([220])   سبق تخريجه.

([221])   المدخل:2/195.

([222])   المدخل:2/195.

([223])   تحفة المحتاج:7/206.

([224])   طرح التثرب:2/18.

([225])   منقولة من كتابات مختلفة من موقع « عالم الحياة الزوجية » بتصرف.

([226])   د.يوسف القرضاوي: برناحج الشريعة والحياة ليوم: 25/10/1998.