الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: أنبياء يبشرون بمحمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

ثانيا ـ بشارة يعقوب

في اليوم الثاني، قررت أن أسير إلى بعض المستشفيات لزيارة المرضى، والتعرف عليهم .. فالمرضى أرق الناس قلوبا، وأكثرهم حبا للخلاص واستعدادا له، وقد لقنت من الأساليب ما يملأ المرضى لهفة لسماعي، وحرصا على اتباعي.

رأيت رجلا في المستشفى ملقى على سريره، وكأنه يجود بنفسه، هرعت إليه، وسألته عن حاله، فتكلم بصوت تختلط فيه الحياة بحشرجة الموت، وقال لي: اسمعني جيدا.. إنني في آخر لحظات حياتي، وقد أرسلك الله لي، لأنطق أمامك بما عجزت طول عمري عن النطق به.

قلت: هون عليك يا أخي .. فلعل الله يمد في عمرك .. ولعلني أستطيع أن أنقذك بما أستطيع أن أنقذك به.

قال: لا .. لم يبق من عمري إلا مقدار هذه الكلمات التي لم يسمعها مني غيرك .. فلا تشغل نفسك بشيء.

قلت: من أنت أولا؟

قال: أنا يعقوب .. ولا يهمك من أي قبيلة أنا .. ولا من أي بلد ..

قلت: أنت يهودي على ما يبدو.

قال: كنت يهوديا، ثم بان لي عوار اليهودية وتحريفها، فهرعت إلى المسيحية، علني أجد عند عبدة المسيح ما لم أجده عند عبدة العجل.

قلت: لا شك أنك وجدت ما تبحث عنه عندهم؟

قال: لا .. لقد ضل هؤلاء، كما ضل أولئك.

قلت: فأنت لا دين لك إذن ..

قال: قد كنت قبل ساعة لا دين لي .. لكني الآن سأموت على خير دين، وأصدق دين.

قلت: أي دين هذا الذي آثرته على كل الأديان؟

قال: دين محمد ..

أصابتني رعشة، وقلت: ما الذي تقوله؟

قال: أصدقك .. لقد كنت من أحبار اليهود .. وعلمي بالكتاب المقدس وبلغات الكتاب المقدس لا يضاهيه أحد .. لقد كنت مرجعا في هذا الباب .. ولهذا عرفت الإسلام.

قلت: أعلمك بدينك وبلغات دينك هي التي أوصلتك للإسلام؟

قال: أجل .. وقد صدق كتاب المسلمين عندما قال :) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ( (يونس:94)

قلت: وما في هذه الآية مما فهمته؟

قال: هذه الآية تشير إلى أن هذه المعرفة مرتبطة بمن يقرؤون الكتاب ويعلمونه، لا بمن يهجرونه ويتركونه .. بل ورد في آية أخرى أن هؤلاء أكثر معرفة به من معرفتهم بأبنائهم، كما قال تعالى:) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (البقرة:146)

قلت: فأنت الآن تعرف محمدا أكثر من معرفتك لأبنائك؟

قال: أجل ..

قلت: فما الذي حجبك عن إظهار إسلامك إلى هذه اللحظة؟

قال: لقد كان لي أخ توأم، وكان يغريني بالجاه العريض .. والمناصب الرفيعة .. والأموال الكثيرة .. إنه ما ذكره القرآن الكريم عندما قال :) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ( (لأعراف:169)

قلت: فأين أخوك التوأم الآن؟

قال: هو غائب الآن .. لا أرجعه الله .. لقد كان الصخرة التي حجبت قلبي عن الخروج من كهف الظلمات الذي سجنت فيه طول حياتي.

قلت: فكيف بدا لك أن تترك كل ذلك الآن؟

قال: لقد كنت مارا على هذا الوادي ، فسمعت من الغيب قارئا يقرأ ما قرأته عليك، فتحركت في نفسي همة تدعوني للترفع عن هذه القيود التي تحبسني عن السير إلى ربي، والتنعم بالدخول تحت لواء نبيه.

قلت: ولكنك تذكر أنه لم يبق من عمرك إلا هذه اللحظات، فكيف تزعم أنك تسير إلى الله؟

قال: من رزقه الله القبول، رزق في طرفه عين من الأمداد ما لا تفي به الأعمار .. ألم تسمع قوله r :( والذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها )[1]

قلت: فما الذي في كتابك، وفي لغات كتابك مما دلك على محمد ودين محمد؟

قال: أنا اسمي يعقوب ..

قلت: لقد ذكرت لي ذلك .. ولا أدري علاقة اسمك بالبشارة.

قال: لقد سمعت قرآن المسلمين يذكر وصية ليعقوب، يوصي فيها أولاده بالإسلام، فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( (البقرة:133)

قلت: أجل .. لقد مر بي هذا النص .. ولكن ما علاقته بالبشارة؟

قال: هذا النص يخبر عن اهتمام يعقوب بدين أبنائه من بعده.

قلت: هذا واضح .. وأنا لا أريد الحديث عن هذا .. أريدك أن تحدثني عن بشارة يعقوب التي دعتك إلى محمد .. لعل لي من العلم ما ينفي عنك ما يرتبط بها من شبه.

قال: هل قرأت بشارة يعقوب بشَّيَّالوه ( שילה )؟

قلت: وكيف لا أقرؤها وأنا رجل دين قضى مع الأسفار سنين طوالا .. لقد ورد في العهد القديم عن وصية يعقوب لبنيه قبل وفاته في سفر التكوين (49/10) :( ثم دعا يعقوب بنيه، وقال اجتمعوا أبارك فيكم، وأخبركم بما ينالكم في آخر هذه الأيام، اجتمعوا واسمعوا ذلك يا بني يعقوب،  واقبلوا من إسرائيل أبيكم .. لا يزول القضيب من يهوذا، والرسم من تحت أمره ، إلى أن يجئ شيلوه، وإليه تجتمع الشعوب)[2]

قال: ما هي الكلمة التي تسترعي الانتباه في هذه البشارة؟

قلت: لا شك أنها كلمة (شيالوه)، فهي كلمة غريبة ، بل هي كلمة فريدة في العهد القديم، ولا تكرر في أي مكان آخر فيه.

قال: إذن .. من هذه الكلمة نحاول أن نبحث على من تصدق البشارة؟

قلت: ولماذا تتعب نفسك في البحث عنها؟ .. وهي منطبقة كنار على علم على المسيح.

قال: أي مسيح؟ .. مسيحكم أم مسيح اليهود .. ألا تعلم أن اليهود ـ أيضا ـ ينتظرون مسيحا؟

قلت: أجل وأعلم أنهم يفسرون هذه اللفظة على مسيحهم .. بل هم يضعون في ترجماتهم التفسيرية المعروفة بـ (الترجوم) ـ كترجوم أونقيلوس والترجوم الفلسطيني، والترجوم المنسوب إلى يوناثان، وترجوم مخطوطات قمران ـ محل كلمة (شيلوه) اسم المسيح (ماشيحا)

ولكن كل ذلك غير صحيح .. شيلوه المراد هنا هو المسيح .. مسيحنا.. المخلص الذي خلصنا على خشبة الصليب.

قال: ألا ترى أنك تتكلف في هذا التفسير؟

قلت: كيف ذلك؟

قال: اقرأ البشارة جيدا .. ألم يرد فيها :( لا يزول القضيب من يهوذا، والرسم من تحت أمره ، إلى أن يجئ شيلوه، وإليه تجتمع الشعوب )؟ .. أتدري ما المراد بالقضيب؟

قلت: أجل .. هو صولجان الحكم، وقد استبدلت هذه الكلمة في بعض الترجمات بكلمة (الصولجان) .

قال: فهذه البشارة ـ إذن ـ تتحدث عن رجل يملك؟

قلت: أجل .. هذا هو الظاهر .. بل قد جاء فيها (الرسم من تحت أمره)أي أنه مبيِّن القانون ومفسِّره ومشِّرعه.

قال: فأنت تقر إذن بأن هذه البشارة لا تنطبق على المسيح؟

قلت: كيف؟

قال: لم يكن المسيح يملك .. ألم يهرب المسيح من تمليكه لما طلبوا ذلك؟

قلت: بلى .. وقد جاء في يوحنا :( لما علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده )(يوحنا 6/15).

قال: ليس ذلك فقط، بل إنه لما ادعى عليه اليهود عند بيلاطس أنه يقول عن نفسه بأنه ملك نفى ذلك، وتحدث عن مملكة روحية مجازية غير حقيقية فقال :( مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود )(يوحنا 18/36)

قلت: هذا صحيح .. ولكنها مع ذلك قد تنطبق على موسى ..

قلت هذا، ولم يكن لي من نية إلا صرفه عن محمد r ، فقد بدأ الشك يدب في نفسي من صدق النبوءات التي كنت أسلم لها تسليما مطلقا.

نظر إلي بنوع من السخرية الخفية، وقال: لعلك لم تقرأ البشارة .. تثبت جيدا منها.. إن هذه البشارة تنص على أنه بمبعث هذا النبي يزول الملك من إسرائيل .. بل ترفع الشريعة .. فكيف تقول بأن موسى هو الذي تحقق فيه ذلك .. ألا ترى خطورة مثل هذا الرأي؟

قلت: أجل .. لو سلمنا بأن موسى هو الذي تحقق بهذا الوصف لكان كل من عداه مدعيا .. فالشريعة لم تقطع بموسى، بل قطعت بالمسيح.

قال: ولم تقطع بالمسيح .. ألم تقرأ الإنجيل؟

قلت: بلى ..

قال: ألم تقرأ فيه أنه ما جاء لنقض الناموس؟

قلت: هذا صحيح .. فقد جاء في (متى 5/17) :( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل )

قال: ليس ذلك فقط، بل قد ورد في نص البشارة أنها ترتبط بشخص تخضع له الشعوب ، لا شعب إسرائيل فقط ، مع أن جميع أنبياء بني إسرائيل لم يرسلوا لغير بني إسرائيل.

قلت: إلا المسيح.

قال: حتى المسيح .. ألم تقرأ ما ورد في الأناجيل .. لقد جاء في متى :( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة )(متى 15 / 24)؟

قلت: أرى أنك بهذا القول تريد أن تصرف هذه البشارة عن جميع بني إسرائيل.

قال: أجل  .. عن جميعهم، حتى عن سليمان الذي كان ملكا .. فإنه لم يزل بوجوده ملك بني إسرائيل، ولا شريعتهم.

قلت: فعلى من ترى انطباق هذه البشارة إذن؟

قال: أرى أن هذه البشارات تنطبق على بشارات أخرى لها نفس الدلالة، وكلها تجتمع على التبشير بمخلص واحد.

إن هذا المبشر به هو نفسه الذي بشرت به هاجر وإبراهيم :( يده على كل واحد) (التكوين 16/12) .

 وهو نفسه الذي قال عنه النبي حزقيال :( يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه) (حزقيال 21/27).

بل هو نفسه الذي بشر به المسيح حين قال متحدثا عن نسخ الشرائع بشريعة هذا المبشر به :( لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل )(متى 5/17-18)، فهذا المبشر به هو الكل الذي له الكل ..

قلت: لقد ذكرتني بقول آخر في تفسير لفظة (شيلوه)، فمن أهم الأقوال التي وردت فيها أنها ليست اسما لشخص، بل هي مصحفة عن كلمة (شلو)، وتعني (الذي لـه) أو (الذي حفظت الأشياء لـه) .. وقال بعضهم بـل هي (شي لو)، وتعني (هدية الله) ..

ونحن ـ معشر المسيحيين ـ لا نرى في هذا الكل الذي له الكل غير المسيح.

قال: أتريد أن تعود بنا إلى نفس ما ذكرنا .. ألم يخبر المسيح أنه لم يأت لينقض الناموس .. ولم يأت ليقيم ملكا؟

قلت: أجل .. صحيح، قد ذكرنا هذا.

قال: فكيف تنطبق هذه البشارة عليه إذن؟

قلت: فكيف تنطبق هذه البشارة على محمد؟

قال: أنت تعلم أنه لا أحد في الدنيا تنطبق عليه هذه البشارة غير محمد.

قلت: لا أعلم ذلك .. ولو أعلم ما سألتك .. بل لو كنت أعلم لاتبعتك في دينك، وما انتظرت حتى أصل إلى هذه المحل الذي أنت فيه.

قال: وأخوك التوأم أتراه يرضى .. إن التوائم لا يرضون .. سل كل من له أخ توأم ليخبرك بالحقيقة.

قلت: وأنت .. أين أخوك التوأم؟

قال: لقد أخبرتك بغيبته .. لا أرجعه الله .. ولو لم يغب ما نطقت أمامك بمثل هذه الكلمات.

قلت: حدثني بهذه البشارة .. ودع أخي .. فهو ينعم بكل صحة وعافية.

قال: حاول أن تفهم البشارة أولا ، وما تستلزمه البشارة ، لتستطيع أن تجد لها المحل المناسب لها.

لقد ذكرت البشارة أن الصولجان والمشرع ، أي الحكم والشريعة سيظلان في سبط يهوذا طالما لم يظهر شيلوه.

وهذا يفند ادعاء اليهود بأن الشيلوه لم يظهر، لأن الصولجان الملكي والخلافة تخصان ذلك السبط، وقد انقرضا منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.

ليس ذلك فقط .. بل إن اليهود مضطرون أن يقبلوا واحداً من الخيارين:

إما التسليم بأن شيلوه قد جاء من قبل، وأن أجدادهم لم يتعرفوا عليه.

و أن يتقبلوا أن سبط يهوذا لم يعد موجوداً، وهو السبط الذي ينحدر منه شيلوه.

ليس ذلك فقط .. بل إن النص يتضمن ـ بصورة واضحة ومعاكسة جداً للاعتقاد اليهودي والمسيحي ـ أن شيلوه غريب تماماً على سبط يهوذا وبقية الأسباط، لأن النبوة تدل على أنه عندما يجيء شيلوه، فإن الصولجان والمشرع سوف يختفيان من سبط يهوذا، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان شيلوه غريباً عن يهوذا، فإن كان شيلوه منحدراً من يهوذا، فكيف ينقطع هذان العنصران من ذلك السبط.

بل إن النص يدل على أنه لا يمكن أن يكون شيلوه منحدراً من أي سبط آخر، لأن الصولجان والمشرع كانا لمصلحة إسرائيل كلها، وليس لمصلحة سبط واحد.

وهذا لا يقضي فقط على ادعاء اليهود، بل هو يقضي قبل ذلك، ومع ذلك، على الادعاء بأن المسيح هو شيلوه، لأن المسيح منحدر من يهوذا من جهة أمه.

قلت: فقد ترجمها آخرون ترجمات أخرى لن تنطبق على محمد بأي حال من الأحوال.

قال: فبم ترجموها؟

قلت: لقد ترجموها (حتى يَجيء الهدوءِ النّهائيِ)(final tranquility) ، وقريب منها ما ترجمها به آخر، فذكر أنها (حتى يأتي السلام الأخير)، ومعنى ذلك أنها مصحفة عن (شَلْواه) التي تعني الهدوء والسلام.

قال: وذلك لا يتحقق إلا في محمد.

قلت: بل ذلك لا يتحقق إلا في المسيح .. فقد كان السلام الأخير الذي نعمت به البشرية.

قال: ولكنكم تزعمون أن التلاميذ من بعده كانوا رسلا .. فكيف يكون السلام الأخير؟

ثم إن المسيح وتلاميذه من إسرائيل، وقد عرفنا أن النبوءة لا يمكن وقوعها على بني إسرائيل.

قلت: فكيف ترى انطباقها على محمد .. ودينه دين حرب لا دين سلام؟

قال: السلام في دينه هو الأصل[3] .. والحرب ضرورة تبحث عن السلام .. لقد ورد في كتاب المسلمين :) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( (لأنفال:61)

قلت: وورد فيه :) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ( (البقرة: من الآية191)

قال: لماذا تقطع الآية من سياقها .. إن الآية تتحدث عن مبادئ السلام العظمى، لقد قال الله تعالى:) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين َ( (البقرة:191)

فالآية الكريمة تبرر قتالهم بالدفاع عن النفس .. ولا يمكن أن يتحقق بالسلام من له تكن له القوة على الدفاع عن نفسه.

قلت: ولكن الإسلام يأمر بقتل المقاتلين وغيرهم، ألم تقرأ كتابهم ، فقد ورد فيه :) وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً( (التوبة: من الآية36)

قال: أنت مغرم بتقطيع النصوص .. ألا تعلم أن التقطيع انتقاء، وأن الانتقاء تحريف.. لقد قال الله تعالى في الآية :) وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ (التوبة: من الآية36)

ثم إن الكافة التي تحرصون عليها هنا ورد مثلها في الأمر بالسلم، فقد قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( (البقرة:208)

ثم إن الله تعالى بين علة الحرب التي تبحث عن السلام، فقال :) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( (الممتحنة:8)، فالآية تأمرنا بمسالمة المسالمين بل والإحسان إليهم.. ثم تأتي الآية بعدها بالنهي عن مسالمة المجرمين ، قال تعالى:) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( (الممتحنة:9)

قلت: أليس في ذلك ظلما !؟ .. لقد أمرنا المسيح بمحبة أعدائنا.

قال: لا .. ليس ظلما .. أنت بين موقفين: إما أن تنصر الضحية، وإما أن تنصر الجلاد.

قلت: قد أنصر كليهما.

قال: نعم .. عندما تنهى الجلاد عن جلده يكون ذلك نصرا له ونصرا للضحية، ولكنه إن لم يستجب .. ماذا تفعل؟ .. هل تترك الضحية للجلاد بحجة حبك للسلام، أم أنك تفعل ما فعله موسى حين نصر الإسرائيلي؟

لقد علل القرآن الكريم سر القتال، وأبان عن مقاصده، فقال :) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ( (الحج:39 ـ 40)

قلت: دعنا من هذا .. ولأسلم بعض ما ذكرت .. ولكن مع ذلك، فقد ذكر آخرون أنها مشتقة من الفعل (نشل) الذي يعني (طرد، ونفى)، ومن ثم ترجمها إلى (حتى يأتي المنفي     (until the exile comes)

قال: وهذا لا ينطبق إلا على محمد .. لأن المسيح ـ كما تزعمون ـ صلب في بلده.

أما محمد r فقد خرج من بلاده فارا بدينه، بعد أن اتفق الملأ من المشركين على جميع ما أبدعته عقولهم من صنوف المكر، قال تعالى:) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( (لأنفال:30)

ولم يهاجر وحده، بل هاجر معه أكثر أصحابه .. بل إن المهاجرين يمثلون المسلمين الأول الذين تعرضوا لجميع أنواع الاضطهاد.

ولا أظنك تحتاج إلى أي توثيق تاريخي لهذا .. فهو منقول بالتواتر .. بل نصت عليه آيات كتاب المسلمين المقدس، وهو منقول بأعظم أسانيد التواتر وثوقا.

قلت: ولكن بعضهم اعتبر (شيلوه) اسما لمكان معين، لذلك جاء في بعض الترجمات:( لا يزول قضيب من يهوذا، ومشترع من بين رجليه حتى يأتي الى شيلوه )، وفي ترجمة انكليزية :( حتى يأتي الرجال إلى شيلو )

قال: إن علمي بلغات الكتاب المقدس يحيل هذا الاحتمال .. ذلك أن كلمة شيلوه تتكون من أربعة أحرف عبرية هي: (شين)، (يود)، (لاميد)، (وهي)، وتوجد بلدة اسمها شيلوه ولكن لا يوجد فيها حرف (يود)، ولذلك لا يمكن أن يكون الاسم مطابقا أو مشيراً للبلدة .. فالكلمة حيثما وجدت تشير إلى شخص وليس إلى مكان.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العلماء المتخصصون ضعفوا هذا الرأى ، واستدلوا لذلك بأنَّ الواقع التاريخى لبنى إسرائيل يدحض وجود أهمية كبرى لمثل بلدة شيلوه هذه .. بل فوق ذلك نصوا على خطأ تلك الترجمة، وشككوا فى صحتها.

قلت: لقد ذكرت لك أنك عالم لغات .. فما المعاني التي ترجحها لهذه الكلمة؟

قال: اثنان.

قلت: فما أولهما؟

قال: أن تكون الكلمة سريانية مكونة من كلمتي (بشيتا) و(لوه)، ومعنى الأولى منهما: (هو) أو (الذي)، والثانية (لوه) معناها (له)، ويصبح معنى النبوءة حسب ترجمته المفسرة :( إن الطابع الملكي المتنبئ لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب)

قلت: فما الثاني؟

قال: أن تكون الكلمة محرفة من كلمة (شيلواح) ومعناها:(رسول الله)  كما يعبر بالكلمة مجازاً عن الزوجة المطلقة لأنها ترسل بعيداً، وتفسير الكلمة بالرسالة مال إليه القديس جيروم، فترجم العبارة :( ذلك الذي أرسل )

بالإضافة إلى هذا، فقد رأيت أن كلمة (شيَّالوه) العبرية تعادل الصيغة العربية رسول الله عند حسابها بحساب أبى جاد[4] المعمول به عند اليهود . فمجموع أرقام حروفها يساوى 362 وهو هو مجموع أرقام الصيغة العربية رسول الله 362 .

صمت قليلا، فقال: لقد عرفت منزلة النبي يعقوب عند المسلمين .. أتدري ما منزلته عندكم؟

قلت: هو نبي عظيم من أنبياء بني إسرائيل.

قال: ألا تعتبرونه سارقا للبركة؟ .. إنكم تجعلون كل تلك البركات التي نزلت على إسرائيل وبيت إسرائيل مبنية على الغش والاحتيال .. أليس كذلك؟

صمت، فقال: سأقرأ عليك من الكتاب المقدس ما يذكرك بهذا.

قال: أول جريمة تنسبونها ليعقوب هو احتياله على أخيه، واشتراؤه ما لا يمكن أن يشترى .. ألم يشتر منه البكورية؟

صمت، فأخذ يقرأ :( فكبر الغلامان، وكان عيسو إنسانا يعرف الصيد إنسان البرية ويعقوب إنسانا كاملا يسكن الخيام، فأحب اسحق عيسو لأن في فمه صيدا. وأما رفقة فكانت تحب يعقوب، وطبخ يعقوب طبيخا فأتى عيسو من الحقل وهو قد أعيا، فقال عيسو ليعقوب: أطعمني من هذا الأحمر لاني قد اعييت. لذلك دعي اسمه أدوم، فقال يعقوب: بعني اليوم بكوريتك، فقال عيسو: ها أنا ماض إلى الموت، فلماذا لي بكورية، فقال يعقوب: احلف لي اليوم فحلف له فباع بكوريته ليعقوب، فأعطى يعقوب عيسو خبزا وطبيخ عدس، فأكل وشرب وقام ومضى، فاحتقر عيسو البكورية )( تكوين: 25/27 ـ 34)

صمت قليلا، ثم قال: وثاني جريمة هي أنكم تنسبون له الغش والاحتيال على أبيه.. نبي الله إسحق .. أليس كذلك؟

صمت، فقال: أنتم تقرؤون في الكتاب المقدس، وتتعلمون على يديه هكذا..

أخذ يقرأ :( وحدث لما شاخ اسحق وكلّت عيناه عن النظر انه دعا عيسو ابنه الاكبر وقال له يا ابني. فقال له هانذا، فقال: إنني قد شخت ولست اعرف يوم وفاتي. فالآن خذ عدتك جعبتك وقوسك واخرج الى البرية وتصيّد لي صيدا. واصنع لي اطعمة كما احب وأتني بها لآكل حتى تباركك نفسي قبل أن أموت وكانت رفقة سامعة اذ تكلم اسحق مع عيسو ابنه. فذهب عيسو إلى البرية كي يصطاد صيدا ليأتي به. وأما رفقة فكلمت يعقوب ابنها قائلة: إني قد سمعت اباك يكلم عيسو اخاك قائلا: ائتني بصيد واصنع لي اطعمة لآكل واباركك امام الرب قبل وفاتي، فالآن يا ابني اسمع لقولي في ما انا آمرك به .. اذهب الى الغنم وخذ لي من هناك جديين جيّدين من المعزى. فأصنعهما أطعمة لابيك كما يحب،فتحضرها إلى ابيك ليأكل حتى يباركك قبل وفاته.

فقال يعقوب لرفقة امه: هوذا عيسو أخي رجل أشعر وأنا رجل أملس ربما يجسّني أبي، فاكون في عينيه كمتهاون وأجلب على نفسي لعنة لا بركة.

 فقالت له أمه: لعنتك عليّ يا ابني اسمع لقولي فقط واذهب خذ لي، فذهب وأخذ وأحضر لأمه. فصنعت أمه أطعمة كما كان أبوه يحب.

وأخذت رفقة ثياب عيسو ابنها الأكبر الفاخرة التي كانت عندها في البيت وألبست يعقوب ابنها الأصغر وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جديي المعزى. وأعطت الأطعمة والخبز التي صنعت في يد يعقوب ابنها فدخل إلى أبيه وقال: يا أبي. فقال: هانذا. من انت يا ابني،  فقال يعقوب لأبيه: أنا عيسو بكرك. قد فعلت كما كلمتني. قم اجلس وكل من صيدي لكي تباركني نفسك.

فقال اسحق لابنه: ما هذا الذي اسرعت لتجد يا ابني. فقال ان الرب الهك قد يسّر لي.

فقال اسحق ليعقوب: تقدم لاجسّك يا ابني. أأنت هو ابني عيسو أم لا؟

فتقدم يعقوب إلى اسحق ابيه. فجسّه وقال الصوت صوت يعقوب، ولكن اليدين يدا عيسو.

ولم يعرفه لأن يديه كانتا مشعرتين كيدي عيسو أخيه فباركه، وقال: هل انت هو ابني عيسو، فقال: أنا هو .. فقال: قدم لي لآكل من صيد ابني حتى تباركك نفسي. فقدّم له فأكل. وأحضر له خمرا فشرب.

فقال له اسحق أبوه: تقدم وقبّلني يا ابني.

فتقدم وقبّله. فشم رائحة ثيابه وباركه، وقال: انظر. رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب، فليعطك الله من ندى السماء. ومن دسم الارض. وكثرة حنطة وخمر، ليستعبد لك شعوب. وتسجد لك قبائل. كن سيدا لاخوتك. وليسجد لك بنو أمك. ليكن لاعنوك ملعونين. ومباركوك مباركين.

وحدث عندما فرغ اسحق من بركة يعقوب ويعقوب قد خرج من لدن اسحق أبيه أن عيسو أخاه أتى من صيده، فصنع هو أيضا أطعمة ودخل بها إلى أبيه وقال لأبيه: ليقم أبي ويأكل من صيد ابنه حتى تباركني نفسك.

فقال له اسحق أبوه: من أنت. فقال: أنا ابنك بكرك عيسو.

فارتعد اسحق ارتعادا عظيما جدا، وقال: فمن هو الذي اصطاد صيدا، وأتى به إليّ فأكلت من الكل قبل أن تجيء وباركته. نعم ويكون مباركا.

فعندما سمع عيسو كلام أبيه صرخ صرخة عظيمة ومرة جدا. وقال لأبيه باركني أنا ايضا يا أبي.

فقال: قد جاء اخوك بمكر واخذ بركتك.

فقال: إلا ـن اسمه دعي يعقوب. فقد تعقبني الآن مرتين. اخذ بكوريتي وهوذا الآن قد اخذ بركتي. ثم قال: أما أبقيت لي بركة.

فأجاب اسحق وقال لعيسو: إني قد جعلته سيدا لك، ودفعت اليه جميع إخوته عبيدا وعضدته بحنطة وخمر. فماذا أصنع إليك يا ابني.

فقال عيسو لأبيه: ألك بركة واحدة فقط يا أبي. باركني أنا أيضا يا أبي. ورفع عيسو صوته وبكى.

فأجاب إسحق أبوه وقال له: هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك. وبلا ندى السماء من فوق. وبسيفك تعيش. ولأخيك تستعبد. ولكن يكون حينما تجمح أنك تكسر نيره عن عنقك.

فحقد عيسو على يعقوب من أجل البركة التي باركه بها أبوه. وقال عيسو في قلبه قربت أيام مناحة أبي. فأقتل يعقوب أخي.

فأخبرت رفقة بكلام عيسو ابنها الأكبر. فأرسلت ودعت يعقوب ابنها الأصغر وقالت له هوذا عيسو أخوك متسلّ من جهتك بانه يقتلك. فالآن يا ابني اسمع لقولي وقم اهرب الى اخي لابان الى حاران. وأقم عنده اياما قليلة حتى يرتد سخط أخيك. حتى يرتد غضب اخيك عنك وينسى ما صنعت به. ثم أرسل فآخذك من هناك. لماذا اعدم اثنيكما في يوم واحد )(تكوين: 27/1 ـ 45 )

 اعذرني إن كنت قد قرأت لك النص بطوله .. أترى مثل هذا السلوك سلوك أنبياء ينبغي أن يقتدى بهم.

ليس ذلك فقط .. أنتم تتهمون يعقوب بمصارعة الله، ألستم تروون في سفر التكوين، وفي الإصحاح [ 32 : 22 ]:( قال الرب لنبيه يعقوب حين صارعه، ورأى أنه لم يتغلب عليه:( أطلقني، فقد طلع الفجر) فأجابه يعقوب : لا أطلقك حتى تباركني. فسأله : ما اسمك؟ فأجاب : يعقوب. فقال : لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل _ ومعناه: يجاهد مع الله _ لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. فسأله يعقوب : أخبرني ما اسمك؟ فقال : لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك.ودعا يعقوب اسم المكان فنيئيل إذ قال : لأني شاهدت الله وجها لوجه وبقيت حيا)

قلت: لست أدري لم تذكر لي هذه النصوص في هذا المحل.

قال: لأنكم تتصورون أن النبوة والبركة يمكن أن تتلاعبوا بها كما تشاءون.. فتهبونها لمن ترضون عنه، وتنزعونها عمن تسخطون عليه.

النبوة وبركات الله لله .. لا لنا .. ولا لكم .. فسلموا لله .. وأسلموا لله ..

وأنا في هذه اللحظات الأخيرة من عمري انجلت بين عيني الحقائق .. ولذلك سأموت مسلما لله .. فرحا بهذا الإسلام الذي عشت طول عمري أحن إليه.

ما قال ذلك حتى لفظ آخر أنفاسه .. والبسمة تغمر فاه، والنور يشرق من محياه.

أما أنا فانصرفت بحيرة جديدة .. وببصيص من النور اهتديت به بعد ذلك لشمس محمد.

 



([1])    البخاري ومسلم.

([2]) ترجم هذا النص في الترجمات العربية الأربع المعاصرة كما يلي:

نسخة فانديك المعتمدة ط 1977

نسخة كتاب الحياة ط 1988

لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب .

لا يزول صولجان الملك من يهوذا ولا مشترع من صلبه حتى يأتى شيلوه ( ومعناه : من له الأمر ) فتطيعه الشعوب.

نسخة الكاثوليك ط 1993

نسخة الآباء اليسوعين ط 1991

لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا السلطان من صلبه إلى أن يتبوأ فى شيلوه (1) من له طاعة الشعوب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) .. إلى أن يتبوأ فى شيلوه ( مدينة بين بيت إيل وشكيم )  أو: إلى أن يأتى من له الصولجان .

 

لا يزول الصولجان من يهوذا ولا عصا القيادة من بين قدميه إلى أن يأتى صاحبها (1) وتطيعه الشعوب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) .. النصّ ومعناه موضوعا جدل . على كل حال يدور الكلام على مجىء شخص تكتنفه الأسرار وتطيعه الشعوب . فالنبوءة تنتظر ملكا مشيحا مثاليا ، وإن كان  المستهدف أولا داود وأسرته الملكية .

وعلماء المسيحية مقرون بعجزهم عن تفسير محتواها وفحواها لغويا وتاريخيا، بل والاعتراف الصريح بأنَّ قراءة نصّ النبوءة من الأصل العبرانى القديم متعذر لفقدان قواعد قراءة هذه اللغة القديمة ومفرداتها من قبل زمن بعثة المسيح u بحوالى خمسة قرون كاملة، وهذه اللغة العبرانية القديمة تختلف عن اللغة العبرية الماصورتية المشكلة المعروفة حاليا، والتى انتهوا من وضع قواعد قراءتها وتشكيلها فى القرن العاشر الميلادى ، أى من بعد أن انتهى المسلمون من تشكيل القرآن الكريم.

انظر: نبي أرض الجنوب، وانظر لمزيد من التفصيل: قاموس الكتاب المقدس العربى نشر دار الثقافة ص 536، والمراجع الإنجليزية الكتابية المتخصصة التالية:

 -The interpreter’s One volum commentry on the Bible page 31 .

- B.A.K.E.R Encyclopedia of the Bible volum 2 page 1953 .

- The Zondervan Pictorial Encyclopedia of the Bible volum 5 page 404 .

 - IVP New Bible Dictionary page 1105 .

 - Smith’s Bible Dictionary page 639 .

 - The Zondervan Pictorial Bible Dictionary page 785 .

([3]) سنرى تفاصيل الأدلة المرتبطة بهذا في سائر أجزاء السلسلة، وخاصة منها رسالة (سلام للعالمين)

([4]) أرقام حروف العبارتين حسب حساب الجمَّل المعروف بحساب أبى جاد :

شيَّالوه ( ش ى ى ا ل و هـ ) : 300 + 10 + 10 + 1 + 30 + 6 + 5 = 362

رسول الله ( ر س و ل ا ل ل هـ ) : 200 + 60 + 6 + 30 + 1 + 30 + 30 + 5 = 362.