الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: أنبياء يبشرون بمحمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

ثالثا ـ بشارة موسى

البشارة الأولى:

البشارة الثانية:

ثالثا ـ بشارة موسى

في اليوم الثالث قررت أن أزور أصحاب الأشغال الشاقة .. أولئك الذين يحتاجون إلى الخلاص من العناء الذي تمتلئ به حياتهم.

سرت إلى الغابة، فرأيت حطابا يختار أغصانا ذات أشكال خاصة، ليقطعها، فقلت له: هل لي أن أساعدك؟

قال: لا .. ولن تستطيع .. فهذه حرفة تلقيتها أبا عن جدا ..

قلت: وما تصنع؟

قال: أصنع العصي .. أنا موسى .. لئن ارتبط اسم موسى النبي بالعصا التي كان يحملها، فقد ارتبط اسمي بالعصي التي أصنعها.

أعطاني الفرصة للتحدث معه، فقلت: نعم الاسم الذي تحمله .. لقد بشر موسى بالخلاص الذي سيأتي.

قال: كل الأنبياء بشروا بالخلاص .. الخلاص هو حلم البشرية.

فرحت لتجاوبه، فقلت: كل من سعى للخلاص ناله.

قال: وكل من ناله نعم به.

قلت: فهل نلته؟

قال: ومالي لا أناله .. إن فضل الله أوسع من أن يغفل عني.

قلت: فأنت مسيحي إذن.

قال: نعم .. أنا مسيحي.

قلت: أنت مثلي إذن.

قال: كيف عرفت تماثلنا؟ .. ونحن من بلاد مختلفة .. ومن أعراق مختلفة.

قلت: نواحي المثلية بيننا كثيرة .. أنت تفكر بالخلاص، وأنا أفكر به ..  وأنت مسيحي، وأنا مسيحي .. وأنت تنعم بالإيمان وأنا أنعم به.

قال: صدقت .. هناك أشياء كثيرة تجمعنا .. فلذلك نحن متماثلان، ولا يحول بين تماثلنا ما يتوهمه الناس من مفارقات.

قلت: فهلم نبشر بالخلاص الذي جاءنا به المسيح.

قال: ليس لي من دور في الحياة إلا التبشير بالخلاص.

فرحت كثيرا، وقلت: نعم الرجل أنت .. فهيا نتذاكر ما قال المسيح.

قال: أنا موسى .. ولذلك سأذكرك بقول قاله موسى ينعت به طريق الخلاص.

قلت: لا بأس .. فما قال؟

البشارة الأولى:

قال: عندما نزل موسى من جبل الطور بعد ما كلمه ربه قال مخاطباً بني إسرائيل:( قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا،  أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي. وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه ) (التثنية 18 / 17 - 22)[1]

قلت: أراك تحفظ النص عن ظهر قلب .. قل من يحفظ نصوص الكتاب المقدس.

قال: وكيف لا أحفظه .. لقد كان هذا النص هو سبب هدايتي، وتنعمي بأشعة الخلاص.

قلت: صدقت .. لقد ذكر هذا النص بطرس في سياق حديثه عن المسيح، فقال: (فإن موسى قال للآباء: إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به، ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب، وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبأوا بهذه الأيام) (أعمال 3/22 - 26)

قال: أترى أن بطرس يرى أن نبوءة موسى متحققة في شخص المسيح؟

قلت: أجل .. لا شك في ذلك .. وهكذا يؤمن كل مسيحي.

قال: ولكن هذا النص عندما عرضته على عقلي لم أفهم منه هذا.

قلت: كيف .. لا تترك عقلك يعقلك عن المسيح.

قال: لا تخف .. فهذا النص لم يذكر المسيح .. وبالتالي لا حرج علينا في أن نفهم منه ما نشاء من النبوءات بحثا عن الحقيقة التي كان المسيح يدعو إلى البحث عنها والاتصال بها.

ألم يكن المسيح يقول :( إن ثبتم في كلمتي، كنتم حقا تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرركم) (يوحنا:8/31 ـ 32)؟

اشتد إعجابي به، فاسترسلت معه في الحديث، فقد ناسبت طريقة تفكيره الطريقة التي بدأت بها حياتي، ثم تخليت عنها بالقناعات التي سربها إلي أخي.

قال لي: لماذا يصر الشارحون على أن المراد بالنبوة المسيح مع أنه لم يذكر بالاسم في هذا الموضع .. كما لم يذكر بالاسم في غيره؟

قلت: النبوءة وصف تصويري لأمور ستحدث في المستقبل, ولذلك لا تلتزم ذكر الاسم، وإنما تذكر ما يدل على المسمى.

قال:  لم؟

قلت: حتى لا يظهر الأدعياء ، فلو سمى المسيح باسمه، لادعى الكل ذلك.

قال:  فما هو الطريق لمعرفة النبوءة وانطباقها على من نرى أنها انطبقت عليه؟

قلت: من خلال تعبيرات النص.

قال:  فهل ترى هذا النص يصف المسيح وصفا دقيقا؟

قلت: أجل .. وهكذا كل النبوءات؟

قال: فهلم نختار كلمة من النص .. لعلها أهم كلماته .. إنها كلمة ( مثلك ) ما تعني هذه الكلمة؟

قلت: هي واضحة .. تعني أن المسيح مثل موسى.

قال: فهل كان المسيح مثل موسى؟

قلت: أجل .. لقد كان موسى يهوديا, وكذلك كان المسيح ..وكان موسى من بني إسرائيل، وكذلك كان المسيح.

قال: إن ما ذكرته من أمور متشابهة لا ينحصر في المسيح .. بل إن النبوءة في هذه الحالة تكون أكثر انطباقا على أي نبي من أنبياء العهد القديم: سليمان, وأشعيا, وحزقيال, ودانيال, وهوشع, ويوئيل, وملاخي, ويوحنا وغيرهم .. ذلك أنهم جميعا يهود مثلما هم أنبياء، فلماذا لا تكون هذه النبوءة خاصة بأحد هؤلاء الأنبياء؟

صمت، فقال: إذن نحتاج إلى البحث عن وجوه أخرى للتشابه .. فهل هناك وجوه أخرى للتشابه بين المسيح وموسى؟

صمت قليلا، ثم قلت: لا أذكر الآن وجوها أخرى للتشابه.

قال: بل لا توجد وجوه أخرى للتشابه .. بل إن الفوارق بين المسيح وموسى أكثر من أن تنحصر.

قلت: كيف ذلك؟

قال: إن المسيح ـ بمقتضى العقيدة المسيحية[2] ـ هو الإله المتجسد, ولكن موسى لم يكن إلها, أهذا حق؟

قلت: نعم.

قال: بمقتضى العقيدة المسيحية، فإن المسيح مات من أجل خطايا العالم، لكن موسى لم يمت من أجل خطايا العالم .. أهذا حق؟

قلت: نعم.

قال: بمقتضى العقيدة المسيحية، فإن المسيح ذهب إلى الجحيم ثلاثة أيام .. ولكن موسى لم يكلف بالذهاب الى الجحيم.. أهذا حق؟

قلت: نعم.

قال: هل كان لموسى والدان؟

قلت: أجل .. فقد جاء في سفر الخروج :( وأخذ عمرام بوكابد عمته وزوجة له فولدت له هارون وموسى ( (خروج:20:6)

قال: فهل ولد موسى ولادة معجزة مثل المسيح؟

قلت: لا .. لقد ولد ولادة طبيعية.

قال: فهل تزوج موسى؟

قلت: أجل .. وأنجب أولادا.

قال: والمسيح .. هل تزوج؟

قلت: كلا .. لقد ظل أعزب طول حياته.

قال: فالنص إذن لا ينطبق على المسيح.

قلت: هو لا ينطبق عليه في كل النواحي .. فأنا وأنت متماثلان، ولكنا نختلف في أشياء كثيرة .. فالتماثل لا يعني التطابق.

قال: لا بأس .. فهلم نبحث في كلمة أخرى .. فهذه الكلمة لا تزيد النبوءة إلا بعدا عن المسيح.

قلت: هيا نبحث في النبوءة عن كلمة أخرى.

قال: لقد ورد في النبوءة :( أقيم لهم نبياً )، فهل كان المسيح نبيا؟

قلت: لا .. المسيح أرفع من ذلك.

قال: نعم .. المسيح إله .. بل هو عند الأرثوذكس هو الله نفسه.

صمت، فقال: فكيف يقول لهم: أقيم نبياً؟

صمت، فقال: فلننظر في النبوءة إلى كلمة أخرى لعل فيها النبراس الذي يهدينا إلى حقيقة هذه النبوءة.

قلت: لا بأس.

قال: لقد ذكرت النبوءة أنه من غير بني إسرائيل، فلذلك لا يمكن أن تصدق على المسيح بحال من الأحوال.

قلت: أين هذا؟

قال: لقد ورد في النبوءة أن هذا النبي من بين إخوتهم أي أبناء عمومتهم .. لقد ورد فيها:(من وسط إخوتهم )[3]، وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق، وبنو إسماعيل بن إبراهيم.

قلت: فرق كبير بين العمومة والأخوة .. فبنوا عيسو وبنو إسماعيل أعمام بني إسرائيل.

قال: من المعهود في التوراة إطلاق لفظ الأخ على ابن العم، ألم تقرأ قول موسى لبني إسرائيل :( أنتم مارون بتخم إخوتكم بنو عيسو )(التثنية 2/4) .. وجاء نحوه في وصف أدوم، وهو من ذرية عيسو :( وأرسل موسى رسلاً من قادش إلى ملك أدوم، هكذا يقول أخوك إسرائيل: قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا) (العدد20/14)، فسماه أخاً، وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل.

قلت: صحيح هذا .. ولا يمكن أن أكابر فيه .. ولكن ما الذي تريد أن تقوله؟

قال: أنا لا أريد أن أقول شيئا .. ولكني أريد للنبوءة أن تقول .. ألم نتفق إلى اللجوء إلى العقل؟

قلت: أجل ..

قال: إن هذه النبوءة تدل على أن هذا الموعود من غير بني إسرائيل.

قلت: كيف استنتجت ذلك؟

قال: لقد ذكرت هذه النبوءة أن من خصائص هذا النبي أنه مثل لموسى.

قلت: لقد فرغت من الحديث عن المثلية.

قال: لقد نص الكتاب المقدس على أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى.

قلت: أجل .. فقد ورد في التثنية :( ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه)(التثنية: 34/10)

قال: بل في التوراة السامرية ما يمنع صراحة قيام مثل هذا النبي فقد جاء فيها: ( ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله )(التثنية 34/10)

قلت: والمسيح؟

قال: ألم نتفق أنه ليس نبيا .. وحتى لو كان نبيا فإن المفارقات بينه وبين موسى أكثر من أن تنحصر.

قلت: فعلى من ترى انطباق هذه النبوءة إذن؟

قال: إن البحث العقلي يدعونا إلى البحث فيمن ادعى النبوة من نسل عيسو وإسماعيل لنرى انطباق مدى انطباق النبوءة عليه.

قلت: ليس هناك في هذا النسل إلا محمد الذي يزعم المسلمون نبوته.

قال: فدعنا نطبق هذه النبوءة عليه.

قلت: لا بأس .. لا حرج في أن نجرب ذلك.

قال: ألا يتشابه محمد مع موسى في كل ما ذكرناه من نواحي التشابه؟

قلت: ولكنه لم يكن إسرائليا.

قال: لقد عرفنا أن التماثل لا يعني التطابق.

قلت: إن أردت ميلادهما الطبيعي، وزواجهما، ونحو ذلك .. فهما متماثلان.

قال: وفي غيرهما أيضا يتماثلان .. وهلم نبحث في ذلك.

قلت: لا بأس .. فاذكر لي نواح أخرى للتشابه.

قال: ألم يكن محمد وموسى كلاهما صاحبا شريعة.

قلت: أجل .. ولكن شريعة موسى إلهية، وشريعة محمد بشرية.

قال: لا ينبغي أن نستعجل .. نحن الآن نبحث بالعقل .. ولا ينبغي أن نخلط الأمور التي تحول بيننا وبين الحقيقة.

قلت: لا بأس .. نعم كلاهما له شريعة .. سواء كانت صحيحة أو مدعاة.

قال: من صفات محمد أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة، بينما كان المسيح قارئاً كما في لوقا(انظر لوقا 4/16-18).

قلت: هذا صحيح.

قال: وهو ما تشير إليه النبوءة صراحة، فقد جاء فيها :( وأجعل كلامي في فمه)

صمت، فقال: ألا يتهم الناس محمدا بأنه جاء بالسيف خلافا للمسيح؟

قلت: بلى .. ولولا السيف ما انتشر الإسلام[4].

قال: دعنا من هذا الآن .. نحن الآن نتحدث عن نقطة معينة، فلا ينبغي أن نحجب العقل عنها.

قلت: نعم .. لقد جاء محمد بالسيف.

قال: وموسى ..

قلت: أجل .. لقد جاء بالسيف.

قال: ألم يكن كلا من موسى ومحمد زعيمين، بالإضافة إلى النبوة التي مارسا ما تتطلبه من وظائف بغض النظر عن كل حقيقة أو دعوى؟

قلت: بلى .. لقد كان موسى يملك هذا السلطان, فقد أمر بأعدام عباد العجل كما في (خروج:32: 26 )

قال: وكذلك كان لمحمد سلطان في الحكم بين الناس .. وهل كان للمسيح مثل هذا السلطان؟

قلت: لا .. فللمسيح سلطان من نوع آخر.

قال: إذن هو لا يشبه موسى في هذا ..

قلت: أجل.

قال: هل جاء المسيح بشريعة جديدة؟

قلت: كلا .. بل كان يحاول دائما أن يثبت لليهود الذين كانوا يتهمونه بالتجديف بأنه لم يأت بشريعة جديدة, فيقول :( لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الانبياء , ما جئت لأنقض بل لأكمل ) (متي 5: 17 )

قال: وموسى .. هل جاء بشريعة جديدة؟

قلت: أجل .. فقد جاء موسى بالوصايا العشرة وطقوس جديدة شاملة لهداية الناس.

قال: ومثل ذلك محمد, فقد جاء إلى شعب يمتلئ جهالة بشريعة لا زلنا نراها، ونرى أثراها، وهي ـ كما يزعم المسلمون ـ تشمل جميع مناحي الحياة.

قلت: هذا صحيح.

قال: فموسى ومحمد يتشابهان في هذا؟

قلت: أجل ..

قال: بل ليس هناك من ينطبق عليه هذا الشبه غير موسى ومحمد ..

صمت، فقال: أخبرني .. كيف كان رحيل المسيح من الدنيا؟

قلت: أنت تعلم ذلك .. لقد صلب المسيح من أجل الفداء.

قال: ومحمد وموسى؟

قلت: لقد ماتا ميتة طبيعية.

قال: فالمسيح ليس مثل موسى في هذا، ولكنه مثل محمد.

صمت، فقال: فلننتقل إلى عبارة أخرى وردت في النبوءة .. لقد ورد فيها:( من وسط اخوتهم, مثلك ) أليس هذا الخطاب موجه من موسى لشعبه من الإسرائيليين؟

قلت: بلى ..

قال: فعندما تقول النبوءة من (إخوتهم ), لا يصدق هذا الوصف إلا للعرب.

قلت: كيف ذلك؟

قال: أنت تعلم أنه كان لابراهيم زوجتان سارة وهاجر .. وأن هاجر ولدت لابراهيم ولدا، هو الابن البكر لابراهيم كما يقول الكتاب المقدس :( ودعا ابراهيم اسم ابنه الذي ولدته هاجر اسماعيل )(التكوين16 :15).. وقد وهب الله ابراهيم ابنا آخر من سارة اسماه اسحاق.

قلت: هذا صحيح.

قال: إذا كان اسماعيل واسحاق ابناء الوالد نفسه، وهو إبراهيم, وهو ما يقوله الكتاب المقدس، إذن هما أخوان .. وهكذا فإن الشعوب التي نشأت من سلالتهما, اخوة بالمعنى المجازي .. أي أن أبناء إسحاق الذين هم اليهود, وأبناء إسماعيل الذين هم العرب إخوة.

قلت: لا يمكنك أن تقول ذلك .. بل هما شعبان لا أخوان.

قال: لقد نص الكتاب المقدس على هذه الحقيقة ، فقد جاء فيه :( وأمام جميع إخوته يسكن)(تكوين16 :12 ) .. وعن وفاة إسماعيل تقول التوراة :( وهذه سنو حياة إسماعيل, مئة وسبع وثلاثون سنة, وأسلم روحه ومات وانضم الى قومه، وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجيئ نحو أشور، أمام جميع إخوته) (تكوين 25: 17)

فأبناء إسماعيل هم إخوة لأبناء اسحاق .. ولهذا فإن محمدا من قوم هم إخوة بني اسرائيل, فهو من سلالة اسماعيل.

بل إن تطبيق نصوص التوراة على هذه النبوءة يجعلها لا تشير إلا لمحمد، فالتوراة لم تقل :( من بين أنفسهم )، بل قالت :( من وسط إخوتهم )

قلت: فأنت مقتنع بأن هذه النبوءة إذن تتوجه لمحمد.

قال: اصبر علي .. ألم نتفق على البحث العقلي المحايد؟

قلت: بلى  ..

قال: فلا ينبغي أن نتخذ موقفا من هذه النبوءة حتى نكمل كل ما ورد فيها.. فلعل فيها من الشبهات ما ينفي توجهها لمحمد.

قلت: أنصفت في هذا.

قال: تقول النبوءة :( أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به )(التثنية 18:18) .. لقد عرفنا إلى الآن العبارة الأولى:(أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك) ، فلنحاول فهم العبارة الثانية :( وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به )

قلت: فما ترى في ذلك؟

قال: لقد عرفنا أن أولى من تنطبق عليه العبارة الأولى هو محمد .. فلذلك هيا ننظر هل تنطبق عليه العبارة الثانية أم لا.

قلت: فما ترى؟  

قال: ماذا يزعم المسلمون عن كتابهم؟

قلت: هم يزعمون أنه كلام الله .. ولكنهم يكذبون في ذلك.

قال: دعنا من التكذيب والتصديق .. فنحن الآن نعرضهم على محك العقل.

قلت: لا بأس .. اسأل ما بدا لك.

قال: وهل يتضمن كلام الله الذي جاء به محمد ـ على حد زعم المسلمين ـ وصايا للرب؟

قلت: أجل .. إن السيرة التي ينقلها المسلمون عن نبيهم تدل على أنه عندما بلغ من العمر أربعين عاما .. حين كان يتعبد في غار حراء، نزل إليه الملاك جبريل وأنزل عليه القرآن كتاب محمد المقدس.

قال: هل هذا فقط ما أنزل إليه؟

قلت: لا .. لقد ظل ثلاثة وعشرين سنة ، يزعم أن هذا الوحي يوحى إليه.

قال: إن هذا الثبات طول هذه المدة ينبغي أن يستوقف العقل .. ألا يمكن أن يكون ثباته هذا دليلا على صدقه؟

قلت: لا .. فالثبات نراه على الباطل، كما نراه على الحق.

قال: ولكنه ادعى النبوة والاتصال بالله، بل تكلم مخبرا عن الله، فكيف يتركه الله، ألم يرد في النبوءة أن من صفات هذا النبي أنه لا يقتل، بل يعصم الله دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل، فالنبي الكذاب عاقبته ( يموت ذلك النبي)، أي يقتل[5].

وهذا يزيد النبوءة بعدا عن المسيح على حساب اعتقاد المسيحيين .. فالمسيح قتل، أما محمد، فقد ظل حيا يدعو إلى دينه إلى آخر حياته.

صمت، فقال: لا بأس .. ألا زال الوحي الذي قال محمد بأنه أوحي إليه موجود؟

قلت: بلى .. وهو القرآن، كتاب المسلمين .. ولكن فيها أمورا عن القتال وغير ذلك تدل على أنه ليس كلام الله.

قال: دعنا من ذلك الآن .. نحن الآن نبحث في صدق النبوءة.

قلت: أرى أنها إلى الآن تنطبق من حيث الظاهر عليه في هذه الناحية.

قال: لا تتسرع .. فلنسمع عبارات أخرى لعلها تصرف النبوءة عنه.

قلت: نعم .. لا ينبغي التسرع في مثل هذا.

قال: لقد ورد في النبوءة أن هذا النبي يتمكن من تبليغ كامل دينه.

قلت: أجل .. فقد ورد فيها:(يكلمهم بكل ما أوصيه به)

قال: فهل أكمل المسيح جميع وصاياه؟

قلت: لا .. لقد رحل المسيح، ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلاميذه، لكنه لم يتمكن من بلاغه، لكنه بشرهم بحصول ذلك من بعده، فقال :( إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ) (يوحنا 16/12-13)

قال: أما محمدا ، فلم يقل هذا .. لقد ورد في كتابه أنه أكمل دينه، وبلغ كل ما أمر بتبليغه[6]، لقد جاء في القرآن :) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ( (المائدة: من الآية3)

صمت، فقال: ناحية أخرى في النبوءة جديرة بالاهتمام .. ولكن قبل أن أسوقها لك، أجبني: هل توعد المسيح من لم يسمعوا كلامه، أو غيرهم بأي لون من ألوان الوعيد؟

قلت: لقد كان المسيح مملوءا بالرحمة التي تمنعه من هذا الوعيد .. فهو لم يتوعد حتى قاتليه، فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلامه، لقد قال لوقا في سياق قصة الصلب :( فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون)(لوقا 23/34)

قال: ولكن النبوءة تقول: (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه) ، وقد فسرها بطرس، فقال :( ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه )

قلت: فهل تحقق هذا الجزء من النبوءة في محمد؟

قال: أجل .. فقد ورد في النصوص التي جاء بها أنه نبي واجب السمع والطاعة على كل أحد، ومن لم يسمع له تعرض لعقوبة الله.

بل إن ذلك هو ما حصل بجميع أعدائه، حيث انتقم الله من كل من كذبه من مشركي العرب والعجم.

قلت: ولكن هذا ما ينفر النفس عنه.

قال: لا يهمك أن تنفر نفسك أو تقبل، بل يهمك أن تقنع عقلك .. فلا ينبغي أن نملي على الله صفات من يرسله إلينا.

قلت: ولكن المسيح يجذب العقول والنفوس.

قال: ألم تقرأ ما قال المسيح في نبوءة الكرامين؟ .. لقد قال :( ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه )(متى 21/44)، فهو الحجر الصلب الذي يفني أعداءه العصاة.

إنه نفسه الذي بشر بمقدمه النبي دانيال :( وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب )(دانيال 2/21 - 45)

قلت: أرى أنك اقتعت بهذه النبوءة ، واتبعت محمدا.

قال: أجل .. وأنا لأجل ذلك في سعادة من أجل انسجام عقلي مع روحي مع نفسي.

قلت: ولكنك ذكرت لي أنك مسيحي .. أتتخذ الكذب مطية للتلاعب بي.

قال: لم أكذبك في ذلك .. لقد ولدت مسيحيا .. لكن هذه النبوءة أضافت إلى إيماني بالمسيح إيماني بمحمد .. بل إنها عمقت إيماني بالمسيح وصححته من الأوهام التي ألصقها قومنا به.

قلت: أمن أجل نبوة واحدة تتحول عن إيمانك؟

قال: أنا لم أتحول عن إيماني .. بل صححته ودعمته .. ثم كيف تحتقر نبوءات الله..

صمت، فقال:ومع ذلك فإن لي أختا لها نطق بها فم ذلك النبي المبارك.

قلت: فما هي؟

البشارة الثانية:

قال: قبيل وفاة موسى ساق خبراً مباركاً لقومه بني إسرائيل، فقد جاء في سفر التثنية:( هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة، فأحب الشعب، جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك )(التثنية 33/1-3)

وقد أكد هذه النبوءة النبي حبقوق، حيث قال :( الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور، له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم) (حبقوق 3/3-6)

قلت: أراك تقرأ النصوص قراءة مختلفة .. فما في نسخي يختلف عما أوردته.

قال: أنت تعلم ما يفعله قومي وقومك من التلاعب بالترجمات .. ولست أدري سر ذلك، ولا أريد أن أتهمهم بشيء:

لقد جاء في الترجمة السبعينية :( واستعلن من جبل فاران، ومعه ربوة من أطهار الملائكة عن يمينه، فوهب لهم وأحبهم، ورحم شعبهم، وباركهم وبارك على أظهاره، وهم يدركون آثار رجليك، ويقبلون من كلماتك. أسلم لنا موسى مثله، وأعطاهم ميراثاً لجماعة يعقوب )

وفي ترجمة الآباء اليسوعيين :( وتجلى من جبل فاران، وأتى من ربى القدس، وعن يمينه قبس شريعة لهم )

وفي ترجمة 1622م :( شرف من جبل فاران، وجاء مع ربوات القدس، من يمينه الشريعة )

ومعنى ربوات[7] القدس أي ألوف القديسين الأطهار، كما في ترجمة 1841م:( واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار)

قلت: فكيف تنطبق هذه النبوءة على محمد؟

قال: في هذا النص تتحدث البشارة عن الأماكن التي سيظهر فيها وحي الله إلى أنبيائه، وهي تدعو بذلك إلى البحث عنها، أما الأول، فهو جبل سيناء، حيث كلم الله موسى .. وأما الثاني، فهو ساعير، وهو جبل يقع في أرض يهوذا كما في (يشوع 15/10)، وهو محل ظهور المسيح .. وأما الثالث، فهو جبل فاران[8].

قاطعته قائلا: وهي منطقة موجودة بجنوب فلسطين[9].

قال: إن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب فلسطين لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل، وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز، حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين كالمؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس اللذان شهدا بأن فاران هي مكة.

قلت: شهادتهما لا تلزم غيرهما.

قال: إن جبل فاران هو الجبل الذي سكنه إسماعيل، كما قالت التوراة عن إسماعيل:( كان الله مع الغلام فكبر.وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر )(التكوين: 21/20-21)

وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة، فقد جاء في التوراة :( هؤلاء هم بنو إسماعيل.... وسكنوا من حويلة إلى شور )(التكوين 25/16 - 18)، وحويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس منطقة في أرض اليمن، بينما شور في جنوب فلسطين .. وعليه فإن إسماعيل وأبناؤه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل.

قلت: دعنا من هذا .. لقد ذكر موسى هذه البشارة بصيغة الماضي، وهي بالتالي لا يصح انطباقها على محمد.

قال: أنت تدري بأن من عادة الكتب الإلهية استعمال الماضي في معنى المستقبل[10] ، ألم تر أنه أخبر عن عيسى في هذه البشارة كذلك بصيغة الماضي، فإن قبلت هذه البشارة في حق عيسى، فهي في حق محمد ادعى للقبول.

قلت: ولكن النص أخبر عن مجيء الرب .. لا عن مجيء النبي ..

قال: يقصد بهذا التعبير في اصطلاح الكتب المقدس الدين ، فجاء الرب معناها ظهر دينه ودعي إلى توحيده .. بالإضافة إلى أن لفظة ( رب ) قد تقع على موسى وعيسى ومحمد، وهي مستعملة بهذا الإطلاق في اللغة السريانية والعربية فتقول العرب رب البيت، بمعنى صاحب البيت ويقول السريان لمن أرادوا تفخيمه :( مار )، ومار بالسريانية هو الرب.

وقد يراد بها :( الله )[11]ويكون معناها ظهور دينه.

قلت: لقد أخبر النص عن آلاف القديسين، والذين تسميهم بعض التراجم ( أطهار الملائكة ) .. فمتى شهدت فاران مثل هذه الألوف من الأطهار؟

قال: هذا دليل آخر على هذه النبوءة .. فلنبحث في تاريخ فاران .. هل شهدت من القديسين كما شهدت في عهد محمد، وعهود أتباعه ..

صمت، فقال: أعلم ما تقولون في هذا النص .. أنتم تلوون عنقه لتقولوا بأن المراد منه الحديث عن أمر قد مضى يخص بني إسرائيل، وأنه يتحدث عن إضاءة مجد الله وامتداده لمسافات بعيدة شملت فاران وسعير وسيناء.

قلت: هذا ما نفهم من النص.

قال: لو كان هذا هو المراد من النص لما كان نبوءة ..

أما نحن فنرى فيه شهادة بنبوة المسيح، كما أن فيه شهادة بنبوة محمد، الذي أتى ومعه الآلاف من الأطهار مؤيدين بالشريعة من الله عز وجل.

وأزيدك على هذا أن هذه النبوءة ورد مثلها في القرآن الكريم ، فالله تعالى يقول:) وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ( (التين:3)، فالمواطن الثلاثة تجتمع في هذه السورة، كما تجتمع في نبوءة موسى.

قال هذا .. ثم انصرف لعيدانه يجمعها ..

أما أنا فقد عدت بحيرة جديدة إلى غرفتي .. وببصييص من النور اهتديت به بعد ذلك إلى شمس محمد.

 



([1]) هكذا ورد نص النبوءة في النسخ المختلفة من الكتاب المقدس:

نسخة فانديك المعتمدة ط 1977

نسخة كتاب الحياة ط 1988

أقيمُ لهُمْ نَبِيَّا مِن وَسَطِ إخْوَتِهِمْ مِثلَكَ . وأجعلُ كلامى فى فمه فيُكلِّمِهُم بكل ما أوصيه . ويكون أن الإنسان الذى لا يسمعُ لكلامى الذى يتكلَّمُ به باسمى أنا أطالبهُ .

 

لهذا أقيم لهُمْ نَبِيَّا مِن بين إخوَتِهِم مِثلَكَ  وأضع كلامِى فى فمه ، فيخاطبهم بكل ما آمُرُهُ به . فيكونُ أنَّ كل من يعْصِى كلامِى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى ، فأنا أحَاسِبَهُ . 

نسخة الكاثوليك ط 1993

نسخة الآباء اليسوعين ط 1991

سأقيمُ لهُمْ نبِيَّا مِن بين إخوَتِهِم مِثلَكَ وألقِى كلامى فى فمه . وكل مَن لا يسمعُ كلامى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى أحاسِبُهُ عليهِ .

سأقيم لهم نبِيَّا مِن وَسْطِ إخوَتِهِم مِثلكَ ، وأجعلُ كلامى فى فمه ، فيخاطبهم بكل ما آمُرُه به . وأى رَجُلٍ لم يَسْمَعْ كلامى الذى يَتَكلَّمُ به باسمى ، فإنِّى أحاسِبُه عَليه .

 

([2]) نحن نذكر في هذه الرسائل العقيدة المسيحية من باب التعميم بغض النظر عن اختلاف المدارس والطوائف المسيحية في ذلك، وسنرى التفاصيل المرتبطة بمواقف الطوائف المسيحية المختلفة من هذه القضايا في رسالة (الله جل جلاله) من هذه السلسلة.

([3])   يرى المسيحيون أن ثمة إشكالاً في النص التوراتي (التثنية 18/17-22) يمنع قول المسلمين، فقد جاء في مقدمة سياق النص أن الله لما كلم موسى قال :« يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي.... قد أحسنوا في ما تكلموا: أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك »(التثنية 18/15 - 18) فقد وصفت النبي بأنه « من وسطك » أي من بني إسرائيل، ولذا ينبغي حمل المقطع الثاني من النص على ما جاء في المقطع الأول، فالنبي « من وسطك » أو كما جاء في بعض التراجم « من بينك» أي أنه إسرائيلي.

لكن التحقيق يرد هذه الزيادة التي يراها المحققون تحريفاً، بدليل أن موسى لم يذكرها، وهو يعيد خبر النبي على مسامع بني إسرائيل، فقال :« قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك »(التثنية 18/17-18)، ولو كانت من كلام الله لما صح أن يهملها.

كما أن هذه الزيادة لم ترد في اقتباس بطرس واستيفانوس للنص كما جاء في أعمال الرسل قال بطرس :« فإن موسى قال للآباء: إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به » (أعمال 3/22)، وقال استفانوس :« هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون »(أعمال 7/37)، فلم يذكرا تلك الزيادة، ولو كانت أصلية لذكرت في سائر المواضع.

([4]) سنرى التفاصيل الكثيرة المرتبطة برد هذه الشبهة في رسالة (ثمار من شجرة النبوة)، و(سلام للعالمين) من هذه السلسلة.

([5]) بالرجوع إلى التراجم القديمة للنص نرى أن ثمة تحريفاً وقع في الترجمة ، فقد جاء في طبعة 1844م :« فليقتل ذلك النبي »، ولا يخفى سبب هذا التحريف.

([6]) وقد وصفه المسيح في نبوءة البارقليط، التي سيأتي الحديث عنها، فقال :« وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم » (يوحنا 14/26).

([7])  استخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة، معهود في الكتاب المقدس:( ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه)(دانيال7/10)، ومثله قوله :( كان يقول: ارجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل )(العدد 10/36)، فالربوات القادمين من فاران هم الجماعات الكثيرة من القديسين، الآتين مع قدوسهم الذي تلألأ في فاران.

 

([8])وردت كلمة فاران اثنى عشر مرة فى أسفار العهد القديم من نسخة فانديك العربية المعتمدة لدى الكنائس العربية . أماكنها كالآتى : تك ( 14 : 6 ؛ 21 : 21 ) ؛ عدد ( 10 : 12 ؛ 12 : 16 ؛ 13 : 3 ، 26 ) ؛ تثنية ( 1 : 1  ؛ 33 :  2 ) ؛ 1 صموئيل ( 25 : 1 ) ؛ 1 ملوك ( 11 :  18 ، 18 ) ؛ حبقوق   ( 3 : 3 )

ونجد الكلمة تأتى مسبوقة بالحرفين ( هـ ر ) أى هار فاران ( הך פאךנ ) فى كل من ( تك 14 : 6 ؛ تثنية 33 : 2 ؛ حبقوق 3 :  3 )

وكلمة هار يقول عنها علماء اللغة العبرية أنها صيغة مختصرة من الجذر هرر ( הךך ) ، وهو جذر غير مستخدم فى العبرية، وتجدهم يترجمون معنى هار إلى جبل فيقولون جبل فاران كما جاء فى ( تثنية 33 : 2 ؛ حبقوق 3 : 3 ) . وتجدهم يترجمون معناها أحيانا إلى كلمة بطمة فيقولون بطمة فاران كما جاء فى ( تك 14 : 6 ) وشتان ما بين الجبل و البطمة فى المعنى، فهذا حجر وذاك زرع نباتى ..!!

وفى الإنجليزية يترجمونها إلى إيل فاران ( El-Paran ) وقد سبق ذكر معنى كلمة إيل التى يترجمونها فى النسخ العربية إلى اسم الجلالة الله، فيكون منطوق العبارة فى نصّ تك ( 14 : 6 ) هو فاران الله . أى أنَّ اسم ذلك المكان ينسب إلى اسم الله سبحانه وتعالى .

كما نجد أنَّ كلمة فاران فى النصوص ( تك 21 : 20؛ عدد 10 : 12 ؛ 12 : 16 ؛ 13: 26 ؛ تثنية 1 : 1 ؛ 1 صموئيل 25 : 1 ) تأتى مسبوقة بالكلمة العبرية مدبار ( חידבך ) بمعنى برية . وسكن إسماعيل وأمه هاجر فى مدبار فاران ( חידבך פאךנ ) أى برية فاران ، وليس على هار فاران ( הך פאךנ ) أى جبل فاران . 

وبالمناسبة فإنهم لا يقولون هار سين أى جبل سيناء كما قالوا هار فاران أى جبل فاران، وإنما يقولون مدبار سين أى برية سيناء و مدبار فاران أى برية فاران . فهناك إذًا فى العبرية جبل فاران و برية فاران ولا يوجد فيها جبل سيناء وإنما الموجود برية سيناء و سيناء فقط ويعنون بها الجبل ، وفى العبرية الحديثة يطلقون كلمة سين على كل شبه جزيرة سيناء .

ونجد الكلمة فاران تأتى علما على اسم مكان بدون إضافة إليها كما جاء فى نص (1 ملوك 11 : 18 مكرر ) (أنَّ هدد هرب هو ورجال أدوميون من عبيد أبيه معه ليأتوا مصر ، وكان هدد غلاما صغيرا . وقاموا من مديان وأتوا إلى فاران وأخذوا معهم رجالا من فاران وأتوا إلى مصر )

أمَّا عن معنى كلمة فاران ومكانها فإنَّ معظم القواميس والموسوعات الكتابية لا تذكر شيئا عن معناها، وكل أقوالهم تنحصر فى بيان موقعها الجغرافى المُضَلل المزعوم فى سيناء المصرية.

ولكن بالرجوع إلى القواميس اللغوية المتخصصة للكتاب المقدس نجد أنَّ الكلمة فاران تذكر أنها صحراء العربية، ويقصدون بطرف خفى أنها صحراء وادى عربة الواقعة شرقى سيناء كما ورد فى كثير مِن القواميس الكتابية ..!!

إلا أنهم يرمون للقارىء المسلم ببعض المعانى والكلمات أمام كلمة فاران مثل قولهم glorify-self )  أى المكان المُعَظم فى ذاته أو المكان المُمَجَّد فى ذاته. (انظر: نبي أرض الجنوب)

([9])  يزعم بعضهم أن فاران الواردة في هذه البشارة هي التي بقرب جبل سيناء، وهذا ليس صحيحا، ففاران تلك هي برية فاران كما أفادت عنها التوراة. وهنا ذكر جيلاً ... ودعيت تلك فاران بسبب أنها ظليلة من الأشجار.

ولفظة فاران عبرية تحتمل الوجهين، فإذا ذكرت البرية لزم أنها ظليلة، وإن ذكر الجبل ينبغي أن يفهم بأنه جبل ذو غار، وفي هذه البشارة ذكر جبل فعلم أنه جبل فاران الذي فيه المغارة. كما أن لفظة فاران مشتقه من فاري بالعبرية وعربيتها: المتجمل. أي المتجمل بوجود بيت الله. وهذه الجبال قد تجملت ببيت الله.

([10])التعبير عن الأمور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس. يقول اسبينوزا :« أقدم الكتاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر، وعلى الماضي بلا تمييز كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل... فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات »

وفي القرآن الكريم كثير من ذلك، فالله ' يقول عن الساعة :) أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل:1)

([11])  أورد المهتدي الإسكندراني هذه البشارة باللغة العبرية، ثم ترجمها إلى اللغة العربية ونص ترجمته هكذا :« جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران، وظهر من ربوات قدسه عن يمينه نور وعن شماله نار، إليه تجتمع الأمم، وعليه تجتمع الشعوب »وقال :« إن علماء بني إسرائيل الشارحين للتوراة شرحوا ذلك وفسروه بأن النار هي سيف محمد القاهر، والنور هي شريعته الهادية  »