الصفحة السابقة

العودة للصفحة الرئيسية

الصفحة التالية

المؤلف: نور الدين أبو لحية

العودة للكتاب: قلوب مع محمد

الناشر: دار الكتاب الحديث

 الفهرس

ثالثا ـ الأدباء

1ـ شعراء من الصحابة:

عبد الله بن رواحة:

حسان بن ثابت:

كعب بن زهير:

2 ـ شعراء البردة:

البوصيري:

ابن جابر الأندلسي:

صفي الدين الحلي:

محمود سامي البارودي:

أحمد شوقي:

السيد عبدالله بن أحمد الهدار الحضرمي:

يحيى توفيق:

 

3 ـ شعراء مسيحيون:

وصفي قرنفلي:

جورج صيدح:

جورج سلستي:

محبوب الخوري الشرتوني:

الشاعر القروي:

خليل مطران:

مارون عبود:

إلياس فرحات:

عبد الله يوركي حلاق:

جاك صبري شماس:

إلياس قنصل:

شبلي الملاط:

4 ـ أدباء أسلموا:

ويليام بيكارد:

فانسان مونتييه:

ثالثا ـ الأدباء

فتحت دفتر البابا على فصله الثالث، فوجدت عنوانه (الأدباء)، فقلت: من تقصد بالأدباء؟

قال: أولئك الذين فتحت لهم خزائن الكلام، ونبعت لهم من منابع المشاعر عيون عبروا بها عما لم يطق غيرهم التعبير عنه.

قلت: فما الفرق بين هؤلاء وبين غيرهم؟

قال: هؤلاء هم لسان البشر الذي يعبر عنهم.

قلت: ولكنهم قد يتيهون في أودية الأماني، كما قال ':﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) (الشعراء:224- 225)، وقد روي في الحديث عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله r بالعَرْج، إذ عَرَض شاعر يُنشد، فقال النبي r:« خذوا الشيطان -أو امسكوا الشيطان -لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا »[1]

قال: وقد يصدقون، فيمتلئ غيرهم صدقا، وقد استثنى الله تعالى المؤمنين، فقال:﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (الشعراء:227)، وقد ورد في الحديث أنه لما نزلت:﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله r، وهم يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء. فتلا النبي r:﴿ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثم قال:« أنتم » ﴿ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا قال:« أنتم ، ﴿ وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا قال:« أنتم»[2]  

وقد روي عن كعب بن مالك أنه قال للنبي r: إن الله، عز وجل، قد أنزل في الشعّر ما أنزل، فقال r:« إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده، لكأن ما ترمونهم به نَضْح النبْل »[3]

قلت: أما إن قلت هذا، فقد كان في الإسلام شعراء كثيرون يمتلئون صدقا، وقد قدموا للإسلام أعظم ما يقدمه مسلم ناصح.

قال: ولذلك تراني قد بدأت بهم في هذا الدفتر.

1ـ شعراء من الصحابة:

قلت: قد رأيت ذلك، وتعجبت منه، فكيف التقيت بابن رواحة، أو بحسان.

قال: لقد التقيت بشعرهم، وأعجبت به، ولاحظت فيه من الصدق ما لم ألحظه في جميع أشعار الدنيا، فليس هناك من هو أحق بالمدح من رسول الله r.

عبد الله بن رواحة:

قلت: فلنبدأ بعبد الله بن رواحة، فإني أراه يستهل قائمة الشعراء في دفترك هذا.

قال: أجل.. فلي محبة خاصة لهذا الشاعر المحب الصادق.

قلت: وكيف لا تحبه، وهو صحابي جليل حضر بيعتي العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق.

قال: وفوق ذلك  كان أحد شعراء النبي الثلاثة، وكان بين يدي النبي r في عمرة القضاء، وكان يقول:

خَلُّوا بني الكُفَّار عَنْ سَبيلِهِ       نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيـله

فنادى عليه عمر وقال له: في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول هذا الشعر؟ فقال له النبي r:« خَلِّ عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وَقْعِ النبل»[4]

وقد أنشد ذات يوم من شعره بين يدي النبي r قوله:

إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الخَيْرَ أَعْرِفُهُ
 

وَاللهُ يَعْرِفُ أنْ ما خَانَنِي الخَبَرُ
  

أَنْتَ النبي وَمَنْ يُحْرَمْ شَفَاعَتُهُ
 

يَوْمَ الحِسَابِ لَقَدْ أَزْرَى بِهِ القَدَرُ
  

فَثَّبَتَ اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حُسْنٍ
 

تَثَبِيتَ مَوسى وَنصْرًا كَالذي نصَروا
  

فدعا له الرسول r قائلا:« وإياك فثبَّتَكَ الله »[5]

وكما نصر عبد الله الإسلام في ميدان الكلمة، فقد نصره باقتدار في ميدان الحرب والجهاد بشجاعته وفروسيته.

وفي شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، علم الرسول r أن الروم قد حشدوا جيوشهم استعدادًا للهجوم على المسلمين، فأرسل النبي r جيشًا إلى حدود الشام عدده ثلاثة آلاف مقاتل؛ ليؤمِّن الحدود الإسلامية من أطماع الروم، وجعل زيد بن حارثة أميرًا على الجيش، وقال لهم:« إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رَواحة »

فلما وصل جيش المسلمين إلي حدود الشام، علموا أن عدد جيش الروم مائتا ألف فارس، فقالوا: نكتب إلى النبي ليرسل إلينا مددًا من الرجال، أو يأمرنا أن نرجع أو أي أمر آخر، فقال لهم ابن رواحة:« يا قوم، والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم تطلبون، إنها الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة » 

فكبر المسلمون وواصلوا مسيرتهم حتى نزلوا قرية بالشام تسمى مؤتة، وفيها دارت الحرب، وقاتل المسلمون أعداءهم قتالاً شديدًا، وأخذ زيد بن حارثة يقاتل ومعه راية المسلمين، فاستشهد زيد، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وراح يقاتل في شجاعة حتى استشهد، فأخذ عبد الله الراية، فأحس في نفسه بعض التردد، ولكنه سرعان ما تشجع، وراح يقاتل في شجاعة ويقول:

أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنَّه
 

طَائِعَةً أَوْ لَتُكْرهِنَّه
  

فَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّة
 

مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الجَنَّةْ
  

يَا نَفْسُ إلا تُقْتَلِى تَمُوتي
 

وَمَا تَمَنَّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيت
  

إِنْ تَفْعَلِى فَعْلَهُمَا هُدِيتِ
 

وَإِنْ تَأَخَّرْتِ فَقَد شُقِيتِ
  

ونال عبد الله الشهادة، ولحق بصاحبيه زيد وجعفر.

وقد كان فوق هذا مثال المسلم الصادق، وقد أرسله النبي r إلى يهود خيبر؛ ليأخذ الخراج والجزية مما في أراضيهم، فحاولوا إعطاءه رشوة؛ ليخفف عنهم الخراج، فقال لهم: يا أعداء الله، تطعموني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم.

حسان بن ثابت:

كان الاسم الثاني في دفتر البابا في هذا الفصل هو اسم الشاعر المشهور (حسان بن ثابت) فطلبت من البابا أن يحدثني عنه، فقال:

هو شاعر الرسول بلا منازع، وقد أخبرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي r كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائماً يهجو الذين كانوا يهجون النبي r، فقال رسول الله r:« إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله r»[6]  

وقد روي عن سعيد بن المسيب قال: مر عمر بحسان في المسجد وهو ينشد فلحظ إليه فقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت النبي r يقول:« أجب عني اللهم أيده بروح القدس »[7]  

ومن قصائده التي رثى بها رسول الله r [8]:

بطيبة رسم للرسول ومعهد
 

منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
  

ولا تمتحي الآيات من دار حرمة
 

بها منبر الهادي الذي كان يصعد
  

وواضح آثار وباقي معالم
 

وربع له فيه مصلى ومسجد
  

بها حجرات كان ينزل وسطها
 

من الله نور يستضاء ويوقد
  

معارف لم تطمس على العهدآيها
 

أتاها البلى فالآي منها تجدد
  

عرفت بها رسم الرسول وعهده
 

وقبرا بها واراه في الترب ملحد
  

ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت
 

عيون ومثلاها من الجفن تسعد
  

يذكرن آلاء الرسول وما أرى
 

لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
  

مفجعة قد شفها فقد أحمد
 

فظلت لآلاء الرسول تعدد
  

وما بلغت من كل أمر عشيره
 

ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
  

أطالت وقوفا تذرف العين جهدها
 

على طلل القبر الذي فيه أحمد
  

فبوركت يا قبر الرسول وبوركت
 

بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
  

وبورك لحد منك ضمن طيبا
 

عليه بناء من صفيح منضد
  

تهيل عليه الترب أيد وأعين
 

عليه وقد غارت بذلك أسعد
  

لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة
 

عشية علوه الثرى لا يوسد
  

وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم
 

وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
  

يبكون من تبكي السموات يومه
 

ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
  

وهل عدلت يوما رزية هالك
 

رزية يوم مات فيه محمد ؟
  

تقطع فيه منزل الوحي عنهم
 

وقد كان ذا نور يغور وينجد
  

يدل على الرحمن من يقتدي به
 

وينقذ من هول الخزايا ويرشد
  

إمام لهم يهديهم الحق جاهدا
 

معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
  

عفو عن الزلات يقبل عذرهم
 

وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
  

وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله
 

فمن عنده تيسير ما يتشدد
  

فبينا هم في نعمة الله بينهم
 

دليل به نهج الطريقة يقصد
  

عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى
 

حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
  

عطوف عليهم لا يثنى جناحه
 

إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
  

فبينا هم في ذلك النور إذ غدا
 

إلى نورهم سهم من الموت مقصد
  

فأصبح محمودا إلى الله راجعا
 

يبكيه حق المرسلات ويحمد
  

وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها
 

لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
  

قفارا سوى معمورة اللحد ضافها
 

فقيد يبكينه بلاط وغرقد
  

ومسجده فالموحشات لفقده
 

خلاء له فيه مقام ومقعد
  

وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت
 

ديار وعرصات وربع ومولد
  

فبكي رسول الله يا عين عبرة
 

ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
  

وما لك لا تبكين ذا النعمة التي
 

على الناس منها سابغ يتغمد
  

فجودي عليه بالدموع وأعولي
 

لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
  

وما فقد الماضون مثل محمد
 

ولا مثله حتى القيامة يفقد
  

أعف وأوفى ذمة بعد ذمة
 

وأقرب منه نائلا لا ينكد
  

وأبذل منه للطريف وتالد
 

إذا ضن معطاء بما كان يتلد
  

وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى
 

وأكرم جدا أبطحيا يسود
  

وأمنع ذروات وأثبت في العلا
 

دعائم عز شاهقات تشيد
  

وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا
 

وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
  

رباه وليدا فاستتم تمامه
 

على أكرم الخيرات رب ممجد
  

تناهت وصاة المسلمين بكفه
 

فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
  

أقول ولا يلقى لقولي عائب
 

من الناس إلا عازب العقل مبعد
  

وليس هواي نازعا عن ثنائه
 

لعلي به في جنة الخلد أخلد
  

مع المصطفى أرجو بذاك جواره
 

وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
  

ومن مرثياته في رسول الله r:

ما بال عينك لا تنام كأنما
 

كحلت مآقيها بكحل الأرمد
  

جزعا على المهدي أصبح ثاويا
 

يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
  

وجهي يقيك الترب لهفي ليتني
 

غيبت قبلك في بقيع الغرقد
  

بأبي وأمي من شهدت وفاته
 

في يوم الاثنين النبي المهتدي
  

فظللت بعد وفاته متبلدا
 

متلددا يا ليتني لم أولد
  

أأقيم بعدك بالمدينة بينهم
 

يا ليتني صبحت سم الأسود
  

أو حل أمر الله فينا عاجلا
 

في روحة من يومنا أو من غد
  

محضا ضرائبه كريم المحتد
  

يا بكر آمنة المبارك بكرها
 

ولدته محصنة بسعد الأسعد
  

نورا أضاء على البرية كلها
 

من يهد للنور المبارك يهتدي
  

يا رب فاجمعنا معا ونبينا
 

في جنة تثنى عيون الحسد
  

في جنة الفردوس فاكتبها لنا
 

يا ذا الجلال وذا العلا والسودد
  

والله أسمع ما بقيت بهالك
 

إلا بكيت على النبي محمد
  

يا ويح أنصار النبي ورهطه
 

بعد المغيب في سواء الملحد
  

ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا
 

سودا وجوههم كلون الإثمد
  

ولقد ولدناه وفينا قبره
 

وفضول نعمته بنا لم نجحد
  

والله أكرمنا به وهدى به
 

أنصاره في كل ساعة مشهد
  

صلى الإله ومن يحف بعرشه
 

والطيبون على المبارك أحمد
  

ومن مرثياته في رسول الله r:

نب المساكين أن الخير فارقهم
 

مع النبي تولى عنهم سحرا
  

من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي
 

ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
  

أم من نعاتب لا نخشى جنادعه
 

إذا اللسان عتا في القول أو عثرا
  

كان الضياء وكان النور نتبعه
 

بعد الإله وكان السمع والبصرا
  

فليتنا يوم واروه بملحده
 

وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
  

لم يترك الله منا بعده أحدا
 

ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
  

ذلت رقاب بني النجار كلهم
 

وكان أمرا من امر الله قد قدرا
  

واقتسم الفيء دون الناس كلهم
 

وبددوه جهارا بينهم هدرا
  

ومن مرثياته في رسول الله r:

آليت ما في جميع الناس مجتهدا
 

مني ألية بر غير إفناد
  

تالله ما حملت أنثى ولا وضعت
 

مثل الرسول نبي الأمة الهادي
  

ولا برا الله خلقا من بريته
 

أوفى بذمة جار أو بميعاد
  

من الذي كان فينا يستضاء به
 

مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
  

أمسى نساؤك عطلن البيوت فما
 

يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
  

مثل الرواهب يلبسن المباذل قد
 

أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
  

يا أفضل الناس إني كنت في نهر
 

أصبحت منه كمثل المفرد الصادي
  

كعب بن زهير:

من أسماء الصحابة الشعراء التي رأيتها في دفتر البابا اسم (كعب بن زهير)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا كعب بن زهير، كان شاعرا فحلاً مجيداً، وهو صاحب البردة المعروفة، والتي يقول فيها:

بانَتْ سُعَادُ فقَلْبي اليومَ مَتْبُولُ
 

مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لم يُجَزَ مَكْبُولُ
  

وما سُعادَ غَداةَ البَيْن إِذ عَرَضَتْ
 

إلاَّ أَغَنُّ غَضِيضُ الطَّرفِ مَكْحُولُ
  

وما تَدُومُ على العَهْدِ الذِي زَعَمَتْ
 

كما تَلَوَّنُ في أَثْوَابِها الغُولُ
  

ولا تَمَسَّكُ بالوُدِّ الذي زَعَمَتْ
 

إِلاَّ كما تُمْسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ
  

كانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لها مَثَلاً
 

وما مَوَاعِيدُه إِلاَّ الأَباطيلُ
  

نُبِّئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعدَني
 

والعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَبْذُولُ
  

مَهْلاً هَدَاكَ الذي أَعْطَاكَ نافلَةَ الْ
 

قُرْآنَ فيها مَوَاعِيظٌ وتَفْصِيلُ
  

لا تأْخُذَنِّي بأَقْوَالِ الوُشاةِ ولم
 

أُذْنِبْ ولَوْ كَثُرَتٍ فِيَّ الأَقاويلُ
  

فلما بلغ قوله:

إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ به
 

وصارمٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ
  

في عُصْبَة مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ
 

بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
  

زَالُوا فما زالَ أَنْكَاسٌ ولا كُشُفُ
 

يَوْمَ الِلَّقَاءِ ولا سُودٌ مَعَازِيلُ
  

نظر رسول الله r إلى من عنده من قريشٍ، كأنه يومي إليهم أن يسمعوا، حتى قال:

يَمْشُونَ مَشْىَ الجمال البُهْمِ يَعْصِمُهُمْ
 

ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
  

يعرض بالأنصار، لغلظتهم عليه، فأنكرت قريشٌ عليه وقالوا: لم تمدحنا إذ هجوتهم، فقال:

مَنْ سَرَّهُ شَرَفُ الحَيَاةِ فلا يَزَلْ
 

في مِقْنَب من صالِحِي الأَنْصَار
  

اَلباذِلينَ نُفُوسَهم لِنَبِيِهِّمْ
 

يَوْمَ الهيَاجِ وسَطْوَةِ الجَبَّار
  

يَتَطَهَّرُونَ كأَنَّهُ نُسُكٌ لهم
 

بدِماءِ مَنْ عَلِقُوا مِنَ الكُفَّارِ
  

فكساه النبي r بردةً..

2 ـ شعراء البردة:

قلت: لقد ذكرتني بالبردة..

قال: بردة البوصيري !؟

قلت: أجل.. فالصبيان عندنا لا يزالون يحفظونها ويرددونها.

قال: بوركت تلك البردة، وبورك قائلها.. لقد فتحت في سماء الشعر المحب لرسول الله r فتوحا عظيمة.

قلت: ما تقصد؟

قال: لقد سن البوصيري في الشعر سنة حميدة لا زلنا نحيا آثارها إلى اليوم، فقد وجه الشعر الذي تاه فيه الكثير في أودية الأماني نحو قبلة رسول الله r.

قلت: صدقت.. فلا زال للبردة ومن نهج نهجها آثار طيبة إلى اليوم.

البوصيري:

قال: فلذلك تراني وضعت البوصيري في قمة المادحين للنبي r.

قلت: لقد كان شاعرا فحلا.

قال: لم يكن شاعرا فقط، بل كان أمير شعراء المديح النبوي بلا منازع.. فقد وقف شعره على مدح النبي r[9]، وكان من ثمار مدائحه النبوية (بائياته الثلاث)، التي بدأ إحداها بلمحات تفيض عذوبة ورقة استهلها بقوله:

وافاكَ بالذنب العظيم المذنبُ
 

خجلا يُعنفُ نفسَه ويُؤنِّبُ
  

ويستهل الثانية بقوله:

بمدح المصطفى تحيا القلوبُ
 

وتُغتفرُ الخطايا والذنوبُ
  

أما الثالثة، وهي أجودها جميعًا، فيبدؤها بقوله:

أزمعوا البين وشدوا الركابا
 

فاطلب الصبر وخلِّ العتابا
  

وله عدد آخر من المدائح النبوية الجيدة، من أروعها قصيدته (الحائية)، التي يقول فيها مناجيا الله عز وجل:

يا من خزائن ملكه مملوءة
 

كرمًا وبابُ عطائه مفتوح
  

ندعوك عن فقر إليك وحاجة
 

ومجال فضلك للعباد فسيح
  

فاصفحْ عن العبد المسيء تكرُّمًا
 

إن الكريم عن المسيء صفوح
  

وقصيدته الدالية التي يبدؤها بقوله:

إلهي على كل الأمور لك الحمد
 

فليس لما أوليتَ من نعمٍ حدُّ
  

لك الأمر من قبل الزمان وبعده
 

وما لك قبل كالزمان ولا بعدُ
  

وحكمُك ماضٍ في الخلائق نافذ
 

إذا شئتَ أمرًا ليس من كونه بُدُّ
  

وله قصيدة أخرى على وزن (بانت سعاد)، ومطلعها:

إلى متى أنت باللذات مشغولُ
 

وأنت عن كل ما قدمتَ مسئولُ؟!
  

قلت: ولكن تظل قصيدته التي يقول فيها:

أَمِنْ تذكّر جيرانٍ بذي سلم
 

مزجتَ دمعًا جرى من مقلة بدمْ؟
  

أم هبت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ
 

وأومضَ البرقُ في الظلماء من إِضَمْ؟
  

فما لعينيك إن قلت اكففا همتا؟
 

وما لقلبك إن قلت استفق يهمْ؟
  

والتي سماها (الكواكب الدرية في مدح خير البرية)، والمعروفة باسم (البردة) تظل من عيون شعره، بل من عيون الشعر العربي، ومن أروع قصائد المدائح النبوية.

وقد زاد في جمالها أنها قصيدة طويلة تقع في 160 بيتًا، كل بيت منها يمتلئ محبة وشوقا لرسول الله r، ويدل على الصدق العظيم الذي كانت تمتلئ به نفس صاحبها.

قال: ومن دلائل هذا الصدق أنه لم تلق قصيدة في الدنيا ذلك الاهتمام الذي لقيته البردة حيث ولدت شعرا كثيرا في مدح النبي r لا يزال مادة هامة للفن الإسلامي الرفيع.. فقد شطرت وخمست وسدست وسبعت:

فممن شطرها الإمام أحمد بن شرقاوى، كما في قوله:

( أكرم بخلق نبى زانه خلق )
 

مولاه عظمه في أفصح الكلم
  

و خصنا بنبى طاب محتده
 

( بالحسن مشتمل بالبشر متسم )
  

وممن خمسها الإمام شمس الدين الفيومى، كما في قوله:

كأنه البدر باد وسط هالته
 

كأنه الغيث يرجى حسن حالته
  

كأنه الليث يخشى من بسالته
 

( كأنهوهو فرد من جلالته)
  

 (في عسكر حين تلقاه وفى حشم )

وممن سدسها الأستاذ عباس الديب، كما في قوله:

يا رب بالمصطفى عشنا نصائحه
 

كيما يطهرذو شوق جوارحه
  

مذ جئت للساح صبا كى أصالحه
 

أصبحت في الحبوالأحباب صادحه
  

( ومنذ ألزمت أفكارى مدائحه
 

وجدته لخلاصى خير ملتزم )
  

وممن سبعها الإمام القاضى البيضاوى صاحب التفسير، كما في قوله:

الله منه إلينا الخير مستبق
 

على لسان نبى وجهه طلق
  

فالشمس من نوره والبدر والفلق
 

والمسك من ريحه فى الأفق يعتبق
  

والجود من كفه فى الخلق مندفق
 

(أكرم بخلق نبى زانه خلق)
  

(بالحسن مشتمل بالبشر متسم )
  

قلت: أفلا نتبرك بروايتها والاستماع إليها؟

قال: لا ينبغي أن نقصر في ذلك.. وقد وفقني الله فحفظتها عن ظهر قلب.

قلت: لقد بدأها بذكر حبه..

قال: أجل.. فقد قال في بدايتها:

أمِنْ تَذَكِّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ
 

مَزَجْتَ دَمعا جرى مِن مُقلَةٍ بِدَمِ
  

أَم هَبَّتِ الريحُ مِن تلقاءِ كاظِمَةٍ
 

وأومَضَ البرقُ في الظَّلماءِ مِن اِضَمِ
  

فما لِعَينيك اِن قُلتَ اكْفُفَا هَمَتَا
 

وما لقلبِكَ اِن قلتَ استَفِقْ يَهِمِ
  

أيحَسب الصَبُّ أنَّ الحبَّ مُنكَتِمٌ
 

ما بينَ منسَجِمٍ منه ومُضْطَرِمِ
  

لولا الهوى لم تُرِقْ دمعا على طَلِلِ
 

ولا أَرِقْتَ لِذِكْرِ البانِ والعَلَمِ
  

فكيفَ تُنْكِرُ حبا بعدما شَهِدَت
 

به عليك عُدولُ الدمعِ والسَّقَمِ
  

وأثبَتَ الوَجْدُ خَطَّي عَبْرَةٍ وضَنَى
 

مثلَ البَهَارِ على خَدَّيك والعَنَمِ
  

نَعَم سرى طيفُ مَن أهوى فأَرَّقَنِي
 

والحُبُّ يعتَرِضُ اللذاتِ بالأَلَمِ
  

يا لائِمي في الهوى العُذْرِيِّ مَعذرَةً
 

مِنِّي اليك ولَو أنْصَفْتَ لَم تَلُمِ
  

عَدَتْكَ حالي لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ
 

عن الوُشاةِ ولا دائي بمُنحَسِمِ
  

مَحَّضْتَنِي النُّصْحَ لكِنْ لَستُ أسمَعُهُ
 

اِنَّ المُحِبَّ عَنِ العُذَّالِ في صَمَمِ
  

قلت: لطالما سمعت هذه الأبيات وتعجبت منها.

قال: تتعجب من حديثه عن الحب في بداية قصيدة يريد منها مدح نبيه r.

قلت: أجل.. وقد فعل مثل ذلك كعب بن زهير.. وقد قرأت تبريرات لذلك لم أن نقصر في ذلك ز ستسغها.

قال: أما أنا.. فقد فتح الله علي من الفهم في ذلك ما عرفت به سر ذلك.

قلت: فبشرني به.

قال: لقد رأيت ـ من خلال صحبتي الطويلة للمسلمين ـ أنهم صنفان:

أما أولهما.. فيمتلئون رقة وعذوبة.. وتمتلئ قلوبهم من المشاعر والمواجيد ما لا طاقة لهم بحبسه.

وأما ثانيهما.. فقد يمتلئون عقلا وحكمة.. ولكن عيونهم جامدة، وقلوبهم لا يكاد يحركها شيء.

قلت: لا أرى هذا خاصا بالمسلمين وحدهم.. فجميع البشر يدخلون ضمن هذين الصنفين.

قال: ولذلك ترى هؤلاء الشعراء يبدأون بذكر المحبة ليغلقوا الأبواب أمام الجامدين، وكأنهم يقولون لهم: هذه الكلمات لا يمكنكم أن تفهموها.. لأنكم لم تذوقوا ما ذقنا.. فدعونا وشأننا.

ابتسمت، وقلت: لقد تنبأ البوصيري بما لاقت بردته من الإنكار إذن؟

قال: ألا تعلم أن الشاعر لم يسم شاعرا إلا بعد أن نال من الحس المرهف ما جعله يرى ما لا يرى غيره؟

قلت: صدقت في هذا.. ولكني لم أزل حائرا في هذا المحبوب الذي بدأ البوصيري يتغنى به.

قال: وهل هناك إلا محمد.. البوصيري لا يتحدث إلا عن رسول الله r ؟

قلت: البعض اعتبرها غزلا لا يختلف عن غزل المجنون.

قال: ولكن البوصيري عاقل وليس مجنونا.. وما كان للعاقل أن يقع في شباك الحب المدنس.

قلت: إن هؤلاء يدافعون على أنها من الغزل المرتبط بالنساء..

قال: فلفهموا ما يشاءون.. ولكن أخبرني أيهما أقوم قيلا: من سمع هذه الأبيات فحركت قلبه شوقا لرسول الله r.. أو من سمع لهذه الأبيات، فراح يتصور الشاعر يناجي معشوقته ويشكو آلامه لها.

قلت: لاشك أن الفريق الأول أعقل بكثير من الفريق الثاني.

قال: فلا ترغب عن العقلاء إلى غيرهم.

قلت: بعد ذكر البوصيري لمواجيده راح يتحدث عن النفس..

قاطعني البابا، وقال: لأن النفس هي الحجاب الأعظم بين الأنا ومحمد.. اسمع ما يقول في هذا:

اِنِّي اتَّهَمْتُ نصيحَ الشَّيْبِ فِي عَذَلِي
 

والشَّيْبُ أبعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَمِ
  

فانَّ أمَّارَتِي بالسوءِ ما اتَّعَظَت
 

مِن جهلِهَا بنذير الشَّيْبِ والهَرَمِ
  

ولا أعَدَّتْ مِنَ الفِعلِ الجميلِ قِرَى
 

ضَيفٍ أَلَمَّ برأسي غيرَ مُحتشِمِ
  

لو كنتُ أعلمُ أنِّي ما أُوَقِّرُهُ
 

كتمتُ سِرَّا بَدَا لي منه بالكَتَمِ
  

مَن لي بِرَدِّ جِمَاح مِن غَوَايتِهَا
 

كما يُرَدُّ جِمَاَحُ الخيلِ بالُّلُجُمِ
  

فلا تَرُمْ بالمعاصي كَسْرَ شهوَتهَا
 

اِنَّ الطعامَ يُقوِّي شهوةَ النَّهِمِ
  

والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى
 

حُبِّ الرّضَاع وَإِِِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِمِ
  

فاصْرِف هواها وحاذِر أَن تُوَلِّيَهُ
 

اِنَّ الهوى ما تَوَلَّى يُصْمِ أو يَصِمِ
  

وراعِهَا وهْيَ في الأعمال سائِمَةٌ
 

واِنْ هِيَ استَحْلَتِ المَرعى فلا تُسِمِ
  

كَم حسَّنَتْ لَذَّةً للمرءِ قاتِلَةً
 

مِن حيثُ لم يَدْرِ أَنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
  

واخْشَ الدَّسَائِسَ مِن جوعٍ ومِن شِبَعٍ
 

فَرُبَّ مخمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
  

واستَفرِغِ الدمعَ مِن عينٍ قَدِ امْتَلأتْ
 

مِن المَحَارِمِ والْزَمْ حِميَةَ َالنَّدَمِ
  

وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِمَا
 

واِنْ هما مَحَّضَاكَ النُّصحَ فاتَّهِمِ
  

ولا تُطِعْ منهما خصمَا ولا حكَمَا
 

فأنت تعرفُ كيدَ الخَصمِ والحَكَمِ
  

قلت: إن هذه الابيات تمتلئ توجيهات تربوية راقية؟

قال: أجل.. فالنفس التي تحب محمدا r ينبغي أن يكون لها من الطهارة ما تنال به شرف هذه الصحبة.

قلت: لست أدري لم عقب الشاعر ذكره لمحبوبه بذكر النفس..

قال: لأن الحب هو أعظم الدوافع السلوكية.

قلت: لم أفهم..

قال: من امتلأ قلبه بمحمد r سيمتلئ قلبه بحب الطهارة.. فإذا أحب الطهار اندفع للسلوك إليها.

قلت: الحب يفعل هذا.

قال: يفعل أكثر من هذا.. فالمحب لا يكل عن طاعة محبوبه.

قلت: بعد ذلك دخل الشاعر حضرة الحبيب..

قال: أجل.. بعد أن طهر أرض القلب بالحب.. وطهر أرض النفس بالدموع دخل على الحبيب..

قلت: لم كل هذا؟

قال: لأنه لا يمكن أن تدخل حضرة الحبيب.. وفي قلبك الأهواء المدنسة، وفي نفسك المستنقعات والمزابل.

قلت: وعيت هذا.. ووعيت من خلال الواقع خطره.

قال: وما خطره؟

قلت: رأيت أقواما من الناس.. عقولهم جامدة.. وقلوبهم خامدة.. ونفوسهم تمتلئ بالأوباء.. ثم يدخلون إلى سنة رسول الله r.. فلا يرون منها إلا ما يشوه جمال من استنوا بسنته.

قال: فأرشد هؤلاء إلى البوصيري وأحفاد البوصيري.

قلت: كيف أرشدهم إليه.. وهم يحملون سيوفهم عليه.

قال: فأنبئهم أن سنة رسول الله r تبدأ من الداخل.. فمن لم يزين باطنه بسنة الرحمة واللطف والمودة لم يظهر على ظاهره إلا الخراب.

قلت: صدقت.. وقد بلينا بالخراب الذي تتحدث عنه.. عد بنا إلى البردة.. وعد بنا إلى أجمل أبياتها.

قال: أجمل أبياتها هي الأبيات التي مدح فيها الحبيب r.. لقد قال في ذلك:

ظَلمتُ سُنَّةَ مَن أحيا الظلامَ الى
 

أنِ اشتَكَتْ قدمَاهُ الضُّرَّ مِن وَرَمِ
  

وشَدَّ مِن سَغَبٍ أحشاءَهُ وطَوَى
 

تحتَ الحجارةِ كَشْحَاَ ًمُتْرَفَ الأَدَمِ
  

وراوَدَتْهُ الجبالُ الشُّمُّ مِن ذَهَبٍ
 

عن نفسِه فأراها أيَّمَا شَمَمِ
  

وأكَّدَت زُهدَهُ فيها ضرورَتُهُ
 

اِنَّ الضرورةَ لا تعدُو على العِصَمِ
  

محمدٌّ سيدُ الكونينِ والثقَلَيْنِ
 

والفريقين مِن عُربٍ ومِن عَجَمِ
  

نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلا أَحَدٌ
 

أبَرُّ في قَولِ لا منه ولا نَعَمِ
  

هُو الحبيبُ الذي تُرجَى شفاعَتُهُ
 

لكُلِّ هَوْلٍ مِن الأهوالِ مُقتَحَمِ
  

دَعَا الى اللهِ فالمُستَمسِكُون بِهِ
 

مُستَمسِكُونَ بِحبلٍ غيرِ مُنفَصِمِ
  

فاقَ النَّبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
 

ولم يُدَانُوهُ في عِلمٍ ولا كَرَمِ
  

وكُلُّهُم مِن رسولِ اللهِ مُلتَمِسٌ
 

غَرْفَا مِنَ البحرِ أو رَشفَاً مِنَ الدِّيَمِ
  

وواقِفُونَ لَدَيهِ عندَ حَدِّهِمِ
 

مِن نُقطَةِ العلمِ أو مِن شَكْلَةِ الحِكَمِ
  

فَهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصورَتُهُ
 

ثم اصطفاهُ حبيباً بارِيءُ النَّسَم
  

مُنَزَّهٌ عن شريكٍ في محاسِنِهِ
 

فجوهر الحُسنِ فيه غيرُ منقَسِمِ
  

دَع ما ادَّعَتهُ النصارى في نَبِيِّهِمِ
 

واحكُم بما شئتَ مَدحَاً فيه واحتَكِمِ
  

وانسُبْ إلى ذاتِهِ ما شئتَ من شرف
 

وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَم
  

فَاِنَّ فَضلَ رسولِ اللهِ ليس له
 

حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطِقٌ بِفَمِ
  

لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَمَاً
 

أحيا اسمُهُ حين يُدعَى دارِسَ الرِّمَمِ
  

لم يمتَحِنَّا بما تَعيَا العقولُ به
 

حِرصَاً علينا فلم نرتَبْ ولم نَهِمِ
  

أعيا الورى فَهْمُ معناهُ فليسَ يُرَى
 

في القُرْبِ والبُعدِ فيه غيرُ مُنفَحِمِ
  

كالشمسِ تظهَرُ للعينَيْنِ مِن بُعُدٍ
 

صغيرةً وتُكِلُّ الطَّرْفَ مِن أَمَمِ
  

وكيفَ يُدرِكُ في الدنيا حقيقَتَهُ
 

قَوْمٌ نِيَامٌ تَسَلَّوا عنه بالحُلُمِ
  

فمَبْلَغُ العِلمِ فيه أنه بَشَرٌ
 

وأَنَّهُ خيرُ خلْقِ الله كُلِّهِمِ
  

وكُلُّ آيٍ أتَى الرُّسْلُ الكِرَامُ بِهَا
 

فانما اتصَلَتْ مِن نورِهِ بِهِمِ
  

فاِنَّهُ شمسُ فَضْلٍ هُم كواكِبُهَا
 

يُظهِرْنَ أنوارَهَا للناسِ في الظُّلَمِ
  

أكرِمْ بخَلْقِ نبيٍّ زانَهُ خُلُقٌ
 

بالحُسنِ مشتَمِلٌ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ
  

كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبدرِ في شَرَفٍ
 

والبحرِ في كَرَمٍ والدهرِ في هِمَمِ
  

كأنَّهُ وهْوَ فَرْدٌ مِن جلالَتِهِ
 

في عسكَرٍ حينَ تلقاهُ وفي حَشَمِ
  

كأنَّمَا اللؤلُؤُ المَكنُونُ في صَدَفٍ
 

مِن مَعْدِنَيْ مَنْطِقٍ منه ومبتَسَمِ
  

لا طيبَ يَعدِلُ تُرْبَا ضَمَّ أعظُمَهُ
 

طوبى لمُنتَشِقٍ منه وملتَثِمِ
  

أبانَ مولِدُهُ عن طِيبِ عنصُرِهِ
 

يا طِيبَ مُبتَدَاٍ منه ومُختَتَمِ
  

يَومٌ تَفَرَّسَ فيه الفُرسُ أنَّهُمُ
 

قَد أُنذِرُوا بِحُلُولِ البُؤسِ والنِّقَمِ
  

وباتَ اِيوَانُ كِسرَى وَهْوَ مُنْصَدِعٌ
 

كَشَملِ أصحابِ كِسرَى غيرَ مُلتَئِمِ
  

والنارُ خامِدَةُ الأنفاسِ مِن أَسَفٍ
 

عليه والنهرُ ساهي العَيْنِ مِن سَدَمِ
  

وساءَ ساوَةَ أنْ غاضَتْ بُحَيرَتُهَا
 

وَرُدَّ وارِدُهَا بالغَيْظِ حينَ ظَمِي
  

كأَنَّ بالنارِ ما بالماءِ مِن بَلَلٍ
 

حُزْنَاً وبالماءِ ما بالنار مِن ضَرَمِ
  

والجِنُّ تَهتِفُ والأنوارُ ساطِعَةٌ
 

والحقُّ يظهَرُ مِن معنىً ومِن كَلِمِ
  

عَمُوا وصَمُّوا فاِعلانُ البشائِرِ لم
 

تُسمَعْ وبارِقَةُ الاِنذارِ لم تُشَمِ
  

مِن بعدِ ما أخبَرَ الأقوامَ كاهِنُهُم
 

بأنَّ دينَهُمُ المُعوَجَّ لم يَقُمِ
  

وبعد ما عاينُوا في الأُفقِِ مِن شُهُبٍ
 

مُنقَضَّةٍ وَفقَ ما في الأرضِ مِن صَنَمِ
  

حتى غَدا عن طريقِ الوَحيِ مُنهَزِمٌ
 

مِن الشياطينِ يقفُو اِثْرَ مُنهَزِمِ
  

كأنَّهُم هَرَبَا أبطالُ أبْرَهَةٍ
 

أو عَسكَرٌ بالحَصَى مِن راحَتَيْهِ رُمِي
  

نَبْذَا به بَعدَ تسبيحٍ بِبَطنِهِمَا
 

نَبْذَ المُسَبِّحِ مِن أحشاءِ ملتَقِمِ
  

جاءت لِدَعوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَةً
 

تمشِي اِليه على ساقٍ بلا قَدَمِ
  

كأنَّمَا سَطَرَتْ سطرا لِمَا كَتَبَتْ
 

فُرُوعُهَا مِن بديعِ الخَطِّ في الَّلقَمِ
  

مثلَ الغمامَةِ أَنَّى سارَ سائِرَةً
 

تَقِيهِ حَرَّ وَطِيسٍ للهَجِيرِ حَمِي
  

وما حوى الغارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ
 

وكُلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
  

فالصدقُ في الغارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَا
 

وهُم يقولون ما بالغارِ مِن أَرِمِ
  

ظنُّوا الحمامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على
 

خيرِ البَرِّيَّةِ لم تَنسُجْ ولم تَحُمِ
  

وِقَايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَاعَفَةٍ
 

مِنَ الدُّرُوعِ وعن عالٍ مِنَ الأُطُمِ
  

ما سامَنِي الدَّهرُ ضيمَاً واستَجَرتُ بِهِ
 

اِلا ونِلتُ جِوَارَاً منه لم يُضَمِ
  

ولا التَمستُ غِنَى الدَّارَيْنِ مِن يَدِهِ
 

اِلا استَلَمتُ النَّدَى مِن خيرِ مُستَلَمِ
  

لا تُنكِرِ الوَحْيَ مِن رُؤيَاهُ اِنَّ لَهُ
 

قَلْبَاً اِذا نامَتِ العينانِ لم يَنَمِ
  

وذاكَ حينَ بُلُوغٍ مِن نُبُوَّتِهِ
 

فليسَ يُنكَرُ فيهِ حالُ مُحتَلِمِ
  

تبارَكَ اللهُ ما وَحيٌ بمُكتَسَبٍ
 

ولا نبيٌّ على غيبٍ بمُتَّهَمِ
  

كَم أبْرَأَتْ وَصِبَاً باللمسِ راحَتُهُ
 

وأطلَقَتْ أَرِبَاً مِن رِبقَةِ اللمَمِ
  

وأَحْيت السَنَةَ الشَّهباءَ دَعوَتُهُ
 

حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ
  

بعارِضٍ جادَ أو خِلْتَ البِطَاحَ بها
 

سَيْبٌ مِنَ اليمِّ أو سَيْلٌ مِنَ العَرِمِ
  

دَعنِي وَوَصفِيَ آياتٍ له ظهَرَتْ
 

ظهُورَ نارِ القِرَى ليلا على عَلَمِ
  

فالدُّرُ يزدادُ حُسناً وَهْوَ مُنتَظِمُ
 

وليس يَنقُصُ قَدرَاً غيرَ مُنتَظِمِ
  

فمَا تَطَاوُلُ آمالِ المدِيحِ الى
 

ما فيه مِن كَرَمِ الأخلاقِ والشِّيَمِ
  

آياتُ حَقٍّ مِنَ الرحمنِ مُحدَثَةٌ
 

قديمَةٌ صِفَةُ الموصوفِ بالقِدَمِ
  

لم تَقتَرِن بزمانٍ وَهْيَ تُخبِرُنا
 

عَنِ المَعَادِ وعَن عادٍ وعَن اِرَمِ
  

دامَتْ لدينا ففاقَتْ كُلَّ مُعجِزَةٍ
 

مِنَ النَّبيينَ اِذ جاءَتْ ولَم تَدُمِ
  

مُحَكَّمَاتٌ فما تُبقِينَ مِن شُبَهٍ
 

لذي شِقَاقٍ وما تَبغِينَ مِن حِكَمِ
  

ما حُورِبَت قَطُّ الا عادَ مِن حَرَبٍ
 

أَعدَى الأعادِي اليها مُلقِيَ السَّلَمِ
  

رَدَّتْ بلاغَتُهَا دَعوى مُعارِضِهَا
 

رَدَّ الغَيُورِ يَدَ الجانِي عَن الحُرَمِ
  

لها مَعَانٍ كَموْجِ البحرِ في مَدَدٍ
 

وفَوقَ جَوهَرِهِ في الحُسنِ والقِيَمِ
  

فَمَا تُعَدُّ ولا تُحصَى عجائِبُهَا
 

ولا تُسَامُ على الاِكثارِ بالسَّأَمِ
  

قَرَّتْ بَها عينُ قارِيها فقُلتُ له
 

لقد ظَفِرتَ بحَبْلِ الله فاعتَصِمِ
  

كأنَّها الحوضُ تَبيَضُّ الوُجُوهُ بِهِ
 

مِنَ العُصَاةِ وقَد جاؤُوهُ كالحُمَمِ
  

وكالصِّراطِ وكالميزانِ مَعدَلَةً
 

فالقِسطُ مِن غيرِهَا في الناسِ لم يَقُمِ
  

لا تَعجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُهَا
 

تجاهُلا وَهْوَ عينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
  

قد تُنكِرُ العينُ ضَوْءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
 

ويُنكِرُ الفَمَ طعمَ الماءِ مِن سَقَمِ
  

يا خيرَ مَن يَمَّمَ العافُونَ ساحَتَهُ
 

سعيَا وفَوقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
  

ومَن هُوَ الآيةُ الكُبرَى لمُعتَبِرٍ
 

ومَن هُوَ النِّعمَةُ العُظمَى لِمُغتَنِمِ
  

سَرَيتَ مِن حَرَمٍ ليلا الى حَرَمِ
 

كما سَرَى البَدرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
  

وبِتَّ ترقَى الى أن نِلتَ مَنزِلَةً
 

مِن قابَ قوسَيْنِ لم تُدرَكْ ولَم تُرَمِ
  

وقَدَّمَتْكَ جميعُ الأنبياءِ بها
 

والرُّسْلِ تقديمَ مخدومٍ على خَدَمِ
  

وأنتَ تَختَرِقُ السبعَ الطِّبَاقَ بهم
 

في مَوكِبٍ كُنتَ فيه صاحِبَ العَلَمِ
  

حتى اذا لم تدَعْ شَأْوَاً لمُستَبِقٍ
 

مِنَ الدُّنُوِّ ولا مَرقَىً لمُستَنِمِ
  

خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بالاضافَةِ اِذ
 

نُودِيتَ بالرَّفعِ مثلَ المُفرَدِ العَلَمِ
  

كيما تَفُوزَ بِوَصْلٍ أيِّ مُستَتِرِ
 

عَنِ العُيون وسِرٍّ أيِّ مُكتَتِمِ
  

فَحُزتَ كُلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشتَرَكٍ
 

وجُزْتَ كُلَّ مَقَامٍ غيرَ مُزدَحَمِ
  

وجَلَّ مِقدَارُ ما وُلِّيتَ مِن رُتَبٍ
 

وعَزَّ اِدراكُ ما أُولِيتَ مِن نِعَمِ
  

بُشرَى لنا مَعشَرَ الاسلامِ اِنَّ لنا
 

مِنَ العِنَايَةِ رُكنَاً غيرَ منهَدِمِ
  

لمَّا دَعَى اللهُ داعينا لطاعَتِهِ
 

بأكرمِ الرُّسْلِ كُنَّا أكرَمَ الأُمَمِ
  

راعَتْ قلوبَ العِدَا أنباءُ بِعثَتِهِ
 

كَنَبأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْلا مِنَ الغَنَمِ
  

ما زالَ يلقاهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ
 

حتى حَكَوْا بالقَنَا لَحمَا على وَضَمِ
  

وَدُّوا الفِرَارَ فكادُوا يَغبِطُونَ به
 

أشلاءَ شالَتْ مَعَ العُقبَانِ والرَّخَمِ
  

تَمضِي الليالي ولا يَدرُونَ عِدَّتَهَا
 

ما لم تَكُن مِن ليالِي الأُشهُرِ الحُرُمِ
  

كأنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ ساحَتَهُم
 

بكُلِّ قَرْمٍ الى لَحمِ العِدَا قَرِمِ
  

يَجُرُّ بحرَ خميسٍ فَوقَ سابِحَةٍ
 

يرمي بمَوجٍ من الأبطالِ ملتَطِمِ
  

مِن كُلِّ منتَدِبٍ لله مُحتَسِبٍ
 

يَسطُو بمُستَأصِلٍ للكُفرِ مُصطَلِمِ
  

حتى غَدَتْ مِلَّةُ الاسلامِ وَهْيَ بهم
 

مِن بَعدِ غُربَتِهَا موصولَةَ الرَّحِمِ
  

مَكفولَةً أبدَاً منهم بِخَيرِ أَبٍ
 

وخيرِ بَعلٍ فلم تَيْتَمْ ولم تَئِمِ
  

هُمُ الجبالُ فَسَلْ عنهُم مُصَادِمَهُم
 

ماذا لَقِي منهم في كُلِّ مُصطَدَمِ
  

وَسَلْ حُنَيْنَاً وَسَلْ بَدْرَاً وَسَلْ أُحُدَا
 

فُصولُ حَتْفٍ لَهم أدهى مِنَ الوَخَمِ
  

المُصدِرِي البِيضِ حُمرَاً بعد ما وَرَدَتْ
 

مِنَ العِدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِن الِّلمَمِ
  

والكاتِبينَ بِسُمرِ الخَطِّ ما تَرَكَتْ
 

أقلامُهُمْ حَرْفَ جِسمٍ غيرَ مُنعَجِمِ
  

شاكِي السلاحِ لهم سِيمَى تُمَيِّزُهُم
 

والوَرْدُ يمتازُ بالسِّيمَى عَنِ السَّلَمِ
  

تُهدِي اليكَ رياحُ النَّصرِ نَشْرَهُمُ
 

فتَحسِبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كُلَّ كَمِي
  

كأنَّهُم في ظُهورِ الخَيْلِ نَبْتُ رُبَاً
 

مِن شَدَّةِ الحَزْمِ لا مِن شدَّةِ الحُزُمِ
  

طارَتْ قلوبُ العِدَا مِن بأسِهِم فَرَقَاً
 

فما تُفَرِّقُ بين البَهْمِ والبُهَمِ
  

ومَن تَكُن برسولِ اللهِ نُصرَتُهُ
 

اِن تَلْقَهُ الأُسْدُ في آجامِهَا تَجِمِ
  

ولَن تَرى مِن وَلِيٍّ غيرَ منتَصِرٍ
 

بِهِ ولا مِن عَدُوٍّ غيرَ مُنعَجِمِ
  

أَحَلَّ أُمَّتَهُ في حِرْزِ مِلَّتِهِ
 

كالليْثِ حَلَّ مَعَ الأشبالِ فِي أَجَمِ
  

كَم جَدَّلَتْ كَلِمَاتُ الله مِن جَدَلٍ
 

فيه وكم خَصَمَ البُرهانُ مِن خَصِمِ
  

كفاكَ بالعلمِ في الأُمِّيِّ مُعجَزَةً
 

في الجاهليةِ والتأديبَ في اليُتُمِ
  

قلت: إن هذه الأبيات تختزن محبة عظيمة لرسول الله r..

قال: لقد رأى صاحبها الناس يتهافتون على حفظ المتون التي تملؤهم فقها ونحوا وبلاغة.. فوضع لهم متنا يملؤهم محبة وتقديرا وأشواقا.

قلت: ولكن هناك من يجادل في كثير مما ذكرت.. فيعتبر هذا الثناء العطر على رسول الله r شركا..

قال: أين الشرك؟

قلت: إن البوصيري يقول ـ مثلا ـ:

وانسُبْ إلى ذاتِهِ ما شئتَ من شرف
 

وانسُب الى قَدْرِهِ ما شئتَ مِن عِظَم
  

فَاِنَّ فَضلَ رسولِ اللهِ ليس له
 

حَدٌّ فَيُعرِبَ عنهُ ناطِقٌ بِفَمِ
  

لو ناسَبَتْ قَدْرَهُ آياتُهُ عِظَمَاً
 

أحيا اسمُهُ حين يُدعَى دارِسَ الرِّمَمِ
  

قال: هذه أبيات رقيقة، تمتلئ تقديرا لرسول الله r.

قلت: لقد ذكروا أن الله ' هو المحيي المميت.. واعتبار اسم محمد محييا ـ ولو من باب الافتراض ـ شرك.

قال: ألم يقرأ هؤلاء ما قاله ' في حق رسول الله r.. فقد قال:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )(لأنفال: من الآية24)

قلت: لكأني أسمع هذه الآية أول مرة.. لقد اعتبر رسول الله r محييا.. كيف غربت عنهم هذه الآية.

قال: لأنهم مهووسون بالشرك .. هم يتصورون الله كما يتصور ملوكهم رعيتهم.. فالملك يقبح صورة كل من مدحه الناس، أو توجهت له القلوب، خشية على كرسيه أن يسلب منه.

قلت: صدقت.. بل إنهم يرسمون لله صورة لا تختلف عن صورة الملوك والأمراء.

قال: لا تذكر لي أحاديث هؤلاء.. ودعنا في حضرة محمد r.. فلا ينبغي لمن أنعم الله عليه بالدخول إلى حضرته أن يزيغ بصره أو أن يطغى.

قلت: فأكمل لي ذكر ما بقي من أبيات البردة.

قال: في باقي أبيات البردة جلس الشاعر أمام الحبيب، وراح يشكو إليه همومه وآلامه.. وحينها راحت تتنازعه حاجات شتى عبر عنها بقوله:

خَدَمْتُهُ بمديحٍ أستَقِيلِ بِهِ
 

ذُنوبَ عُمْر مَضَى في الشِّعرِ والخِدَمِ
  

اِذ قَلَّدَانِيَ ما تُخشَى عواقِبُهُ
 

كأنني بِهِمَا هَدْيٌ مِنَ النَّعَمِ
  

أَطَعتُ غَيَّ الصِّبَا في الحالَتَيْنِ وما
 

حَصَلتُ الا على الآثامِ والنَّدَمِ
  

فيا خَسَارَةَ نَفْسٍ في تِجَارَتِهَا
 

لَم تَشتَرِ الدِّينَ بالدنيا ولم تَسُمِ
  

ومَن يَبِعْ آجِلا منه بعاجِلِهِ
 

بِينَ له الغَبْنُ في بَيْعٍ وفي سَلَمِ
  

اِنْ آتِ ذَنْبَاً فما عَهدِي بمُنتَقِضٍ
 

مِنَ النَّبِيِّ ولا حَبلِي بمُنصَرِمِ
  

فاِنَّ لي ذِمَّةً منه بتَسمِيَتِي
 

مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بالذِّمَمِ
  

اِنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي
 

فَضْلا والا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
  

حاشاهُ أنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ
 

أو يَرجِعَ الجارُ منه غيرَ مُحتَرَمِ
  

ومُنذُ أَلزَمْتُ أفكَارِي مَدَائِحَهُ
 

وجَدْتُهُ لخَلاصِي خيرَ مُلتَزِمِ
  

ولَن يَفُوتَ الغِنَى منه يَدَاً تَرِبَتْ
 

اِنَّ الحَيَا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأَكَمِ
  

ولَم أُرِدْ زَهرَةَ الدنيا التي اقتَطَفَتْ
 

يَدَا زُهَيْرٍ بما أثنَى على هَرِمِ
  

يا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به
 

سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ
  

ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي
 

اذا الكريمُ تَجَلَّى باسمِ مُنتَقِمِ
  

يا نَفْسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ
 

اِنَّ الكَبَائِرَ في الغُفرَانِ كالَّلمَمِ
  

لعَلَّ رَحمَةَ رَبِّي حينَ يَقسِمُهَا
 

تَأتِي على حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ
  

يا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ
 

لَدَيْكَ واجعلْ حِسَابِي غيرَ مُنخَرِمِ
  

والطُفْ بعَبدِكَ في الدَّارَينِ اِنَّ لَهُ
 

صَبرَاً مَتَى تَدعُهُ الأهوالُ ينهَزِمِ
  

وائذَنْ لِسُحْبِ صلاةٍ منك دائِمَةٍ
 

على النبِيِّ بِمُنْهَلٍّ ومُنسَجِم
  

ما رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ البَانِ رَيحُ صَبَا
 

وأَطرَبَ العِيسَ حادِي العِيسِ بالنَّغَمِ
  

ثُمَّ الرِّضَا عَن أبي بَكرٍ وعَن عُمَرَ
 

وعَن عَلِيٍّ وعَن عثمانَ ذِي الكَرَمِ
  

والآلِ والصَّحبِ ثُمَّ التَّابِعِينَ فَهُمْ
 

أهلُ التُّقَى والنَّقَى والحِلْمِ والكَرَمِ
  

قلت: هذه أبيات تنم عن حب عظيم لرسول الله r وتقدير عظيم له.

قال: ذلك لا يستغرب من الصالحين.. فلن يصير الصالح صالحا حتى يملأ عليه رسول الله r شغاف قلبه.

قلت: ولكن المجادلين يجادلون في أبيات كثيرة مما ذكرت.. فهم ـ مثلا ـ يجادلون في قوله:

اِنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي
 

فَضْلا والا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
  

ابتسم، وقال: ويعتبرون ذلك شركا !؟

قلت: أجل.. أليس ذلك شركا؟

قال: ما يقول هؤلاء في منكر الشفاعة؟

قلت: هم يبدعونه.. بل قد يكفرونه.

قال: ففي الشفاعة لا يأخذ رسول الله r بيد الشاعر فقط.. بل يأخذ بيد البشر جميعا[10]، فيسأل الله ' في الموقف الذي يقف فيه الكل .. وهو يأخذ بعد ذلك بيد كل محب لينال من بركات محبته ما لم يكن يحلم به[11].

 ابن جابر الأندلسي:

سكت البابا قليلا، فقلت: لقد تحدثنا عن صاحب البردة الشريفة.. فلنتحدث عمن نهج نهجها.

قال: كثيرون هم..

قلت: سمعت أن من بينهم ابن جابر الأندلسي المتوفى سنة 780هـ.

قال: أجل.. فله قصيدة رائعة يقول فيها:

بِطَيبَةَ انزِل وَيَمِّم سَيِّدَ الأُمَمِ
 

وَانشُر لَهُ المَدحَ وَاِنثُر أَطيَبَ الكَلِمِ
  

وَابذُل دُموعَكَ واعذُل كُلَّ مُصطَبِرٍ
 

وَالحَق بِمَن سارَ وَالحَظ ما عَلى العَلَمِ
  

سَنا نَبيٍّ أَبى أَن يُضَيِّعَنا
 

سَليلِ مَجدٍ سَليمِ العِرضِ مُحتَرَمِ
  

جَميلِ خَلقٍ عَلى حَقٍّ جَزيلِ نَدىً
 

هَدى وَفاضَ نَدى كَفَّيهِ كالدِّيَمِ
  

كَفَّ العُداةَ وَكَدَّ الحادِثاتِ كَفى
 

فَكَم جَرى مِن جَدا كَفَّيهِ مِن نِعَمِ
  

وَكَم حَبا وَعَلى المُستَضعَفينَ حَنا
 

وَكَم صَفا وَضَفا جوداً لِجَبرِهِمِ
  

ما فاهَ في فَضحِهِ مَن فاءَ لَيسَ سِوى
 

عَذلٍ بِعَدلٍ وَنُصحٍ غَيرِ مُتَّهَمِ
  

حانٍ عَلى كُلِّ جانٍ حابٍ إن قَصَدوا
 

حامٍ شَفى مِن شَقا جَهلٍ وَمِن عَدَمِ
  

لَيثُ الشَّرى إِذ سَرى مَولاهُ صارَ لَهُ
 

جاراً فَجازَ وَنَيلاً مِنهُ لَم يَرُمِ
  

كافي الأَرامِلِ وَالأَيتامِ كافِلُهُم
 

وافي النَدى لِمُوافي ذَلِكَ الحَرَمِ
  

أَجارَ مِن كُلِّ مَن قَد جارَ حِينَ أَتى
 

حَتّى أَتاحَ لَنا عِزّاً فَلَم نُضَمِ
  

وَعامَ بَدرٍ أَعامَ الخَيلَ في دَمِهِم
 

حَتّى أَباتَ أَبا جَهلٍ عَلى نَدَمِ
  

وَحاقَ إِذ جَحَدوا حَقَّ الرَّسولِ بِهِم
 

كَبيرُ هَمٍّ أَراهُم نَزعَ هامِهِمِ
  

فَهدَّ آطامَ مَن قَد هادَ إِذ طَمِعوا
 

في شَتِّهِ فَرَماهُم في شَتاتِهِمِ
  

وَجَلَّ عَن فَضحِ مَن أَخفى فَجامَلَهُم
 

ما رَدَّ رائِدَ رِفدٍ مِن جُناتِهِمِ
  

مَن زارَهُ يَقِهِ أَوزَارَهُ وَنَوى
 

لَهُ نَوافِلَ بَذلٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
  

كالغَيثِ فاضَ إِذ المَحلُ اِستَفاضَ تَلا
 

أَنفالَ جودٍ تَلافى تالِفَ النَّسَمِ
  

سَل مِنهُمُ صِلَةً لِلصَّبِّ واصِلَةً
 

والثَم أَنامِلَ أَقوامٍ أَنا بِهِمِ
  

أَقِم إِلى قَصدِهِم سوقَ السُرى
 

وَأَقِم بِدارِ عِزٍّ وَسوقَ الأَينُقِ التَثِمِ
  

عُج بي عَلَيهِم فَعُجبي مِن جَفاءِ فَتىً
 

جازَ الدِّيارَ وَلَم يُلمِم بِرَبعِهِمِ
  

دَع عَنكَ سَلمى وَسَل ما بِالعَقيق جَرى
 

وَأُمَّ سَلعاً وَسَل عَن أَهلِهِ القُدُمِ
  

مَن لي بِدارِ كِرامٍ في البِدارِ لَها
 

عِزٌّ فَمَن قَد لَها عَن ذاكَ يُهتَضَمِ
  

بانوا فَهانَ دَمي وَجداً فَها نَدَمي
 

فَقَد أَراقَ دَمي فيما أَرى قَدَمي
  

يُولونَ ما لَهُمُ مَن قَد لَجا لَهُمُ
 

فاِشدُد يَداً بِهِمِ وانزِل بِبابِهِمِ
  

يا بَردَ قَلبي إِذا بُردُ الوِصالِ ضَفا
 

وَيا لَهيبَ فُؤادي بَعدَ بُعدِهِمِ
  

ما كانَ مَنعُ دَمي بُخلاً بِهِ لَهُمُ
 

لَكِن تَخَوَّفتُ قَبلَ القُربِ مِن عَدَمِ
  

أَهلاً بِها مِن دِماءٍ فيهِم بُذِلَت
 

وَحَبَّذا وِردُ ماءٍ مِن مياهِهِمِ
  

مَن نالَهُ جاهُهُم مِنّا لَهُ ثِقَةٌ
 

أَن لا يُصابَ بِضَيمٍ تَحتَ جاهِهِمِ
  

بدارِ وَالحَق بِدارِ الهاشِميِّ بِنا
 

قَبلَ المَماتِ وَمَهما اِسطَعتَ فاِغتَنِمِ
  

جَزمي لَئِن سارَ رَكبٌ لا أُرافِقُهُ
 

فَلا أُفارِقُ مَزجي أَدمُعي بِدَمي
  

فَأيُّ كَربٍ لِرَكبٍ يُبصِرونَ سَنا
 

بَرقٍ لِقَبرٍ مَتى تَبلُغهُ تُحتَرَم
  

مَتى أَحُلُّ حِمى قَومٍ يُحِبُّهُمُ
 

قَلبي وَكَم هائِمٍ قَبلي بِحُبِّهِمِ
  

جارَ الزَمانُ فَكَفّوا جَورَهُ وَكَفوا
 

وَهَل أُضامُ لَدى عُربٍ عَلى إِضَمِ
  

وَحَقِّهِم ما نَسينا عَهدَ حُبِّهِمِ
 

وَلا طَلَبنا سِواهُم لا وَحَقِّهِمِ
  

لا يَنقَضي أَلَمي حَتّى أَرى بَلَداً
 

فيهِ الَّذي ريقُهُ يَشفي مِنَ الأَلَمِ
  

وَقَد تَشَمَّرَ ثَوبُ النَقعِ عَن أُمَمٍ
 

شَتّى يَؤمُّونَ طُرّاً سَيِّدَ الأُمَمِ
  

مَتى أُرى جارَ قَومٍ عَزَّ جارُهُم
 

عَهدٌ عَلَيَّ السُرى حِفظاً لِعَهدِهِمِ
  

صَبُّ الدُموعِ كأَمثالِ العَقيقِ عَلى
 

وادي العَقيقِ اشتياقاً حَقُّ صَبِّهِمِ
  

أَبَحتُ فيهِم دَمي لِلشَوقِ يَمزُجُهُ
 

بِماءِ دَمعي عَلى خَدّي وَقُلتُ دُمِ
  

وَلَيسَ يَكثُرُ إِن آثَرتُ نَضخَ دَمِي
 

حَيثُ المُلوكُ تَغُضُّ الطَّرفَ كالخَدمِ
  

مِن سائِلِ الدَّمعِ سالٍ عَن مَعاهِدِهِ
 

نَعيمُهُ أَن يُرى يَسري مَعَ النّعَمِ
  

لِلسَّيرِ مُبتَدِرٍ كالسَّيلِ مُحتَفِرٍ
 

كالطَّيرِ مُشتَمِلٍ بالليلِ مُلتَئِمِ
  

قَصداً لِمُرتَقِبٍ لِلَّهِ مُنتَصِرٍ
 

في الحَقِّ مُجتَهِدٍ لِلرُّسلِ مُختَتِمِ
  

مَن لي بِمُستَسلِمٍ لِلبيدِ مُعتَصِمٍ
 

بِالعيسِ لا مُسئِمٍ يَوماً وَلا سَئِمِ
  

لِلبَرِّ مُقتَحِمٍ لِلبرِّ مُلتَزِمٍ
 

لِلقُربِ مُغتَنِمٍ لِلتُّربِ مُلتَثِمِ
  

يَسري إِلى بَلَدٍ ما ضاقَ عَن أَحَدٍ
 

كَم حَلَّ مِن كَرَمٍ في ذَلِكَ الحَرَمِ
  

دارٌ شَفيعُ الوَرى فيها لِمُعتَصِمٍ
 

جارٌ رَفيعُ الذّرا ناهٍ لِمُجتَرِمِ
  

فَهَجرُ رَبعي لِذاكَ الرَّبعِ مُغتَنَمي
 

وَنَثرُ جَمعي لِذاكَ الجَمعِ مُعتَصَمي
  

وَمَيلُ سَمعي لِنَيلِ القُربِ مِن شِيَمي
 

وَسَيلُ دَمعي بِذَيلِ التُّربِ كالدِّيَمِ
  

يَقولُ صَحبي وَسُفنُ العيسِ خائِضَةٌ
 

بَحرَ السَّرابِ وَعَينُ القَيظِ لَم تَنَمِ
  

يَمِّم بِنا البَحرَ إِنَّ الرَكبَ في ظَمأٍ
 

فَقُلتُ سيروا فَهَذا البَحرُ مِن أمَمِ
  

وافٍ كَريمٌ رَحيمٌ قَد وَفى وَوَقى
 

وَعَمَّ نَفعاً فَكَم ضُرٍّ شَفى وَكَمِ
  

فَقُم بِنا فَلَكَم فَقرٍ كَفى كَرَماً
 

وَجودُ تِلكَ الأَيادي قَد ضَفا فَقُمِ
  

ذو مِرَّةٍ فاِستَوى حَتّى دَنا فَرأى
 

وَقيلَ سَل تُعطَ قَد خُيِّرتَ فاِحتَكِمِ
  

وَكانَ آدَمُ إِذ كانَت نُبَوَّتُه
 

ما بَينَ ماءٍ وَطينٍ غَيرِ مُلتَئِمِ
  

صافح ثَراهُ وَقُل إِن جِئتَ مُستَلِماً
 

إِنّا مُحَيّوكَ مِن رَبعٍ لِمُستَلِمِ
  

قَد أَقسَمَ اللَّهُ في الذِّكرِ الحَكيمِ بِهِ
 

فَقالَ وَالنَجمِ هَذا أَوفَرُ القَسَمِ
  

ما بَينَ مِنبَرِهِ السّامي وَحُجرَتِهِ
 

رَوضٌ مِنَ الخُلدِ نَقلٌ غَيرُ مُتَّهَمِ
  

مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَّهِ سُلَّ عَلى
 

عِداه نورٌ بِهِ إِرشادُ كُلِّ عَمِ
  

إِنَّ الَّذي قالَ يُستَسقى الغَمامُ بِهِ
 

لَو عاشَ أَبصَرَ ما قَد عَدَّ مِن شِيَمِ
  

تَلوحُ تَحتَ رِداءِ النَّقعِ غُرَّتُهُ
 

كَأَنَّ يُوشَعَ رَدَّ الشَّمسَ في الظُّلَمِ
  

وَتَقرَعُ السَّمعَ عَن حَقٍّ زَواجِرُهُ
 

قَرعَ الرِّماحِ بِبَدرٍ ظَهرَ مُنهَزِمِ
  

قالَت عِداهُ لَنا ذِكرٌ فَقُلتُ عَلى
 

لِسانِ داودَ ذِكرٌ غيرُ مُنصَرِمِ
  

إِنّي لأَرجو بِنَظمي في مَدائِحِهِ
 

رَجاءَ كَعبٍ وَمَن يَمدَحهُ لَم يُضَمِ
  

وفيها يقول:

فَلُذ بِبَرٍّ رَحيمٍ بالبَريَّةِ إِن
 

عَقَّتكَ شِدَّةُ دَهرٍ عاقَ واِعتَصِمِ
  

يُروى حَديثُ النَّدى وَالبِشر عَن يَدِهِ
 

وَوَجهُهُ بَينَ مُنهَلٍّ وَمُبتَسِمِ
  

تَبكي ظُباهُ دَماً وَالسَّيفُ مُبتَسِمٌ
 

يَخُطُّ كالنونِ بَينَ اللامِ وَاللِّمَمِ
  

دَمعٌ بِلا مُقَلٍ ضِحكٌ بِغَيرِ فَمٍ
 

كَتبٌ بِغَيرِ يَدٍ خَطٌّ بِلا قَلَمِ
  

جاوِرهُ يَمنَع وَلُذ يَشفَع وَسَلهُ يَهَب
 

وَعُد يَعُد واِستَزِد يَفعَل وَدُم يَدُمِ
  

لَم يَخشَ قِرناً وَيَخشى القِرنُ صَولَتَهُ
 

فَهوَ المَنيعُ المُبيحُ الأُسدَ لِلرَّخَمِ
  

وَالشَّمسُ رُدَّت وَبَدرُ الأُفقِ شُقَّ لَهُ
 

والنَّجمُ أَينَعَ مِنهُ كُلُّ مُنحَطِمِ
  

سَقاهُمُ الغَيثُ ماءً إِذ سَقى ذَهَباً
 

فَغَيرُ كَفَّيهِ إِن أَمحَلتَ لا تَشِمِ
  

قَد أَفصَحَ الضَّبُّ تَصديقاً لِبعثَتِهِ
 

إِفصاحَ قُسٍّ وَسَمعُ القَومِ لَم يَهِمِ
  

الهاشِمُ الأُسدَ هَشمَ الزّادِ تَبذُلُهُ
 

بَنانُ هاشِمٍ الوَهّاب لِلطُّعمِ
  

كَأَنَّما الشَّمسُ تَحتَ الغَيمِ غُرَّتُهُ
 

في النَّقعِ حَيثُ وجوهُ الأُسدِ كالحُمَمِ
  

إِذا تَبَسَّمَ في حَربٍ وَصاحَ بِهِم
 

يُبكي الأُسودَ وَيَرمي اللُّسنَ بِالبَكَمِ
  

قَلّوا بِبَدرٍ فَفَلُّوا غَربَ شانِئهِم بِهِ
 

وَما قَلَّ جَمعٌ بِالرَّسولِ حمِي
  

فابيَضَّ بَعدَ سَوادٍ قَلبُ مُنتَصِرٍ
 

واسوَدَّ بَعدَ بَياضٍ وَجهُ مُنهَزِمِ
  

فاِتبَع رِجالَ السُّرى في البيدِ واسرِ لَهُ
 

سُرى الرِّجالِ ذَوي الأَلبابِ وَالهِمَمِ
  

خَيرُ اللَّيالي لَيالي الخَيرِ في إِضَمٍ
 

وَالقَومُ قَد بَلَغوا أَقصى مُرادِهِمِ
  

بِعَزمِهِم بَلَغوا خَيرَ الأَنامِ فَقَد
 

فازوا وَما بَلَغوا إِلّا بِعَزمِهِمِ
  

يَقومُ بالأَلفِ صاعٌ حينَ يُطعِمُهُم
 

وَالصّاعُ مِن غَيرِهِ بِاثنَينِ لَم يَقُمِ
  

مَنِ الغَزالَةُ قَد رُدَّت لِطاعَتِهِ
 

لَو رامَ أَن لا تَزورَ الجَديَ لَم تَرُمِ
  

داني القُطوفِ جَميلُ العَفوِ مُقتَدِرٌ
 

ما ضاقَ مِنهُ لِجانٍ واسِعُ الكَرَمِ
  

لا يَرفَعُ العَينَ لِلرّاجينَ يَمنَحُهُم
 

بَل يَخفِضُ الرّاسَ قَولاً هاكَ فاِحتَكِمِ
  

يا قاطِعَ البيدِ يَسريها عَلى قَدَمٍ
 

شَوقاً إِلَيهِ لَقَد أَصبَحتَ ذا قَدَم
  

قَدِ اِعتَصَمتَ بِأَقوامٍ جُفونُهُمُ
 

لا تَعرِفُ السَّيفَ خِلواً مِن خِضابِ دَمِ
  

جَوازِمُ الصَّبرِ عَن فِعلِ الجَوى مُنِعَت
 

وَرَفعُهُ حالَ إِلّا حالَ قُربِهِمِ
  

في القَلبِ وَالطَّرفِ مِن أَهلِ الحِمى قَمَرٌ
 

مَن يَعتَصِم بِحماهُ الرَّحبِ يُحتَرمِ
  

يا مُتهِمينَ عَسى أَن تُنجِدوا رَجُلاً
 

لَم يَسلُ عَنكُم وَلَم يُصبِح بِمُتَّهَمِ
  

أَغارَ دَهرٌ رَمى بِالبُعدِ نازِحَنا
 

فأَنجِدوا يا كِرامَ الذَّاتِ وَالشِيَمِ
  

إِنَّ الغَضى لَستُ أَنسى أَهلَهُ فَهُمُ
 

شَبُّوهُ بَينَ ضُلوعِي يَومَ بَينِهِمِ
  

جَرى العَقيقُ بِقَلبي بَعدَما رَحَلوا
 

وَلَو جَرى مِن دُموعِ العَينِ لَم أُلَمِ
  

حَيثُ الَّذي إِن بَدا في قَومِهِ وَحَبا
 

عُفاتَهُ وَرَمى الأَعداءَ بِالنّقَمِ
  

فالبَدرُ في شُهبِهِ وَالغَيثُ جادَ لِذي
 

مَحلٍ وَلَيثُ الشَّرى قَد صالَ في الغَنَمِ
  

وَإِن عَلا النَّقعُ في يَومِ الوَغى فَدَعا
 

أَنصارَهُ وَأَجالَ الخَيلَ في اللُّجمِ
  

تَرى الثُّرَيا تَقودُ الشُّهبَ يُرسِلُها لَيثٌ
 

هَدى الأُسدَ خَوضَ البَحرِ في الظُّلَمِ
  

أَخفوا في الإنجيلِ وَالتَّوراةِ بِعثَتَهُ
 

فأَظهَرَ اللَّهُ ما أَخفَوا بِرَغمِهِمِ
  

قَد أَحرَزَ البأسَ وَالإِحسانَ في نَسَقٍ
 

وَالعِلمَ وَالحِلمَ قَبلَ الدَّركِ لِلحُلُمِ
  

لا يَستَوي الغَيثُ مَع كَفَّيهِ نائِلُ ذا
 

ماء وَنائِلُ ذا مال فَلا تَهِمِ
  

غَيثانِ أَمّا الَّذِي مِن فَيضِ أَنمُلِهِ
 

فَدائِمٌ وَالَّذي لِلمُزنِ لَم يَدُمِ
  

جَلا قُلوباً وَأَحيا أَنفُساً وَهَدى
 

عُمياً وَأَسمَعَ آذاناً ذَوي صَمَمِ
  

يُرِيكَ بِاليَومِ مِثلَ الأَمسِ مِن كَرَمٍ
 

وَلَيسَ في غَدِهِ هَذا بِمُنعَدِمِ
  

فَلُذ بِمَن كَفُّهُ وَالبَحرُ ما اِفتَرَقا
 

إِلّا بِكَفٍّ وَبَحرٍ في كَلامِهِمِ
  

وَالمالُ وَالماءُ مِن كَفَّيهِ قَد جَرَيا
 

هَذا لِراجٍ وَذا لِلجَيشِ حينَ ظمِي
  

فازَ المُجِدّانِ دانٍ أَو مُديمُ سُرىً
 

فَذاكَ ناجٍ وَذا راجٍ لجودِهم
  

مِن وَجهِ أَحمَدَ لي بَدرٌ وَمِن يَدِهِ
 

بَحرٌ وَمِن فَمِهِ دُرٌّ لِمُنتَظِمِ
  

كَم قُلتُ يا نَفس ما أَنصَفتِ أَن رَحَلوا
 

وَما رَحَلتِ وَقاموا ثُمَّ لَم تَقُم
  

يَمِّم نَبيّاً تُباري الرِّيحَ أَنمُلُهُ
 

وَالمُزنَ مِن كُلِّ هامِي الوَدقِ مُرتَكِمِ
  

لَو قابَلَ الشُّهبَ لَيلاً في مطالِعِها
 

خَرَّت حَياءً وَأَبدَت بِرَّ مُحتَرِمِ
  

تَكادُ تَشهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَرسَلَهُ
 

إِلى الوَرى نُطَفُ الأَبناءِ في الرَّحِمِ
  

لَو عامَتِ الفُلكُ فيما فاضَ مِن يَدِهِ
 

لَم تَلقَ أَعظَمَ بَحراً مِنهُ إِن تَعُمِ
  

تُحيطُ كَفّاهُ بِالبَحرِ المُحيطِ فَلُذ بِهِ
 

وَدَع كُلَّ طامي المَوجِ مُلتَطِمِ
  

لَو لَم تُحِط كَفُّهُ بالبَحرِ ما شَمِلَت
 

كُلَّ الأَنامِ وَأَروَت قَلبَ كُلِّ ظَمِي
  

لَم تَبرُقِ السُّحبُ إِلّا أَنَّها فَرِحَت
 

إِذ ظَلَّلَتهُ فَأَبدَت وَجهَ مُبتَسِمِ
  

وَالماءُ لَو لَم يَفِض مِن بَينِ أَنمُلِهِ
 

ما كانَ رِيُّ الظَّما في وردِهِ الشَّبِمِ
  

يَستَحسِنُ الفَقرَ ذو الدُّنيا لِيَسأَلَهُ
 

فَيأمَنَ الفَقرَ مِمّا نالَ مِن نِعَمِ
  

وَالبَدرُ أَبقى بِمَرآهُ لِيُعلِمَنا
 

بالانشِقاقِ لَهُ آثار مُنثَلِمِ
  

أَزالَ ضُرَّ البَعيرِ المُستَجيرِ كَما
 

بِهِ الغَزالَةُ قَد لاذَت فَلَم تُضَمِ
  

صفي الدين الحلي:

قلت: وسمعت أن من بين هؤلاء رجل يقال (صفي الدين الحلي )

قال: أجل.. هذا الرجل من أكبر الشعراء المهتمين بالبديع.. حتى أنه لقب بأبي البديع، حيث كان علم البديع مهجورا قبله..

قلت: لا يستغرب حب بديع اللغة ممن أحب بديع البشر.

قال: وميزة هذا الشاعر أنه جمع في هذه القصيدة بين علم البديع ومدح الحبيب.

قلت: تقصد أن القصيدة متن في البديع؟

قال: أجل.. وهي من أشهر المتون العلمية، حيث جمعت بين مديح المصطفى r، وبين ذكر جميع شواهد علم البلاغة، وهي (الكافية البديعية)

قلت: لقد شوقتني إليها.. فاروها لي.

قال: يقول هذا الشاعر الفاضل في هذه القصيدة:

إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم
 

واقرا السلام على عرب بذي سلم
  

فقد ضمنت وجود الدمع من عدم
 

لهم ولم أستطع مع ذاك منع دمي
  

أبيت والدمع هام هامل سرب
 

والجسم في إضم لحم على وضم
  

من شانه حمل أعباء الهوى كمدا
 

إذا همى شانه بالدمع لم يلم
  

من لي بكل غرير من ظباءهم
 

عزيز حسن يداوي الكلم بالكلم
  

بكل قد نضير لا نظير له
 

ما ينقضي أملي منه ولا ألمي
  

وكل لحظ أتى باسم ابن ذي يزن
 

في فتكه بالمعنى أو أبي هرم
  

قد طال ليلي وأجفاني به قصرت
 

عن الرقاد فلم أصبح ولم أنم
  

كأن آناء ليلي في تطاولها
 

تسويف كاذب آمالي بقربهم
  

هم أرضعوني ثدي الوصل حافلة
 

فكيف يحسن منها حال منفطم
  

كان الرضا بدنوي من خواطرهم
 

فصار سخطي لبعدي عن جوارهم
  

وجدي حنيني أنيني فكرتي ولهي
 

منهم عليهم إليهم فيهم بهم
  

لله لذت عيش بالحبيب مضت
 

فلم تدم لي وغير الله لم يدم
  

وعاذل رام بالتعنيف يرشدني
 

عدمت رشدك هل أسمعت ذا صمم
  

أقصر أطل أعزر أعذل سل خل أعن
 

خن هن عن ترفق لج كف لم
  

أشبعت نفسك من ذمي فهاضك ما
 

تلقى وأكثر موت الناس بالتخم
  

أنا المفرط أطلعت العدو على
 

سري وأودعت نفسي كل مخترم
  

فمي يحدث عن سري فما ظهرت
 

سرائر القلب إلا من حديث فمي
  

لأنت عندي أخص الناس منزلة
 

إذ كنت أقدرهم عندي على السلم
  

محضتني النصح إحسانا إلي بلا
 

غش وقلدتني الإنعام فاحتكم
  

ليت المنية حالة دون نصحك لي
 

فيستريح كلانا من أذى التهم
  

حسبي بذكرك لي ذما ومنقصة
 

فيما نطقت فلا تنقص ولا تذم
  

سالمت في الحب عذالي فما نصحوا
 

وهبه كان فما نفعي بنصحهم
  

عدمت صحة جسمي مذ وثقت بهم
 

فما حصلت على شيء سوى الندم
  

قالوا سلوت لبعد الإلف قلت لهم
 

سلوت عن صحتي والبرء من سقمي
  

ما كنت قبل الظبا الألحاظ قط أرى
 

سيفا أراق دمي إلا على قدمي
  

قالوا اصطبر قلت صبري غير متسع
 

قالوا اسلهم قلت ودي غير منصرم
  

وإنني سوف أسلوهم إذا عدمت
 

روحي وأحييت بعد الموت والعدم
  

فالله يكلأ عذالي ويلهمهم
 

عذلي فقد فروجي كربي بذكرهم
  

قالوا ألم تدر أن الحب غايته
 

سلب الخواطر والألباب قلت لم
  

لم أدر قبل هواهم والهوى حرم
 

أن الظباء تحل الصيد في الحرم
  

رجوت أن يرجعوا يوما وقد رجعوا
 

عند العتاب ولكن عن وفى ذمم
  

فكل ما سر قلبي واستراح به
 

إلا الدموع عصاني بعد بعدهم
  

فلوا رأيت مصابي عندما رحلوا
 

رثيت لي من عذابي يوم بينهم
  

يا غائبين لقد أضنى الهوى جسدي
 

والغصن يزوي لفقد الوابل الردم
  

يا ليت شعري أسحرا كان حبكم
 

أزال عقلي أم ضربا من اللمم
  

رجوتكم نصحاء في الشدائد لي
 

لضعف رشدي واستسمنت ذا ورم
  

وكم بذلت تليدي والطريف لكم
 

طوعا وأرضيت عنكم كل مختصم
  

من كان يعلم أن الشهد مطلبه
 

فلا يخاف للدغ النحل من ألم
  

خلت الفضائل بين الناس ترفعني
 

بالابتداء فكانت أحرف القسم
  

لا لقبتني المعالي بابن بجدتها
 

يوم الفخار ولا برت تقى قسمي
  

إن لم أحث مطايا العزم مثقلة
 

من القوافي تؤم المجد عن أمم
  

تجار لفظ إلى سوق القبول بها
 

من لجة الفكر تهدي جوهر الكلم
  

من كل معربة الألفاظ معجمة
 

يزينها مدح خير العرب والعجم
  

ثم مدح النبي r بقوله:

محمد المصطفى الهادي النبي أجل
 

المرسلين بن عبدالله ذي الكرم
  

الطاهر الشيم بن الطاهر الشيم بن
 

الطاهر الشيم بن الطاهر الشيم
  

خير النبيين والبرهان متضح
 

في الحجر نقلا وعقلا واضح اللقم
  

كم بين من أقسم الله العلي به
 

وبين من جاء بسم الله في القسم
  

أمي خط أبان الله معجزه
 

بطاعة الماضيين السيف والقلم
  

مؤيد العزم والأبطال في قلق
 

مؤمل الصفح والهيجاء في ضرم
  

نفس مؤيدة بالحق تعضدها
 

عناية صدرت عن بارئ النسم
  

أبدى العجائب فالأعمى بنفثته
 

غدا بصيرا وفي الحرب البصير عمي
  

له السلام من الله السلام وفي
 

دار السلام تراه شافع الأمم
  

كم قد جلت جنح نقع الليل طلعته
 

والشهب أحلك ألونا من الدهم
  

في معرك لا تثير الخيل عثيره
 

مما تروي المواضي تربه بدمي
  

عزيز جار لو الليل استجار به
 

من الصباح لعاش الناس في الظلم
  

كأن مرآه بدر غير مستتر
 

وطيب رياه مسك غير مكتتم
  

لا يهدم المن منه عمر مكرمة
 

ولا يسوء أذاه نفس متهم
  

يولي الموالين من جدوى شفاعته
 

ملكا كبيرا عدا ما في نفوسهم
  

كأنما قلب معن ملء فيه فلم
 

يقل لسائله يوما سوى نعم
  

إن حل أرض أناس شد أزرهم
 

بما أتاح لهم من حط وزرهم
  

آراءه وعطاياه ونقمته
 

وعفوه رحمة للناس كلهم
  

فجود كفيه لم تقلع سحائبه
 

عن العباد وجود السحب لم يقم
  

أفنى جيوش العدا غزوا فلست ترى
 

سوى قتيل ومأسور ومنهزم
  

سناه كالنور يجلوا كل مظلمة
 

والبأس كالنار يفني كل مجترم
  

أبادهم فلبيت المال ما جمعوا
 

والروح للسيف والأجساد للرخم
  

من مفرد بغرار السيف منتثر
 

ومزوج بسنان الرمح منتظم
  

واستخدم الموت ينهاه ويأمره
 

بعزم مغتنم في زي مغترم
  

يجزي إساءة باغيهم بسيئة
 

ولم يكن عاديا منهم على إرم
  

كأنما حلق السعدي منتثرا
 

على الثرى بين منفض ومنفصم
  

حروف خط على طرس مقطعة
 

جاءت بها يد غمر غير مفتهم
  

لم يلق مرحب منه مرحبا ورأى
 

ضد اسمه عند هد الحصن والأطم
  

لاقاهم بكماة عند كرهم
 

على الجسوم دروع من قلوبهم
  

بكل منتصر للفتح منتظر
 

وكل معتزم للحق ملتزم
  

من حاسر بغرار العضب ملتحف
 

أو سافر بغبار الحرب ملتثم
  

مستقتل قاتل مسترسل عجل
 

مستأصل صائل مستفحل خصم
  

ببارق خدم في مارق أمم
 

أو سابق عرم في شاهق علم
  

فعال منتظم الأهواء مقتحم ال
 

أهوال ملتزم بالله معتصم
  

سهل خلائقه صعب عرائكه
 

جم عجائبه في الحكم والحكم
  

فالحق في أفق والشرك في نفق
 

والكفر في فرق والدين في حرم
  

فالجيش والنقع تحت الجون مرتكم
 

في ظل مرتكم في ظل مرتكم
  

بفتية أسكنوا أطراف سمرهم
 

من المكاة مقر الضغن والأضم
  

كل طويل نجاد السيف يطربه
 

وقع الصوارم كالأوتار والنغم
  

من كل مبتدر للموت مقتحم
 

في مأزق بغبار الحرب ملتحم
  

تهوى الرقاب مواضيهم فتحسبها
 

حديدها كان أغلالا من القدم
  

شوس ترى منهم في كل معترك
 

أسد العرين إذا حر الوطيس حمي
  

صالوا فنالوا الأماني من عداتهم
 

ببارق في سوى الهيجاء لم يشم
  

كالنار منه رياح الموت إن عصفت
 

روى ثرى ماءه أرضى الوغى بدمي
  

حران ينقع حر الكر غلته
 

حتى إذا ضمه برد المقيل ظمي
  

قادوا الشواذب كالأجبال حاملة
 

أمثالها ثبتة في كل مصدم
  

من سبق لا يرى سوط لها ثملا
 

ولا جديد من الأرصان واللجم
  

كادت حوافرها تدمي جحافلها
 

حتى تشابهت الأحجال بالرثم
  

خاضوا عباب الوغى والخيل سابحة
 

في بحر حرب بموج الموت ملتطم
  

حتى إذا صدروا والخيل صائمة
 

من بعد ما صلت الأسياف في القمم
  

تلاعبوا تحت ظل السمر من مرح
 

كما تلاعبت الأشبال في الأجم
  

في ظل منصور اللواء له
 

عدل يؤلف بين الذئب والغنم
  

سهل الخلائق سمح الكف باسطها
 

منزه لفظه عن لا ولن ولم
  

أغر لا يمنع الراجين ما طلبوا
 

ويمنع الجار من ضيم ومن حرم
  

شخص هو العالم الكلي في شرف
 

ونفسه الجوهر القدسي في عظم
  

ومن له حاور الجزع اليبيس ومن
 

بكفه أورقت عجراء من سلم
  

والعاقب الحبر في نجران لاح له
 

يوم اجتباه لعقبى زلة القدم
  

والذئب سلم والجني أسلم والث
 

عبان كلم والأموات في الرجم
  

ومن أتى ساجدا لله ساعته
 

ولم يكن ساجدا في العمر للصنم
  

ومن غدا اسم أمه نعتا لأمته
 

فتلك آمنة من سائر النقم
  

من مثله وذراع الشاة حدثه
 

عن سمه بلسان صادق الرنم
  

هل من ينم بحب من ينم له
 

بما رموه كمن لم يدري كيف رمي
  

هو النبي الذي آياته ظهرت
 

من قبل مظهره للناس في القدم
  

محمد المصطفى المختار من ختمت
 

بمجده مرسلوا الرحمن للأمم
  

فذكره قد أتى في هل أتى وسبا
 

وفضله ظاهر في نون والقلم
  

إذا رآه الأعادي قال حازمهم
 

حتام نحن نسار النجم في الظلم
  

محمود سامي البارودي:

سكت البابا، فقلت: عد بنا إلى عصرنا.. فقد سمعت أن شعراء كثيرين عارضوا البردة.

قال: أجل.. فحب رسول الله r لا يخلو منه عصر من العصور.. ولا مكان من الأماكن.. ألا تعلم أن رسول الله r أمان لأمته.

قلت: لقد ذكر الله ' ذلك، فقال:﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (لأنفال:33).. ولكن رسول الله r فلم يبق لنا إلا الاستغفار.

قال: الاستغفار لا ينفع وحده ما لم يمتلئ القلب بمحبة سيد المستغفرين.. فلذلك إن ذهب جسد رسول الله r.. فإن روحه لا زالت تعمر القلوب والأرواح.

قلت: لقد سمعت بأن الوزير محمود سامى البارودى عارضها في قصيدة عصماء من 450 بيتا.

قال: أجل.. وقد سماها (كشف الغمة في مدح سيد الأمة)

قلت: فاروها لي.

قال: سأقتصر لك منه ما يتعلق بالحبيب [12].. اسمع:

مُحَمَّدٌ خاتَمُ الرُسلِ الَّذي خَضَعَت
 

لَهُ البَرِيَّةُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ
  

سَميرُ وَحيٍ وَمَجنى حِكمَةٍ وَنَدى
 

سَماحَةٍ وَقِرى عافٍ وَرِيُّ ظَمِ
  

قَد أَبلَغَ الوَحيُ عَنهُ قَبلَ بِعثَتِهِ
 

مَسامِعَ الرُسلِ قَولاً غَيرَ مُنكَتِمِ
  

فَذاكَ دَعوَةُ إِبراهيمَ خالِقَهُ
 

وَسِرُّ ما قالَهُ عِيسى مِنَ القِدَمِ
  

أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ مُحَجَّلَةٍ
 

جاءَت بِهِ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ
  

قَد كانَ في مَلَكوتِ اللَهِ مُدَّخراً
 

لِدَعوَةٍ كانَ فيها صاحِبَ العَلَمِ
  

نُورٌ تَنَقَّلَ في الأَكوانِ ساطِعُهُ
 

تَنَقُّلَ البَدرِ مِن صُلبٍ إِلى رَحِمِ
  

حَتّى اِستَقَرَّ بِعَبدِ اللَهِ فَاِنبَلَجَت
 

أَنوارُ غُرَّتِهِ كَالبَدرِ في البُهُمِ
  

وَاِختارَ آمِنَةَ العَذراءَ صاحِبَةً
 

لِفَضلِها بَينَ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
  

كِلاهُما فِي العُلا كُفءٌ لِصاحِبِهِ
 

وَالكُفءُ في المَجدِ لا يُستامُ بِالقِيَمِ
  

فَأَصبَحَت عِندَهُ في بَيتِ مَكرُمَةٍ
 

شِيدَت دَعائِمُهُ في مَنصِبٍ سِنمِ
  

وَحِينما حَمَلَت بِالمُصطَفى وَضَعَت
 

يَدُ المَشيئَةِ عَنها كُلفَةَ الوَجَمِ
  

وَلاحَ مِن جِسمِها نُورٌ أَضاءَ لَها
 

قُصُورَ بُصرى بِأَرضِ الشَّأمِ مِن أمَمِ
  

وَمُذ أَنى الوَضعُ وَهوَ الرَّفعُ مَنزِلَةً
 

جاءَت بِرُوحٍ بِنُورِ اللَهِ مُتَّسِمِ
  

ضاءَت بِهِ غُرَّةُ الإِثنَينِ وَاِبتَسَمَت
 

عَن حُسنِهِ في رَبيعٍ رَوضَةُ الحَرَمِ
  

وَأَرضَعَتهُ وَلَم تَيأَس حَليمَةُ مِن
 

قَولِ المَراضِعِ إِنَّ البُؤسَ في اليَتَمِ
  

فَفاضَ بِالدرِّ ثَدياها وَقَد غَنِيَت
 

لَيالياً وَهيَ لَم تطعَم وَلَم تَنَمِ
  

وَاِنهَلَّ بَعدَ اِنقِطاعٍ رِسلُ شارِفِها
 

حَتّى غَدَت مِن رَفِيهِ العَيشِ في طُعَمِ
  

فَيَمَّمَت أَهلَها مَملُؤَةً فَرَحاً
 

بِما أُتيحَ لَها مِن أَوفَرِ النِّعَمِ
  

وَقَلَّصَ الجَدبُ عَنها فَهيَ طاعِمَةٌ
 

مِن خَيرِ ما رَفَدَتها ثَلَّةُ الغَنَمِ
  

وَكَيفَ تَمحَلُ أَرضٌ حَلَّ ساحَتَها
 

مُحَمَّدٌ وَهوَ غَيثُ الجُودِ وَالكَرَمِ
  

فَلَم يَزَل عِندَها يَنمُو وَتَكلَؤُهُ
 

رِعايَةُ اللَهِ مِن سُوءٍ وَمِن وَصَمِ
  

حَتّى إِذا تَمَّ مِيقاتُ الرَّضاعِ لَهُ
 

حَولَينِ أَصبَحَ ذا أَيدٍ عَلَى الفُطُمِ
  

وَجاءَ كَالغُصنِ مَجدُولاً تَرِفُّ عَلى
 

جَبِينِهِ لَمحاتُ المَجدِ وَالفَهَمِ
  

قَد تَمَّ عَقلاً وَما تَمَّت رَضاعَتُهُ
 

وَفاضَ حِلماً وَلَم يَبلُغ مَدى الحُلُمِ
  

فَبَينَما هُوَ يَرعى البَهمَ طافَ بِهِ
 

شَخصانِ مِن مَلَكوتِ اللَهِ ذي العِظَمِ
  

فَأَضجَعاهُ وَشَقّا صَدرَهُ بِيَدٍ
 

رَفِيقَةٍ لَم يَبِت مِنها عَلى أَلَمِ
  

وَبَعدَ ما قَضَيا مِن قَلبِهِ وَطَراً
 

تَوَلَّيا غَسلَهُ بِالسَّلسَلِ الشَّبِمِ
  

ما عالَجا قَلبَهُ إِلّا لِيَخلُصَ مِن
 

شَوبِ الهَوى وَيَعِي قُدسِيَّةَ الحِكَمِ
  

فَيا لَها نِعمَةً لِلّهِ خَصَّ بِها
 

حَبيبَهُ وَهوَ طِفلٌ غَيرُ مُحتَلِمِ
  

وَقالَ عَنهُ بُحَيرا حِينَ أَبصَرَهُ
 

بَأَرضِ بُصرى مَقالاً غَيرَ مُتَّهَمِ
  

إِذ ظَلَّلَتهُ الغَمامُ الغُرُّ وَانهَصَرَت
 

عَطفاً عَلَيهِ فُروعُ الضَّالِ وَالسَّلَمِ
  

بِأَنَّهُ خاتَمُ الرُّسلِ الكِرامِ وَمَن
 

بِهِ تَزُولُ صُرُوفُ البُؤسِ وَالنِّقَمِ
  

هَذا وَكَم آيَةٍ سارَت لَهُ فَمَحَت
 

بِنُورِها ظُلمَةَ الأَهوالِ وَالقُحَمِ
  

ما مَرَّ يَومٌ لَهُ إِلّا وَقَلَّدَهُ
 

صَنائِعاً لَم تَزَل فِي الدَّهرِ كَالعَلَمِ
  

حَتّى اِستَتَمَّ وَلا نُقصانَ يَلحَقُهُ
 

خَمساً وَعِشرِينَ سِنُّ البارِعِ الفَهِمِ
  

وَلَقَّبَتهُ قُرَيشٌ بِالأَمينِ عَلى
 

صِدقِ الأَمانَةِ وَالإِيفاءِ بِالذِّمَمِ
  

وَدَّت خَديجَةُ أَن يَرعى تِجارَتَها
 

وِدادَ مُنتَهِزٍ لِلخَيرِ مُغتَنِمِ
  

فَشَدَّ عَزمَتَها مِنهُ بِمُقتَدِرٍ
 

ماضِي الجِنانِ إِذا ما هَمَّ لَم يخمِ
  

وَسارَ مُعتَزِماً لِلشَّأمِ يَصحَبُهُ
 

في السَّيرِ مَيسُرَةُ المَرضِيُّ فِي الحَشَمِ
  

فَما أَناخَ بِها حَتّى قَضى وَطَراً
 

مِن كُلِّ ما رَامَهُ في البَيعِ وَالسَّلَمِ
  

وَكَيفَ يَخسَرُ مَن لَولاهُ ما رَبِحَت
 

تِجارَةُ الدِّينِ في سَهلٍ وَفِي عَلَمِ
  

فَقَصَّ مَيسُرَةُ المَأمونُ قِصَّتَهُ
 

عَلَى خَديجَةَ سَرداً غَيرَ مُنعَجِمِ
  

وَما رَواهُ لَهُ كَهلٌ بِصَومَعَةٍ
 

مِنَ الرَّهابينِ عَن أَسلافِهِ القُدُمِ
  

في دَوحَةٍ عاجَ خَيرُ المُرسَلينَ بِها
 

مِن قَبل بعثَتِهِ لِلعُربِ وَالعَجَمِ
  

هَذا نَبِيٌّ وَلَم يَنزِل بِساحَتِها
 

إِلّا نَبيٌّ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
  

وَسِيرَةَ المَلَكَينِ الحائِمَينِ عَلى
 

جَبِينِهِ لِيُظِلّاهُ مِنَ التّهَمِ
  

فَكانَ ما قَصَّهُ أَصلاً لِما وَصَلَت
 

بِهِ إِلى الخَيرِ مِن قَصدٍ وَمُعتَزَمِ
  

أَحسِن بِها وصلَةً في اللَّهِ قَد أَخَذَت
 

بِها عَلى الدَّهرِ عَقداً غَيرَ مُنفَصِمِ
  

فَأَصبَحا في صَفاءٍ غَير مُنقَطِعٍ
 

عَلى الزَّمانِ وَوِدٍّ غَير مُنصَرِمِ
  

وَحِينَما أَجمَعَت أَمراً قُرَيشُ عَلى
 

بِنايَةِ البَيتِ ذي الحُجّابِ وَالخَدَمِ
  

تَجَمَّعَت فِرَقُ الأَحلافِ وَاِقتَسَمَت
 

بِناءَهُ عَن تَراضٍ خَيرَ مُقتَسَمِ
  

حَتّى إِذا بَلَغَ البُنيانُ غايَتَهُ
 

مِن مَوضِعِ الرُّكنِ بَعدَ الكَدِّ وَالجشَمِ
  

تَسابَقوا طَلَباً لِلأَجرِ وَاِختَصَمُوا
 

فِيمَن يَشُدُّ بِناهُ كُلَّ مُختَصَمِ
  

وَأَقسَمَ القَومُ أَن لا صُلحَ يَعصِمُهُم
 

مِن اقتِحامِ المَنايا أَيّما قَسَمِ
  

وَأَدخَلوا حينَ جَدَّ الأَمرُ أَيدِيَهُم
 

لِلشَرِّ في جَفنَةٍ مَملُوءَةٍ بِدَمِ
  

فَقالَ ذُو رَأيِهِم لا تَعجَلُوا وَخُذُوا
 

بِالحَزم فَهوَ الَّذي يَشفِي مِنَ الحَزَمِ
  

لِيَرضَ كُلُّ امرِئٍ مِنّا بِأَوَّلِ مَن
 

يَأتي فَيَقسِطُ فِينا قِسطَ مُحتَكِمِ
  

فَكانَ أَوَّلَ آتٍ بَعدَما اِتَّفَقُوا
 

مُحَمَّدٌ وَهوَ في الخَيراتِ ذُو قَدَمِ
  

فَقالَ كُلٌّ رَضينا بِالأَمينِ عَلَى
 

عِلمٍ فَأَكرِم بِهِ مِن عادِلٍ حَكَمِ
  

فَأَعلَمُوهُ بِما قَد كانَ وَاِحتَكَمُوا
 

إِلَيهِ في حَلِّ هَذا المُشكِلِ العَمَمِ
  

فَمَدَّ ثَوباً وَحَطَّ الرُّكنَ في وَسَطٍ
 

مِنهُ وَقالَ اِرفَعُوهُ جانِبَ الرَّضَمِ
  

فَنالَ كُلُّ امرِئٍ حَظّاً بِما حَمَلَت
 

يَداهُ مِنهُ وَلَم يَعتِب عَلى القِسَمِ
  

حَتّى إِذا اِقتَرَبوا تِلقاءَ مَوضِعِهِ
 

مِن جانب البَيتِ ذي الأَركان وَالدّعمِ
  

مَدَّ الرَّسُولُ يَداً مِنهُ مُبارَكَةً
 

بَنَتهُ في صَدَفٍ مِن باذِخٍ سَنِمِ
  

فَليَزدَدِ الرُّكنُ تِيهاً حَيثُ نالَ بِهِ
 

فَخراً أَقامَ لَهُ الدُّنيا عَلَى قَدَمِ
  

لَو لَم تَكُن يَدُهُ مَسَّتهُ حِينَ بَنَى
 

ما كانَ أَصبَحَ مَلثُوماً بِكُلِّ فَمِ
  

يا لَيتَنِي وَالأَمانِي رُبَّما صَدَقَت
 

أَحظى بِمُعتَنَقٍ مِنهُ وَمُلتَزَمِ
  

يا حَبَّذا صِبغَةٌ مِن حُسنِهِ أَخَذَت
 

مِنها الشَّبِيبَةُ لَونَ العُذرِ وَاللمَمِ
  

كَالخالِ في وَجنَةٍ زِيدَت مَحاسِنُها
 

بِنُقطَةٍ مِنهُ أَضعافاً مِنَ القِيَمِ
  

وَكَيفَ لا يَفخَرُ البَيتُ العَتيقُ بِهِ
 

وَقَد بَنَتهُ يَدٌ فَيّاضَةُ النِّعَمِ
  

أَكرِم بِهِ وازِعاً لَولا هِدايَتُهُ
 

لَم يَظهَرِ العَدلُ في أَرضٍ وَلَم يَقُمِ
  

هَذا الَّذي عَصَمَ اللَّهُ الأَنامَ بِهِ
 

مِن كُلِّ هَولٍ مِنَ الأَهوالِ مُختَرِمِ
  

وَحِينَ أَدرَكَ سِنَّ الأَربَعينَ وَما
 

مِن قَبلِهِ مَبلَغٌ لِلعِلمِ وَالحِكَمِ
  

حَباهُ ذُو العَرشِ بُرهاناً أَراهُ بِهِ
 

آيات حِكمَتِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
  

فَكانَ يَمضي لِيَرعى أُنسَ وَحشَتِهِ
 

في شاسِعٍ ما بِهِ لِلخَلقِ مِن أَرَمِ
  

فَما يمُرُّ عَلى صَخرٍ وَلا شَجَرٍ
 

إِلّا وَحَيّاهُ بِالتَّسليمِ مِن أَمَمِ
  

حَتّى إِذا حانَ أَمرُ الغَيبِ وَاِنحَسَرَت
 

أَستارُهُ عَن ضَميرِ اللَوحِ وَالقَلَمِ
  

نادى بِدَعوَتِهِ جَهراً فَأَسمَعَها
 

في كُلِّ ناحِيةٍ مَن كانَ ذا صَمَمِ
  

فَكانَ أَوَّلُ مَن في الدِّين تابَعَهُ
 

خَدِيجَةٌ وَعَلِيٌّ ثابِتُ القَدَمِ
  

ثُمَّ اِستَجابَت رِجالٌ دُونَ أُسرَتِهِ
 

وَفي الأَباعِدِ ما يُغني عَنِ الرَّحِمِ
  

وَمَن أَرادَ بِهِ الرَّحمنُ مَكرُمَةً
 

هَداهُ لِلرُّشدِ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
  

ثُمَّ اِستَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ مُعتَزِماً
 

يَدعُو إلى رَبِّهِ في كُلِّ مُلتَأَمِ
  

وَالنّاسُ مِنهُم رَشيدٌ يَستَجِيبُ لَهُ
 

طَوعاً وَمِنهُم غَوِيٌّ غَيرُ مُحتَشِمِ
  

حَتّى اِستَرابَت قُرَيشٌ وَاِستَبَدَّ بِها
 

جَهلٌ تَرَدَّت بِهِ في مارِجٍ ضَرِمِ
  

وَعَذَّبوا أَهلَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَهَكوا
 

مَحارِماً أَعقَبَتهُم لَهفَةَ النَّدَمِ
  

وَقامَ يَدعُو أَبو جَهلٍ عَشِيرَتَهُ
 

إِلى الضَّلالِ وَلَم يَجنَح إِلى سَلَمِ
  

يُبدِي خِدَاعاً ويُخفِي ما تَضَمَّنَهُ
 

ضَمِيرُهُ مِن غَراةِ الحِقد وَالسَّدَمِ
  

لا يَسلَمُ القَلبُ مِن غِلٍّ أَلَمَّ بِهِ
 

يَنقى الأَدِيمُ وَيَبقى مَوضِعُ الحَلَمِ
  

وَالحِقدُ كَالنّارِ إِن أَخفَيتَهُ ظَهَرَت
 

مِنهُ عَلائِمُ فَوقَ الوَجهِ كَالحُمَمِ
  

لا يُبصِرُ الحَقَّ مَن جَهلٌ أَحاطَ بِهِ
 

وَكَيفَ يُبصِرُ نُورَ الحَقِّ وَهوَ عَمِ
  

كُلُّ امرِئٍ وَاجِدٌ ما قَدَّمَت يَدُهُ
 

إِذا اِستَوى قائِماً مِن هُوَّةِ الأَدَمِ
  

وَالخَيرُ وَالشَّرُّ في الدُّنيا مُكافَأَةٌ
 

وَالنَّفسُ مَسؤولَةٌ عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
  

فَلا يَنَم ظالِمٌ عَمّا جَنَت يَدُهُ
 

عَلى العِبادِ فَعَينُ اللَّهِ لَم تَنَمِ
  

وَلَم يَزَل أَهلُ دِين اللَّهِ في نَصَبٍ
 

مِمّا يُلاقُونَ مِن كَربٍ وَمِن زَأَمِ
  

حَتّى إِذا لَم يَعُد في الأَمر مَنزَعَةٌ
 

وَأَصبَحَ الشَّرُّ جَهراً غَيرَ مُنكَتِمِ
  

سارُوا إِلى الهِجرَةِ الأُولى وَما قَصَدوا
 

غَيرَ النَّجاشِيِّ مَلكاً صادِقَ الذِّمَمِ
  

فَأَصبَحُوا عِندَهُ في ظِلِّ مَملَكَةٍ
 

حَصِينَةٍ وذِمامٍ غَيرِ مُنجَذِمِ
  

مَن أَنكَرَ الضَّيمَ لَم يَأنَس بِصُحبَتِهِ
 

وَمَن أَحاطَت بِهِ الأَهوالُ لَم يُقِمِ
  

وَمُذ رَأى المُشرِكون الدّين قَد وضَحَت
 

سَماؤُهُ وَاِنجَلَت عَن صِمَّةِ الصِّمَمِ
  

تَأَلَّبُوا رَغبَةً في الشَّرِّ وَائتَمَرُوا
 

عَلى الصَّحيفَةِ مِن غَيظٍ وَمِن وَغَمِ
  

صَحِيفَةٌ وَسَمَت بِالغَدرِ أَوجُهَهُم
 

وَالغَدرُ يَعلَقُ بِالأَعراضِ كَالدَّسَمِ
  

فَكَشَّفَ اللَّهُ مِنها غُمَّةً نَزَلَت
 

بِالمُؤمِنينَ وَرَبِّي كاشِفُ الغُمَمِ
  

مَن أَضمَرَ السُّوءَ جازاهُ الإِلَهُ بِهِ
 

وَمَن رَعى البَغيَ لَم يَسلَم مِنَ النِقَمِ
  

كَفى الطُّفَيلَ بنَ عَمرٍو لُمعَةٌ ظَهَرَت
 

فِي سَوطِهِ فَأَنارَت سُدفَةَ القَتَمِ
  

هَدى بِها اللَّهُ دَوساً مِن ضَلالَتِها
 

فَتابَعَت أَمرَ داعِيها وَلَم تَهِمِ
  

وَفِي الإِراشِيِّ لِلأَقوامِ مُعتَبَرٌ
 

إِذ جاءَ مَكَّةَ فِي ذَودٍ مِنَ النّعَمِ
  

فَباعَها مِن أَبي جَهلٍ فَماطَلَهُ
 

بِحَقِّهِ وَتَمادى غَيرَ مُحتَشِمِ
  

فَجاءَ مُنتَصِراً يَشكُو ظُلامَتَهُ
 

إِلى النَّبِيِّ ونِعمَ العَونُ في الإِزَمِ
  

فَقامَ مُبتَدِراً يَسعى لِنُصرَتِهِ
 

وَنُصرَةُ الحَقِّ شَأنُ المَرءِ ذِي الهِمَمِ
  

فَدَقَّ بابَ أَبي جَهلٍ فَجاءَ لَهُ
 

طَوعاً يَجُرُّ عِنانَ الخائِفِ الزَّرِمِ
  

فَحِينَ لاقى رَسُولَ اللَّهِ لاحَ لَهُ
 

فَحلٌ يَحُدُّ إِلَيهِ النابَ مِن أَطَمِ
  

فَهالَهُ ما رَأى فَاِرتَدَّ مُنزَعِجاً
 

وَعادَ بِالنَّقدِ بَعدَ المَطلِ عَن رَغَمِ
  

أَتِلكَ أَم حِينَ نادى سَرحَةً فَأَتَت
 

إِلَيهِ مَنشُورَةَ الأَغصانِ كَالجُمَمِ
  

حَنَت عَلَيهِ حُنُوَّ الأُمِّ مِن شَفَقٍ
 

وَرَفرَفَت فَوقَ ذاكَ الحُسنِ مِن رَخَمِ
  

جاءَتهُ طَوعاً وَعادَت حينَ قالَ لَها
 

عُودِي وَلو خُلِّيت لِلشَّوقِ لَم تَرِمِ
  

وَحَبَّذا لَيلَةُ الإِسراءِ حِينَ سَرى
 

لَيلاً إِلى المَسجِدِ الأَقصى بِلا أَتَمِ
  

رَأَى بِهِ مِن كِرامِ الرُّسلِ طائِفَةً
 

فَأَمَّهُم ثُمَّ صَلَّى خاشِعاً بِهِمِ
  

بَل حَبَّذا نَهضَةُ المِعراجِ حينَ سَما
 

بِهِ إِلى مَشهَدٍ في العزِّ لَم يُرَمِ
  

سَما إِلى الفَلَك الأَعلى فَنالَ بِهِ
 

قَدراً يَجِلُّ عَن التَّشبيهِ في العِظَمِ
  

وَسارَ في سُبُحاتِ النُّورِ مُرتَقِياً
 

إِلى مَدارِجَ أَعيَت كُلَّ مُعتَزِمِ
  

وَفازَ بِالجَوهَرِ المَكنونِ مِن كَلِمٍ
 

لَيسَت إِذا قُرِنَت بِالوَصفِ كَالكَلِمِ
  

سِرٌّ تَحارُ بِهِ الأَلبابُ قاصِرَةً
 

وَنِعمَةٌ لَم تَكُن في الدَّهرِ كَالنِّعَمِ
  

هَيهاتَ يَبلُغُ فَهمٌ كُنهَ ما بَلَغَت
 

قُرباهُ مِنهُ وَقَد ناجاهُ مِن أَمَمِ
  

فَيا لَها وصلَةً نالَ الحَبيبُ بِها
 

ما لَم يَنَلهُ مِنَ التَّكريمِ ذُو نَسَمِ
  

فاقَت جَميعَ اللَّيالي فَهيَ زاهِرَةٌ
 

بِحُسنِها كَزُهُورِ النّارِ في العَلَمِ
  

هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلى
 

عِبادِهِ وَهَداهُم واضِحَ اللَّقَمِ
  

فَسارَعُوا نَحوَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَصَبُوا
 

إِلى العِبادَةِ لا يَألُونَ مِن سَأَمِ
  

وَلَم يَزَل سَيِّدُ الكَونَينِ مُنتَصِباً
 

لِدَعوَةِ الدِّين لَم يَفتر وَلَم يَجِمِ
  

يَستَقبِلُ النّاسَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ
 

وَيَنشُرُ الدِّينَ في سَهلٍ وَفي عَلَمِ
  

حَتّى اِستَجابَت لَهُ الأَنصارُ وَاِعتَصَمُوا
 

بِحَبلِهِ عَن تَراضٍ خَيرَ مُعتَصمِ
  

فَاِستَكمَلَت بِهِمُ الدُنيا نَضارَتَها
 

وَأَصبَحَ الدينُ في جَمعٍ بِهِم تَمَمِ
  

قَومٌ أَقَرُّوا عِمادَ الحَقِّ وَاِصطَلَمُوا
 

بِيَأسِهِم كُلَّ جَبّارٍ وَمُصطَلِمِ
  

فَكَم بِهِم أَشرَقَت أَستارُ داجِيَةٍ
 

وَكَم بِهِم خَمَدَت أَنفاسُ مُختَصِمِ
  

فَحينَ وافى قُرَيشاً ذِكرُ بَيعَتِهِم
 

ثارُوا إِلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهِلِ العَرِمِ
  

وَبادَهُوا أَهلَ دِينِ اللَهِ وَاِهتَضَمُوا
 

حُقُوقَهُم بِالتَّمادِي شَرَّ مُهتَضَمِ
  

فَكَم تَرى مِن أَسيرٍ لا حِراكَ بِهِ
 

وَشارِدٍ سارَ مِن فَجٍّ إِلى أَكَمِ
  

فَهاجَرَ الصَّحبُ إِذ قالَ الرَّسُولُ لَهُم
 

سيرُوا إِلى طَيبَةَ المَرعِيَّةِ الحُرَمِ
  

وَظَلَّ في مَكَّةَ المُختارُ مُنتَظِراً
 

إِذناً مِنَ اللَهِ في سَيرٍ وَمُعتَزَمِ
  

فَأَوجَسَت خيفَةً مِنهُ قُرَيشُ وَلَم
 

تَقبَل نَصيحاً وَلَم تَرجع إِلى فَهَمِ
  

فَاِستَجمَعَت عُصَباً في دارِ نَدوَتِها
 

تَبغي بِهِ الشَّرَّ مِن حِقدٍ وَمِن أَضَمِ
  

وَلَو دَرَت أَنَّها فِيما تُحاوِلُهُ
 

مَخذولَةٌ لَم تَسُم في مَرتَعٍ وَخِمِ
  

أَولى لَها ثُمَ أَولى أَن يَحيقَ بِها
 

ما أَضمَرَتهُ مِنَ البَأساءِ وَالشَّجَمِ
  

إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ أُولي فِطَنٍ
 

باعُوا النُّهى بِالعَمى وَالسَّمعَ بِالصَّمَمِ
  

يَعصُونَ خالِقَهُم جَهلاً بِقُدرَتِهِ
 

وَيَعكُفُونَ عَلى الطاغُوتِ وَالصَّنَمِ
  

فَأَجمَعُوا أَمرَهُم أَن يَبغتُوهُ إِذا
 

جَنَّ الظَّلامُ وَخَفَّت وَطأَةُ القَدَمِ
  

وَأَقبَلُوا مَوهِناً في عُصبَةٍ غُدُرٍ
 

مِنَ القَبائِلِ باعُوا النَّفسَ بِالزَّعَمِ
  

فَجاءَ جِبريلُ لِلهادِي فَأَنبأَهُ
 

بِما أَسَرُّوهُ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
  

فَمُذ رَآهُم قِياماً حَولَ مَأمَنِهِ
 

يَبغُونَ ساحَتَهُ بِالشَّرِّ وَالفَقَمِ
  

نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ
 

لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ
  

وَمَرَّ بِالقَومِ يَتلُوُ وَهوَ مُنصَرِفٌ
 

يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفسِ مِن وَصَمِ
  

فَلَم يَرَوهُ وَزاغَت عَنهُ أَعيُنُهُم
 

وَهَل تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَمِ
  

وَجاءَهُ الوَحيُ إِيذاناً بِهِجرَتِهِ
 

فَيَمَّمَ الغارَ بِالصِّدِّيقِ في الغَسَمِ
  

فَما اِستَقَرَّ بِهِ حَتّى تَبَوَّأَهُ
 

مِنَ الحَمائِمِ زَوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ
  

بَنى بِهِ عُشَّهُ وَاِحتَلَّهُ سَكناً
 

يَأوي إِلَيهِ غَداةَ الرّيحِ وَالرّهَمِ
  

إِلفانِ ما جَمَعَ المِقدارُ بَينَهُما
 

إِلّا لِسِرٍّ بِصَدرِ الغارِ مُكتَتَمِ
  

كِلاهُما دَيدَبانٌ فَوقَ مَربأَةٍ
 

يَرعَى المَسالِكَ مِن بُعدٍ وَلَم يَنَمِ
  

إِن حَنَّ هَذا غَراماً أَو دَعا طَرَباً
 

بِاسمِ الهَديلِ أَجابَت تِلكَ بِالنَّغَمِ
  

يَخالُها مَن يَراها وَهيَ جاثِمَةٌ
 

في وَكرِها كُرَةً مَلساءَ مِن أَدَمِ
  

إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِلّاً وَإِن هَبَطَت
 

رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِرٍ شَبِمِ
  

مَرقُومَةُ الجِيدِ مِن مِسكٍ وَغالِيَةٍ
 

مَخضُوبَةُ الساقِ وَالكَفَّينِ بِالعَنَمِ
  

كَأَنَّما شَرَعَت في قانِيءٍ سربٍ
 

مِن أَدمُعِي فَغَدَت مُحمَرَّةَ القَدَمِ
  

وَسَجفَ العَنكَبُوتُ الغارَ مُحتَفِياً
 

بِخَيمَةٍ حاكَها مِن أَبدَعِ الخِيَمِ
  

قَد شَدَّ أَطنابَها فَاِستَحكَمَت وَرَسَت
 

بِالأَرضِ لَكِنَّها قامَت بِلا دِعَمِ
  

كَأَنَّها سابِريٌّ حاكَهُ لَبِقٌ
 

بِأَرضِ سابُورَ في بحبُوحَةِ العَجَمِ
  

وَارَت فَمَ الغارِ عَن عَينٍ تُلِمُّ بِهِ
 

فَصارَ يَحكي خَفاءً وَجهَ مُلتَثِمِ
  

فَيا لَهُ مِن سِتارٍ دُونَهُ قَمَرٌ
 

يَجلُو البَصائِرَ مِن ظُلمٍ وَمِن ظُلَمِ
  

فَظَلَّ فيهِ رَسولُ اللَّهِ مُعتَكِفاً
 

كَالدُرِّ في البَحر أَو كَالشَمسِ في الغُسَمِ
  

حَتّى إِذا سَكَنَ الإِرجاف وَاِحتَرقَت
 

أَكبادُ قَومٍ بِنارِ اليَأسِ وَالوَغَمِ
  

أَوحى الرَّسولُ بِإِعدادِ الرَّحيلِ إِلى
 

مَن عِندَهُ السِّرُّ مِن خِلٍّ وَمِن حَشَمِ
  

وَسارَ بَعدَ ثَلاثٍ مِن مَباءَتِهِ
 

يَؤُمُّ طَيبَةَ مَأوى كُلِّ مُعتَصِمِ
  

فَحِينَ وَافى قُدَيداً حَلَّ مَوكِبُهُ
 

بِأُمِّ مَعبَدَ ذاتِ الشَّاءِ وَالغَنَمِ
  

فَلَم تَجِد لِقِراهُ غَيرَ ضائِنَةٍ
 

قَدِ اقشَعَرَّت مَراعِيها فَلَم تَسُمِ
  

فَما أَمَرَّ عَلَيها داعِياً يَدَهُ
 

حَتّى اِستَهَلَّت بِذِي شَخبينِ كَالدِّيَمِ
  

ثُمَّ اِستَقَلَّ وَأَبقى في الزَّمانِ لَها
 

ذِكراً يَسيرُ عَلَى الآفاق كَالنَّسَمِ
  

فَبَينَما هُوَ يَطوي البِيدَ أَدرَكَهُ
 

رَكضاً سُراقَةُ مِثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ
  

حَتّى إِذا ما دَنا ساخَ الجَوادُ بِهِ
 

في بُرقَةٍ فَهَوى لِلسَّاقِ وَالقَدَمِ
  

فَصاحَ مُبتَهِلاً يَرجُو الأَمانَ وَلَو
 

مَضى عَلى عَزمِهِ لانهارَ في رَجَمِ
  

وَكَيفَ يَبلُغُ أَمراً دُونَهُ وَزَرٌ
 

مِنَ العِنايةِ لَم يَبلُغهُ ذُو نَسَمِ
  

فَكَفَّ عَنهُ رَسولُ اللَّهِ وَهوَ بِهِ
 

أَدرى وَكَم نِقَمٍ تفتَرُّ عَن نِعَمِ
  

وَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى
 

أَعلامِ طَيبَةَ ذاتِ المَنظَرِ العَمَمِ
  

أَعظِم بِمَقدَمِهِ فَخراً وَمَنقبَةً
 

لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِن جُشَمِ
  

فَخرٌ يَدُومُ لَهُم فَضلٌ بِذِكرَتِهِ
 

ما سارَت العِيسُ بِالزُّوّارِ لِلحَرَمِ
  

يَومٌ بِهِ أَرَّخَ الإِسلامُ غُرَّتَهُ
 

وَأَدرَكَ الدِّينُ فيهِ ذِروَةَ النُّجُمِ
  

ثُمَّ اِبتَنى سَيِّدُ الكَونَينِ مَسحِدَهُ
 

بُنيانَ عِزٍّ فَأَضحى قائِمَ الدّعَمِ
  

وَاِختَصَّ فيهِ بِلالاً بِالأَذانِ وَما
 

يُلفى نَظيرٌ لَهُ في نَبرَةِ النَّغَمِ
  

حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ اللَّهِ وَاِجتَمَعَت
 

لَهُ القبَائِلُ مِن بُعدٍ وَمِن زَمَمِ
  

قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى
 

نَهجَ الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
  

وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى
 

مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ
  

فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ
 

عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ
  

وَحِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ
 

آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ
  

هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ
 

في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ مُحتَدِمِ
  

فَاِستَحكَم الدِّينُ وَاِشتَدَّت دَعائِمُهُ
 

حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ
  

وَأَصبَحَ الناسُ إِخواناً وَعَمَّهُمُ
 

فَضلٌ مِنَ اللَّهِ أَحياهُم مِنَ العَدَمِ
  

سكت البابا قليلا، ثم قال: ثم عد الشاعر مفصلا مغازي رسول الله r [13].. ثم قال بعدها:

فَهَذِهِ الغَزَواتُ الغُرُّ شامِلَةً
 

جَمعَ البُعُوثِ كَدُرٍّ لاحَ في نُظُمِ
  

نَظَمتُها راجِياً نَيلَ الشَّفاعَةِ مِن
 

خَيرِ البَرايا وَمَولى العُربِ وَالعَجَمِ
  

هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَولاهُ ما قُبِلَت
 

رَجاةُ آدمَ لَمّا زَلَّ في القِدَمِ
  

حَسبِي بِطَلعَتِهِ الغَرّاءِ مَفخَرَةً
 

لَمّا اِلتَقَيتُ بِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
  

وَقَد حَباني عَصاهُ فَاِعتَصَمتُ بِها
 

في كُلِّ هَولٍ فَلم أَفزَع وَلَم أَهِمِ
  

فَهيَ الَّتي كانَ يَحبُو مِثلَها كَرَماً
 

لِمَن يَوَدُّ وَحَسبِي نسبَةً بِهِمِ
  

لَم أَخشَ مِن بَعدِها ما كُنتُ أَحذَرُهُ
 

وَكَيفَ وَهيَ الَّتي تُنجي مِنَ الغُمَمِ
  

كَفى بِها نِعمَةً تَعلُو بِقيمَتِها
 

نَفسِي وَإِن كُنتُ مَسلوباً مِنَ القِيَمِ
  

وَما أُبَرِّئُ نَفسي وَهيَ آمِرَةٌ
 

بِالسُوءِ ما لَم تَعُقها خيفَةُ النَّدَمِ
  

فَيا نَدامَةَ نَفسي في المَعادِ إِذا
 

تَعَوَّذَ المَرءُ خَوفَ النُطقِ بِالبَكمِ
  

لَكِنَّني وَاثِقٌ بِالعَفو مِن مَلِكٍ
 

يَعفُو بِرَحمَتِهِ عَن كُلِّ مُجتَرِمِ
  

وَسَوفَ أَبلُغُ آمالي وَإِن عَظُمَت
 

جَرائِمي يَومَ أَلقى صاحِبَ العَلَمِ
  

هُوَ الَّذي يَنعَشُ المَكرُوبَ إِذ عَلِقَت
 

بِهِ الرَّزايا وَيُغني كُلَّ ذي عَدَمِ
  

هَيهاتَ يَخذُلُ مَولاهُ وَشاعِرَهُ
 

في الحَشرِ وَهوَ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
  

فَمَدحُهُ رَأسُ مالي يَومَ مُفتَقَرِي
 

وَحُبُّهُ عِزُّ نَفسي عِندَ مُهتَضَمِي
  

وَهَبتُ نَفسِي لَهُ حُبّا وَتَكرِمَة
 

فَهَل تَراني بَلَغتُ السُّؤلَ مِن سَلَمي
  

إِنِّي وَإِن مالَ بي دَهري وَبَرَّحَ بي
 

ضَيمٌ أَشاطَ عَلى جَمرِ النَّوى أَدَمي
  

لثابِتُ العَهدِ لَم يَحلُل قُوى أَمَلِي
 

يَأسٌ وَلَم تَخطُ بِي في سَلوَةٍ قَدَمي
  

لَم يَترُكِ الدَّهرُ لي ما أَستَعِينُ بِهِ
 

عَلى التَّجَمُّلِ إِلّا ساعِدي وَفَمِي
  

هَذا يُحَبِّرُ مَدحي في الرَّسولِ وَذا
 

يَتلُو عَلى الناسِ ما أُوحيهِ مِن كَلِمِي
  

يا سَيِّدَ الكَونِ عَفواً إِن أَثِمتُ فَلي
 

بِحُبِّكُم صِلَةٌ تُغنِي عَنِ الرَّحِمِ
  

كَفى بِسَلمانَ لِي فَخراً إِذا انتَسَبَت
 

نَفسي لَكُم مِثلَهُ في زُمرَةِ الحَشَمِ
  

وَحسنُ ظَنِّي بِكُم إِن مُتُّ يَكلَؤُني
 

مِن هَولِ ما أَتَّقي فِي ظُلمَةِ الرَّجَمِ
  

تَاللَّهِ ما عاقَني عَن حَيِّكُم شَجَنٌ
 

لَكِنَّنِي مُوثَقٌ في رِبقَةِ السَّلَمِ
  

فَهَل إِلى زَورَةٍ يَحيا الفُؤادُ بِها
 

ذَرِيعَةٌ أَبتَغيها قَبلَ مُختَرَمِي
  

شَكَوتُ بَثِّي إِلى رَبِّي لِيُنصِفَني
 

مِن كُلِّ باغٍ عَتِيدِ الجَورِ أَوهكمِ
  

وَكَيفَ أَرهَبُ حَيفا وَهوَ مُنتَقِمٌ
 

يَهابُهُ كُلُّ جَبّارٍ وَمُنتَقِمِ
  

لا غَروَ إِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنهُ فَقَد
 

أَنزَلتُ مُعظَمَ آمالي بِذي كَرَمِ
  

يا مالِكَ المُلكِ هَب لِي مِنكَ مَغفِرَةً
 

تَمحُو ذُنُوبي غَداةَ الخَوفِ وَالنَّدَمِ
  

وَاِمنُن عَلَيَّ بِلُطفٍ مِنكَ يَعصِمُني
 

زَيغَ النُّهى يَومَ أَخذِ المَوتِ بِالكَظَمِ
  

لَم أَدعُ غَيرَكَ فِيما نابَني فَقِني
 

شَرَّ العَواقِبِ وَاِحفَظنِي مِنَ التُّهَمِ
  

حاشا لِراجيكَ أَن يَخشى العِثارَ وَما
 

بَعدَ الرَّجاءِ سِوى التَّوفيقِ لِلسَّلَمِ
  

وَكَيفَ أَخشى ضَلالاً بَعدَما سَلَكَت
 

نَفسِي بِنُورِ الهُدى في مَسلَكٍ قِيَمِ
  

وَلِي بِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ مَنزِلَةٌ
 

أَرجُو بِها الصَّفحَ يَومَ الدِّينِ عَن جُرُمِي
  

لا أَدَّعي عِصمَةً لَكِن يَدِي عَلِقَت
 

بِسَيِّدٍ مَن يَرِد مَرعاتَهُ يَسُمِ
  

خَدَمتُهُ بِمَديحي فَاِعتَلَوتُ عَلى
 

هامِ السِّماكِ وَصارَ السَّعدُ مِن خَدَمِي
  

وَكَيفَ أَرهَبُ ضَيماً بَعدَ خِدمَتِهِ
 

وَخادِمُ السَّادَةِ الأَجوادِ لَم يُضَمِ
  

أَم كَيفَ يَخذُلُنِي مِن بَعدِ تَسمِيَتِي
 

بِاسمٍ لَهُ في سَماءِ العَرشِ مُحتَرَمِ
  

أَبكانِيَ الدَّهرُ حَتّى إِذ لَجِئتُ بِهِ
 

حَنا عَلَيَّ وَأَبدى ثَغرَ مُبتَسِمِ
  

فَهوَ الَّذي يَمنَحُ العافِينَ ما سَأَلُوا
 

فَضلاً وَيَشفَعُ يَومَ الدِّينِ في الأُمَمِ
  

نُورٌ لِمُقتَبِسٍ ذُخرٌ لِمُلتَمِسٍ
 

حِرزٌ لِمُبتَئِسٍ كَهفٌ لِمُعتَصِمِ
  

بَثَّ الرَّدى وَالنَّدى شَطرَينِ فَاِنبَعَثا
 

فِيمَن غَوى وَهَدى بِالبُؤسِ وَالنِّعَمِ
  

فَالكُفرُ مِن بَأسِهِ المَشهورِ في حَرَبٍ
 

وَالدِّينُ مِن عَدلِهِ المَأثُورِ في حَرَمِ
  

هَذا ثَنائِي وَإِن قَصَّرتُ فيهِ فَلي
 

عُذرٌ وَأَينَ السُّها مِن كَفِّ مُستَلِمِ
  

هَيهاتَ أَبلُغُ بِالأَشعارِ مدَحتَهُ
 

وَإِن سَلَكتُ سَبيلَ القالَةِ القُدُمِ
  

ماذا عَسى أَن يَقُولَ المادِحُونَ وَقَد
 

أَثنى عَلَيهِ بِفَضلٍ مُنزلُ الكَلِمِ
  

فَهاكَها يا رَسُولَ اللَّهِ زاهِرَةً
 

تُهدِي إِلى النَّفسِ رَيّا الآسِ وَالبَرَمِ
  

وَسمتُها بِاسمِكَ العَالي فَأَلبَسنَها
 

ثَوباً مِنَ الفَخرِ لا يَبلى عَلى القِدَمِ
  

غَرِيبَةٌ في إِسارِ البَينِ لَو أَنِسَت
 

بِنَظرَةٍ مِنكَ لاستغنَت عَنِ النَّسَمِ
  

لَم أَلتَزِم نَظمَ حَبّاتِ البَديعِ بِها
 

إِذ كانَ صَوغُ المَعانِي الغُرِّ مُلتَزمِي
  

وَإِنَّما هِيَ أَبياتٌ رَجَوتُ بِها
 

نَيلَ المُنى يَومَ تَحيا بَذَّةُ الرِّمَمِ
  

نَثَرتُ فِيها فَرِيدَ المَدحِ فَاِنتَظَمَت
 

أَحسِن بِمُنتَثِرٍ مِنها وَمُنتَظِمِ
  

صَدَّرتُها بِنَسِيبٍ شَفَّ باطِنُهُ
 

عَن عِفَّةٍ لَم يَشِنها قَولُ مُتَّهِمِ
  

لَم أَتَّخِذهُ جُزافاً بَل سَلَكتُ بِهِ
 

فِي القَولِ مَسلَكَ أَقوامٍ ذَوي قَدَمِ
  

تابَعتُ كَعباً وَحَسّاناً وَلِي بِهِما
 

في القَولِ أُسوَةُ بَرٍّ غَيرِ مُتَّهَمِ
  

وَالشِّعرُ مَعرَضُ أَلبابٍ يُروجُ بِهِ
 

ما نَمَّقَتهُ يَدُ الآدابِ وَالحِكَمِ
  

فَلا يَلُمنِي عَلى التَّشبِيبِ ذُو عَنَتٍ
 

فَبُلبُلُ الرَّوضِ مَطبُوعٌ عَلَى النَّغَمِ
  

وَلَيسَ لِي رَوضَةٌ أَلهُو بِزَهرَتِها
 

في مَعرَضِ القَولِ إِلّا رَوضَةُ الحَرَمِ
  

فَهيَ الَّتِي تَيَّمَت قَلبي وَهِمتُ بِها
 

وَجداً وَإِن كُنتُ عَفَّ النَّفسِ لَم أَهِمِ
  

مَعاهِدٌ نَقَشَت في وَجنَتيَّ لَها
 

أَيدِي الهَوى أَسطُراً مِن عَبرَتِي بِدَمِ
  

يا حادِيَ العِيسِ إِن بَلَّغتَني أَمَلي
 

مِن قَصدِهِ فَاِقتَرِح ما شِئتَ وَاِحتَكِمِ
  

سِر بِالمَطايا وَلا تَرفَق فَلَيسَ فَتىً
 

أَولى بِهَذا السُّرى مِن سائِقٍ حُطَمِ
  

وَلا تَخَف ضَلَّةً وَاِنظُر فَسَوفَ تَرى
 

نُوراً يُريكَ مَدَبَّ الذَّرِ فِي الأَكَمِ
  

وَكَيفَ يَخشى ضَلالاً مَن يَؤُمُّ حِمى
 

مُحَمَّدٍ وَهوَ مِشكاةٌ عَلَى عَلَمِ
  

هَذِي مُنايَ وَحَسبي أَن أَفوزَ بِها
 

بِنِعمَةِ اللَّهِ قَبلَ الشَّيبِ وَالهَرَمِ
  

وَمَن يَكُن راجِياً مَولاهُ نالَ بِهِ
 

ما لَم يَنَلهُ بِفَضلِ الجِدِّ وَالهِمَمِ
  

فاسجُد لَهُ وَاِقترِب تَبلُغ بِطاعَتِهِ
 

ما شِئتَ في الدَّهرِ مِن جاهٍ وَمِن عِظَمِ
  

هَوَ المَليكُ الَّذي ذَلَّت لِعِزَّتِهِ
 

أَهلُ المَصانِعِ مِن عادٍ وَمِن إِرَمِ
  

يُحيي البَرايا إِذا حانَ المَعادُ كَما
 

يُحيي النَّباتَ بِشُؤبوبٍ مِنَ الدِّيَمِ
  

يا غافِرَ الذَّنبِ وَالأَلبابُ حائِرَةٌ
 

في الحَشرِ وَالنارُ تَرمي الجَوَّ بِالضَّرَمِ
  

حاشا لِفَضلِكَ وَهوَ المُستَعاذُ بِهِ
 

أَن لا تَمُنَّ عَلى ذِي خَلَّةٍ عَدِمِ
  

إِنّي لَمُستَشفِعٌ بِالمُصطَفى وَكَفى
 

بِهِ شَفِيعاً لَدى الأَهوالِ وَالقُحَمِ
  

فَاقبَل رَجائِي فَمالي مَن أَلوذُ بِهِ
 

سِواكَ في كُلِّ ما أَخشاهُ مِن فَقَمِ
  

وَصَلِّ رَبِّ عَلى المُختارِ ما طَلَعَت
 

شَمسُ النَّهارِ وَلاحَت أَنجُمُ الظُّلَمِ
  

وَالآلِ وَالصَّحبِ وَالأَنصارِ مَن تَبِعُوا
 

هُداهُ وَاِعتَرَفوا بِالعَهدِ وَالذِّمَمِ
  

وَامنُن عَلى عَبدِكَ العانِي بِمَغفِرَةٍ
 

تَمحُو خَطاياهُ في بَدءٍ وَمُختَتَمِ
  

قلت: بورك في هذا الشاعر الفاضل.. لقد تألم المسكين كثيرا في حياته.

قال: من قال مثل هذه الأبيات لا يتألم.. فالحب إكسير أحمر يحول الألم لذة.. والتعب راحة.. والحزن سرورا.

قلت: صدقت.. ومذ هجر الناس هذا الحب الشريف وقعوا ضحية للمخدرات والخمور والليالي الماجنة..

قال: وفوق ذلك صرتم تسمعون بالانتحار الذي لم يسمع به أسلافكم.

قلت: فهل ترى نشر مثل هذا الحب الشريف يقي الأمة مثل هذه الأوباء؟

قال: لا يقيها فقط.. بل يرفعها لتعتلي عرش الحضارة الذي نزلت منه بعد هجرها لحبيبها.

أحمد شوقي:

قلت: لاشك أن من أكبر المعارضين للبردة أحمد شوقي.

قال: أجل.. فله في ذلك قصيدته العصماء ( نهج البردة ) والتى صاغها على نسق البردة للإمام البوصيرى.

قلت: لقد كان شوقى ذا ذوق رفيع وأدب عال جعله يعترف بأفضلية الإمام البوصيرى، وسبقه عليه، فقال:

يا أحمد الخير، لى جاه بتسميتى
 

وكيف لا يتسامى بالنبى سمى؟
  

المادحونوأرباب الهوى تبع
 

لصاحب البردة الفيحاء ذى القدم
  

مديحه فيك حب خالص وهى
 

وصادق الحب يملى صادق الكلم
  

الله يشهد أنى لا أعارضه
 

من ذا يعارض صوب العارض العمم
  

و إنما أنا بعض الغابطينومن
 

يغبط وليك لا يذممولا يُلم
  

قال: أجل.. ومما ورد فيها من مدح النبي r:

لزِمتُ بابَ أَمير الأَنبياءِ, ومَنْ
 

يُمْسِكْ بمِفتاح باب الله يغتنِمِ
  

فكلُّ فضلٍ, وإِحسانٍ, وعارفةٍ
 

ما بين مستلمٍ منه ومُلتزمِ
  

علقتُ من مدحهِ حبلاً أعزُّ به
 

في يوم لا عِزَّ بالأَنسابِ واللُّحَمِ
  

يُزرِي قَرِيضِي زُهَيْرًا حين أَمدحُه
 

ولا يقاسُ إِلى جودي لدَى هَرِمِ
  

محمدٌ صفوةُ الباري, ورحمتُه
 

وبغيَةُ الله من خَلْقٍ ومن نَسَمِ
  

وصاحبُ الحوض يومَ الرُّسْلُ سائلةٌ
 

متى الورودُ? وجبريلُ الأَمين ظَمي
  

سناؤه وسناهُ الشمسُ طالعةً
 

فالجِرمُ في فلكٍ, والضوءُ في عَلَمِ
  

قد أَخطأَ النجمَ ما نالت أُبوَّتُه
 

من سؤددٍ باذخ في مظهَرٍ سَنِم
  

نُمُوا إِليه, فزادوا في الورَى شرَفًا
 

ورُبَّ أَصلٍ لفرع في الفخارِ نُمي
  

حَوَاه في سُبُحاتِ الطُّهرِ قبلهم
 

نوران قاما مقام الصُّلبِ والرَّحِم
  

لما رآه بَحيرا قال: نعرِفُه
 

بما حفظنا من الأَسماءِ والسِّيمِ
  

سائلْ حِراءَ, وروحَ القدس: هل عَلما
 

مَصونَ سِرٍّ عن الإِدراكِ مُنْكَتِمِ؟
  

كم جيئةٍ وذهابٍ شُرِّفتْ بهما
 

بَطحاءُ مكة في الإِصباح والغَسَمِ
  

ووحشةٍ لابنِ عبد الله بينهما
 

أَشهى من الأُنس بالأَحباب والحشَمِ
  

يُسامِر الوحيَ فيها قبل مهبِطه
 

ومَن يبشِّرْ بسِيمَى الخير يَتَّسِمِ
  

لما دعا الصَّحْبُ يستسقونَ من ظمإٍ
 

فاضتْ يداه من التسنيم بالسَّنِمِ
  

وظلَّلَته, فصارت تستظلُّ به
 

غمامةٌ جذَبَتْها خِيرةُ الديَمِ
  

محبةٌ لرسولِ اللهِ أُشرِبَها
 

قعائدُ الدَّيْرِ, والرُّهبانُ في القِممِ
  

إِنّ الشمائلَ إِن رَقَّتْ يكاد بها
 

يُغْرَى الجَمادُ, ويُغْرَى كلُّ ذي نَسَمِ
  

ونودِيَ: اقرأْ. تعالى اللهُ قائلُها
 

لم تتصلْ قبل مَن قيلتْ له بفمِ
  

هناك أَذَّنَ للرحمنِ, فامتلأَت
 

أَسماعُ مكَّةَ مِن قُدسيّة النَّغمِ
  

فلا تسلْ عن قريش كيف حَيْرتُها؟
 

وكيف نُفْرتُها في السهل والعَلمِ؟
  

تساءَلوا عن عظيمٍ قد أَلمَّ بهم
 

رمَى المشايخَ والولدانَ باللَّممِ
  

يا جاهلين على الهادي ودعوتِه
 

هل تجهلون مكانَ الصادِقِ العَلمِ؟
  

لقَّبتموهُ أَمينَ القومِ في صِغرٍ
 

وما الأَمينُ على قوْلٍ بمتّهَمِ
  

فاق البدورَ, وفاق الأَنبياءَ, فكمْ
 

بالخُلْق والخَلق مِن حسْنٍ ومِن عِظمِ
  

جاءَ النبيون بالآياتِ, فانصرمت
 

وجئتنا بحكيمٍ غيرِ مُنصَرمِ
  

آياتُه كلّما طالَ المدَى جُدُدٌ
 

يَزِينُهنّ جلالُ العِتق والقِدمِ
  

يكاد في لفظةٍ منه مشرَّفةٍ
 

يوصِيك بالحق, والتقوى, وبالرحمِ
  

يا أَفصحَ الناطقين الضادَ قاطبةً
 

حديثُك الشّهدُ عند الذائقِ الفهِمِ
  

حَلَّيتَ من عَطَلٍ جِيدَ البيانِ به
 

في كلِّ مُنتَثِر في حسن مُنتظِمِ
  

بكلِّ قولٍ كريمٍ أَنت قائلُه
 

تُحْيي القلوبَ, وتُحْيي ميِّتَ الهِممِ
  

سَرَتْ بشائِرُ بالهادي ومولِده
 

في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ
  

تخطَّفتْ مُهَجَ الطاغين من عربٍ
 

وطيَّرت أَنفُسَ الباغين من عجمِ
  

رِيعت لها شُرَفُ الإِيوان, فانصدعت
 

من صدمة الحق, لا من صدمة القُدمِ
  

أَتيتَ والناسُ فَوْضَى لا تمرُّ بهم
 

إِلاّ على صَنم, قد هام في صنمِ
  

والأَرض مملوءَةٌ جورًا, مُسَخَّرَةٌ
 

لكلّ طاغيةٍ في الخَلْق مُحتكِمِ
  

مُسَيْطِرُ الفرْسِ يبغى في رعيّتهِ
 

وقيصرُ الروم من كِبْرٍ أَصمُّ عَمِ
  

يُعذِّبان عبادَ اللهِ في شُبهٍ
 

ويذبَحان كما ضحَّيتَ بالغَنَمِ
  

والخلقُ يَفْتِك أَقواهم بأَضعفِهم
 

كاللَّيث بالبَهْم, أَو كالحوتِ بالبَلَمِ
  

أَسرَى بك اللهُ ليلاً, إِذ ملائكُه
 

والرُّسْلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
  

لما خطرتَ به التفُّوا بسيدِهم
 

كالشُّهْبِ بالبدرِ, أَو كالجُند بالعَلمِ
  

صلى وراءَك منهم كلُّ ذي خطرٍ
 

ومن يفُز بحبيبِ الله يأْتممِ
  

جُبْتَ السمواتِ أَو ما فوقهن بهم
 

على منوّرةٍ دُرِّيَّةِ اللُّجُمِ
  

رَكوبة لك من عزٍّ ومن شرفٍ
 

لا في الجيادِ, ولا في الأَيْنُق الرسُمِ
  

مَشِيئةُ الخالق الباري, وصَنعتُه
 

وقدرةُ الله فوق الشك والتُّهَمِ
  

حتى بلغتَ سماءً لا يُطارُ لها
 

على جَناحٍ, ولا يُسْعَى على قَدمِ
  

وقيل: كلُّ نبيٍّ عند رتبتِه
 

ويا محمدُ, هذا العرشُ فاستلمِ
  

خطَطت للدين والدنيا علومَهما
 

يا قارئَ اللوح, بل يا لامِسَ القَلمِ
  

أَحطْتَ بينهما بالسرِّ, وانكشفتْ
 

لك الخزائنُ من عِلْم, ومن حِكمِ
  

وضاعَفَ القُربُ ماقُلِّدْتَ من مِنَنٍ
 

بلا عِدادٍ, وما طُوِّقتَ من نِعمِ
  

سلْ عصبةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً
 

لولا مطاردةُ المختار لم تُسمِ
  

هل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ, أَم سمِعوا
 

همْسَ التسابيحِ والقرآن من أَمَمِ؟
  

وهل تمثّل نسجُ العنكبوتِ لهم
 

كالغابِ, والحائماتُ الزُّغْبُ كالرخمِ؟
  

فأَدبروا, ووجوهُ الأَرضِ تلعنُهم
 

كباطلٍ من جلالِ الحق منهزِمِ
  

لولا يدُ اللهِ بالجارَيْنِ ما سلِما
 

وعينُه حولَ ركنِ الدين; لم يقمِ
  

توارَيا بجَناح اللهِ, واستترَا
 

ومن يضُمُّ جناحُ الله لا يُضَمِ
  

ومما ورد فيها من وصف النبي r ورد الشبهات المثارة حول رسالته:

البدرُ دونكَ في حُسنٍ وفي شَرفٍ
 

والبحرُ دونك في خيرٍ وفي كرمِ
  

شُمُّ الجبالِ إِذا طاولتَها انخفضت
 

والأَنجُمُ الزُّهرُ ما واسمتَها تسِمِ
  

والليثُ دونك بأْسًا عند وثبتِه
 

إِذا مشيتَ إِلى شاكي السلاح كَمِي
  

تهفو إِليكَ - وإِن أَدميتَ حبَّتَها
 

في الحربِ - أَفئدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ
  

محبةُ اللهِ أَلقاها, وهيبتُه
 

على ابن آمنةٍ في كلِّ مُصطَدَمِ
  

كأَن وجهَك تحت النَّقْع بدرُ دُجًى
 

يضيءُ مُلْتَثِمًا, أَو غيرَ مُلتثِمِ
  

بدرٌ تطلَّعَ في بدرٍ, فغُرَّتُه
 

كغُرَّةِ النصر, تجلو داجيَ الظلَمِ
  

ذُكِرْت باليُتْم في القرآن تكرمةً
 

وقيمةُ اللؤلؤ المكنونِ في اليُتمِ
  

اللهُ قسّمَ بين الناسِ رزقَهُمُ
 

وأَنت خُيِّرْتَ في الأَرزاق والقِسمِ
  

إِن قلتَ في الأَمرِ:"لا", أَو قلتَ فيه: "نعم"
 

فخيرَةُ اللهِ في "لا" منك أَو "نعمِ"
  

أَخوك عيسى دَعَا ميْتًا, فقام لهُ
 

وأَنت أَحييتَ أَجيالاً مِن الرِّممِ
  

والجهْل موتٌ, فإِن أُوتيتَ مُعْجِزةً
 

فابعثْ منالجهل,أَو فابعثْ من الرَّجَمِ
  

قالوا: غَزَوْتَ, ورسْلُ اللهِ ما بُعثوا
 

لقتْل نفس, ولا جاءُوا لسفكِ دمِ
  

جهلٌ, وتضليلُ أَحلامٍ, وسفسطةٌ
 

فتحتَ بالسيفِ بعد الفتح بالقلمِ
  

لما أَتى لكَ عفوًا كلُّ ذي حَسَبٍ
 

تكفَّلَ السيفُ بالجهالِ والعَمَمِ
  

والشرُّ إِن تَلْقَهُ بالخيرِ ضِقتَ به
 

ذَرْعًا, وإِن تَلْقَهُ بالشرِّ يَنحسِمِ
  

سَل المسيحيّةَ الغراءَ: كم شرِبت
 

بالصّاب من شَهوات الظالم الغَلِمِ
  

طريدةُ الشركِ, يؤذيها, ويوسعُها
 

في كلِّ حينٍ قتالاً ساطعَ الحَدَمِ
  

لولا حُماةٌ لها هبُّوا لنصرَتِها
 

بالسيف; ما انتفعتْ بالرفق والرُّحَمِ
  

لولا مكانٌ لعيسى عند مُرسِلهِ
 

وحُرمَةٌ وجبتْ للروح في القِدَمِ
  

لَسُمِّرَ البدَنُ الطُّهرُ الشريفُ على
 

لَوْحَيْن, لم يخشَ مؤذيه, ولم يَجمِِ
  

جلَّ المسيحُ, وذاقَ الصَّلبَ شانِئهُ
 

إِن العقابَ بقدرِ الذنبِ والجُرُمِ
  

أَخُو النبي, وروحُ اللهِ في نُزُل
 

فُوقَ السماءِ ودون العرشِ مُحترَمِ
  

علَّمْتَهم كلَّ شيءٍ يجهلون به
 

حتى القتالَ وما فيه من الذِّمَمِ
  

دعوتَهم لِجِهَادٍ فيه سؤددُهُمْ
 

والحربُ أُسُّ نظامِ الكونِ والأُممِ
  

لولاه لم نر للدولاتِ في زمن
 

ما طالَ من عمد, أَو قَرَّ من دُهُمِ
  

تلك الشواهِدُ تَتْرَى كلَّ آونةٍ
 

في الأَعصُر الغُرِّ,لا في الأَعصُر الدُّهُمِ
  

بالأَمس مالت عروشٌ, واعتلت سُرُرٌ
 

لولا القذائفُ لم تثْلَمْ, ولم تصمِ
  

أَشياعُ عيسى أَعَدُّوا كلَّ قاصمةٍ
 

ولم نُعِدّ سِوى حالاتِ مُنقصِمِ
  

مهما دُعِيتَ إِلى الهيْجَاءِ قُمْتَ لها
 

ترمي بأُسْدٍ, ويرمي اللهُ بالرُّجُمِ
  

على لِوَائِكَ منهم كلُّ مُنتقِمٍ
 

لله, مُستقتِلٍ في اللهِ, مُعتزِمِ
  

مُسبِّح للقاءِ اللهِ, مُضطرِمٍ
 

شوقاً, على سابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ
  

لو صادفَ الدَّهرَ يَبغِي نقلةً, فرمى
 

بعزمِهِ في رحالِ الدهرِ لم يَرِمِ
  

بيضٌ, مَفاليلُ من فعلِ الحروبِ بهم
 

من أَسْيُفِ اللهِ, لا الهندِية الخُذُمِ
  

كم في الترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ
 

من ماتَ بالعهدِ,أَو من مات بالقسَمِ
  

لولا مواهبُ في بعضِ الأَنام لما
 

تفاوت الناسُ في الأَقدار والقِيَمِ
  

شريعةٌ لك فجرت العقولَ بها
 

عن زاخِرٍ بصنوفِ العلم ملتطِمِ
  

يلوحُ حولَ سنا التوحيدِ جوهرُها
 

كالحلْي للسيف أَو كالوشْي للعَلمِ
  

غرّاءُ, حامت عليها أَنفسٌ, ونُهًى
 

ومن يَجدْ سَلسَلاً من حكمةٍ يَحُمِ
  

نورُ السبيل يساس العالَمون بها
 

تكفَّلتْ بشباب الدهرِ والهَرَمِ
  

يجري الزمّانُ وأَحكامُ الزمانِ على
 

حُكم لها, نافِذٍ في الخلق, مُرْتَسِمِ
  

لمَّا اعْتلَت دولةُ الإِسلامِ واتسَعت
 

مشتْ ممالِكُهُ في نورِها التَّممِ
  

وعلَّمتْ أُمةً بالقفر نازلةً
 

رعْيَ القياصرِ بعد الشَّاءِ والنَّعَمِ
  

كم شَيَّد المصلِحُون العاملون بها
 

في الشرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
  

للعِلم, والعدلِ, والتمدينِ ما عزموا
 

من الأُمور, وما شدُّوا من الحُزُمِ
  

سرعان ما فتحوا الدنيا لِملَّتِهم
 

وأَنهلوا الناسَ من سَلسالها الشَّبِمِ
  

ساروا عليها هُداةَ الناس, فَهْي بهم
 

إِلى الفلاحِ طريقٌ واضحُ العَظَمِ
  

لا يهدِمُ الدَّهرُ رُكنًا شاد عدلُهُمُ
 

وحائط البغي إِن تلمسْهُ ينهدِمِ
  

نالوا السعادةَ في الدَّارين, واجتمعوا
 

على عميم من الرضوان مقتسمِ
  

دعْ عنك روما, وآثِينا, وما حَوَتا
 

كلُّ اليواقيت في بغدادَ والتُّوَمِ
  

وخلِّ كِسرى, وإِيوانًا يدِلُّ به
 

هوى على أَثَرِ النيران والأيُمِ
  

واتْرُكْ رعمسيسَ, إِن الملكَ مَظهرهُ
 

في نهضة العدل, لا في نهضة الهرَمِ
  

دارُ الشرائع روما كلّما ذُكرَتْ
 

دارُ السلام لها أَلقتْ يدَ السَّلَمِ
  

ما ضارَعَتها بيانًا عند مُلْتَأَم
 

ولا حَكَتها قضاءً عند مُختصَمِ
  

ولا احتوت في طِرازٍ مِن قياصِرها
 

على رشيدٍ, ومأْمونٍ, ومُعتصِمِ
  

من الذين إِذا سارت كتائبُهم
 

تصرّفوا بحدود الأَرض والتخُمِ
  

ويجلسونَ إِلى علمٍ ومَعرفةٍ
 

فلا يُدانَوْن في عقل ولا فَهَمِ
  

يُطأْطئُ العلماءُ الهامَ إِن نَبَسُوا
 

من هيبةِ العلْم, لا من هيبة الحُكُمِ
  

ويُمطِرون, فما بالأَرضِ من مَحَلٍ
 

ولا بمن بات فوق الأَرضِ من عُدُمِ
  

خلائفُ الله جلُّوا عن موازنةٍ
 

فلا تقيسنّ أَملاكَ الورى بهمِ
  

مَنْ في البرية كالفاروق مَعْدَلَةً?
 

وكابن عبد العزيز الخاشعِ الحشمِ?
  

وكالإِمام إِذا ما فَضَّ مزدحمًا
 

بمدمع في مآقي القوم مزدحمِ
  

الزاخر العذْب في علْم وفي أَدبٍ
 

والناصر النَّدْب في حرب وفي سلمِ؟
  

أَو كابن عفّانَ والقرآنُ في يدِهِ
 

يحنو عليه كما تحنو على الفُطُمِ
  

ويجمع الآي ترتيبًا وينظمُها
 

عقدًا بجيد الليالي غير منفصِمِ؟
  

جُرحان في كبدِ الإِسلام ما التأَما
 

جُرْحُ الشهيد, وجرحٌ بالكتاب دمي
  

وما بلاءُ أَبي بكر بمتَّهم
 

بعد الجلائل في الأَفعال والخِدمِ
  

بالحزم والعزم حاطَ الدين في محنٍ
 

أَضلَّت الحلم من كهلٍ ومحتلمِ
  

وحِدْنَ بالراشد الفاروق عن رشدٍ
 

في الموت, وهو يقينٌ غير منبَهمِ
  

يجادِلُ القومَ مُسْتَلاًّ مهنَّدَه
 

في أَعظم الرسْلِ قدرًا, كيف لم يدمِ؟
  

لا تعذلوه إِذا طاف الذهولُ به
 

مات الحبيبُ, فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
  

يا ربِّ صَلِّ وسلِّم ما أَردتَ على
 

نزيل عرشِك خيرِ الرسْل كلِّهمِ
  

مُحيي الليالي صلاةً, لا يقطِّعُها
 

إِلاَّ بدمع من الإِشفاق مُنسجمِ
  

مسبِّحًا لك جُنْحَ الليل, محتملاً
 

ضُرًّا من السُّهد, أَو ضُرًّا من الورَمِ
  

رضيَّة نفسُه, لا تشتكي سأمًا
 

وما مع الحبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ
  

وصلِّ ربِّي على آلٍ لهُ نُخَبٍ
 

جعلتَ فيهم لواءَ البيتِ والحرمِ
  

بيضُ الوجوه, ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ
 

شُمُّ الأُنوف, وأَنفُ الحادثات حمي
  

وأَهد خيرَ صلاةٍ منك أَربعةً
 

في الصحب, صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ
  

الراكبين إِذا نادى النبيُّ بهم
 

ما هال من جَلَلٍ, واشتد من عَمَمِ
  

الصابرين ونفسُ الأَرض واجفةٌ
 

الضاحكين إِلى الأَخطار والقُحَمِ
  

يا ربِّ, هبتْ شعوبٌ من منيّتها
 

واستيقظت أُمَمٌ من رقْدة العدمِ
  

سعدٌ, ونحسٌ, ومُلكٌ أَنت مالِكه
 

تُديلُ مِنْ نِعَم فيه, ومِنْ نِقَمِ
  

رأَى قضاؤك فينا رأْيَ حكمتِه
 

أَكرِمْ بوجهك من قاضٍ ومنتقمِ
  

فالطُفْ لأَجلِ رسولِ العالمين بنا
 

ولا تزدْ قومَه خسفًا, ولا تُسمِ
  

يا ربِّ, أَحسنت بَدءَ المسلمين به
 

فتمِّم الفضلَ, وامنحْ حُسنَ مُخْتَتَمِ
  

السيد عبدالله بن أحمد الهدار الحضرمي:

قلت: ومن الصالحين الذين سمعت أنهم ساروا على أقدام البردة الشريفة السيد عبدالله بن أحمد الهدار الحضرمي.

قال: أجل.. ذلك الشاعر الصالح المحب..

قلت: فارو لي من قصيدته ما يذكرنا بالحبيب..

قال: لا بأس.. يقول في قصيدته العصماء في مدح حبيبه r:

أبيت أرعى نجوم الليل في الظلم
 

لم تغمض العين من وجدي ولم تنم
  

أبيت ليلي أناجي الشهب مرتقباً
 

ضوء الصباح كملسوع من الصمم
  

والقلب ما زال خفّاقاً ومضطرباً
 

مما احتوى من عظيم الشوق والألم
  

والعين تذرف بالدمع الغزير أسى
 

من لوعة الوجد يحكي فائض الديم
  

يا قلب مالك طول الدهر مضطرباً
 

لم تستفق وإذا قيل استفق تهم
  

رميتني عامداً قصداً بلا سبب
 

هل ينبغي الرمي للأحباب بالحمم
  

رفقاً على دنف رفقاً على كلف
 

من الصبابة والأشواق في سقم
  

سقم الصبابة في قلبي له ضرم
 

أواه من لوعة الأشواق والضرم
  

ليت الحرارة من قلبي قد انطفأت
 

ياليتها أصبحت كالمورد الشبم
  

أبيت ليلي من الأشواق في قلق
 

والقلب يخفق من شجواه كالعلم
  

وجدد الوجد والأشواق مذ نظرت
 

عيناي برقاً بدا في الليل من إضم
  

تذكر القلب والذكرى مهيجة
 

أهل الحجون وأهل البان والعلم
  

وبات ليلاً يعاني حر لوعته
 

وفي عناء من الأشجان والسدم
  

وحالة الصب لا تخفى على أحد
 

فالعين شكرى وقد فاضت بمنسجم
  

وكيف يستر حباً غير مستتر
 

هيهات ليس بمخفي ومكتتم
  

يا عاذلاً جاء باسم النصح يعذلني
 

كأنه غير ذي عذل ومتهم
  

رويدك العذل لا يثني الفتى أبداً
 

عن حبه فانكفف عنه ولا تلم
  

لو كنت تعرف أسرار المحبة ما
 

عذلته فدع الأسرار للفهم
  

والحب سر به نفسي لقد علقت
 

وما بلغت لعمري حلم محتلم
  

والنفس إن أصبحت في الحب مولعة
 

فلا ترم كبح حب النفس باللجم
  

لا تترك النفس مألوفاً لها أبداً
 

وإن يكن يصم الإنسان أو يصم
  

والنفس أمارة بالسوء إن جمحت
 

رمتك في حمأة أو مأزق وخم
  

كالخيل إن روضت سارت بصاحبها
 

هوناً وإن أهملت بالغير تصطدم
  

ثم يقول:

بسيد الخلق شمس الحق معتصمي
 

محمد خير معصوم ومعتصم
  

له فررت حبيب الله حجته
 

ومصدر الفضل والعرفان والكرم
  

أصل الوجود وروح الكون بهجته
 

زين الشمائل والآداب والشيم
  

مطهر الأرض من رجس ومن درن
 

من عابدي وثن من عابدي صنم
  

لله من منقذ الإنسان من سقر
 

خير البرية من عرب ومن عجم
  

لولاه ما سارت الركبان عن طرب
 

إلى مدينته الغراء والحرم
  

أسمى الورى فطرة أعلاهم نسباً
 

أرقى الخليقة في قدس وفي العظم
  

أصوله طهر المولى عقائدهم
 

طهراً جرى سابقاً من سالف القدم
  

كرامة وامتيازاً للحبيب
 

عليه الله صلى عظيم الشان والهمم
  

من أسعد الكون إسعاداً وطهره
 

وسن أعظم ماقد سن من نظم
  

أتى لنا بكتاب الله معجزة
 

يهدي إلى الرشد كم يحلو بكل فم
  

وجاء يقرؤه باسم الرشاد
 

على الوجود من كان ذا سمع وذا صمم
  

سبت عقول بني الإنسان لهجته
 

لا يستطيع لعمري وصفها قلمي
  

تفجرت منه أنهار الفصاحة
 

والبيان والعلم والآداب والحكم
  

كلامه معجز الله ميزه
 

وهديه خير هدي للناس كلهم
  

قد خصه الله بالتقدير قدره
 

في سابق العلم قد والاه بالنعم
  

فكل فضل فمن فضل النبي وقل
 

ماشئت في فضل رب التاج والشمم
  

تعاظمت أشرقت أرجاء ساحته
 

بنوره في نواحي الأرض كالنجم
  

لله ماناله المختار من شرف
 

مقامه الفذ لم يدرك ولم يرم
  

أثنى الإله على أخلاقه وأتى
 

في سورة النون في الفرقان والقلم
  

يكفي القرآن ثناء في شمائله
 

لله ما جاء في القرآن من قسم
  

لله من قسم ماناله أحد
 

لا فخر أرفع من هذا لدى الأمم
  

وقد دعا أمم الدنيا بأجمعها
 

وكان ذلك بعد الرعي للغنم
  

أخلاقه قط لم يظفر بها بشر
 

رتل شمائله الحسناء بالنغم
  

أزكى البرية أخلاقاً وأنبلهم
 

قصداً وأوفاهم بالعهد والذمم
  

يسدي النوال بلا من يكدره
 

يحنو على الناس من صحب ومن حشم
  

وأزهد الخلق في الدنيا وزهرتها
 

حول الملذات والزينات لم يحم
  

لم يمتليء جوفه والله من شبع
 

وساده حشوه ليف من الأدم
  

والمال وافاه لكن كان ينفقه
 

على المقلين من ذي الجوع والعدم
  

قد ارتضى بحياة الكد عن رغب
 

من يحذ حذو حياة الطهر يتسم
  

فكان ميلاده للناس مفخرة
 

أبان مولده الأسمى عن العظم
  

فكم غرائب كم من حادث عمم
 

كسرى رأى ما انجلى من أكبر الجسم
  

وكيف يرتج إيوان له عمد
 

وقد مضى وانقضى في الوقت كالحلم
  

وقدرة الله إن حلت على شرف
 

دكته دكاً وهدت شامخ الأطم
  

وأطفئت نار أهل الشرك أطفأها
 

الرحمن لما عدت مشتدة الحدم
  

وساء ساوة قد سدت منابعه
 

فارتاعت الفرس من ذا الخارق العمم
  

وأيقنت أن أمر الملك منصرم
 

عنها فباتت تحيل الفكر في غمم
  

وكان ذلك إرهاصاً لدعوة من
 

قد عمه الله بالآلاء والعصم
  

وانقضت الشهب في الجن الذين لهم
 

نحو السماء صعود ليس بالكتم
  

طاحت مقاعدهم للسمع فارتعدوا
 

من ثاقب الشهب حاصوا حيصة النعم
  

كرامة لرسول الله قد ظهرت
 

هذي البشارات كانت مبدأ النعم
  

دعا إلى الله وسط العداة بلا
 

خوف وأظهره المولى على الخصم
  

لله من دعوة عظمى لها الأثر
 

الكبير لله من ذي دعوة قدم
  

قد أسمعت كل ذي سمع وذي صمم
 

حتى ربى قاع كل الأرض والقمم
  

والله يعصمه الله يحرسه
 

جبريل يخدمه من جملة الخدم
  

فأخرج الناس من ليل الظلام إلى
 

النور المبين الذي يهدي إلى اللقم
  

وفاز بالنجح إذ كانت دعايته
 

بحكمة فحلا تردادها بفم
  

وقد رعته عنايات مقدرة
 

والحمد لله ربي باريء النسم
  

سلهم لماذا اجتمعتم حول منزله
 

عن التزام ولم توفوا بملتزم
  

حاولتم الفتك لكن خاب سعيكم
 

وأصبح الشمل منكم غير ملتئم
  

وسار "طه" وما أغنى تجمهركم
 

ولم يكن أحد منكم بمنتقم
  

ونام في الفرش فرش المصطفى بطل
 

زوج البتول "علي" بذ كل كمي
  

وطاردوه فلم يلفوا له أثراً
 

وغار ثور بنسج العنكبوت حمي
  

في الغار أحمد والصديق قد مكثا
 

ويمما بلد الأنصار عن رغم
  

فقوبلا بحفاوات وتكرمة
 

من معشر بصنوف الخير مزدحم
  

أكرم بهم وبمن قد فارقوا قدماً
 

أوطانهم رغبة في فضل ربهم
  

حب الرسول بقلب الصب ممتزج
 

بكل جزء سرى في لحمه ودم
  

وقوله كله دين ومنفعة
 

في كل مبتدء منه ومختتم
  

يا أجود الخلق من يسقي بطلعته
 

صوب الغمام فيزهو النبت في الأكم
  

أتيتنا بكتاب جل منزله
 

سبحانه منشيء الإنسان من عدم
  

يفنى الزمان ولا تفنى عجائبه
 

تفجر العلم من آذيه العرم
  

فيه الهدى ولأصناف العلوم حوى
 

يجري بموج من العرفان ملتطم
  

بفضل أصحابك الأبطال قد جمعت
 

آياته وغدت مرعية الحرم
  

أرضاهم الله مولانا برحمته
 

قد ألفت آي مولانا بفضلهم
  

الله أنزله للناس تبصرة
 

لاريب فيه يقي من زلة القدم
  

يشفي الصدور وينجي كل معتصم
 

به ويذهب كل الضيق والسأم
  

وقد أقر العدا إقرار معترف
 

بالعجز من غير تحكيم ولا حكم
  

والإنس والجن لم يقدر مصاقعهم
 

يأتون بالمثل-قلب القادحين عمي
  

يشوق الناس تشويقاً ويندبهم
 

إلى الجنان مع الهادي نبيهم
  

وتطمئن قلوب المؤمنين به
 

يجلو صداها كلام الله ربهم
  

وهو الشفيع لقاريه شفاعته
 

غداً تنال يقود الناس بالخطم
  

والمصطفى ترك القرآن واعظنا
 

أشد آي لديه قوله "استقم"
  

ما فرط الله شيئاً جل خالقنا
 

في الذكر سبحان مبدي الخلق من عدم
  

هو الأمان هو الحرز المكين لنا
 

فاقصد إليه بصدق العقد واستلم
  

لقد سريت من البيت الحرام إلى
 

القدس المبارك في وقت من الغسم
  

على البراق وقد تم المسير به
 

للقدس بشرى ل"طه" خير مغتنم
  

هناك ألفيت رسل الله واقفة
 

فجئتهم قادماً في مظهر فخم
  

وقد تقدمت للمحراب فانتظمت
 

صفوفهم مثل در بان منتظم
  

صلوا وراءك والأفراح تغمرهم
 

لأن نورهم من نورك التمم
  

قد ارتقيت إلى السبع الطباق على
 

المعراج أكرم سريع الخط والرسم
  

مازاغ قلبك يا ثبت الجنان لدى
 

تكليم ربك ذي الإفضال والكرم
  

رأيت آياته الكبرى التي بهرت
 

عيناك أعطاك فضلاً غير مقتسم
  

وقد حباك تعالى بالصلاة فطب
 

بقرة العين قد فزنا على الأمم
  

رسمت للناس دستوراً تكفل ب
 

الفلاح فهو بربي خير مرتسم
  

يساير العصر في أدوار نهضته
 

يدعو إلى وحدة الأفكار والسلم
  

أيدت بالرعب من رب الورى كرماً
 

يلقاك كل العدا في موكب سنم
  

عصابة الشرك قد حارت من ال
 

قمر المنشق وهو دواماً غير منقسم
  

وكم رأت مدهشات منه واضحة
 

ما قد رأته جلياً غير منبهم
  

لكنها نفرت عن دينه حسداً
 

كنافر الطير أو حمر من النعم
  

أدى الرسالة روح الكون كاملة
 

وقد مشى للوغى بالصارم الخذم
  

ضحى بما عز من نفس ومن نشب
 

بكل بشر بثغر منه مبتسم
  

وخصه الله بالأصحاب خير فدا
 

ئيين في كل إقدام ومصطدم
  

بهم أقام رسول الله ملته
 

لولا مجاهدة الأصحاب لم تقم
  

من كل معتزم بالحزم متسم
 

بالصدق ملتهم نحو العدا قرم
  

ينقض كالباز في الهيجاء مختطفاً
 

بسيفه كل باغ غير محتكم
  

أسد كماة مغاوير ذوو فطن
 

كم من ذوي الزيغ قد ألقوه في الرجم
  

يسترخصون المنايا لا يهولهم
 

ورودهم مورد الأهوال والقحم
  

وكيف لا ورسول الله يقدمهم
 

في ساحة الحرب يأتي كل مضطرم
  

لابدع في ذاك إن جادوا بأنفسهم
 

قصد الدفاع عن الهادي ودينهم
  

إن الوطيس إذا ما صار مشتعلاً
 

لاذوا به كلواذ الأسد بالأجم
  

فزاد إيمان أصحاب الرسول به
 

يستصبحون بنور المصطفى الفهم
  

يحيى توفيق:

سكت البابا، فقلت: لقد قرأت قبل أيام قصيدة جميلة لشاعر سعودي يسمى (يحي توفيق) وهي تنهج نهج هذا النوع من الشعر الشريف.

قال: أعرفها.. وهي قصيدة تمتلئ رقة وعذوبة ومحبة.. فبورك في قائلها.. اروها لي إن كنت تحفظها.

قلت: لقد قال هذا الشاعر الفاضل في مدح النبي r والشكوى لما حصل للأمة بغيابه[14]:

عز الورود.. وطال فيك أوام
 

وأرقت وحدي..والأنام نيام
  

ورد الجميع ومن سناك تزودوا
 

وطردت عن نبع السنى وأقاموا
  

ومنعت حتى أن أحوم..ولم أكد
 

وتقطعت نفسي عليك..وحاموا
  

قصدوك وامتدحواودوني اغلقت
 

أبواب مدحك..فالحروف عقام
  

أدنوا فأذكرما جنيت فأنثني
 

خجلا..تضيق بحملي الأقدام
  

أمن الحضيض أريد لمسا للذرى
 

جل المقام.. فلا يطال مقام
  

وزري يكبلني..ويخرسني الأسى
 

فيموت في طرف اللسان.. كلام
  

يممت نحوك يا حبيب الله في
 

شوق..تقض مضاجعي الآثام
  

أرجوالوصول فليل عمري غابة
 

أشواكها.. الأوزار.. والآلام
  

يا من ولدت فأشرقت بربوعنا
 

نفحات نورك..وانجلى الإظلام
  

أأعود ظمئآنا وغيري يرتوي
 

أيرد عن حوض النبي..هيام
  

كيف الدخول إلى رحاب المصطفى
 

والنفس حيرى والذنوب جسام
  

أو كلما حاولت إلمام به
 

أزف البلاء فيصعب الإلمام
  

ماذا أقول وألف ألف قصيدة
 

عصماء قبلي.. سطرت أقلام
  

مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم
 

أسوار مجدك فالدنو لمام
  

ودنوت مذهولا.. أسيرا لاأرى
 

حيران يلجم شعري الإحجام
  

وتمزقت نفسي كطفل حائر
 

قد عاقه عمن يحب..زحام
  

حتى وقفت أمام قبرك باكيا
 

فتدفق الإحساس..والإلهام
  

وتوالت الصور المضيئة كالرؤى
 

وطوى الفؤاد سكينة وسلام
  

يا ملءروحي..وهج حبك في دمي
 

قبس يضيء سريرتي..وزمام
  

أنت الحبيب وأنت من أروى لنا
 

حتى أضاء قلوبنا..الإسلام
  

حوربت لم تخضع ولم تخشى العدى
 

من يحمه الرحمن كيف يضام
  

وملأت هذا الكون نورا فأختفت
 

صور الظلام..وقوضت أصنام
  

والذل خيم فالنفوس كئيبة
 

وعلى الكبار تطاول الأقزام
  

الحزن..أصبح خبزنا فمساؤنا
 

شجن..وطعم صباحناأسقام
  

واليأس ألقى ظله بنفوسنا
 

فكأن وجه النيرين.. ظلام
  

أنى اتجهت ففي العيون غشاوة
 

وعلى القلوب من الظلام ركام
  

الكرب أرقنا وسهد ليلنا
 

من مهده الأشواك كيف ينام
  

يا طيبة الخيرات ذل المسلمون
 

ولا مجير وضيعت..أحلام
  

باتوا أسارى حيرة..وتمزقا
 

فكأنهم بين الورى..أغنام
  

ناموا فنام الذل فوق جفونهم
 

لاغرو..ضاع الحزم والإقدام
  

يا هادي الثقلين هل من دعوة
 

تدعى..بها يستيقظ النوام
  

3 ـ شعراء مسيحيون:

ما انتهيت من رواية القصيدة حتى قال لي البابا: لم يقتصر مدح النبي r على المسلمين وحدهم.. حتى المسيحيون لهم نصيب من هذا.

قلت: المسيحيون !؟

قال: أجل.. ألم تعلم أن مسيحيي العرب أقرب إلى الإسلام من قربهم للمسيحية نفسها، حتى أني سمعت بعضهم يدافع على انتمائه للحضارة الإسلامية، ويفخر بذلك.. ويعتبر الحضارة الغربية حضارة شذوذ [15].

قلت: فسم لي بعض هؤلاء الشعراء الأفاضل.

وصفي قرنفلي:

قال: منهم وصفي قرنفلي (1911 - 1978 )، الذي كان في طليعة رابطة الكتاب السوريين،  وصدر له ديوان وحيد بعنوان (وراء السراب)

وقد خاف قرنفلي أن يوصف بمجاملة المسلمين أو مداهنتهم لحاجات في نفسه، فبدأ بالدفاع عن نفسه، وتبرير مدحه رسول الله r، فأعلن أن طائف الحب طاف به، فأترع كؤوس الهوى، والإعجاب بالنبي اليعربي فقال:

قد يقولون: شاعرٌ نصراني
 

يرسل الحب في كِذابِ البيانِ
  

يتغنى هوى الرسولِ.. ويهذي
 

بانبثاق الهدى من القرآنِ
  

ينتحي الجبهة القويةَ يحدوها
 

رياءً والشعر ( لا وجداني )
  

كذبوا – والرسولِ – لم يجرِ يومًا
 

بخلاف الذي أكن لساني
  

ما تراءيتُ بالهوى بل سقاني
 

طائفٌ من الحب والهوى ما سقاني
  

أوَعارٌ على فتىً يعربي
 

أن تغنى بالسيد العدناني ؟!
  

أوليس الرسول منقذَ هذا الشرق
 

من ظلمة الهوى والهوانِ ؟
  

أفكُنا لولا الرسول سوى العبدان
 

بئست معيشة العبدان ؟!
  

أو ليس الوفاء أن تخلِص المنقذ
 

حبًّا إن كنت ذا وجدان ؟!
  

فالتحيات والسلام أبا القاسم
 

تُهدى إليك في كل آن !
  

جورج صيدح:

ومنهم جورج صيدح الكاتب المهجري الذي كتب قصيدة رائعة في مدح النبي r باسم (حراء يثرب) يستنهض فيه الأمة، مذكرًا إياها بما بعث النبي r من الحمية والهمة والأنفة، مشيرًا إلى تدنيس القدس الشريف ؛ حتى إنه ليقتبس آية من القرآن ـ من سورة الرحمن ـ يضمنها القصيدة، فيقول:

يا من سريتَ على البراق
 

وجُزت أشواط العَنان
  

آن الأوان لأن تجدّد
 

ليلة المعراج.. آن
  

عرّج على القدس الشريف
 

ففيه أقداسٌ تهان
  

ماذا دهاهم؟هل عصوْك
 

فأصبح الغازي جبان ؟
  

أنت الذي علمتهم
 

دفع المهانة بالسنان
  

ونذرت للشهداء جنات
 

وخيرات حسان
  

يا صاحبيّ: بأي آلاء
 

النبي تكذبان ؟!
  

جورج سلستي:

ومنهم الشاعر المهجري جورج سلستي الذي كتب قصيدة بعنوان (نجوى الرسول الأعظم) وهي قصيدة مليئة بالعاطفة الصادقة، وكأنما كتبها مسلم:

أقبلتَ كالحق وضّاحَ الأسارير
 

يفيض وجهُك بالنعماء والنور
  

على جبينك فجرُ الحق منبلجٌ
 

وفي يديك جرت مقاليدُ الأمورِ
  

فرحتَ فينا، وليل الكفر معتكر
 

تفري بهديك أسداف الدياجير
  

وتمطر البيد آلاءً وتُمرِعها يمنًا
 

يدوم إلى دهر الدهاريرِ
  

أبيتَ إلا سموّ الحق حين أبى
 

سواك إلا سموَّ البُطل والزورِ!
  

وقال يصف الصحراء العربية التي أطلعت شمس المصطفى r:

ما أنتِ بالمصطفى يا بيدُ مجدبةً
 

كلا ولا أنتِ يا صحراءُ بالبورِ
  

أطلعتِ من تاهت الدنيا بطلعته
 

ونافستْ فيه حتى موئلَ الحورِ
  

بوركتِ أرضًا تبث الطهرَ تربتُها
 

كالطيبِ.. بثته أفواه القواريرِ
  

الدين ما زال يزكو في مرابعها
 

والنبل ما انفك فيها جدَّ موفورِ
  

والفضل والحلم والأخلاق ما فتئت
 

تحظى هناك بإجلال وتوقيرِ
  

ويعتذر للنبي r عن تقصير شعره في الوفاء بحقه، فيقول:

يا سيدي يا رسول الله معذرةً
 

إذا كبا فيك تبياني وتعبيري
  

ماذا أوفيك من حق وتكرمةٍ
 

وأنت تعلو على ظني وتقديري ؟!
  

وأنت ربُّ الأداء الفذ في لغةٍ
 

تشأو اللُّغى حسنَ تنميقٍ وتصويرِ
  

على لسانك ما جن البيان به
 

فذلك الشعر يرنو شبهَ مسحور !
  

آي من الله.. ما ينفك مُعجزُها
 

يعيي على الدهرِ أعلام التحاريرِ
  

تلوتَها فسرت كالنور مؤتلقًا
 

يطوي الدنا بين مأهولٍ ومهجورِ !
  

محبوب الخوري الشرتوني:

ومنهم محبوب الخوري الشرتوني، وهو من شعراء المهجر الشمالي، الذين كتبوا في رسول الله r رافعًا إياه إلى مستوى النموذج البشري الأتم، أو مثال البطولة الأوحد، وقد كتب قصيدة بعنوان (قالوا تحب العرب؟) يقول فيها:

قالوا تحب العُرْب؟قلت: أحبهم
 

يقضي الجوارُ عليّ والأرحامُ
  

قالوا: لقد بخلوا عليك، أجبتهم
 

أهلي وإن بخلوا عليّ كرام
  

قالوا الديانة؟قلت: جيل زائل
 

وتزول معْه حزازةٌ وخصامُ
  

ومحمد.. بطل البرية كلها
 

هو للأعارب أجمعين إمام
  

الشاعر القروي:

ومن أشهر شعراء المهجر الجنوبي رشيد سليم الخوري الذي اشتهر بالشاعر القروي، وقد كتب قصيدة بعنوان (عيد البرية) يستحث فيها المسلمين لاستعادة مجدهم القديم منها، ويقرئ رسول الله r سلاماته وحبه، داعيًا إلى التحاب والتآخي بين المسلمين والنصارى، فيقول:

يا فاتح الأرض ميداناً لدولته
 

صارت بلادُك ميداناً لكل قوي
  

يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم
 

لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي
  

فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
 

فبلّغوه سلام الشاعر القروي
  

ويذكر الأندلس وبغداد ويحن إلى ما كان فيها من حضارة الإسلام، فيقول:

ياحبذا عهد بغداد وأندلسٍ
 

عهد بروحى أفدِّى عَْودَهُ وذوي
  

من كان في ريبةٍ من ضَخْم دولته
 

فليتلُ مافي تواريخ الشعوب رُوي
  

خليل مطران:

ومنهم خليل مطران الذي كتب قصيدة تسمى (رأس السنة الهجرية) يقول فيها:

عانى محمد ما عانى بهجرته
 

لمأرب في سبيل الله محمود
  

وكم غَزاةٍ وكم حربٍ تجشمها
 

حتى يعود بتمكين وتأييد
  

صعبان راضهما: توحيدُ معشرهم
 

وأخذُهم بعد إشراك بتوحيد
  

وبدؤه الحكم بالشورى يتم به
 

ما شاءه الله من عدل ومن جود
  

وله قصيدة احتفالية أخرى شارك فيها المسلمين، عنوانها: (عظة العيد الهجري)، يمدح فيها ويُكبِر الهلال رمز الإسلام، أو هو الرسول r نفسه فيقول:

سلام على هذا الهلال من امرئ
 

صريح الهوى، والحر لا يتكتم
  

سلام وتكريم.. بحق كلاهما
 

وأشرف من أحببتَه من تكرم
  

هويتك إكبارًا لمن أنت رمزه
 

من المأرب العلوي لو كان يفهم
  

مارون عبود:

ومنهم مارون عبود الشاعر اللبناني الذي كتب قصيدة مطولة في مدح النبي r يقول فيها:

لولا كتابُك ما رأينا معجزًا
 

في أمةٍ مرصوصة البنيانِ
  

حملت إلى الأقطار من صحرائها
 

قبسَ الهدى ومطارفَ العمرانِ
  

هادٍ يُصوَّر لي كأن قوامه
 

متجسدٌ من عنصر الإيمان
  

إلياس فرحات:

ومنهم الشاعر الشهير إلياس فرحات الذي يقول في قصيدته (يا رسولَ الله):

غَمَرَ الأَرْضَ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّةْ
 

كَوْكَبٌ لَمْ تُدْرِكِ الشَّمْسُ عُلُوَّهْ
  

لَمْ يَكُدْ يَلْمَعُ حَتَّى أَصْبَحَتْ
 

تَرْقُبُ الدُّنْيَا وَمَنْ فِيهَا دُنُوَّهْ
  

بَيْنَمَا الكَوْنُ ظَلاَمٌ دَامِسٌ
 

فُتِحَتْ فِي مَكَّةَ لِلنُّورِ كُوَّةْ
  

وَطَمَى الإِسْلاَمُ بَحْرًا زَاخِرًا
 

بِأَوَاذِيِّ الْمَعَالِي وَالفُتُوَّةْ
  

مَنْ رَأَى الأَعْرَابَ فِي وَثْبَتِهِمْ
 

عَرَفَ البَحْرَ وَلَمْ يَجْهَلْ طُمُوَّهْ
  

إنَّ فِي الإِسْلاَمِ لِلْعُرْبِ عُلاً
 

إنَّ فِي الإِسْلاَمِ لِلنَّاسِ أُخُوَّةْ
  

فَادْرُسِ الإِسْلاَمَ يَا جَاهِلَهُ
 

تَلْقَ بَطْشَ اللهِ فِيهِ وَحُنُوَّهْ
  

يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أُمَّةٌ
 

زَجَّهَا التَّضْلِيلُ فِي أَعْمَقِ هُوَّةْ
  

ذَلِكَ الجَهْلُ الذِي حَارَبْتَهُ
 

لَمْ يَزَلْ يُظْهِرُ لِلشَّرْقِ عُتُوَّهْ
  

قُلْ لأَتْبَاعِكَ صَلُّوا وَادْرُسُوا
 

إِنَّمَا الدِّينُ هُدَىً وِالْعِلْمُ قُوَّةْ
  

عبد الله يوركي حلاق:

ومنهم الشاعر السوري عبد الله يوركي حلاق مؤسس مجلة الضاد في حلب، فله قصيدة بعنوان (قبس من الصحراء)، يشيد فيها بالرسول r.. يقول فيها:

بعث الشريعة من غياهب رمسِها
 

فرعى الحقوق وفتَّح الأذهانا
  

أمحمدٌ.. والمجدُ نسج يمينه
 

مجدَّت في تعليمك الأديانا
  

ولأنه داس الجهالة وانتضى
 

سيف الجهاد، وحطَّم الأوثانا
  

فلقد ربينا في ظلال عروبة
 

عرباء.. تشرق عزة وأمانا
  

ما نحن إلا إخوةٌ نسعى إلى
 

إسعاد أمتنا.. وصونِ حمانا
  

جاك صبري شماس:

ومنهم الشاعر السوري جاك صبري شماس الذي تشهد معظم دواوينه الشعرية، ومقالاته على محبته وولائه للعروبة وإشادته بالدين الإسلامي، وافتخاره بالرسول r.. يقول في قصيدة له بعنوان (أوراق اعتمادي)

إني مسيحيٌّ أجلُّ محمدًا
 

وأجلُّ ضادًا.. مهدُه الإسلامُ
  

وأجلُّ أصحاب الرسول وأهله
 

حيث الصحابة صفوةٌ ومقام
  

كحَّلت شعري بالعروبة والهوى
 

ولأجل طه تفخر الأقلام
  

أودعت روحي في هيام محمد
 

دانت له الأعراب والأعجام
  

إلياس قنصل:

ومنهم الشاعر إلياس قنصل الذي ثم يخاطب رسول الله r معتذرًا، مشيدًا بالقرآن ومن جاء به، فيقول:

رسولَ الله: عفوَك ؛ إن عذلي
 

لتنبيه النفوس الغافلات
  

كتابك زينة الأجيال تزهو
 

بمعجز آيهِ أمُّ اللغات
  

ودينُك نعمةٌ في الكون ضاءت
 

فنوَّرَت النواحي المظلمات
  

تكرم يا إله العرش واجعل
 

بلاد العُرب للعرب الاباة
  

شبلي الملاط:

ومنهم الشاعر اللبناني شبلي الملاط، وهو أحد أبرز الشعراء العرب في النصف الأول من القرن العشرين الذي ينفي عن الإسلام والقرآن دعوى تفريق للأمة، فيقول:

لمن البلاد؟أليس من أصحابها
 

أنتم ونحن؟فما لنا لا نهتدي ؟
  

حتى متى لا نستفيق ؟! وكلنا نحيا
 

وندفن تحت جو أوحد ؟
  

حتى متى التفريق يلعب دوره
 

فينا ونصغي سامعين لمفسد ؟
  

ويظل مَن بث المفاسد سيدًا
 

والصالح الأعمال مغلولَ اليد
  

ويبيت من تدعو البلاد أئمة
 

متشاغلين ببِيعةٍ وبمسجد
  

والله ما قال المسيح تباغضوا
 

حتى نكون ولا كتاب محمد
  

لكنما أيدي الجهالة بدّلت
 

أبناء هذا القطر شر مبدد
  

ثم يطالب بإنهاء التعصب الذي يوقع الأمة في الهوان والمذلة، فيقول:

وتساهلوا عند الأمور وأعرضوا
 

عمن يقول بعيسوِي ومحمدي
  

ودعوا التعصب إنه الداء الذي
 

يقضي عليكم بالهوان السرمدي
  

ولتشعلوا هذي العواطف وليكن
 

كل من الأعياد عيد المولد
  

4 ـ أدباء أسلموا:

قلبت دفتر البابا.. فرأيت أسماء غير عربية، فتعجبت من ذلك، فقلت: أرى في الدفتر أسماء أخرى غير عربية.. من أين لها أن تتعلم العربية، وتكتب بها مدح النبي r

قال: أصحاب تلك الأسماء أدباء من سائر الأمم جذبتهم أشعة شمس محمد r إلى الإسلام، فلذلك سجلتهم في هذا الفصل.

قلت: فهل تعلم هؤلاء العربية؟

قال: الشعر موجود في كل لغات العالم.. والحب موجود في كل الكلمات نثرها وشعرها.. والمحب الصادق يعبر بكل الألسنة.

ويليام بيكارد:

كان من تلك الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذا الفصل اسم (ويليام بيكارد)، فسألت البابا عنه، فقال: هذا هو المؤلف والروائي والشاعرالبريطاني ويليام بيكارد، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون والآداب (كانتاب)، والدكتوراه في الأدب (لندن)، وهو مؤلِّفٌ واسع الشهرة، من أعماله: ليلى والمجنون، ومغامرات القاسم، والعالم الجديد، ومؤلَّفاتٌ أخرى.

قلت: هل التقيت به؟

قال: لا.. ولكني قرأت رساله له يتحدث فيها عن رحلته للإسلام، ومما ورد فيها: (لم أُدرك حقيقة أنِّي وُلِدت على فطرة الإسلام إلَّا بعد مضيِّ العديد من السنين. ففي المدرسة والجامعة كنت مشغولاً ـ وربما بقوَّة ـ بقضايا اللحظة الآنيَّة وشؤونها.. لم أكن أعتبر مهنتي في تلك الأيام مهنةً لامعة، ولكنَّها كانت في تطوُّر، ووسط محيطٍ مسيحيٍّ تعلَّمت عن الحياة الطيِّبة، وكان الإيمان بالله تعالى والعبادة والحق من الأمور الَّتي تسرُّني، وإن كنت أُقدِّس أيَّ شيءٍ فإنَّ ذلك كان هو النُبل والشَّجاعة)

وفيها يقول:( أنا القادم من كامبريدج، ذهبت إلى أواسط أفريقيا، حيث حصلت على تعيينٍ في إدارة الوصاية على أوغندا. كان وجودي هناك ممتعاً ومثيراً أكثر مما كنت أحلم به في بريطانيا، وكنت مجبراً ـ تبعاً للظروف المحيطة ـ أن أعيش وسط الأخوَّة السوداء من الإنسانيَّة، ويمكنني القول بأنِّي تعلَّقت بهم بمحبةٍ بسبب بساطة نظرتهم السعيدة للحياة. لقد شدَّني الشَّرق دائماً. ففي كامبريدج قرأت (الليالي العربيَّة)؛ ووحيداً في أفريقيا قرأت (الليالي العربيَّة)؛ ووجودي في تجوالٍ موحشٍ في أوغندا لم يقلل من عزة الشرق في نفسي.

ثم ـ وبعد تحطُّم حياتي الهادئة في الحرب العالمية الأولى ـ عدت أدراجي مسرعاً تجاه الوطن في أوروبا؛ وساءت صحَّتي. ومع استعادة صحَّتي تطوَّعت للجيش، لكنَّ طلبي رُفض على أُسسٍ صحيَّة. لذلك عملت على تقليل الخسائر وسجَّلت في (الجندرمة) ـ بعد أن عملت بطريقةٍ ما على اجتياز الفحص الطبِّي ـ وشعرت بالرَّاحة حين تسلَّمت بدلتي العسكريَّة كجنديٍّ في فرقةٍ للمشاة. خدمت حينئذٍ في الجبهة الغربيَّة في فرنسا، واشتركت في معركة السوم سنة 1917، حيث جُرحت وأُسرت. نُقلت عبر بلجيكا إلى ألمانيا حيث كنت في المشفى. وفي ألمانيا رأيت الكثير من المعاناة الإنسانيَّة، وخاصَّةً الرُّوس المصابين بالديزنطاريا. ووصلت إلى حافَّة الموت جوعاً. جُرحي ـ وهو كسرٌ في ساعدي الأيمن ـ لم يُشف بسرعة، فكنت عديم النَّفع للألمان، فأُرسلت إلى سويسرا من أجل عمليَّةٍ جراحيَّة.

أذكر جيِّداً كم كان عزيزاً عليَّ حتى في تلك الأيام حين كنت أفكِّر بالقرآن الكريم، في ألمانيا كنت قد كتبت رسالةً للأهل ليرسلوا لي نسخةً من القرآن الكريم. وعلمت في السنوات اللاحقة أنَّهم أرسلوا لي نسخةً ولكنَّها لم تصلني أبداً.

في سويسرا ـ وبعد عمليَّةٍ في ساعدي ورجلي ـ تحسَّنت صحَّتي، فكان بإمكاني الخروج بين الحين والآخر، فاشتريت نسخةً من الترجمة الفرنسيَّة لمعاني القرآن الكريم ـ وهي اليوم من أعز ممتلكاتي ـ وعندئذٍ شعرت بسعادةٍ عظيمة. كان ذلك وكأنَّ شعاعاً من الحقيقة الخالدة قد أشرق عليَّ بالبركة. كانت يدي اليمنى ما تزال غير ذات نفع، فتمرَّنت على كتابة القرآن الكريم بيدي اليسرى. وارتباطي بالقرآن الكريم يظهر بوضوح أكبر عندما أقول بأنَّ واحدةً من أشدِّ الذكريات وضوحاً وعزَّة لديّ من كتاب (الليالي العربية) كانت عن فتىً وُجد وحيداً في المدينة البائدة، جالساً يقرأ القرآن الكريم، غافلاً عمَّا يحيط به.

في تلك الأيام في سويسرا، أعدت تسجيل نفسي رسمياًّ كمسلم. وبعد توقيع الهدنة عدت إلى لندن، وذلك في شهر كانون الأول من سنة 1918، وبعد ذلك ـ في عام 1921 ـ سجَّلت لدراسة الأدب في جامعة لندن. وكان أحد المواضيع الَّتي اخترتها هي اللغة العربيَّة، وكنت أحضر محاضراتها في الكلية الملكيَّة. وكان في يومٍ أن ذكر أستاذي في اللغة العربيَّة ـ السيِّد بلشا من العراق رحمه الله تعالى ـ القرآن الكريم وقال: إن كنت تؤمن به أم لا، فإنَّك ستجد أنَّه أكثر الكتب إثارةً وأنَّه يستحقُّ الدِّراسة. فأجبت: أُوه، ولكنِّي أُومن به. فاجأ هذا الجواب أستاذي بشدَّة وأثار اهتمامه، وبعد حديثٍ قصيرٍ دعاني لأُرافقه إلى مسجد لندن في نوتينغ هيل جيت. وبعد ذلك كنت أحضر للصلاة باستمرار في هذا المسجد لكي أتعلَّم أكثرعن تطبيق الإسلام، إلى أن أعلنت ارتباطي بالأمَّة الإسلاميَّة في رأس السنة الجديدة لعام 1922.

كان هذا قبل ما يقارب الربع قرن، ومنذئذٍ وأنا أعيش حياةً إسلاميَّةً قولاً وعملاً بكلِّ ما في استطاعتي، فقوَّة الله تعالى وحكمته ورحمته ليس لها حدود. وحقول المعرفة تمتدُّ أمامنا إلى ما وراء الأفق. وفي حجِّنا خلال هذه الحياة أشعر بيقينٍ أقوى بأنَّ اللباس الوحيد المناسب الَّذي نستطيع لبسه هو الخضوع لله تعالى، وأن نعتمر على رؤوسنا عمامةً من الحمد، وأن نملأ قلوبنا حباًّ للخالق الواحد سبحانه وتعالى. والحمد لله ربِّ العالمين)

فانسان مونتييه:

من الأسماء التي رأيتها في دفتر البابا في هذ االفصل اسم (فانسان مونتييه)[16]، فسألت البابا عنه، فقال: هذا أديب فرنسي كان يشغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ الإسلامي بجامعة باريس، وشغل منصب رئيس (مؤسسة الدراسات الإسلامية في داكار)... وله عدة مؤلفات منها: كتاب (الإرهاب الصهيوني)، و(المسلمون في الاتحاد السوفيتي)، و(الإسلام في إفريقيا السوداء)، و(مفاتيح الفكر العربي)، كما قد قام بترجمة ابن خلدون إلى الفرنسية، وقد أسلم وتسمى بـ (المنصور بالله الشافعي)

وقد تشرفت بالالتقاء به والحديث معه عن سبب اختياره الإسلام، فقال: لقد اخترت الإسلام ديناً، ألقى به وجه ربي لأسباب شتى، منها الأسباب الدينية، والأسباب الأخلاقية، والاجتماعية، والثقافية والعاطفية.

ثم استطرد في تفصيل ما أجمله قائلا: لقد اخترتُ دين الفطرة، وهو الإسلام، وكنت فيما مضى كاثوليكيّاً.. وفي الكاثوليكية أمور كثيرة لم أقتنع بها، ولم أفهمها، مثل كرسي الاعتراف، والوسيط لدى الإله، فضلاً عن اعتمادها على أسرارٍ، وقربان، وغير ذلك من أمور لم أستطع الإيمان بها.. في حين أن دين الإسلام برئ من هذا كله، فيكفي المسلم أن يتوجه إلى ربه مباشرة بدون وسيط، وبدون كرسي اعتراف، فيستجيب الله دعاءه.

لقد كانوا يُعلمونني كما يُعلمون غيري أن عيسى إله ابن إله، وكانوا يزعمون أن محمداً ليس نبيّاً، وبالتالي ينكرون الإسلام.. ثم حدث أن وقع بين يدي ـ لأول مرة في حياتي ـ ترجمة لمعاني القرآن الكريم، واستوقفتني معاني كلماته، مثل:﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (الإخلاص)

واسَتَوقَفَني قول الله تعالى:﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الروم: من الآية30)

كما أذكر أني قرأت حديثاً لرسول الله r، شعرت تجاهه بأن الإسلام دين الفطرة بحق، وهو قول رسول الله r:« كل مولود يُولَدُ على الفِطْرة، فأبواه يُهَوّدِانه أو يُنَصّرِانه، أو يُمَجّسَانِهِ »

ولذلك كله آمنت برسالة محمد r ومصداقيتها، مثلما آمنتُ تماماً بوحدانية الله.. إن محمداً رسول الله حقاً.. والقرآن الكريم مُوحىً به من عند الله وليس من إنشاء محمد أو صُنعه... ورسالته السماوية السمحاء ليست مقصورة على العرب.. وإنما هي للناس كافة.

لقد رأيت في الإسلام تسامحاً مدهشاً، والأخلاق الرفيعة هدف كل مسلم.. كما رأيت رفضاً للرهبنة التي تجافي طبيعة الإنسان البشرية، فالإسلام يحفظ للإنسان إنسانيته، فيمنع عليه الرهبنة، ويدفعه إلى التمتع بالحياة وطيباتها، ما لم تتعارض المتعة مع تعاليم الله تعالى، كما قال ':﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: من الآية78)

سكت قليلا، وقد بدت على وجهه قسمات ألم لم يستطع كتمها، ثم قال: أعداء الإسلام يَدَّعُون أن المسلمين لا يرضون من غيرهم إلا أن يكونوا مسلمين، فإذا لم يكونوا مسلمين أشهروا عليهم سيف الجهاد.. في حين أنهم لو عقلوا ذلك جيداً لعلموا أن الجهاد الإسلامي مفروض، ولكن من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل.

إنهم يتهمون الإسلام بالقسوة المفرطة، مع أن الإسلام دين السلام، والتسامح، والعفو، والمغفرة... لقد تناسى هؤلاء كل العقوبات النصرانية فيما مضى، والتي أفرطت في القسوة، والتعذيب الذي وصل إلى حد الإحراق، وفصل أجزاء الجسد، فضلاً عن كثرة حالات الإعدام، وهو ما لم يشهده الإسلام في تاريخه.

كما أنهم يتهمون الإسلام بظاهرة الرَقّ التي وُجِدَتْ قبل الإسلام وليس بعده، بل حين انتشر الإسلام وطُبقت تعاليمه كان يسعى لإلغاء الرّق، بل إن كثيراً من الكفَّارات للذنوب التي يقدم عليها المرء هو تحرير الرقاب الذي عَدَّه الإسلام تقرباً وطاعة لله.

ثم يحاولون الإساءة إلى الإسلام من زاوية تعدد الزوجات، ولو عقلوا لوَجَدُوا أنه وأن سمح حقّاً بذلك، فإنه في الوقت ذاته وضع شروطاً دقيقة أساسها العدل المطلق، والمعاملة الطيبة، كما نظر إلى النساء التي حالت ظروفهن دون الزواج، أو لمرض الزوجة، أو لأسباب أخرى.

إن الإسلام بعظمته وعمقه، وبنقائه ورقُيه، وبتسامحه ودعوته لكرامة الإنسان في كل زمان ومكان لن يستطيع أحدٌ أن ينال منه.. لأن الإسلام في ذاته قوي.. وتعاليمه تدعو إلى القوة بعدم ارتكاب المعاصي والذنوب التي تضعف القوة، مثل الزّنَى، وشُرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، وغير ذلك مما يحرمه الدين الحنيف.

ثم انفرجت أساريره عن ابتسامة عذبة، وقال: لهذا اخترت الإسلام.. من أجل أن أشعر بالراحة في رحابه وظلاله.. نعم، اعتنقتُ الإسلام لأشعر وأدرك أنني اعتنقت ديناً لا يفصل بين البدن والروح، بين النفس والجسد.. يكفيني أن الإسلام دين نقي، يدفع إلى الأخلاق والتحلي بها، وإلى الكرامة الإنسانية والتمسك بها، من أجل ذلك شهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.. وعلى ذلك ألقى ربي.

 



([1])  رواه أحمد.. فهم البعض هذه النصوص فهما خاطئا، فراحوا يذمون الشعر ذما مطلقا، حتى حكي عن بعض الزهاد أنه كان لا يتمثل ببيت شعر، ولما سئل عن ذلك قال: لا أحب أن أرى في صحيفتي يوم القيامة بيت شعر!

وهم يستدلون لهذا بأحاديث مكذوبة على رسول الله r منها (مَنْ قرض بيت شعر بعد العشاء لم تُقْبَلْ له صلاة تلك الليلة)، وقد قال ابن كثير في تخريجه: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، لم يَرْوِهِ أحد من أصحاب الكتب الستة.

أما الحديث الذي جاء عن النبي r في ذم الشعر: ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا) رواه البخاري في باب الأدب، ومسلم في باب الشعر.

فقد حمل على الشعر المشتمل على الفحش، أو على الوعيد على ما إذا غَلَبَ عليه الشعر، وملك نفسه؛ حتى اشتغل به عن القرآن والفقه في الدين ونحوهما؛ ولذلك ذكر الامتلاء.

ويدل لهذا ما ذكره من لفظ (الامتلاء) الذي يعني أن يشغل المالئ بشيء جميع أجزائه؛ حتى لا يكون فيها فضل لغيره.

وأورد مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- في كتابه (إعجاز القرآن) قولا نسبه للرسول r وهو: لما نشأت.. بُغِّضَتْ إِلَيَّ الأوثان، وبُغِّضَ إِلَيَّ الشعر..

وهو قول لا أصل له، ولا سند بدليل ماورد من سماع النبي r للشعر ومحبته له في مواضع كثيرة، فقد أخرج البخاري في (الأدب المفرد) عن عمر بن الشريد عن أبيه أنه قال: استنشدني رسول الله r من شعر أمية بن أبي الصلت, فأنشدته؛ حتى أنشدته مائة قافية.

وذكر ابن كثير في تفسيره أن بعض الصحابة أنشد النبي r مائة بيت، فكان r يقول عقب كل بيت:« هيه » يستزيده، فيزيده.

وقد قالت عائشة -رضي الله عنها-:« الشعر كلام.. فحسنه حسن، ورديئه رديء، فخذ الحسن, واترك الرديء »

وقد ذكر الشيخ عبد القاهر الجرجاني ثلاثة وجوه لذم الشعر؛ وهي:

الأول: أن يُذَمَّ الشعر من حيث المضمون. أي: من حيث ما يتضمنه من فُحش ونُبوٍّ عما تقتضيه الأخلاق.

الثاني: أن يُذَمَّ من حيث الوزن والقافية. وهذه ناحية صناعية.

الثالث: أن يُذَمَّ لاعتبارات تتصل بالشاعر.

ونحن في هذا الفصل كما في سائر الرسائل لا نعتبر إلا الأول، باعتبار الثاني يرجع إلى الصناعة، والثاني يرجع إلى شخصية الشاعر، لا إلى ما قاله، والمؤمن يستفيد الحكمة ولا يهمه من أي وعاء خرجت.

([2])  رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، من رواية ابن إسحاق، وقد شكك في صحة هذه الرواية باعتبار السورة مكية، وهؤلاء كانوا في المدينة، ومنهم من تأخر إسلامه، ولكن هذا ومثله لا يحمل على سبب النزول وإنما يحمل على التفسير، فهؤلاء الصحابة الشعراء طبقوا على أنفسهم المعنى السلبي للآيات، فصحح لهم رسول الله r ذلك.

([3])  رواه أحمد.

([4])  رواه أبو يعلي.

([5])  رواه ابن سعد.

([6])  رواه أبو داود.

([7])  رواه البخاري ومسلم.

([8])  هذه القصيدة والقصائد التالية من روابة ابن إسحق في سيرة ابن هشام.

([9])  ترك البوصيري عددًا كبيرًا من القصائد والأشعار ضمّها ديوانه الشعري الذي حققه محمد سيد كيلاني، وطُبع بالقاهرة سنة (1374 هـ= 1955م)، وقصيدته الشهيرة البردة (الكواكب الدرية في مدح خير البرية)، والقصيدة (المضرية في مدح خير البرية)، والقصيدة (الخمرية)، وقصيدة (ذخر المعاد)، ولامية في الرد على اليهود والنصارى بعنوان: (المخرج والمردود على النصارى واليهود)، وقد نشرها الشيخ أحمد فهمي محمد بالقاهرة سنة (1372 هـ= 1953م)، وله أيضا (تهذيب الألفاظ العامية)، وقد طبع كذلك بالقاهرة.

وقد تُوفِّي البوصيري بالإسكندرية سنة (695 هـ= 1295م) عن عمر بلغ 87 عامًا.

([10])  هذا في الشفاعة العظمى.

([11])  ذكرنا أسرار الشفاعة، وعلاقتها بالتوحيد والعدالة والحكمة في رسالة (أسرار الأقدار) من سلسلة (رسائل السلام)

([12])  ننقل القصيدة هنا بتصرف.

([13])  سنتحدث بتفصيل عن مغازي رسول الله r وعلاقتها بالسلام والشبهات المثارة حولها في رسالة (النبي المعصوم) من هذه السلسلة.

([14])  ننبه أن هذه القصيدة نسبت خطأ في بعض المواقع لنزار قباني، انظر تصحيح الخطأ في: جريدة الشّرق الأوسط، الاحـد 13 ذو القعـدة 1427 هـ 3 ديسمبر 2006 العدد 10232.

 

([15])  انظر رسالة (ثمار من شجرة النبوة) فصل (حضارة)

([16])  انظر: صحيفة الاتحاد التي تصدر في الإمارات العربية المتحدة، الصادرة في العاشر من نوفمبر 1989 (بتصرف)، والجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء، محمد كامل عبدالصمد.