المؤلف: نور الدين أبو لحية |
العودة للكتاب: النبي الهادي |
الناشر: دار الكتاب
الحديث |
الفهرس
|
قلت: فحدثني عن رحلتك الثانية.
قال: في رحلتي الثانية .. سرت إلى
الطائف .. إلى تلك البلدة التي تشرفت بقدوم رسول الله r إليها، وهو يحمل أعظم رسالة في الأرض .. بل أعظم رسالة في الكون
جميعا .. رسالة التعريف بالله، والدعوة إلى عبادته.
كنت قبل ذلك قد تشرفت بأداء عمرة في
مكة المكرمة، ثم منها سرت إلى الطائف، وقد حاولت أن أنهج نفس الطريق الذي سلكه
رسول الله r في رحلته إليها، لأستشعر الجهد العظيم الذي ناله r
وهو يؤدي رسالة ربه .. فنالني من الجهد في تلك الطريق ما لم ينلني في حياتي جميعا.
في الطائف شد انتباهي رجل كانت سيما
الدعاة إلى الله تتجلى على جبينه ولسانه وجميع حركاته، وكأنه يعد حركاته عدا، فلا
يتحرك حركة إلا وخلط فيها من الدعوة إلى الله ما يملأك بالعجب ..
سأقص عليك القصة من البداية:
كان أول ما ظهر لي عند زيارتي للطائف
أن أزور مقبرتها، فليس هناك واعظ يمسح الجفاء عن القلوب مثل المقابر ..
في المقبرة رأيت صاحبي الذي أرشدني
إليه معلم الهداية، والذي كان الناس يطلقون عليه (الأمير)[1] ينشد مخاطبا نفسه بأبيات الحريري المعروفة، والتي ضمنها مقامته
الساوية:
أيا من يدعي الفهم |
الى كم يا أخا الوهم |
تعبي الذنب والذم |
وتخطي الخطأ الجم |
أما بان لك العيب |
أما أنذرك الشيب |
وما في نصحه ريب |
ولا سمعك قد صم |
أما نادى بك الموت |
أما أسمعك الصوت |
أما تخشى من الفوت |
فتحتاط وتهتم |
فكم تسدر في السهو |
وتختال من الزهو |
وتنصب الى اللهو |
كأن الموت ما عم |
وحتام تجافيك |
وإبطاء تلافيك |
طباعا جمعت فيك |
عيوبا شملها انضم |
إذا أسخطت مولاك |
فما تقلق من ذاك |
وإن أخفق مسعاك |
تلظيت من الهم |
وإن لاح لك النقش |
من الأصفر تهتش |
وإن مر بك النعش |
تغاممت ولا غم |
تعاصي الناصح البر |
وتعتاص وتزور |
وتنقاد لمن غر |
ومن مان ومن نم |
وتسعى في هوى النفس |
وتحتال على الفلس |
وتنسى ظلمة الرمس |
ولا تذكر ما ثم |
ولو لاحظك الحظ |
لما طاح بك اللحظ |
ولا كنت إذا الوعظ |
جلا الأحزان تغتم |
ستذري الدم لا الدمع |
إذا عاينت لا جمع |
يقي في عرصة الجمع |
ولا خال ولا عم |
كأني بك تنحط |
الى اللحد وتنغط |
وقد أسلمك الرهط |
الى أضيق من سم |
هناك الجسم ممدود |
ليستأكله الدود |
الى أن ينخر العود |
ويمسي العظم قد رم |
ومن بعد فلا بد |
من العرض إذا اعتد |
صراط جسره مد |
على النار لمن أم |
فكم من مرشد ضل |
ومن ذي عزة ذل |
وكم من عالم زل |
وقال الخطب قد طم |
فبادر أيها الغمر |
لما يحلو به المر |
فقد كاد يهي العمر |
وما أقلعت عن ذم |
ولا تركن الى الدهر |
وإن لان وإن سر |
فتلفى كمن اغتر |
بأفعى تنفث السم |
وخفض من تراقيك |
فإن الموت لاقيك |
وسار في تراقيك |
وما ينكل إن هم |
وجانب صعر الخد |
إذا ساعدك الجد |
وزم اللفظ إن ند |
فما أسعد من زم |
ونفس عن أخي البث |
وصدقه إذا نث |
ورم العمل الرث |
فقد أفلح من رم |
ورش من ريشه انحص |
بما عم وما خص |
ولا تأس على النقص |
ولا تحرص على اللم |
وعاد الخلق الرذل |
وعود كفك البذل |
ولا تستمع العذل |
ونزهها عن الضم |
وزود نفسك الخير |
ودع ما يعقب الضير |
وهيئ مركب السير |
وخف من لجة اليم |
كان ينشد هذه الأبيات بلحن عذب، زاد في
عذوبته امتزاجه بحشرجة الدموع .. وقد أسال من دموعي بإنشاده وخشوعه ما غسل بعض
القسوة من قلبي.
بعد أن انتهى من إنشاده خرج من
المقبرة، فسرت خلفه من غير أن يشعر بي ..
كان أول ما صادفنا بعد المقبرة رجل يعرض
سلعة في مدخل السوق، ما إن رأى (الأمير) حتى أقبل مسرعا إليه، وقال: يا طبيب
القلوب .. جد لي بموعظة تلين ما قسا من قلبي.
نظر إليه (الأمير) نظرة ممتلئة
بالرحمة، وقال: (يا ابن آدم إنما تغدو في كسب الأرباح، فاجعل نفسك فيما تكسبه،
فإنك لم تكسب مثلها)[2]
عاد الرجل إلى محله، وقد امتلأ عزيمة
وإرادة .. وكأنه في ذلك الموقف البسيط قد شحن قلبه بما يعيد له الحياة.
سرت خلفه .. فلقيه رجل آخر، وطلب منه
ما طلب الأول، فقال (الأمير):( من امتطى الصبر قوي على العبادة، ومن أجمع اليأس
استغنى عن الناس، ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها غيره، ومن أحب الخير وفق له، ومن
كره الشر جنبه، ومن رضي الدنيا من الآخرة حظا فقد أخطأ حظ نفسه)
لقيه بعد ذلك رجل يظهر من مظهره أنه
صاحب وظيفة دينية في تلك البلدة، فأسرع إليه (الأمير)، وقال: أخي .. أنت مثل نفسي
.. فاسمح لي أن أخاطبك بما أخاطب به نفسي.
قال الرجل: قل ما بدا لك .. فلطالما
أحييت قلوبنا الميتة، وأسلت عيوننا الجافة.
قال (الأمير) :( أوصيك ـ أخي ـ بتقوى
الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك، فاجعله من بالك على حالك، وخفه
بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره،
فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك، واعلم أن الذنب من العاقل أعظم من الأحمق، ومن
العالم أعظم من الجاهل، وقد أصبحنا أدلاء بزعمنا والدليل لا ينام في البحر)
ثم سكت قليلا، وقال: لقد كان المسيح u
يقصدنا حين قال :( حتى متى تصفون الطريق للدالجين وأنتم مقيمون في محلة المتحيرين?
تصفون البعوض من شرابكم وتسترطون الجمال بأجمالها) أي أخي كم من مذكر بالله ناس
لله، وكم من مخوف بالله جريء على الله وكم من داع إلى الله فار من الله. وكم تال
لكتاب الله منسلخ من آيات الله.
قال ذلك، ثم انصرف تاركا الرجل
لدموعه .. سرت خلفه، فرأيته قصد جمعا يبدو أن الخلاف دب بين بعضهم، فما إن رأوه
حتى فتحوا له الطريق، فقال :( إن استطعتم أن تكونوا كرجل ذاق الموت وعاش ما بعده،
فسأل الرجعة، فأسعف بطلبه، وأعطي حاجته فهو متأهب مبادر، فافعلوا، فإن المغبون من
لم يقدم من ماله شيئا ومن نفسه لنفسه)
قال ذلك، ثم انصرف عنهم، وقد عالج ما
حل بهم من غير خطبة ولا قضاء.
سرت خلفه، فلقيه رجل في موكب كمواكب
الملوك والأمراء .. فلما رآه (الأمير) أسرع، وكأنه يفر بنفسه، فأسرع خلفه بعض من
كان في ذلك الموكب، وقال له: إن الأمير يطلبك ..
قال (الأمير): وما يريد من فقير مثلي؟
قال: يريد أن تلين من قلبه ما قسا،
وتسيل من دموعه ما جف.
ذهب (الأمير) معه، وحدثه، ولم أسمع
من حديثه إلا قوله له :( يا أمير المؤمنين إن لك بين يدي الله تعالى مقاما وإن لك
من مقامك منصرفا، فانظر إلى أين منصرفك، إلى الجنة أم إلى النار?)
قال له: زدني
فقال[3]: إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله
ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم:( إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا
علي ) فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة.
فقال له سالم بن عبد الله :(إن أردت
النجاة غدا من عذاب الله، فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك من الموت)
وقال له محمد بن كعب القرظي :( إن
أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأوسطهم عندك أخا،
وأصغرهم عندك ولدا، فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك )
وقال له رجاء ين حيوة:(إن أردت
النجاة غدا من عذاب الله عز وجل، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره
لنفسك ،ثم مت إذا شئت)
وإني أقول لك:( أني أخاف عليك أشد
الخوف يوم تزل فيه الأقدام، فهل معك ـ رحمك الله ـ من يشير عليك بمثل هذا? )
بكى الأمير بكاء شديدا، حتى قال بعض
رفقاء الأمير مخاطبا (الأمير):( ارفق بأمير المؤمنين) فقال :( يا فلان .. تقتله
أنت وأصحابك وارفق به أنا )
فقال الأمير: لا تسمع إليه .. زدني
رحمك الله.
قال (الأمير): يا أمير المؤمنين
بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه، فكتب إليه عمر:( يا أخي أذكرك طول
سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر
العهد وانقطاع الرجاء)، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد
العزيز، فقال له :( ما أقدمك ؟) قال :( خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية أبدا
حتى ألقى الله عز وجل)
بكى الأمير بكاء شديدا ثم قال له :
زدني رحمك الله.
قال (الأمير): يا حسن الوجه، أنت
الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من
النار، فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي r
قال :( من اصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة)[4]
فبكى الأمير، وقال له: عليك دين.
قال (الأمير): نعم، دين لربي يحاسبني
عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي.
قال الأمير: إنما أعني دين العباد.
قال (الأمير): إن ربي لم يأمرني
بهذا، أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره، فقال تعالى :﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ
أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(
(الذريات:56 ـ 58)
قال الأمير: هذه ألف دينار، خذها،
فأنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادتك.
قال (الأمير): سبحان الله، أنا أدلك
على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا? سلمك الله ووفقك.
قال (الأمير) هذا، ثم انصرف تاركا
الأمير لدموعه ..
ظللت طيلة النهار أسير خلف (الأمير)
من غير أن يشعر بي، وقد رأيته لا يترك أحدا إلا وعظه ودعاه.
بعد أن رأيت كل ذلك اقتربت منه،
وقلت: لكأني بك أحد الذين أبحث عنهم.
نظر إلي، وقال: إن كنت تبحث عن الذي يسيل ما جف من الدموع،
ويلين ما قسا من القلوب[5]، فقد ظفرت بحاجتك، وأنا ذلك الرجل.
قلت: ففمك هو الفم الثاني.
قال: إن كان الفم الثاني هو فم
الواعظ، ففمي هو فم ذلك الفم.
قلت: فهل تأذن لي في صحبتك لأتعلم
على يديك من فنون الهداية ما يجعلني وارثا من ورثة النبي r؟
قال: ذلك لك لا لي .. فما كان لي أن
أرد من قصدني.
قلت: كيف يكون ذلك لي، وأنا الذي أضع
نفسي بين يديك لتعلمني مما علمك الله؟
قال: إن تحليت بحلة أهل العلم،
وتأدبت بآداب أهل الورع، كنت صالحا لتلقي هذه العلوم، وإلا فإن في هذه العلوم
فتنة، فلا تكفر.
قلت: فتنة .. أي فتنة؟ .. هل الدعوة
إلى الله فتنة؟
قال: ليست الدعوة إلى الله هي الفتنة
.. ولكن الفتنة قد تعرض للداعية إلى الله بما يراه من إقبال الناس عليه، فيتخذهم
إلها من دون الله.
قلت: فما المخرج من ذلك؟
قال: أن لا تدعو إلا نفسك، وأن لا
تعظ إلا نفسك.
قلت: إنما قصدتك ليجعل الله مني نورا
من أنوار الهداية، فكيف أكتفي بنفسي؟
قال: إذا وعظت غيرك، فكن في موعظتك
لغيرك واعظا لنفسك، فلا خير فيمن يعظ ولا يوعظ.
قلت: أكل ما سمعته منك كان مواعظ
لنفسك؟
قال: أجل .. ولولا ذلك ما خشعت
القلوب، ولا سالت الدموع؟ .. لقد قال رسول الله r يدعونا إلى ذلك: ( أوحى الله إلى
عيسى ابن مريم : عظ نفسك بحكمتي ، فان انتفعت فعظ الناس ، وإلا فاستحي مني)[6]
***
لم أصحب هذا الرجل الفاضل إلا أربعة أيام
فقط .. ولكنها كانت ـ بالنسبة لثمراتها وعلومها ـ كأربعة أعوام .. لقد كانت ـ كما
قال ابن عطاء الله في حكمه ـ :( رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده، ورب عمر قليلة
آماده كثيرة أمداده)
في مساء اليوم الأول سرت معه إلى
مجلس من المجالس، وكان ذلك المجلس مكتظا بالحضور، وكلهم شوق ولهفة لسماعه.
صعد (الأمير) منصة متواضعة، وقال:
سلوني .. ولا تسألوني إلا ما ينفعكم ..
قام رجل تبدو عليه آثار النعمة،
وقال: أصدقك القول .. أنا رجل من أثرياء هذه المدينة .. وهم في سائر المناطق ـ
ماعدا هذه المدينة ـ يسمونني (رجل أعمال) .. وأنا ألقى الاحترام حيث حللت .. ولكني
في هذه المدينة لا أجد من الاحترام ما أجد
في تلك المناطق.
نظر إليه (الأمير)، وقال: ما حاجتك؟
قال الرجل: أريد منك أن تعظ هؤلاء في
هذا .. ألم يأمر رسول الله r بإنزال الناس منازلهم؟ .. فأريد منك أن تعظهم في هذا.
قال (الأمير): أهذه هي حاجتك؟
قال الرجل: أجل .. هذه أول مرة أحضر
مجلسك هذا .. وقد علمت مدى تأثيرك .. فلذا طلبت منك ما طلبت .. ولك عندي من الجزاء
بعدها ما تريد.
قال (الأمير): فاسمع مني هذه القصة
التي رواها النبي r لأمته .. واعلم أن النبي r لم يروها لنا لنتسلى، وإنما رواها لنتأدب ونتعظ.
قال الرجل: هات نسمع .. فما أحلى
القصص .. أنا أسافر من أجل القصص المسافات الطويلة .. وأصرف الأموال الكثيرة.
قال (الأمير): لقد ذكر النبي r
أن ثلاثةً من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم
ملكاً، فأتى الأبرص فقال: أي شيءٍ أحب إليك ؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، ويذهب
عني الذي قد قذرني الناس؛ فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لوناً حسناً. قال: فأي المال
أحب إليك ؟ قال: الإبل، فأعطي ناقةً عشراء، فقال: بارك الله لك فيها.
فأتى الأقرع فقال: أي شيءٍ أحب إليك
؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعراً
حسناً. قال: فأي المال أحب إليك ؟ قال: البقر، فأعطي بقرةً حاملاً، وقال: بارك
الله لك فيها.
فأتى الأعمى فقال: أي شيءٍ أحب إليك
؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي
المال أحب إليك ؟ قال: الغنم، فأعطي شاةً والداً.
فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا وادٍ
من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم.
ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته،
فقال: رجلٌ مسكينٌ قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم
بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيراً أتبلغ به في
سفري، فقال: الحقوق كثيرةٌ. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيراً،
فأعطاك الله !؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر، فقال: إن كنت كاذباً
فصيرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال
له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى
ما كنت.
وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال:
رجلٌ مسكينٌ وابن سبيلٍ انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم
بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاةً أتبلغ بها في سفري؟ فقال: قد كنت أعمى فرد الله
إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيءٍ أخذته لله عز وجل.
فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك[7].
صاح الرجل: حسبك .. حسبك .. والله
لكأن النبي r يتحدث عني .. لقد كنت فقيرا، فأغناني الله .. وكنت مبتلى فعافاني
الله .. وأنا أعوذ بالله من أن أسقط في الاختبار .. وإني أشهدك وأشهد هذا الجمع
المبارك أن بابي مفتوح لمن يريد، وأناشد كل من رددته أو صددت دونه بابي أن يأتي
إلي ليأخذ ما يريد، ويدع ما يريد.
قام آخر، وقال: أنا تاجر .. والتاجر
ـ كما تعلم ـ يتعامل مع أموال الناس .. وأنا ـ أحيانا ـ يأتيني الرجل بسلعة من
سلعه لأبيعها له .. ثم يغيب عني، فلا أراه.
قال (الأمير): فما تفعل في المال
الذي تستفيده منها؟
قال الرجل: أنتفع به .. ليس لي إلا
ذلك .. لقد ذكرت لك أن الرجل يضع سلعته عندي، ثم لا أراه بعدها.
قال (الأمير): اصدقني .. هل تسر
لمجيئه إن جاء؟
قال الرجل: لولا أني في هذا المجلس،
وأمامك، ما صدقتك .. أنا لا أسر لمجيئه، بل أحيانا أدعو الله أن يضل عن محلي، فلا
يراه ولا يدله أحد عليه .. وأحسب أن كل إنسان في محلي يتخذ نفس الموقف.
قال (الأمير): فاسمع هذه القصة التي
قصها علينا رسول الله r .. وحاول أن تطبقها على نفسك .. لقد ذكر رسول الله أن رجلا من بني
إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم،
فقال: كفى بالله شهيدا، قال : فائتني بالكفيل، فقال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت،
فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم
عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار
وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم
أني تسلفت من فلان ألف دينار، فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضى بك،
وسألني شهيدا فقلت : كفى بالله شهيدا، فرضى بك، وإني قد جهدت أن أجد مركبا أبعث
إليه الذي له فلم أجد، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف
وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا
قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نظرها وجد
المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بألف دينار وقال: والله ما زلت جاهدا
في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه! قال: هل كنت بعثت إلي
شيئا؟ قال: أخبرتك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال : فان الله قد أدى عنك
الذي بعثت في الخشبة ، فانصرف بألف دينار راشدا)[8]
قال الرجل: فهمت القصة .. وعلمت
أمانة هذا الرجل .. ولكن هل ترى من الحكمة أن أرمي المال في الشارع، ثم أقول له:(
اذهب إلى فلان)
قال (الأمير): رسول الله r
لم يقصد هذا .. إن القصة لا تؤخذ بحروفها، بل بمعانيها.
قال الرجل: فكيف أطبقها علي .. أو:
كيف أستفيد منها في وضعي.
قال (الأمير): إذا جاءك الرجل، فسجل
كل ما يرتبط به من معلومات .. فإذا وفقك الله وبعت سلعته، فاكتف بحقك منها، وأرسل
إليه ليأخذ حقه.
قال الرجل: أحيانا تكون السلع بسيطة
.. فهل أتكلف كل هذا التكلف لأجلها.
قال (الأمير): ليس في الأمانة صغير
ولا كبير .. ألم تسمع قوله تعالى :﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ
بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75)؟
أترضى ـ وأنت المنتسب إلى أمة محمد r
ـ أن تكون أدنى من ذاك الإسرائيلي؟
قال الرجل: لا .. لا أرضى .. وبورك
فيك .. وأعاهدك وأعاهد هذا الجمع المبارك أني سأبحث عن كل صاحب أمانة لأرد له
أمانته .. فما كان لهمتي أن تكون أقصر من همة ذلك الإسرائيلي[9].
قام رجل آخر، وقال: اسمح لي يا طبيب
القلوب .. واسمحوا لي أيها الجمع المبارك أن أبث إليكم شكواي .. أنا رجل كنت في
رغد من الدنيا، وفي وافر من الصحة، وفي رفيع من المناصب .. لكن كل ذلك ولى وجهه
عني .. ولست أدري لم .. ولست أدري ما المخرج .. أنا الآن أشعر كأني داخل كهف مظلم
لا يتسرب إلي من خلاله أي شعاع من أشعة الأمل.
قال ذلك، ثم جلس، فقال (الأمير):
سأقص عليك قصة رواها لنا المصطفى r .. حاول أن ترتقي لتفهمها، وتطبقها على حالك .. قال r:
(انطلق ثلاثة نفرٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ
من الجبل، فسدت عليهم الغار؛ فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا
الله بصالح أعمالكم.
قال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوان
شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً. فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم
أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقضهما وأن
أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت ـ والقدح علي يدي ـ أنتظر استيقاظهما حتى برق
الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ـ فاستيقظا فشربا غبوقهما .. اللهم إن كنت فعلت
ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون
الخروج منه.
قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة
عمٍ كانت أحب الناس إلي، فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنةٌ من
السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينارٍ على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت،
حتى إذا قدرت عليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفت عنها، وهي
أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها .. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك
فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء
وأعطيتهم أجرهم غير رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه
الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك:
من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله لا تستهزيء بي ؟! فقلت: لا
أستهزيء بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء
وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون[10].
قال الرجل: بورك فيك .. لقد دللتني
على المخرج .. لكأن رسول الله r يتحدث معي، ويبشرني .. فجزاك الله عني كل خير.
قام شاب من الجمع، وقال: أنا ـ في
الحقيقة ـ أمثل مجموعة شباب من هذه المدينة .. نحن طلبة بالجامعة الأمريكية بلبنان
.. نحن ملتزمون باطنا .. ولكنا ـ في الظاهر ـ نستحيي من إظهار انتسابنا للإسلام ..
فلذلك نحاول إخفاءه قدر ما استطعنا .. حتى أنا ـ إذا كنا في الجامعة ـ لا نلقي
السلام الذي علمنا إياه رسول الله r .. بل نلقي التحية التي تعارف عليها طلبة هذه الجامعة ..
قال (الأمير): أتخشون من إدارة
الجامعة أن تطردكم منها إن أظهرتم التزامكم بالإسلام؟
قال الشاب: لا .. الإدارة تسمح
بالحرية الدينية ..
قال (الأمير): فلا يمنعكم من الالتزام
الظاهر بآداب الدين إلا ما ترونه من سخرية زملائكم؟
قال الشاب: أجل .. لقد جربنا أن نفعل
ذلك .. فضحكوا علينا .. بل سمونا (رجعيين)، وبعضهم سمانا (إرهابيين)
قال (الأمير): فاسمع مني هذه القصة
التي قصها رسول الله r لأصحابه في وقت كانوا يجدون أكثر مما تجدون .. قال رسول الله r
: كان ملكٌ فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث
إلي غلاماً أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهبٌ،
فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى
الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا
خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابةٍ
عظيمةٍ قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ؟ فأخذ حجراً
فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي
الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني أنت
اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي؛
وكان الغلام يبريء الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء.
فسمع جليسٌ للملك كان قد عمي، فأتاه
بهدايا كثيرةٍ فقال: ما ههنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحداً،
إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك، فآمن بالله تعالى
فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك
بصرك ؟ قال: ربي. قال: ولك ربٌ غيري ؟! قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه
حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبريء
الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى، فأخذه
فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب؛ فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا
بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل
له: ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء
بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به
إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل
فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل بأصحابك ؟ فقال: كفانيهم الله
تعالى، فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقورٍ[11] وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال:
فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال:
اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك. فقال له
الملك: ما فعل بأصحابك ؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي
حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو ؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحدٍ، وتصلبني على
جذعٍ، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام
ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيدٍ واحدٍ، وصلبه على جذعٍ،
ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام،
ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام،
فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس. فأمر
بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه
فيها أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌ لها، فتقاعست أن تقع
فيها، فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق[12].
بكى الشاب، وقال: ما أعظم التضحية
التي قدمها هؤلاء ..
قال (الأمير): لقد حدث خباب بن الأرت
ـ رضي الله عنه ـ قال: شكونا إلى رسول الله r وهو متوسدٌ بردةً له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا
تدعو لنا؟ فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم
يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه
وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء
إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)[13]
بكى الشاب، وقال: لو ذكرت هذا
لزملائي لامتلأوا حياء من أنفسهم.
قال (الأمير): لقد حدث ابن عباس ـ
رضي الله عنه ـ عن النبي r قال: ( لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها وجدت رائحة طيبة فقلت :
ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها، قلت:
ما شأنها؟ قال : بينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت : بسم
الله، فقالت بنت فرعون: أبي؟ فقالت : لا ولكن ربي وربك ورب أبيك الله، قالت :
وإن لك ربا غير أبي؟ قالت : نعم ، قالت : فأعلمه بذلك؟ قالت : نعم، فأعلمته، فدعا
بها فقال : يا فلانة ! ألك رب غيري؟ قالت : نعم، ربي وربك الله، فأمر ببقرة من
نحاس، فأحميت ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدا بعد واحد، فقالت : إن لي إليك
حاجة! قال : وما هي ؟ قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفننا
جميعا! قال : ذلك لك لما لك علينا من الحق، فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى
انتهى إلى ابن لها رضيع فكأنما تقاعست من أجله فقال لها : يا أمه! اقتحمي، فإن
عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم ألقيت مع ولدها، وتكلم أربعة وهم صغار : هذا
وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم)[14]
قام رجل من الجمع، وقال: أنا رجل حبب
الله إلي الصلاة .. وأحيانا يأتيني من يزعجني عنها .. فأرفع صوتي غضبا عليه .. فهل
ترى في هذا ما يتنافى مع آداب الشريعة؟
سكت (الأمير)، حتى بدا للجمع أنه لا
يريد إجابته .. فقام آخر، وقال: أصارحك .. أنا رجل أحب المظاهر .. وأعظم كل صاحب
مظهر .. وأمتلئ بالاحتقار لكل متواضع .. حتى أن التواضع صار بالنسبة لي مرادفا
للذلة.
التفت (الأمير) إلى الرجلين، وقال:
لقد روى لنا النبي r قصة .. اسمعوها مني .. وحاولوا أن ترتقوا لتسمعوها من رسول الله r
.. فلا خير فيمن لم يسمع من رسول الله .. قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثةٌ: عيسى
ابن مريم، وصاحب جريجٍ، وكان جريجٌ رجلاً عابداً، فاتخذ صومعةً فكان فيها، فأتته
أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته فانصرفت.
فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي. فأقبل
على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي
وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات.
فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأةٌ بغيٌ يتمثل بحسنها، فقالت: إن
شئتم لأفتننه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته،
فأمكنته من نفسها فوقع عليها. فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريجٍ، فأتوه
فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم ؟ قالوا: زنيت بهذه
البغي فولدت منك. قال: أين الصبي ؟ فجاؤوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى، فلما
انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال: يا غلام من أبوك ؟ قال: فلانٌ الراعي، فأقبلوا
على جريجٍ يقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهبٍ، قال: لا، أعيدوها
من طينٍ كما كانت، ففعلوا.
وبينا صبيٌ يرضع من أمه، فمر رجلٌ
راكبٌ على دابةٍ فارهةٍ وشارةٍ حسنةٍ، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك
الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل
يرتضع، ـ قال الراوي: فكأني أنظر إلى رسول الله r وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها ـ قال: ومروا
بجاريةٍ وهم يضربونها، ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني
مثلها، فهنالك تراجعا الحديث فقالت: مر رجلٌ حسن الهيئة فقلت: اللهم اجعل ابني
مثله فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت
سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت: اللهم اجعلني مثلها؟! قال: إن ذلك
الرجل كان جباراً فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها زنيت، ولم تزن
وسرقت، ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها)[15]
قام رجل، وقال: أحيانا تأتيني فرص
عظيمة .. ومن ناس بسطاء .. لو أتيحت لهم لخرجوا من الوضع الذي هم فيه إلى وضع أحسن
وأكمل ..
سأضرب لك مثالا على ذلك .. في
الأسبوع الماضي اشتريت سلعة بألف دينار .. ولم يمض يوم على شرائي لها حتى ارتفع
سعرها في الأسواق العالمية عشرات الأضعاف .. فرحت لذلك فرحا كثيرا .. ولكني ما إن
رأيت بائعها، وهو يعض أصابع الندم، حتى امتلأت حسرة، وتصورت أني في موقفه .. فما
تراني أفعل في مثل هذه المواقف؟
قال: سأقص عليك قصة قصها علينا رسول
الله r .. وافهم منها ما بدا لك .. لقد حدثنا رسول الله r
عمن قبلنا من الأمم، فقال: اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى
العقار في عقاره جرة يها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار : خذ ذهبك مني، إنما
اشتريت منك الأرض ولم أبتع الذهب ، وقال الذي له الأرض : إنما بعتك الأرض وما
فيها فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه : ألكما ولد؟ قال أحدهما : لي غلام،
وقال الآخر لي جارية فقال : أنكحوا الغلام الجارية وأنفقوا على أنفسهما منه
وتصدقوا[16].
قال الرجل: وعيت القصة .. ولكني لم
أقدر على تنزيلها على حالتي.
قال (الأمير): النبي r
في هذه القصة يحضنا على الأمانة والرحمة والعدالة .. فلا ينبغي للكريم السمح أن يكون
أنانيا حريصا .. بل يحاول أن يشرك غيره ..
وأنا أرى أن تشرك هؤلاء في بعض ما
يرزقك الله به من المكاسب ..
قال الرجل: بورك فيك .. نعم .. لا
ينبغي لي أن أكون أنانيا .. ولا حريصا .. لقد استفتيت الفقهاء، فأفتوني .. ولكن
قلبي لم يطمئن .. فلذلك سآخذ بما ذكرت.
قام رجل من الجمع، وقال: أنا رجل حبب
الله إلي العلم .. فأنا أنهل منه، ولا أكاد أشبع.. ولكي ـ أحيانا ـ أشعر، وكأني قد
التهمت جميع العلوم .. وأحيانا ـ وبكل صراحة ـ أشعر أني أعلم أهل الأرض .. وأنه لا
أحد يضاهيني في المعارف التي كتب لي أن أتعلمها.
نظر إليه (الأمير)، وقال: لقد قص
علينا رسول الله r قصة، فاسمعها، وارتق لتسمعها منه r .. قال رسول الله r:
إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا. فعتب الله عليه
إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.
فقال موسى: يا رب، وكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا، تجعله بمكتل، فحيثما فقدت
الحوت فهو ثم.
فأخذ حوتا، فجعله بمكتل، ثم انطلق
وانطلق معه بفتاه يوشع بن نون ـ عليهما السلام ـ حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما
فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه، فسقط في البحر واتخذ سبيله في البحر
سربا، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق. فلما استيقظ نسي
صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما، حتى إذا كان من الغد قال
موسى لفتاه :﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا
نَصَباً)(الكهف: من الآية62)، ولم يجد موسى النصب حتى جاوزا المكان الذي أمره الله
به.
قال له فتاه :﴿ أَرَأَيْتَ
إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً)(الكهف:
من الآية63)، قال: فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا، فقال :﴿ ذَلِكَ مَا
كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً)(الكهف: من الآية64)
فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى
الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام!.
قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا،
قال: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)(الكهف: من الآية67)، يا
موسى إني على علم من علم الله علمنيه، لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله
علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى :﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً)(الكهف: من الآية69)، قال له الخضر :﴿
فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ
ذِكْراً)(الكهف: من الآية70)
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت
سفينة، فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير نول، فلما ركبا في
السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى:
قد حملونا بغير نول، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئا إمرا :﴿
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا
تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)﴾
(الكهف)، قال: وقال رسول الله r :( كانت الأولى من موسى نسيانا)
وجاء عصفور فنزل على حرف السفينة
فنقر في البحر نقرة، أو نقرتين، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك في علم الله إلا مثل
ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
ثم خرجا من السفينة، فبينما هما
يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فقتله، فقال له موسى :﴿
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
(74)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)﴾
(الكهف)، قال :( وهذه أشد من الأولى)، ﴿
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ
بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) (الكهف:76)
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية
استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض قال: مائل. فقال
الخضر بيده، فأقامه، فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا، ﴿
لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي
وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)﴾
(الكهف)، فقال رسول الله r :( وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) [17]
قام رجل من الجمع، وقال: أنا عضو في
بعض جمعيات الرفق بالحيوان .. وقد عاتبني البعض في انتمائي لمثل هذه الجمعيات ..
فهل ترى علي من بأس في ذلك؟
نظر إليه
(الأمير)، وقال: لقد حكى لنا رسول الله r هذه القصة .. قال: ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه
العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها وشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يأكل الثرى من العطش
، فقال : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي ! فنزل البئر فملا خفه ماء
ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ، قالوا: يا رسول الله !
وإن لنا في البهائم أجرا ؟ قال في كل ذات كبد رطبة أجر)[18]
وحكى لنا قصة
أخرى، فقال: ( غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي[19]كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لهذا
بذلك)[20]
وحكى لنا قصة
أخرى، فقال: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش[21]الأرض حتى ماتت)[22]
وحكى لنا قصة
أخرى، فقال:( مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق فقال: والله لانحين هذا عن طريق
المسلمين لا يؤذيهم ، فأدخل الجنة)[23]
***
بعد أن عدنا إلى البيت في ذلك المساء
قلت له: يا إمام .. كيف اكتفيت في ذلك المجلس بتلك القصص، ولم تعدها إلى المواعظ
التي تعود الوعاظ إلقاءها.
قال: من آداب الواعظ أن يغير أسلوب
موعظته حتى لا يصيب الناس السأم والملل .. فالملل هو أخطر ما يصيب المستمعين،
ولذلك فإن الواعظ المستن بسنة رسول الله r هو الذي يحرص على أن لا يجر مستمعيه إليه .. فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: (كان النبي r يتخولنا بالموعظة في الأيام ، كراهية السآمة علينا)[24]
قلت: فلم اخترت
القصص بالذات؟
قال: لم يكن لي
خيار في ذلك .. لقد كانت حال المستمعين وأسئلتهم تستدعي أن أذكر لهم من القصص
سمعت، فقصصت عليهم.
قلت: أترى أن
للقصص من التأثير ما يمكن أن يؤثر في المستمعين؟
قال: أجل ..
ولولا ذلك ما أمرنا الله تعالى باستعمال هذا الأسلوب، فقال:﴿ فَاقْصُصِ
الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:من الآية 176) .. ولولا ذلك ما قص علينا ربنا، ولا قص علينا نبينا .. إن كلام ربنا، وهدي
نبينا ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ
مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42)
قلت: فما وجه
هذا التأثير؟
قال: لقد أخبر
القرآن الكريم عن بعض تأثير القصص في نفس المتلقي ، فقال :﴿
وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ
﴾ (هود: من الآية120)، ففي هذه الآية الكريمة إخبار عن نوع من أنواع تأثير
القصص القرآني في النفس ، وهو تثبيت المؤمن على دين الله ، وأخذه بالعزيمة في ذلك.
قلت: فما سر ذلك؟
قال: إن القاص ـ الذي يعرف كيف يتسلل
إلى قلوب مستمعيه ـ ينشئ في نفس المستمع إلى القصة حب تقمص شخصية البطل، وهو ما
يدعوه إلى التأسي به والاعتبار بمواقفه.
فمن يعجب مثلا بموقف إبراهيم u مع قومه ، وعدم خوفه من أذاهم ، وتعرضه للفتن بسبب ذلك ، يمتلئ
إعجابا وحبا لإبراهيم u ، وهو ما يدعوه بتلقائية لأن يتقمص الأدوار التي أداها إبراهيم u تقمصا لروح القصة لا لحقيقتها.
فقصة إبراهيم u
مع ابنه مثلا ، وكيف هم بذبحه طاعة لله في ذلك ينشئ في نفس المؤمن الاستسلام
المطلق لله بغض الظر عن أن يكون ذلك بنفس الطريقة التي حصل بها إسلام إبراهيم u.
قلت: ولكن
البعض ينحرف بالقصص انحرافات خطيرة[25]؟
قال: في كل
مجال هناك المستن، وهناك المبتدع .. ولا ينبغي أن نترك السنة لأجل البدعة.
قلت: ألا يمكن
أن نسد ذرائع البدع؟
قال: إذا سددنا
ذرائع البدع بإماتة السنن، يكون ذلك من أعظم البدع .. ونكون قد حققنا أغراض البدع،
لأنه لا غرض للبدعة إلا إماتة السنة.
قلت: لكني سمعت
نهي
السلف عن الجلوس إلى القصاصين؟
قال: هم لم يقصدوا كل القصاص ..
وإنما قصدوا الكذابين منهم، كما روي عن الأعمش أنه دخل جامع البصرة، فرأى قاصا
يقول: حدثنا الأعمش، فتوسط الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه، فقال القاص: يا شيخ، ألا
تستح؟ فقال:لم؟ أنا في سنة، وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك.
قلت: إن كل ما ذكرته من القصص مما
ورد في السنة .. فهل تعني بذلك عدم جواز القص بما ورد في غيرها؟
قال: لا .. ومعاذ الله أن أضيق ما
وسع الله ..
قلت: فهل يمكن
وضع القصص كما يفعل الروائيون؟
قال: أجل ..
ولابد من ذلك .. فلا يحق لمسلم يجد وسيلة يدعو بها إلى ربه، ثم يفرط فيها.
قلت: ولكنه
يكذب بذلك .. لأنه يحكي شيئا لم يوجد.
قال: لو حكاه باعتباره
وقع بالفعل كان كاذبا .. لكنه إن حكاه باعتباره حكاية موضوعة فلا حرج عليه في ذلك.
قلت: لقد نظر
البعض إلى القصص التي ذكرها القرآن الكريم بهذا الاعتبار، فتصوروا أنها مجرد
حكايات موضوعة للتربية ولا حظ لها من الوجود الواقعي[26].
قال: كذبوا ..
ألم يقرأوا قوله تعالى :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ )(الكهف: من الآية13)؟
ألم يقرأوا
قوله تعالى :﴿
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (آل عمران:44)؟
ألم يقرأوا
قوله تعالى :﴿
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا
كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ
الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49)؟
ألم يقرأوا
قوله تعالى :﴿
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا
كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) (يوسف:102)؟
في اليوم الثاني سرت مع الأمير إلى مجلس
من المجالس، وكان ذلك المجلس ـ كسابقه ـ مكتظا بالحضور، وكلهم ـ مثل من قبلهم ـ
شوق ولهفة لسماعه .. ولكن الفرق بين هؤلاء وأولئك هو أن هؤلاء كانوا من خلال
مظهرهم وأسئلتهم على مستوى عال من الثقافة، فلذلك كانت أسئلتهم تختلف كثيرا عن
أسئلة من قبلهم، وكانت أجوبة الأمير تميل إلى العلمية في هذا المحل أكثر منها إلا
الوعظية.
صعد (الأمير) منصة متواضعة، وقال: عم
تريدون أن أحدثكم.
قال رجل منهم: نريد أن تحدثنا عن سر
قوله تعالى :﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ)(ابراهيم: من الآية25)، وقوله تعالى :﴿ وَتِلْكَ
الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)
(العنكبوت:43)
قال الأمير: في هذه الآيات وغيرها
يخبرنا القرآن الكريم عن مسلك من المسالك التي تنفذ منها المواعظ إلى القلوب، وهو
مسلك الأمثال .. لقد قال الله تعالى يذكر ذلك :﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا
لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ
إِلَّا كُفُوراً) (الاسراء:89)، وقال :﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا
الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ
جَدَلاً) (الكهف:54) .. فتصريف الآيات يشمل تنويع الحجج والبراهين على قضية واحدة،
فيؤتى للقضية الواحدة بأكثر من دليل وبرهان، فتتابع على عقولهم الحجج وتُصرَّف لها
الأمثال والعبر.
انظروا القرآن الكريم، فسترونه ينوع
الأساليب، فيؤتى بالدليل الواحد بأكثر من أسلوب: فتارة بالخبر، وتارة بالاستفهام،
وأخرى بالنفي والإثبات، وأحيانا بضرب الأمثال أو القصص، ونحوها.
قالوا: فما الأمثال؟
قال: لقد عرفوها، فقالو: ادعاء
التماثل الجزئي أو الكلي بين شيئين أو حالين طلباً لإثبات أو إيضاح أحدهما
اعتماداً على ثبوت أو وضوح الثاني .. وهو لذلك يُستخدم في تقريب المعنى وإيضاحه
والإقناع به والحث على الفعل ونحو ذلك.
قالوا: فاضرب لنا مثلا يقرب ذلك.
قال: انظروا كيف عبر لقمان u عن لطف الله وخبرته، وهي قضية عقدية
، ترتبط بها ناحية سلوكية، وهي تأثير هذه المعرفة في الحذر من المعاصي ، والحرص على
الطاعة ، فجاء بصورة حسية تقرب هذه المعاني جميعا، فقال :﴿ يَا بُنَيَّ
إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ
فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ( (لقمان:16)
إن هذه الصورة هي أن المظلمة أو
الخطيئة أو الطاعة لو كانت مثقال حبة خردل، وكانت مخفية في السماوات أو في الأرض ،
فإن الله يحضرها يوم القيامة حين يضع الموازين القسط، ويجازي عليها إن خيراً فخير،
وإن شراً فشر، حتى لو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء، أو ذاهبة في
أرجاء السماوات والأرض، فإن اللّه يأتي بها لأنه لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه
مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولهذا ختم الآية بقوله تعالى :﴿ إِنَّ
اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (
أي لطيف العلم فلا تخفى عليه الأشياء، وإن دقّت ولطفت وتضاءلت، خبير لا تعزب عنه
الأخبار الباطنة فلا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب
نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها[27].
وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى
بغير هذه الصيغة كقوله تعالى :﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ(
(الانبياء:47)
ولكن للصيغة التي ذكرها لقمان u
، وفي المحل الذي ذكرها فيه تأثيرها الخاص ، وهي تتناسب مع ميل الإنسان بطبعه إلى
توظيف الخيال في توضيح الحقائق.
قالوا: وعينا ما ذكرت، فاضرب لنا من
أمثال القرآن الكريم ما يؤكد ذلك ويحققه.
قال: لقد ورد القرآن الكريم بالكثير من الأمثال التي
خصت بالبحث فيها المصنفات .. بل ورد في الحديث اعتبار الأمثال قسما من أقسام
القرآن الكريم ، فقد قال رسول الله r
:( إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فاعملوا
بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال)[28]
ومن الأمثال التي ورد بها القرآن
الكريم قوله تعالى :﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا
يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ
مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا
يَعْلَمُونَ( (النحل:75) ، فهذا المثل يشير إلى أمرين كلاهما قاله السلف من
المفسرين:
أما الأول فهو أن هذا مثل ضربه اللّه
للكافر والمؤمن، فالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر، والمرزوق الرزق
الحسن فهو ينفق منه سراً وجهراً هو المؤمن، وهو يشير إلى حرية المؤمن نتيجة
عبوديته لله ، وعبودية الكافر لأهوائه نتيجة تحرره في تصوره من العبودية لله.
وأما الثاني ، فهو كما قال مجاهد: هو
مثل مضروب للوثن وللحق تعالى، فهل يستوي هذا وهذا؟ وهو معنى ينشئ في المؤمن التحرر
من ربقة العبودية لغير الله.
فهذ المثال صور كلا المفهومين تصويرا
حسيا بديعا ، لا يجادل أحد في صحته ، ولذلك ختم المثال بقوله تعالى :﴿
الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(
ومن الأمثلة القرآنية قوله تعالى :﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي
نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ
دَخَلاً بَيْنَكُم( (النحل: من الآية92)
فالله تعالى يصور لنا في هذا المثال
حال من ينقض المواثيق والأيمان بعد توكيدها ، فضرب مثلا بامرأة خرقاء كلما غزلت
شيئاً نقضته بعد إبرامه .. لقد قال سيد مبينا التأثير التربوي لهذا المثل :( فمثل
من ينقض العهد مثل امرأة حمقاء ملتاثة ضعيفة العزم والرأي ، تفتل غزلها ثم تنقضه
وتتركه مرة أخرى قطعا منكوثة ومحلولة ! وكل جزيئة من جزئيات التشبيه تشي بالتحقير
والترذيل والتعجيب . وتشوه الأمر في النفوس وتقبحه في القلوب . وهو المقصود وما
يرضى إنسان كريم لنفسه أن يكون مثله كمثل هذه المرأة الضعيفة الإرادة الملتاثة
العقل ، التي تقضي حياتها فيما لا غناء فيه)[29]
ومن الأمثلة القرآنية قوله تعالى :﴿
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(
(ابراهيم:24 ـ25)، وفي مقابلها :﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ
الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ(
(ابراهيم:26)
فهذا المثال يصور الكلمة الطيبة
بصورة الشجرة الطيبة الثابتة التي تؤتي ثمرها كل حين ، وتصور الكلمة الخبيثة بصورة
الشجرة الخبيثة التي لا قرار لها ، ولا ثمر ينتفع به، وقد قال سيد مبينا بعض أبعاد
هذا المثل :( إن الكلمة الطيبة - كلمة الحق - لكالشجرة الطيبة . ثابتة سامقة مثمرة
. . ثابتة لا تزعزعها الأعاصير ، ولا تعصف بها رياح الباطل ؛ ولا تقوى عليها معاول
الطغيان - وإن خيل للبعض أنها معرضة للخطر الماحق في بعض الأحيان - سامقة متعالية
، تطل على الشر والظلم والطغيان من عل - وإن خيل إلى البعض أحيانا أن الشر يزحمها
في الفضاء - مثمرة لا ينقطع ثمرها ، لأن بذورها تنبت في النفوس المتكاثرة آنا بعد
آن)
وبالمقابل فإن (الكلمة الخبيثة -
كلمة الباطل - لكالشجرة الخبيثة ؛ قد تهيج وتتعالى وتتشابك ؛ ويخيل إلى بعض الناس
أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى . ولكنها تظل نافشة هشة ، وتظل جذورها في التربة
قريبة حتى لكأنها على وجه الأرض . . وما هي إلا فترة ثم تجتث من فوق الأرض ، فلا
قرار لها ولا بقاء)
[30]
ومن الأمثلة القرآنية هذا المثال
الذي يصور عاقبة الصدقة في سبيل الله ، قال تعالى :﴿ مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(
(البقرة:261)
فالله تعالى في هذه الآية يضرب مثلا
لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها
إلى سبعمائة ضعف، فجاء بمثل يحوي القضية ودليلها، ليكون أكثر إقناعا وتأثيرا.
ومن الأمثال القرآنية ما نص عليه
قوله تعالى :﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا
أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ
لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ
كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ
مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا
أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ
اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (20) (البقرة)
ففي هذه الآيات الكريمة ضرب الله
تعالى للمنافقين بحسب حالهم مثلين[31]: مثلا ناريا، ومثلا مائيا، لما في
الماء والنار من الإضاءة والإشراق والحياة، فإن النار مادة النور، والماء مادة
الحياة.
قد جعل الله
سبحانه الوحي الذي أنزل من السماء متضمنا لحياة القلوب واستنارتها، ولهذا سماه
روحا ونورا وجعل قابليه أحياء في النور، ومن لم يرفع به رأسا أمواتا في الظلمات،
وأخبر عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظهم من الوحي أنهم بمنزلة من استوقد نارا
لتضيء له وينتفع بها، وهذا لأنهم دخلوا في الإسلام فاستضاءوا به وانتفعوا به، ولكن
لما لم يكن لصحبتهم مادة من قلوبهم من نور الإسلام طغى عنهم وذهب الله بنورهم ولم
يقل (نارهم)، فإن النار فيها الإضاءة والإحراق، فذهب الله بما فيها من الإضاءة
وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق، وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فهذا حال من أبصر ثم
عمي، وعرف ثم أنكر، ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه لا يرجع إليه ولهذا قال (فهم
لا يرجعون)
ثم ذكر حالهم
بالنسبة إلى المثل المائي، فشبههم بأصحاب صيب، وهو المطر الذي يصوب أي ينزل من
السماء فيه ظلمات ورعد وبرق، فلضعف بصائرهم وعقولهم اشتدت عليهم زواجر القرآن
ووعيده وتهديده وأوامره ونواهيه وخطابه الذي يشبه الصواعق فحالهم كحال من أصابه
مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فلضعفه وخوفه جعل أصبعيه في أذنيه خشية من صاعقة تصيبه.
قال بعض القوم:
لكن المثل الواحد قد تفهم منه معاني مختلفة، ألا يحدث ذلك تلبيسا؟
قال: لا .. ذلك
يثري المثل، ويجعله مادة تربوية غنية بالمعاني .. لقد كان الصحابة ـ
رضي الله عنهم ـ يتناظرون في معاني القرآن الكريم وفي حل مشكلاته، ومن ذلك ما روي
أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال يومًا لأصحاب النبي r : فيمن ترون هذه الآية نزلت :) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ
الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا
إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(
(البقرة:266)؟» ، فقالوا: الله أعلم، فغضب عمر، وقال: قولوا نعـلم، أو لا نعـلم،
فقال ابن عباس:( في نفسي شيء يا أمير المؤمنين)، فقال عمر: يا ابن أخي، قل ولا
تحقر نفسك، فقال: ضربت مثلاً بعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال :( لرجل غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله
له الشيطان، فعمل بالمعاصي، حتى أغرق أعماله)
فهذا الذي ذكره ابن عباس ـ رضي الله
عنه ـ تطبيق من تطبيقات ذلك المثل القرآني ، وقد ذكر الحسن البصري ـ رضي الله عنه
ـ تطبيقا آخر ، فقال :( هذا مثل قلّ والله
من يعقله من الناس، شيخ كبير ضعف جسمه، وكثر صبيانه، أفقر ماكان إلى جنته، فجاءها
الإعصار فأحرقها. وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا)
وهناك تطبيقات أخرى كثيرة يمكن
تطبيقها من هذا المثل وغيره ، وهو ما يجعل المثل مادة غنية يمكن استغلالها تربويا
استغلالا كبيرا.
قالوا: وعينا هذا .. فحدثنا عن
الأمثال التي نطق بها حبيب القلوب، ومحيي النفوس سيدنا رسول الله r.
قال: لقد كان رسول الله r حريصا على اتباع سنة القرآن الكريم في ضرب الأمثال .. ولذلك كان
من سنته ضربها للتعليم والموعظة.
قالوا: فحدثنا عن أمثاله r .
قال: من ذلك قوله r يحكي عن انتهاج الأنبياء ـ عليهم السلام ـ لضرب الأمثال في
المواعظ :( إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن
وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ، فكأنه أبطأ بهن فأوحى الله تعالى إلى عيسى :
إما أن يبلغهن أو تبلغهن ! فأتاه عيسى فقال له : إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل
بهن وأن تأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فاما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن ! فقال له
: يا روح الله ! إني أخشى أن سبقتني أو أن أعذب أو يخسف بي!
فجمع يحيى بني
إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلا المسجد فقعد على الشرفات ، فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال : إن الله تعالى أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن ، وأولهن
: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، فان مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى
عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق ثم أسكنه دارا فقال : اعمل وارفع إلي ! فجعل العبد
يعمل ويرفع إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ! وإن الله خلقكم ورزقكم
فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأمركم بالصلاة ، وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا
فان الله عزوجل يقبل بوجهه إلى عبده ما لم يلتفت ، وأمركم بالصيام ، ومثل ذلك
كمثل رجل معه صرة مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك ، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك ، وأمركم بالصدقة ، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه
إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال لهم : هل لكم أن أفتدي نفسي منكم ! فجعل يفتدي
نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه ، وأمركم بذكر الله كثيرا ، ومثل ذلك كمثل
رجل طلبه العدو سراعا في اثره فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه ، وإن العبد أحصين
ما يكون من الشيطان إذا ان في ذكر الله تعالى وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن :
الجماعة والسمع والطاعة ، والهجرة ، والجهاد في سبيل الله ، فانه من فارق الجماعة
قيد شبر فقد خلق ربقة الاسلام من عنقه إلا أن يراجع ، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو
من جثى جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ، فادعو بدعوى الله الذي سماكم المسلمين
والمؤمنين عباد الله)[32]
ومن ذلك قوله r
:( ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ،
وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيها الناس ادخلوا
الصراط جميعاً ولا تتفرجوا ، وداع يدعو من جوف الصراط ، فإذا أراد أن يفتح شيئاً
من تلك الأبواب ، قال : ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه ، والصراط : الإسلام ،
والسوران : حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة : محارم الله تعالى، وذلك الداعي على
رأس الصراط كتاب الله تعالى ، والداعي فوق الصراط :واعظ الله في قلب كل مسلم)[33]
وقد كان r يلغز أحيانا بالأمثال ، وهي قيمة أخرى من قيم الأمثال إذ يمكن
تطبيق المثل الواحد على نواح كثيرة.
ومن ذلك الحديث الذي رواه ابن عمر t
قال: كنا عند رسول اللّه r فقال :( أخبروني عن شجرة تشبه - أو - كالرجل
المسلم، لا يتحات ورقها صيفاً ولا شتاء، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها)، قال ابن
عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم،
فلما لم يقولوا شيئاً ، قال رسول اللّه r :( هي النخلة)، فلما قمنا قلت لعمر: يا
أبتاه واللّه وقع في نفسي أنها النخلة، قال: ما منعك أن تتكلم؟ قلت: لم أركم
تتكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً، قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إليَّ من كذا
وكذا[34].
وقد كان r يربط الأمثلة أحيانا بأمور حسية ليبقى أثرها في نفس المتلقي، ومن ذلك
ما جاء في حديث أنس بن مالك t قال: أخذ النبي r غصناً ، فنفضه فلم ينتفض ، ثم نفضه فلم ينتفض ، ثم نفضه فانتفض ،
فقال :( إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ينفض الخطايا كما تنفض الشجرة
ورقها)
ومن ذلك أن رسول الله r
كان يستعمل حركات معينة لتقرير المعاني وتشبيهها ، ومما روي عنه في ذلك في مواضع
مختلفة التشبيك بين أصابعه الشريفة للكناية عن القوة والتماسك حينًا، وللتداخل بين
شيئين حينًا آخر، وللاختلاط والاختلاف أحيانا أخرى.
ومن ذلك ما روي عن أبي موسى t
عن النبي r قال :( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه)[35]
ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عمر ـ
رضي الله عنه ـ أن رسول الله r قال :( كيف بكم وبزمان
يوشك أن يأتي، يغربل[36] الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من
الناس، قد مرجت[37] عهودهم وأماناتهم واختلفوا، وكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه)[38]
قالوا: وعينا هذا .. فهل لنا أن نضع
من الأمثال ما نقرب به الحقائق.
قال: أجل .. فأعظم الناس قربا من
رسول الله r هو الذي لا يكتفي بأن يدعو لما دعا له رسول الله r، بل يضم إليه استعمال أساليبه ومنهجه، وطريقته .. فهو أعرف الخلق
بالله، وأعرف الخلق بطريق الدلالة على الله.
قالوا: فحدثنا عن أمثال الورثة ما
تقر به عيوننا.
قال: من ذلك قول الإمام أحمد لبعض
أصحابه : كم يعيش أحدنا: خمسين سنة ؟ ستين سنة ؟ كأنك بنا قد متنا ، ما شبهت
الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط.
ومن ذلك ما روي وعن يعلى بن عبيد
قال: سمعت سفيان الثوري يقول : لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم
تتكلمون بشيء ؟ قلنا : لا ، قال : فإن معكم من يرفع الحديث .. يعني إلى الله.
ومن ذلك ما روي أن عبد الواحد بن زيد
قال للحسن البصري : يا أبا سعيد ! أخبرني عن رجل لم يشهد فتنة ابن المهلب بن أبي
صفرة ، إلا أنه عاون بلسانه ورضي بقلبه، فقال الحسن: يا ابن أخي ! كم يد عقرت
الناقة ؟ قلت: واحدة ، قال : أليس قد هلك القوم جميعاً برضاهم وتمالئهم؟
ومن ذلك ما ورد في كتابات الوارث
النبوي الكبير بديع الزمان النوسي ، فقل أن تحلو رسالة من رسائله من مثل يضرب ، بل
إن كثيرا من رسائله مؤسسة على أمثال متقنة غاية الإتقان.
ومن ذلك ضربه المثل عن قيمة الصلاة[39]، فقد قال في مقدمة هذا المثل:( إن كنت تريد ان تعرف أهمية الصلاة
وقيمتها، وكم هو يسير نيلها وزهيد كسبها، وان من لا يقيمها ولا يؤدي حقها أبله
خاسر.. ان كنت تريد ان تعرف ذلك كله بيقين تام ـ كحاصل ضرب الاثنين في اثنين يساوي
أربعاً ـ فتأمل في هذه الحكاية التمثيلية القصيرة)
ثم يذكر مثلا في صيغة قصة ، فيذكر أن
حاكما عظيما يُرسل اثنين من خَدَمه الى مزرعته الجميلة، بعد أن يمنح كلاً منهما
أربعاً وعشرين ليرة ذهبية، ليتمكنا بها من الوصول الى المزرعة التي هي على بُعد
شهرين.. ويأمرهما بأن ينفقا من هذا المبلغ لمصاريف التذاكر ومتطلبات السفر،
ويقتنيا ما يلزمهما هناك من لوزام السكن والاقامة.. هناك محطة للمسافرين على بُعد
يوم واحد، توجد فيها جميع انواع وسائط النقل من سيارة وطائرة وسفينة وقطار.. ولكلٍ
ثمنه.
ويخرج الخادمان بعد تسلمهما
الأوامر.. كان أحدهما سعيداً محظوظاً، اذ صرف شيئاً يسيراً مما لديه لحين وصوله
المحطة، صرفه في تجارة رابحة يرضى بها سيدُه، فارتفع رأس ماله من الواحد الى
الالف.
أما الخادم الآخر، فلسوء حظه وسفاهته
صرف ثلاثاً وعشرين مما عنده من الليرات الذهبية في اللّهو والقمار، فأضاعها كلها
إلا ليرة واحدة منها لحين بلوغه المحطة، فخاطبه صاحبه قائلا: يا هذا.. اشتر بهذه
الليرة الباقية لديك تذكرة سفر، فلا تضيّعها كذلك، فسيدُنا كريمٌ رحيمٌ، لعلّه
يشملك برحمته وينالك عفوه عما بدر منك من تقصير، فيسمحوا لك بركوب الطائرة، ونبلغ
معاً محل اقامتنا في يوم واحد. فان لم تفعل ما اقوله لك فستضطر الى مواصلة السير
شهرين كاملين في هذه المفازة مشياً على الاقدام، والجوع يفتك بك، والغربة تخيم
عليك وانت وحيد شارد في هذه السفرة الطويلة.
ثم يسأل النورسي: تُرى لو عاند هذا
الشخص، فصرف حتى تلك الليرة الباقية في سبيل شهوة عابرة، وقضاء لذة زائلة، بدلاً
من اقتناء تذكرة سفر هي بمثابة مفتاح كنزٍ له. ألا يعني ذلك أنه شقي خاسر، وأبله
بليد حقاً.. ألا يُدرك هذا أغبى انسان؟
ثم يقول بعد ذلك مبينا تطبيق هذا
المثل على الصلاة : فيا من لا يؤدي الصلاة! ويا نفسي المتضايقة منها! ان ذلك
الحاكم هو ربُّنا وخالقنا جلّ وعلا..أما ذلكما الخادمان المسافران، فأحدهما هو
المتديّن الذي يقيم الصلاة بشوق ويؤديها حق الأداء، والآخر هو الغافل التارك
للصلاة..وأما تلك الليرات الذهبية الاربعة والعشرون فهي الاربع والعشرون ساعة من
كل يوم من أيام العمر.. وأما ذلك البستان الخاص فهو الجنة.. وأما تلك المحطة فهي
القبر.. وأما تلك السياحة والسفر الطويل فهي رحلة البشر السائرة نحو القبر
والماضية الى الحشر والمنطلقة الى دار الخلود. فالسالكون لهذا الطريق الطويل
يقطعونه على درجات متفاوتة .. أما تلك التذكرة فهي الصلاة التي لا تستغرق خمسُ
صلوات مع وضوئها أكثر من ساعة.
ثم يذكر النتيجة التربوية لهذا المثل
، فيقول: فيا خسارة مَن يصرف ثلاثاً وعشرين من ساعاته على هذه الحياة الدنيا
القصيرة ولا يصرف ساعةً واحدة على تلك الحياة الابدية المديدة!. ويا له من ظالم
لنفسه مبين! ويا له من احمق ابله .. لئن كان دفع نصف ما يملكه المرء ثمناً لقمار
اليانصيب ـ الذي يشترك فيه اكثر من الف شخص ـ يعدّ أمراً معقولاً، مع أن احتمال
الفوز واحد من ألف، فكيف بالذي يحجم عن بذل واحدٍ من اربعة وعشرين مما يملكه، في
سبيل ربح مضمون، ولأجل نيل خزينة أبدية، بأحتمال تسع وتسعين من مائة.. ألا يُعدّ
هذا العمل خلافاً للعقل، ومجانباً للحكمة.. ألا يدرك ذلك كلُّ من يعدّ نفسه
عاقلاً؟
في اليوم الثالث، سرت مع الأمير إلى مدرسة
من المدارس التقنية، وقد تعجبت من مسيره إليها، وقلت: ما عسى الرجل يتحدث في هذا
المحل .. وهو محل لا يتحدث إلا عن الصنائع والأكوان؟
أحسست أنه قرأ ما في خاطري، فقال:
لقد تحول هذا المحل ـ بحمد الله ـ وبفضل التوجيه الصادق إلى محراب من محاريب
العبادة .. لقد صارت المخابر منابر .. وصارت المراقب والمراصد مجالي للتأمل في خلق
الله وعبودية الله من خلال النظر إلى أكوانه .. وصارت الآلات التي انشغل بها
الكثير عن الله مسابح يذكر الله عند كل حركة من حركاتها.
قلت: كيف ذلك؟
قال: تعال معي لأدلك على منهج ذلك.
سرت معه إلى داخل تلك المدرسة التي
ما إن رآه أهلها حتى هبوا مسرعين إليه، وكأنهم معه على ميعاد، وقد رأيت في عيونهم
من الأشواق لحديثه ما رأيت في سابقيهم.
في بداية حديثه أخذ يرتل بصوت عذب
قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ
آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ (الأنبياء:32)، وقوله تعالى:﴿ وَزَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ ﴾ (فصلت: من الآية12)
ثم قال لرجل كان يستمع إليه بشوق
عظيم: حدثنا يا فلان عما ورد في العلم من حفظ الله للأرض من كل ما يؤذيها.
أخذ الرجل يقول: إن هذه الآية تتحدث
عن خاصية مهمة لبناء السماء أثبتتها الأبحاث العلمية الحديثة.. لا يمكنني أن أتحدث
عنها هنا بالتفصيل.. ولكني سأحدثكم فقط على ناحية منها لها علاقة بالأرض التي نعيش
فيها.. فالأرض تحاط بغلاف جوي يؤدي وظائف ضرورية لاستمرار الحياة، فهو يدمر الكثير
من النيازك الكبيرة والصغيرة، ويمنعها من السقوط على سطح الأرض وإيذاء الكائنات
الحية.
فلولا وجود الغلاف الجوي لسقطت
ملايين النيازك على الأرض جاعلة منها مكاناً غير قابل للعيش، ولكن خاصية الحماية
التي يتمتع بها هذا الغلاف سمحت للكائنات بالبقاء آمنة على قيد الحياة.
ليس ذلك فقط.. فالغلاف الجوي يصفي
شعاع الضوء الآتي من الفضاء المؤذي للكائنات الحية.
والملفت للنظر، والجالب للدهشة أن
الغلاف الجوي لا يسمح إلا للإشعاعات غير الضارة مثل الضوء المرئي والأشعة فوق
البنفسجية، وموجات الراديوا بالمرور.. وكل هذه الإشعاعات أساسية للحياة.
فالأشعة فوق البنفسجية التي يسمح
بمرورها بشكل جزئي فقط عبر الغلاف الجوي ضرورية جداً لعملية التمثيل في النباتات،
ولبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة.
أما غالبية الإشعاعات فوق البنفسجية
المركزة، فيتم تصفيتها من خلال طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، ولا تصل إلا كمية
محدودة وضرورية من الطيف فوق البنفسجي إلى الأرض.
وهذه الوظيفة الوقائية للغلاف الجوي
لا تقف عند هذا الحد، بل إن الغلاف الجوي يحمي الأرض من برد الفضاء المجمد الذي
يصل إلى 270 درجة مئوية تحت الصفر.
سكت قليلا، ثم قال: ليس الغلاف الجوي
وحده هو الذي يقوم بهذه العملية الخطيرة.. فهناك ما يعرف بحزام فان ألن.. وهو طبقة
ناتجة عن حقول الأرض المغناطيسية، وهي تشكل درعاً واقياً من الإشعاعات الضارة التي
تهدد كوكبنا.
فلولا وجود حزام فان ألن، لكانت
الانفجاريات العظيمة للطاقة المسماة التموجات أو الانفجارات الشمسية، والتي تحدث
بشكل دائم في الشمس قد دمرت الأرض.
وقد قال الدكتور (هوغ روس) عن أهمية
حزام فان آلن:( في الحقيقة إن الأرض تملك كثافة أعلى من كل ما تملكه باقي الكواكب
في النظام الشمسي، وهذا القلب الغظيم
للأرض المكون من الحديد والنيكل هو المسؤول عن الحقل المغناطيسي الكبير، وهذا
الحقل المغناطيسي هو الذي ينتج درع إشعاعات فان آلن الذي يحمي الأرض من الإنفجارات
الإشعاعية، ولو لم يكن هذا الدرع موجوداً لما كانت الحياة ممكنة على سطح الأرض،
ولا يملك مثل هذا الدرع سوى الأرض وكوكب المريخ الصخري، ولكن قوة حقله المغناطيسي
أقل بمائة مرة من قوة حقل الأرض المغناطيسي، وحتى كوكب الزهرة المشابه لكوكبنا ليس
لديه حقل مغناطيسي.. إن درع فان آلن الإشعاعي هو تصميم فريد خاص بالأرض )
قال ذلك، ثم التفت إلى الأمير، وقال:
هذا بعض ما أعرفه من تفسير تلك الآيات التي قرأتها.
أشار الأمير إلى رجل آخر، وقال:
حدثنا عن تفسير ما ورد في النصوص المقدسة في مواضع كثيرة من الإخبار عن دقة الصنع
الإلهي للكون، وأنه مبني على حسابات دقيقة، كما قال تعالى: ﴿ لا الشَّمْسُ
يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ
وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ (يّـس:40)، وقال تعالى يعبر عن الموازين
التي تضبط الكون، لئلا يختل اتزانه، فيقول:﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا
وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ (الرحمن:7)
أخذ الرجل يتحدث بكلام مسهب مفصل عن
دقائق الصنع الإلهي، ودقة الموازين التي ضبط بها الكون[40].
وبعد أن أنهى حديثه أشار الأمير إلى
رجل آخر، وقال: حدثنا عما ورد في العلوم من تفسير قوله تعالى:﴿ إِنَّ
اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا
مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ (فاطر:41)،
وقوله:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ
وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ
عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
(الحج:65)، وقوله:﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ
دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ
زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ (لقمان:10)، وقوله:﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ
السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ
الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾
(الرعد:2)
أخذ الرجل يتحدث بمثل ما تحدث من
قبله بكلام مسهب مفصل فيما قاله العلم الحديث في آخر أبحاثه في هذه المسائل.
ظللنا طول يومنا نسمع قرآنا وعلوما
.. وقد رأيت دموع الحاضرين تنهمر بقوة، وهي تسمع تلك الأحاديث العذبة التي تفسر
القرآن الكريم خير تفسير وأبين تفسير .. وقد رأيت بعضهم يصيح تائبا لله ومستغفرا
له.
وقد عجبت من ذلك عجبا شديدا، فلم أر
من الأمير إلا قراءته القرآن، ودعوته العلماء والمختصين للحديث، وقد سألته عن سر
ذلك التأثير، فقال: إن أعظم حجاب بين الإنسان وبين الإيمان، وما يقتضيه الإيمان هو
غفلته عن الله، وعن عظمة الله، ولذلك، فإن خير ما يعيد للقلب يقظته هو نظره في
الكون، وعبادته الله من خلال ذلك النظر.
ولهذا يتكرر في القرآن الكريم الدعوة إلى النظر،
والدعوة إلى العلم، بل إن القرآن الكريم أخبر بأن الخشية محصورة في العلماء .. فلا
يعرف الله من لا يعرف أكوانه.
اسمع قوله تعالى:﴿ إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ
الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ
فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
(البقرة:164).. وقوله تعالى:﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ (آل عمران:190)
بل إن القرآن الكريم دعا أولي العقول
إلى إعمال فكرهم في السماء.. ليعرفوا الله من خلالها، فقال تعالى:﴿
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ
كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾ (الروم:8)
وأخبر الجاحدين الذين يجحدون قدرة
الله على بعث مخلوقاته بعظمة خلق الكون، فقال:﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ ﴾ (غافر:57)
في اليوم
الرابع سرت مع الأمير إلى محال مختلفة، ومن العجيب أني لم أره في تلك المحال جميعا
ينطق بشيء إلا بما ورد في أحاديث رسول الله r من جوامع الحكمة.
سأكتفي بأن
أذكر لك بعض ما قاله باختصار[41] لترى مدى عظمة الهدي الذي جاء به
نبينا r:
رأى رجلا،
فحدثه بقوله r : (اعزل الاذى عن طريق المسلمين)[42]
ورأى آخر، ورأى
آخر، فحدثه بقوله r :( إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر
، وإن من الناس مفاتيح للشر مغالبيق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على
يديه ، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه)[43]
ورأى آخر، ورأى
آخر، فحدثه بقوله r : (إن الله تعالى محسن فأحسنوا)[44]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه)[45]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى يحب معالى الامور
وأشرافها ، ويكره سفسافها)[46]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى يقول يا ابن آدم !
تفرغ لعبادتي أملا صدرك غنى وأسد فقرك ، وإن لا تفعل ملات يديك شغلا ولم أسد
فقرك)[47]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r:( من أفضل الاعمال إدخال السرور على
المؤمن ، تقضي عنه دينا ، تقضي له حاجة ، تنفس له كربة)[48]
وورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن من موجبات المغفرة إدخالك
السرور على أخيك المسلم)[49]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ألا أخبركم بخيركم من شركم! خيركم
من يرجى خيره ويؤمن شره ، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره)[50]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس ! إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله
تعالى عزوجل على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت ، وإن
من شر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله ولا يرعوي[51] إلى شئ منه)[52]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من التمس رضاء الله بسخط الناس
كفاه الله مؤنة الناس ، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)[53]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( لا تكونوا إمعة[54]تقولون : إن أحسن الناس أحسنا ، وإن أساؤا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن
أحسنوا أن تحسنوا، وإن أساؤا أن لا تظلموا)[55]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ما من عبد إلا وله صيت في
السماء، فان كان صيته في السماء حسنا وضع في الأرض، وإن كان صيته في السماء سيئا
وضع في الأرض)[56]
ورأى آخر، فحدثه
بقوله r : (
ما رأيت مثل النار نام هاربها ، ولا مثل الجنة نام طالبها)[57]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من دل على خير فله مثل أجر
فاعله)[58]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من ذهب في حاجة أخيه المسلم
فقضيت حاجته تكتب له حجة وعمرة ، فان لم تقض كتبت له عمرة)[59]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا
مؤودة من قبرها)[60]، وورأى آخر، فحدثه بقوله r : ( من ستر أخاه المسلم في الدنيا
ستره الله يوم القيامة)[61]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أيما مسلم كسا مسلما ثوبا كان في
حفظ الله تعالى ما بقيت عليه منه رقعة)[62]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من عال أهل بيت من المسلمين
يومهم وليلتهم غفر الله له ذنوبه)[63]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك)[64]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( خيار أمتي من دعا إلى الله وحبب
عباده إليه)[65]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى يباهى بالشاب
العابد الملائكة، يقول : انظروا إلى عبدي ! ترك شهوته من أجلي)[66]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( قال ربكم تعالى : لو أن عبادي
أطاعوني لاسقيتهم المطر بالليل ، ولاطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت
الرعد)[67]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( خير الناس أنفعهم للناس)[68]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( قال الله تعالى : أعددت لعبادي
الصالحين ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)[69]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر
مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من
الاثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)[70]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من سن في الاسلام سنة حسنة فله
أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ ، ومن سن في الاسلام
سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ)[71]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان[72])[73]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من أذل نفسه في طاعة الله فهو
أعز ممن تعزز بمعصية الله)[74]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله تعالى على النار)[75]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يقول الله عزوجل : الشاب المؤمن
بقدري ، الراضي بكتابي ، القانع برزقي ، التارك لشهوته من أجلي ، هو عندي كبعض
ملائكتي)[76]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه
ليس به إلا مخافة الله إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من
ذلك)[77]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( حيثما كنتم فأحسنوا عبادة الله
وأبشروا بالجنة)[78]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من سمع خيرا فأفشاه كان كمن عمل
به ، ومن سمع شرا فأفشاه كان كمن عمل به)[79]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من آثر محبة الله على محبة الناس كفاه الله مؤنة الناس)[80]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من أطعم مريضا شهوته أطعمه الله
من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة)[81]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من فتح له باب من الخير فلينتهزه
فانه لا يدري متى يغلق عنه)[82]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
يا حذيفة ! تدري ما حق الله على العباد ؟ يعبدونه لا يشركون به شيئا ، يا
حذيفة ! تدري ما حق العباد على الله ؟ إذا فعلوا ذلك يغفر لهم)[83]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
يا يزيد بن أسيد! أتحب الجنة ؟ فأحب لأخيك ما تحب لنفسك)[84]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أقبل الحق ممن أتاك به صغير أو
كبير وإن كان بغيضا ، واردد الباطل على ما جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبا)[85]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ما من يوم طلعت شمسه إلا يقول :
من استطاع أن يعمل في خيرا فليعمله فاني غير مكر عليكم أبدا ، وما من يوم إلا
وينادي مناديان من السماء يقول أحدهما : يا طالب الخير أبشر ! ويا طالب الشر أقصر
! ويقول أحدهما : اللهم أعط منفقا مالا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا مالا
تلفا)[86]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( مثلكم أيتها الأمة كمثل عسكر قد
سار أولهم ونودي بالرحيل، فما أسرع ما يلحق آخرهم بأولهم! والله لا الدنيا في
الآخرة إلا كنفحة[87] أرنب ، الحد الحد عباد الله !
واستيعنوا بالله ربكم)[88]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس ، ومن أصلح
جوانيه أصلح الله برانيه ، ومن أراد وجه الله أناله الله وجهه ووجوه الناس ، ومن
أراد وجوه الخلق منعه ألله وجهه ووجوه الخلق)[89]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( والذي نفسي بيده ! ما لأحمر على
أسود فضل إلا الفضل في دين الله)[90]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا علي! ما من أهل بيت كانوا
حبرة[91]إلا استتبعهم بعد ذلك عبرة، يا علي! كل نعيم يزول إلا نعين أهل الجنة ، وكل
هم منقطع إلا هم أهل النار ، يا علي! عليك بالصدق ، فان ضرك في العاجل كان فرجا
لك في الآجل)[92]
ورأى آخر، فحدثه بقوله r : ( يقول الله تعالى : يا ابن آدم ! ما تنصفني ، أتحبب
إليك بالنعيم وتتمقت إلي بالمعاصي ، خيري إليك منزل وشرك إلى صاعد ، ولا يزال ملك
كريم يأتيني عنك كل يوم وليلة بعمل قبيح ، يا ابن آدم ! لو سمعت وصفك من غيرك
وأنت لا تعلم من الموصوف لسارعت إلى مقته)[93]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
أفضل الاعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين)[94]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
أفضل العمل الصلاة لوقتها والجهاد في سبيل الله)[95]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من يتوكل لي ما بين لحييه وما
بين رجليه أتوكل له بالجنة)[96]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( خير الناس ذو القلب المخموم
واللسان الصادق ، قيل : ما القلب المخموم ؟ قال : هو التقي النقي الذي لا إثم فيه
ولا بغي ولا حسد ، قيل : فمن على أثره ؟ قال : الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ،
قيل : فمن على أثره ؟ قال : مؤمن في خلق حسن)[97]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من ألطف مؤمنا أو خف له في شئ من حوائجه صغر أو كبر كان حقا على الله أن
يخدمه من خدم الجنة)[98]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ .. تقوى الله وحسن الخلق، أتدرون ما
أكثر ما يدخل الناس النار؟ .. الأجوفان : الفم والفرج)[99]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من حفرماء لم يشرب منه كبد حرى
من إنس وجن ولا سبع ولا طاهر إلا آجره الله يو القيامة ، ومن بنى مسجدا كمفحص
قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة)[100]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أيما رجل أطعم جائعا أطعمه الله
من طعام الجنة ، وأيما رجل آمن خائفا آمنه الله يوم القيامة من الفزع الأكبر)[101]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( لا تنافس بينكم إلا في اثنتين :
رجل أعطاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ويتبع ما فيه ، فيقول
رجل : لو أن الله أعطاني مثل ما أعطى فلانا فأقوم به كما يقوم به ، ورجل أعطاه
الله مالا فهو ينفق ويتصدق به ، فيقول رجل : لو أن الله أعطاني من المال كما أعطى
فلانا فأتصدق به)[102]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ألا أنبئكم بخير الناس رجلا! رجل أخذ بعنان فرسه ينتظر أن يغير أو يغار عليه
، ألا أنبئكم بخير الناس رجلا بعده! رجل في غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعلم
حق الله عليه في ماله قد اعتزل شرور الناس)[103]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
عجب ربنا من رجلين: رجل ثار على وطئه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته ،
فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي ثار من وطئه ولحافه من بين حبه وأهله
إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم فعلم ما
عليه في الانهزام وما له في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه ، فيقول الله لملائكته :
انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى أهريق دمه)[104]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم يهريقه
كأنما يذبح دجاجة ، كلما يقوم لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه ، ومن استطاع
منكم أن لا يدخل بطنه إلا طيبا فليفعل فإن أول ما ينتن من الانسان بطنه)[105]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ألا أدلكم على ما يكفر الخطايا
والذنوب! إسباغ الوضوء على المكاره ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلك الرباط)[106]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأنه منيته وهو يشهد أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله ، وليأت إلى الناس بما يحب أن يؤتي إليه)[107]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث يدرك بهن العبد رغائب الدنيا والآخرة : الصبر على البلايا ، والرضاء
بالقضاء ، والدعاء في الرخاء)[108]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ
أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)[109]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من كن فيه ستر الله تعالى
عليه كنفه وأدخله جنته : رفق بالضعيف ، وشفقة على الوالدين ، والاحسان إلى
الملوك)[110]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث من كن فيه آواه الله في كنفه ونشر عليه رحمته وأدخله جنته: من إذا
أعطي شكر ، وإذا قدر غفر ، وإذا غضب فتر)[111]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا وأدخله الجنة برحمته: تعطي من حرمك
، وتعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك)[112]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من كن فيه فإن الله يغفر له
ما سوى ذلك: من مات لا يشرك بالله شيئا ، ولم يكن ساحرا يتبع السحرة ، ولم يحقد
على أخيه)[113]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من كن فيه استوجب الثواب
واستكمل الايمان : خلق يعيش به في الناس ، وورع يحجزه عن محارم الله ، وحلم يرده
عن جهل الجاهل)[114]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من كن فيه أظله الله تحت
عرشه يوم لاظل إلا ظله : الوضوء على المكاره ، والمشي إلى المساجد في الظلم ،
وإطعام الجائع)[115]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من جاء بهن مع الايمان دخل
من أي أبواب الجنة شاء وزوج من الحور العين حيث شاء : من عفا عن قاتله ، وأدى
دينا خفيا ، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)
(الاخلاص:1)[116]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من حفظهن فهو ولي حقا ، ومن
ضيعهن فهو عدوي حقا: الصلاة ، والصيام ، والجنابة)[117]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة حق على الله تعالى عونهم :
المجاهد في سبيل ، والمكاتب الذي يريد الاداء ، والناكح الذي يريد العفاف)[118]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث من فعلهن ثقة بالله واحتسابا كان حقا على الله أن يعينه وأن يبارك له:
من سعى في فكاك رقبة ثقة بالله واحستابا كان حقاً على الله أن يعينه وأن يبارك له،
ومن تزوج ثقة بالله واحتسابا كان على الله أن يعينه وأن يبارك له، ومن أحيا أرضاً
ميتة ثقة بالله واحتسابا كان حقا على الله أن يعينه وأن يبارك له)[119]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما
أوتي آل داود : العدل في الغضب ، والرضا والقصد في الفقر ، والغني وخشية الله في
السر والعلانية)[120]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث من أخلاق الايمان : من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل، ومن إذا رضي لم
يخرجه رضاه من حق ، ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له)[121]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من أصل الايمان : الكف عمن
قال (لا إله إلا الله) ولا نكفره بذنب ، ولا نخرجه من الاسلام بعمل ، والجهاد ماض
منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال ، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ،
والإيمان بالأقدار)[122]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من كنوز البر: إخفاء الصدقة
، وكتمان المصيبة ، وكتمان الشكوى ، يقول الله تعالى : إذا ابتليت عبدي ببلاء
فسبر ولم يشكني إلى عواده أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه ، فان
أبرأته أبرأته ولا ذنب له ، وإن توفيته فإلى رحمتي)[123]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من الايمان : الانفامن
الاقتار ، وبذل السلام للعالم ، والانصاف من نفسك)[124]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r :( ثلاث من تمام الصلاة : إسباع
الوضوء ، وعدل الصف ، والاقتداء بالإمام)[125]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r :( ثلاث من أخلاق النبوة : تعجيل
الافطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة)[126]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال قط من صدقة فتصدقوا، ولا عفا رجل من مظلمة
ظلمها إلا زاده الله تعالى بها عزا فاعفوا يزدكم الله عزوجل عزا ، ولا فتح رجل
على نفسه باب مسألة يسأل الناس إلا فتح الله عليه باب فقر)[127]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث كلهن حق على كل مسلم :
عيادة المريض ، وشهود الجنازة، وتشميت العاطس إذا حمد الله تعالى)[128]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث خصال من سعادة المرء المسلم
في الدنيا : الجار الصالح ، والمسكن الواسع ، والمركب الهنئ)[129]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن ما أخذن
إلا بسهمة حرصا على ما فيهن من الخير والبركة : التأذين بالصلاة ، والتهجير
بالجماعات ، والصلاة في أول الصفوف)[130]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r:( ثلاثة أعين لا تمسها النار : عين
فقئت في سبيل الله ، وعين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله)[131]
ورأى آخر، فحدثه
بقوله r : ( ثلاثة عن كثبان المسك يوم
القيامة يغبطهم الأولون والآخرون: عبد أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل يؤم قوما
وهم به راضون ، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة)[132]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة على كثبان المسك يوم
القيامة لا يهولهم الفزع ولا يفزعون حين يفزع الناس: رجل تعلم القرآن فقام به
يطلب وجه الله وما عنده ، ورجل نادى في كل يوم وليلة خمس صلوات يطلب وجه الله وما
عنده ، ومملوك لم يمنعه رق الدنيا من طاعة ربه)[133]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة في ظل الله عزوجل يوم لا
ظل إلا ظله : رجل حيث توجه علم أن الله معه ، ورجل دعته امرأة إلى نفسها فتركها
من خشية الله ، ورجل أحب لجلال الله)[134]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة في ظل العرش يوم القيامة
يوم لا ظل إلا ظله : واصل الرحم يزيد الله في رزقه ويمد في أجله ، وامرأة مات
زوجها وترك عليها أيتاما صغارا فقالت : لا أتزوج ، أقيم على أيتامي حتى يموتوا أو
يغنيهم الله ، وعبد صنع طعاما فأضاف ضيفه وأحسن نفقته ، فدعا عليه اليتيم
والمسكين فأطعمهم لوجه الله تعالى)[135]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة في ضمان الله عزوجل : رجل
خرج إلى مسجد من مساجد الله ، ورجل خرج غازيا في سبيل الله ، ورجل خرج حاجا)[136]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة كلهم ضامن على الله : رجل
خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما
نال من أجر أو غنيمة ، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله
الجنة أو يرد بما نال من أجر ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله)[137]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا
إذا كان حلالا : الصائم ، والمتسحر ، والمرابط في سبيل الله)[138]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة من كن فيه يستكمل إيمانه :
رجل لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يرائي بشئ من عمله ، وإذا عرض عليه أمران
أحدهما للدنيا والآخر للآخرة اختار أمر الآخرة على الدنيا)[139]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة من السعادة ، وثلاثة من
الشقاوة ، فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها فتعجبك وتغيب عنها فتأمنها على
نفسها ومالك ، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك ، والدار تكون واسعة كثيرة
المرافق ، ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك ، وإن غبت عنها لم
تأمنها على نفسها ومالك ، والدابة تكون قطوفا فان ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم
تلحقك بأصحابك ، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق)[140]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة من مكارم الاخلاق عند الله
: أن تعفو عن من ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك)[141]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة هم حداث الله يوم القيامة
: رجل لم يمش بين اثنين بمراء قط ، ورجل لم يحدث نفسه بزنا قط ، ورجل لم يخلط كسبه
بربا قط)[142]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم
القيامة : عين بكت من خشية الله ، وعين حرست في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم
الله)[143]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل
من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي r فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران ، وعبد مملوك أدى حق
الله وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن
تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران)[144]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ثلاثة يتحدثون في ظل العرش آمنين والناس في الحساب: رجل لم تأخذه في الله
لومة لائم ، ورجل لم مد يديه إلا ما لا يحل له ، ورجل لا ينظر إلى ما حرم الله
عليه)[145]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة يحبهم الله ، وثلاثة
يبغضهم الله ، فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم
بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله
والذي أعطاه ، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا
رؤسهم فقام أحدهم يتملقني ويتلو آياتي ، ورجل كان في سرية فلقي العدو فهزموا
فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له ، والثلاثة الذين يبغضهم الله : الشيخ الزاني ،
والفقير المختال، والغني الظلوم)[146]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة يحبهم الله ، وثلاثة
يشنؤهم الله ، الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه
، والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الارض فينزلون فيتخي أحدهم
فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم ، والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصير على أذاه حتى
يفرق بينهما موت أو ظعن. والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلاف ، والفقير المختال ،
والبخيل المنان)[147]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة يحبهم الله عزوجل : رجل
قام من الليل يتلو كتاب الله ، ورجل تصدق صدقة بيمينه يخفيها عن شماله ، ورجل كان
في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل العدو)[148]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا
ظله إلا ظله : التاجر الامين ، والامام المقتصد ، وراعي الشمس بالنهار)[149]
ورأى آخر، فحدثه بقوله r : ( عرض على أول ثلاثة يدخلون الجنة : شهيد عفيف متعفف
، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه)[150]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من فارق الروح جسده وهو برئ من
ثلاث دخل الجنة : الكبر والدين والغلول)[151]
ورأى آخر، فحدثه بقوله r : ( عرض على
أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما ثلاثة يدخلون الجنة
فالشهيد ، ومملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده ، وعفيف متعفف ، وأما أول ثلاثة
يدخلون النار فأمير مسلط ، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله ، وفقير
فخور)[152]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث منجيات : خشية الله تعالى
في السر والعلانية ، والعدل في الرضاء والغضب ، والقصد في الفقر والغنى ، وثلاث
مهلكات : هوى متبع وشح مطاع ، وإعجاب المرء بنفسه)[153]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أحب الاعمال إلى الله: إيمان
بالله ، ثم صلة الرحم ، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأبغض الأعمال إلى
الله الإشراك بالله ، ثم قطيعة الرحم)[154]
ورأى آخر، فحدثه بقوله r : ( أد ما افترض الله عليك تكن من أعبد الناس ، واجتنب
ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس ، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس)[155]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أتدرون من السابقون إلى ظل الله
عزوجل ! الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم
لأنفسهم)[156]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أفضل الأعمال أن
تدخل على أخيك المؤمن مسرورا ، أو تقضى عنه دينا ، أو تطعمه خبزا)[157]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أفضل الفضائل أن تصل من قطعك ،
وتعطي من حرمك ، وتصفح عمن ظلمك)[158]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أفضل العمل الصلاة على ميقاتها ،
ثم بر الوالدين ، ثم أن يسلم الناس من لسانك)[159]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أفضل الاعمال الصلاة لوقتها ،
وبر الوالدين ، والجهاد في سبيل الله)[160]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن من إجلال الله إكرام ذي
الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان
المقسط)[161]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا
ويكره لكم ثلاثا ، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل
الله ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويكره لكم قيل وقال ، وكثرة
السؤال ، وإضاعة المال)[162]
ورأى آخر، فحدثه
بقوله r : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة
: يا ابن آدم ! مرضت فلم تعدني ؟ قال : يا رب ! كيف أعوذك وأنت رب العالمين ! قال
: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ، يا
ابن آدم ! استطعمتك فلم تطعمني ؟ قال : يا رب ! كيف أطعمك وأنت رب العالمين ! قال
: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ! أما علمت لو أنك أطعمته لوجدت ذلك
عندي ، يا ابن آدم ! استسقيتك فلم تسقني؟ قال : يا رب ! كيف أسقيك وأنت رب
العالمين ! قال : اسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي)[163]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله
فأدوا إذا أئتمنتم ، واصدقوا إذا حدثتم ، وأحسنوا جوار من جاوركم)[164]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( استحيوا من الله حق الحياء ،
احفظوا الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، واذكروا الموت والبلى ، فمن فعل ذلك كان
ثوابه جنة المأوى)[165]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
أفلح من كان سكوته تفكرا ، ونظره اعتبارا ، أفلح من وجد في صحيفته استغفارا
كثيرا)[166]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
عليك بطيب الكلام ، وبذل السلام ، وإطعام الطعام)[167]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أين الراضون بالمقدور؟ أين
الساعون للمشكور؟ عجبت لمن يؤمن بدار الخلود كيف يسعى لدار الغرور)[168]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( عليك بتقوى الله تعالى ما
استطعت، واذكر الله عند كل حجر وشجر ، وإذا عملت سيئة فأحدث عندها توبة السر
بالسر والعلانية بالعلانية)[169]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أوصيك بتقوى الله فانه رأس كل شئ
، وعليك بالجهاد فانه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله بتلاوة القرآن فإنه روحك
في السماء وذكرك في الأرض)[170]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
اعبدوا الرحمن ، وأطعموا الطعام ، وأفشوا السلام ، تدخلوا الجنة بسلام)[171]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على
عري كساه الله من خضر الجنة ، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله يوم
القيامة من ثمار الجنة ، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله تعالى يوم
القيامة من الرحق المختوم)[172]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
طوبى للسابقين إلى ظل الله ! الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوا
بذلوه، والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم)[173]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
طوبى لمن ترك الجهل ، وآتى الفضل ، وعمل بالعدل)[174]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( طوبى لمن ملك لسانه ، ووسعه بيته
، وبكى على خطيئته)[175]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إذا أقمت الصلاة وآتيت الزكاة
وهجرت الفواحش ما ظهر منها وما بطن فأنت مهاجر ، وإن مت بالحصرمة)[176]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( اعبدوا الرحمن ، وأفشوا اسلام ،
وأطعموا الطعام)[177]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ألا أدلكم على ما يكفر الله به
الخطايا ويزيد به في الحسنات: إسباغ الوضوء على المكروهات ، وكثرة الخطا إلى
المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة)[178]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من صام رمضان، وصلى الصلوات، وحج
البيت كان حقا على الله أن يغفر له إن هاجر في سبيل الله أو مكث بأرضه التي ولد
بها)[179]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من
الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن)[180]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من أعان مجاهدا في سبيل الله أو
غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)[181]
ورأى آخر، فحدثه
بقوله r : ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع
السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)[182]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( اسمع وأطع ولو لعبد مجدع الاطراف
، فإذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف ، وصل
الصلاة لوقتها ، فإن وجدت الإمام قد صلى فقد أحرزت صلاتك وإلا فهي نافلة)[183]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
أحدثكم حديثا ، ثلاثا أقسم عليهن : ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد
مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزوجل بها عزا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح
له باب فقر)[184]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ارحموا ثلاثة : عزيز قوم ذل،
وغني قوم افتقر ، وعالما بين جهال)[185]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أسد الاعمال الثلاثة : إنصاف
الناس من نفسك ، ومؤاساة الاخ من مالك ، وذكر الله على كل حال)[186]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أسد الاعمال ثلاثة : ذكر الله
على كل حال ، وإنصاف الناس بعضهم من بعض ، ومؤاساة الاخوان)[187]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إذا مات المؤمن كانت الصلاة عند
رأسه والصدقة عن يمينه ، والصيام عند صدره)[188]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن أحب الاعمال إلى الله عزوجل
ثلاث : مؤاساة الأخ في المال ، وإنصاف الناس من نفسك ، وذكر الله على كل حال)[189]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( حجوا تستغنوا ، وسافروا تصحوا ،
وتناكحوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم)[190]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( حصنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا
مرضاكم بالصدقة ، واستقبلوا البلاء بالدعاء)[191]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الرجل إذا أدب الأمة فأحسن
أدبها ثم أعتقها فتزوجها كان له أجران اثنان ، وإن الرجل من أهل الكتاب إذا آمن
بكتابه ثم آمن بكتابنا فله أجران أثنان ، وأن العبد إذا أدى حق الله وحق سيده كان
له أجران اثنان)[192]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أول ثلاثة يدخلون الجنة : الشهيد
، ورجل عفيف فقير مستعفف وذو عيال ، وعبد أحسن عبادة ربه وأدى حق مواليه ، وأول
ثلاثة يدخلون النار : أمير مسلط، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله ، وفقير فخور)[193]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة لا يكترثون للحساب ولا
يفزعهم الصيحة ولا يحزنهم الفزع الأكبر ، حامل القرآن يؤديه إلى الله بما فيه يقدم
على ربه سيدا شريفا حتى يرافق المسلمين ، ومن أذن سبع سنين لا يؤخذ على أذانه
طمعا ، وعبد مملوك أدى حق الله من نفسه وحق مواليه)[194]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة يوم القيامة على كثيب من
مسك أسود لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب حتى يفرغ الله مما بين الناس
: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عزوجل وأم به قوما وهم به راضون ورجل أذن في
مسجد دعا إلى الله ابتغاء وجه الله عزوجل، ورجل مملوك بالرق فلم يشغله ذلك عن طلب
الآخرة)[195]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر
ولا ينالهم الحساب هم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق : رجل قرأ القرآن
ابتغاء وجه الله وأم به قوما وهم يرضون به ، وداع يدعو إلى الصلوات ابتغاء وجه
الله وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه)[196]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن في الجنة درجة لا يبلغها إلا
ثلاثة : إمام عادل ، أو ذو رحم وصول ، أو ذو عيال صبور لا يمن على أهله بما ينفق
عليهم)[197]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ألا أخبركم بخياركم: من لان
منكبه ، وحسن خلقه ، وأكرم زوجته إذا قدر)[198]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
ألا أدلكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة: من وصل من قطعه ، وعفا عمن
ظلمه ، وأعطى من حرمه)[199]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به
الخطايا ويرفع به الدرجات ! إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد
، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ! فذلكم الرباط ! فذلكم الرباط)[200]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من لم يكن فيه فليس مني ولا
من الله : حلم يرد به جهل الجاهل ، وحسن خلق يعيش به في الناس ، وورع يحجزه عن
معاصي الله)[201]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث من كن فيه
حرم على النار وحرمت النار عليه : إيمان بالله ، وحب الله تبارك وتعالى ، وأن
يلقى في النار فيحترق أحب إليه من أن يرجع في الكفر)[202]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاثة معصومون من شر إبليس
وجنوده : الذاكرون الله كثيرا بالليل والنهار ، والمستغفرون بالاسحار ، والباكون
من خشية الله)[203]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r :( من أحسن فيما بينه وبين الله كفاه
الله ما بينه وبين الناس ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن عمل لآخرته
كفاه الله دنياه)[204]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من أصبح صائما ، من عاد مريضا ،
من شيع جنازة ، من جمعهن في يوم دخل الجنة)[205]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من أوتي ثلاثا فقد أوتي مثل ما
أوتي آل داود: خشية الله في السر والعلانية ، والعدل في الغضب والرضى ، والقصد في
الفقر والغنى)[206]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من تظاهرت عليه النعم فليكثر
(الحمد لله) ومن كثر همومه فعليه بالاستغفار ، ومن ألح عليه الفقر فليكثر من قول
: لا حول ولاقوة إلا بالله)[207]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من سره أن يحب الله ورسوله أو
يحبه الله ورسوله فليصدق في حديثه إذا حدث ، وليؤد أمانته إذا ائتمن ، ليحسن جوار
من جاوره)[208]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم
الآخر فليتق الله وليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل حقا أو
ليسكت)[209]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا
قالت صدقت ، وإذا حكمت عدلت، وإذا استرحمت رحمت)[210]
ورأى آخر، فحدثه
بقوله r : ( يا أبا بكر ! إذا رأيت الناس
يسارعون في الدنيا فعليك بالآخرة ! واذكر الله عند كل حجر ومدر يذكرك إذا ذكرته ،
ولا تحقرن أحدا من المسلمين ، فان صغير المسلمين عند الله كبير)[211]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا أبا الدرداء ! أحسن جوار من
جاورك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ، وارض بقسم الله لك تكن من
أغنى الناس)[212]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم
البصر ويسمعهم الداعي ، ثم ينادي مناد : سيعلم أهل الجمع لمن الكرم اليوم ـ ثلاث
مرات ـ ثم يقول : أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع ؟ ثم يقول : أين الذين
كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ثم ينادي مناد : سيعلم أهل الجمع لمن
الكرم اليوم ! ثم يقول أين الحمادون؟ أين الذين كانوا يحمدون ربهم؟)[213]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا سائب ! انظر أخلاقك التي كنت
تصنعها في الجاهلية فاجعلها في الاسلام ، اقر الضيف ، وأكرم اليتيم ، وأحسن إلى
جارك)[214]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من ضم يتيما إلى طعامه وشرابه
حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة ، ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار
فأبعده الله ، ومن أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار مكان كل عظم من عظام
محرره بعظم من عظامه)[215]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا عقبة بن عامر: أمسك عليك
لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك)[216]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ألا إنما هي أربع : لا تشركون
بالله ، ولا تقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنون ، ولا تسرقون)[217]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أربع إذا كن فيك فلا عليك ما
فاتك من الدنيا : صدق الحديث ، وحفظ الامانة ، وحسن الخلق ، وعفة مطعم)[218]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أربع حق على الله عونهم : الغازي
، والمتزوج ، والمكاتب ، والحاج)[219]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أربع من كن فيه حرمه الله تعالى
على النار وعصمه من الشيطان ، من ملك نفسه حين يرغب ، وحين يرهب ، وحين يشتهى ،
وحين يغضب ، وأربع من كن فيه نشر الله تعالى عليه رحمته وادخله الجنة: من آوى
مسكينا ، ورحم الضعيف ، ورفق بالمملوك ، وأنفق على الوالدين)[220]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أربع من أعطيهن فقد أعطى خير
الدنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن على البلاء صابر ، وزوجة لا تبغيه
خونا في نفسها ولا ماله)[221]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أربع من سعادة المرء : أن تكون
زوجته صالحة ، وأولاده أبرارا ، وخلطاؤه صالحين ، وأن يكون رزقه في بلده)[222]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله
تعالى من له سهم في الاسلام كمن لا سهم له ، وأسهم الاسلام ثلاثة : الصلاة ،
والصوم ، والزكاة ، ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ، ولا
يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم ، والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم : لا
يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة)[223]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أفضل المؤمنين إسلاما من سلم
المسلمون من لسانه ويده ، وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وأفضل المهاجرين
من هجر ما نهى الله عنه ، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عزوجل)[224]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( لو يعلم الناس ما في النداء
والصف الاول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ، ولو يعلمون ما في
التهجير لاستبقوا عليه ، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لاتوهما ولو حبوا)[225]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى حد حدودا فلا
تعتدوها ، وفرض فرائض فلا تضيعوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وترك أشياء من غير
نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها)[226]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إن الله تعالى عزوجل قسم بينكم
أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ،
ولا يعطي الدين ، إلا من أحب ، ومن أعطاه الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده لا
يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه غشمه وظلمه ، ولا
يكسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا
يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو
السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث)[227]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أتاني جبرئيل فقال : يا محمد !
ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقرته
لكفر ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لكفر ، وإن من
عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر ، وإن من عبادي من لا يصلح
إلا بالصحة ولو أسقمته لكفر)[228]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا غلام ! إني أعلمك كلمات :
احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت
فاستعن بالله ، واعلم أن الامة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد
كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك
، جفت الاقلام ورفعت الصحف)[229]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( بادروا بالأعمال هرما ناغضا،
وموتا خالسا، ومرضا حابسا، وتسويفا مؤيسا)[230]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( فكوا العاني، وأجيبوا الداعي ،
وأطعموا الجائع ، وعودوا المريض)[231]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من اشتاق إلى الجنة سارع إلى
الخيرات ، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات ، ومن ترقب الموت هانت عليه اللذات ،
ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات)[232]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ا عبد الله ولا تشرك به شيئا ،
وزل مع القرآن أينما زال ، واقبل الحق ممن جاءه من صغير أو كبير وإن كان بغيضا
بعيدا ، واردد الباطل على من جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبا قريبا)[233]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أوصيكم بأصحابي خيرا ثم الذين
يلونهم ، يم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ، ويشهد الشاهد ولا يستشهد ،
ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ، عليكم بالجماعة وإياكم
والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم
الجماعة ، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن)[234]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( أطب الكلام ، وأفش
السلام ، وصل الارحام ، وصل بالليل والناس نيام ، ثم ادخل الجنة بسلام)[235]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( طوبى لمن شغله عيب عن عيوب الناس
، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، ووسعته السنة ولم يعد عنها إلى
البدعة)[236]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( إذا وقف السائل على الباب وقفت
الرحمة معه ، قبلها من قبلها وردها من ردها ، ومن نظر إلى مسكين نظر رحمة نظر
الله إليه رحمة ، ومن أطال الصلاة خفف الله عنه يوم يقوم الناس لرب العالمين ، ومن
أكثر الدعاء قالت الملائكة : صوت معروف ودعاء مستجاب وحاجة مقضية)[237]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ليس شئ أحب إلى الله من قطرتين
وأثرين : قطرة دموع من خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الاثران
فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله)[238]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( ائت المعروف واجتنب المنكر ،
وانظر ماذا يعجب أذنك أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فأته ، وانظر الذي تكره
أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فاجتنبه)[239]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك
، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناءك قبل فقرك)[240]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله : من عاد مريضا، أو خرج مع جنازة
، أو خرج غازيا ، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره ، أو قعد في بيته فسلم
الناس منه وسلم من الناس)[241]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا ، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء
المستسقي وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ، وإياك وإسبال الازار فإن إسبال الازار
من المخيلة ولا يحبها الله ، وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر هو فيك فلا تعيره بأمر هو
فيه ، ودعه يكون وباله عليه وأجره لك ، ولا تسبن أحدا)[242]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا أبا هريرة كن ورعا تكن من
أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس ، وأحب للمسلمين والمؤمنين
ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، وأكره لهم ما تكره لنفسك وإهل بيتك تكن مؤمنا ، وجاور من
جاورت باحسان تكن مسلما ، وإياك وكثرة الضحك ! فان كثرة الضحك فساد القلب)[243]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من استعاذكم بالله فأعيذوه ، ومن
سألكم بالله فأعطوه ومن استجار بالله فأجيروه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع
إليكم فكافؤه ، فان لم تجدوا ما تكافؤه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه9[244]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من بسط رضاه ، وكف غضبه ، وبذل
معروفه ، وأدى أمانته ، ووصل رحمه فهو في نور الله الأعظم)[245]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
لا ينال عبد صريح الإيمان حتى يصل من قطعه ويعطي من حرمه ، ويعفو عمن ظلمه
، ويغفر لمن شتمه ، ويحسن إلى من أساء إليه)[246]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( يا ابن مسعود! هل تدري أي عرى
الايمان أوثق؟ أوثق عرى الايمان الولاية في الله ، والحب في الله ، والبغض في
الله ، يا ابن مسعود ! هل تدري أي المؤمنين أفضل ؟ أفضل الناس أحسنهم عملا إذا
فقهوا في دينهم ، يا ابن مسعود ! هل تدري أي المؤمنين أعلم الناس أبصرهم بالحق
إذا اختلف الناس وإن كان في عمله تقصير ، وإن كان يزحف من أسته زحفا ، يا ابن
مسعود ! هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا
ثلاث فرق وهلك سائرهن ! فرقة أقامت في الملوك والجبابرة فدعت إلى دين عيسى فأخذت
وقتلت ونشرت بالمناشير وحرقت بالنار فصبرت حتى لحقت بالله ، ثم قامت طائفة أخرى
لم يكن لهم قوة ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين
ذكرهم الله تعالى (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما
رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم) هم الذين آمنوا بي وصدقوني
(وكثير منهم فاسقون) الذين لم يؤمنوا بي ولم يصدقوني ، ولم يرعوها حق رعايتها وهم
الذين فسقهم الله)[247]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
يا خباب! خمس إن فعلت بهن رأيتني ، وإن لم ترني : تعبد الله ولا تشرك به
شيئا وإن قطعت وحرقت ، وتؤمن بالقدر خيره وشره تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك
وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، ولا تشرب الخمر فان خطيئتها تفرع[248] الخطايا كما أن شجرتها تعلو الشجر ،
وبر والديك وإن أمراك أن تخرج من كل شئ من الدنيا ، وتعتصم بحبل الجماعة فان يد
الله مع الجماعة يا خباب ! إنك إن رأيتني يوم القيامة لا تفارقني)[249]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب
الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في
الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون
العبد مادام العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا
إلى الجنة ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم
إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ،
ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)[250]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا
ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا
خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه ،
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني
أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق
يمينه)[251]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( لقد سألتني عن عظيم ! وإنه ليسير
على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ،
وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، ألا أدلك على أبواب الخير !
الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف
الليل ، ألا أخبرك برأس الامر وعموده وذروة سنامه ! رأس الامر الاسلام ، من أسلم
سلم وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد ، لا أخبرك بملاك ذلك كله ! كف عليك هذا
- وأشار إلى لسانه ، ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا
حصائد ألسنتهم)[252]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : ( اتق الله ، وأقم الصلاة ، وآت
الزكاة ، وحج البيت واعتمر ، وبر والديك ، وصل رحمك ، واقر الضيف ، وأمر بالمعروف
وانه عن المنكر ، وزل مع الحق حيثما زال)[253]
ورأى آخر،
فحدثه بقوله r : (
لقد سألتني عن عظيم ! وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك
بالله شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤتي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ،
وتحج البيت ، ألا أدلكم على أبواب الخير ! الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما
يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ، ألا أخبرك برأس الامر وعموده وذروة
سنامه ! رأس الامر الاسلام ، من أسلم سلم ، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ،
ألا أخبرك بملاك ذلك كله ! كف عليك هذا - وأشار إلى لسانه ، قال : يا نبي الله !
وإنا لمؤاخذون بما نتكلم قال : ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على
وجوههم - أو مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم)[254]
***
لم أمكث في
الطائف إلا تلك الأيام الأربعة التي تشرفت فيها بصحبة (الأمير) .. لقد كانت تلك
الأيام من أكثر الأيام بركة في حياتي ..
لقد شعرت ـ
وأنا أسير في الطائف بصحبة (الأمير) ـ برسول الله r، وهو يتجول في شوارع المدينة وأسواقها يدعوها لربها
ويهديها لسبيله .. بل شعرت، وكأن أحفاد أهل الطائف يكفرون عن ذنب أسلافهم في
مقابلة رسول الله r بما قابلوه به، بذلك الإكرام وتلك
الحفاوة التي أفاضوها على وريثه (الأمير).
وشعرت في نفس
الوقت بأن رسول الله r هو سيد الوعاظ، ومعلمهم، وأن من لم
يتعلم الوعظ على يديه، فسيتيه في أودية الهوى، وسيغرق من يعظه وديان الردى.
سألت صاحبي عن
سبب تركه للأمير بعد جميل صحبته له، فقال: لقد كان الأمير رجلا رحالة .. لقد كان
يشعر أنه كالطبيب الذي يبحث عن الأمراض ليعالجها ..
فلذلك نهض ذلك
اليوم باكرا، وحزم أمتعته، فسألته عن قصده، فقال: أنت تعلم أن رسول الله r لم يترك سوقا، ولا قبيلة، ولا
مجتمعا، ولا أفرادا إلا وبث فيهم من أنوار الهداية ما يقيم به عليهم الحجة، ويدلهم
على المحجة.
قلت: ذاك رسول
الله r .
قال: ولا خير
فيمن لم يحمل من الهم ما كان يحمل رسول الله r .. إن الوارث لن يناله حظه من وراثة نبيه إلا بعد أن
يمتلئ قلبه ألما لكل معصية، وحزنا على كل عاص.
قلت: ما جاء
ديننا إلا بالرحمة، فكيف تدعوني إلى الألم؟
قال: الرحمة هي
التي تدعو إلى الألم.
قلت: كيف تقول
هذا؟
قال: ألا تتألم
عندما ترى الفقير الجائع، واليتيم الضائع؟
قلت: بلى ..
الكل ينشق قلبه لهذه المرائي.
قال: والورثة
يرون في الناس ما ترون.
قلت: ليس كل
الناس لهم من الفقر واليتم ما ذكرت.
قال: أعظم
الفقر أن تكون فقيرا من ربك، مستغنيا عنه، وأعظم اليتم أن تكون بعيدا عن مولاك
الذي لا خير إلا منه.
قلت: فأولياء
الله يرون عباد الله بهذا المنظار؟
قال: أجل ..
وقد ورثوا ذلك من رسول الله r .. فلذلك لا ترى لهم سرورا إلا في إقبال الخلق على
الله، واهتدائهم بهدي الله.
***
ما استتم صاحبي حديثه هذا حتى وجدنا أنفسنا
قد قطعنا المرحلة الثانية من الطريق من غير أن نشعر بأي عناء أو تعب ..
لقد كان خيالي منصرفا تمام الانصراف
لما يتحدث به صاحبي .. وكأني مع ذلك النبي الواعظ الذي امتلأ العالم جميعا بأنوار
عظاته، وتقوت بجمال كلماته .. ولم يخطر على بالي طيلة هذه المرحلة ما كنا نقطعه من
غابات موحشة، ومن سباع عادية تتربص بنا من كل اتجاه.
لقد نزلت علي بمجرد قطعي لتلك
المرحلة أنوار جديدة .. اهتديت بها بعد ذلك إلى شمس محمد.
([1]) أشير به إلى الإمام إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الحمزي الحسني الهاشمي
المعروف بالأمير(1141 - 1213 ه = 1729 -
من
كتبه (فتح الرحمن في تفسير القرآن بالقرآن) ، و (فتح المتعال الفارق بين أهل الهدى
والضلال) و (مجموع) ذكر فيه مؤلفات والده وشيوخه وتلاميذه وتراجم بعض معاصريه.
وله
شعر فيه جودة وهو من (بيت الامير) بصنعاء، نسبتهم إلى جدهم يحيى بن حمزة بن سليمان
الحسني المتوفي سنة 636 ه، وكان (أميرا) مجاهدا، فعرف نسله ببيت الامير، ومنهم علي
بن إبراهيم الامير (1219) ومحمد بن إسماعيل الامير (1182) وآخرون.
ومما
قال فيه الشوكاني: (هو من أعيان العلماء، وأكابر الفضلاء جامع بين الشريعة
والطريقة، عارف بفنون من العلم، لا سيما الحديث والتفسير، وله فى التصوف والتسليك
يد طولى، قرأ على والده وعلى غيره، وأقرأ فى جامع صنعاء فى صحيح البخارى وغيره،
وله في الوعظ يد طولى، وقد قعد لذلك فى مواطن، فانتفع به الناس)
انظر:
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن علي الشوكاني، وانظر: الأعلام
للزركلي.
وقد
اخترناه لسببين: أولاهما أنه واعظ جمع بين الوعظ والسلوك، ولا يكمل الوعظ إلا
بالسلوك.
والثاني:
أنا أردنا أن نشير من خلاله إلى طائفة من طوائف الأمة التي لا تزال تتمسك بهدي
نبيها r وبهدي أهل بيته الطاهرين، وهي (الزيدية)، وهي طائفة تنسب إلى زيد
بن علي بن الحسين (79 - 122هـ، 698 - 740م)، وتتفق مع الاثني عشرية (والتي سنشير
إلى علم من أعلامها البارزين في عصرنا، وهو القمي في الفصل الأخير) في ترتيب
الأئمة حتى الإمام علي زين العابدين، ولكنها تقول بإمامة زيد بدلاً من محمد
الباقر.
ومن
أعلامها البارزين غير الأمير محمد بن إبراهيم بن الوزير (775 - 840هـ)، ومحمد بن
إسماعيل بن الأمير (1099 - 1182هـ)، ومحمد بن علي الشوكاني (1173 - 1250هـ)
ومواطن
الخلاف بين الزيدية وبقية المذاهب الإسلامية تخص الفروع، ولا تكاد تذكر، ويتركّز
أكثر أتباع المذهب الزيدي في اليمن.
([5]) أشير إلى حديث العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ الذي يقول فيه:
وعطنا رسول الله r موعظةً بليغةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا
رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا. قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن
تأمر عليكم عبدٌ حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل
بدعةٍ ضلالةٌ (رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح)
([9]) لم نقصد بهذا احتقار الإسرائيلي، فالمسلم يعتقد أن كل المسلمين
في جميع الأزمنة والأمكنة أمة واحدة .. وإنما أردنا من هذا أن الهمة تستثار بذكر
أعمال الصالحين.
([17]) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر
وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات.
([25]) وذلك مثل القصص الكثيرة التي تمتلئ بها كتب التفسير، والمتلقاة
عن اليهود الذين أسلموا، وهي قصص أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقائق .
([26]) من ذلك أن أحد الطلاب الجامعيين في مصر قدم رسالة لنيل درجة
( الدكتوراه) كان موضوعها (الفن القصصي في القرآن) أثارت جدلاً طويلاً سنة 1367
هجرية ، وكتب عنها أحد أعضاء اللجنة الذين اشتركوا في مناقشة الرسالة _ وهو
الأستاذ أحمد أمين _ تقريرًا بعث به إلى عميد كلية الآداب ، ونشر في مجة (
الرسالة ) وقد تضمن التقرير نقدًا لاذعًا لما كتبه الطالب الجامعي ، وإن كان
أستاذه المشرف قد دافع عنه، وصدر الأستاذ ( أحمد أمين ) بالعبارة الآتية:( وقد
وجدتها رسالة ليست عادية ، بل هي رسالة خطيرة ، أساسها أن القصص في القرآن عمل
فني خاضع لما يخضع له الفن من خلق وابتكار من غير التزام لصدق التاريخ)
ثم قال:( وعلى هذا الأساس كتب كل الرسالة من أولها إلى
آخرها ، وإني أرى من الواجب أن أسوق بعض أمثلة توضح مرامي كاتب هذه الرسالة وكيفة
بنائها)
ثم أورد (أحمد أمين) أمثلة منتزعة من الرسالة تدل على هذا
منها إدعاء صاحب الرسالة أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي، وإنما تتجه
كما يتجه الأديب في تصوير الحادث تصويرًا فنيًا ، وزعمه أن الفرآن يختلق بعض
القصص وأن الأقدمين أخطأوا في عد القصص القرآني تاريخًا يعتمد عليه .
انظر نقد كتاب ( الفن القصصي في القرآن)، للأستاذ محمد
الخضر حسين، بلاغة القرآن صـ 94.
(1) وهو بمعنى العليم ولكن العلم إذا
أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة ويسمى صاحبها خبيرالمقصد الأسنى
([41]) حاولنا أن نجمع هنا أكبر قدر من النصوص في جوامع كلمه r ، والتي تصنف في أبواب الحكم، وقد اكتفينا بذكرها دون شرحها، لأن
لكل منها محله الخاص به.
([54]) إمعة : الامعة بكسر الهمزة وتشديد الميم : الذي لو رأى له ،
فهو يتابع كل أحد على رأيه، والهاء فيه للمبالغة، ويقال فيه إمع أيضا،
(النهاية:1/67)
([86]) رواه البيهقي عن عثمان بن محمد بن المغيرة
بن الاخنس مرسلا ، والديملي عنه عن سعيد عن ابن عباس وزاد قوله (أبدا) (وكذلك
يقول الليل)
([119]) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبيد
الله بن الوازع روى عنه حفيده عمرو بن عاصم فقط. وبقية رجاله ثقات.
([185]) رواه ابن حبان في الضعفاء، أورده الامام السيوطي في الجامع الكبير، وقال: الحديث عن أنس وفيه عيسى بن
طهمان
.
([186]) رواه الرافعي ، قال المناوى في
الفيض(1/404) وفيه ابراهيم بن ناصح عده الذهبي في الضعفاء ، قال أبو نعيم: متروك
الحديث لهذا رمز السيوطي لضعفه .
([222]) رواه ابن عساكر والديلمي في مسند الفردوس
عن علي ، ابن أبي الدنيا في كتاب الاخوان عن عبد الله بن الحكم عن أبيه عن جده.
([239]) رواه البخاري في الأدب وابن سعد والبغوي
في معجمه والباوردي في المعرفة والبيهقي في شعب الإيمان عن حرملة بن عبد الله بن
أوس وماله غيره.
([240]) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس، وأحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحية عن عمرو بن ميمون.